برنامج التفسير المباشر

التفسير المباشر – رمضان 1431 هـ – سورة مريم

الحلقة 19

ضيف البرنامج في حلقته رقم (113) يوم الأحد 19 رمضان 1431هـ هو فضيلة الشيخ الدكتور إبراهيم الحسن، الأستاذ المساعد بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية .

 

وموضوع الحلقة هو :

– علوم سورة مريم .

– الإجابة عن أسئلة المشاهدين حول السورة وحول الجزء التاسع عشر من القرآن الكريم .

———————-

سورة مريم

إسم السورة

د. إبراهيم: السورة لها إسم مشهور وإسم غير مشهور، أما إسمها المشهور فهو مريم وجاء في صحيح البخاري عن ابن عباس في بعض نسخ صحيحة ثابتة أن إبن عباس كان يسميها كهيعص بإسم الحروف التي افتتحت بها هذه السورة. والتسمية واضحة أما بالنسبة للحروف فلهذا الافتتاح وأما بالنسبة لإسم مريم فلأنها أبرز قصة وردت في هذه السورة وفيها من العجائب وخوارق العادات ما فيها ولذلك سميت بهذه التسمية.

نزول السورة:

د. إبراهيم: سورة مريم إذا جمعنا بعض الأحداث الواردة  حول هذه السورة نستطيع أن نحدد بما يقارب الدقة وقت النزول. أولًا هي نزلت بعد سورة طه وهذا ثابت وسورة طه قبل إسلام عمر وعمر رضي الله عنه أسلم في السنة السادسة وقيل في السنة الخامسة من البعثة وهذا يقرب لنا وقت النزول. وحدث آخر ارتبط بهذه السورة وهو أن جعفر إبن أبي طالب رضي الله عنه قرأ صدر هذه السورة على النجاشي في الحبشة وكانت الهجرة في السنة الخامسة ومن هنا نكاد نجزم أن السورة نزلت إما في السنة الرابعة كما جزم به ابن عاشور قبل هجرتهم للحبشة أو في أوائل السنة الخامسة قبل هجرتهم إلى الحبشة لأنهم هاجروا وهي معهم وهي من السور المتقدمة في النزول.

د. عبد الرحمن: لماذا الحديث عن بني إسرئيل بكثرة في السورة مع أن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة لم يختلطوا باليهود إلا في المدينة؟

د. إبراهيم: سؤال في محله. نعلم أنه من أعظم أهداف السور المكية تقرير النبوة. العرب في جاهليتهم لا يعرفون حقيقة النبوة ولذا كانوا يطالبون بأن ينزل ملك فتأتي السور المكية لتقرر مبدأ النبوة وأنه من الممكن بل مما جرت به سُنّة الله سبحانه وتعالى بعث رسل. وتأمل هذا النص في سورة مريم عن يحيى عليه السلام (وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12)) وهو صبي أوتي الحكم، وهذا المولود الذي في المهد يقول (إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30))، ثم راعي الغنم موسى عليه السلام يبعث إلى فرعون وجبابرة مصر ثم الفتى إبراهيم عليه السلام (قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ (60) الأنبياء) عندما خاطب قومه كان فتى يرسل إلى جبابرة العراق، فبلسان الحال تقول لهم هذه الآيات إذا كان هناك صبي يؤتى الحكم وهناك صبي في المهد يقول أنا نبي وهناك راعي غنم يبعث إلى جبابرة مصر وفتى يبعث إلى جبابرة العراق فما المانع أن يرسل لكم أيها العرب واحد من أوسطكم ومن خيركم ومن أفضلكم وعمره قد جاوز الأربعين فما وجه العجب؟!

