البشارة الرابعة:
(وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار كلما رزقوا منها من ثمرة رزقاً قالوا هذا الذي رزقنا من قبل)
تأمل لو دعاك ملك وكنت عنده أثيراً وجمع لك وجهاء الأرض حتى تكون في وضع لم تشهد مثله من قبل يستغرق ذهنك فتخيل لو فعل الملك معك هذا الأمر كل يوم لمدة شهر أو أكثر؟ هذا ما يحصل مع أهل الجنة وما جاء في الأحاديث الصحيحة عن الطعام في الجنة ومن تلك المظاهر في المآدب اليومية أن لأقلّ واحد من عباد الله تعالى عشرة ألاف غلام كل غلام يحمل طبقين وكل ما في الطبق الأول لا يشبه ما في الطبق الآخر فأنت تأكل في الوجبة الواحدة من عشرين ألف طبق كل طبق يختلف عن الآخر طعماً وشكلاً.
هذا عدا الغلمان الذين يخدمونك في غير طعام ومهما تخيلت فسيكون أقل من الحقيقة بمليارات المرات كما قال r : فيها ما لاعين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. هذا النعيم الذي يبشرنا الله تعالى به من بعض أوجه نعيمه أن وجبات الطعام فيها من الفخامة والنعمة أن الانسان يظن أنها من باب التكريم ولن تتكرر ولكن في الواقع في كل وجبة يحصل لك نفس التكريم هذا فقط في نعمة الطعام والشراب ناهيك عن غيرها من النعم التي لا تحيط بها قوانين الغقل. هذه بشارة الذين آمنوا وعملوا الصالحات. هناك الصالحات وهناك صالحاً (من عمل صالحاً من ذكر أو انثى) صالحاً جاءت نكرة غير معيّنة أما في قوله تعالى (الذين آمنوا وعملوا الصالحات) فجاءت الصالحات معرّفة بـ (أل) ويسميها النحاة للعهد الذهني أي ما في ذهنك من الصالحات والتي لا يختلف فيها مسلمان وهي أركان الدين وهي الصالحات الرئيسية التي إذا قمت بها فلا عليك ما تفعل بعدها من صالحات فالصالحات هي ما فرضه الله تعالى ويعاقب على تركها وصالحات هي السنن والنوافل وعمل صالحاً أي دعا الى الله. وعندما تُنكّر الصالحات يتكلم عن الذين يزيدون عن الفرائض بالنوافل والناس لا يتفاوتون في الصالحات كمّاً وإن تفاوتوا فيها كيفاً أما في (من عمل صالحاً) فهم يتفاوتون كمّاً وكيفاً. ومن رحمة الله تعالى أنه أناط بالأعمال الصالحات الجنة وخيرها أي الفروض من صلاة وصوم وحج وزكاة ولا تشكل عندهم عقبة والغالب في الأمة يؤديها. قال تعالى (ولمن خاف مقام ربه جنتان) والكلام عن الجنان عظيم والأحاديث في الجنة كثيرة فعلينا أن نتأكد أن نكون من الذين آمنوا وعملوا الصالحات أي نحس، الأداء في الصلاة والصوم وغيرها من الفروض عندها تستقبل استقبالاً حافلاً في الجنة على هذا النسق وهذا النمط.