الحلقة 142 – سورة الحجرات
ضيف البرنامج في حلقته رقم (143) يوم الجمعة 19 رمضان 1432هـ هو فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور صالح بن يحي صواب أستاذ الدراسات القرآنية بجامعة صنعاء .
وموضوع الحلقة هو :
– علوم سورة الحجرات .
– الإجابة عن أسئلة المشاهدين .
د. الشهري: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسلمياً كثيراً. أيها الإخوة المشاهدون في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلاً وسهلاً بكم في هذه الحلقة القرآنية في برنامجكم التفسير المباشر في هذه الجمعة المباركة 19 رمضان. وباسمكم أرحب بضيفي فضيلة الأستاذ الدكتور صالح بن يحي صواب أستاذ الدراسات القرآنية بجامعة صنعاء باليمن.
سوف يكون حديثنا بإذن الله تعالى عن سورة الحجرات.
إسم سورة الحجرات ابتداء وأيضاً مناسبتها لما قبلها هل هناك من مناسبة بينها وبين سورة الفتح؟
د. صواب: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه والتابعين معه بإحسان إلى يوم الدين. هذه السورة تسمى سورة الحجرات والحقيقة أنني لم أجد من ذكر اسماً غير ذلك باستثناء المؤلفين الذين يقولون كما هو الحاصل مع الفيروز أبادي فقد عنون في كتابه “بصائر ذوي التمييز” بصيرة في يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا، وهذا ليس اسماً وإنما هو إشارة إلى السورة وإلا فهي سورة الحجرات بدليل أنه قال تسمى هذه السورة سورة الحجرات وليس هناك من ذكر اسماً غير هذا الاسم كما أعلم. هذه السورة هي من السور المدنية المتأخرة في النزول فكانت من السور كما يقول بعض المفسرين أنها نزلت في السنة التاسعة للهجرة وليس فيها شيء مكي باستثناء آية واحدة وهي قول الله عز وجل (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) بعض العلماء يذكر أنها نزلت في أيام الفتح ولكنها مدنية من حيث الزمن، لأن العبرة من حيث المدني على القول الصحيح ما كان بعد الهجرة فهو مدني ومن ثم ليس هناك خلاف في هذه السورة.
د. الشهري: إذن السورة ليس لها اسم آخر غير الحجرات لأنه ذكر فيها لفظ الحجرات
د. صواب: سؤالك عن المناسبة بينها وبين ما قبلها، سورة الفتح اختتمت بالحديث عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ (29)) ثم ذكر وصفهم وكأن هذه السورة جاءت استكمالاً لما ينبغي أن يكون عليه هؤلاء الناس وهؤلاء القوم فجاءت لتأديبهم وتعليمهم وتهذيبهم فهي في الحقيقة استكمال مجال الايمان الذي ينبغي أن يكون فجاءت هذه السورة متناسبة مع ما قبلها من هذا الجانب وإن كان بعض العلماء ذكر جوانب أخرى لكن هذا أبرز ما يكون فهؤلاء الصحاب الذين تميزوا بهذه الأوصاف العظيمة (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا) جاء بعده إذن توجيه للمؤمنين كي يستكملوا هذا السمو وهذا الارتقاء وذلك في مجال التعامل وفي مجال الأخلاق مع ربهم ومع نبيهم صلى الله عليه وسلم ومع أنفسهم ومع إخوانهم بل حتى مع غيرهم كيف نتعامل حتى مع الفاسق
د. الشهري: ما هو موضوع سورة الحجرات؟
د. صواب: كثير من العلماء يعنونون لهذا السورة أو يتحدثون عن هذه السورة بصفتها سورة تتحدث عن الأخلاق وعن القيم للمجتمع المسلم وهي حتماً كذلك هناك مسألة مهمة جداً وهي لا بد من الربط بين هذه القيم بالإيمان وهذه السورة متميزة في التركيز على الإيمان. ولذلك يذكر بعض العلماء
د. الشهري: من أي ناحية؟