محور سورة مريم:

أولًا قبل أن نأتي للمحور، السورة في الجملة طبعًا – وإلا الآيات مملوءة علمًا وحكما وفوائد- لكن في الجملة تدور على ثلاثة مواضيع رئيسة: التوحيد والنبوة والبعث، هي تقرر هذه الأمور الثلاثة. لكن المحور البارز التوحيد (ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2)) (قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ (30)) (وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ (36)) (يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ (44)) (وأعتزلكم) فالتوحيد بارز في هذه السورة ولذلك يرى كثير من المفسرين أن المحور الذي تدور عليه السورة هو التوحيد. لكن لي وقفة لا نشك أن التوحيد موضوع بارز في السورة لكن إذا تدبرنا ألفاظ السورة ومعاني السورة وما حفّ بالسورة والكلمات التي تكررت في السورة فمن الممكن أن نقول أن المحور هو تقرير صفة الرحمة للرحمن، كيف؟ أولًا إسم الرحمن ورد في هذه السورة 16 مرة وهذا لم يرد في أي سورة من سور القرآن وهي عدد آياتها 98 والعجب أن إسم الرحمن لم يرد في القرآن كله إلا 58 مرة فإذا كان في سورة واحد ورد 16 مرة فمعناه أكثر من الربع من العدد تكرر في هذه السورة، هذا أولًأ. ثم إن لفظ الرحمة ورد في هذه السورة عدة مرات (ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا) (وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا (50)) فتكررت الرحمة في هذه السورة عدة مرات. ثم تجد رحمة الله بعبده زكريا رحمة الله بمريم رحمة الله بعيسى وبالأنبياء والأعجب أنه في آيات العذاب بل وأشد موقع ومكان لعذاب الله تذكر صفة الرحمة (يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (45)) الرحمن لا يعذّب إلا هالِك، الرحمن لا يعذب إلا من لا تنفع فيه كل الوسائل. ثم في موقف جهنم (ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا (69)) تذكر صفة الرحمن في هذا الموقف! مما يدل على أن الله سبحانه وتعالى لا يعذب إلا من لا يستحق الرحمة.

د. عبد الرحمن: إذن المحور التوحيد والتنزيه ويمكن أن يكون الرحمة وتقرير صفة الرحمة لله عز وجل، ألا يمكن أن نربط بين المحورين؟

د. إبراهيم: ممكن، أعظم ما يرحم به العبد التوحيد، إذا أراد الله لعبد رحمة رزقه التوحيد هذه أعظم نعمة.

د. عبد الرحمن: إذن أعظم ما تستجلب به رحمة الله هو التوحيد

د. إبراهيم: أعظم ما تستجلب به الرحمة هو التوحيد وأعظم نعمة على العبد التوحيد.

د. عبد الرحمن: في قصة زكريا عليه السلام يبرز فيها دعاء زكريا عليه السلام بأسلوب رائع ملفت للنظر يمكن أن نسميه آداب الدعاء في قصة زكريا، هل يمكن أن نتوقف عند هذه النقطة؟

د. إبراهيم: يمكن أن نسميه آداب الدعاء ومن الممكن أن نعطيه عنوانا على كل من يظن أنه ميؤوس من حالته عقيم ابتُلي بآفة يظن أنه لا مخرج منها نقول “الدعاء يصنع المعجزات” لكن بشرط أن تعرف شروط الدعاء وما يحتف به من أمور تجعل دعاءك مستجاب. تأمل ما احتفّ بدعاء زكريا عليه السلام حتى استجيب:

أولًا: (ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (1)) كان عبدًا لله، وفي سورة الأنبياء (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90)) كانوا في السابق قبل الدعاء ولذلك من عرف الله في الرخاء عرفه في الشدّة.

ثانيًا: (إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيًّا (3)) إخفاء الدعاء أدعى للإخلاص وأدعى لرقّة القلب ينبغي أن يكون دعاءك خفيًا وفي القرآن (ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) الأعراف)

والثالث: قال (قَالَ رَبِّ) لم يقل (يا رب) قال (رب) بدون (يا) تأمل نداء إبراهيم لأبيه قال (يا أبت) وكررها عدة مرات مع أنه مجاور له يسمعه ويراه لكن بـ(ياء النداء) أما زكريا (رب) لشعور العبد بقرب الرب وأنه أقرب من جليسه فالرب أقرب لإبراهيم من أبي إبراهيم ولذلك تجد في القرآن (ربنا) ولا تجد يا ربنا، تجد اللهم ولا تجد يا الله لاستشعار العبد بالقرب.

