الحلقة 22
ضيف البرنامج في حلقته رقم (116) يوم الأربعاء 22 رمضان 1431هـ هو فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن صالح الفوزان الأستاذ المساعد بكلية المعلمين بجامعة الملك سعود.
وموضوع الحلقة هو :
– علوم سورة الحج .
– الإجابة عن أسئلة المشاهدين حول السورة وحول الجزء الثاني والعشرين من القرآن الكريم
————————–
سورة الحج
إسم السورة، هل لها أسماء أخرى؟ هل هذا الإسم توقيفي؟
د. محمد: هذه السورة سميت بسورة الحج وهذا الإسم والله أعلم مشتق مما ورد في السورة في قوله تعالى (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ (27)) ذكر آية الحج. ولكن ينبغي أن نشير هنا إلى أن الحج يعني هذه السورة نزلت قبل مشروعية الحج قبل أن يفرض الحج وفرضية الحج ليست في هذه السورة وإنما جاء في سورة البقرة كما في قوله تعالى (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ (197)) وفي سورة آل عمران (وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً (97)) ومع ذلك سميت هذه السورة بهذا الإسم. ولعل هذا الإسم عرف في وقت النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث عقبة ابن عامر ” قلت يا رسول الله فضلت سورة الحج بأن فيها سجدتين قال نعم ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما الراوي: عقبة بن عامر الجهني المحدث: الترمذي – المصدر: سنن الترمذي – لصفحة أو الرقم: 577 -خلاصة حكم المحدث: ليس إسناده بذاك القوي” والحديث فيه ضعف أخرجه الترمذي وأبو داوود لكن نستأنس به في هذه التسمية وأنها من زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يعرف لهذه السورة إسم غير هذا الإسم.
وقت نزول السورة
د. محمد: هذه السورة في موضوع نزولها وقع خلاف بين أهل العلم هل هي مكية أو مدنية؟ وخلاف طويل ولذلك حتى عن ابن عباس وردت روايتان رواية عن ابن عباس هي مكية إلا بعض الآيات (هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ (19)) وفي رواية أخرى جاءت عن ابن عباس قال هي مدنية إلا قوله تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ (52)) تعددت الروايات عن إبن عباس وكذلك عن السلف تعددت الروايات ولذلك قال بعضهم فيما يروى عن الجمهور سماها مختلطة فيها مكي ومدني بل ليس المكي منحاز مجموعة آيات والمدني كذلك بل متداخلة. ومن العجيب في هذا أن السورة كما في بعض الروايات ورد على أنها مكية نزلت في آخر العهد المكي والمدني منها في أول العهد المدني كما في قصة (هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ) في بدر ولذلك نجد تواصل بين آياتها والقرآن كله كذلك، حتى أنك لا تفرق بين المكي فيها وبين المدني. لكن قول جمهور العلماء على أنهم يقولون أنها مكية ويغلبون عليها الجانب المكي ويستثنون بعض الآيات وهذا ما نلمسه في موضوعاتها وخصائصها، موضوعات المكي وخصائص المكي. لكن هناك إشارة معينة إلى أنه في أسلوب السورة فيها ما يأتي في أسلوب بعض السور المكية أسلوب الشدة والقوة في مطلعها (يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ (2)) (فالذين كفروا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20)) فتجد الشدة والقوة في آيات هذه السورة وهذا يؤيد ما ذهب إليه الجمهور من أنها في أغلبها مكية.
د. عبد الرحمن: لفتة كريمة لفت إليها أحد الباحثين عندما كان في البرنامج وهي أحيانًا عندما نقول أن هذه سورة الحج أو غيرها من السور مكية إلا آيات الفلانية مدنية أو العكس، هل لما نقول هذا هل نستحضر التعريف الراجح من تعريف المكي والمدني أن المكي ما كان قبل الهجرة والمدني ما كان بعد الهجرة أم أننا أحيانًا نغفل هذه النقطة فتكون نزلت في مكة وإن كانت بعد الهجرة وتعتبر مدنية أو نرزلت خارج مكة قبل الهجرة فتعتبر مكية وإن نزلت خارج مكة
د. محمد: الذي يظهر لي والله أعلم أن القول الراجح عند أهل العلم هو تحديد المكي ما نزل قبل الهجرة والمدني ما نزل بعد الهجرة وبناء عليه يحددون ذلك لكن لا يمنع أن بعض أهل العلم أحيانًا يتعامل مع الموضوع فيقول هذا هو موضوع السور المكية وأسلوب السور المكية فيعطيه حكم بذلك.