د. صواب: الربط بين هذه القيم وبين الإيمان فلا يمكن أن توجه هذه الخطابات لغير المؤمن ولا يمكن أن يطالب غير المؤمن بأن لا يقدّم بين يدي الله ورسوله ولا يمكن لغير المؤمن أن يطالب بأن يغض من صوته عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يمكن أن يطالب غير المؤمن بسائر المطالب التي سنقف عليها ولذلك نلاحظ في هذه السورة ورد فيها (يا أيها الذين آمنوا) خمس مرات ورد النداء بوصف الإيمان وجاء مرة واحدة النداء بوصف الانسانية لأنها مسألة مشتركة (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) لكن يا أيها الذين آمنوا (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ) إضافة إلى ما جاء في نهاية السورة من الحديث عن الإيمان (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ) (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) بيان حقيقة الإيمان وهذه الحقيقة نقطة مهمة ذلك أنها تعني أن هذه القيم وهذه الأخلاق لا تنفك بحال من الأحوال عن صفة الإيمان وهي إن صح التعبير ترقية وإعلاء لصفة المؤمن بحيث يقال له أنت أيها المؤمن يجب عليك أن ترتقي بنفسك بحيث إن كنت مؤمناً تبلغ هذه المكانة. هذه السورة وأنا حقيقة أوجه وأنصح نفسي وغياك والقراء وجميع المسلمين أن يقفوا مع كتاب الله كلما تأملت سورة رأيت أن هذه السورة أعظم سورة وهذه السورة سورة عجيبة بما اشتملت عليه من وصايا ونصائح وتوجيهات مختلفة في علاقة الانسان مع ربه سبحانه وتعالى ومع نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ومع أخيه المسلم سواء كان مؤمناً صالحاً أو مؤمناً فاسقاً وحتى في حد الاقتال مع الحاضر مع الغائب لا تلمز الحاضر ولا تغتب الغائب وغير ذلك من الأخلاق العظيمة وهذا أريد أن أذكر والكل يعلم ذلك يذكرنا بعظمة القرآن هذه السورة التي من سور المفصل كما يرى بعض العلماء -ولعلنا نتطرق إلى هذه النقطة- هذه السورة مع أنها ليست من السور الطوال ولا من المئين ولا من المثاني إلا أنها احتوت على ما لم يحتو عليه كل ما كتبه البشر من فلاسفة ومثقفين ومفكرين كل الذين كتبوا لا يمكن أن تصل كتاباهم بحال من الأحوال إلى ما اشتملت عليه هذه السورة طبعاً أنا أتحدث من حيث الموضوع أما من حيث الفظ فطبعاً لا يستطيع البشر أن يصلوا إلى شيء منها.
د. الشهري: أنت ترى أن سورة الحجرات هي عن الأخلاق كأننا يمكن أن نسميها سورة الأخلاق وأذكر بعض الكتب المؤلفة في سورة الحجرات بهذا العنوان الأخلاق في سورة الحجرات
د. صواب: لكن لا بد من إشارة أخرى وربطها بالإيمان
د. الشهري: هل لها سبب نزول مباشر؟
د. صواب: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) هناك من العلماء من ذكر أسباباً للنزول ولا نفصل تفصيلاً لأننا لسنا في مجال التفسير التحليلي لكن لعل من أبرز ما ذكر في هذا أنها نزلت في خلاف وقع بين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما عندما جاء وفد بني تميم فرأى أبو بكر رضي الله عنه أن يؤمر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم القعقاع بن معبد وكان هناك رأي آخر لعمر وهو أن يؤمر عليهم الأقرع بن حابس قال أحدهما ما أردت إلا خلافي وقال الآخر ما أردت خلافك وترافعت أصواتهما وإن كان العلماء يرى أنه ليس بثابت وربما تكون الآية الأخرى هي التي تحدثت عن هذا. لكن أنا في الحقيقة أريد أن أقول لا يلزم أن تكون كل آية نزلت من هذه المجموعة الآيات ولها سبب نزول مستقل فربما تكون هذه الآيات تتحدث عن هذه الحادثة ككل بما في