الحلقة 169
سورة المؤمنون
د. الكبيسي: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله الطيبين وصحابته الأكرمين. كنا قد انتهينا في الحلقة الماضية من سورة الحج وها نحن في هذه الحلقة ندخل في سورة المؤمنون. المؤمنون فيها ثلاثة مواضع وهناك مواضع أخرى قد بحثها غيري ونحن حريصون في هذا البرنامج أن لا نتكلم عن آية تكلم فيها الأفاضل السابقون وهم شيوخنا وأئمتنا في التاريخ. هذه المواضيع فيها بعض الاختلافات بينها وبين موضع آخر في سورة أخرى أو في نفس السورة.
نبدأ الآية 19 من هذه السورة المؤمنون تبدأ بقوله تعالى (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ (18) فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (19) المؤمنون) هنا (جنات) وفي سور أخرى (جنة) وهنا (فواكه) وهناك في سورة أخرى (فاكهة) و (ومنها تأكلون) يوجد هنا واو وفي الآية القادمة لا يوجد واو في الزخرف فقط (منها تأكلون). وقلنا مرات كثيرة ولسنا بحاجة إلى أن نقول بأن كل من له سمع أو ألقى السمع وهو شهيد يستطيع أن يعرف أن هذا القرآن الكريم ليس فيه ولا حركة زائدة ناهيك عن أن تكون حرفاً أو كلمة أو جملة، فلماذا هناك جنات وهنا جنة؟ لماذا هناك فواكه وهنا فاكهة؟ ولماذا ومنها تأكلون وهنا منها تأكلون بدون واو؟ وفعلاً هذه التغيرات تعطي معنىً آخر جديد فلا بد للانتباه إلى ذلك.
في الآية 19 لما قال جنات يتكلم عن جنات في الأرض وهناك جنة واحدة في الآخرة. الجنة في الأرض كل من عنده بستان فيه كم نخلة فيه كم شجرة وفيها مصدر للماء سواء كان عين أو بئر أو نهر أو حنفية أو ما شاكل ذلك تسمى جنة. وحينئذٍ القرآن الكريم يحدثنا عن هذا كثيراً: أصحاب الجنتين إذ دخل جنته وحينئذٍ كل بستان فيه ماء يسمى جنة. إذا نتكلم عن الدنيا الدنيا فيها جنات عظيمة جداً ومعروف الآن بساتين في كل عاصمة كما في الإمارات وكما في دبي معروف أن حديقة البرشا من أعاجيب الدنيا فهي جنة وفي أبو ظبي وفي الشارقة وفي كل مكان في العالم هناك حدائق عامة يتحدث عنها الناس وقد تكون تاريخية، غابات وحدائق ومنشئات جديدة كلها من الجنات. في الآخرة جنة واحدة (وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) فصلت) (وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (72) الزخرف) (إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ (55) يس) جنة واحدة ما الفرق؟ أن جنات الدنيا ليس فيها جنة واحدة عظيمة والتي تعتبر أصلاً لكل هذه الجنان لا فكل جنة قائمة بذاتها ومنفصلة عن الأخرى ولا علاقة لها بالأخرى يعني مثلاً رب مدينة مقسمة فقط إلى حدائق ولكن هذه الحدائق الصغيرة ضمن حديقة كبيرة مشهورة في التاريخ بحدائق بابل المعلقة مثلاً حينئذٍ في الدنيا جنات كثيرة لماذا؟ كل واحدة قائمة بذاتها فما لها علاقة بالجنة الأخرى، الحديقة في دبي غير الحديقة في أبو ظبي غير الحديقة في بغداد وغير الحديقة في القاهرة كل واحدة مستقلة بذاتها هي جنات. يوم القيامة أيضاً فيها جنات صغيرة لا حصر لها ولهذا قال (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46) الرحمن) إذا كل واحد عنده جنتين يعني معنى ذلك أنك أنت في الجنة الأخروية مليارات الجنان لكن جنان محدودة لك أنت فأنت عندك جنتين هذه حصتك أنت لأن الله سبحانه وتعالى جعلك من المتقين. لكن كل هذه الجنات الموزعة على أهل الجنة كلها ضمن الجنة الكبرى العظيمة التي هي المصدر التي هي الأصل والباقي فروع. فالدنيا كل جنة هي أصلاً بذاتها انظر دقة القرآن الكريم لما تكلم عن الجنة كان قال الجنة هي جنة الآخرة كان قال جنات ولما قال عن الدنيا قال جنة، قال لا، فالدنيا جنات منفصلة لا علاقة لإحداها بالأخرى في الآخرة كل جنان الخلق من أهل الجنة (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ) فإذا عندك 100 تريليون واحد بالجنة يعني عندنا 200 تريليون جنة لكل واحد جنتان هذا في الجنة ولهذا قال لكم فيها جنات هذا في الدنيا قال جنات (فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ) إلى هنا فهمنا أن جنة الآخرة من ضمنها جنات كثيرة وهي جنة واحدة في الدنيا ملايين وبليارات الجنان، هذا واحد.