د. عبد الرحمن: وهذا يعتبر حكم بالمكية والمدنية من باب القياس
د. محمد: من باب القياس، هذا الموضوع العلماء لهم فيه مسلكان مسلك النقل والمسلك الثاني القياس ينظرون إلى الخصائص والأسلوب ويحكمون على السور بالمكية أو المدنية.
موضوع السورة الرئيسي
د. محمد: محور السورة. هذه السورة إذا تأملناها من أولها إلى آخرها هي ذكرت مواضع عدة من موضوع الساعة والبعث وإنذار الذين يجادلون في آيات الله ثم إنذار الذين يصدون عن سبيل الله وعن المسجد الحرام وتسلية النبي صلى الله عليه وسلم بما لا قاه من قومه لكن جميع هذه الموضوعات تدور حول محور أساسي في السورة وهو محور العقيدة محور التوحيد والبعد عن الشرك ولذلك تجد كثير من هذه الآيات إما تبدأ أو تختم بهذا التوجيه أو تجد آية بعدها تعقب على هذه القضية ولذا نقول أن محور السورة الأساسي قضية العقيدة التوحيد والبعد عن الشرك وموضوعاتها الأخرى ولو كانت مدنية تخدم هذا المحور.
د. عبد الرحمن: لفت نظري النداء بـ (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1)) ومن الأشياء التي تلفت النظر أن سورة الحج وبدأت بالحديث عن الساعة مما قد يستدعي قائلا أن يقول ما علاقة الساعة الحج؟
د. محمد: أولًا (يَا أَيُّهَا النَّاسُ) كثر في هذه السورة والعلماء يقولون يراد بها كفار قريش والبعض يقولون عام وهو الأقرب في السورة أنه عام. ويغلب في السور المكية ولكن ثبت حتى في السور المدينة جاء فيها هذا الخطاب (يا أيها الناس). أما الربط بين موضوع ما ذكر من الساعة والحشر وشدة قيامها وبين الحج هناك تشابه عظيم جدًا وذلك لشبه المشهدين لبعضهما ولذلك الحج في حكمة تشريعه بهذه الطريقة أن الناس ينزعون لباسهم ويتساوون في لباس واحد ويقفون موقفًا واحدًا في صعيد عرفات هذا يذكرهم بيوم القيامة عندما يقومون لرب العالمين حفاة عراة غرل فهناك تشابه كبير في المشهدين ولهذا كان الربط قويًا بين المشهدين في السورة
د. عبد الرحمن: مشهد بداية السورة في الحديث عن الساعة وأيضًا وتسميتها بسورة الحج. الآيات في أول السورة تتحدث عن الساعة وعن الاستدلال على البعث ليتنا نتوقف عندها.
د. محمد: لعلنا نأخذ المقطع الأول الحديث عن الساعة قال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1)) شيء عظيم وشيء نكرة للتفخيم وأتى بعظيم يدل على عظم هذا الهول ثم شرح شيئًا من هذه العظمة (يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ (2)) مرضعة هنا جاءت بالتاء هي التي تمارس الرضاعة لأن الوصف منه مرضع لكن مرضعة التي فعلًا تمارس الرضاعة تذهل تنشغل عن طفلها ولا يشغل المرأة التي ترضع طفلها إلا أمر عظيم. (وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا) المرأة الحامل تلقي بحملها والمرأة الحامل عندما يأتيها أمر عظيم ربما يتأثر جنينها فيسقط فسقوط جنينها في ذلك الموقف يدل على شدة الموقف. (وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ) يتحركون حركة السكران ينظرون نظرة السكران ثم قال ليسوا سكارى من الشراب لكن تصرفاتهم وحركاتهم حركة السكران بسبب شدة الموقف وهذا تهويل عظيم لموقف القيامة وتحذير وذكره بهذه الطريقة ليستعد الناس له ولذلك بدأ (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ) ولذلك ورد في حديث عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا الآيات في سفر في أصحابه وورد أنها في غزوة بني المصطلق فتأثر الصحابة إنهم من غد لن يضربوا الخيام ولن ينصبوا القدور، تأثروا بآية من كتاب الله فما بالنا نقرأ الآية مرة تلو المرة ولا نتأثر بذلك؟!