ذلك ما كان من رفع عمر وأبي بكر أصواتهما لأن بعض العلماء يقول ليست هذه الآية التي نزلت بشأن هذا وإنما الآية الأخرى التي بعدها (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ) ونحن نقول ليس هناك ما يمنع أن الحادثة هي هذه الحادثة مع قدوم وفد بني تميم ونزلت السورة لتهذب أخلاق الصحابة رضي الله عنهم وأخلاق هؤلاء الأغراب من وفد بني تميم كذلك فنزلت هذه الآية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) الأمر لله عز وجل والأمر لرسوله صلى الله عليه وسلم وهذه الآية ينبغي أن نقف عندها ذلك أننا اليوم نعاني ممن ينتسبون إلى الإسلام أنهم يقولون نحن مسلمون ونحن نحب الله ورسوله لكنهم كثيراً ما يقدّمون بين يدي الله ورسوله
د. الشهري: ما معنى يقدمون بين يدي الله ورسوله؟
د. صواب: المعنى دع الحكم لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وعلى آله سلم لا تقدم أمراً دون أمره ولا تقم بشيء دون ما قاله إذا أخذنا بسبب النزول فإنها تشمل كل شيء فإذا كان لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم حكم شرعي يجب عليك أن تقف ولا تقدّم. نحن اليوم نعاني – كما يعبّر سيد قطب رحمه الله – من الذين يتعالمون على الله فيجعل نفسه أعلم من الله وأعلم من الرسول صلى الله عليه وسلم، هذا لا يجوز. قال الله عز وجل، قال الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يمضي تبعاً إنا لغرب وإما شهوة وإما مصلحة وإما لغير ذلك فلا يابه ولا يلتفت وينسى أن هناك حلال وحرام وكأن هذا العالِم الذي يفتي إنما يفتي من ذات نفسه والعالِم إنما هو مبلِّغ عن الله عز وجل لذلك أذكر في قول الله عز وجل في سورة الأحزاب (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا (36)) قِف عند كتاب الله قِف عند أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
د. الشهري: مقتضى الايمان يقتضي الوقوف
د. صواب: ملاحظة أخرى في هذه الآية وهي تكملة الآية (وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) لا تقدموا بين يدي الله ورسوله فحذار من هذا بل كونوا مع المتقين لأن من لوازم التقوى أن لا تقدموا بين يدي الله ورسوله. فكأنه قال: واتقوا الله ماذا؟ واتقوا الله أن تقدموا بين يدي الله ورسوله، واتقوا الله أن تفعلوا ذلك، واتقوا الله أن تخالفوا ذلك ثم إن الله سميع عليم. فمن خالف أمر الله عز وجل فقدّم بين يدي الله عز وجل فحكم بحكم ولله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم فيه حكم آخر فقد قدّم يدي الله ورسوله وتجاوز أمر الله ورسوله ويجب عليه أن يتقي الله فإن لم يتقي الله ويقف عند حدود الله فإن الله سميع لما يقوله عليم بما يفعله وسزف يحاسبه على ذلك
د. الشهري: هل يمكن أن نُدخِل في هذا المعنى قوله سبحانه وتعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) معنى الآية توقفوا عند حدود الله وعند حدود رسوله صلى الله عليه وسلم ولا تجاوزوهما، الآن من يتصدر للفتوى أو للتبليغ عن الله وهناك من هو أعلم منه هل فعله هذا يعتبر من التقدّم بين يدي لله ورسوله؟
د. صواب: هي في الحقيقة تأديب للوقوف عند حدود الله عز وجل لكن الذي تصدّر للفتوى وهو ليس أهلاً لها فقد تقدّم بين يدي الله ورسوله. من تدخل وأراد أن يُدخِل في الإسلام ما ليس منه أو أن يخترع بعض الأمور وبعض الأشياء ويفتي فتاوى وهناك مع الأسف من يتحدث باسم العلماء وتجد نصاً ظاهراً صريحاً صحيحاً إما في كتاب الله عز وجل أو في سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ثم نجد هذا المفتي يقول لا، هذا كان في زمن معين، هذا لا يجب أن نأخذ به، وهذا ينبغي أن يحذر (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63) النور)
