الحلقة 184
سورة الشورى
د. نجيب: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وبعد. ما زلنا مع شيخنا الجليل الأستاذ الدكتور أحمد الكبيسي حفظه الله في هذه الحلقات القرآنية المتميزة وهذه الآيات القرآنية وأخواتها في كتاب الله.
د. الكبيسي: بسم الله الرحمن الرحيم. وصلنا إلى سورة الشورى وفي الشورى الآية 43 يقول له (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43) الشورى) وفي لقمان قبلها قال (وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) لقمان) كل منهما توصي بالصبر نوع من أنواع الصبر مرة يقول (إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) يعني من الأخلاقيات الراقية التي تحتاج إلى صبر وشدة قوة رجولة وقوة إيمان (إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ). الثانية ليس فقط (من عزم) إنما (لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) يعني هذه أضعاف الأولى في الفضل. وكلنا نعرف قيمة الأخلاق في هذا الدين رب العالمين سبحانه وتعالى يعرف أنه وضع في نبيه صفات لا يستطيع أحد أن يجاريها، بالمئات، ولكنه عندما امتدحه امتدحه بالخلق قال (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4) القلم) ما قال (انك على) بل قال وإنك لعلى واستخدم واو القسم وإنّ التوكيدية واللام التوكيدية كل أنواع التأكيد في هذه العبارة (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) هذا الفرق بين أنت على خلق عظيم وبين وإنك لعلى خلق عظيم لأهمية الخلق.
د. نجيب: وما قال إنك ذو خُلق
د. الكبيسي: فرق بين (ذو خلق) و(إنك لعلى خلق عظيم). نحن نعرف قيمة الأخلاق في هذا الدين (إن الرجل لينال بحسن خلقه) يعني درجة يوم القيامة (ما لا يناله الصائم الذي لا يفطر والقائم الذي لا يفتر) تخيل واحد منذ أن كان عمره خمسة عشرة سنة إلى أن مات وعمره مائة سنة يومياً صائم ويقوم الليل بطوله ما هذا؟ حتى الأنبياء ما فعلوا هذا فالأنبياء يصومون يوماً ويفطرون يوماً.، إذا واحد عنده أخلاق حسنة فأجره عند الله وقيمته ومقامه واحترامه وإكرامه يوم القيامة أعظم من هذا الذي عاش طول عمره يصوم النهار ويقوم الليل ولم يفطر يوماً ولم يفتر يوماً بحسن الخلق. والكلام في الخلق معروف أحاديث عجيبة تتكلم عن الخلق يعني رب العالمين يوم القيامة يختار أصحاب الخلق الحسن عجائب
د. نجيب: يكفي مجالسة النبي صلى الله عليه وسلم
د. الكبيسي: كما قال صلى الله عليه وسلم (أقربكم مني مجلساً يوم القيامة) ما قال الشهداء ولا العلماء ولا الصالحون ولا الأولياء بل (أقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً) وأهم الأخلاق الصبر والحلم (وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ) (فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) فصلت) السؤال الآن لماذا هناك اصبر على ما أصابك (وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) يعني جوعان عطشان مريض اصبر إن ذلك من عزم الأمور ليست مؤكدة كثيراً لكنها مؤكدة بإن واحدة. هذه الثانية لماذا هي مؤكدة بكل أنواع التأكيد؟ وكلكم تعرفون اللغة العربية والتأكيد (إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) يعني شغلة ما بعدها شيء، لماذا؟ الثانية تكلم عن واحد اعتدى عليك واحد ظلمك واعتدى عليك ويسبك ويشتمك ويحمل لك حسداً وحقداً وكراهية وعصبية وحزبية أشكال وأنواع البغضاء ودوافع البغضاء لا حصر لها، قابيل وهابيل واحد قتل أخوه حسداً إخوة يوسف رموه في البئر أخوهم!! وهم أولاد نبي الغيرة والحسد والبغضاء كل هذه تسبب كراهية عجيبة غريبة! ولهذا أنت تصبر على المرض وكلنا مرضنا وتعالجنا بفضل الله، لكن شخص يتكلم عليك في كل مكان هنا من أين تأتي بالأعصاب هذه تحتاج إلى رجال هذه بالمليون واحد أستطيع أن أقول في هذه الأمة بالمليون تسعمائة ألف وتسعة وتسعين يصبر على المرض أياً كان