د. عبد الرحمن: وقفنا عند الآية في مطلع السورة (يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ) ولماذا قال هنا كل مرضعة ولم يقل كل مرضع لأن المرأة الأوصاف التي تختص بالمرأة في اللغة العربية يقال مرضع وحائض وطالق فكان جوابك جوبًا دقيقًا وهذا ذكرني بحوار في ملتقى أهل التفسير بعض الزملاء يتحاورون في هذه النقطة وجوابك أن المرضعة هي المتلبسة بالرضاعة أما المرضع فهو وصفها أنها قد ترضع وقد لا ترضع. ورأيت بعض الإخوان أن المرضعة هي التي ترضع أولاد الناس بأجر فاستغربت من هذا القول
د. محمد: ينبغي عند تفسير كتاب الله أن نرجع إلى اللغة وأقوال العلماء في ذلك فكل قول لا تخدمه اللغة وليس له سابق لأهل العلم لا ينبغي الأخذ به. وأنا من خلال ما اطلعت عليه في كتب التفسير لم أجد قولًا بهذا يكاد أو أجمعت الكتب التي اطلعت عليها على أن تحديد مرضعة بالتاء دليل على أنها تمارس الرضاعة فتذهل عنه في حالة الرضاعة يكون أشد. أما إذا كان بأجر فأعتقد أن التي ترضع بأجر قد تذهل عن الطفل حتى وليس في موقف فيه ذهول لأنها ليست المستأجرة كالنائحة فهذه مستأجرة تذهل لأي سبب وهذا والله أعلم بعيد عن بلاغة القرآن الكريم
د. عبد الرحمن: وكما تفضلت هذه الأمور لا تثبت إلا بنقل عن العرب وليست المسألة بالاجتهاد. من الأشياء التي أشارت إليها السورة ولا نريد أن نغفلها المجادلة بغير علم، الكلام بغير علم، هل المقصود هنا بها المجادلة مطلقًا بغير علم؟
د. محمد: أشارت إلى المجادلة بغير علم في موضعين (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ (3)) والموضع الثاني قال (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ (8)) كلاهما مجادلة في الله بغير علم والمجادلة في الله بغير علم لا تجوز سواء كان في وجود الله في أسمائه في صفاته في شرعه في أي أمر من شرعه المجادلة بغير علم لا تجوز. لكن نلحظ في الموضع الأول أن فيها إتباع أئمة الضلال، مجادلة بسبب إتباع أئمة الضلال قال (وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ) فهي مجادلة كان المحرِّك لها والداعي لها إتباع أئمة الضلال. والموضع الثاني كانت المجادلة الداعي لها هو الصد عن الإسلام، الصد عن الإسلام وكلاهما سيء، فالأول يجادل متابعة لأئمة الضلال من شياطين الإنس والجن والثاني يجادل بغير علم ليصدّ الناس عن الإسلام. وهذه قضية مهمة خصوصًا في عصرنا الحاضر فيما نسمى بعولمة الثقافة حينما دخلت على المسلمين ثقافة الأمم وأصبح وللأسف بعض المسلمين ربما يتكلم في قضايا لا دليل له عليها. الفارق بين الذي يجادل بعلم والذي لا يجادل بعلم هو الهوى فمن كان طلبه الحق ويبحث عن الحق فهذا الغالب أنه يبحث عن العلم والدليل لكن الذي يتبع الهوى فالغالب أنه يحيد عن العلم لأنه يريد أن يسير على ما يهواه. ولذلك كانت هذه الإشارة في هذه السورة فيها لفتة عجيبة في هذا الجانب
د. عبد الرحمن: وإن كنت ألمس من هذه الآية أنه العدة في الجدال هو العلم أو الهدى أو الكتاب الموثوق أما الدعاوى والفلسفات لا تعتبر مما يستدل به.