د. الشهري: هذه هي المقدمة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) ثم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ) هل أحصيت كم أدب في هذه السورة؟
د. صواب: لم أحصها لأنها كثيرة ومتداخلة، آيات السورة 18 آية لكن تجد في الآية الواحدة فيها أكثر من أدب (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) ثم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا) آداب كثيرة وهي متداخلة. الأدب الثاني (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ) وهذا أدب لمن كان حاضراً وقلنا أنه جاء في سبب النزول أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما رفعا أصواتهما بدون قصد ومع ذلك جاء التأديب لهما (لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ) فإذن هناك توجيه للتعامل مع الأحكام الشرعية وهناك أيضاً لكيفية التعامل مع النبي صلى الله عليه وسلم في حياته (لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ) وبعد مماته يبقى هذا الحكم قائماً التأدب عندما يقال “قال رسول الله صلى الله عليه وسلم” ليس كما قال فلان أو فلان، فيجب التأدب ويجب الخضوع ويجب السكينة أمام حديث النبي صلى الله عليه وسلم وأمام سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وأمام أفعال النبي صلى الله عليه وسلم أمام توجيهاته، قد يوجهني فلان من الناس فأقول أنا لا أبالي بهذه التوجيهات من هو فلان؟ لكن لا ينبغي أن يقال مثل هذا أمام توجيهات النبي صلى الله عليه وسلم أو حتى أن تقابَل بشيء من الاشمئزاز وعدم الرضى الله عز وجل يقول (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا (65) النساء) المصدر هنا تسليماً كاملاً تسليماً لا شيء فيه. هنا كثير من الناس أيضاً للأسف عندنا مسلمين يأخذ بالفتوى وهو يتمنى لو لم تكن كذا، يتمنى لو أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل كذا، لا، إن الله عز وجل لم يشرّع سواء في كتابه أو في سنّة نبيه صلى الله عليه وسلم إلا ما فيه مصلحة الأمة، ما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن نهي ولا أمر بأمر إلا وفيه مصلحة الأمة فهذا الذي يقول لماذا فعلت يا رسول الله؟ ولماذا قال كذا؟ هذا من قلة الأدب يجب أن يحترم ويجب أن يعظّم وكل ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم يقابل بالإجلال والتعظيم وعندما يُذكر النبي صلى الله عليه وسلم فإن النفس لا بد أن ترتاح ولا بد أن تطمئن ولا بد أن تشتاق إليه ولا بد أن تصلي عليه وهذا كله من تمام الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ) جاء أيضاً في سبب نزول الآية أن هؤلاء وفد بني تميم جاؤوا وفي الاية التي بعدها أيضاً فقالوا يا محمد اخرج إلينا وفي بعض الروايات أن هؤلاء القوم قالوا إن مدحنا زين وإن ذمّنا شين، فقال: ذلكم الله، يعني من أنتم؟! مدحتم أم ذممتم فكلامكم سيضيع لكن الله عز وجل إذا مدح وأثنى هذا هو الثناء الذي يُعتدّ به وإذا ذمّ فهذا هو الذمّ الذي يُعتدّ به وسيبقى إلى الأبد فجاءت هذه الآية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ)