نوعه صبر اضطراري وهو محتمل. لكن شخص يقدح فيك في كل مكان يؤذيك في مالك في نفسك في عرضك كيف تتحمله؟؟!! ولهذا قال (فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) فصلت) لو تحصي الرجال تجد في كل ألف واحد، في كل ألف تجد واحد من الرجال يفعل هذا ولهذا قال (إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ). من أجل هذا إذا رأيت إنساناً حليماً كمعن بن زائدة وغيره عدا الأنبياء فهم شيء آخر. يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح (ثلاث من كُنّ فيه حاسبه الله حساباً يسيراً وأدخله الجنة برحمته أن تصل من قطعك وأن تعطي من حرمك وأن تعفو عن من ظلمك) فإذا فعلت دخلت الجنة هذا من الإحسان والله يحب المحسنين (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195) البقرة) يحبهم. قال أن تعفو عن من ظلمك وأن تعطي من حرمك وأن تصل من قطعك وأن تعفو عمن ظلمك وهذه من يقدر عليها إلا الأنبياء؟! الأنبياء الله صاغهم صياغة ونحن ناس أي كلام فينا جاهلية وعرق وراثي وعنجهيات فنحن غير معصومين ولهذا إذا وجدت واحداً وموجودين وكل من يسمعني قد رأى في حياته إما عم أو خال أو قريب جار كبير السن فعلاً يكونون بهذا الخلق وهذا يوم القيامة من ملوك الجنة هذا مع النبي يعني من جُلاس النبي في مجلسه يوم القيامة وأقرب الناس إلى النبي في مجلسه في الفردوس الأعلى وهي مقصورة الرحمن الذي كان حليماً في زمانه وكان يعطي من حرمه ويصل من قطعه ويعفو عن من ظلمه. والأحاديث في هذا عجب ويقول النبي صلى الله عليه وسلم (ثلاث أقسم عليهن وأحدثكم حديثاً فاحفظوه ما نقص مال من صدقة ولا ظلم عبد مظلمة صبر عليها إلا زاده الله عزّا) (فاعفوا يعزكم الله) لكن كيف تعملها؟ والله قال ومن باب الموضوعية (وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) مليارات المصلين والصائمين ولكن كم واحد حليم؟ في التاريخ ذكر اثنين ثلاثة أربعة في حياتنا كلها شفت واحداً. إذاً هذا الفرق بين ذلك من عزم الأمور تصبر على كل شيء ممكن هذا من عزم أنت رجل تصبر على المرض على الفقر على الجوع على السجن تصبر. لكن أن تصبر على أن يقدحك إنسان وأنت ما بينت له هذا ولا تغيرت عليه ولا إكرامه ولا استقباله ببشاشة هذه إن ذلك لمن عزم الأمور. واحد وبلا مبالغة هذا الواحد بالمليون حليم يبتسم عندما يحكي عليه فلان وتصله أخبار ولا ينقطع عنه ولا عن زيارته ولا عن إكرامه إذا كان يكرمه كأبو بكر الصديق (وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22) النور) يعني تصور رب العالمين عاتب أبو بكر الصديق فأنتم احسبوها بهذه الآية التي ذكرناها الآن رب العالمين عاتب أبو بكر الصديق واحد قدح في عرضه قدح في السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها وأبو بكر الصديق كان هو يصرف عليه كرماً منه ولم يكن ملزماً به ثم لما خاض في الإفك توقف قال لا أصرف عليه، فعاتبه الله سبحانه وتعالى. ولهذا نحن تحدثنا عن قوله تعالى (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73) الزمر) قلنا الزمرة كل من عمل بعملك ولو قليل فلكي تكون مع زمرة الحليمين وزمرة العافين افعلها ولو مرة بحياتك مرة واحد حكى عليك وقسا عليك وظلمك ظلماً شديداً قلت روح مسامح لوجه الله وأنت مبتسم وتراها صعبة ولكن مرة اعملها بعمرك بهذه المرة تكون من نفس الزمرة والزمرة الجماعة المتخصصة بعمل بأدنى شيء يعني زمرة الضباط الذي يعمل لهم شاي والذي ينظف البندقية كلهم عسكر. كما يقول الفقهاء زمرة العلماء حتى من سقى من برى لهم قلماً ومن لاط لهم دواة فأنت مرة في حياتك اعملها لوجه الله واحد آذاك آذى شديد مميت مؤلم قلت يا رب سأعفو عنه لوجهك حتى تحشرني مع هذه الزمرة المتقدمة يوم القيامة من كرم الله يحشركم معهم بنص الآية (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا)
د. نجيب: فكيف إذا هذا الشخص حاكماً وقادراً!
