برنامج التفسير المباشر

التفسير المباشر – الجانب الإيماني والتربوي آيات الحج

اسلاميات

الجانب الإيماني والتربوي آيات الحج 7/12/1429هـ

المقدم : د. عبد الرحمن الشهري

الضيف :د.مساعد بن سليمان الطيار


.. بسم الله الرحمن الرحيم .. الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .

وقد تحدثنا في الحلقة الماضية عن الجوانب البلاغية في آيات الحج في القرآن الكريم ، واليوم سوف نتوقف مع جانب آخر وهو الجانب الإيماني والجانب التربوي في آيات الحج في القرآن الكريم ؛ لمناسبة هذه الأيام المباركة للحديث حول الحج وآياته في القرآن الكريم .

.الفرق بين التفسير التحليلي والتفسير الموضوعي

بداية – بإيجاز – لو تبين للإخوة الفرق بين التفسير والتحليلي الذي تعودوا عليه .. في رمضان كان الناس يسألون عن الآيات ونجيب أحياناً معاني ألفاظ غريبة أو كذا ، والآن نتحدث بطريقة موضوعية ..أن يبين للناس أيضا أنواع التفسير ، والفرق بين الموضوعي والتحليلي .. فعلى بركة الله. 
بسم الله الرحمن الرحيم .. الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله .. أما بعد ،

التفسير التحليلي هو : النظر إلى الأسلوب الذي سلكه المفسر في تفسيره ، ما هو ؟ فأنا أقول : هذا أسلوبه تحليلي .. بمعنى أنه يأخذ الآيات مثلا سورةً سورة ويفسر الآيات آية آَية والآيات جملة جُملة والجمل مفردة مُفردة ، فهذا نسميه تفسيراً تحليلياً ، وجُلَّ التفاسير على هذا المنوال منذ أن بدأ التفسير بغض النظر عن أنواع المعلومات التي تكون في هذه التفاسير .. الأنواع متعددة كثيرة المعلومات ، هذا هو الأسلوب : أنه يأخذ السورة ثم يقطعها إلى مقاطع ، ثم يبدأ يفسرها .. مفردة فجملة فآية إلى أن ينتهي من السورة . 

أما التفسير الموضوعي فالحقيقة له أكثر من نوع عندنا ..

  • طبعاً من أنواعه هو الذي نتحدث عنه اليوم .. موضوع من خلال القران .. وهذا الذي يذهب إليه  الذهن أول ما يقال : (التفسير الموضوعي) ..
  • مع أنه هناك أيضا موضوع من خلال سورة وسبق أن  طرحت موضوعات من خلال سورة .. مثلا لو قلنا مثلا : (التقوى) من خلال (سورة البقرة ) .. (العلم) من خلال (سورة البقرة) .. (الإيمان) من خلال سورة (المنافقون ) بما أنه مخالفة ؛ لأن النفاق مخالف لقضية الإيمان .. فالأمثلة كثيرة جدًّا يمكن أن تجدها كعناوين لموضوعات من خلال سورة ..
  • وهناك بحث المفردة من خلال القرآن ، وهي على وجهين : أحيانا قد يكون بحثًا لغويًّا مجردًا من غير أن يكون هناك دلالات وأحياناً يكون دلالات  للمفردة في القرآن .. كيف جاءت ؟ ويبنى عليها شيء من الفوائد مثل وجوه اللفظة في القرآن .. مثل ما نقول : ( أمة) في القرآن ودلالاتها ، فهذا – باختصار- أنواع التفسير الموضوعي . 

هذا النوع للتفسير الموضوعي اللي هو موضوع  من خلال القرآن .. الحقيقة فكرته من حيث النظرة الفلسفية لقضية التفسير الموضوعي لاشك أنها رائعة ، لكن الإشكالية أنا عندي في التطبيقات أنني إلى الآن لا أحس أنني أمام  نوع تطبيقي أحس أنه يملأ قارئه بما فيه من الفوائد ويلملم له الموضوع القرآني دون أن يكون هناك استطرادات في مسائل لا علاقة لها بالموضوع ، أو استطراد في الأسلوب الإنشائي الذي يملأ الصفحات ، والنتيجة منه يمكن أن تكتب أحياناً في سطر أو سطرين ؛ فنقول إنه موضوع نفيس ، لكن يحتاج إلى أن نعيد صياغة البحث فيه ، وكيف نستطيع أن نصل إلى ما نريد من دون أن يكون هناك نوع من التطويل ؟ 

