عزّ أي قوى وسلم من الذل .. وعز فلان على فلان أي كرم عليه , وعز علي كذا أي شق علي .. وعز فلانا أي غلبه وقهره .. وأعزه أي جعله قويا عزيزا . والعزيز اسم من أسماء الله الحسنى ويعني الغالب الذي لا يهزم , وهو اسم يضم ثناياه العديد من الصفات : كالقوة والغلبة والقدرة على كل شيء والقيومية .
وهذه العزة تتجلى في العديد من الآيات القرآنية الكريمة منها قوله تعالى : (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) فالحق تبارك وتعالى بعزة قوة يحول دون تهدم المساجد والصوامع والبيع .. وبعزة قوته ينصر من يشاء من عباده , ولا يعوقه عن هذا النصر عائق , لأنه سبحانه العزيز بقوته التي لا تدانيها قوة ومن هذه الآيات أيضا قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ* مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) فبعد أن لفتنا الحق جل وعلا إلى عجز وضعف الآلهة الباطلة والتي لا تستطيع مجتمعة أن تخلق ذبابة .. بل انهم لا يستطيعون استرداد ما سلبه الذباب منهم , ويلفتنا في نفس الوقت إلى قوته وعزته , فهو سبحانه وتعالى قادر على ما يعجز عنه غيره . ويلاحظ من التقابل في هذه الآية الكريمة أن الضعف قرين المذلة والقوة قرينة العز . فضعف هذه الآلهة الزائفة بما يترتب عليه من عجز وذل وانكسار يلفتنا إلى استحالة كونها آلهة . في حين نجد العكس بالنسبة لله عز وجل , فقوته وقدرته على إنفاذ إرادته بما يترتب على ذلك من عزته تبارك وتعالى يلفتنا إلى حقيقة ألوهيته , والحق تبارك وتعالى ختم الآية السابقة بقوله تعالى : ( وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِإن الله لقوي عزيز ). فإذا عجز من في الأرض جميعا على خلق ذبابة ولو اجتمعوا لذلك , فهذا يلفتنا إلى قوة الله عز وجل وقدرته اللا محدودة . إنه تبارك وتعالى قد خلق هذا الذباب الذي عجزنا عن خلقه رغم ضآلة , وخلقه بكلمة ( كُن) دون عناء أو إعياء , وإذا كنا لا نستطيع أن نستنقذ ما سلبه الذباب منا فهو جل وعلا قادر على ذلك . فالقوة الإلهية اللانهائية تستوجب العزة للذات الإلهية , فالحق جل وعلا لا يضعف فينكسر ولا يذل لقوي يعينه أو يعجز فينكسر , أو يذل إلى قادر ينجز له ما عجز عنه . ولقد قرن الحق تبارك وتعالى صفة القوة بصفة العزة في آيات أخرى متعددة , منها قوله تعالى : ( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) وقوله تعالى : ( كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) إنه تبارك وتعالى عزيز بقوته فلا يهزم ولا يغلب , بل هو الغالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون , وهو عزيز بقدرته فلا يعجزه شيء وكيف يعجز والعجز ذله وانكسار وهو سبحانه العزيز ؟ وإذا كانت العزة تعنى القوة والغلبة .. فإن ذلك لا يعني أن عزة قوته تبارك وتعالى مبنية على الظلم , أو أن عزة غلبته مبنية على القهر , لأنه جل وعلا منزه عن القهر .. ولذلك أشار عز وجل إلى أن عزته موصوفة بالعلم فقال : (إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُم بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ) وقال جل شأنه والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم ووصفها تبارك وتعالى بالحكمة حتى لا يظن أحد أنها عزة بطش أو ظلم أو قهر أو استكبار فقال تعالى : (وَلَوْ شَاء اللّهُ لأعْنَتَكُمْ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) وقال جل وعلا : (وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) وقال سبحانه : ( وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) وموصوفة بالرحمة كما في قوله تعالى : (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ* الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ) كما قال سبحانه : (إِلَّا مَن رَّحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) وموصوفة بالمغفرة كما في قوله تعالى : (رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ) وكما قال سبحانه : (كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ) فتبارك ربنا الملك الحق العزيز بقوته , العزيز بقدرته , العزيز بقيوميته وغناه عمن سواه . فندعوه جل وعلا أن يهبنا من عزته عزا في الدنيا والآخرة .. وندعوه كما علمنا في قوله تعالى : ( وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) سورة الممتحنة .