أغراض القصص القرآني
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله حمدًا يليق بجلال الله، وصل يا رب وسلم وبارك على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أيها الإخوة في الله، والأخوات في الله. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد.
فنواصل المسيرة التي أسأل الله تعالى أن يجعلها مباركة في سبيله طيبة في تدبر قصص هذا الكتاب المجيد، والتأمل في أحسن القصص لعلنا نخرج بأحسن الفهم. ما زلت في المقدمات ولست أطيل فيها ولكن لابد أن نهيئ العقل كما تُهيئ تربة الحقل. ما نبذر الحب قبل أن نهيئ النفوس والعقول للتلقي وللقبول بعد التلقي ـ إن شاء الله تعالى ـ.
انتهيت من المقدمة الأولى التي استغرقت عشرة نقاط في أهمية موضوع قصص القرآن، وذكرت هذه النقاط العشرة، ثم بدأت في العشرية الثانية المتعلقة بأغراض القصص القرآن، صنفتها. تكلمت أولا :
- عن إثبات ربانية القرآن.
- ثم إثبات عقائد هذا الدين.
- ثم إحياء وظيفة العقل.
- ثم رابعًا قلت تثبيت أمة سيد النبيين وسيد الدعاة وتثبيت من بعده.
- وخامسًا قلت التعريف بالسنن الاجتماعية. هذا الموضوع الذي للأسف ما في إلا عدد قليل من الكتب ولم تتعمق في الصميم للأسف، ويحتاج هذا الموضوع لمزيد من التبيين والتجلية والبحث.
أيها الأحباب الكرام: السنن لا تحابي أحدًا، ولو حابت السنن أحدًا لحابت سيد النبيين محمدًا، ولكن ما في محاباة إطلاقًا. كل من قصر تناله السنن. يعني الآن إحنا نستغرب لما المسلمون أحوالهم هكذا؟ فنحن ضمن السنن ماشيين ونحن ما فيه من تردي أحوال ماشي ومتمشي مع السنن تمامًا، لو غيرنا ما في الأنفس يتغير ما بنا من هوان ووهن وذل وضعف. كله يتغير أن غيرنا ما في الأنفس، وإن نبقي ما في الأنفس على حاله يبقى الحال يستمر على منواله ما لم تغير الأمة. ما بها من أسباب الفرقة والشتات والضعف والتخلف، وتنتفض على ضعفها بالحكمة والرشد.
إذًا: من أعظم مقاصد القصص الكريم إظهار أن الوجود قائم على سنن، سنن كثيرة وعظيمة، وتحتاج مثل ما قلت لمزيد من الدراسة، ما ذكرته هو عينة سريعة.
من ضمن السنن العظيمة مثلا نعرف شيئا بالتفصيل.(وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ)(البقرة: الآية251) التدافع.. أيضًا قوله تعالى: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ) (القصص:5) آية مرت بنا من قبل (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ)(آل عمران: الآية140) ما في شيء يستمر على حال ولا منوال، ولو كان الأمة استمرت على حال لظلينا مثل زمن الفاروق في قمة المجد والعزة والمنعة. لكن شف حالنا الآن 1800 مليون إنسان والحال لا يخفى على أحد دون أن أدخل في تفصيل هذا الحال.. فهو لا يخفى ولا يحتاج إلى شرح أو بيان أو غيره، ليه؟ لأنه تغير ما بالأنفس عما كان عليه من قوة ومن عزة ومن فهم ومن صفات، فصار الحال على هذا المنوال.
رقم (6) من النقطة الثانية: أغراض القصص القرآني. قلت أني سأجعلها في عشرة من ضمن العشرة آلاف، ولكن سميتها أمهات الأغراض.