ويرجع السبب – والله أعلم – إلى قدرات الباحثين ؛ فتجد بعض الموضوعات التي بحثت من خلال القرآن نوقشت بأسلوب رائع رَائع جدا .. يعني أضرب مثالاً على ذلك مثل : ( الأخلاق في القرآن الكريم ) الذي كتبه / محمد عبد الله صالح – دكتور الأخلاق – هو طبعاً دكتور الأخلاق .. هذا كانت معالجته رائعة جدًّا وأسلوبه قيم ، فالأخطاء في التطبيق وليست في المنهجية نفسها .. نحن نعاني الآن – حتى في الحلقات الإعلامية الآن – عندما نتناول موضوعًا من خلال القرآن يضيق الوقت عن إعطائه حقه ، فربما المشاهد يأخذ فكرة مشوهة عن فكرة التفسير الموضوعي .. الموضوع من خلال القرآن ، كيف تناول القرآن الكريم هذا الموضوع بطريقة أو بأخرى ؟ وقد نصيب وقد نخطئ في بعض الاحيان.

نعود إلى ( آيات الحج اليوم والوقفات التربوية التي ترونها ) مع نماذج منها – إن تيسر- .  
نبتدئ به إنه إحنا الآن نستعرض من خلال ترتيب القرآن ، وهذه فائدة لو انتبه إلى أننا في التفسير الموضوعي يمكن أن نسير حسب ما سارت الآيات .. هذا صنعه بعضهم ، وبعضهم لا يجمع الآيات ثم يقسمها إلى موضوعات ، ثم يناقش هذه الموضوعات .. نحن الآن سنناقش حسب ماوردت .البقرة ثم الحج.

اولا في البقره:

الحج يحتاج الي صبر.

ورد في البقرة قوله – سبحانه وتعالى – : (إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ) .. هذا هنا إشارة إلى شعيرة من شعائر الحج وهي ( الطواف بين الصفا والمروة ) الذي يصطلح عليه باسم السعي ، فهذا هو أول ما يذكر مما يتعلق بآيات الحج ..ولو تأملنا ما قبل هذه الآيات في مثل قوله : ( ولنبلونكم بشىءٍ من الخوف والجوع ونقصٍ من الأموال ) ، ثم قال : ( الذين إذا أصابتهم مصيبة ) (أولئك عليهم صلوات من ربهم ) ، ثم قال : ( إن الصفا والمروة ) الموضوع متعلق بماذا ؟ بالصبر .. فكأنه يشير إلى موضوع مهم جداً مرتبط فيما يتعلق بمناسك الحج .. هو أن من أراد أن يحج فعليه ماذا ؟ بالصبر ، والملاحظ أن بعض الحجاج – خاصةً الآن ما شاء الله مع الحملات والتجهيز والترفيه الزائد للحجاج – الذين ينزعجون من أشياء هي في الحقيقة كانت عند غيره فخامة ..بسبب أنه لم يجد كذا ولم يجد كذا .. فإننا نذكر .. في السابق كان الماء بالفعل كان يسمى يوم تروية ، كان الناس يذهبون بالجراكل إلى مكان بعيد يعبون فيه الماء ويأتون به الخيمة ذهاباً ومجيئاً ، تجد الناس كلهم في مثل هذه الحالة يذهب ويجئ بالماء . 

الآن – ولله الحمد والمنة – متيسر حتى ما شاء الله يغتسل الحاج في مخيمه ، فأقصد إنه يحسن بالحاج أن ينتبه إلى أن الحج مرتبط بعبادة مهمة جداً وعظيمة ، وهي محتاجة إلى الصبر.. وألا يفسد حجه بسبب تعجله ، أو بسبب حتى تلفظه أو غضبه ، وكل هذه مناف للصبر . 

