سورة النساء
http://www.youtube.com/watch?v=gQ7MycFEon0
مع سورة النساء وأوصي نفسي وإخواني بتعلم السورة وحفظها إذا أمكن فإنها من السور العظام ومن السبع الطوال التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم: من أخذ السبع الأول فهو حَبْر (أي عالِم) والسبع الأول ست منها متفق عليه وهي البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف والسابعة مختلف فيها والذي رجّحه بعض الباحثين أن السورة السابعة هي سورة يونس لأن الصحابة كانوا يسمونها “السابعة”، سورة يونس كانت تسمى في عهد الصحابة السابعة، يدل على أنها سابعة السبع الطوال. هذه السورة من أخذها مع السور الأخرى فهو حِبْر. وابن مسعود رضي الله عنه له كلمة في هذه السورة وله موقف أيضاً في هذه السورة. أما الموقف فهو ما في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يقرأ عليه القرآن قال لي رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ” اقرأْ عليَّ القرآنَ ” قال فقلتُ: يا رسولَ اللهِ ! أقرأُ عليك، وعليك أُنْزِلَ ؟ قال ” إني أشتهي أن أسمعَه من غيري ” فقرأتُ النساءَ حتى إذا بلغتُ: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا [ 4 / النساء / الآية – 41 ] رفعتُ رأسي أو غمَزَني رجلٌ إلى جنبي فرفعتُ رأسي فرأيتُ دموعَه تسيلُ. وفي روايةٍ : قال لي رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ، وهو على المنبرِ ، ” اقرأ عليَّ ” .الراوي: عبدالله بن مسعود المحدث:مسلم – المصدر: صحيح مسلم – الصفحة أو الرقم: 800 – خلاصة حكم المحدث: صحيح.
هذا الموقف، وأما المقولة فإنه يقول رضي الله عنه من قرأ آل عمران فهو غنيّ والنساء مُحبَّرة (أي متقنة) وبعض الناس يقول النساء مَحْبَرة (من الحبور) والحبور في اللغة هو السرور يعني مصدر للسرور إما أن تكون مُتقنة أو مصدر للسرور وكلا المعنيين يظهر في السورة والله أعلم وإن كان يحتاج مزيد تأمل لكن الإتقان في الأحكام في هذه السورة عظيم وهي تبعث على السرور لأنها تُظهر من كمال الدين ما يجعلك تفرح به جداً.
وهذه السورة أظن أن أيّ كافر من المتعلمين والمثقفين لو قرأ معاني هذه السورة ولو قرأها بالعربية لكان خيراً لو قرأ ترجمة معانيها بأيّ لغة فإنه لا يشك أن هذا القرآن ليس من عند النبي صلى الله عليه وسلم وقد جاء في آخر السورة (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا ﴿١٧٤﴾)
هذه السورة العظيمة بدأت بالنداء وهذه أول سورة تبدأ بالنداء والنداء من الله لا ينبغي أن نمرّ عليه سريعاً، الله ينادي وأنت أحد المنادَيْن في غالب الآيات إلا في بعض الآيات الخاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم وأحياناً ينادى النبي صلى الله عليه وسلم وتدخل أمته معه في الحكم وأحياناً يكون الحكم خاصاً بالنبي صلى الله عليه وسلم لكن أكثر النداءات (يا أيها الناس) ندخل فيه، (يا أيها الذين آمنوا) نسأل الله أن يثبتنا على الإيمان، فهذه السورة بدأت بالنداء. أنت عندما تتكلم ولله المثل الأعلى مع إنسان فإنك تتكلم معه بدون نداء إلا إذا شعرت أنه شارد أو منصرف أو أردت أن تنبهه أن الأمر مهم. كل هذا محتمل فالإنسان قد يكون غافلاً فيحتاج إلى النداء وقد يكون منشغلاً بأمر آخر فيحتاج إلى النداء وقد يكون غير مستحضر لعظمة الأمر فيحتاج إلى النداء فربّ الأرض والسماء في مطلع هذه السورة بالآية التي كان يقرؤها النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة الحاجة التي تقال في خطبة الجمعة وفي غيرها (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) فبدأت بالنداء وتكررت فيها النداءات كثيراً.
هذه السورة مثل السور التي قبلها باستثناء الفاتحة نزلت في المدينة ونزلت في مدة طويلة بخلاف سورة آل عمران وقد مر معنا أن سورة آل عمران تتعلق بحدثين: بغزوة أحد وقدوم وفد نصارى نجران على المصطفى العدنان صلى الله عليه وسلم أما سورة النساء فتتعلق بأحداث متفرقة مما يدل على أنها ظلت تنزل فترة طويلة مثل البقرة ظلت تنزل عشر سنوات، هذه السورة أقل لكنها ظلت تنزل على فترات تربي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهنيئاً لهم تلك الآيات التي نزلت على قلوبهم كما ينزل الماء البارد على من أصابه الظمأ.