د. عبد الرحمن: في قوله (هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20) وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21) كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (22)) ما معاني هذه الآيات؟
د. محمد: هذه الآيات أولًا ورد في سبب نزولها في الصحيح عن علي رضي الله عنه وعن أبي ذر كان يقسم أن هذه الآيات نزلت في علي وحمزة وعبيدة بن الحارث حينما تبارزوا مع عتبة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة وذلك أنه في غزوة بدر برز هؤلاء عتبة وشيبة والوليد إلى صف المسلمين قالوا يخرج لنا من يبارزنا فخرج لهم ثلاثة من الأنصار وكانوا لا يرون وجوههم قالوا من أنتم؟ قالوا فلان وفلان وفلان قالوا كرام أبناء كرام، لكن نريد من قومنا فرجعوا فقال النبي صلى الله عليه وسلم قم يا علي قم يا حمزة قم يا عبيدة فقاموا قالوا من أنتم؟ قالوا فلان وفلان وفلان فقبلوا المبارزة وبارزوهم علي وحمزة لم يمهلا أصحابهما فقضوا عليهما بضربة وعبيدة تخالف هو وصاحبه وكل منهما أثخن صاحبه بالجراح فكرّ عليه علي وحمزة وقتلوه وحملوا صاحبهما عبيدة بن الحارث إلى معسكر المسلمين. إذن فعليّ رضي الله عنه نحن أول من يجثو للخصومة يوم القيامة هذا في سبب النزول لكن هذا لا يمنع من عمومها. ولذلك ورد في بعض الآثار أنها بين المسلمين وأهل الكتاب كل منهما يقول نحن على الحق وهؤلاء يقول نحن على الحق وذكر العلماء قول ثالث أنها بين المؤمنين والكافرين وهذا الصحيح أنها عامة بين المؤمنين والكافرين لكن الله سبحانه وتعالى بيّن بيانًا واضحًا مصير كل فريق خصمان صف الإيمان وصف الكفر أما أهل الكفر فبيّن الله تعالى مصيرهم حينما قال (فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20) وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21) كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (22)) هذا فريق الكفر، تصوير وذكر لشدة هذا العذاب يكاد قلب المؤمن أن يتقطع مما ذكر في شدته، (قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ) تقطّع لهم ثياب تكون من نار والسبب أن الثوب يصيب جميع أجزاء الجسم حتى تتيه النار من جميع الجوانب. ثم أشد من ذلك (يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ) الماء الحار الشديد حتى قال يذيب أدمغتهم ويذيب بطونهم ولذلك قال سبحانه وتعالى (يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ) قال أهل العلم تتساقط أمعاؤهم وتتساقط جلودهم ثم يعيدها الله سبحانه وتعالى مرة أخرى. وأشد من ذلك (وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ) ما يقمع به وهي مقامع شديدة وقوية (كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ) كلما حاولوا أن يخرجوا منها من شدة ما يصيبهم من غمّ حتى قال بعض السلف أنهم لا يتنفسون فيها (كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ) وذلك كما ورد هم مربوطي الأرجل والأيدي لكن يقولون إن لهب النار يدفعهم إلى الأعلى فإذا ارتفعوا إلى أعلى ظنوا أنها فرصة للخروج فيعودوا مرة أخرى إلى أسفلها وهكذا لا يزالون والعياذ بالله.
د.عبد الرحمن: معنى لا يتنفسون فيها في كلامك أنه لا يخرج منها هواء، لا ينفس منها أما هم فقد أثبت الله لهم (لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) هود)
د. محمد: في مقابل هذا الفريق الفريق الآخر وهذه لفتة ينبغي علينا ونحن القرآن أن نتأملها أنه دائمًا في القرآن الكريم لا يذكر الله عذاب النار إلا ويذكر في مقابله نعيم الجنة ولا يذكر نعيم الجنة إلا ويذكر في مقابله عذاب النار، هذه حكمة. القضية قارن، هل بينهما مقارنة؟! لو كان الإنسان في نعيم أو ما في نعيم، لكن إما نعيم وإما عذاب. في مقابل هذا العذاب الشديد قال تعالى (إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ (23)) ويقول المفسرون قال تعالى (إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ) وهي معطوفة هي في مقابل (فَالَّذِينَ كَفَرُوا) ما قال (والذين آمنوا) لكن تكريمًا لهؤلاء لم يعطفهم وإن كان في الكلام، إبتدأ الكلام وأكد (إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (23)) وهناك قراءة (ولؤلؤٍ) يعني أساور من ذهب ولؤلؤ. ثم قال تعالى (وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ (24)) هل هذا في الجنة؟ قال بعضهم (وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ (10) يونس) يعني أنهم لا يسمعون إلا الطيب من القول ولا يقولون إلا القول الطيب. وقول آخر أن هذه من صفاتهم في الدنيا، في صفة عباد الله المؤمنين أنهم يُهدَون إلى الطيب من القول فيكون دائمًا قوله طيبًا ولماذا يركب الإنسان الألفاظ السيئة؟ لماذا لا يكون رده طيبًا؟!إذا أخطأ عليك إنسان فرق أن ترد عليه بنبرة وأن تقول جزاك الله خيرًا، فرق كبير في المعنى وفي الأثر ولذلك ذكر تعالى (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63)) هذه من صفات عباد الرحمن ولذلك ذكر الله تعالى أنه هداهم إلى الطيب من القول وهداهم إلى صراط الحميد.
