الحلقة 95
الفرق بين الموقت والوفاة
د. نجيب: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، أما بعد نرحب بكم مع شيخنا الجليل الأستاذا الدكتور أحمد الكبيسي حفظه الله الذي عوّدنا في كل حلقة أن يتحفنا ببدائعه وفوائده وفرائده وتأملاته القرآنية الدقيقة.
(تعزية بسمو الشيخ صقر القاسمي حاكم الفجيرة رحمه الله تعالى).
د. الكبيسي: بسم الله الرحمن الرحيم. (تنويه بمآثر حكام الإمارات).
نتحدث عن فلسفة الموت والحديث عن الموت عبادة جليلة ومجرد الحديث عن الموت عبادة عظيمة يختص الله بها من يشاء من عباده (وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ (45) إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (46) ص) وجلس النبي صلى الله عليه وسلم مع قوم يمتدحون أحد الناس قال ماذا تقولون؟ قالوا نُثني على أخٍ لنا مات اليوم، كان يصلي ويصوم قال كيف كان ذكر صاحبكم للموت؟ فنظر بعضهم إلى بعض وقالوا لم يكن يذكر الموت، قال ليس صاحبكم هناك. صلاة وصوم نعم لكن المدح ينبغي أن يكون لمن يكثر من ذكر الموت. والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: أكثروا من ذكر هادم اللذات، وهو الموت فإنه ما ذكر على ضيق إلا وسعه ولا على واسع إلا ضيّقه وما ذكر على قليل إلا كثّره ولا على كثير إلا قلله. فغلاًا ذكر الموت يجعلك منضبطًا تماماً. من سوء الحظ أن الموت وفلسفته عرض على الناس فيه شيء من التشويه والتشويش بحيث أذهبوا على المؤمن فرحته والله عز وجل امتدح عبادًا من عباده يفرحون بالموت فرحًا عظيمًا “من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه” ولهذا قال المصطفى صلى الله عليه وسلم كما رواه الإمام مالك وغيره “الموت تحفة المؤمن” والتحفة أثمن شيء في بيتك ولهذا يسمون المتحف متحفًا لأن فيه قطع تاريخية لا تقدر بثمن فهي أثمن شيء. من أجل ذلك هذا الموت للمؤمن تحفة ولغير المؤمن شقاء. للمؤمن تحفة وتخرج من هذه الدنيا بسلاسة وشفافية بأقل من لمح البصر وإذا بك ترى أمك وأبوك ولا تشعر بالموت، هناك موت وهناك وفاة. وعندنا آيتان نتحدث حولهما في سورة النحل (وَاللّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (70)) خلقكم ثم يتوفاكم، في الروم (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُم مِّن شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (40)) مرة خلقكم ثم يتوفاكم ومرة خلقكم ثم يميتكم. للأسف الشديد المفسرون يقولون هما نفس الشيء ونحن بتوفيق الله في برنامج الكلمة وأخواتها لم نبق كلمة في القرآن إلا بيّنا ذلك الإعجاز في هذا الكتاب بحيث ما من كلمتين تتشابهان كل كلمة ترسم زاوية أخرى. نضرب مثلًا: كلكم ترون في رمضان قبل الإفطار كل واحد ينظر في الساعة بعد خمس دقائق، بعد أربع، بعد ثلاث دقائق، بعد دقيقتين، بعد دقيقة، الإفطار الساعة السابعة ودقيقة مثلًا، هذا الأجل انتهى، الوفاة الأجل المضروب أنك أنت تصوم إلى الساعة السابعة ودقيقة هذه وفاة أنت وافيت الأجل لكن ما تفطر إلا بعد أن بعد أن تسمع الإطلاقة، هذه الموت. إذن كل إنتهاء أجل لكن لم تأت النتيجة يسمى وفاة، أنتم تتابعون الرياضة وكرة القدم بالدقائق الأخيرة الحكم ينظر إلى الساعة كل دقيقة لكن الفريقان يلعبان ثم الوقت المحدد انتهى بالشعرة لكن الحكم لم يصفّر بعد، هذه وفاة لكن إذا صفّر الحكم انتهى. سيدنا عزازيل