د. الكبيسي: هذا شيء آخر والله لو ترى تاريخ الحكام تقول والله العظيم نحن في دولة هذه الدولة ليست من الكرة الأرضية. تصور أنا أقرأ في التاريخ هل تعرف أن أحد الملوك في المغرب وكانت سلالته طويلة جده التاسع العاشر كان ملك عظيم حتى الجزائر كانت كلها له واحد من أبنائه ثار عليه وهذا شيء طبيعي يعني الكثير قتل آباءهم وإخوانهم وأولادهم على الملك ولما انتصر تعرف ماذا فعل به؟ بنى له قبراً كالغرفة ووضعه فيها ودفنه حياً هذا المسلسل لسليمان القانوني هم حتماً شوهوا الرجل فسليمان أكرم من هذا لكن المهم هذا ابنه الوحيد ولي عهده يوشى بابنه وقيل له ابنك يتآمر عليك وهو يحب ابنه حب خيالي وما عنده غيره ولي عهده سيأتي في الليل يخنقه إلى أن يموت ويبقى يومين جالس أمامه وينظر إليه وكل هذا من حب ! اً لكلامك إذا كان مع ابنه يفعل هذا فكيف إذا واحد من شعبه تآمر عليه؟! تأمل لو أن أحد الناس أحد الملوك رأى أن أحداً يتآمر عليه وقال له روح مسامح ونحن حكينا عن معاوية والناس لم تفهمنا جيداً. معاوية من حلمه كان يفعل هذا فالسيدة عائشة قالت له لما راح زارها قالت أين كان حلمك عندما فعلت ذلك؟! كان معروفاً بحلمه نحن قلنا أن هذا الرجل بالرغم أنه إسلامياً بالنسبة للصحابة شيء آخر لكن كملك من أعظم الملوك ولكنه فعلاً كان حليماً بشكل غير معقول يعني ساد الناس بحلمه.
د. نجيب: هذا الحلم يحتاج وقفة أخرى بعد هذا الفاصل سيدي الشيخ.
——-فاصل———
سورة الأحقاف
د. الكبيسي: ننتقل إلى سورة الأحقاف وفي الآيتين 19 و15 فيها تشابه (رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15) الأحقاف) سيدنا سليمان لما حكى مع النمل (وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16) وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17) النمل) فرب العالمين اختص سيدنا سليمان بهذه العظمة فلما سمع سليمان كلام النملة (حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18) النمل) ففهم أن هذه النملة فقيهة
د. نجيب: (يا أيها) نداء (النمل) خاص (ادخلوا) أمر (لا يحطنمكم) نهي (سليمان) تخصيص، أي اعجاز!