رقم (6) تبيين عداوة الشيطان للإنسان: ما معنى ذلك؟ هذا معنى مهم جدًا والقرآن أعاد مرات (وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ) ليه؟ لأنه (إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ)(البقرة: الآية168) إياكم أن تتبعوا خطواته (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً )(فاطر: الآية6) المشكلة أنه مش دائما الأمة تتخذ عدوها عدوًا، للأسف. يعني أحيانا كثيرًا ما يتخذوا العدو غير عدو، مش عايز أقول وليه، ولكن للأسف، الشيطان عدو ولكن هل يتخذه الناس عدوًا؟ غفل أبونا آدم عن عداوة الشيطان دقائق (فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً)(طـه: الآية115) هنيهات فنزل من عليائه التي كان فيها وأُخرج إلى هذه الأرض بغفلة عن أن الشيطان عدوه، فينزله الله تعالى على الأرض ويقول له (اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ)(البقرة: الآية36) معنى مهم هذا المعنى، لا أفصله الآن لأن سيأتي في مسيرتنا ـ إن شاء الله ـ مع هذا القصص العظيم الحكيم المجيد في هذا الكتاب المجيد.
رقم (7) من بين أغراض القصص القرآني: بيان وظيفة هذا الإنسان في الأرض، يعني كثيرًا ما يغفل الإنسان عن وظيفته للأسف، أنت لك وظيفة يا أخي الإنسان… ومن باب أولى يا أخي المؤمن والمسلم لك وظيفة عالية، أني جاعل في الأرض وظيفة، تعرف هذه الوظيفة لأنه من نسي وظيفته رعى مع الهمل مثل ما قال:
قد رشحوك لأمر لو فطنت له *** فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل
أي مع من شئت ومن شئت، ولكن لا تكن إلا في المقام الذي أقامك فيه العظيم الملك ـ سبحانه وتعالى ـ محل ما أقامك قم، محل ما أوقفك وقف، أنت خليفة بأمره في هذه الأرض، فكن عند ما أرادك الله تعالى ولا تصدق ظن إبليس فيك. لأنه هو ظن أنه يحرفك عن منهجك، (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (سـبأ:20) إياك أن تصدق ظن إبليس فيك، ولكن صدق ما أقامك الله تعالى فيه وله ومن أجله أن تكون خليفة في هذه الأرض قائمًا بأمر الله، وعلى منهج الله وعلى السَنن. والسُّنن التي جعلها الله تعالى للوجود، هذا كان الغرض والمقصد السابع.
ر رقم (8) إثبات أن منهج الأنبياء واحد، لا يتناقضون. هؤلاء إخوة ربهم واحد، المشكاة التي يصدر عنها الوحي لهم مشكاة واحدة، وسائلهم، غاياتهم واحدة، الدعوة، السلم، المحبة سبل ووسائل واحدة، لذلك (مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ)(البقرة: الآية97) كل كتاب يأتي مصدقًا لما بين يديه، ومحمد عليه الصلاة والسلام وكتابه مصدق لكل ما سبق، عيسى مصدق لما قبله ومبشر برسول بعده، حتى يريك أن المسيرة واحدة، ومن قرأ سورة الأنبياء يشعر أنهم أبدًا خط واحد، وخيط واحد، ونسق واحد، كلهم يدعو الله تعالى فيستجاب لهم، يفسر رب العالمين لأنهم (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ)(الأنبياء: الآية90 ) إذًا: وسائل الأنبياء في الدعوة واحدة، وسائلهم في شئونهم كلها ومنهجهم واحد، ولكن تختلف أحيانًا بعد الأحكام التفصيلية ودي مش قضية، وهذا معنى مهم جدًا لأنه الآن التحزب والتعصب والضيق سيد الموقف للأسف، يعني كل واحد منغلق على نفسه، منكفئ على ذاته، ويزعم أنه يتبع نبيًا من الأنبياء… ومتعصب لما يزعم أنه يتبعه ومنغلق عن البقية. الأنبياء لو وعينا جميعًا كانوا إخوة ومنهجهم مثل ما قلنا وطريقتهم واحدة.
