المجلس السادس
الثلاثاء 21إبريل 2009
مالك يوم الدين
بداية في كل أمر ومجلس علينا تجديد النية..
مالك يوم الدين :
(مالك) ذكرت مرتين في القرآن الكريم :
· مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ{1/4} الفاتحة
· قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {3/26}آل عمران
· القرآن يحدثنا عن ملك الدنيا وملوكها. ولكن ملك الدنيا هو ملك ظاهري وليس بحقيقي بمعنى أن الله عز وجل يعطيه لمن يريده لحكمة عنده سبحانه، ولأمور قد نعرفها أو لا نعرفها، هذا ابتلاء عظيم. امتحان صعب أن يحوز الإنسان ملكية شيء أي شيء. وتزداد الشدة وصعوبة الامتحان والابتلاء كلما زادت المسئولية. ولذا كان من السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله، الإمام العادل. امتحان صعب .
· في سورة البقرة حكاية النمرود وكان من الملوك الكبار
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ {2/258}البقرة. فماذا حدث له في ملكه؟ اغتبر بنفسه وقوته وتجبر وتكبر. هذا اختبار عظيم.
– الله عز وجل عنده الدنيا لا تساوي جناح بعوضة …..فرعون قال ” لي ملك مصر: وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ {51}الزخرف. هذا الملك لفرعون ملك ظاهري، فالإنسان مهما بلغ ،كل ملوك الدنيا لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا ،ولا رزقا ،ولا موتا ولا حياة ولا……..ولكن لماذا يؤـي الله سبحانه الملك لبعض الناس؟ اختبار..اختبار للمحكوم وللحاكم …الدنيا كلها اختبارات وابتلاءات ….وهذا نوع من الاختبارات الوعرة. ينجح فيها من يدرك أن هذا الملك ما هو إلا مسئولية وابتلاء وأن الله سبحانه هو مالك الملك وأن الأيام لا تدوم على حال، فيستعمله فيما يحقق الخير للناس. ويدرك أن المَلك الحقيقي هو الله سبحانه فهو القادر على الإحياء والإماتة ..صفة لايمتلكها إلا الله عز وجل، وكذلك كل ما يخشى الإنسان عليه هو في يد الله سبحانه لا في يد أحد غيره: الموت، الأجل، الرزق، الصحة…الولد…..
ولذا فرعون حين رأى الموت والغرق بعينه قال: قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ {90}يونس
اللي يحتاجه الإنسان لايملكه إلا الله عز وجل الموت والبعث والنشور والرزق …. والرزق بيد الله .. ولا ينحسر الرزق في المال فقط.. الرزق في قبول العمل ..في حب الله..في العلم ..في السلوك مع النفس .. في العافية ..
الله عز وجل قدر عليّ رزقي بيده سبحانه وتعالى :
وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ {89/16} الفجر
إذا ماذا بقى للملوك ؟ المسئولية والاختبار واداء الأمانة.
– ما فائدة تدبري هذا وكيف أستعمله في حياتي؟ إذا أدركت كل هذه الحقائق وأيقنت بها، لم يبق لي إلا أن أتوجه بالدعاء لله وحده في كل شيء دون سواه. ” قل فمن يملك لكم من الله شيئا إت أراد بكم ضرا” الفتح: 11. حتى سبل وطرق النفع التي نتخيل أنها بيد البشر هي في الحقيقة مجرد أسباب بيد الله سبحانه. فالإرادة الإلهية هي التي تحرك كل شيء ف يالكون. فعلينا ألا نثق إلا فيه وألا نشرك معه غيره في رجاء أو حتى شعور مجرد شعور بأنه يمتلك أن يقدم لنا شيئا دون إرادته سبحانه. ولذا جاء في دعاء النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم: أصبحنا وأصبح الملك لله..” هو سبحانه الملك الحقيقي.
– أحد الصالحين مر على الخليفة هارون الرشيد-و كانت بغداد آنذاك قوة عظيمة وهو ملكها والقائم عليها- ولكنه مع كل هذا الملك كان يتخذ بطانة صالحة تذّكره إذا نسي، (في حين أن عادة الناس خاصة في هذه الأيام تحب أن تسمع كلام اللي يعجبها)..لماذا.البطانة الصالحة؟ لأنها لا تشترى بالمال .. يقول الحق ولايخشى في الله لومة لائم ..فقال هارون للرجل:” عظني” قال له:” إذا أردت شربة ماء ..فبكم تشتريها؟” قال له:” نصف ملكي” ..ثم قال له :”وإذا حبست فيك، فكم تدفع ؟”قال:” نصف ملكي” ..فقال:” يا أمير المؤمنين ايغرك مُلك لا يساوى شربة ماء وخروجها“..؟؟؟ هذه هي الحقيقة التي لا يراها الإنسان المغرور الذي لا يدرك الحقائق ولا يراها بعين البصيرة.…….
– الله عز وجل حين ذكر ملوك الدنيا، ذكر ضنفين، الصنف الصالح الذي يوظف ما يملك لتحقيق إرادة الله عز وجل في القرآن، والصنف الآخر غرتهم الدنيا ..الله عز وجل امتدح الصنف الأول كداود وسليمان ويوسف….
يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاء مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ {34/13} سبأ
” وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاء إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ {12/100} رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ {12/101}يوسف
هؤلاء الملوك وظّفوا ملكهم في تحقيق منهج الله سبحانه وإعمار الأرض وإصلاحها.
– الملك مظنة الغرور والتعالي والسطوة لكن المؤمن الحق كلما ازداد تواضعا رفعه الله ، وكلما ازداد الإنسان تعاليا ..انحط .
– ننظر إلى كلام يوسف عليه السلام ودعائه: آتيتني من الملك” فالملك لله على وجه الحقيق هو الذي يؤتي وينزع. “أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ“ سيدنا يوسف كان في أبهة الملك ..يريد أن يلقى الله عز وجل على الإسلام وهذه قمة الإيمان ..الله عز وجل هومن يملك الملك الحقيقي في الدنيا والآخرة ..أسلم له وأقول …مالك يوم الدين.
– والعظيم أخواتي أن الله سبحانه حين ذكر الملك في الفاتحة لم يذكر شيئا من الدنيا وحطامها لهوانها عليه سبحانه بل ذكر فقط يوم الدين. لأنه يوم الفصل الذي لا يملك فيه أحد شيئا لا ظاهرا ولا حقيقة إلا الله.
إيماني بأن هناك يوم الدين، يجعلني أصبر وأحتسب.كل أنواع الظلم والتعب… في نواحي الحياة المختلفة ..في الأسرة ..في المجتمع …اللي يجعلني أصبر وأحتمل هو يقيني بيوم الدين … الدين … الدين. الدنيا عمل ولكن الآخرة داء الجزاء، تُصفيها الديون والحسابات بعملة الحسنات والسيئات..”كما تدين تدان ” ..الجزاء من جنس العمل .قال سبحانه وتعالى :
فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ {99/7} وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ {99/8}الزلزلة
مثقال الذرة من يوزنها ؟الله عز وجل :
وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ {21/47} الأنبياء
– مرات في الدنيا، ننظر من حولنا فنرى الفاسد يطفو على السطح والصالح يهبط في القاع لكن المؤمن لديه إيمان بالله عز وجل مالك يوم الدين..حيث لا ظلم ولا غبن …
أحيانا لا أرى ثمرة عملي في الدنيا هذا غير مهم لأن علي أن أدرك وأتيقن أن الآخرة هي دار الجزاء وليست الدنيا... وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ {9/105}التوبة
العمل ليس فقط صلاة وصيام ..عملي مع أمي .. مع زوجي …مع أولادي ..كل من حولي ..اعمل بقلب ثابت ونفس ثابتة ..
أحيانا أعمل ولا أرى ثمرة عملي فأصاب بإحباط ..أعمل والناس من حولي لا يقدرون عملي وجهدي، فأصاب بالإحباط ..أعمل كأحسن ما يكون الاتقان.. الله عز وجل يرى عملي ورسوله والمؤمنون ..فأراعي الله عز وجل وأقوم بعملي بإيمان بأن الله يراني فعلا..
– في الدنيا أحيانا تُمنح الاوسمة والرتب والمناصب لمن لا يستحق..فتأتي هذه الآية لتثبت المؤمن بأن الوسام الحقيقي حين يعرض عملك على الله ورسوله والمؤمنين.” فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ” فكيف ستقدمه؟ هذه الآية تعلمني الإتقان في عملي والإخلاص لأجل يوم الدين وليس لأجل الدنيا، فهل تبقى في نفسي بعد ذلك حسرة أوحسافة على شيء من تفاهات الدنيا؟
· الحمد لله أنه سبحانه مالك يوم الدين ..لأنه مطلع غلى كل النفوس ..أغش …أخدع ..أزيف ..على من؟!
· بعض الناس يجدون وحشة وصعوبة في أن يتحلوا بالإخلاص والإتقان في زمن أصبح هذه العملات كاسدة فيه. فتأتي مالك يوم الدين لتصحح هذا الوضع. الإتقان والإخلاص من أعظم العبادات لأن بهما تبنى الحضارة وتعمر الأرض بالخير والنماء والصلاح. لا يهم أن أكون لوحدي فالصح صح وإن كان من يقول به واحد والخطأ لا يصبح صوابا لأن أكثر الناس تقول به ا, تعمله.ثم إن الخير والإتقان والإخلاص..هذه أمور معدية بمعنى حين نثبت على هقه القيم ونمارسها سيصاب من حولنا بالعدوى الخيرّة بها. أنت تدرسين تعملين في أي مجال..تمسكي بالإتقان والإخلاص لتنتشر هذه القيم التي غابت أو أوشكت أن تغيب في كثير من مجتمعاتنا…
كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ، الأمير راع ، والرجل راع على أهل بيته ، والمرأة راعية على بيت زوجها وولده ، فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته
الراوي: عبدالله بن عمر المحدث: البخاري – المصدر: الجامع الصحيح
– هنا تصبح “مالك يوم الدين ” محور حياتنا وتعاملنا مع الآخرين. نتعلم منها أن نقوم بتصفية الحسابات مع الآخرين، من أسأت إليهم، علي أن أصحح من أغتبت، من أكلت لهم حقا….كل صغيرة وكبيرة نحاسب أنفسنا.