د. الكبيسي: فسيدنا سليمان لما سمع كل هذا طبعاً هذه نعمة لم تتح إلا له قال (فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (19) النمل) هنا قال أدخلني برحمتك وفي الآية الأولى قال (وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي). سيدنا سليمان بعد ما حمد الله إلى أن قال الجملة كاملة (رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ) قال (وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ). الثانية نفس الشيء جاءه ولد فقال (رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي) قلبه على ذريته وولده. بينما سيدنا سليمان كل شيء ميسر له فقال أريدك أن تدخلني يوم القيامة مع الأنبياء والصالحين أما الآخر نسي نفسه وقال لا يا رب أحفظ ولدي وأصلحه هكذا هو غلاوة الولد من أجل هذا قال (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا (46) الكهف) البنون وليس الأولاد لأن الأولاد بنين وبنات لماذا؟ لأن الابن استمرار لك أما البنت ستذهب إلى غير قبيلة يعني أنت لما تزوج بنتك صارت من أهل زوجها لم تعد من أهلك بل من أهل زوجها وأولادها من قبيلة ثانية، هذا ابنك وابن ابنك وابن إلى خمسين ظهر هم أولادك
د. نجيب:
بنونا بنوا أبنائنا وبناتنا بنو أبناء الرجال الأغارب
د. الكبيسي: هذا الفرق بين (رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا) نفس الدعاء، إلى هنا متشابهان تماماً سيدنا سليمان ما عنده مشكلة مع أولاده قال أريد الآخرة أنا. هذا الأب المسكين الطيب أبو القلب الرقيق قال لا، أصلح ذريتي هذا الفرق بين الآيتين وكل منهما صدرها متشابه واختلف في عجُز الآية أحدهما طلب الآخرة والآخر من شدة حنانه وشفقته على أولاده ولهذا هذا الدعاء في سورة الأحقاف لا شك أن له سر إذا واحد دعا نفس الدعاء لأولاده رب العالمين سوف يستجيب ويصلح له أولاده وهذا مجرّب (وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)
الدكتور نجيب: كأن سيدنا عمر بن عبدالعزيز استفاد من هذه الآية آية سيدنا سليمان عندما كان يقول لقد كانت لي نفس تواقة كلما تاقت إلى شيء أعظم منها تاقت نفسه إلى فاطمة بنت عبدالملك فتزوجها وإلى إمارة المدينة فنالها وبعد أن نال الملك ماذا يريد؟ يريد الجنة (أما الآن تاقت نفسي إلى الجنة)
الدكتور الكبيسي: لما عاتبوه كيف أنت تمشي حافياً؟ أين ذلك الأمير ويأكل في اليوم لقمة واحدة كان زاهداً فقالوا له ماذا تفعل في نفسك؟ يعني أنت تكاد تموت من الهزال قال: ماذا أعمل وقد خلق الله لي نفس طموحة طمحت نفسي للإمارة فنلتها وطمحت للخلافة فنلتها والآن تطمح نفسي الجنة فأنا أعمل لها) ولكن أيّ عمل رضي الله عنه، أعجوبة! يعني هناك فرق بين زاهد وبين ملك زاهد وهو ليس ملكاً فقط هو يملك الكرة الأرضية من الصين إلى فرنسا الدكتور نجيب: والأموال تصب في خزائنه من الشرق إلى الغرب. ألا ترى أن موقف سيدنا سليمان شبيه بموقف سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام بعد أن أتاه الله الملك وخر له أخوته سجداً ونال ملك مصر وكانت مصر ولا تزال إن شاء الله إلى أن قال (رَبِّ قَدْ آَتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101) يوسف) وزهد في هذه الدنيا وطلب الجنة
الدكتور الكبيسي: متفق عليه هذا الشكر لله عز وجل نعمة (أوزعني) أعطني دافعاً قوياً لأشكر نعمتك (رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ) هذا القاسم المشترك، ماذا بعد هذا؟ واحد يريد ولداً وواحد يريد منصباً وواحد يريد الجنة والآخر لا والله كافي أن يصلح له ذريته فيكونوا على ما يحب الله ويرضى
الدكتور نجيب: ولذلك علمنا الله أن نقول (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) قالوا الدنيا الزوجة الصالحة وإذا كانت صالحة تكون الذرية صالحة بإذن الله
الدكتور الكبيسي: إذاً هذا الفرق بين الآيتين المتشابهتين في البداية وتختلف في النهاية ويجب على كل مسلم أن يدعو هكذا (رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ) ثم يدعو بدعوته الخاصة بعد هذا كما فعل سيدنا سليمان.