يعرف أن فلان الفلاني ينتهي أجله بعد ثانيتين، إنهى الأجل لكن قبل أن ينتهي الأجل بثواني بدقائق بساعة هذا الذي كتب عليه الموت يدخل في اللاوعي، هذا اللاوعي يسمى وفاة وهو في حالتين: أنت عندما تنام فأنت في اللاوعي أنت نائم وكل حواسك معطلة لا تعرف من حولك لكن أنت دخلت في عالم ورؤيا وذهبت وأتيت وليس خيال أنت تشعر أنك متزوج ونائم مع حرمتك وتستمني وفي الصباح تستحم، هذه حياة حقيقية ليست خيالًا، (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا (42) الزمر) هذه وفاة، قبل أن تموت تشعر باللاوعي، كل من يموت إلا الذي استعاذ منه النبي صلى الله عليه وسلم “اللهم إني أعوذ بك من موت الفجاءة” واحد وقع عليه شيء فمات بأقل من ثواني مات رأسًا ضاعت عليه فرصة جميلة. الوفاة الأولى قبل أن تموت تدخل في اللاوعي (فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لَّا تُبْصِرُونَ (85) الواقعة) في هذه الثواني تأتي عليه الملائكة ويرى مخلوقات ويرى أهله الذين ماتوا قبله (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا (30) فصلت) دخل في غيبوبة في اللاوعي الذي هو وفاة، الأجل قريب من الانتهاء، رأى الملائكة ورأى أبوه وأمه ورأى الجنة، هذه تحفة المؤمن، رأى جمالًا وسعادة يستعجل لهؤلاء متى يصل إليهم فلما يصفّر عزرائيل يعني جاءه الموت (حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ (61) الأنعام) ولهذا كل موت مؤقت يسمى وفاة، سيدنا عيسى عليه السلام (إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ (55) آل عمران) دخل في اللاوعي دخل في البرزخ ولا يزال حيًا إلى الموت وسيعود ثم يموت. هكذا كل من يدخل في اللاوعي (فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ (117) المائدة) أنت ستمر في الغالب الأغلب إذا لم تمت بحادث سريع ستمر في حالة وفاة جميلة ونقلة جميلة وسميت سكرة (وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ (19) ق) الحق الموت. هذه الوفاة هي التي تأتي بالموت. لما الحكم ينظر إلى الساعة ويقول انتهى الوقت والصفارة ستأتي بعد هذه الحركة تعلن انتهاء الوقت وفي رمضان لما انتهت الساعة وغابت الشمس هذه هي التي ستأتي بعدها اطلاقة النار وتفطر بعدها، (وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ) كل أعضاءك وحواسك معطلة لكنك في البرزخ ورأيت ناسًا وعوالم وتحدثت ويقول الأطباء أحياناً يمر الناس بغيبوبة قد تستمر لسنوات وأنا أعرف واحدًا بقي في الغيبوبة أربع سنوات في دولة مجاورة زرته في المستشفى عمل حادثًا ومن أربع سنوات وهو يتنفس ما زال حيًا هذه وفاة لكنه هو يرى ويسمع أناسًا آخرين غيرنا كما أنت في الرؤيا أنت لما تنام فإذا غفوت صرت في عوالم وما تراه يتحقق في الواقع ورؤيا المومن حق و”لا تقوم الساعة حتى تكاد رؤيا المؤمن تكذب”، كأن الله سبحانه وتعالى يعطينا معلومات ورسائل ومعرفة عن طريق هذه الوفاة للدماغ مباشرة.