وأُخر متشابهات

وأُخر متشابهات – الحلقة 142

اسلاميات

الحلقة 142

(فلما) – (ولمّا)

الدكتور نجيب: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وبعد. لا زلنا في سورة يوسف عليه وعل نبينا أفضل الصلاة والسلام ويتفضل شيخنا الجليل الأستاذ الدكتور العلامة أحمد الكبيسي حفظه الله باختيار آية من هذه السورة مبيناً ما بينها وأخواتها في هذه السورة وغيرها من السور القرآنية من مغايرات ومفارقات.

د. الكبيسي: بسم الله الرحمن الرحيم. ولا نزال في سورة يوسف عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام وأنتم تعرفون جميعاً أن الله سبحانه وتعالى سمى هذه السورة بأحسن القصص ووجه الأحسنية متعدد فهذه السورة فيها حسن عظيم وقلنا سابقاً أن هناك حسن وهناك جمال الفرق بينهما أن الجمال نسبي ما أراه جميلاً قد تراه أنت قبيحاً يعني أنا أعشق امرأة سوداء أنت تعشق امرأة شقراء فالجمال مختلف والحسن متفق عليه. فرب العالمين ما قال الجنة جميلة بل قال الحسنى (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى (26) يونس) فالحسن مطلق لا يختلف فيه اثنان فرب العالمين ما قال هذه السورة فيها جمال بل فيها حسن وهي من أحسن فيها ناحية جمالية أحسن كل القصص لماذا؟ لأن كل فئة في هذا المجتمع الإنساني إلى يوم القيامة يجد فيها عظة وعبرة في غاية الجمال وفي غاية الكمال. أهل الحكم أهل الحب والعشق أهل اللغة أهل الإنصاف والأخلاق الراقية كل أنواع الأشياء التي تهم الإنسان بشكل أساسي تجد فيها صورة جمالية مطلقة لا يختلف فيها اثنان يعني مثلاً نأخذ أهل الحكم يعني انظروا هذا الملك كم كان عادلاً (وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ (54) يوسف) رآه ولما امتحنه واختبره ورأى أخلاقه وعلمه قال ولو أنك أنت غريب ولا نعرف من أين جئتنا واتهمناك باطلاً وظلماً وهؤلاء الذين اتهموك اتهموك حسداً فالآن أنت عندنا مكين أنت كأنك واحد منا بل أنت واحد منا ولهذا عينه على خزائن الأرض. هناك مثال جميل جداً وقمة من القمم لأهل الحب والعشق وهي العفة “من أحب فعف فمات مات شهيداًّ من الذي يصمد كما صمد يوسف؟ (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) يوسف) شابة جميلة من علية القوم ومن الطبقة الحاكمة وتراوده يوم ويومين وشهر وشهرين وسنة وسنتين قال (قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي) ولهذا رب العالمين قال نحن رب العالمين فعلنا به كذلك ولا ما يستطيع بشر أن يفعل هذا (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24) يوسف) (كَذَلِكَ) نحن رب العالمين وأنتم لاحظوا رب العالمين لما يتكلم عن ذاته العلية بصيغة الجمع يعني فعلنا شيئاً لا يفعله غيرنا (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (12) يس)هنا قال (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24) يوسف) من هذا الذي يعصم شاباً جميلاً كفلقة القمر مع امرأة من علية القوم في غاية الجمال تراوده ليلاَ نهاراً حتى قدت قميصه ومزقته؟! قال معاذ الله! يصبر مرة يقاوم مرة مرتين عشرة وهذا ساكن في بيتها قمة من العفة! فكل نبي من الأنبياء بطل من الأبطال في حالة معينة فسيدنا يوسف بطل العفة ولهذا قال رب العالمين (كَذَلِكَ) نحن رب العالمين فعلنا به ذلك. هناك لأهل الإنصاف طبعاً الأخلاقيات كما تعرفون في هذا الدين أساس كل علاقة بالله ورسوله “أقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً” الصوم سهل والصلاة سهلة والحج والعمرة كله سهلة حتى الزكاة كله سهل لكن أن تكون ذا أخلاق حلم وصبر وسخاء وخشية وحياء هذه في غاية الصعوبة. من أجل هذا واحد صار مشكلة بين واحدة من حريمه أخته بنته من العائلة اتهمت بجريمة أخلاقية مع واحد أيّ واحد منا لا سمح الله لو أبتلي بهذا البلاء يقف مع هذه المرأة حتى لو كانت بغياً حتى لا ينفضح بين الناس وهنا يقول (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (26) يوسف) من أهلها وليس من أهله ولا