د. نجيب: وسيدنا يوسف قال (تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ)
د. الكبيسي: كل واحد عنده مشكلة، والله يا أخي القرآن الكريم لو تتبعته لا تصعب عليك مشكلة في هذا الكون (وإنه لذكر لك ولقومك)
د. نجيب: ثم يقول (وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ) وكان يصوم يوماً ويفطر يوماً ومع هذا يطلب أن يدخل الجنة برحمة الله سبحانه وتعالى
د. الكبيسي: فلا يمكن أن تدخل الجنة إلا برحمة الله كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم (لن يُدخل الجنة أحدكم عمله قالوا: ولا أنت؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته) لماذا؟ لو رب العالمين أعطاك على قدر عملك لكان شيئاً بسيطاً لكن هناك الأضعاف مضاعفة الحسنة بعشرة أمثالها وخمس وعشرين وسبعمائة وحسنات لها مضعفات لا يعلمها إلا الله والرب قال (ولدينا مزيد) فكيف تقول بعملك؟! عملك ماذا!! ولكن قل برحمتك.
ننتقل إلى الأحقاف في الآية 20 و34 يقول (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ (20) الأحقاف) الآية الأخرى (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (34) الأحقاف) نحن المسلمين يوم القيامة مرحلة مرحلتين ثلاثة أربعة تشيب له الولدان أول ما يحاسب الكافر يسأله من ربك؟ يقول ما أعرف، فلما قال له (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا) هذه قبل ما يدخلوها العرض من بعيد يشم رائحتها فينسى كل شيء فلما يُعرض على النار يسألونه هذا الذي يجري أليس هذا بالحق؟ (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) هذا الحساب ساعة الحساب على النار (إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ (7) الملك). الفرق بين الآيتين مرة ساعة الحشر لما بعثوا وحشروهم للحساب (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ) نعم حق ونحن غلطانين وآسفين رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً لا، لا، خلاص إذاً هذه الأولى قال (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ) هذا في الحشر سؤال وجواب. الثانية بعد ما أخذوهم وألقوهم في النار نفس الشيء قال (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ) لماذا؟ قال أذهبتم طيباتكم. لأن أهل النار بيهم كلام ومناقشات وعجائب ويتحاجون في النار كلام طويل ومن ضمنها يتكلمون مع مالك خازن النار (وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (77) لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (78) الزخرف) دعونا نصي تراباً! يعني هناك إذا عطش أحدهم سقي ماء حاراً (وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ (15)محمد) إذا جاع يقول أعطونا شيئاً نأكله أو إذا عشط يقول أعطونا نشرب فيقال له (أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ) هذا بعد ما دخلوا النار. إذاً الآيتان من سورة واحدة تتحدث عن عرض الكافرين على النار صدر الآيتين موحد ولكن عجُز الآيتين مختلف لأن كل واحدة في مكان واحدة عند الحساب وواحدة بعد أن يلقون في النار إلقاء. وكل هذا في كفة والنقاش بين أهل النار وبين الشيطان يعني لو تعرف ماذا يفعل بهم وهو مخلوق من النار فيتحرق أكثر منهم (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22) إبراهيم)
الدكتور نجيب: حتى شياطين الجن (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (48) الأنفال) وكذلك شياطين الدنيا يتخلون عن الإنسان في الدنيا قبل الآخرة كل من والهم في هذه الدنيا يتبرؤون منهم يوم القيامة (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ (11) محمد)
الدكتور الكبيسي: هذا إبليس عليه اللعنة يضربهم ضرباً ينسيهم حر النار فهو معذًب ويعذبهم أيضاً نعوذ بالله وكل هذه الآيات مع الكفر والشرك وليست للعاصين أبداً وهذا من رحمة الله عز وجل والحديث يقول أن النار تخف على أهل الإيمان كأنها حرّ الحمّام. كما أن الجنة درجات النار دركات يعني معقولة فرعون يكون في نفس مكان واحد مسلم تارك صلاة!! ولا يوجد أعظم من هذه ترك الصلاة.