هذه الوفاة يعني انتهى الأجل لكن تنتظر صفارة الحكم، صفارة الحكم عزرائيل إنتهى غسّلوه وادفنوه، ما دام لم تصدر الصفارة يبقى موجودًا ولو حتى عشرين سنة. هذا الفرق بين الوفاة والموت. هذا الموت الذي نخوّف الناس به وربطناه بهذه الحفرة التي لا تساوي شيئًا وإنما هي مخزن للجسد الطيني الذي لن يعود إليك، هذا أصله من الطين ويعود إليه. الروح لا تموت، (كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ (185) آل عمران) نحن مخلوقات بشرية ثم أنسنها الله بنفخة الروح (إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِن طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي (72) ص) صار إنسانًا له حواس وكل الحيوانات الأخرى نفس الأسد والأفعى نفس لكن ما نفخ الله تعالى بهم من روحه، أنت وحدك لديك هذه الروح لديك عوائل وأسر وقبائل أصبحت إنسانًا (كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ) الروح لا تموت مطلقاً، الروح عندما تطلق صفارة الموت يغسلوك ويأخذونك للمقبرة انتهى كل شيء لكن روحك باقية وترى والنبي صلى الله عليه وسلم يقول أن الميت يرى من حوله ويشعر بهم ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم الميت يعذّب ببكاء أهله، لا يعني أنه يعذّب بالنار لأنه لا تزر وازرة وزر أخرى لكنه يخجل مما يفعله أهله، لما يصفر الحكم أنه مات انتقل للعالم الآخر ورأى الملائكة ورأى نفسه بخير ورأى الإكرام ولما يرى ما يفعله أهله بعد موته هذه تشد شعرها وهذه تلطم وهذه تصرخ يخجل والملائكة يقولون له أنت علّمتهم هذا؟! كأنهم يسخرون منه فيشعر بتأنيب الضمير والخجل.
——–فاصل———–
د. نجيب: ذكرت الآيات القرآنية التي تتعلق بالمؤمنين بالنسبة لنزع الروح (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (30) فصلت)
د. الكبيسي: لا تخافوا مما هو قادم ولا تحزنوا على ما فات وتركتموه وأبشروا.
د. نجيب: لكن للأسف الشديد عندما تعرض آيات الموت يستشهد بالآيات القرآنية التي تتعلق بالكافرين (والنازعات غرقا) ثم تسقط على المؤمنين! (أخرجوا أنفسكم) ثم تسقط على المؤمنين!
د. الكبيسي: رأينا بأعيننا أناسًا في سكرات الموت يصرخون صراخًا مرعبًا هذا للكافر فقط!
د. نجيب: لكن للأسف عندما يعرض الموت عموما يستشهد بهذه الايات كأنها للمؤمنين فأصبح الموت رعبًا وخوفًا عندما تأتي بهذه الآيات!
د. الكبيسي: من أخطر ما يمكن على القرآن الكريم أن تأتي بآية عذاب وتسقطها على المؤمنين. هذا القرآن الكريم في هذا الرسم واضح وضوح الشمس. كل إنسان في كل حالة هناك ذنوب خطيرة، في أي دولة كل جريمة يمكن أن تُعفى إلا الخيانة وليس من صلاحية رئيس الدولة أن يعفيك لأنها خيانة. والإسلام هكذا فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول الذي يموت نحن نعرف أن لله مائة رحمة، كل هذا الكون بما فيه من جمال برحمة واحدة من الله تعالى فمن ساعة ما تحتضر تتعامل مع الرحمات التسع والتسعين بشرط أن تكون موحداً وأن تكون من أهل القبلة وأن لا تكون قد ارتكبت دمًا حرامًا في حياتك “لا يزال المؤمن بخير ما لم يصب دمًا حرامًا” ولذلك المسلمون في العراق والصومال وأفغانستان يذبحون بعضهم لن يروا الجنة بأعينهم هذا القتل الحرام. وأن لا يكون عليك حقوق بشر وفيما عدا هذا فأنت بخير وتتعامل مع رحمات الله الـ 99، (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ) هذه عند الاحتضار. معنى ذلك أنه علينا أن نتعايش مع الموت بهذا الجمال. المفروض أن هذا الإنسان من ساعة ما يولد إلى أن يموت عليه أن يكون الموت في باله، ونحن كلنا هذا، كثيرون تحدثوا بعد الموت أنا في حياتي رأيت رجلًا مات مرتين، مرة بالغاز. إبن أبي الدنيا المحدِّث المشهور عنده كتاب مشهور عن الذين تحدثوا بعد الموت، مات وحملوه ثم أفاق.