وهذا يعني من مناسبة سبق الآيات بقوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين ) ، ثم قال بعدها : ( إن الصفا والمروة من شعائر الله ) هذه مناسبة قبلية هناك مناسبة بعدية أذكرها لنتناقش فيها وهي أن المروة من الأماكن التي ارتبطت بقصة ذبح إسماعيل – عليه الصلاة والسلام – وأهل الكتاب ينكرون ذلك ، وخاصةً اليهود ؛ يقولون : إن الذبيح هو إسحاق بن إبراهيم ، وليس إسماعيل بن إبراهيم ؛ لأن شعيرة الذبح والنحر شعيرة من الشعائر العظيمة التي يحسد اليهود فيها أن تكون مرتبطة بجد العرب ، وهو إسماعيل ويريدون أن يكون هذا الشرف لإسحاق بن إبراهيم – عليه الصلاة والسلام – ؛ ولذلك حرّفوا  في كتابهم اسم المروة – والذي ارتبط بالذبح – إلى (أحجار المِرا) أو(مَورا) أو(مورة) ، ولكن اختلف الشرّاح الذين شرحوا التوراة في أين هي هذه المنطقة ؟ في حين أنها المروة ، لكنهم حرّفوها فناسب أن يأتي بعد هذه الآيات : ( إن الصفا والمروة من شعائر الله ) قول الله – سبحانه وتعالى – : ( إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون ). 

هذا الاستنباط قد استنبطه الشيخ محمد عبدالله دراز في كتاب ( النبأ العظيم ) ، ووافقه الشيخ عبد الحميد الفراهي في أن مجيء هذه الآية بعد قصة ( الصفا والمروة ) هو رد على اليهود وتحريفهم لاسم المروة ، ومحاولتهم التعمية على قضية الذبيح إسماعيل – عليه الصلاة والسلام – فإن هذه هي إذاً من آثار الصبر ..ولا شك صبر إسماعيل – عليه السلام – وصبر والده على ذبحه ، وصبر أمه بين (الصفا والمروة ) في السعي في قصة (ماء زمزم ) أصلا كلها قضية مرتبطة بالصبر .


علاقه الحج بالجهاد:

الآيات الأخرى ( وأتموا الحج والعمرة لله ) هنا أيضا ملحظ أنها جاءت بعد آيات الجهاد ..هنا أذكر فائدة ذكرتها  في قضية ( علاقة الحج بالجهاد ) ، وأن الحج والجهاد مترابطان ، كما قال الرسول – عليه الصلاة والسلام – :  ” لكن جهادٌ لا قتال فيه ” فسمى الحج جهاداً .

سيأتينا أيضا إشارة إلى أن هناك علاقة ، أكثر من مرة تأتي قضية القتال ، ثم يأتي بعدها ذكر الحج بالذات ، ستأتي – إن شاء الله – إشارة إليها .. في ( سورة البقرة ) وردت تفصيلات لبعض أحكام الحج ، وهذه السورة هي سورة ذكرت فيها المشاعر وترتيبها من اللطائف التي أيضا يمكن أن تذكر في هذا الباب فيما يتعلق بقضية الجانب التربوي ، وهي أن الأحكام في القرآن تأتي ، وهي مرتبطة بما يتعلق بأشياء .. بما يتعلق بتقوى الله ، بالتذكير بأسماء الله – سبحانه وتعالى – التذكير في بعض صفات الله – سبحانه وتعالى – فهذا الربط ربط مهم جدا ؛ ولهذا يحسن بالفقيه أن يكون عنده مثل هذا الفقه القرآني في طرح القضايا بالتذكير ، بما يتناسب معها من قضايا التوحيد ..سواء كان توحيد الربوبية أو توحيد الألوهية ، أو توحيد الأسماء والصفات .. أي نوع من أنواع التوحيد أن يكون هناك نوع من الربط بين الحكم الشرعي الذي ذكره وبين هذا ؛ لأن الحكم الشرعي والعقيدة واحد يعني في تلازم وترابط  . 