د. نجيب: نعود بعد الفاصل إن شاء الله
————فاصل————
سورة محمد
ننتقل إلى سورة محمد الآية 9 تقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7) وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (8) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (9) محمد) في نفس السورة نفس الكلام (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (25) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ (26) محمد) هذا ظالم وأعوان الظالم فالظالم كره ما أنزل الله الظالم يقتل ويذبح يبيد الشعوب وأفراد وعوائل وأطفال هذا نعوذ بالله كره ما أنزل الله، تقول له قرآن حديث يقشعر ما يريد أن يسمع هذا الكلام بينما الآية (لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ) على الحكام الظَلَمة الجبابرة. هؤلاء عندهم أعوان ووالله شيخي أشر الناس من باع دينه بدنيا غيره يعني تصور أحد هؤلاء الحكام الظلمة هو عنده قصور ومليارات في الخارج وعنده واحد من الشبيحة يمكن ما يأخذ أكثر من خمسة آلاف لو خمسين ألف درهم لو مائة ألف درهم ما قيمتها بالنسبة لملك هذا الفلان؟؟ فأنت تبيع دينك وتذبح في الناس لأجل هذا؟! فهذا شر الناس (شر الناس من باع دينه بدنيا غيره
د. نجيب: وهل أهلك فرعون إلا هامان؟!
د. الكبيسي: معنى ذلك هاتان الآيتان تتكلم عن الذين ظلموا أنفسهم(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7) وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (8) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ) هو كره هو الظالم نفسه فرعون وأمثاله وما أكثرهم ما أكثر الفراعين في الكون! (كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ) هؤلاء هم نفسهم كرهوا ما أنزل الله، هذا عنده أتباعه هؤلاء يقولون (لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ) يعني هذا شرطي وهذا في المخابرات وهذا وزير كلهم معه نفس الحساب ونفس جهنم هذا باع ذاك باع دينه بدنياه هو الملك هو الرئيس! أنت يا شرطي لما نسمع عن أخبار التعذيب في السجون والله خيال ولماذا كل هذا؟ على كم ليرة تبيع دينك! ولذلك قال (لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ)
د. نجيب: وسيلعن بعضهم بعض يوم القيامة والعياذ بالله! (وقال الذين اتبعوا للذين اتُبعوا) (لو أن لنا كرّة)
د. الكبيسي: وبالتالي رب العالمين من عدله يوم القيامة لا يستطيع أحد أن يقدم حجة ولا يظلم ربك أحداً (وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49) الكهف) ولهذا والله (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (17) الحجرات) شيخي هذا الظلم الذي صار والله تعجب عقلياً هذا كتاب موقوت كتب عليكم يعني واحد يصل إلى هذا الحد وعنده مليارات تكفيه هو وأولاد أولاده مائتين سنة اطلع اصرفها اطلع تمتع فيها! لا يبقى يقتل ويبيد ويذبح إلى أن يموت ولا يطلع وانظر ماذا حصل! ولهذا شيخي عليك أن تلجأ إلى رب العالمين (قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ) (لن يدخل الجنة أحدكم عمله) بل توفيق رب العالمين. يعني هذا الشرطي أو الجندي أو المعذب علشان هذا أنت تدخل جهنم خالداً فيها؟!! لماذا؟ (لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ) لأن هذا اختصاصه هذا وزير وهذا خفير وهذا شرطي وهذا معذِّب وهذا مدير عام وكلهم طوع أمره ويفعلون ما يأمرهم به من قتل وإبادة واغتصاب وسجون نعوذ بالله!