د. نجيب: وهذا حصل هنا، رجل ابتلي بالمخدرات ومارس المخدرات إلى أن في إحدى المرات ظنوا أنه ميت وهذا في دبي وشيّع إلى أن وضع في اللحد فأفاق.
د. الكبيسي: يا الله!
إتصال من الشيخ عز الدين الهاشمي من المغرب: تعزية بالشيخ صقر القاسمي ودعاء للشيخ الكبيسي وتنويه بالشيخ محمد بن راشد جزاه الله خيراً للسماح باستمرار هذا البرنامج القيّم لرفع مستوى العامّة. عشاق الكلمة وأخواتها ينتظرون بشوق هذه الرائعة المتفردة التي جعلت كثير منا يعيد النظر والتدبر في كتاب الله فما قولكم للذين ينتظرون؟
أحمد من السودان: أتابع هذا البرنامج منذ سنوات طويلة وسؤالي عن مسألة الوفاة في سورة غافر الآية 67 (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى مِن قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُّسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)
د. الكبيسي: هذا استعمال مجازي باعتبار الوفاة مقدمة الموت (حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ (61) الأنعام) نقول شهادة وفاة بينما هي شهادة موت بما أن الموت والوفاة متلازمان يطلق أحدهما على الآخر ليس في القرآن كلمتان مترادفتان كما ذكر شيخنا الكريم وأستاذا الجليل عز الدين. وأقول للشيخ عز الذين هذا البرنامج هو همّي وأنا أعمل فيه وهناك من يعاونني فيه لكنه بحاجة إلى تفرّغ وجهد عظيم وحينئذ هذا الكتاب يمكن أن يكون في عشرين مجلدًا فأنا الآن أعمل فيه وخطتي أن أضع المجلد الأول وهو معجم كل كلمة ومعناها وإن شاء الله بإذن الله
إتصال من الأخت موزة: جزاكم الله خيرا على هذا البرنامج، والشيخ حببنا في الموت. هناك مفارقات حصلت الوالد توفي في 29 رمضان هذا العام وكان قد أصيب بسرطان الدماغ عافاكم الله والمشاهدين والمستمعين إن شاء الله فعانى معاناة شديدة ودخل في غيبوبة في الفترة الأخيرة وبدأت ساعة الاحتضار في الساعة الخامسة في 29 رمضان فكان القلب يتوقف تمامًا ثم يعود إلى الساعة التاسعة ثم توفاه الله لكنه لم ينطق الشهادة
د. الكبيسي: في الحقيقة هذا الوالد رحمة الله عليه عمره سبعين ومات في رمضان مرض بالسرطان هذا ملك من ملوك الجنة يوم القيامة وهو الآن يسمعنا والأموات يسمعون ويرون الذين يشيعونهم ويصلون عليهم والميت في البرزخ يرى كل أهله ليس عنده زمن يرى كل الذي يجري كما لو كان أمامه فإن رآكم بخير حمد الله وإن رآكم على غير ذلك قال يا رب لا تمت أولادي إلا بعد أن تكرمهم وتهديهم كما هديتني وإن رآكم بخير فرح لكم ودعا لكم ويقول النبي صلى الله عليه وسلم الأموات كما هم فإنهم في دار ليس فيها كذب، كما ترون الميت في الرؤية هو هكذا وما يخبركم به صحيح بالمائة مائة. هذا البرزخ عالم آخر. أنت لو سافرت الآن من دبي إلى أي دولة في العالم ستدخلين في المطار الذي هو هذه الفترة بين الانتظار والطيران هذا البرزخ بين دولتين فيها متاع ومطاعم وجلسات وأهلك يودعونك من خلف الزجاج، البرزخ هكذا عالم بين عالمين ولذلك يروننا كما لو كنا معهم كما ترين من شاشة التلفزيون هكذا أبوك كما أكرم أبوك بهذا المرض والموت في رمضان وبلغ السبعين “خيركم من طال عمره وحسن عمله” كلما طال عمر الإنسان وساقول بعد قليل أنه من المنجيات أن تبلغ السبعين فما فوقها.