غريب واحد من أهلها قد يكون عمها أو أخوها أو أبوها قال تعالوا الحق والعدل أولى(إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (26) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (27) يوسف) وبالتالي من الذي يفعل هذا؟! قمة الإنصاف والأخلاق الراقية والصدق والحق والعدل من يفعل هذا بقضية خطيرة يمسك الرجل أخته أو أبنته فينحرها نحراً لمجرد أنها كلمت رجلاً أجنبياً؟! ومع هذا يقول (إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (26) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ) هذه قمة! يعني كل أخلاقية لها في هذه السورة صيغة وصورة عجيبة وغريبة. شاهدنا في هذه الحلقة الجمال اللغوي والجمال اللغوي كأي جمال له أصحاب، جمال الخمرة لها أصحابها وجمال العلم له أصحابه وجمال الحُكم له أصحابه وقِس على هذا. وللغة جمال لا يدركه غيرهم يعني التعبير الجميل بيت الشعر الرائع العبارة العظيمة يعني لماذا نقدس فلاناً وفلاناً؟! قال الزيّاد وقال طه حسين وقال المنفلوطي وقال الخ لأنهم قالوا كلاماً جميلاً يعني يُسكِر صاحب الذوق اللغوي هناك من يسكر بخمرة وهناك من يسكر بكلمة بعبارة ويبقى أسبوع أسبوعين وهو يحلم بها. فهذا الإعجاز اللغوي في القرآن الكريم إعجاز أخذ عقول المسلمين وغير المسلمين وأنتم تعرفون أن مشركي قريش لما عاندوا هذا الدين وعاندوا النبي صلى الله عليه وسلم كان لما يسمع القرآن يقول والله ما هذا بقول بشر! إن أعلاه لمغدق، هذا هو القرآن ومن ضمن هذا الإعجاز في هذه السورة جمالها اللغوي كثير أقف عند حالة تفرض نفسها على القارئ المتدبر. إعجاز لغوي في هذه السورة بكلمة (لما). كلمة (لما) تكررت تقريباً إحدى عشر أو اثنا عشر مرة يعني لما، لما، لما. مرة يقول (فلما) ومرة يقول (ولما) كما هي هذه الآية 59 (وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (59) يوسف) قال (ولما) واو وفي آية سبعين قال (فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ (70) يوسف) لماذا في الأولى (ولما جهزهم) وفي الثانية (فلما جهزهم)؟ ما في القرآن عبث كل حرف فيه آية كل حرف في القرآن آية فرب العالمين يصف الإعجاز اللغوي في هذا الكتاب بالحروف ولهذا الحرف له عشر حسنات “لا أقول الم حرف ألفٌ حرف ولامٌ حرف وميمٌ حرف” كما قال المصطفى عليه وعلى آله الصلاة والسلام. تعالوا نتتبع في هذه السورة كم جاءت الفاء واللام، وقبل هذا حتى نعرف ما الفرق لما نقول ولما أي الوضع هادئ وكل شيء على مكانه والأمر مستقر حدث تاريخي، السلام عليكم السلام ولما جلست جئتوني بشاي حدث عادي بينما إذا قلت فلما معناها في ضوضاء وفي إشكال وفي حدث وفي مشكلة كبيرة والوضع مختلف والعواطف جياشة في ربكة لاحظ الآن طبعاً قالوا (قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ (11) أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (12) يوسف) طبعاً هذا صار سجال وكل يوم نفس الطلب لأنها مؤامرة وهو لا يدري وكل يوم على هذا الحال بدون فائدة أخيراً لما لحوا عليه قال (فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (15) يوسف) حدث مرعب ولا ينسى وما يصير إذاً (فلما) هذه واحدة، عن سيدنا يوسف (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (22) يوسف) كما تحدثنا في الحلقة السابقة قلنا بلغ أشده من غير (واستوى) كما سيدنا موسى (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى (14) القصص) قال ولما بدون الفاء لماذا؟ الرجل كبر سنة سنتين ثلاثة أربعة خمسة عشر عشرين سنة بلغ أشده ما في مشكلة يعني شيء روتيني هاديء قال (وَلَمَّا) هذه واو استئنافية أما تلك الفاء للتعقيب والترتيب في حدث يترتب عليه فلان جسر على فلان فلما جسر عليه قام قتله يعني هناك مشكلة. الثانية جاءها خبر قالوا يا فلانة نسوان الحي يتهمونك أنك عاشقة لفلان وهذا الرجل أنه صار بينكما زنا وفعل بك الخ جنّ جنونها قال (فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآَتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (31) يوسف) وهنا لا يمكن أن تكون غير (فلما). هناك حالة أخرى يوسف صار عند العزيز يكبر ويكبر بعد خمس عشرة عشرين سنة (وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (58) يوسف) وجاء ما في مشكلة حالة انسيابية اعتيادية مسهم الجوع وجاءوا على مصر لكي يأخذون التموين (وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ) هذه واضحة (وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ) هم لما جاءوا عرفهم أنهم أخوانه الذين رموه في البئر هم ما عرفوه صار رجل كبير صار عشرين سنة خمسة وعشرين سنة فهم طبعاً ما عرفوه لأنه كان طفل وصار كبيراً فهنا يقول (وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ) ما في مشكلة جاءوا وسلموا عليه وطلبوا التموين وأوقفهم بالطابور بالدور وأعطاهم شيئاً الخ فقال (وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (59) فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلَا تَقْرَبُونِ (60) يوسف) حالة عادية لا فيها لا مشكلة ولا ضرب ولا شيء فلما أعطاهم هذا التموين قال أنتم من أين أتيتم؟ قالوا نحن من فلان مكان وفلان مكان قال أنا أسمع أن عندكم أخ مرة ثانية إذا جئتم اجلبوه معكم قالوا إن شاء الله (قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ (61) يوسف) مع السلامة، الوضع هاديء. هناك لما رجعوا مرة أخرى وبأخيهم هنا اللقطة راحوا وقالوا (فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (63) قَالَ هَلْ آَمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (64) وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ (65) قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آَتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (66) وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (67) يوسف) يعني شغلة كبيرة والأعصاب مشدودة وهذا الأب ما ينام الليل لا يكونوا عملوا به مثل أخوه وهم خافين الموضوع والخ وبالفعل جابوا أخوه ولما دخلوا عليه عرف أن هذا أخوه فهو أخوه من أمه وهذه أعجوبة العجائب حكاية الأخوة من أم يعني غريبة جداً خلاف الواقع وخلاف القواعد. المفروض أن هذا أخوك من أبوك أنت فلان ابن فلان وهو فلان ابن فلان مثلك!! بينما أمكم مختلفة لكن واقع الحال أن الأخوين لأم كأنهم أخ واحد متحابان ومتعاونان لا يفترقان بينما الأخوة لأب بينهم عداوة يا لطيف انظرا ماذا فعلوا بأخيهم!!! رموه بالبئر على أساس مات، فهنا (فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ) انتهينا (فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (63) قَالَ هَلْ آَمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (64) وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ (65) يوسف) فلما رجعوا إلى أبيهم هذا مباشرة لما وصلوا قالوا يا أبت القصة كذا وكذا وحكينا وسولفنا وأبوهم متلهف ما الذي جرى ورأى أن الطعام الذي أتوا به مضاعف أكثر من حقهم وكرموا تكريم هائل. (وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ) كل هذا ما فيه مشكلة متسلسل أحداث حلوة وجميلة ما فيها شيء يثير الأعصاب أو المشاكل. ثم أخذوا أخوهم ورجعوا على العزيز شيء عادي سلام عليكم السلام (وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آَوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (69) يوسف) ما عليك هم ما يعرفون، هنا قال (فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ) فلما، لماذا هنا فلما وهناك ولما؟ هناك قال ولما لأن هناك عادي ما في أي مشكلة الأحداث متسلسلة. هنا لا، تخيل أنت أن لك أخ تحبه حباً عظيماً وصار لك عشرين سنة وأنت تحلم فقط بأن تراه وهو يظن أنك أنت مت وخلاص ومع هذا فإذا به أمامك وجهاً لوجه! طبعاً هو ذهل عن كل شيء عن المال وعن الحكم وعن كل شيء فقط يريد أخوانه ينزاحون حتى يختلي بأخيه.

