البشارة الرابعة عشرة:
(وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136))
آية تتيح للعصاة المغالين في عصيانهم باباً من أبواب الفوز والرحمة والمغفرة بل جعلهم الله تعالى من ضمن المتقين ومن هؤلاء المتقين الذين اذا فعلوا فاحشة او ظلموا انفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم. فلم يبق لأحد عذر بعد هذه الآية فقد أعذر الله تعالى لعباده ما دام فتح لهم باباً للتوبة.
فإذا فعلت فاحشة اي ذنباً من الذنوب العظام التي توفر لك مصلحة او شهوة كالزنا والسرقة واكل الربا وشرب الخمر كل ما تستفيد منه في الدنيا ويحقق لك شهوة من الشهوات وهي حرام حرمة مطلقة وكل ذنب تفعله من أجل غيرك وليس لك فيه مصلحة فهذا ظلم للنفس كأن تشهد زوراً لشخص ما هذه كبيرة من الكبائر العظام لكنك فعلتها من أجل غيرك أو أن تُعين حاكماً ظالماً يقتل شعبه ويفرّق بين الناس فأنت تكون قد بعت دينك بدنيا الآخرين والشقي من باع دينه يدنيا الآخرين. فإذا ظلمت نفسك من أجل غيرك فقد أثقلت كاهلك وأوبقت ظهرك بالذنوب وذهبت النار من أجل الآخرين. وسواء من فعل فاحشة او ظلم نفسه فهم من العصاة الذين يفعلون الفاحشة او يذنبون ذنوباً عظيمة من أجل الآخرين إذا ذكروا الله تعالى على الذنب واستغفروه ولم يصرّوا على الذنب يغفر الله تعالى لهم. بعد أن زنى أحدهم مثلاً تذكر الله تعالى وهو على الذنب وأن الله تعالى يراه ويراقبه فحدّث نفسه بهذا الأمر ثم لام نفسه ثم ندم ثم شعر بالخزي ثم استغفر يغفر الله تعالى له مهما كان ذنبه عظيماً لأنه (ومن يغفر الذنوب الا الله). يقول r عن ربه: من استغفرني وهو يعلم اني ذو قدرة ان اغفر له غفرت له ذنوبه ولا أبالي. ابليس يقول (فبعزتك لأغوينهم أجميعن الا عبادك منهم المخلصين) ويقول تعالى (وعزّتي وجلالي لأغفرنّ لهم ما استغفروني). فالله تعالى يهيب بنا أن نستغفره ولشد حبه للمستغفرين جعل مكافأتهم ان الاستغفار ليس لأجل المغفرة فقط وإنما يُصلح لهم دينهم ودنياهم. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال r : من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجا ومن كل هم فرجاً ورزقه من حيث لا يحتسب. ويقول r: من سرّه أن يرى صحيفته يوم القيامة فليُكثر من الاستغفار. وهناك صيغة للاستغفار علّمنا إياها الرسول r وعن شداد بن أوس رضي الله عنه عن النبي r قال: سيّد الاستغفار ان يقول العبد: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت. من قالها في النهار موقناً بها فمات من يومه قبل ان يمسي فهو من اهل الجنة ومن قالها من الليل وهو موقن بها فملت قبل ان يصبح فهو من اهل الجنة (رواه البخاري).
افتح الله تعالى هذا الباب فما عُذرك إن لم تدخل الجنة؟ وفي حديث عن النبي r ما معناه أنه ما من عبد أذنب ذنباً ثم قام فتوضأ وصلى ركعتين ثم استغفر الله الا غفر له.
رب العلمين من رحمته يمهل المذنب فيطلب من الملائكة أن تمهل العاصي ساعات فإن تاب واستغفر لا تكتب الذنب فهذه بشارة عظيمة أن كل الخطائين والمذنبين مفتوح لهم الباب ليتوبوا. ويقول تعالى في الحديث القدسي: إن العبد ليعصيني يتذكرني على المعصية لا يستغفرني أغفر له.