إتصال من الأخ : كتب أو تفاسير لكي نعلم أولادنا وعوائلنا نطلب من الشيخ أن يتحدث بهذا الموضوع ويتعاون مع الأوقاف الإسلامية في البلاد الأجنبية نحن نؤمن أن الموت حق ولكن هناك قواعد وأسس لا نعرفها ولا نعرف كيف نطبقها مثل الوفاة والنوم
د. الكبيسي: المكتبة الإسلامية مليئة في العالم العربي فليأت أحدكم ويأخذ بعض النسخ ويوزعها وهذا أعظم إرشاد ودعوة، بعد يومين عندنا معرض الكتاب في الشارقة.
إتصال من الأستاذ فلاح من العراق: تذكر حديث عن موتى القليب “ما أنتم باسمع منهم” كيف نوفق بين الحديث النبوي الشريف وبين الآية الكريمة (وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ (22) فاطر)؟
د. الكبيسي: هذا سؤال ذكي! هذا الذي قلناه قلنا أن هذا القبر ليس فيه شيء، هذا القبر عبارة عن مخزن لهذا الطين، هؤلاء لا يسمعون ويصبحون ترابا
رُبَّ لحد قد صار لحدًا مرارًا ضاحكٍ من تزاحم الأضاد
هذه قبورنا تملأ الرحب فأين القبور من عهد عاد
خفف الوطأ ما أظن أديم الأرض إلا هذه الأجساد
هكذا يقول أبو العلاء، هذه رمم. أما هؤلاء الناس الذين خاطبهم الرسول صلى الله عليه وسلم في القليب هؤلاء في البرزخ، قال (قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا (44) الأعراف) هو خاطب أرواحهم لأنهم حاضرون، ما خاطب الجثث.
——–فاصل——–
د. الكبيسي: من آداب الموت للمؤمن أن لا يموت إلا وهو يحسن الظنّ بالله. رب العالمين يقول ليس المهم نقص البدايات ولكن المهم كمال النهايات ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “سلوا الله حسن الخاتمة” “ومنكم من يعمل بعمل أهل النار حتى لا يبقى بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخل الجنة. إياك أن تموت وأنت يائس من رحمة الله لأن الله سبحانه وتعالى سيعطيك حسب ظنك. الأحاديث في هذا وافرة قال عبد الله بن مسعود والذي نفسي بيده لا يحسن أحدكم الظن بالله عند الموت إلا أعطاه الله ذلك لأن الله بيده الخير، هكذا يقول عبد الله ابن مسعود.
د. نجيب: وإذا كان صاحب كبيرة؟
د. الكبيسي: أولاً أن تكون موحدًا وأن لا يكون في رقبتك دم وألا يكون لأحد عندك حق من الحقوق وأن لا يكون لديك من المهلكات مثل عقوق الوالدين وقطع الرحم وقذف المحصنات. أما المنجيات كلنا نقع في ورطة واسطتك من الأعمال كما قلنا قبل قليل العلل كل واحد يموت على غير فراشه، لو تعرف حنان رب العالمين! إن الله أحنّ عليكم من أمهاتكم وآبائكم، يقول صلى الله عليه وسلم: إن الله لا يحب مساءة عبده المؤمن ولكن لا بد له من الموت”. كل واحد إذا مات ميتة غير طبيعية ونحن نعرف أن الموت نوعان موت قدر وموت قضاء (نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ (60) الواقعة) الموت كمبدأ يجب أن يحصل هذا ليس فيه خلاف، القدر لا يتغير هذا من صنع الله القضاء من صنعنا نحن (فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ (14) سبأ) قد تميت أنت نفسك، الأجل غير ثابت، الأجل يطول ويقصر (ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ (2) الأنعام) أجلان، أجل رب العالمين قال هذا فلان يعيش مائة سنة لكن هذا انتحر أو شهيد في المعركة أو أصيب بسرطان، فهناك موت أنت تعمله الظروف التي فيك وهناك موت يأتيك من رب العالمين، فهذا الموت القضائي تؤجر عليه أجرًا عظيماً ولذلك سيدنا خالد بن الوليد لما مات قال ما في جسمي موضع أنملة إلا وفيه ضربة رمح أو طعنة سيف وأموت على فراشي كما يموت البعير؟! ذا مت ببلاء بحادث سيارة بمرض بصداع بحمى فأبشر بالخير، من المنجيات يوم القيامة أن تموت موتة غير طبيعية. من المنجيات أن تموت فوق السبعين، أما السبعين غفر الله له والثماني رضي الله عنه وأرضى عنه خلقه وغذا بلغ العبد المؤمن التسعين غفر الله له ما تقدم من ذنبه ومن تأخر وشفّعه في عشرة من أهله كلهم وجبت لهم النار وسمي عتيق الرحمن. فالسنّ تنجي.
