أبواب الجنة
د. أحمد الكبيسي – قناة إقرأ – رمضان 1432 هـ
الحلقة الأولى – باب الفرصة الأخيرة
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وبعد. ها نحن في رمضان بارك الله لنا ولكم جميعاً فيه وجعلنا من عتقائه. ورمضان هذا من النفاسة بحيث لا يمكن للعقل البشري أن يدرك مدى نفاسته من حيث أن الأعمال لها مضاعفات معروفة عمل بعشرة أضعاف وعمل بثمانية عشر وعمل بخمسين وعمل بسبعمائة وعمل لا يعلم مضاعفاته إلا الله وهو الصوم (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به) من أجل هذا ما من وسيلة من وسائل المغفرة أعظم بعد الشهادتين من هذا الصوم. ولهذا يقول عليه الصلاة والسلام “رغم أنف عبد أدرك رمضان ولم يغفر له” إن لم يغفر له في رمضان ولم يغفر له فمتى؟ ومن أدرك رمضان فلم يغفر له فأبعده الله. إذن هذه هي فرصتنا الوحيدة والأكيدة التي يمكن وبسهولة أن نجعلها فعّالة من حيث أن لله عز وجل ثلاث إرادات (يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ (28) النساء) (وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ (27) النساء) (يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ (185) البقرة) وإذا أراد الله شيئاً نفذه وأنفذه (إن الله فعال لما يريد) وعندما أراد تعالى أن يتوب علينا جعل لذلك أسباباً عديدة أبرزها وأيسرها وأعظمها وأكثرها ثقة وتأكيداً وقدرة هو رمضان حينئذ من أدرك رمضان فلم يغفر له فأبعده الله لأنه ضيع الفرصة الأكيدة للمغفرة وإذا ضيع هذه الفرصة الأكيدة فكل الفرص الأخرى مشكوك فيها من حيث قدرته عليها. ورمضان هذا له شروطه وأدوات تنفيذه ومواقعه ومواضعه وأماكنه وآثاره ومقدماته والكل منكم يعرفه وكل عام تسمعون من هذا الكلام ما يغني وما يشفي. لكن شيء واحد علينا أن ننتبه إليه وهو أن علينا أن نفترض أن هذا آخر رمضان في حياتنا فعليك أن تحسنه وعليك ألا تفعل شيئاً تفقد أجره أو يحبطه لأنك بذلك تكون قد خسرت من أجل هذا إذا صح منك هذا الصوم بشرائطه فقد فزت وغفر الله ذنبك ولهذا يقول الله عز وجل للصائمين (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ (186) البقرة). من أدرك رمضان فلم يغفر له فأبعده الله، كيف لا يغفر لك في رمضان؟ منها:
أن تكون عاقاً لوالديك فعقوق الوالدين لا ينفع معهن عمل فإياك وهذا.
ثانياً إياك أن تكون مصارماً لمسلم “إثنان لا ترتفع صلاتهما وصيامهما فوق رأسيهما شبراً أخوين متصارمين” إذا كان لك أحد من المسلمين جار أو صديق أو معرفة أو ما شاكل ذلك وبينك وبينه جفاء وجفوة بحيث لا يتحدث أحدكما مع الآخر وعليك من هذه الساعة وعليكم من الأمس قبل أن يبدأ رمضان أن تهاتفه أو تذهب إليه أو ترسل إليه رسولاً لكي تنهي هذه الجفوة التي بينكما والتي تعوق الصوم أجراً وثواباً ومغفرة فلا أجر لرمضان ولا للصوم إذا كان الذي يصوم أحد المتصارمين أو كلاهما.
ومن المحبطات لهذا الشهر الغيبة الصوم جنة ما لم يخترق، قالوا بم يخترق؟ قال بالغيبة. فعليك أن تضبط لسانك وأن تسيطر عليه وأن تلوي عنانه بحيث من أول رمضان إلى آخر يوم لا تذكر بلسانك عيباً ولا غيبة لأحد وهذا ليس من السهل لأننا في زمن تعودت الألسنة أن تأخذ حريتها في الكلام ولهذا فإن من أعظم محبطاتنا في هذا الزمن الغيبة. ولذلك عليك أن تعرف أن كل يوم من رمضان إذا اغتبت فيه أحداً من الناس فلا أجر لك في ذلك لأن لرمضان وظيفتين الوظيفة الأولى أن يسقط فرضك بحيث لا تحاسب يوم القيامة على أنك مفطر والذي يفطر يوماً من رمضان لم يغنه صوم الدهر. والوظيفة الثانية أنه يغفر الذنوب فعليك أن تحسب حساباً أن رمضان هذا هو آخر رمضان في حياتك فإذا لم يغفر لك في هذا الرمضان فسيكون الموقف في غاية العسرة.
هذا هو رمضان ومن بركات الله عز وجل ومن منحه وبه نفذ إرادته (وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ (27) النساء) فنسأله تعالى أن يقبل منا رمضان وأن يتقبلنا من الصالحين وأن نكون من المغفور لهم في هذا الشهر وألا نخرج من هذا الشهر الكريم إلا وقد خرجنا من ذنوبنا كيوم ولدتنا أمهاتنا فبارك الله لنا جميعاً بهذا الشهر والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.