د. الشهري: للأسف الشديد الآن وقد كثرت إذا سمع الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بحث عن المخارج للتملص من الحكم، هذا الحديث غير ثابت، هذا الحديث انفرد به البخاري، هذا الحديث لم يوافق عليه فلان، بل حتى في البخاري يروي البخاري أحاديث فيأتي المعترضون للأسف الشديد بحجة النقاش يقولون أنتم جعلتم البخاري كالقرآن وتزعمون أنه أصحّ كتاب بعد كتاب الله وتعيرون عقولكم لهؤلاء الرواة الذين لا تعلمون إذا كانوا صدقوا أو كذبوا، بكل استهتار، أليس هذا من هذا الباب؟
د. صواب: نحن نعلم إذا كان هؤلاء الرواة صدقوا أو كذبوا فهذا الزعم ليس بصحيح. فنحن نعلم أن هناك رواة صادقين موثوقين وشديدي الحفظ والفهم وهناك رواة آخرون ضعفاء بل كذابون وضّاعون فنحن لم نأخذ هذه الأحاديث إلا بعد أن مُيّزت تمييزاً شديداً. الأمر الثاني يسعنا ما وسع سلف هذه الأمة لا يمكن أن نأتي اليوم بجديد نحن نقول إجتهد في فهم النصوص الأحكام الشريعة التي وقف عليها الصحابة لسنا بأعلم منهم ولسنا بأفهم منهم، رأوا النبي صلى الله عليه وسلم وسألوه وعملوا العمل وهو يشاهدهم ويشاهدونه فلا ينبغي. ثم هذا المنهج الذي ذكرته مزلق خطير لأنه لن تجد نصًا إلا وتجد وله محمل من المحامل من حيث الرواية أو من حيث اللغة يمكن أن يقال هذا اللفظ كذا وهذا اللفظ كذا ونحن نعلم أن اللغة واسعة ولو أردت أن تجتهد في تأويل النصوص بحسب الهوى لوجدت باباً واسعاً حتى وصل الحال ببعض المعتزلة أن يقول (كلم الله موسى) كلّمه من الكلْم الذي هو الجرْح بمعنى جرحه حتى ينكر صفة الكلام لله عز وجل فنقول إذا بدأ يتلمس مثل هذه الأشياء فقد وقع في الضلال.
د. الشهري: توقفنا عند قوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ) هذا الوعيد الشديد على مثل هذه المسألة التي يتساهل فيها كثير من الناس
د. صواب: انظر النتيجة أين يمكن أن تصل، رفع صوت فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم والجهر له بالقول كجهر بعضنا لبعض فيقال (محمد) هكذا دون أن يذكر بصفته يؤدي إلى إحباط العمل (أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ) ثم المشكلة وأنتم لا تشعرون، أنت تصل وأنت تصوم وأنت تشهد أن لا إله إلا الله محمد رسول الله ولكنك ربما يؤدي هذا الخلل في التعامل مع النبي صلى الله عليه وسلم وكما قلنا نحن لا نتحدث عما حصل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وإنما موجه إلى من هم على قيد الحياة من يعيش في هذه الأيام نحن نقول الأدب مع سنة النبي صلى الله عليه وسلم مع حديث النبي صلى الله عليه وسلم مع اسمه عندما يسمع اسمه أن يذكر بكل إجلال وتعظيم وإلا فهناك خشية من أن يحبط عمله فيضيع ثواب هذا العمل (أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ) انظر إلى تأثر الصحابة
د. الشهري: ما معنى حبوط العمل؟
د. صواب: يذهب ثوابه، يضيع ثوواب هذا العمل فيبقى لا قيمة له. أذكر قصة جميلة: ثابت بن قيس ابن شمّاس وهو خطيب النبي صلى الله عليه وسلم كان مما ذكر -دعنا نعرّج في هذه الآية الآية السابقة – أن وفد بني تميم أتوا بخطيب وشاعر وقالوا إن مدحنا زين وذمّنا شين ثم أمروا خطيبهم أن يتحدث وأمروا شاعرهم أن يتحدث فلما تحدثا أمر النبي صلى الله عليه وسلم ثابت أن يخطب وأمر حسان بن ثابت أن يرد عليهم فقالوا والله إن حديث خطيبهم أحسن من حديث خطيبنا وكلام شاعرهم أحسن من كلام شاعرنا. ثابت بن قيس كان جهوري الصوت صوته مرتفع فما نزلت هذه الآية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ) قال هذه نفسي، ربما أنا وقعت فيها دون أن اشعر اعتزل وأخذ يبكي قالوا ما لك؟ قال أظن أنا المعني لأني أرفع صوتي عادة فأُخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فجيء به وقال له لست أنت، أنت من أهل الجنة أو كما قال صلى الله عليه وسلم. انظر إلى حساسية الموضوع وهكذا أيضاً أبو بكر رضي الله عنه لما نزلت التوجيهات بعد أن ارتفع صوته كان لا يكلم النبي صلى الله عليه وسلم كما يقول العلماء إلا كأخ السِرار كأنه يُسّر إليه سراً خوفاً من ذلك. ونزل بعدها (إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ) فأخلص هذه القلوب للتقوى فأصبحت تقية وهذه الآية قال بعض العلماء نزلت في أبي بكر رضي الله عنه بعد أن سمع هذه الوجيهات فإذا به يتأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم
د. الشهري: هل يمكن أن نستفيد من تصرفات الصحابة رضي الله عنهم، تصرف ثابت وتصرف أبي بكر رضي الله عنه بعد هذه الآيات أنه نوع من فهمهم لهذه الآيات وتفسيرها. أبو بكر الصديق عندما أصبح يكلم النبي صلى الله عليه وسلم كهيئة السرِار (لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ) لم يفهم منها أنه مجرد تتكلم بشكل عادي بل بالغ في ذلك فأصبح يتكلم إليه كأنه يُسرّ إليه بسرّ وهذا من كمال فهمهم
د. صواب: من كمال فهمهم ومن كمال ورعهم وتقواهم لأنه يأخذ المسألة بالاحتياط أن لا يقع في شيء، نحن نقول المسألة فيها سعة والمسألة سهلة، هم في الجانب الآخر يخشى من كل شيء، إن حدّث كما يتحدث المُسِر بسرّ أولى لي من أن أرفع صوتي تجاوزاً ثم أقع فيما حذرني الله منه.
د. الشهري: (إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ) ما المقصود بالحجرات؟
د. صواب: هذه تتحدث عن هؤلاء الوفد الذين قدموا من بني تميم والذين جاؤوا إلى النبي صلهم ينادونه، والحجرات المراد حجرات أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وكانت تسع حجرات كما يذكر العلماء وحقيقة أنا أقرأ في بعض الكتب في وصف هذه الحجرات صغيرة وداخلها مبنية مساحة يسيرة كان يعيش فيها هذا القائد العظيم صلى الله عليه وسلم تقرأ هذه العظمة كلها كانت في هذه الغرف الصغيرة ومحاطة بعسيب النخل وأشياء بسيطة متواضعة حتى يقول أحد التابعين: دخلت حجرات النبي صلى الله عليه وسلم أو بيوت النبي صلى الله عليه وسلم فكنت ألمس السقف بيدي، يلمس السقف بيده ربما إذا جاء رجل طويل ربما رأسه يضرب بالسقف، عاش فيها النبي صلى الله عليه وسلم وخرج منها هذا النور وهذه العظمة وهذه الهداية كلها! ليست المسألة مسألة مظاهر وليست المسألة مسألة مال أو مادة إنما هي مسألة قلوب، مسألة نفوس. فالذي يتأمل الوضع لا شك أنه يتأثر, هؤلاء جاؤوا إلى هذه الحجرات حجرات أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، من وراء الحجرات ينادونه هو في الداخل وهم في الخارج
د. الشهري: قد اطلعت على كتاب مصداقاً لكلامك في وصف حجرات النبي صلى الله عليه وسلم مؤخراً فذهلت لما قرأت هذا الوصف الدقيق لهذه الحجرات ليس فيها أي شيء مما يمكن أن تسميه كماليات لا تكاد تستوعب إلا فقط الذي ينام على حصير حتى النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يصلي في الليل وعائشة رضي الله عنها قد مدّت قدميها تضطر أن تسحب قدميها فيسجد عليه الصلاة والسلام وأنت ترى اليوم كيف يعيش بعضنا في فلل أو في قصور أو في شقق ودائماً يتذمر من الضيق وتدعوه زوجته دائماً إلى الانتقال لبيت واسع ثم النتيجة والثمرة لا تكاد تذكر