ر رقم (9) بيان صلة هذه الأمة بإبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ طيب ويعني هل هذا المعنى مهم؟ نعم. مهم جدًا، لأنه إبراهيم متنازع فيه وعليه، الكل يحاول يدعي أن إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ على ملته. يعني المشركون العرب يدعون أن إبراهيم ت عليه الصلاة والسلام ـ تبعهم، رغم شركهم الذي هم عليه. واليهود يقولون أنه تبعهم، والنصارى يقولون أنه تبعهم، وأمة محمد يقولون أنه تبعهم، والله ـ سبحانه وتعالى ـ حسم الأمر (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ) (آل عمران:68) وأيضًا يقول: (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلا نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (آل عمران:67) لاحظوا كيف أخرهم لأنه هذا احتمال أصلا صفر على ما لا نهاية، ولكن ذكر لأنه هناك من يدعيه.
فموضوع سيدنا إبراهيم مهم جدًا لأنه نحن نصلي إلى البيت الذي بناه إبراهيم، والضجة أقيمت من قبل اليهود لما تحول المسلمون عن قبلة بيت المقدس التي فرضها الله علينا لحكمة بالغة، ثم حولنا إلى الكعبة لحكمة بالغة. هنا حق وحكمة، وهنا حق وحكمة، يعني أيه؟ نحن قبل نبوة محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ كنا نصلي باتجاه الكعبة. فإذا الآن جاءنا النبي الكريم وقال لنا صلوا باتجاه الكعبة فلا جديد، لكن الله تعالى يريد أن يعلم من يتبع أمره سبحانه ورسله بالغيب، يريد أن يعلم الله ـ سبحانه وتعالى ـ من يتبع لأنه أمر الله أولى ولا تقاليد وعادات. ولذلك قال لنا حولوا إلى بيت المقدس، فتحولنا إلى بيت المقدس، والكعبة بجوارنا ونحن نصلي باتجاه بيت المقدس. ثم أعادنا مولانا إلى القبلة أو البيت الذي بناه إبراهيم، فقامت الضجة والحرب النفسية مشنونة مشبوبة مستعرة نارا، وحملة نفسية مكثفة وحملة دعائية ضخمة تمامًا. لك أن تتصور ما يجري الآن من حملات إعلانية ونفسية بوسائل، ولكن بدائية شويه في ذلك الوقت، ولكن المبدأ هو هو، الحرب النفسية هي هي في شنها علينا. فإثبات صلة هذه الأمة بإبراهيم والبيت الذي بناه إبراهيم غاية من غايات القصص القرآني، وغرض من أغراض القصص القرآني.
رقم (10) من هذه الأغراض في النقطة الثانية من المقدمات… قلنا أولا أهمية القصص. النقطة الثانية كانت أغراض القصص.. النقطة الأخيرة من هذه الأغراض: إثبات أن الدعوة هي غاية المرسلين ووسيلتهم في تغيير أقوامهم. الدعوة إخواننا وأخواتنا معنى مهم جدًا غفل عنه المسلمون للأسف في هذا الوقت، وتحولنا إلى رقود ينبغي أن نحيا من جديد الدعوة، الدعوة فمعنى الدعوة معنى عظيم جدًا ومهم جدًا.
النقطة الثالثة.. أو المقدمة الثالثة خصائص القصص القرآني سأتكلم عن عشر من الخصائص أيضًا، هذه العشرة تبدأ بالخاصية الأم أو المصدر أو الأساس.