د. نجيب: هذا المشهد سيدي الفاضل يحتاج إلى توقف واطلالة كافية وافية سنعود إلى فضيلتكم بعد هذا الفاصل إن شاء الله.

———–فاصل——–

د. الكبيسي: الفاء هنا تعطيك صورة كاملة أن هذا الحدث فيه كثير من الهيجان ومن المشاعر المشتعلة ومن لأحاسيس الجياشة وقضية غير اعتيادية الكل متلهف الكل يضع يده على قلبه هناك مشكلة، فحينئذٍ هذا من سرعة التلاحم تلاحق الأحداث الفاء كأنها رابط بين الحدث والحدث كيما تتلاحق الأحداث وهي متلاحقة أصلاً، هذا هو الفرق ولو تتبعت الآية التي قرأناها قبل قليل في هذه السورة وفي كل سور القرآن على (لما) تجد الفاء تعني هناك حدث هناك انشغال هناك هيجان هناك مشكلة بينما الواو (ولما) انسيابية وأحداث مترتبة طبيعية واحد بعد الآخر، هذا هو الفرق. قلنا إذاً فرحة يوسف عليه السلام بأخيه بنيامين وهما أخوان أمهما واحدة فهما أخوان شقيقان بينما بقية الأخوة أخوة لأب. الأم هي الجامعة بين الأخوة وهذه قضية نفسية أولاً من حيث الوراثة المعروف أن العامل الوراثي مؤثر جداً في السجايا وليس في الأفعال، الأفعال هي مكتسبة وحينئذٍ الإنسان هو المسؤول عن أفعاله. هناك سجايا وراثية وهي الكرم والبخل، الشجاعة والجبن، الذكاء والغباء وقس على هذا يعني سرعة الغضب يعني كل السجايا التي تسمى المنظومة الأخلاقية هذه في الحقيقة موروثة أو الميراث أو الإرث له دخل كبير ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم قال “تخيّروا لنُطَفِكم فإن العرق دسّاس” من أجل هذا الأخوة لأم لشدة ارتباطهم بالأم وأن الأم هي التي تؤلف بين الأخوة من حيث أن الأب مشغول، الأب يخرج صباحاً ويعود مساءً الأطفال ينشأون في حضن أمهم. ولا شك أن تربية الطفل عند أمه غير تربيته عند زوجة أبيه، شيء آخر الجنة تحت أقدام الأمهات لشدة ما تعانيه من تربية الأولاد. ولذلك تجد أن الأخوة الأشقاء أخوة أشقاء والأخوة لأب في الغالب الأغلب لا تراهم إلا مختلفين بينما الأخوة لأم لا تراهم إلا متكاتفين متحابين متآنسين. هذا الذي حصل لسيدنا يوسف فما صدّق عندما رأى أخاه بنيامين أمام عينيه إلا ويريد أن يدفع بأخوته لكي يذهبوا (فجهزهم) لم يقل (وجهزهم) بسرعة أمر أمراً قال بسرعة أعطوهم لأن هذا يأخذ أيام يعني أنت قادم من الشام وإلى مصر لكي تأخذ التموين أمامك مئات القوافل قدمت قبلك وحينئذٍ لما قال الفاء فهمنا الحالة كاملة بهذه الفاء الصورة كاملة أنهم ما أن دخلوا عليه حتى أمر بتجهيزهم حتى يذهبوا ووضع السقاية ثم لما انطلقوا آذن مؤذن. إذاً هذه الفاء صورة كاملة فرب العالمين عندما يستعمل الحرف على هذه الدقة وعلى هذه الإعجاز ولو تأملت في كتاب الله عز وجل من ألفه إلى يائه لا تجد ولا اختلافاً واحداً، رجلٌ أمّيٌ في منطقة لا تعرف بالثقافة وهي الجزيرة العربية مكة يأتي بكل هذا الإعجاز لا يمكن إلا أن يكون كل هذا الكلام من عند الله (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82) النساء) ولا اختلاف واحد ولا حركة ولا حرف وكفى بذلك إعجازاً وإثباتاً أنه كلام الله.

ليلى من الأردن: ما الفرق بين قوله (كفى بالله وكيلا) (وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (81) النساء) أيهما أقوى؟

الإجابة: هذه واو قسم هذه قضية مهمة جداً هناك شيء فيه اختلاف أو ربما شيء من عدم الثقة فرب العالمين لما أدخل الواو كأنه قال اقسم بأنه كفى بالله وكيلاً بينما القضية التي ما فيها واو هي ماشية على حال هذا الفرق هذه الواو كأن الله يقسم يميناً بأن الله كفى به وكيلاً.

إذاً هذا الأمر يقودنا إلى هذا المرض العضال الذي لا يخلو منه جسد أبداً وهو أول جريمة على وجه الأرض. وتكلمنا عن هذا في أحسن القصص عندما تكلمنا عن مقتل الأخوين، مقاتلة الأخوين قابيل وهابيل حيث قتل أحدهما الآخر حسداً واستمرت هذه المصيبة إلى اليوم وإلى يوم القيامة وأكثر الذين يحسدونك هم أهلك. ما من حاسدين يحسدونك أكثر من إخوانك وأعمامك وأولاد عمك وأولاد خالك وأقاربك وقبيلتك وعشيرتك وهذا معروف وما وصى الله بهم إلا لهذا. كما أن الله عز وجل عندما وصّى بالوالدين لأن الوالدين لا يرضون عليك لا يرضون عليك أبداً مهما قدّمت لهم فالوالدان يبقى في نفسه حاجة منك قال مهما حصل مهما حصل إياكم أن تقول لهما أفّ وكذلك الأرحام مهما كانوا عاقّين مهما كانوا قد آذوك وما أكثر ما يؤذون يعني هذه العبارات نجدها على الجدران طبعاً هي خرافات لكن لها أصل “الأقارب عقارب” والخ يعني كلمات شعبية ولكنها خلاصة التجارب والقصص القرآني في هذه السورة وهي أحسن القصص تبين لك كيف جرى هذا أخوان أبوهم نبي.