اثنين (الواو) لماذا هناك منها تأكلون في الأولى التي عن الدنيا قال (وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ) بالآخرة قال منها تأكلون؟ ما الفرق؟؟ (لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ) هذا في الدنيا في الجنة قال (لكم فيها فاكهة منها تأكلون) في الجنة قال (وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (72) لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ (73) الزخرف) ما الفرق؟ نقول لك هذه الفواكه في الدنيا ليس لها غرض واحد يعني الفواكه الآن التي في السوق بأنواعها تشتريها بفلوسك وكل واحدة لها هدف وليس هدفاً واحداً يعني أنت لما تشتري الفاكهة ماذا تفعل بها؟ من أغراضها أنك تأكلها أو تعمل منها عصير أو تعملها دواء أو طبيخ، ثم من هذه الفواكه الكثيرة قال (ومنها تأكلون) أنت تستخدمها في كذا كذا كذا ومن ضمنها الأكل إذا لكم فيها فوائد ما يلي: أنها عصير أنها تجفف أنها فيها دواء وقس على هذا، فنحن لماذا نأخذ الفاكهة؟ منا من يشتريها لأنه هو يبيع الفاكهة حتى يربح ومنا من عنده معمل عصير وبالدنيا من يستخدمها في الخمور كالعنب والآخر يعمل منها أدوية يعني أغراض الفاكهة في الدنيا لا حصر لها ولهذا قال ومن ضمن هذه الأهداف الأكل أنت تأكل منها من ضمنها ليس كل من يشتري الفاكهة يأكلها هناك من يبيعها أو يهديها أو للمعمل والخ فالأكل غرض واحد من أغراض عديدة (ومنها) جاء بالـ(واو) يا الله! في الجنة لا تبيع ولا تشتري ولا تهدي ولا تعصر ولا تسوي دواء ليس لها إلا هدف واحد أنك تتمتع فالجنة في الآخرة لا فيها نصب ولا فيها عمل ولا شقاء ولا الخ كل ثمارها وفاكهتها هدفها هو فقط أن تتلذذ بـأكلها أنت وأهلك وضيوفك. إذاً لما قال (منها تأكلون) لأنه لا يوجد هدف ولا غرض آخر بينما التعامل مع الفواكه في الدنيا لها أهداف كثيرة. إذاً كما قلنا فالواو هذه فيها هدف سري خطير متعدد المعاني لكي تفرّق بين التعامل مع فاكهة الدنيا أو في الحقيقة مع فواكه الدنيا والتعامل مع فاكهة الآخرة من حيث أن التعامل مع الفواكه في الدنيا له أغراض كثيرة كما قلنا قبل قليل وأنتم تعرفون الآن تجارة الفواكه من التجارات العظيمة في العالم يعني أنت تروح السوق هذا تفاح من باريس وهذا عنب من لبنان وهذا من دمشق وهكذا وبالتالي قال (و) لماذا؟ لو كان عز وجل قال (لكم فيها فواكه كثيرة) وعدّد قال: تشربون وتعصرون وتخزنون والخ وتأكلون كان حينئذٍ ربما استغنى عن الواو لكن هنا انفردت فقط للأكل وهذا يعني أن لها استعمالات أخرى استغنى عنها الله عز وجل عن ذكرها لأنه فقط أكد على أنكم من نعمة الله وما من شيء ألذ مع التعامل قلنا أنت تتعامل مع الفاكهة في البيع والشراء والعصير والإهداء والدواء الخ والأكل، بالله عليكم أجمل تعامل ما هو؟ أجمل تعامل مع الفاكهة هو الأكل فرب العالمين خصه بالذكر لأهميته ولأنه من الأهداف الرئيسية ولكون هذا الهدف الرئيسي له أهداف أخرى أشقاء أخرى من الأهداف جاء بالواو لكي لا تنسى الأهداف الأخرى لو قال رب العالمين في الدنيا (لكم فيها فواكه كثيرة منها تأكلون) هذا يعني أنك أنت لا يصح أن تتعامل مع الفاكهة إلا بالأكل فالله قال منها تأكلون ما تستعملها في شيء آخر هذا طبعاً غير وارد. فلما رب العالمين ذكر هذه الواو احتوت هذه الواو على كل هذا الذي نقوله وعلى أضعاف ما