سورة النساء امتدّ نزولها واشتملت على أحكام كثيرة وإذا مررنا على موضوعات هذه السورة ولاحظنا فيها النداءات التي تتكرر. بدأت بنداء (يَا أَيُّهَا النَّاسُ) وختمت بـ(يَا أَيُّهَا النَّاسُ) وبينهما نداءات كثيرة، هذه النداءات تعين على التركيز في معاني السورة وتنبه أن موضوعاً انتهى وموضوعاً استؤنف وهذه السورة باعتبار أنها في المدينة الذي يكثر فيها هو الأحكام الشرعية ومن اسمها نتنتبه أن النساء سيُذكرن في السورة كثيراً ويُذكر معهن اليتامى لأنهم يشتركون معهن في الضعف ويذكر معهم صغار السن والضعفة فهؤلاء تتعلق بهم كثير من آيات السورة التي تمتلئ برحمة الله سبحانه وتعالى. هذه الأحكام تأخذ جزءاً كبيراً من السورة ومعها أحكام أخرى تتعلق بالقتال لكن دائماً إذا انتهى نداء وقبل أن يأتي النداء الآخر تأتي موعظة من الله سبحانه وتعالى يأتي حديث عن التوبة كقوله سبحانه وتعالى بعد النداء الأول وقبل النداء الثاني يقول سبحانه وتعالى (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَـئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً (17) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَـئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (18)) (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ) ما معنى بجهالة؟ قالوا: كل من عصى الله فهو جاهل وليس المقصود أنه لا يعرف الحكم الشرعي لكن عندما أكذب أو أغشّ أو أنظر نظرة محرّمة أو أغتاب إنساناً أنا جاهل بحقيقة من أعصيه، جاهل بحقيقة المصير وإن كنت أعرف الحكم لكن هذا نوع من الجهل المؤقت هذا الجهل قد تعقبه يقظة من رحمة الله بالعبد (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ) ما هي المدة؟ قالوا كل ما دون بلوغ الروح الحلقوم فهو قريب، الأيام تمر سريعاً جداً فكل ما دون الموت قريب فمن تاب قبل أن تبلغ ه الحلقوم وقبل أن تطلع الشمس من مغربها فقد تاب من قريب وإنما لو الإنسان نظر إلى ظهر الأرض السوء بجهالة يحس أنه لا بد أن يكون جاهلاً ومن قريب يعني يوم يومين ثلاثة لكن الله سبحانه وتعالى كريم سبحانه وتعالى. ثم قال (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَـئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) هذه توضح الآية التي قبلها، وصل للمرحلة التي لا تنفعه فيها التوبة نسأل الله السلامة. ما علاقة هذه الآيات عن التوبة بآيات الأحكام؟ قبلها آيات أحكام وبعدها آيات أحكام، قبلها آيات مواريث وأحكام في الزنا والعياذ بالله ونحوه وبعدها آيات (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا (19)) لماذا آيات التوبة هنا؟ وتتكرر بعد ذلك أيضاً بعد نداء آخر يقول الله سبحانه وتعالى (وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا (27) يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا (28)) وبعد النداء الثالث يقول الله سبحانه وتعالى (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـؤُلاء شَهِيدًا (41)) قال قبلها (إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (40)) هذه ليست أحكام شرعية وإنما في مراقبة الله والحساب (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـؤُلاء شَهِيدًا (41) يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيثًا (42)). وبعد النداء الذي بعده يقول الله سبحانه وتعالى (وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا (27) يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا (28)) ثم يقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ (29)). قد أكون قدّمت في بعض الآيات وأخّرت لكن القصد أنه كلما جاء نداء وقبل النداء الآخر تأتي موعظة وكلام في الإيمان ومراقبة الله في العقاب والحساب وفي الجنة والنار لأن القلب لا يستطيع أن يمتثل أحكام الله إلا بهذه الموعظة، لا يكفي حتى تمتثل أن تعرف الحكم قد تعرف الحكم لكنك لا تميّز يحتاج إلى إيقاظ، يحتاج إلى تذكير، يحتاج إلى تنبيه ويحتاج إلى التذكير بالله أولاً وهذا يستمر في كل الآيات غالباً إذا سمعت آية من آيات الأحكام تجد في نهايتها (إن الله كان بكل شيء عليما) (والله على كل شيء شهيد) ونحو ذلك حتى ترتبط بالله ثم تأتي الموعظة لترقق القلوب وتعين على امتثال أمر الله سبحانه وتعالى.