الدكتور نجيب: تذكيراً لهذا الموضوع في حلقة سابقة تكلمت عن هذه القضية وأصّلت الموضوع ذكرت أن المعاصي نوعين معاصي شيطانية ومعاصي إنسانية بشرية، ذكرت أن الحسد أصولها شيطانية نعود إلى ذلك اليوم الذي حسد فيها إبليس آدم فمن تطبّع بهذا الطبع فكأنما يتطبع بالطبع الشيطاني

الدكتور الكبيسي: هذا أول حسد وبالتالي هو خالد إلى يوم القيامة. يعني الذي جرى على آدم كل الملابسات سوف تنطبق على بنيه إلى يوم القيامة هكذا هذا الذي حصل ولذلك تقول الآية (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5) الفلق) قال من شر حاسد وليس من شر كافر لم يقل إذا كفر وقاتل لم يقل إذا قتل، ما معنى الحاسد؟ قال إذا حسد لأن الكافر كافر فهناك رب حاسد لا يحسد كيف؟ قال لك هذا الحسد قانون إنساني كونك أنت بني آدم لازم تكون حسوداً يعني لكن هناك حاسد يحسد وحاسد لا يحسد، ما هو الحسد؟ أن واحد من أقرانك صار أحسن منك مرتبة رتبة مالاً سلطاناً علماً المهم أنت تراه تقدم عليك، هذه الغيرة هي الحسد هذه الغيرة قد تقتل قلبك وأنت تعبان من الموضوع هذا وتقول لماذا هو صار هكذا؟ وليس هذا فقط لا قمت بعمل المؤامرات عليه وتشنع عليه حتى تؤذيه، هذا حاسد حسد

أحمد من السعودية: في حرف الفاء في سورة القصص ربنا سبحانه وتعالى يقول عن قارون (فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79) القصص) فالفاء هنا للمفاجأة أليس كذلك؟

الإجابة: هذا صحيح للمفاجأة ولكن أي مفاجأة؟! تصور واحد يملك كل هذا المال الذي لم يحدث في التاريخ مثله ثم ينتظرونه لكي يخرج مصطفين ناس على الجانبين لكي يروا هذا الملياردير الذي يملك من الكنوز ما (مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ (76) القصص) ليست الكنوز وإنما المفاتيح تموء بالعضبة، وأصبح خيال وكل يوم يتكلمون عليه هذا قارون وراح قارون وصار هو ضد موسى وعمل له حزب وجماعة وبالتالي عندما يخرج أتباعه وأنصاره يمشون وراءه لأنه هو ضد أتباع موسى(إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ (76) القصص) وفي وسط كل هذا قطعاً هو خروج فيه هيجان وأعصاب ومشاكل وعداوات وبالتالي لو كان قارون إنساناً عادياً وعنده سيارة سيارتين لما خرج عادي الناس جالسين في المقهى يتفرجون عليه لكن هذا إذا خرج ألف عبد عن يمينه وألف عبد عن يساره خمسمائة عربانة وراءه وخمسمائة جواد يجرّها، عيد، يعني كأنها قامت القيامة إذاً (فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ).

إذاً نتكلم مرة أخرى عن هذه الجريمة أو هذه الأخلاقية التي هي مفروضة فرضاً هي من جبلّتك من خلقتك من طينتك عندما خلق الله طينة آدم خلق فيها هذا، قالت الملائكة (قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) البقرة) شافوا الطينة مليئة بالذنوب والخطايا قال(إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) ولهذا صلى الله عليه وسلم قال “لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ثم جاء بقوم يذنبون” أعظم ما في هذا الإنسان أنه يستطيع أن يخطئ ولكنه لا يخطئ وإذا أخطأ يتوب ويستطيع أن يتوب أو لا يتوب ولكنه يتوب هذا يحبه الله عز وجل “كل ابن آدم خطاء وخير الخطاءين التوابون” “إن الله يحب الخطّاء كثير التوبة” إن الله يحب التوابين يخطئ ويتوب يخطئ ويتوب يخطئ ويتوب هذه العملية رب العالمين يحبها حباً عظيماً ولهذا رب العالمين عز وجل عندما خلق الملائكة لا تخطيء وكان ممكناً أن يجعلهم هم الوارثين قال لك لا أخلق مخلوق يستطيع أن يعصيني ولا يعصي وإذا عصاني رجع سرعة بسرعة إلي هذا الوضع يريده الله سبحانه وتعالى ولذلك كرم الإنسان على كل المخلوقات. إذاً هذا الحسد نحن مبتلون به للاختبار (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) العنكبوت) فتنتا بالحسد، لماذا؟ لأن الجنة سلعة الله الغالية سلعة غالية يعني ليست بسهولة نحن قلنا كل العبادات سهلة حكاية الحسد هذه مصيبة المصائب، من الذي لا يغار من قريبه ابن عمه جاره صديقه صار وهو بقي على الهامش؟!! حينئذٍ كم تكرهه كم تبغضه كم تحرّض عليه كم تكذب عليه كم تشنّع عليه وهناك واحد لا، حاسد لا يحسد يقول اللهم رب العالمين يعني كما أكرمته أكرمني ومهله وأنعم عليه ومتعه الخ وهذه قلة كم واحد من الناس صديقان رفيقان أولاد عم أخوان ما في واحد ما يحسد إلا الأب والأم ما يحسدون أولادهم فقط بل حتى الابن قد يحسد أبوه كثير من الناس طلعوا أباءهم لكن الأب ما يطلع ابنه ولذلك الأبوان فقط هما الشخصان الوحيدان اللذان لا يحسدان أولادهم أما الأخوة الأعمام الأقارب الناس العاديين الحسد داء وبيل من أجل هذا يوم القيامة يقول (إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) الشعراء). رب العالمين يتحدث عن الطبقة العليا في الجنة والجنة درجات هائلة يعني لا يحيط بها العقل مهما فكرت (وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا (20) الإنسان) حينئذٍ الذي يكون في القمم مع الله في مقصورته وهي الفردوس الأعلى “سلوا الله الفردوس الأعلى فإنها مقصورة الرحمن” هؤلاء الناس العلماء في كل الدنيا مالئوا الدنيا ما شاء الله لكن تعرفون أن الحسد داء العلماء ما من عالمين إلا ويحسد أحدهما الآخر إلا من رحم يمكن بالألف واحد هذا واحد يروح الفردوس الأعلى، تجار حكام فنانين وهكذا. هذا الحسد داء الأمة داء البشرية كلها أما أن تأتي الله عز وجل وليس في قلبك غلٌّ ولا حسد كما في الأحاديث يا الله! ولهذا هؤلاء الناس يوم القيامة يعني كونك أنت إنسان مهما حصل لك وحصل للآخرين لا غلّ ولا حسد ولا كراهية ولا بغضاء هذا قطعاً مع النبيين قطعاً (فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69) النساء) هؤلاء الصالحون وهم قلة. ولهذا إذا أردت أن تفوز بالدرجات العليا يعني بالمقصورة التي الله فيها حينئذٍ عليك أن تخلص نفسك من الحسد وهذا كلام