ثم ذكر الاستضعاف (قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا (4)) هذا الاستضعاف أجدى للقبول وكلما استضعف العبد لربه واستكان وتذلل كلما كان أحرى بقبول دعائه.

ثم شكر النعمة السابقة (وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا) كنت في الاسبق يا رب تجيب دعائي ما عهدت أنك رددت لي طلبا ما كنت بدعائك يا رب شقيًا وهذا الشكر يقتضي المزيد

د. عبد الرحمن: رجل قال لرجل كريم أكرمه أنا فلان الذي أحسنت إليّ العام الماضي قال مرحبًا بمن تشفع إلينا بنا

د. إبراهيم: وهذا من هذا، تتشفع بالله بكرمه السابق وبإحسانه السابق ولن تعدم.

وايضًا شدة الحاجة (وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا (5)) ذكر أنه يخشى على تراث وميراث الأنبياء ويخشى عليهم من الضيعة ولم يجد من بني إسرائيل في زمانه من هو أهل أن يحمل هذا الميراث فاجتمعت هذه الأمور واحتفّت فاستُجيب لزكريا فاحرص يا عبد الله أن تجعل دعاءك يحتفّ به ما احتفّ به دعاء زكريا

د. عبد الرحمن: ولعل مثل هذه النصائح تكون مناسبة في مثل هذه الليالي الذي يكثر فيه دعاء القنوت ويكثر فيها دعاء الله سبحانه وتعالى.

د. عبد الرحمن: لفت نظري في قصة زكريا أنه حتى لما منع من الكلام في قوله سبحانه وتعالى (فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (11)) هو فقد القدرة على الكلام آية على حمل زوجته وبالرغم من ذلك لم يتوقف عن الدعوة

د. إبراهيم: هذه لفتة جميلة ينبغي أن نغفلها وهي أن الداعية الموفق بتوفيق الله سبحانه وتعالى لا يدع الدعوة لأي غرض من الأغراض حتى يأتيك اليقين لأن الله قال (وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)) لا بد من التواصي بالصبر حتى الممات. زكريا عليه السلام منع من الكلام ولم يستطع أن يدعو قومه وثلاثة أيام فقط ومع ذلك لم يدع الدعوة في هذه المحنة فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم بلغة الإشارة لم يستطع الكلام إذن بقي لغة الإشارة نقتنص من هذا أن الداعية الموفق إذا منع من قناة رسمية ينطلق إلى قنوات أخرى ومجالات أخرى لن يعدم المؤمن من انترنت قناة فضائية كتابة تأليف كتب لا تقل أنا مُنِعت فزكريا مُنِع وبحث عن وسيلة أخرى.

د. عبد الرحمن: في قصة مريم وهي القصة الرئيسية في هذه السورة مريم عليها السلام فوجئت بحمل عيسى وتمنت الموت (قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا (23)) ثم كانت العاقبة ما ذكره الله في هذه السورة، هل من تعقيب على هذه القصة؟

د. إبراهيم: ممكن أن نعنون للفائدة التي نقتنصها من قصة مريم وفيها فوائد عجيبة وكثيره لكن ما لا يُدرك كله لا يترك جُلّه المحنة تلد المنحة فمريم عليها السلام ابتليت بهذا البلاء وتمنت الموت (قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا) وتأمل الموقف الهائل الذي لا يستطيع أقوى رجل أن يقفه حينما أتته بها قومها تحمله قالوا (قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (27) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28)) موقف صعب! هذه محنة فماذا كانت النتيجة؟ كانت النتيجة أن مريم صارت سيدة نساء العالمين بلا منازع وهي المرأة الوحيدة التي ذكر إسمها في القرآن كل النساء إمرأة فلان أما مريم فبإسمها الصريح ثم ولدت هذا الولد المبارك الذي سُطر إسمه في التاريخ وغيّر التاريخ وكما قال الله تعالى (وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا (21)) كان رحمة، ولو لم يكن من رحمة الله بهذا المولود المبارك إلا أنه كان تمهيدًا لبعثة محمد صلى الله عليه وسلم بلسان الحال وبلسان المقال ولا يستدعي المقام التطويل لهذا لكنه رحمة.