كون الدراسة الآن عندنا تفصل مادة الفقه عن مادة العقيدة ، هذا ماهو صحيح – هي متداخلة تداخلا شديداً جدًا لكن هذه التقسيمات الفنية الدراسية يجب أن يكون الطالب عنده قدرة على الإلمام وربط الموضوعات بعضها ببعض مثلا لما تكلم عن قوله : ( وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصِرتُم ) الآن أحكام ( فإن أحصِرتُم فما استيسر من الهدي ) هذا واحد فإن أحصرتم أي : منعتم من الوصول إلى .. مأخوذة من الحفر وذلك لأي سبب من الأسباب المانعة قال : ( ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محِله فمن كان منكم مريضا أو به أذىً من رأسه ففديةٌ من صيام أو صدقة أو نسك فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي )) تفصيل الآن قال : ( فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام ) لاحظ بعدها قال:( واتقوا الله واعلموا أن الله شديد العقاب ) ..هذه تربوية يثقف الآن لماذا يتوعد الله – سبحانه وتعالى – هنا في موضع عبادة ؟ إذاً هنا يجب أن ينتبه الحاج إلى أنه قد يُخِل أحيانا ببعض قضايا الحج بسبب عجلته ، بسبب جهله .. لأي سبب من الأسباب ..لا حرج – هكذا نقول – لا هنا يجب أن تكون متيقظا لهذا الأمر ، أن هذه العبادة يجب أن تقوم بها ، كما أمر الله – سبحانه وتعالى – فهذه قضية بعض الحجاج لا يأبه لها ، وأنا رأيت بعضهم شبابا يرمون الجمرة بسبعة .. بسم الله اللهُ أكبر ..ثم يذهب هذا أخل بالفعل ، أخل بالحج إخلالا شديدا جدا .. فضلا عن ممارسات كثيرة كيف نعالج هذه الممارسات الخاطئة ؟  

لا رفس ولا فسوق في الحج:

أيضا لاحظ الآيات التي بعدها فيما يتعلق بالقضايا التربوية وهي كثيرة ، لما قال : ( الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق جدال في الحج ) كلها مسائل أخلاقية تربوية .. لاحظ  لو أن الحاج وهو يذهب للحج يستحضر هذه المناهي : 
النهي الأول : (
فلا رفث) الرفث في النساء ، الكلام الذي يراجع به النساء (ولا فسوق) ؛ يعني لا يفسق : أي لا يعصِي الله – سبحانه وتعالى – وهو في الحج ، ( ولا جدال ) وهذا طبعا له وجهان .. لابد أن آخذ الجانب المرتبط بالأخلاق بما قيل إنه لا يقع مجادلة في ماذا ؟ المماراة في الحج .. والعجيب سبحانه وتعالى أنها كثيرة .. دواعيها كبيرة : نقف هنا .. لا نقف هنا .. أنت لا تفهم .. فتجد – سبحان الله – أحياناً  بعض الحجاج – مع الأسف – يتعاملون مع المرور مع رجال الأمن بأسلوب لا يدل على أنه حاج إطلاقا .. هذا الرجل المسكين بدل ما  تعزز جانبه وجانبه وتشكره وتحمد له ما يسمع وتقول : جزاك الله خيرًا على ما تفعل .. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يأجرك أجر الحج بسبب قيامك في الموقف ! تجد المسكين يتعب ويدأب ؛ وخاصة في أيام الصيف الشديدة وفي أيام البرد ، وهذا يأتي في لحظة يريد أن ينفذ ما يريده هو ، ويرمي بكل الناس عرض الحائط وبكل هذه الأنظمة عرض الحائط .. أين الحج ؟ إذن هذا يدخل في : ( فلا رفث وفسوق ولا جدال في الحج ) .. لاشك أنه نوع من الفسوق أن يكون في مثل هذا الأمر . 
التحلي بالاخلاق مع رجال الامن وقائمي الحملات:

هذه لفتة مهمة جدًّا ونحتاج إلى إبرازها .. أنا أطلب من الإخوان الدعاة في مناسك الحج الذين يمرون على الحلقة أوعلى الحملات ، وأن يظهروا مثل هذه الأخلاقيات التي يحتاجها الناس في مشاعر الحج بكثرة في عرفات عندما يخرج  الناس من عرفات إلى مزدلفة ..أنت تلاحظ التزاحم والتدافع والرغبة الشديدة في أن يسبق كل واحد إلى موضعه في مزدلفة لكي يبيت فيتنازعون ؛ تسمع منبهات السيارات بشكل يدل على أنه ليس هناك التزام بهذه الأخلاقيات .  
الأمر الثاني أنهم يتقاتلون على مواضع المياه .. على المواضع الجيدة للنوم في ذلك اليوم ، وكأن بعضهم لا يستشعر مثل هذه الشعيرة ( شعيرة الحج ) ؛ وخاصة مثل هذه التنبيهات التي وردت في ( سورة البقرة ) ، وهي أول ما تحدث عن الحج في ترتيب المصحف أنها قضايا  أخلاقية (
فلا رفث ولا فسوق ولا جدال قي الحج ).. وأيضا هذا التنبيه  الشديد ( واعلموا أن الله شديد العقاب ) هذه أيضا تحتاج إلى إبراز تربوي ـ ثم ذكر الله سبحانه وتعالى – بعد ذلك في المواضع : ( ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم فإذا أفضتم من عرفات …..)  
في نظرة إلى قضية التوازن