الدكتور نجيب: يعني أعمال القلوب مقدمة على أعمال الجوارح؟

الدكتور الكبيسي: بلا شك لكن شيخي كلنا ندّعي

الدكتور نجيب: نسال الله الهفو والعافية وأن يطهر قلوبنا من هذه الأمراض جميعها نعود إلى شيخنا بعد هذا الفاصل

—-فاصل——

د. نجيب: لا شك أن ما يقابل الحسد الغبطة وهو عدم تمني زوال هذه النعمة بأن يتمنى الإنسان ويدعو الله عز وجل أن يرزقه مثل هذه النعمة ولعل سورة آل عمران عندما قص الله سبحانه وتعالى قصة امرأة عمران ثم أتبعه بقوله ( كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (37) هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (38)آل عمران) فعندما علم أن المصدر هو الله سبحانه وتعالى أن المعطي والمانع هو الله فتمنى ولم يتمنى زوال هذه النعمة؟

الدكتور الكبيسي: هذا في غاية الجمال، كل معصية أمامها النقيض وبالتالي لو أنا عندي بنت أخت وصارت وزيرة أو رئيسة وأنا لا أزال رجل معلِّم والله العظيم لأحسدها وأحكي عليها! وبالتالي كما تفضلت هذه الغبطة هي من العبادات أنت عندما تذكرك نعمة على عبد تذكرك بنعم الله تقول يا ربي أعطني كما أعطيته من غير أن يكون في قلبك غل ولا بغضاء هذه هي الأخلاقية العظمى يوم القيامة. شيخي هناك كما تعرف ويعرف جميع المستمعين هناك حسنات يوم القيامة أساسية التي يغفر كل الذنوب من أجلها. يعني هذه المرأة التي سقت كلباً يلهث الظرف الذي كان فيه مستحيل ولكنها فعلته وحينئذٍ عندما تأتي يوم القيامة (إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) وليس في قلبك غل ولا كراهية شيخي هذه البغضاء “دبّ إليكم داء الأمم قبلكم الحسد والبغضاء والبغضاء هي الحالقة لا أقول حالقة الشعر ولكنها حالقة الدين” ما يبقى دين لماذا؟ أنت إذا حسدت إنساناً ثم نفذت حسدك يعني حاسد حسد كل حسناتك له وكل سيئاته عليك وإذا أنت حاسد سبعة ثمانية طول حياتك مشكلة. ولهذا هذه من الجرائم الخطيرة مع الأسف نحن لم نلتفت إليها يعني كوني أنا متألم جداً أن فلان صار أحسن مني وربما أنا اذكره بشر أو ربما عندما يذكر أمامي بشر أنا أفرح فهذه ماحقة ولهذا يوم القيامة “إن العبد يأتي يوم القيامة بأعمال كالجبال وقد أخذ قسطاً من الليل ثم لا يجد عند الله منها شيئاً” هكذا إما بالحسد أو بالغيرة أو بالكذب

د. نجيب: ولهذا

إذا أراد الله نشر فضيلة طويت        أتاح لها لسان حسود

د. الكبيسي: ولذلك حكاية القلب السليم بحاجة إلى تربية. والأمة مرت بتاريخ كان هناك فقهاء وهناك أصحاب السلوك الصالحون وكان طلاب العلم لا يذهبون إلى الفقهاء إلا بعد أن يمروا بأصحاب السلوك فالأدب أولاً يعلمونه نقاء القلب ويخرجون من عينه الدنيا ويجعله متعلقاً بالله ذكار يصلي الليل يصوم الخ حتى يكون إماماً صالحاً في زماننا ما في هذا رأساً على العلم ولهذا صار علم بدون عمل من حيث السلوك صفر بل يُشنّع على أهل السلوك أنهم مشركون وغيره. ولهذا العلم بدون سلوك كعلم إبليس فأعلم الناس إبليس