نقوله مما تحدث عنه العلماء. إذاً هذا الفرق بين (منها تأكلون) وبين (ومنها تأكلون) بالواو وبين الجنة وجنات. لكي تعرف كيف رب العالمين فرّق بين جنة الدنيا قد سمّاها جنة واحدة تتفرع في داخلها إلى جنان ما في جنتين، الجنتين في الداخل أما هي كحاضنة لكل الجنان واحدة ورب العالمين وعد الناس بهذه الواحدة لأن آخر واحد يخرج من النار آخر واحد يخرج من النار، تصور أنت واحد من عباد الله خرج من النار مليارات على مدى مائة سنة والناس تخرج وتخرج ثم آخر واحد خرج من النار هذا له بقدر الدنيا عشر مرات! فتصور كم سعة جنته؟! إذاً كم من آخرين من جنان داخل الجنة الواحدة؟ لأن هذه الجنة لا تحيط بها العقول وهي دائمة التوسع (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (47) الذاريات) من أجل هذا الكلام عن الجنة اِنسَ، لا تتصور أن هذا عقلك المخلوق يستطيع أن يدرك الجنة. فهذا الفرق بين جنات وجنة وسنتحدث بعد الفاصل إن شاء الله عن ما قاله الله وما قاله النبي صلى الله عليه وسلم من وصف بعض الجنان التي ربما للعقل البشري أن يدركها.
———فاصل———–
نعود للحديث عن الفرق بين جنات الدنيا المتعددة التي كلها تعود للإنسان وليس لأحدها علاقة بالأخرى نتكلم عن الجنة الواحدة التي يتقاسمها المؤمنون يوم القيامة ماذا تعني تلك الجنة؟ التي هي جنة واحدة وفي داخلها لكل إنسان جنة أو جنتان؟ لكي نعرف ماذا تحتوي هذه الجنة وكيف أن آخر واحد يخرج من النار له بقدر الدنيا عشر مرات تصور!! يعني أحسن ناس الأنبياء الصديقون الشهداء الصالحون ثم المؤمنون ربما أحد تعذب من النار وآخر واحد طلع بعد أسبوع أسبوعين يعني كم له؟ هذا آخر واحد لا صام ولا حج ولا صلى ولا زكى ولا في حياته كلها في حياته في يوم من الأيام فكر قال الله واحد غير معقول هذا الكون غير مخلوق؟ الله واحد أنا أعتقد الله واحد كل الذي قاله في حياته هذا حتى لو عاش ألف سنة بهذه الكلمة أعطاه بقدر الدنيا عشر مرات فما هذه الجنة وماذا أفعل بها؟! أولاً كما قلنا عن أهل النار أن النار لو أنها بسعة عاصمة من العواصم ما تكفي ثلاثة من أهل النار لأن كل واحد بين منكبيه مسيرة خمسين عام ما هذا الغول هذا!! يعني أكبر من جبال الهملايا هذا الواحد. في الجنة شيء آخر، جنة المؤمنين والمتقين ونقرأ في الأحاديث الصحيحة التي رواها البخاري ومسلم: عن أنس رضي الله تعالى عنه قال قال صلى الله عليه وسلم (إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها) تخيل شجرة واحدة في جنتك التي هي بقدر الدنيا أنت مؤمن قد يكون قدر الدنيا عشرين ثلاثين مرة شجرة واحدة يسير الراكب وليس ماشياً على رجليه، ما قال ما يركب؟ راكب ماذا؟ لا نعرف، فعلى كل عصر وعلى كل جيل أن يفسرها بقانون ومفهوم عصره نحن الآن راكب طيارة قال: معنى ذلك أن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها، اقرأوا إن شئتم (وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30) وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ (31) وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32) لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ (33) الواقعة) رواه البخاري. تأمل أنت في هذا وقال رب العالمين (وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا (20) الإنسان) هذا للكل وهناك تفاوت عظيم!.