الأخت ربى من الكويت: بارك الله فيكم على هذا البرنامج الرائع. سؤالي لما قال سبحانه وتعالى (يميتكم ثم يحييكم) والمسلم لما يموت ينقطع عمله إلا من ثلاث ومنها علم نافع ينتفع به، هل لما يقول ثم يحييكم هل معناه أن المؤمن الذي ترك لنفسه عملًا نافعًا هل يدخل في هذه؟
د. الكبيسي: إذا مات العبد إنقطع عمله إلا من ثلاث ولد صالح يدعو له كلما قال ابنك اللهم اغفر لي ولوالدي يغفر لك فعلًا يقول النبي صلى الله عليه وسلم ينقل العبد من مكان إلى مكان أحسن فيقول يا رب بم نلت هذا ولست في دار عمل؟ فيقال باستغفار ولدك لك. ثم علم ينتفع به، هذا الذي اخترع الكهرباء والبنسلين والطيارة والسيارة وأنواع الأدوية كل هذا الذي ننعم به هذه علوم إذا كان أحدهم يؤمن أن الله واحد فهو ملك، علم الشرع، علم اللغة، أي علم انتفع به الناس فهذا يبقى إلى يوم القيامة. وكذلك نهرًا كراه أو مصحفًا ورّثه، عنده مصحف ووضعه في المسجد كل من يقرأ به له أجر كامل فهنيئاً لكل من يطبع مصحفاً وكل الملوك يحرصون على أن يطبعوا مصاحف بإسمهم لأنه كل من يقرأ في هذه المصحف له نفس الأجر. والأعمال التي تصل إلى الميت كثيرة من ضمنها الدعاء والاستغفار ومن أعظم الاستغفار اللهم اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين والمؤمنات. يقول النبي صلى الله عليه وسلم من استغفر للمؤمنين والمؤمنات خمس وعشرين مرة في اليوم والليلة غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وكان مستجاب الدعوة ورُزِق به الخلق. غذا اشتغل مع شخص يُرزق، إذن هذا الاستغفار ينقذ الميت إنقاذا عجيبا “هذا باستغفار ولدك لك” ومن الجفاء كل الجفاء أن لا يستغفر المؤمن لغيره في اليوم والليلة قل اللهم اغفر لي ولوالدي والمؤمنين والمؤمنات. رب العالمين جعل ملائكة خاصين حملة العرش همهم أن يستغفروا للمؤمنين والمؤمنات على مدار اليوم والليلة (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7) غافر). إذن هذا الاستغفار هو الذي ينجي كل الناس إلا أن يكون هناك عقوق والدين أو قتل نفس أو حقوق الناس لا بد أن يحاسب عنها يوم القيامة وهذه أصعبها.
حسين من دبي: سعدنا بتفسير مولانا الدكتور لقوله تعالى (وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ (22) فاطر) وكنا سمعنا من شيخنا في مصر على أساس أنه أولئك الذين دفنوا عقولهم في قلوبهم لن تسمعهم يا محمد رسول الله لأنهم دفنوا عقولهم وحجبوها في قلوبهم بالكفر والحقد والله أعلم.