الله سبحانه وتعالى الذي خلق الخلق وهو أعلم بهم فقد يأتي واحد يكون عنده نوع من التشدد ، يقول : أنا أخرج للحج لا أريد إلا أن الحج فقط فنقول له : إن الله سبحانه وتعالى قد فتح المجال لمن أراد أن يستفيد من هذا الحج في الدنيا يعني استفادة  دنيوية ، فالله سبحانه وتعالى يقول 🙁 ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم ) أي في البيع والشراء في الحج ، فلو أننا نرى مثلًا بعض من كان بالجمهوريات الإسلامية يأتون بسيارة محملة بأنواع الأقمشة وغيرها ويبيعون ويحجون فهذا يدخلون في هذا الباب .. يجب أن ننتبه ؛ لأن الله سبحانه وتعالى وضع هذا التوازن في موضوع رغبات الناس الداخلية التي يحتاجونها وأيضا الجانب الروحي الذي يجب أيضا أن يؤدوه ؛ ولهذا في وسط آيات الحج يقول:( ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام ) إلى آخر الآيات ، تلاحظ أنه بدأ في ماذا ؟ في الجانب العبادي البحت . 

الإيثار: 
نقطة الإيثار في الحج قد تكون عكس ما يحصل للأسف  إلا من رحم الله مع الكثير من التقاتل على الأماكن و الطعام ؛ ولذلك باب الإيثار مفتوح بشكل كبير في الحج .. إذاً إنسان بدلًا من التقاتل يفسح لحاج زميله في المكان ، أو يقدم له طعام لمن لا يجد له .. فالحكاية كلها أيام قليلة ثم يعود إلى داره ولا يبقى له إلا الإيثار الذي تركه والعمل الصالح الذي في الحج.


الترغيب والترهيب :

( ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفورٌ رحيم ) .. بدأت الآن القضايا التي فيها نوع من ماذا ؟ من جانب آخر يمكن أن نسميه جانب الترغيب بجانب الترهيب و العبد حينما يذكر الله سبحانه وتعالى ، لاحظ ( فاذكروا الله ) ( فاذكروا الله ) مرت أكثر من مرة ، فكلما أكثر العبد من ذكر الله يحس بنوع من الطمأنينة التي يستشف بها من ترك الله رحمته له ، فناسب هذا أن يقول: ( واستغفروا الله إن الله غفورُ رحيم ) كأن من آثار كثرة الذكر ..المغفرة ؛ فأنت قريب من المغفرة فاطلبها .. والآن أنت تلاحظ أن من لا يتعجل في الحج ويجتهد في أن يصنع المناسك كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم و يجلس بعد شروق الشمس في  مزدلفة إن لم يكن طبعاً من أهل الأعذار ويذكر الله سبحانه وتعالى بعد صلاة الفجر ثم يذهب بعد ذلك، يحس بنوع من الراحة والطمأنينة التى لا يشعر بها ذلك الإنسان الذي تعجل وقام قبل الفجر ، أو ذهب بعد بزوغه مباشرة ، أو انشغل بأي شغل آخر.. انشغل عن الذكر ، فسبحان الله على قدر ما تأخذ من هذه العبادة في ذاك الوقت تحس بنوع من الطمأنينة والراحة والتلذذ بالعبادة . 
والآن نذكر بعض من كان يتحدث عما عمله في الحج يقول : أنا لم أشعر بطول المشي من مزدلفة إلى الجمرات مع أنني لو قيل لي : عليك أن تمشي كان هذا صعبا ، قال : كنت أمشي مع الناس وأكثر من التلبية وذكر الله وأنظر إلى الناس .. وأحس بنوع من الراحة .. هذا الاستشعار أو التلذذ بالعبادة مطلب مهم جدًّا جدًّاً تشير إليه الآيات التي يكون نوع من التفاعل والتداخل النفسي مع هذه العبادة بحيث إنها تكون العبادة هي المستولية عليك . 
وبعض الناس – سبحان الله مع الأسف ، ولا بد أن نذكر بعض من وجوههم السيئة – يتجنى ويتفرج يمين ويسار ويعلق ، ويترك التلبية يترك الذكر في هذه المواطن .. إذا أنت وصلت الآن إلى الجمرة انتهت التلبية .. انقطع نوع من أنواع الذكر ؛ ليس مكانه إلا هذا .