عن عتبة بن عبد الرحمن سُئل عن عنب الجنة وعن عظم العنقود منها فقال (مسيرة شهر للغراب الأبقع ولا ينثني ولا يفتر) أنا لا أدري لماذا اختار الغراب الأبقع؟ ربما الغراب الأبقع يمكن أسرع غراب؟ ما أدري ولماذا قيد الغراب بكونه أبقع؟ يمكن أهل الطيور يعرفون، لماذا الأبقع؟ هل له ميزة؟ ولا بد أن تكون له ميزة لأنه يقول مسيرة شهر للغراب الأبقع لا ينثني ولا يفتر يعني يطير باتجاه مستقيم، كم يطير؟ مسيرة شهر كامل وهو يطير باتجاه واحد لا ينثني ولا يرتاح، مستمر شهر كامل بدون أن ينثني يمين أو يسار وبدون أن يرتاح لا ينثني ولا يفتر هذا سعة العنقود فقط! إذا كانت الجنة مسيرة مائة عام حتى تقطعها فهذا العنقود الواحد من العنب هذا عظمه وعظمته وحجمه بقدر المسافة التي يقطعها هذا الغراب الأبقع لو طار شهراً كاملاً باتجاه واحد لا ينثني لأنه لو ينثني يأخذ وقتاً ولا يرتاح في مكان. الراكب تفسّر كما كل النصوص وفق مفهوم عصرك على كل منا أن يفهم الكتاب والسنة بمفاهيم عصره والله أعلم وقد يكون راكب حصاناً أو جملاً وأنت تعرف أن جمال الآخرة وخيلها أسرع من طائرات الدنيا!
عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أيضاً عن عنب الجنة قال (إن العنقود من عناقيدها من هاهنا إلى صنعاء) وهو كان في مكة، هذا حكمه مرفوع. يقول عبد الله بن مسعود (إن العنقود الواحد حجمه من هنا إلى صنعاء) أما هذه تقول ماذا أفعل به؟! هذه قضية ثانية. يعني أقول لك شيئاً أنت الآن إذا دخلت إلى موائد الملوك يكون هناك يكفي مليار يكفي الشعب كله لكن أنت هل ستأكلها كلها؟ لكن هذه الموائد للشرف وللهيئات وللإكرام وليس لتشبع ولهذا هناك بعض العرب إذا دعي إلى موائد الملوك يأكل في بيته ويشبع نسميها لقمة الكرامة ويروح على الملك يأكل لقمة فقط للفخر وللتكريم وللعظمة هذا مجد أنك أنت أكلت على مائدة الملك. فإذا كان هذا مع ملوك الدنيا يقتضيك الأدب أن لا تشرك في الأكل وتمضغ وتصدر صوتاً، لا، كُلْ لقمة صغيرة حتى لو كنت جائعاً من المروءات والهيئات وكما يسمونها بالأجنبية البرستيج والاحترام والوجاهة فموائد الملوك ليست للشبع موائد الملوك للوجاهة وللتكريم فما بالك إذاً بمائدة ملك الملوك في الجنة؟! ولهذا الحديث الصحيح يقول أنك أنت في الوجبة الواحدة يطاف عليك مئات الخدم كل واحد يحمل طبقين وليس هناك طبق مثل طبق وتأكل منها جميعاً من غير أن تتخم. تأكل لقمة لقمة معنى ذلك أن هذا العنقود تتصور أنه سيأكله كله؟ لا ربما يأكل منه حبة فقط للتكريم وللوجاهة والجنة كلها للوجاهة ليست للشبع فأنت في الجنة لا تجوع تأكل فقط للوجاهة والتلذذ فقط. يعني فيها رقي في التعامل وفيها نزاكة وفيها مخلوقات آدمية في غاية الرفعة خيال! أنت مع ملك الملوك في جنته وفي مقصورته فلا تقل ماذا أفعل بها؟ هذا في الدنيا لو جئنا لك عنقود بقدر دبي ماذا تفعل به؟ أنت في الآخرة العنقود من مكة إلى صنعاء فقط للتكريم تأخذ لك لقمة لماذا؟ لأن هذا العنقود يتناسب مع سعة الجنة التي أنت فيها، إذا كان آخر واحد يخرج من النار له بقدر الدنيا عشر مرات قطعاً أنت مصلي وصايم وتقي أنت أولاً قد ما تدخل النار وهذا المؤمل إن شاء الله، اثنين إذا دخلت النار ما تطول كم يوم وتطلع أما واحد آخر واحد بحياته ما تلفظ إلا مرة واحدة حدث نفسه رأى السموات وهو غير مسلم يعني غير مؤمن قال والله أنا لا أشك أن الله سبحانه وتعالى خالقها يعني وهو قد يكون وثني أو شيوعي وجاء في باله أن الله واحد وخالق هذا الكون (وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49) الكهف). تحدثنا مرة عن الذين بعثوا بعد الموت واحد رأى في صحيفة أعماله يوماً من الأيام كان هناك حبة رمان في الأرض ورفعها، هذه مكتوبة، أن هذا رفع حبة رمان من الأرض قربى إلى الله عز وجل ومكتوب أن هذه من حسناته! إذاً فكر أنت فكر وطبعاً من المستحيل أن تطمع أن تفهمها على حقيقتها هذا مستحيل (ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر) ولكن التفكر في هذا من أعظم العبادات (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) الروم) تفكر ساعة خير من عبادة ستين سنة! هذا التفكر ساعة يجدد من إيمانك تجديداً هائلاً وأكثر الناس تؤمن عن طريق التفكر. إذاً هذا العنقود كبره وحجمه بحجمك أنت وحجم مملكتك فمملكتك لا حصر لها يعني أنت هذا الذي له عشر مرات بقدر الدنيا أنت بقدر الدنيا ألف مرة لأنك أنت لست آخر واحد فأنت قد تكون من الأنصار قد تكون من الصديقين أو قد تكون من الشهداء أو من الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه وبالتالي كم هي جنتك؟؟ بقدر الدنيا خمسة آلاف مرة والله وأكثر، فما قيمة عنقود بهذا المكان؟! ولا شيء يطلع صغيراً، هذه نسبة وتناسب. إذاً نسبة ذلك العنقود إلى تلك الجنة العظيمة الواسعة بقدر نسبة العنقود اليوم إلى بيتكم المحترم على حجم البيت يعني خمسمائة ستمائة متر مربع.
عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال (ما في الجنة شجرة إلا وساقها من ذهب) رواه الترمذي وابن أبي الدنيا وابن حبان في صحيحه وقال الترمذي حديث حسن. وهذا الحديث تكرر على عدة رواة وعدة طرق أن أشجار الجنة ساقها من ذهب وفي رواية أخرى ستأتي بعد قليل عن سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه قال (غصون النخل والشجر اللؤلؤ والذهب) قسم لؤلؤ وقسم ذهب (وأعلاه الثمر) يعني النخلة مثلاً كل الجذع لؤلؤ وذهب والثمر بالأعلى هذا رواه البيهقي بإسناد حسن.
عن البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه في قوله تعالى (وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا (14) الإنسان) قال (إن أهل الجنة يأكلون من ثمار الجنة قياماً وقعوداً ومضطجعين على أي حال شاءوا) هي تأتيك ولست أنت الذي تذهب إليها فقطوفها دانية من أجل ذلك أنت في الجنة ما تتعب وتروح تدور وأنت جالس أو مضطجع إذا اشتهيت الفاكهة تأتي إلى أن تصل إلى فمك وأنت جالس وأنت نائم وأنت مع أصدقائك على وفق ما تشتهي وما تريد وما تأمر ولهذا (وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا). حديث آخر يقول (إن في الجنة شجرة جذوعها من ذهب وفروعها من زبرجد ولؤلؤ فتهب لها ريح فتصطفق في سمع السامعين بصوت ما من شيء قط ألذ منه) هذا الغناء، الغناء المعجز أيضاً من غناء الجنة. عندما هذه الأشجار والبساتين أنت في غابة من الجمال، غابة من أشجار وبساتين مختلفة من ذهب ولؤلؤ شيء لا يمكن حتى تخيله فلما تهب ريح هذه الجذوع واللؤلؤ والزبرجد والفاكهة تصطفق والنخيل والأغصان والسعف تبدأ تتحرك، هذا التحرك يعزف موسيقى بصوت ليس على وجه الأرض ولا يوم القيامة كما يقول (ما من شيء قط ألذ منه) فتأملها أي جنة هذه!!
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال (نخل الجنة جذوعها من زمرد خضر وكَرَبُها ذهب أحمر وسعفها حلي وكسوة لأهل الجنة وثمرها أمثال القلال والدلاء أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل وألين من الزُبد ليس فيها عَجَن) يعني ما فيها نوى. آخر حديث عن الجنة قبل أن ننتقل إلى موضوع آخر عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (سأله رجل: يا رسول الله ما طوبى؟ قال: شجرة مسيرة مائة سنة ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها) المعروف أن الثياب هناك وكثير من متاعات الجنة ليست من المعامل ولكن من الأشجار من ضمنها طوبى (الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآَبٍ (29) الرعد) حينئذٍ طوبى هذه كما أحاديث كثيرة في هذا الباب أن طوبى شجرة يخرج منها كثير من المتع ومن الفواكه ومن الملابس. إذاً هذه هي الجنة وليس هذه هي الجنة هذه مجرد حالة لعلنا نتخيلها بشكل بسيط ولا يمكن.