الدكتور نجيب: كما قال عبدالله بن المبارك “نحن إلى قليل من الأدب أحوج منا إلى كثير من العلم” ولما سئل ما معنى السلوك والأدب؟ قال “معرفة رعونة النفس وتجنب تلك الرعونات”. السؤال المتبادر يا سيدي الجليل ما هي العواصم والأسباب التي تعصم الإنسان من تأثير هذا الحاسد والشامت الذي لا يكاد يسلم منه حاكم ولا محكوم؟

الدكتور الكبيسي: أولاً الله سبحانه وتعالى فرب العالمين إذا يسر لك من يعلمك مكرات نفسك وأن هذه نفسك أعدى أعدائك ثم قسمها لك النفس اللوامة والخ كما هو معروف في كتاب الله وسنة رسول الله وعلمك أن هذا الشيطان ليس هو كل شيء نفسك هي التي أعدى من الشيطان ثم علمك الشهوات وكيف تتفاداها ثم علمك قيام الليل والذكر وأهم شيء صغّر في عينك الدنيا حتى أقنعك بذلك كما قال سيدنا علي “إليك عني، غُرّي غيري” ما كان يأكل إلا لقيمات، عنده رغيف خبز ثلاث أيام يعطيه فقير (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) الإنسان) السلوك يا سيدي وهذا الذي انعدم في هذا العصر قضينا عليهم بحجة أنهم مشركون ولقد كان الجيل الماضي سيدي فيهم أخلاقيات عجيبة الغيبة عندهم والحسد غير موجودة لماذا؟ كلهم يمرون هناك شيخ جليل متواضع يستطيع أن ينقي قلوبهم من كل هذه الأمراض بتوفيق الله عز وجل ولو بالنور الذي في وجهه

د. نجيب: ولو كانوا أبناء الملوك ولهذا سموهم المؤدبون

د. الكبيسي: ولذلك العلم بلا أخلاق وبلا سلوك علم ضار فالسلوك أولاً

الدكتور نجيب: وكما ذكرت المعوذتان فإنهما عاصمة إن شاء الله من هذا الداء يستعيذ بها الإنسان ويقرأ على نفسه وعلى أولاده بل مثل هذه الاستعاذات من أول اليوم

الدكتور الكبيسي: شيخي الذكر لا بد أن يكون ممنهجاً فالنبي ليس عبثاً قوله فلان ذكر مائة مرة فلان ذكر ثلاث وثلاثين مرة فلان ذكر سبع مرات شيخي هذه أسرار وعلم. يعني الآن الذكر لو تسأل كم واحد عنده ورد يومي؟ بالمائة واحد! والآن كتيب بدرهمين يعطيك هذا الباب الواسع لأنه أوسع أبواب الجنة (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ (45) العنكبوت) وبالتالي هذه أحد العواصم، الذِكر. نتكلم على بعض الأحاديث ونتكلم عن مصيبة المصائب وهو الحسد. أم مروان من دبي: في قصة موسى (اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) طه) رغم أننا نعلم أنك قلت أنه كان قوياً في كل شيء فاحتاج إلى هارون فقال (هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) طه) فمهما بلغن بنا القوة فنحن نحتاج فهو احتاج لأخيه

الدكتور نجيب: سؤال الأخت أم مروان أن سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام تمنى عليه أن ينعم عليه بجنس هذه النعمة نبياً في حين أن الآخرين يحسدون أخوانهم

الدكتور الكبيسي: هذا من حيث الحسد وعلى كل حال لما سماه نبي يعني عصمه فالأخ معصوم ولو كانوا أنبياء أخوان يوسف ما سووها وحينئذٍ سيدنا موسى لما جاء هارون فقال (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) طه) فصار نبياً والنبي معصوم (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ) وهؤلاء لا يقاس عليهم باعتبار أن سيدنا هارون صار نبياً كسيدنا موسى وكل منهما معصوم ومع هذا هذا لا يُنكر، غير معقول ما في أنا عندي أحد الأخوان كان أكبر مني يمكن أكثر الناس يعرفونه اسمه الشيخ الدكتور حمد كان أخي وأبي وأستاذي ومعلمي وكان يعاملني وكأني طفله وإلى أن مات وكانت كل أمنيته كيف يسعدني وهو أخي الشقيق، إذاً موجودين لكنه الغالبية نقول الغالبية العظمى نحن قلنا بأن حب الدنيا عام ولكن في ناس والله ما تحب الدنيا والدنيا بيدها وحينئذٍ هناك لكل قاعدة استثناء هناك أخوة أشقاء وأخوة من أب من أروع ما يكون.