الإفاضة دعوة للتواضع:

( ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس ) فيه دعوة للتواضع والذهاب مع الناس ، حيث أمر الله سبحانه وتعالى .. لاشك من يتأمل سيرة قريش ، ثم ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم – في قوله سبحانه وتعالى: ( ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس ) .. هذه فيها ملمح تربوي ، وهو ملمح التواضع لأن قريش كانوا يرون أنفسهم أرفع وأعلى من أنهم يشاركون بقية العرب في الذهاب إلى عرفات ، فيقولون نحن أهل الحرم فلن نخرج عن حدود مزدلفه … ويسمون أنفسهم (الحُمس) وهم قالوا : إن الحمس هم الناس الذي لا طاقة للناس بهم لقوتهم ومنعتهم ، وكانوا لحماستهم وشدتهم في العبادة .. وكما يقولون في الطاعة وفي المناعة أيضا فسُموا بالحمس ، فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم وحج كانوا يراقبوه هل سيتوقف حيث تتوقف قريش في العادة فيبقى  في مزدلفة ويترك بقية الناس يذهبون إلى عرفات أم يذهب مع الناس ؟ فلما رأوه قد خرج قالوا : هذا من الحمس ، فما باله قد تجاوز..

أنا الحقيقة لفت نظري لفظة الناس ،  في الحج تأتي الناس: ( وأذن في الناس في الحج  ) ( ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس ) ؛ فهذا ملحظ لعلي لا أستطيع الآن أبلي به كثيراً .. لكن أنا أقول : لعل أحداً ممن يسمعنا يتابع هذه القضية  ماجاء الخطاب بالإيمان .. فهل لأن الحج يعني شعيرة قد تعارف عليها يعني عند العرب من عهد إسماعيل – عليه السلام – إلى جاهليتهم ، فهي باقية فيهم بخلاف غيرها من العبادات .

الدعوة للدنيا والاخره:

(( فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وماله في الآخرة من خلاق ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار )) ، ثم قال : (( واذكروا الله في أيام معدودات )) فأنا ألاحظ أنها وردت هذه الدعوات في وسط آيات الحج .. فما السر في هذا الدعاء ؟ 
هو نفس الفكرة التى ذكرتها في ((
أن تبتغوا فضلاً من ربكم )) وهي أن الإنسان لا ينسى أن يطلب لدنياه كما يطلب لآخرته. آتنا في الدنيا حسنة يعني : أي حسنة من حسنات الدنيا ، فالزوجة الصالحة حسنة ، والمال المبارك حسنة ، والعلم النافع حسنة ، والمسكن المريح حسنة .. إلى آخره فهذه كلها من حسنات الدنيا ، فهذا نوع من التوازن الذي يجب أن ينتبه له الإنسان وأن يطلب لدنياه ولآخرته .

الامر بتطهير البيت جاء قبل الامر بالحج:

الطهاره من الشرك بالاضافه الي طهاره المكان.