يقول عن جابر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكعب بن عجرم (أعاذك الله من إمارة السفهاء قال: وما إمارة السفهاء يا رسول الله؟ قال: أمراء يكونون من بعدي لا يهتدون بهدي ولا يستنون بسنتي فمن صدّقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فأولئك ليسوا مني ولست منهم ولا يردون عليّ حوضي فمن لم يصدقهم في كذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فأولئك مني وأنا منهم ويردون عليّ حوضي) رواه الإمام أحمد حديث صحيح، أعوان السلطان نعوذ بالله! واحد الصالحين سأل أحد العلماء عن موضوع ظلم السلطان والأعوان الظلمة فقال والله أنا أخيط ملابسه أنا خياط ويجيب لي ملابسه فهل أنا من أعوانه؟ قال لا أنت من الظلمة لست من أعوان الظلمة أعوان الظلمة الذي يبيعك الخيط مثل الوزير عنده طباخ وعنده وزير وعنده خياط فأنت من الظلمة لا من أعوان الظلمة نعوذ بالله! (من مشى مع ظالم ليعينه وهو يعلم أنه ظالم فقد خرج من الإسلام) صدق رسول الله (لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ) سنطيعكم نحن معكم.
الآية الأخيرة في سورة محمد (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ (32) محمد) صدوا عن سبيل الله وشاقوا، أما الثانية ما فيها شاقوا الرسول. الفرق أن هؤلاء الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله بعد محمد صلى الله عليه وسلم هذه الآيتين تتكلم عن حالتين حالة المنافقين الذين كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا (60) الأحزاب) فهؤلاء قال عنهم (وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى). الآية الثانية ما فيها شاقوا الرسول (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) هذا موجود من موت النبي إلى يوم القيامة ما أكثر الذين يصدون عن سبيل الله من ما بعد ما تبين لهم الحق كمن ولد مسلم من أبوين مسلمين وعندك الكتاب وعندك السنة ومع هذا هذه الأمة رأت من الفظائع والأعاجيب والصدّ عن سبيل الله. أنت شيخي تصدق خرج من هذه الأمة يمكن بلا مبالغة على الأقل خمسين مليون كلهم أمة إسلامية وخرجوا من الإسلام وصاروا شيوعيين واحد صدوا عن سبيل الله كفروا وصار كافر وصد الناس عن الإيمان دعاوى فارغة وانتهت هذه الشيوعية كالهواء. وكم في واحد في تاريخنا كفّر أمة وصد عن سبيل الله؟ شيخي ملايين (لا تقوم الساعة حتى يخرج الناس من هذا الدين أفواجاً كما دخلوا فيه أفواجاً). واليوم كم من الناس يدعون إلى تكفير المسلمين وقتل المسلمين وتخريب ديار المسلمين وتفريق المسلمين وعدد من هؤلاء ويحسبون أنهم يحسنون صنعاً وهذا من مكر الله بهؤلاء الناس، ناس وراء ناس أجيال ما أن مات النبي صلى الله عليه وسلم إلا وطلع المرتدين والخوارج وفِرَق لا حصر لها إلى هذا اليوم وإلى يوم القيامة. تأمل حولك الآن من أربعين عاماً خمسين عاماً إلى اليوم كم موجة إخراج من هذا الدين؟ نحن وعينا على الشيوعية وجاءت بعدها أحزاب قومية لا تؤمن لا بالله ولا بالآخرة حتى ما لها علاقة بالموضوع ثم جاء الإسلام وكما قال صلى الله عليه وسلم (إياكم والتلون في الدين) هو دين واحد والآن كم إسلام؟! ثق الآن عندنا السائدة عشر إسلامات وكل إسلام يكفّر الآخر وإسلام محمد واضح اقرأه في الصفحة الأولى من سورة البقرة تقول لا إله إلا الله وتصوم وتصلي وتؤمن بالكتاب كله وانتهينا. هذا اللت والعجن والتكفير والقتل والسحل والإبادة والتعذيب إلى يوم القيامة انشغل فينا (إذا وضع السيف في رقاب أمتي فلن يرفع إلى يوم القيامة) وهذا الذي جرى. دول خُرّبت خربت اليمن الصومال خربت مالي خربت مصر تونس خربت ليبيا خربت والبقية تأتي خربت بأسماء الطائفيات وكلها إسلامات وكل يوم يأتينا إسلام جديد إسلامات وإسلام محمد واحد والحق واحد والباطل متعدد. هذا الفرق بين (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) هذا في كل زمان ومكان، (وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى) هؤلاء فعلوا هذا الصد والصدود في زمن النبي صلى الله عليه
الدكتور نجيب: (مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى)
د. الكبيسي: إذا هذا الفرق بين آية فيها فقط (كفروا وصدوا عن سبيل الله) وآية فيها (وشاقوا الرسول)
د. نجيب: هو ليس مجرد كفر فالكفر له عذابه وأسبابه لكنه كفرٌ فيه دعوة للصدود
الدكتور الكبيسي: لم يكفر وحده وإنما يكفِّر (وصدوا عن سبيل الله)
الدكتور نجيب: فكثير من الناس ماتوا على الكفر لسبب أو لآخر ولكن هؤلاء لا يقارنون بهذه الفئة وهذه الفئة الأولى الذين صدوا عن سبيل الله لا تقارن بمن صد وشاق النبي صلى الله عليه وسلم والعياذ بالله.