د. عبد الرحمن: يلفت نظري في قصة مريم في سورة مريم وفي سورة آل عمران أن الله يزاوج بين قصة زكريا وقصة عيسى فما الحكمة؟

د. إبراهيم: الحكمة واضحة وهي يحيى عليه السلام تمهيد للأمر الغريب الذي لا يكاد يصدق وهو ميلاد عيسى عليه السلام من أم دون أب فجاءت قصة يحيى عليه السلام وولادته من عجوز عقيم، العقيم إذا كانت شابة لا تلد فكيف إذا كانت عجوزًا؟! ثم إذا كان بعلها شيخًا هرِمًا ثم هذا الشيخ الهروم أمامه عجوز يمكن لو كانت أمامه شابة يتحرك لكن أمامه عجوز ثم يأتي هذا المولود فيكون يحيى عليه السلام تمهيدًا لجعل الناس يصدقون أنه من الممكن أن تلد أنثى من غير زوج.

د. عبد الرحمن: لفتة رائعة جدًا.

د. إبراهيم: ولذلك ذكر في سورة آل عمران (أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ (39)) مبشرًا بعيسى.

د. عبد الرحمن: قصة إبراهيم عليه السلام في هذه السورة قصة جديرة أن نتوقف معها وإبراهيم عليه السلام تكررت قصته في القرآن الكريم لكن في سورة مريم هنا جاء الحديث والحوار بينه وبين والده، جدير أن نتوقف معه.

د. إبراهيم: أولًا من الممكن أن نقتنص فائدة من حوار إبراهيم عليه السلام مع أبيه. قبل هذا لنسمع الآيات: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا (41) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا (42) يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (43) يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا (44) يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (45)) تأملوا هذا الحوار العطوف بين إبن عالِم نبيّ رؤوف بأبيه وبين أب قاسي غليظ كافر فاجر فالفائدة التي نقتنصها والتي تفيد الإنسان في واقعه المعاصر، نحن لا نتحدث عن تاريخ مضى لكن نتحدث عما يفيدنا في الوقت المعاصر. إذا كان الأسرة فيها خلل إما أن يكون الأب هو المقصر في حقوق الله سبحانه وتعالى أو الإبن هو المقصر في حقوق الله تعالى هل ينبغي أن تكون هناك مفاصلة مقاطعة بين من يرى نفسه تقيا وبين الآخر الذي يُرى أنه مقصِّر أو مخل بطاعة الله سبحانه وتعالى؟ قصة إبراهيم تفيد أن العلاقة بين الأبناء والآباء ينبغي أن لا تتوقف ولا ينبغي أن تكون العقيدة ما نعة من الرحمة في جوانب. تأمل إبراهيم يخاطب أباه (يَا أَبَتِ) ويكررها عدة مرات ثم لما هدده الشيخ العصي في جاهليته (لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (46)) قال إبراهيم (قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي (47) وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ (48)) تأمل تاريخ إبراهيم عليه السلام في أخريات أيامه وبعد أن بُشر بإسماعيل وإسحق وقد جاوز الثمانين (رب اغفر لي ولوالدي) ولم يتبرأ من أبيه إلا في آخر لحظات حياته (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ (114) التوبة) بعد عمر طويل بعد أن جاوز إبراهيم الثمانين سنة. ينبغي أن نفرّق بين الدعوة بالحكمة واللطف واللين وبين الولاء والبراء لا نخلط بينهم بعض الشباب يقول هذا مبدأ الولاء والبراء إذن لا بد من الغلظة لا بد من القسوة لا بد من الشدة أين أنتم من (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ (73) التوبة) نقول يا أخا الإسلام ما هكذا تورد الآيات فمبدأ الولاء والبراء له جانب لا ينبغي أن نفرّط فيه وهو جزء من عقيدة المسلم والدعوة بالحكمة واللطف واللين والتحبب انظر إلى هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل حياته: في الدعوة (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ (125) النحل) (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (46) العنكبوت) فينبغي أن نفرّق بين الدعوة بالتي هي أحسن وبين الولاء والبراء بحيث أننا لا نحبه لكفره أما الحب الطبعي فالإسلام لا يمنع منه، لا نعينه على باطله لا نقرّه على كفره لا نساعده لأنه يهودي أو نصراني أبدًا هذا ولاء وبراء مفاصلة تامة هذه لا ينبغي أن نفرط بها، لكن دعوة، هدية، عطية (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) الممتحنة) هذا شيء آخر

د. عبد الرحمن: وكل يوضع في موضعه الصحيح.