(( أن طهرا بيتي للطائفين )) ، ثم قال بعدها: (( وأذن في الناس  بالحج )) ، فقدم الأمر بالتطهير لإبراهيم عليه الصلاة والسلام .. لوتتأمل إبراهيم عليه السلام أمر أن يطهر البيت مع أن مقام البيت الذي كان فيه ، إن كان سيطهر في وقت إبراهيم عليه السلام فلن يطهر إلا مما يكون من أشواكه ويرعى أنه يهيأ فهذا جانب الطهارة الحقيقة ، ولكن أيضاً في إشارة إلى الطهارة المعنوية وهي ألا تدخل البيت وأنت تشرك بالله سبحانه وتعالى ، قال تعالى: ( وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا ) وألقى بجميع الأصنام ، فأخذها فكسرها وخرج من البيت ، فهذا ملحظ مهم جدا . ماذا ؟وهو الجانب المرتبط بالشرك بأنواعه المتعددة وإن كان شركا أكبر والعياذ بالله أو كان شركا أصغر ، فيأتي الإنسان وهو متجرد بالتوحيد ؛ ولهذا الحج مقام من مقامات التوحيد الكبرى . 
(( واعلموا أنكم إليه تحشرون )) وفي جانب التوحيد أيضا لو رجعنا بالأخلاق ، التربية على الأخلاق في الحج ؛ ولهذا المسلم يجب أن يكون عنده وعي في كيف يربي نفسه في الحج .. يعني ينظر إلى طاعة الله ومرضاة الله سبحانه وتعالى فيطلبها ، فمن المهم جدا قضية الطهارة الحسية هذه ، ونحن ولله الحمد والمنة نرى دولتنا تقوم بأعمال جبارة في تهيئة البيت الحرام لحجاج بيت الله ، فلا يكون الحجاج هم الذين يفسدون مثل هذه الطهاره.

قدوتنا في طهاره البيت هو سيدنا ابراهيم _عليه السلام_

ويحتاج الحجاج إلى التنبيه إلى هذا بين الحين والأخرى ، وأذكر من الأشياء الطريفة في هذا الموضوع في تطهير الحج، أذكر يوما كنت أتحدث مع أحد عمال النظافة في الحج أو في الحرم ، فقلت له يعني : أنت في نعمة عظيمة ، هل تعلم من هو قدوتك في هذا العمل الذي تقوم به  ، وهو التنظيف ؟ يعني فقلت إن قدوتك هو سيدنا ابراهيم وابنه اسماعيل عليهما السلام. أن يطهرا البيت بأنفسهما ، فكانا يطهرانه للناس قبل أن يدعو الناس للحج ، فذكر لي أحد الإخوان قال : أنا التقيت يوماً بأحد الذين يعملون في نظافة المسجد النبوي ، فقال : أنا أردت أن أتصدق عليه ، فقال : أنا لا أحتاج إلى صدقة ، فقلت : كيف وأنت تعمل في نظافة المسجد ، وليس لديك دخل قوي ؟ فقال : أنا كان بإمكاني أن أكون في أفضل من هذا المنصب عند الناس ، لكن رأيت أن اختيار الله لي من دون غيري من  الناس أن أكون أنا الذي أقوم  بتنظيف المسجد الحرام .. هذا اختيار من الله لي . 
ففضلني الله واختارني على ملايين من الناس أن أكون أنا الذي يقوم بتنظيف بيته للناس ، فقلت : هذا والله استحضر الآية : ((
أن طهرا بيتي للطائفين )) . 
(( يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس…….))

هذه ذهلنا عنها فقط ، ولا شك أنها مقدمة لموضوع الحج ، لماذا ذكر الله – سبحانه وتعالى – سؤال الصحابة رضي الله عنهم وهم سألوه عن الهلال ؟ لماذا يبدو دقيقا ، ثم يكبر حتى يكون بدرا ، ثم يعود مرة أخرى ؟ فالله سبحانه وتعالى ذكر فائدة .. الفائده الحقيقة أنها مواقيت للناس ثم قال : ( والحج ) توطئة لذكر الحج بعد ذلك .

الافاضه هي الانتقال داخل عرفه ومن عرفه الي مزدلفه:

يعبر في القرآن الكريم عن الانتقال من مزدلفة إلى عرفات بالإفاضة ..أليس كذلك ؟ ثم أيضا من عرفات إلى العودة إلى منى . (( أفيضوا من حيث أفاض الناس)) يقول : الآن عند الناس ما يسمونه الإفاضة إلا في طواف الإفاضة فقط ، فما هو سبب التعبير بالإفاضة في قضية من مزدلفة إلى عرفات؟

الافاضه هي الامتلاء والسيلان ، فكأنه إشارة إلى تدفق الناس فالإفاضة تستخدم في اللغة في المائعات ، مثل الماء .( أن افيضوا علينا من الماء ): فالإفاضة تستخدم في الماء .في اللغة ، لكنه عبر هنا عن انتقال الحجاج من المشاعر (المزدلفة ) إلى عرفات والعكس للإشارة إلى كأنهم ماء يسيل في الأودية .