د. الكبيسي: قال صلى الله عليه وسلم “اللهم إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض” النفاق والمروغ والصد عن سبيل الله مع أسياد الأمة وقادتها، هؤلاء قال (وشاقوا الرسول). أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه فتن إلى يوم القيامة وابتلاءات ومحن وامتحانات وهذا من نواميس هذا الدين (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) العنكبوت) لا بد من محنة (حفت الجنة بالمكاره) من أجل هذا فإن هذا القرآن الكريم يرسم لنا هذه الحياة الدنيا والآخرة رسماً بالكلمة بحيث لا يترك لأحد عذراً أن يقول أني لم أفهم، ما عليك إلا أن تتأمل في هذا الكتاب العزيز وأن تكون على مستوى الفهم لأنك ستحاسب يوم القيامة وتجازى يوم القيامة على مدى فهمك وعلى مدى علمك وعلى مدى تطبيقك والقرآن واضح يعطيك بعضه إذا أعطيته كلك وكل إنسان يأخذ من هذا القرآن الكريم على قدر معرفته وثقافته وقدرته.
الدكتور نجيب: كان شاعر الإسلام إقبال يتلو القرآن آناء الليل وأطراف النهار رآه أبوه مرة والدموع تتقاطر على خدّيه ولا يزال في صباه فتعجب من ابنه فسأله ما يبكيك يا ولدي؟ ظناً منه أن هذا الابن قد طمع فيما يطمع فيه بقية الأطفال قال يا أبت أقرأ القرآن أناء الليل وأطراف النهار ولا أقف ولا أهتدي إلى مراميه ومعانيه فربت على كتفه قائلاً: إذا أردت أن تقف على معاني القرآن ومراميه فاقرأ القرآن وكأنما يتنزل عليك، فبدأ إقبال يقرأ القرآن الكريم وكأنما يتنزل عليه فإذا بشاعريته تنطلق وفاضت عليه معاني الحكمة وما أشعار شاعر الإسلام محمد إقبال إلا تفسيراً للقرآن لولا أنه منظوم
الدكتور الكبيسي: هذه حكمة عظيمة عليك أن تفهم القرآن بموازين عصرك، تخيل أن القرآن نزل في جيلك أنت تفهمه بثقافة وعقلية وحاجات عصرك هذا لكي تعرف وتفهمه كما فهمه هذا الرجل الكريم كما تفضل وكما تنتفع به أنت في حل مشاكلك.
د. نجيب: شكراً جزيلاً سيدي الشيخ وبارك الله فيكم. باسمكم جميعاً أتقدم بالشكر الجزيل لشيخنا الجليل الأستاذ الدكتور أحمد الكبيسي حفظه الله ورعاه على هذه الروائع القرآنية الجميلة والجليلة التي قلما تعثر مثل هذه المعاني في بطون أمهات الكتب مطبوعها ومخطوطها داعين الله سبحانه وتعالى أن نواصل معه المسير في ظلال القرآن وفي رحابة في حلقات قادمة وفي برامج مختلفة قادمة بمشيئة الله والسلام عليكم ورحمة الله.
بُثّت الحلقة بتاريخ 15/2/2013م وقامت الأخت نوال من السعودية بطباعتها جزاها الله خيراً وتم تنقيحها.
رابط الحلقة فيديو