د. إبراهيم: لا ينبغي أن نمضي ونترك الآية التي في آخر قصة إبراهيم (وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ) كل من يقول أنا على ملة إبراهيم وهي ملة محمد صلى الله عليه وسلم الحنيفية فينبغي أن يصدق في اعتزال كل ما يُدعى من دون الله، فنقول للمبتدع من غلاة المتصوفة من الشيعة ممن يضعف إذا رأى هؤلاء المبطلين فيدعو غير الله نقول هل أنت على ملة الإسلام؟ هل أنت على ملة إبراهيم قل (وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاء رَبِّي شَقِيًّا (48))

د. عبد الرحمن: ما أجدر كثير من المعبودات أن تعتزل! بل كلها. هناك آية استوقفتني قبل نهاية السورة وهي قوله سبحانه وتعالى (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَّقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا (73) وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا (74)) الآن التقارير تنشر بكثرة في أوساط المسلمين وهي موازنة بين الحياة التي يعيشها الكفار والحياة التي يعيشها العالم الإسلامي وأن نسبة الفقر معظمها في العالم الإسلامي، حياتنا في العالم الإسلامي متخلفة حتى نسبة دخل الفرد بالنسبة لدخل الفرد في العالم قليلة جدًا مقارنة بأوروبا أو الولايات المتحدة، نفس المنطق هنا إذا أردتم أن تعرفوا الحق والباطل انظروا إلى الحياة المادية التي يعيشونها فأي الفريقين خير مقامًا وأحسن نديا؟!

د. إبرهيم: من الممكن أن نقول حول هذه الآية أن الاستدلال على الحق بتطور الإسمنت والحديد والماديات لعله يصح هذا. بعض الكفرة يرون أنهم على الحق بحجة أنهم أغنياء أنهم أقوياء أنهم ملكوا زمام الأمور أنهم استولوا على الأرض وهذه حجة داحضة القرآن أبدى وأعاد في إزالتها من ذهن المسلمين. مثلًا هذه الآية (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ (73)) العاقل يحتج بالدلائل بالبراهين بالبينات لا يحتج بمظاهر بلباس بزيّ بسيارة بطائرة، يحتج بمنطق بعقل بآيات بينات، هؤلاء ما حجتهم أنهم على الحق؟ (قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَّقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا (73)) نحن خير مقامًا أكثر تقدمًا أكثر تطورًا نحن أحسن نديًا مجالس مظاهر ويبين القرآن أن هناك من قال هذا القول وأُهلِك ولم تنفعه حجته (وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا (74)) عندهم تطوّر عندهم تمدن تجري من تحتهم الأنهار وليكن فرعون وقارون مثالًا لهذا التطور ومع هذا أُهلِكوا وأُبيدوا. نحن لا نخاطب كافرًا نحن ينبغي أن نخاطب المسلم ونقول لا تغرنك هذه المظاهر لا تجعل هذه المظاهر تحملك على الشك أنهم على الحق. المؤمن له حاضر ومستقبل له دنيا وآخرة ثم إن الدنيا دول، أكثر من ألف سنة والمسلمون هم الذين يمسكون زمام الأمور وهم المتقدمون وهم المتطورون وهم المصنّعون وهم الذين تهابهم جميع دول العالم فلماذا تحتجون بزمان دون زمان ومكان دون مكان؟! هذا من الخطأ الكبير والمنطق الجاهلي. خذ مثال يبين الله سبحانه وتعالى القضاء على هذه النظرة المادية الوقحة النظر إلى التكور والماديات والتقدم فيغتر البعض أنهم على الحق يقول الله سبحانه وتعالى (زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ اتَّقَواْ فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ (212) البقرة) لماذا يسخرون؟ لا بد أن الهيئة رثّة التقدم قليل الغنى قليل القوة قليلة لذلك صاروا مركز سخرية ومع ذلك وصف الله جل جلاله هؤلاء بـ(كفروا) وهؤلاء بـ(آمنوا) فالعبرة بحقائق يعتقدها القلب ويستدل بها العقل لا ماديات وزخارف وأشياء من هذا القبيل.