د. الكبيسي: هذا التفسير الإشاري الذي هو من ضرورات القرآن، التفسير الإشاري الذي للأسف الشديد لم يلاقي عناية كاملة إلا من بعض العلماء الأفاضل هذا أساس هذا الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، هذا ينطبق على هؤلاء جميعًا وعلى هذا التفسير الثاني. وهذا القرآن لا تنقضي عجائبه وسوف يبقى تأويله إلى يوم القيامة فيه جديد ويوم القيامة (هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ (53) الأعراف) هذا كتاب أعجوبة العجائب ولذلك هذا التفسير الإشاري من أجمل أنواع التفسير وإن شاء الله إن امتد بنا العمر أنا والدكتور نجيب سنقدم برنامجًا في التفسير الإشاري بإذن الله.
من القضايا المهمة يقول النبي صلى الله عليه وسلم: لن تزولا قدما عبد حتى يُسأل عن أربع خصال. هذه مهمة جدًا وستسأل عن هذه القضايا حتى لو كنت شهيدًا. أولًا عن عمره فيما أفناه؟ ماذا كان عملك؟ هل كان شرعيًا أو غير شرعي؟ يمكن إنسانة تعمل راقصة كل عمرها، أو واحد يعمل طبًالاً أو واحد لص، واحد يعذِّب في السجون وسجون العالم مليئة بالمعذِّبين، في العراق تعذيب بالنساء والرجال في السجون بشكل غير معقول! وهناك تاجر وهناك إمام عادل وهناك معلّم وهناك موظف طيب وهناك السهران على عياله. وثانيًا عن علمه فيما عمل به؟ كل العلوم، هناك علماء عملوا القنبلة الذرية دمروا بها البلاد وهناك عالم رياضيات عمل الطيران. هذه الأدوية هناك من عمل بها أدوية نافعة وهناك من صنّع المخدرات. وعن ماله من أين اكتسبه وفيمَ أنفقه؟ وعن جسمه فيما أبلاه؟ هذه الأمور يجب أن ننتبه لها إذا صحّت منك فأنت ناجٍ موحد من أهل القبلة، أفنيت عمرك في عملك النافع موظف لم تعمل قنبلة ولم تكن سجّاناً ولا جلادًا ولا تاجر مخدرات ولا أنت معذب في السجون، خير ونعمة أنت تعبد الله بمهنتك من بات مكدودًا من عمله بات مغفورًا له. وكلنا يبات مكدودًا من عمله. هذه الخصال إذا صحّت عندك وأجبت عنها إجابة جيدة فأنت ناجٍ، لماذا؟ لأنك لو تعرف كيف يرحم الله عباده يوم القيامة! “ليرحمنّ الله الناس رحمة يوم القيامة يتطاول لها إبليس” ولهذا ليس مشكلتنا الجنة لأنها مضمونة من لم يؤمن بها كافر، من لا يؤمن أنه من قال لا إله إلا الله دخل الجنة فهو كافر. لكن مشكلتنا أين أنت في الجنة؟ (فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى (75) طه) بين كل درجة ودرجة كما بين السموات والأرض، (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26) المطففين) فلا تيأس إبدأ من الآن حتى لو مت غدًا قل يا رب أنا من الآن أبدأ مرحلة الختام، تصلي الصلوات الخمس في المسجد، تصوم ثلاثة أيام من كل شهر،.تدخل الجنة في أعلى الدرجات.
د. نجيب: بارك الله فيكم. وشكرا للأساتذة الأفاضل الذين شاركوا معنا على الهواء بإضافاتهم القيمة ولا يسعنا الوقت للتعليق والإعادة غدًا بإذن الله الساعة الثامنة صباحًا. باسمكم جميعاً نشكر شيخنا العلامة الأستاذ الدكتور أحمد الكبيسي وإلى اللقاء في حلقة قادمة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بُثّت الحلقة بتاريخ 29/10/2010م
——————
حلقة يوم الجمعة ( 29-10-2010 )
http://www.islamiyyat.com/video.html?task=videodirectlink&id=2342
على
تحميل الحلقة صوتيا mp3 ( بحجم 5.5 ميجا تقريباً )
على