ولذلك من الأشياء الجميلة حتى في اللغة تعبيرهم قديماً بالسيلان للناس الذين في المشاعر عندما يخرجون أو يدخلون ، كما قال: فلما قضينا من منى كل حاجة         ومسَّح بالأركان من هو ماسح                                  أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا        وسالت بأعناق المقيم الأباطح

فهو نوع من هذا التعبير.قضية انتقال المجموعات الكبيرة من الناس .

الفرق بين ايام معدودات في رمضان ومعدودات  في الحج :

فقال الله سبحانه وتعالى: (( أيام معدودات )) في الصيام للإشارة إلى أنها ثلاثين تراها قصيرة وسريعة ..الانتهاء في الحج في قوله:(( أيام معلومات )) يشير إلى أيام الحج كلها ، وأنها أيام ينبغي أن يُعلَم الدخول فيها والخروج ؛ حتى لا تهل بالحج في غير وقته .يعني كأنها في رمضان تهوين (للعدد). كأنه يريد بمعدودات الأصل فيها الذي هو القليل فذكرت في الثلاثين الذي هو كثير؛ تهويناً للعدد ، وذكرت في الحج في موضع واحد ، وهي في أيام التشريق .بالضبط ؛ لأن الناس يستعجلون . ( ( واذكروا الله في أيام معدودات )) . (( فمن تعجل في يومين  )) .

الحرم هو اول منطقه منزوعه السلاح في العالم :

(( فمن دخله كان آمنا  )) بعض الباحثين أشار إلى عبارة جميلة ، وقال : إن تأمين هذا المكان في منذ أن أمر الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام ببناء البيت ، وجعله حرما آمنا .. قال : هذه أول منطقة منزوعة السلاح في العالم . الدول الآن تسعى إلى أن تجعل هناك مناطق منزوعة السلاح ، وتحرص على أنها تحافظ على هذا ، لكنها لم تنجح . أما في الإسلام ، وفي تاريخ التوحيد بصفة عامة ، فالله سبحانه قد جعل الحرم حرما آمنا . 

– نختم بفائدة

هي فائدة علمية ، ليست تربوية .

(( وأذن في الناس بالحج )) أنا أحب أن ينتبه من يقرأ في التفسير ، وهي مرتبطة بما ذكرت: إن اليهود قد أخفوا ..:  قصة الذبيح .

قصة الذبيح الذي يظهر لي والله أعلم من خلال ظاهر الآية ، لما قال الله سبحانه وتعالى لإبراهيم (( وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا )) أن أول من سيستجيب لإبراهيم من هم ؟ أبناؤه .: فلهذا يكاد يكون آخر يقين أن إسحاق عليه الصلاة و السلام و يعقوب وأبناء يعقوب ، وكذلك من جاء من نفسهم من الأنبياء أنهم حجوا هذا البيت . لماذا؟ لأن الله سبحانه وتعالى أمر بالحج لجميع الناس فأولى من سيعمل بهذا الحج من هؤلاء ؟ الأنبياء .

فكوننا لا نجد بكتب بني إسرائيل إشارات صريحة لمثل هذه الأمور ، فإنه لا يعني أن هؤلاء لم يحجوا ، وأيضا هناك أحاديث الرسول – صلى الله عليه وسلم – التي إذا جمعت ، فإنها تدل على أنه قد حج إلى هذا البيت أنبياء كثر ؛ فأشار إلى صالح ، وإلى هود ، وإلى موسى .

فدعوة التوحيد واضحة في هذا كله حتى إنه يحضرني قول جابر عليه رضوان الله في حديث الحج ، عندما ذكر تلبية النبي صلى الله عليه وسلم من الميقات قال : فأهل – عليه الصلاة والسلام – بدرع .. التوحيد .

الحقيقة في هذه الآيات ، وفي نهاية هذا اللقاء أيها الإخوة المشاهدون أسأل الله – سبحانه وتعالى – أن يتقبل منا ومنكم ، ونبارك للإخوة الحجاج قدومهم لمشاعر الحج ، وأسأل الله أن يتقبل منهم ، وأن يعينهم على إتمام نسكهم ،  وأهنئكم أيها الإخوة – مقدما – بعيد الأضحى المبارك ، وأسأل الله أن يجعله عيد نصر وتوفيق للأمة الإسلامية جمعاء في كل مكان .