د. عبد الرحمن: والعجيب أن هذه سًنّة ماضية في الإسلام في عهد نوح كانوا يسخرون من الفقراء (قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (111) الشعراء). يحدثني أحد الأصدقاء وقد أسلم حديثًأ يقول يقول لي والدي عندما رأني دخلت في الإسلام قال أين عقلك؟ أنظر إلى المسلمين كيف هم متخلفين ومتأخرين! فهي يبدو أنها سُنة ماضية ولذلك ينبغي أن يثبت المسلم على ما هو فيه بغض النظر هل هو في فقر أو حاجة أو مسكنة وهذا لا يعني أن المسلم دائما يلازمه الفقر والعوز.

د. إبراهيم: عندنا أغنياء وعندنا أثرياء. نقرأ الآية ونقول إياكم يا شباب أن تقعوا فيها (فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) يمكن أن نعنون بتململ الأبناء من دين الآباء العظام لما ذكر الله سبحانه وتعالى أنبياء عظام ورثوا جنات النعيم وعدهم الله سبحانه وتعالى بجنات النعيم قال (فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ) الخَلْف هو عقب السوء والخَلَف الذرية الطيبة أما الخَلْف فالعقب السوء الذرية التي لا خير فيها (فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) لم يحدد هذا الغيّ الغيّ الضلال العذاب الهلاك كل ما تحمله كلمة غيّ في اللغة العربية سيلقون شِدّة في الدنيا، في البرزخ، يوم القيامة، في الآخرة والعياذ بالله. فإياكم أن تكونوا خَلْف لآباء عظام! كنا إلى عهد قريب الآباء والكبار على خير على ملة حنيفية  الآن اختلط الحابل بالنابل ودخل الكافر ودخل المبتدع فأصبح عندنا خلل في بعض الثوابت فأخشى أن تنطبق علينا هذه الآية والعياذ بالله (فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59))

سؤال الحلقة

في الجزء التاسع عشر آيتان متتاليتان، جاء في الآية الأولى ذكر استهزاء الكفار بالرسول صلى الله عليه وسلم، وفي الثانية اعتراف من الكفار بقوة حجة النبي وقوة بيانه الذي كادوا معه أن ينصرفوا عن دينهم.

فما هي الآية الثانية ؟

————————————–

الآيات التي ورد فيها ذكر الرحمن في سورة مريم

قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا (18)

فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا (26)

يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا (44)

يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (45)

أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا (58)

جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا (61)

ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا (69)

قُلْ مَن كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضْعَفُ جُندًا (75)

أَاطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (78)

يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا (85)

لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (87)

وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88)

أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91)

وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا (92)

إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93)

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا (96)

 

الآيات التي ورد فيها ذكر الرحمة ومشتقاتها في سورة مريم

ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2)

قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا (21)

وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا (50)

وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا (53)

——————————————–

الحلقة السابعة عشر
سورة مريم
***********


رابط جودة عالية
http://ia360703.us.archive.org/8/ite…1/tafsir19.AVI

رابط جودة متوسطة
http://ia360703.us.archive.org/8/ite…/tafsir19.rmvb

رابط للجوال

رابط صوت

http://ia360703.us.archive.org/8/ite…1/tafsir19.mp3


روابط الحلقة كاملة على موقع مشاهد
http://www.mashahd.net/view_video.ph…fc38465b411cbc

روابط اليوتيوب
http://www.youtube.com/watch?v=X5QE5xtxLfM&feature=uploademail
http://www.youtube.com/watch?v=J7Bb1lAIhW8&feature=uploademail
http://www.youtube.com/watch?v=AT6Tf7SGvUc&feature=uploademail