أسئلة لمسات بيانية, لمسات بيانية

أسئلة لمسات بيانية (45)

اسلاميات

340- ماذا عن ربط المستقبل بـ(غد) فقط في قوله تعالى (وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) الكهف) ؟

سبب نزول الآية هو الذي يحدد. سُئل رسول الله r عن ثلاثة أسئلة من قبل الكفار منها عن أهل الكهف فقال الرسول rسأجيبكم غداً لأنه لم يكن لديه علم وجاء غد ولم يُجِب الرسول rولم ينزل عليه الوحي مدة خمس عشرة ليلة فحصل ارجاف لأن الوحي يتنزّل بحكمة الله تعالى ثم نزلت الآية (وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23)) فهي مناسبة لأصل سبب النزول وهذا ينسحب لأنه أحياناً سبب النزول لا يتقيّد بشيء. مثلاً في مسألة (وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ (33) النور) ماذا إذا لم يردن تعففاً؟ الحادثة التي حصلت أن عبد الله بن أبيّ أراد إكراههن وهن يردن التحصّن فذكر المسألة كما هي واقعة ثم تأتي أمور أخرى تبيّن المسألة.

غداً في الآية موضع السؤال لا تعني بالضرورة الغد أي اليوم الذي يلي وإنما قد تفيد المستقبل وهي مناسبة لما وقم وما سيقع.

341- ما دلالة رفع (المقيمين) في قوله تعالى (لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا (162) النساء)؟

هذا يُسمّى القطع والقطع يكون في الصفات أو العطف إذا كان من باب الصفات. القطع يكون للأمر المهم. ذكرنا في قوله تعالى (أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ (3) التوبة) عطف على اسم. فالقطع موجود في اللغة، في الصفات يكون القطع مع المرفوع للمنصوب ومع المنصوب للمرفوع ومع المجرور للمرفوع. والآية موضع السؤال هي من القطع يقطع من الصفات لأهمية المقطوع والمقطوع يكون مفعولاً به بمعنى أخُصُّ أو أمدح ويسمى مقطوع على المدح أو الذم. وفي الآية (المقيمين) مقطوعة وهي تعني أخص أو أمدح المقيمن الصلاة. وكأننا نسلّط الضوء على المقطوع فالكلمة التي نريد أن نركّز عليها أو نسلّط عليها الضوء نقطعها.

من باب الصفات ما دلّ على المدح أو الذم أو الترحّم ويكون الاضمار وجوباً.

أما المؤتون الزكاة فهي معطوفة على الراسخون في العلم.

أما لماذا جاءت المقيمين الصلاة بالقطع والمؤتون الزكاة معطوفة على الراسخون في العلم؟ إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة عبادتان ظاهرتان في الآية وردتا بين عقيدة (والمؤمنون يؤمنون، والمؤمنون بالله واليوم والآخر) وإقامة الصلاة هي الأمثل والأولى فركّز عليها وقطع بالرفع مع المنصوب في الصفات.

ومن الأمثلة أيضاً على القطع قوله تعالى (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177) البقرة) الصابرين منصوبة ركّز عليها وقطع ولم يقل الصابرون معطوفة على الموفون عطف على خبر لكنّ لأن الصابرين يكونون في الحرب والسلم وفي البأساء وهي عموم الشدة والاصابة في الأموال والضرّاء في البدن والدين كله صبر فقطع الصابرين لأهميتها.

342 – ما الفرق من الناحية البيانية بين قوله (شيئاً إمرا) و(شيئاً نُكرا) في سورة الكهف؟ ثم ما الفرق بين نُكر ونُكُر (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ (6) القمر)؟

الإمر هو الأمر المُنكر أو الكبير والنُكر فيها معنى الإنكار أيضاً لكنهم يرون أن النُكر أعظم وأبلغ من الإمر لأن قتل النفس البريئة بغير نفس هو أكبر من خلع لوح من السفينة لأن اللوح يمكن أن يُعاد فيؤتى بلوح سواء هو نفسه أو غيره (فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا (71)) لكن القتل لا يُعاد وقتل النفس البريئة بغير نفس أمر عظيم (فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا (74)). الكثير قالوا أن النُكر أشد نكارة من الإمر ففرّق بينهما لأن قتل النفس أشد من خرق السفينة.

كلمة نُكر بتسكين الكاف هي من أوزان اسم المفعول لأن أوزان اسم المفعول ثمانية من جُملتها فُعل بضمّ الفاء وتسكين العين مثل سُؤل كما في قوله تعالى (قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى (36) طه) أي ما سألته وكلمة خُبث اي المخبوث. ما يدرسه الطلبة عادة أمرين: الأمر القياسي وهو ما يُصاغ من الثلاثي على زنة مفعول ومن غير الثلاثي زنة مضارعه بإبدال حرف المضارعة ميماً مضمومة وفتح ما قبل الآخر. والأمر الآخر يأخذونه على وزن فعيل بمعنى مفعول كما يف قتيل أي مقتول وجريح بمعنى مجروح وأسير بمعنى مأسور ولكا من الأوزان دلالة خاصة به.