يقسم بعض العلماء هذه السورة إلى قسمين:
القسم الأول فيه نداءات ثمان، لن نذكرها لكن تتوسطها آية تشمل هذه النداءات كلها يقول الله سبحانه وتعالى (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58)) وهذه الآية سبقتها أربع نداءات كلها لها علاقة بمسألة الأمانة ومنها آيات المواريث لأن إعطاء كل من كتب الله له حظاً وحقاً في الميراث وإن كان هذا لا يعجباً بعض الناس، كيف أعطي امرأة أو كيف أعطي ضعيفاً أو يتيماً أو من لا يقدر أن يساعدنا بشيء؟! وهذا كلام نسمعه كثيراً فكيف يحرمإنسان امرأة من حقها؟ أو يحرم أيّ مخلوق من حق أوجبه الله له في كتابه، هذه مسألة عظيمة. (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) جاءت قبلها أحكام شرعية تتعلق بإعطاء كل ذي حق حقه. قال الله (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا) فما بعد هذه الآية نداءات متساوية في العدد مع التي قبلها، قبلها أربع نداءات وبعدها أربع نداءات تتكلم عن الحكم بين الناس بالعدل وأول ذلك (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ (59)) ومنه الاحتكام إلى كتاب الله وإلى النبي صلى الله عليه وسلم وجاء فيها (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا (65)) لو أن أفضل القضاة والأذكياء والحكماء اجتمعوا ليحكموا في مسألة من المسائل وخالفوا حكم الله فهؤلاء لم يحكموا بالعدل وإن سموا أنفسهم محكمة العدل الدولية! هذا لا يغير من الحقيقة شيئاً فالعدل إنما هو في دين الله سبحانه وتعالى. ومن إقامة العدل القتال في سبيل الله ولذلك ذُكر هنا وإلا كيف يأخذ المظلوم حقه؟! كلما أتى واحد ذبح الناس قالوا لا يمكننا أن نفعل له شيئاً!! قال الله سبحانه وتعالى (وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا (75)) تقاتل في سبيل الله وتقاتل في سبيل المستضعفين. فالقتال في سبيل الله هو من إقامة العدل وليس ظلماً، القتال بما شرع الله، الجهاد في سبيل الله ليس ظلماً وإنما هو من إقامة العدل في الأرض ولذلك لا ينبغي فيه تجاوز الحدّ ولذلك جاءت آيات في السورة تبين أن الإنسان (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ (94)) لا تقاتل في سبيل الله كلما رأيت شخصاً ذبحته وأخذت غنيمته! قال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ) في الجهاد (فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا) رجل يسلّم عليك تقول لست مؤمناً لأنك تريد ما عنده من مال (تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ).
وضمن هذه الايات ذكر حكم القتل الخطأ للمؤمن والقتل العمد للمؤمن وحكمه وهذا كله من إقامة العدل أعني إعطاء القصاص وقتل من قتل نفساً بغير حق إلى غير ذلك من أحكام.
أما القسم الثاني من السورة فجاءت فيه تثبتات للمؤمنين وفضائح للمنافقين ودعوة لأهل الكتاب وكأن الآيات السابقة بعد أن بينت دين الله وبينت كماله وبينته عدله وبينت كيف يعطي كل ذي حق حقه احتاج المؤمنون إلى التثبيت وإلى معرفة أحوال المنافقين الذين ذُكوا من قبل في آيات القتال ولكن فُصّل فيهم هنا فقال (بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (138)) وذُكر أهل الكتاب وخُتمت السورة بقوله سبحانه وتعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا (174) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَاعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ) أسأل الله أن يجعلنا منهم (وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا).
ثم ذُكرت آية من أحكام المواريث وقد كانت آيات المواريث قد ذُكرت في أول السورة ثم ذُكرت هنا لتذكّر بعظم هذا الأمر وأهميته وأنه لا ينبغي التساهل فيه وأنه بيان من الله. وانظر إلى المشاكل العائلية الآن في أماكن كثيرة تجد مشاكل كبيرة في عائلة بسبب أنهم من ثلاثين سنة ما وزّعوا الميراث! بينهم خصومة وخلاف وعوائل أخرى بينهم مودة ومحبة وأعرف أناساً أشرفوا على توزيع تركة لبعض المليونيرات الكبار في البلد أناس يبقون عشر سنوات يتضاربون في الميراث وأناس ينتهوا في أيام بتوزيع الله سبحانه وتعالى وهو أرحم الراحمين وهو العليم الحكيم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.