محمد من العراق: سيدنا يوسف عليه السلام قال لأخوته (قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ (92) يوسف) ولكن أبوهم قال لهم (قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (98) يوسف) لماذا قال سوف أستغفر لكم ربي؟

الدكتور الكبيسي: سؤال وجيه وتحدثنا من قبل في برنامج خير الكلام عن الإعذار لما واحد يسوي مشكلة وتعذره هذا عمل عظيم كما قال سيدنا يوسف (لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ) يعني غفر لهم هذا واحد. أما سوف والحقيقة هذه قضية عجيبة جداً وعندنا مثل بالعراق يقول لك (توعد به أحسن من أن تأخذه) يعني لما أنا أوعدك بمليون دينار أقول لك خذ هذا المليون دينار وأخذته أنت وفرحت بها ولكنك صرفتها أنت ونسيتها ولكن لما أقول لك يا أخ يوسف إن شاء الله بعد شهر أعطيك مليون دينار ثق أنت تعد الأيام يوماً بعد يوم وتحلم بها فلما تأتيك لها طعم خيالي عجيب جداً جداًجداً كأنك حققت هدفاً عظيماً هذه قضية نفسية. سيدنا يعقوب لما قالوا يا أبانا استغفر لنا وقال اللهم اغفر لهم ما يشوفون فيها لذة يعني ما تقنعهم أو ما تأثر فيهم بعمق قال (قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي) هنا عرفوا أنها جريمة عظمى وسيدخلون النار وعرفوا ملابساتها ويوم كل يوم أبونا استغفر أو ما استغفر؟ لماذا ما يستغفر؟ يا أمي تعالي قولي لأبينا لماذا ما يستغفر لنا؟ انحرقوا شهر كامل إلى أن استغفر لهم رب العالمين فغفر الله لهم فلما استغفر لهم شعروا بأن هذا أمر عظيم ومنحة كبيرة من رب العالمين وعرفوا قدرها وما نسوها إلى ماتوا كيف أن أبوهم استغفر لهم ورب العالمين قبِل! فدائماً عندما تريد أن تمنح إنساناً عزيزاً شهادة توصية تعطيه بيت تريد أن تزوجه بنتك مثلاً ماطل به حتى يكبر الأمر بعينه فيتلقى تلك الهدية أو تلك الهبة بإكبار، وحينئذٍ يجد سعادة كبيرة في استعمال تلك الهبة وهذا من عظائم التصرفات في الإنسان.

حديث متفق عليه اتفاق كامل ورواه الإمام البخاري ومسلم وكل المحدثين وبالتالي يقرب من النص القرآني من حيث صحته، هذا الحديث يجمع أخلاق المسلم الكامل يقول “إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث” أنا أظن بفلان وأشيع عنه هذا واحد، “ولا تحسسوا” التحسس خلاف الغيبة أنت تغتاب واحد وراءه، تحسس نحن جالسين مع بعض أنا والدكتور نجيب وواحد قاعد ثالث هناك ونحن نتشاور بهمس بيني وبينه وننظر إليه كأننا نتكلم عليه “ولا تجسسوا” الجاسوسية “ولا تنافسوا في الدنيا” لماذا يتعارك الأخوان والأقارب يتنافسون على شيء على عمل على تجارة على امرأة على كذا كما حصل مع أولاد آدم تنافسوا على امرأة “ولا تحاسدوا” بعد كل هذه المصائب قال ولا تحاسدوا قال “ولا تباغضوا ولا تدابروا” أنت قدامي حبيبي وبس أطلع تتكلم علي وهي الخيانة والغيبة ما شاكل ذلك، “وكونوا عباد الله إخواناً كما أمركم المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره التقوى هاهنا” ليس باللحية والطول وأنت قاعد تسبح، حينئذٍ هذا جماع أخلاق المسلم وأهمها “ولا تحاسدوا”

الدكتور نجيب: وكما أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى صدره إلى أن التقوى في القلوب وأن أعمال القلوب مقدمة على أعمال الجوارح باسمكم جميعاً أتقدم بالشكر الجزيل إلى شيخنا الإمام الدكتور أحمد الكبيسي حفظه الله في هذا العرض القرآني الجليل لهذ الكلمات القرآنية الدقيقة في سورة يوسف عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام آملين أن يتمم علينا معارفه في الحلقات القادمة في هذه السورة وبقية السور القرآنية وإلى اللقاء في الحلقة القادمة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بُثّت الحلقة بتاريخ 20/1/2012م وطبعتها الأخت الفاضلة نوال من السعودية جزاها الله خيراً وتم تنقيحها.

===============

الحلقة رقم 142 يوم الجمعة ( 20-1-2012 )

http://www.islamiyyat.com/video.html?task=videodirectlink&id=2663

 

 

صوتيا mp3 ( بحجم 5.5 ميجا تقريباً )  

2shared