ومن أوزان اسم المفعول فُعلة مثل لُعنة أي يُلعن كثيراً أو سُبّة أي يُسبّ كثيراُ أو صُرعة أي يُصرع كثيراً وهذه بخلاف فُعَلة التي هي من أوزان المبالغة.

توجد أوزان عديدة لاسم المفعول يقال ناقة عُبر أسفار أي يُعبر عليها.

نُكر من أوزان اسم المفعول أي الفعل المنكر شديد النكارة.

قال تعالى (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ (6) القمر) جاءت نُكُر بضم الكاف هنا ولا تصلح هنا مع الفاصلة أن تأتي نُكر وفي الحقيقة أن صيغة فُعُل غير صيغة فُعْل بتسكين العين ولكا منها دلالة خاصة. يقال باب فُتُح أي مفتّح لا يُغلق ويقال من وجد باباً مُغلقاً فإن هناك بابًفُتُحا هو باب الله. ويقال قارورة فُتُح أي ليس لها غطاء أصلاً.

صيغة فُعُل أبلغ من فُعْل لأن فيها توالي ضمّتان ونُكُر أبلغ وأشد في النكارة من نُكر بتسكين الكاف ولو لاحظنا ما ورد في الآيات التي فيها نُكر ونُكُر نجد أنه صحيح أن الفاصلة تقتضي كلاً من التعبيرين والعبارتين أو الوزنين لكن الدلالة تختلف.

في قوله تعالى (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ (6) القمر) هذه في الآخرة وهي غير مألوفة والصوت الذي يدعوهم إلى الخروج غير مألوففالأمر مُستغرب زلم يسمعوا به والدعور هائلةوالأمر غير مألوف فيما سبق من حياتهم (خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ (7) مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ (8)) ليس له نظير فجاء بـ (نُكُر) شديد النكارة ولم يقل نُكر بتسكين الكاف.

أما في قوله تعالى (قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا (87)) في سورة الكهف لم يقل نُكُراً علماً أن الحديث في الآخرة أيضاً وهذا لسببين:

أولاً قال (أما من ظلم) ولم يقل من كفر وليس بالضرورة أن الظالم هو كافر كل كافر ظالم وليس كل ظالم كافر.

والأمر الآخر أنه قال (فسوف نعذّبه) إذن سينال عذاباً في الدنيا فإذا كلن العذاب مُجزياً في الدنيا سقط عنه في الآخرة وإذا لم يكن مجزياً عُذب في الآخرة. وإذا قام على أحد الحدّ في الدنيا لا يُعذب في الآخرة. فهذا العذاب نكارته ليس بتلك الشدة التي في آية سورة

أما في قوله تعالى (فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا (74)) قتل النفس في الأرض كثير وليس مستغرباً كالأمر في آية سورة  . فالقتل يحصل رغم استنكاره.

وفي قوله تعالى (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا (8) الطلاق) هذا في الدنيا كالصيحة أو الخسف أو غيرها وليس في الآخرة وليست بنكارة ما في الآخرة.

واختلاف الصيغ كثير منها عسِر وعسير لكا منهما دلالة خاصة وطويل وطوال تقال مثلاً إذا كان شخصان كلاهما طويل لكن أحدهم أطول من الآخر فيقال له طوال إذا كان بالغ الطول.

343 – ما اللمسة البيانية في قوله تعالى في سورة البقرة (إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ) ولماذا جاءت صيغة الطعام مع النهر الذي فيه شراب؟

أولاً ما معنى طعِم؟ لها في اللغة دلالتان فتأتي بمعنى أكل أو ذاق نقول عديم الطعم أي المذاق.

ليس بالضرورة أن تكون طعِم بمعنى أكل لأنها كما قلنا تأتي بمعنى ذاق. وقوله تعالى (فمن لم يطعمه) لا تعني بالضرورة أنه أكل لكن لماذا اختار ومن لم يطعمه ولم يقل ومن لم يشربه؟

قال تعالى (فمن شرب منه فإنه مني) لأن الماء قد يُطعم إذا كان مع شيء يُمضغ: شيء تمضغه تشرب ماءً فأصبح يُطعم الآن فهذا ممنوع لأنه لو قال لم يشربه جاز أن يطعمه مع شيء آخر يعني يأكلون شيئاً ويمضغون فيشربون الماء بهذا يكون انتفى الشرب لكن حصل الطعم فأراد تعالى أن ينفي هذه المسألة.

فمن شرب منه فليس مني: شراب فقط بدون طعام كما نشرب الماء.

لم يطعمه: لو قال لم يشربه جاز له أن يطعمه فأراد أن ينفي القليل وبالتالي ينفي الكثير.

إلا من اغترف غرفة بيده: هذه استثناها (غرفة بيده) ولو قال يطعمه لم تستثنى هذه يكون له ما يشاء. لكن ألا تدخل هذه في نطاق الطعام؟ إنه يطعم الماء ليتذوقه الآن تذوقه بهذا القدر ليس له الزيادة التي أباحها الله فيه ولو قال لم يطعمه اتّسع القدر يأكل مع الطعام.

2009-02-03 13:03:52الدكتور فاضل السامرائي>برنامج لمسات بيانيةpost