———-فاصل————
(فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آَبَائِنَا الْأَوَّلِينَ (24) المؤمنون) (وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآَخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ (33) المؤمنون)
انتهينا من هذا الموضع الأول في سورة المؤمنون الفرق بين جنات وجنة وفواكه وفاكهة ومنها يأكلون و(ومنها يأكلون). ننتقل إلى موضوع آخر في نفس السورة الآية 24 رب العالمين تحدث في هذه السورة عن بعض الأنبياء وقومهم تكلم عن قوم نوح فقال (فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آَبَائِنَا الْأَوَّلِينَ (24) المؤمنون) (الذين كفروا من قومه) هذا عن قوم نوح ونفس السورة في الآية 33 تكلم عن قوم هود (وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآَخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ (33) المؤمنون) (من قومه الذين كفروا) هناك الذين كفروا من قومه وهنا من قومه الذين كفروا، ما هذا التقديم والتأخير؟ ما الفرق بينهما؟ هناك اختلاف كبير لو جاءت كما نتصور نحن فليس هذا القرآن المعجز! ونحن قلنا أن التقديم والتأخير أعجوبة العجائب (وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12) فاطر) في مكان آخر (وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14) النحل) لماذا مرة الفلك فيه مواخر ومرة الفلك مواخر فيه؟ من آيات الله ترى الفلك فيه يعني في البحر مواخر أو مواخر فيه، قال لما يكون (فيه مواخر) الضمير يعود على البحر أولاً يعني يلفت نظرك إلى إعجاز الله وقدرته في خلق البحار والآن كلنا عرفنا ماذا في البحار من حياة عجائب وكلكم رأيتم أفلاماً وقسم منك من أصحاب العلم في هذا الباب ماذا في البحار من حياة عجائب! فيقول لك خذ بالك هذا من إعجاز الله نبهتك أن فكرك يجب أن ينصب أولاً على ما في البحر من إعجاز ثم تنتبه على البواخر التي تمشي فيه هذا لما يقول (الفلك فيه مواخر) ولما يقول (مواخر فيه) يقول لك خذ بالك من هذه الأفلاك والبوارج والطرّادات والسفن العظيمة والآن السفن عوالم عائمة في البحر تحمل طائرات وتحمل دبابات ووتحمل جيوشاً. إذاً تأمل في قدرة الله عز وجل لما يقدم فيه في البحر ماذا فيه من إعجاز ولما يقدم مواخر ماذا في السفن من إعجاز وعالم البحار عالم سواء كان عالم السفن وهذه القوات البحرية معجزة تستولي على بلدان بثواني القوات البحرية.
مثلاً (رب هارون وموسى) ومرة قال (موسى وهارون) لماذا مرة موسى وهارون ولماذا مرة هارون وموسى؟ قال لك هي نفس الشيء. إذا قال لك هارون وموسى يلفت نظرك إلى أهمية أو ميزة سيدنا هارون أنه كان حبيب ووديع وبني إسرائيل يحبونه ويفهم لغتهم وما يصعب عليهم فكان يحبونه سيدنا موسى قاسي يضربهم فلما يقول (رب هارون وموسى) يبين لك أن بني إسرائيل يحبون هارون لأنه وديع عليهم وحبيب (إن القوم استضعفوني) وهناك فعلاً ناس أصحاب حكم وأصحاب شأن في العالم لكن وديع وحباب هذا ما يحكم لكن إذا كان صلباً وقوياً ويعاقب كل مقصر لا، الناس تهابه هذا طبيعة الملك في الكون. فلما يقدّم موسى فموسى هو صاحب الرسالة الذي كلمه الله فالله ما كلم هارون بل كلم موسى فلما قدم موسى انظر كم أن سيدنا موسى عليه السلام فيه من المعجزات ومن الإكرام ومن الميزات التي لا حصر لها. أما سيدنا هارون ميزته أنه حبيب ووديع وحنون ومساعد لسيدنا موسى قال (واجعل لي وزيراً من أهلي * هارون أخي) فلاحظ أن التقديم والـأخير ليس عبث فعليك أن تنتبه إلى مواصفات هارون بعد مواصفات موسى فالدولة لما يكون فيها واحد شديد جداً لابد أن يكون الذي بعده حنين ويلطف الجو أما كلهم أشداء تفسد أو كلهم ضعفاء تخرب، لا، واحد قائد والآخر يلطف الجو وهكذا كان الفرق بين سيدنا موسى وسيدنا هارون فالتقديم والتأخير وكل تقديم وتأخير في القرآن له بمثل هذا الجمال. من ضمن هذا هذا الذي قلناه (فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آَبَائِنَا الْأَوَّلِينَ (24) المؤمنون) (الذين كفروا من قومه ) هذا عن قوم نوح عن قوم هود (وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآَخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ (33) المؤمنون) (من قومه الذين كفروا)، في قصة نوح لفت نظرك إلى الذين كفروا من قومه كيف؟ يعني الذي يجننك ويخوفك ويدهشك ناس عاش معكم نبي ألف سنة! ألف سنة وما آمن منكم إلا أربعة خمسة حملهم في السفينة الصغيرة!!! حمل فيها من كل زوجين اثنين حمير وبغال وعقارب وكم واحد! يعني ألف سنة إلا خمسين عاماً هذه المجموعة عشرة خمسة عشر واحد هم الذين كل الذين آمنوا !! أيُّ كفر هذا يا قوم نوح ألف سنة ما اهتديتم ما رأيتم أن الرجل إنسان محترم، هذه المعجزات التي عنده، هذه الأخلاق العالية فالذين كفروا مع سيدنا نوح تأمل أيُّ كفر هذا!! فالمسلمون لما جاء محمد صلى الله عليه وسلم كفروا وبعدين آمنوا وبقوا إلى اليوم مؤمنين. ألف سنة؟! لم يؤمنوا حتى ابنه لم يؤمن! ولهذا لما قدم الذين كفروا لأن كفرهم نادر في العالم كله سيدنا عيسى عذبوه وسيدنا موسى اتهموه وما في نبي إلا تعذب لكن أنه ألف سنة ما يؤمن به إلا 15 واحد وحملهم بسفينة هو صنعها (وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ (38) هود) أنت مجنون يا نوح قاعد بالصحراء وتصنع سفينة!! خشبات شدها بحبال هذه التي حمل فيها كل المؤمنين. فالله قال عن سيدنا نوح (فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ) كفرهم كفر نادر وفعلاً في التاريخ كله ليس هناك كفر ككفر قوم نوح، ألف سنة!!! لو كل سنة آمن واحد لصاروا ألف واحد! فلما قدم في قصة سيدنا نوح الذين كفروا قال لك انتبه إلى أن هذا الكفر كفر نادر لم يحدث في التاريخ إلا هذه المرة، نبي محترم يعرفون أصله وفصله ويدعوهم ألف سنة وما يؤمنون (وَمَا آَمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ (40) هود) هذا لما (قدّم كفروا). في قصة قوم هود (وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا) لفت نظرك إلى القوم، ما هؤلاء القوم؟ كلهم عمالقة (وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ (149) الشعراء) كل واحد منهم يحمل صخرة بقدر حجم الأستوديو هذا حتى يبني له بيتاً، ما هذه العملقة وهذه الأجسام؟! يا الله! ولهذا قال انتبهوا إلى خصوصية القوم قوم نوح عاديين لكن قوم هود لا ليسوا عاديين فثمود هؤلاء مصيبة عماليق! فرب العالمين وجه نظرك إلى قدرته كيف يخلق قوم مثل هؤلاء. إذاً رب العالمين لما قدم الذين كفروا لفت نظرك إلى نوع من أنواع الكفر تحار به العقول يعني الله كتب عليهم الشقاء يعني ألف سنة وما أسلمتم إلا أربعة خمسة؟! وكذلك الثانية لفت نظرك إلى القوم وليس إلى كفرهم، قوم، جبروت إذا بطشتم بطشتم جبارين الله قال عنهم جبارين. فالتقديم والتأخير في الآيتين له هذه الأهداف وأهداف رائعة. وإلى الآن مساكن قوم هود موجودة وقد مرت عليها كم ألف سنة! فهذا الفرق بين الآيتين وهؤلاء قوم نوح تركوا نوحاً وشرعوا على صنمهم واحد اسمه صمود وآخر اسمه هتار، حجر هم نحتوه وألف سنة ما استطاع سيدنا نوح أن يقنعهم هو ليس أنه ما استطاع رب العالمين لم يريدهم (وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآَيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ (35) الأنعام) ثقوا يا أولادي ويا أخواني يا أبائي وأعمامي ما دمت أنت من أهل القبلة اعلم أنك ناجي لماذا؟ أنت لم تتوجه إلى القبلة وما يلزم لها من أخلاق وصفات ومن كرم ومن طهارة إلا بأمر الله (قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (17) الحجرات) أبداً ولو شاء الله لهدى الناس جميعاً ولكنه ما شاء اختارك أنت واحد اثنين ثلاثة أربعة عشرة مائة مليون والمليارات ما اهتدوا فلا تحزن أنت زعلان؟ (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى) لكن هو ما شاء لا يريدهم. إذا أنت لما كنت مؤمناً أبشِر بالخير أنت ما صرت من أهل القبلة إلا كونك تصلي وتوحد الله عز وجل وتؤمن بكل ما جاء في الكتاب والسنة وأنت عندك أعمال صالحة فما دمت تصلي فكل الأعمال الصالحة هي واردة عندك لكن إذا كنت ما تصلي فكل السيئات واردة عندك (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45) العنكبوت). على كل حال إذن هذا الفرق بين قدّم (الذين كفروا من قومه) أو قال (من قومه الذين كفروا) وفعلاً لما قدّم (من قومه) تعالَ اقرأ في التاريخ الإنساني وليس فقط العرب والمسلمون اقرأ عن المؤرخين في العالم كيف تحدثوا عن تاريخ هؤلاء القوم أعاجيب! إذاً هذا هو المقصد في القرآن الكريم بين هذا وهذا وكل حركة أو تبديل أو تغيير أو تقديم أو تأخير له دلالته العظيمة هكذا هو الأمر.
(وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (51) المؤمنون) – (وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (11) سبأ)
على كل حال الكلام طويل والوقت أدركنا كنا نريد أن ننتهي من آخر آية في سورة المؤمنون الفرق بين (وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (51) المؤمنون) والآية الأخرى في سبأ (وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (11) سبأ) رب العالمين يعرف بك كم صليت كم صمت يعرفها، هذا كمّ العليم يعلم كل شيء وبصير لا، يعرف إذا كانت صلاتك أو صيامك أو صدقتك أو علمك لله أو رياء أو كذا فهذا هو الفرق في آية سورة المؤمنون 51 (وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) رب العالمين يعرف عملك كم؟ التسبيحة الواحدة بينك وبين قلبك والنظرة الواحدة كل شيء هو عبادة يعلم بها رب العالمين (مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49) الكهف) هذا واحد من حيث الكمّ هذه (بما تعملون عليم) لكن هذا العمل كم فيه إخلاص وكم فيه رياء وكم فيه كامل وكم فيه باطل وكم فيه ناقص وكم يستحق؟ هناك عبادة تستحق 50% هناك تستحق 100% وهناك ما لا يستحق شيئاً كل هذا (إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) ولهذا ليس بالكمّ ولا بالكيف ولكن أخلِص يكفِك العمل القليل وهناك حسنات لا يعلم مضاعفاتها إلا الله هذا بما تعملون بصير أما أنا أعلم أنك صمت خمسين سنة خمسين رمضان لكن كل رمضان ثلاثين يوم كل يوم كيف صمت فيه غيبة أو لا، باطل أو غير باطل، محبط أو غير محبط هذا بصير. إذاً أن الله يعلم كل عباداتك كمّاً ويعلم كل عبادة على حدة كيفاً وهذا هو رب العالمين. من أجل هذا عليك أن تعلم إياك أن تبطل عملك بما يلي: بالغيبة لا يبقى من أعمالك شيء وأكثر الغيبة البهتان أن تتهم شخصاً بشيء وهو ليس فيه انتهت أعمالك. والحسد يذهب الحسنات، البغضاء لا تُكتَب أصلاً الحسد أنت عندك حسنات لكن هذا أخذها. البغضاء ما تقبل أصلاً ما دام فيك بغضاء وتصلي وتصوم ما تقبل منك. عقوق الوالدين (ثلاث لا ينفع معهن عمل الشرك بالله وعقوق الوالدين والتولي يوم الزحف) الشحّ. وهكذا احذر من المحبطات (فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105) الكهف) وبدون المحبطات اعلم أنك على خير كثير يضاعف الله لمن يشاء أضعافاً كثيرة وهذا هو الرب العظيم الكريم الذي قال (من لقيني لا يشرك بي شيئاً غفرت له ما كان منه ولا أبالي) (يا عبدي لو جئتني بمثل قراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي) فعليكم بالاطمئنان أن توحدوا الله توحيداً عظيماً ودعك من هذه السوالف مشرك والخ هذا كله كلام فاضي كله مصنوع، أنت تؤمن بأن الله واحد، اثنين أن يكون عملك لوجه الله أي عمل فيه ولو شوية لفلان حتى يسمعني فلان حتى يراني فلان حتى يقولون هذا كريم هذا صالح انتهى حبطت أعمالهم. فبهذين الشرطين إذا وحّدت الله عز وجل وأخلصت لله بركعة أحسن من مليون ركعة يعني شهر واحد برمضان صمت لله ولوجه وتضرعت وتصدقت لوجه لا أحد يعرف تساوي عملك مليون سنة. إذاً الإخلاص والتوحيد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بُثّت الحلقة بتاريخ 12/10/2012م وطبعتها الأخت الفاضلة نوال من السعودية جزاها الله خيراً وتم تنقيحها.