د. عبد الرحمن: ولعله ونحن الآن في ايام صيام النبي صلى الله عليه وسلم أرشدنا إذا وقع بينك وبين أخيك نزاع أو نقاش فقال فإن شاتمه أحد أو خاصمه فليقل إني صائم هذا نوع من التربية على إلتزام القول الطيب
د. عبد الرحمن: سُنّة التدافع في قوله تعالى في آخر السورة (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا (40))
د. محمد: هذه سنة التدافع الله سبحانه وتعالى لما بيّن أنه يدافع عن الذين آمنوا ثم أذن للذين يقاتَلون وهم المسلمون بعد هجرتهم اذن لهم بالجهاد ثم بعد ذلك بيّن هذه السُنّة حيث قال سبحانه وتعالى (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا (40)) لما ذكر الله سبحانه وتعالى هذه السُنّة وذكر معابد الديانات المعتبرة اليهودية والنصرانية فبيّن أن حتى حماية جميع أماكن العبادة هي داخلة في سنة التدافع. وهناك كلمة ذكرها الإمام إبن كثير في هذا الموضوع وهي كلمة كأنها تتحدث في عصرنا يقول: ولولا أن يدفع عن قوم بقوم ويكشف شر أناس عن غيرهم بما يخلقه ويقدره من الأسباب لفسدت الأرض وأهلك القوي الضعيف. هذه سنة التدافع التي نجدها في حياة الناس ليست خاصة بالمسلمين الآن البشرية تعيشي بالقطب الواحد كلما تعددت الأقطاب كلما أسلم للناس وتوازنت وكلما أتحد القطر كلما كان أسوأ لحال الناس، هذه سنة التدافع، الله قد يدفع عن المؤمنين بالكافرين لأسباب يهيؤها ولذلك في كثير من بلاد المسلمين أحيانًا يدفع الله سبحانه وتعالى عن المؤمنين بالكافرين تحت هذه السنة الإلهية.
د. عبد الرحمن: وهذا ملاحظ وهي كأنها أشبه ما تكون بنظرية سياسية، عندما سقط الإتحاد السوفياتي تفردت الولايات المتحدة بالسيطرة جرتنا لويلات وإلى حروب ولا زالت إلى اليوم.
سؤال الحلقة
عن عائشة رضي الله عنها قالت “كنت أغار على اللاتي وهبن أنفسهن لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأقول: أتهب المرأة نفسها؟ فلما أنزل تعالى …. قلت: ما أرى ربك إلا يسارع في هواك”. فما هي الآية المقصودة؟
—————————————–
رابط جودة عالية
http://ia360701.us.archive.org/4/ite…3/tafsir22.AVI
رابط جودة متوسطة
http://ia360701.us.archive.org/4/ite…/tafsir22.rmvb
رابط للجوال
http://ia360701.us.archive.org/4/ite…ir22_512kb.mp4
http://www.mashahd.net/view_video.ph…b83cac577a94e3
رابط صوت
http://ia360701.us.archive.org/4/ite…3/tafsir22.mp3
روابط الحلقة على اليوتيوب
http://www.youtube.com/watch?v=dLdr5dr06Ec&feature=channel
http://www.youtube.com/watch?v=ppCEQA6Vmv8&feature=channel
http://www.youtube.com/watch?v=gTm-BYyhq1U&NR=1