1. الربانية: هذا القصص مصدره من عند الله، وفي أغراض القصص بينا أنه لا يمكن أن يكون إلا من الله ـ تبارك وتعالى ـ يستحيل أن يكون من أهل الكتب السابقة، ولا من البيئة العربية يستحيل ذلك، ولا نقل من مصادر التاريخ، فالتاريخ معروف كيف يسرد سردًا وقائع متتابعة. ولكن القرآن مختلف، منهجه مختلف إلى آخره. فالربانية منهج من عند الله نزل وظل على ما نزل (وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ)(الإسراء: الآية105) محافظ على ربانيته وأحقيته إلى يوم القيامة من فضل الله. الكتب السابقة بدأت ربانية, ولكن يد البشر عبثت ولعبت وحرفت وكتبت وقامت وحطت وشالت ونقصت وزادت وأخفت وحكاية. فاختلط الصدق بالكذب والكذب بالصدق، واختلطت الأمور ببعضها، ويد البشر لوثت وشوهت، وموضوع طويل ومثلما قلنا اختلط الباطل بالحق والكذب بالصدق وما بقي كتاب محفوظ إلا هذا القرآن العظيم وقصصه الكريم. فقط من بين سائر أعراف البشر من القصص الرباني.
2. ما دام هو كلام الله فهو الصدق المطلق، (إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ)(آل عمران: الآية62) ودعك من دعوى المبطلين بدون أن أسمي أسماء، يعني ” الفن القصصي” كتاب يقول أن القصص القرآني ويزعم أنه يدافع عن القصص يقول: هو القصص الحق في مقاصده وغاياته، ولكن ليس القصص الحق في مطابقة الواقع. يا سيدي خذ كلامك وامشي، فهذا كلام أبطل من الباطل، والله لوددنا أنه كلام يُقال فيه علم أو آثارة من علم نحترمه ونقدره ونناقشه نقاشًا مع المزيد من الاحترام، لكنه تخرصات. أو مثل ما قال أستاذ هذا القائل دون أن نذكر أسماء أستاذه قال أن يحدثنا القرآن عن عاد وثمود أو يحدثنا عن إبراهيم وإسحاق، ولكن المطابقة للواقع يفتح الله، يا عم الله يكرمك أو يصنع بك ما يشاء، فهذا القصص حق بمعنى مطابقة للواقع، وأنتم مستغربين أن يكون صدقًا مطلقًا ليه؟ قالوا هذا مثله مثل الأمثال. الأمثال متخيلة والقصص متخيلة، فقلنا له يا عم دي تفرق، القصص مأخوذ من بحر الواقع وهناك في الواقع ما هو أغرب من الخيال، واقع البشرية منذ خُلقت حتى الآن فتستغرب أن رب الوجود ـ سبحانه وتعالى ـ يأخذ لنا من هذا الواقع المليء الزاخر بعض المشاهد، ما هي الغرابة؟ وآخر يقول لك الحق فيه بمعنى انطباقه على ما في عقول اليهود، فهذا جنون والله، (إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ) الصدق المطلق والمطابقة المطلقة للواقع. هذا القصص صورة طبق الأصل عما جرى في الواقع، عاد وثمود يعني عاد وثمود، الأحقاف يعني الأحقاف، هود يعني هود مش متخيل كل كلمة قيلت في الحوار قيلت في الواقع، طبعًا قيلت هناك بلغة ونقلت هنا باللغة العربية. فقط.. مثلما نقول صرح الرئيس الفلاني بكلام معين في خطابه، فأنقلها من لغته الإنجليزية أو الفرنسية إلى العربية، ولله المثل الأعلى ولكتابه المثل الأعلى.
