الحلقة الرابعة
إن قصص سورة الكهف بينه ناظم ينظمه وناسق ينسّق بينه وعلاقات بالقطع ممكن أن تختلف هذه النظرات وبدأنا بكلام صاحب الظلال قال: أن القصص في هذه السورة يتكلم عن تصحيح العقيدة، تصحيح الميزان ومنهاج النظر والفكر وتصحيح ميزان القيم. في موضوع القيم على سبيل المثال صاحب الجنتين معتزٌّ بماله، معتز بجنتيه، معتزٌ بأولاده، وصاحبه المؤمن ليس عنده شيء من هذا القبيل لكنه معتز بإيمانه، معتز بربه تبارك وتعالى فكانت العاقبة له، يريد أن يصحح منهاج الفكر.
الكلام عن فتية الكهف رب العالمين يصف معلومات المتكلمين عنهم (رَجْمًا بِالْغَيْبِ (22)) وفتية الكهف يقولون عن أهلهم (هَؤُلَاء قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ (15)) اتخذوا مع الله آلهة فليأتوا ببرهان عن أن هذه آلهة. إذن هذا العقل جوهرة ثمينة وأمانة عظيمة ينبغي ألا يدخل العقل معلومة إلا مفلترة مثبتة منقّاة إما حقيقة دينية ثابتة وإما حقيقة كونية ثابتة ولا يدخل هذا الذهن معلومة أوهام، ظنون أو تقليد أو تسريبات غير قائمة على أصول، كل معلومة قد تحرف مسارك ومصيرك، المسير والمصير مرتبط بما يدخل إلى عقلك من فكر ومن علم فإذا كان العلم الداخل إلى العقل فاسداً فسد العقل (إلا من أتى الله بقلب سليم) والعقل والقلب في هذا شيء واحد. القلب والعقل بينهما طُرُق، القلب مستشار الملك (العقل) والمستشار يؤثر على قرار الملك. أي معلومة في القلب أو العقل خاطئة قد يؤدي إلى اضطراب في العلاقة بينك وبين الله عز وجل وقد تضلّ وأنت لا تشعر. كم ضلّت أقوام وأناس وأصحاب مِلل ونِحَل! مئات البشر يعبد بقرة أو فئران أو ما تيسر من موجودات الوجود نتيجة هذه التقاليد.
الناسق ما بين قصص سورة الكهف بحسب صاحب الظلال ثلاثة أشياء: العقيدة، الفكر، والقيم. القيم يعني أن تُعلي من الباقي، الباقيات الصالحات، الدنيا ظل هل يستطيع أحد أن يُمسك الظلّ؟! الدنيا ظل زائل، اِمسك بالباقي، العمل الصالح مدخر لك عند الله عز وجل، ثواب الله باقي، امسِك بهذا لكن للأسف أغلب الناس يحبون العاجلة ويذرون الآخرة لأن هناك اضطراب في القيم، تضخمت وعظمت الدنيا في نظره وفي ميزانه شعارهم : عصفور في اليد خير من عشرة في الغد، وهو شعار باطل لا ينبغي أن يقال إنما اعتزازنا بالكبير المتعال سبحانه وأن يكون عملنا لأجل دخول جنة ذات ظلال إن شاء الله تعالى، لمثل هذا فليعمل العاملون. إذن اجعل قيمك أخروية وهذا لا يعني أن تخرج من الدنيا فنحن نعيش فيها لكن لا تجعلها في قلبك أبداً. الدنيا مثل الماء إن عمت فوقها حَمَلَتك وإن دخلت جوفك قتلتك، إياك أن تدخل الماء في جوفك. السفينة تعوم على الماء لكن إن بدأ الماء يدخل السفينة تغرق السفينة ومن فيها.
أقول في موضوع الربط ما بين قصص سورة الكهف. في قصة فتية الكهف هناك هجرة من الوطن، ترك للديار من أجل الفرار بالدين، بالعقيدة. (إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا (20)). قصة موسى والعبد الصالح عليهما السلام فيها هجرة من الديار والأوطان ولو مؤقتة طلباً للعلم. قصة ذي القرنين طاف مشارق الأرض ومغاربها ترك الديار للجهاد في سبيل الله. هناك تدرج منهجي صاعد والغايات صاعدة، فتية الكهف فرار بالدين، موسى والعبد الصالح هجرة لطلب العلم وذي القرنين هجرة للجهاد في سبيل الله، الذروة والسنام والأعلى من بين الثلاثة.
نبتدئ في تفسير السورة
(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا) الحمد لله كأن كل ربع من القرآن مفتتح بالحمد: الربع الأول مفتتح بالفاتحة، الربع الثاني الأنعام، الربع الثالث الكهف، الربع الرابع سبأ وفاطر تباعاً كأن القرآن مقسم أربعة أرباع كل ربع مفتتح بالحمد.
النصف الأول من القرآن ليس فيه سورة مفتتحة بـ (سبحان) يبتدئ (سبحان) من النصف الثاني (سبحان الذي أسرى بعبده) إلى الجزء الثلاثين (سبح اسم ربك الأعلى) ولله حكمة في ترتيب قرآنه.
(الحمد لله) كلمة جامعة وهي جملة خبرية تخبرك أن الحمد لله (مبتدأ وخبر) الحمد كائن لله عز وجل لكن في ظل هذه الجملة الخبرية طلب وانشاء أي اِحمد ربك أيها الإنسان طالما أن الحمد والثناء العاطر الجليل على الله المنعم بالجزيل ينبغي أن تحمده. كل ما وعيت آلآء الله عليك زدت له حمداً. والذي لا يستحضر نعمة الله كيف يحمَد؟ إذا تذكرت نعمة البصر وتعرف كيف يعمل البصر، نعمة السمع والسمع هذا المعجزة الهائلة، أذن داخلية وأذن خارجية ووسطى وأعصاب سمع وسندان ومطرقة وسائل ينقل الأصوات وذبذبات تترجم إلى أصوات في خلال جزء بسيط من الثانية! إذا سمعت صوت بوق سيارة خلفك تتحرك مباشرة لكن لو استغرق وصول الإشارة إلى الدماغ دقيقة مثلاً لتحللها تكون السيارة دهستك!
الحمد لله، نحمده على أجزل النعم وأعظم النعم نعمة إنزال الكتاب على عبده. ودلالة استخدام (عبده) لأن أعلى مقامات المخايق جميعاً العبودية لله كما في سورة الإسراء ( بعبده ) وقد ارتقى المصطفى مرتقى لم يرتقه أحد من قبل ولا من بعد ومع هذا قال (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا) حتى يؤكد أنه مهما ارتقى العبد يظل في مقام العبودية.
(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ) أنزل فيها إشعار بعلو المنزِل وعظمة قدر المنزَل وجلالة شأن المنزَل عليه هي عظمة على عظمة، عظمة المنزِل، عظمة المنزَل، عظمة المنزَل عليه، عظمة الرسول الواسطة بين الله والرسول والشعب الذي سيحمل هذه الرسالة، إذن عظمة على عظمة في المطلق، هذا كتاب عظيم ومعانيه جليلة.
http://www.youtube.com/watch?v=74mQeRahtMM