3. سمو الأهداف والغايات والمقاصد، يعني هذا الكتاب سام في مقاصده. يعني يمكن أن أسمي هذه الخاصية النظافة المطلقة، الحقيقة ما تعرف فضل الله عليك إلا إذا قارنت بالآخرين، لأنها بضدها تتمايز وتتميز الأشياء. بالنقيض تعرف نقيضه، يعني لما تقرأ في مناظرة بين جيمس سويجارت وأحمد ديدات ـ عليه رحمة الله ـ هذا كنز فقدناه، فإلى رحمة الله، فهذا العلامة المبدع مع الهدوء والأدب في الحوار يحاور جيمس سويجارت يقول له مستر جيمي أنت لك كتب جميلة وأثنى عليها، لكن الكتاب الذي تصدر أنت عنه العهد القديم مليء بأمور لا أخلاقية… 1، 2، 3، 4 ….، 11 فماذا تقول في هذا الكلام؟ فطبعًا بُهت سويجارت ولم يتكلم لأنه هناك إسفاف وحاش أن يكون هذا من كلام الله ـ تبارك وتعالى ـ وإنما هذا ليس دس بشر فقط، ولكنه دس بشر منحرفين، مفتوني العقول والأخلاق والنفوس. أهواء مريضة، ونفوس مريضة هي التي كتبت وأسقطت ما فيها من مرض على قصص الكتاب الذي كان ربانيًا فحولته عن ربانيته وعن صدقه.
4. التصوير يعني أيه؟ القصص القرآني صدق من قال أنه يُنقل إلى عقلك وقلبك عن طريق العين قبل أن يصل إلى عقلك وقلبك عن طريق الأذن. يعني كأنك مش تسمع حكاية من حكَّاء يحكي أو راوي يروي، وإنما أنت تشاهد الوقائع تجري… لا قصة تروى وتُحكى، وإنما وقائع، في سورة الكهف يقول تعالى: (وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ) (وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً)(الكهف: الآية18) جعلك جزءاً من القصة من الحركة والمشهد والموقف، هذا النقل العجيب، في قصة نوح (وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ)(هود: من الآية38) تعبير بالمضارع حتى يصور لك الحدث وكأنه يحدث تحت ناظريك وتحت عينيك الآن، لا أنه منقول عبر فواصل زمنية هائلة وعبر فواصل مكانية هائلة.. لا. وإنما يُنقل إليك طازجًا، حيًا، وينقل إليك وكأنه يحدث في التو واللحظة وليس عبر قرون خلت وغبرت وانقضت، فهذه خاصية رائعة التصوير.
5. تنوع طريقة العرض، وهذا من كلام صاحب “التصوير” ـ رحمة الله عليه ـ تنوع طريقة العرض، يعني أيه؟ القرآن في عرضه للقصص لم يُنمط ولم يسر على وتيرة واحدة، وإنما كان يتفنن، هذا القرآن العظيم الحكيم، يتفنن في العرض، مرة يعطيك مغزى القصة قبل البدء بها، وغايتها قبل بدايتها، مثلما رأينا في قصة موسى في سورة القصص (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4) وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ)(القصص: الآية6) ثم بدأ التفصيل.. (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) (القصص:7) إلى آخر الآيات. إذًا: ما الغاية من هذه القصة؟ سأمكن للمستضعفين في الأرض، كيف؟ إليك التفاصيل، يا أم موسى أرضعي موسى حتى يسير التاريخ ويحقق الهدف المراد والغاية المرادة، هذا مغذى القصة قبل بدايتها، وأحيانًا يعطيك موجز القصة ثم يدخل في التفصيلات وذلك في قصة يوسف على سبيل المثال، (إِذْ قَالَ يُوسُفُ لَأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4) قَالَ يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلَى إِخْوَتِكَ (يوسف: من الآية5) إلى أن قال له: (لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ) (يوسف:7) ثم بدأ في التفصيلات وسار، كذلك قصة فتية الكهف، أعطانا الموجز ثم دخل التفاصيل وهكذا. وأحيانا يدخل في القصة مباشرة بلا مقدمات. وأحيانًا كما يقول صاحب التصوير يحول مشهد إلى حوار مباشر، تنوعت طريقة العرض.
6. تنوع طريقة المفاجأة، فالمفاجأة أحداث تدخل على خط سير القصة فتغير المجرى من اتجاه إلى اتجاه.
لكن أدركنا الوقت وقد وقفنا عند نقطة المفاجأة على أن نطلع على هذه المفاجأة في حلقة تالية بحول الله، فإلى الملتقى أحبابنا. نستودعكم الله، حياكم الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.