د. صواب: هناك مشكلة في ثقافة الناس اليوم، ثقافة الناس اليوم تقيس السعادة بأمور المادة بينما المفترض أن تقاس السعادة بالأمور الأخروية. يعني أن يتربى هذا الإنسان وهذا الرجل والزوجة والأبناء في هذه البيوت الصغيرة مهما كانت صغيرة ويكسبوا للآخرة ركعتين أو تلاوة آيات أو حفظ كتاب الله عز وجل أو فهمه لا شك أن هذا أعظم بكثير من هذه القصور لكن للأسف أصبح الناس اليوم يقيسون السعادة بأمور مادية ولو أنهم نظروا إليها لوجدوا أنهم في نعمة. نحن في بلاد المسلمين وأنا أقول لكل مسلم والله طالما أن الله عز وجل أنعم عليك بنعمة الاسلام فأنت أفضل بكثير – بل لا مجال للمقارنة – من أولئك الذين يملكون البنايات وناطحات السحاب والمليارات لأن أولئك مصيرهم إلى النار وأنت بإذن الله عز وجل مصيرك إلى الجنة، أولئك أعداء الله وأنت وليّ الله وشتان بين ولي الله وعدو الله يكفي أن الله معك، يكفيك هذا من الدنيا وعِش في أي مكان وكيفما كان وركز على هذا الجانب. فهذه لا بد من التربية وأن تعاد صياغة الثقافة بأن نعرف حقيقة السعادة التي يمكن أن يعيشها الإنسان، حقيقة السعادة ليست في متعة، نعم (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14) قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ (15) آل عمران) فإذا رضي الله عنك فلا تبالي بما صُنع بك.
د. الشهري: من الأشياء التي قرأتها في حجرات النبي صلى الله عليه وسلم عندما جاء في عهد التابعين الخلفاء لتوسعة المسجد النبوي فدخلت الحجرات في المسجد فتناقش الصحابة والتابعون في قضية إزالة الحجرات لكي تضم ولم يبق إلا حجرة عائشة التي فيها القبر، يقول أظنه عامر الشعبي: وددت لو تركت حجرات النبي صلى الله عليه وسلم حتى يراها الناس الذين يأتون لأنهم لما تسمع بالنبي صلهم وهذه العظمة تتوقع وإذا ذهبت ورأيت هذه الحجرات بهذا الشكل يعتبر الانسان
د. صواب: ما نقص من قدره صلى الله عليه وسلم
د. الشهري: في قصة وفد بني تميم الذين نزلت فيهم (وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) متى جاء هذا الوفد؟
د. صواب: السنة التاسعة
د. الشهري: أليس كان معهم الزبرقان والبدر والأقرع بن حابس كبار بني تميم؟
د. صواب: نعم
د. الشهري: هل يمكن أن نستعرض الآداب التي جاءت في السورة. وهناك سؤال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا) هل معناه إذا جاءنا غير فاسق نحن غير مطالبين بالتبيّن؟
د. صواب: هذه الآية نزلت في الوليد بن عقبة أرسله النبي صلى الله عليه وسلم يجمع الصدقات من بني المصطلق كان سيدهم الحارث فذهب إليهم وكان بينه وبينهم شيء، بين الوليد وبين هؤلاء القوم شيء فخاف فوجد في نفسه فرقة وخاف منهم ثم رجع دون أن يصل إليهم فسأله النبي صلى الله عليه وسلم ما بالك؟ قال منعوا الزكاة وأرادوا قتلي، هناك روايات متعددة منا أنهم جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا تأخر علينا رسولك وعدتنا أن ترسل إلينا رسولاً نعطيه الزكاة فلم يأتي. وفي بعض الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إليهم سرية من أجل أن تقاتلهم وقابلوهم قالوا ماذا؟ قال منعتم الزكاة وأردتم قتل رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا والله ما كان ذلك فجاءت الآية توجيه للنبي صلى الله عليه وسلم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا) في قراءة الأخوين حمزة والكسائي (فتثبتوا) فنحن مأمورون أن نتبين والتنبي هو طلب الحق، البحث عن الحق، أُنظر أين الحق وأين الباطل؟ والتثبت التحقق والتأني وهناك تبين أن تكشف بعض العلماء يقول أن التثبت لا يؤدي إلى التبيّن أحياناً أُمِر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول ذلك والوليد يبدو أنه خاف وظن ذلك للذك النبي صلى الله عليه وسلم لم يعنّفه كثيراً يبدو أنه فهم هذا الفهم. لكن هذا يقودنا إلى مسألة أن نتبيّن، هذه الآية اليوم نحن أحوج ما نكون إليها وبخاصة في ظل وسائل إعلام كثيرة جداً سواء كانت هذه وسائل إعلام في قنوات فضائية أو كان عبر انترنت أو صحف أو إذاعات أو غيرها من وسائل الإعلام مع الأسف كثير من الناس اليوم بمجرد أن يجد رسالة في بريده الالكتروني ينشرها على الناس وكأنها حقيقة قال فلان كذا، بمجرد أن يسمع خبر في وكالات الأنباء ينشرها وكأنها حقيقة، بمجرد أن يسمع حكاية من هنا وهناك هذه مسألة خطيرة. والنبي صلى الله عليه وسلم يحذّر من هذا فيقول: “كفى بالمرء إثماً أن يحدِّث بكل ما سمع” فالذي لا يكذب ولا يختلق الأكاذيب فالذي يحدّث بما يسمع وإن لم يختلق يعتبر أحد الكاذبين كما جاء في حديث آخر. نقول لا بد من وضع ضوابط وأهم هذه الضوباط ما جاء في هذه الآية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا). اليوم مع الأسف تجد داعية يصلي ويصوم ويبذل نفسه في سبيل الله عز وجل ومن أجل الله عز وجل ويدعو الناس إلى الخير والصلاح والتقوى ثم تجد في الجهة المقابلة رجلاً فاسداً فاسقاً ربما يكون قاتلاً ربما يكون سارقاً فيتكلم عن الداعية المصلي الصائم بكلمة فيأخذ الناس بكلام هذا الرجل!! قُل لي أيهما يصلي ويسجد لله؟ أيهما يقوم بين يدي الله؟ أيهما يدعو الناس إلى الخير والتقوى؟ بعبارة أخرى أيهما هو الفاسق وأيهما هو التقي؟ لا بد من موازنة بين هذه الأمور، أما أن يطعن العلماء والصالحون ويتهمون بأقوال الفَسقة فهو مخالف لهذه الآية. لذلك لا بد أن نقف (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا) قل لي من المتحدث الناقل لهذا الكلام الذي نقل إليك؟ إن كان عدلاً أخذت بكلامه. يقول العلماء المنطوق المفهوم في هذه الآية أن منطوق الآية أنه لا يؤخذ بخبر الفاسق ومفهومها أنه إذا جاء العدل فإنه يؤخذ بخبره هذا من مفهوم المنطوق. على سبيل المثال عندما يكون المتهم مسلماً وناقل الخبر كافراً عدواً للإسلام والمسلمين أنقبل خبر الكافر في حق المسلم؟!
د. الشهري: للأسف الآن صارت وكالة رويترز والسي أن أن والوكالات العالمية كأنها روايات البخاري، الناس يصقدونها
د. صواب: أن تنقل حدثاً هذا شيء لكن أن تتهم شخصاً وتنسب جريمة لفلان دون أن نستمع لفلان ودون أن نسمع ما لديه ودون أن نتأكد من صحة ذلك فنحن شركاء في هذا الإثم إذا قبلنا بذلك.
د. الشهري: نسأل الله أن يرزقنا الاتباع لهذه الآية وهي في غاية الصعوبة خاصة مع وسائل الاعلام التي تتكاثر يوماً بعد يوم.
سؤال: هل يطلق على الصحابي وصف فاسق كما في سبب نزول قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا)؟
د. صواب: الفسق هو الخروج عن الطاعة وقد يطلق على الكافر وقد يطلق على اليهود والنصارى، جاء في قوله تعالى (وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ (26) الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ (27) البقرة) هذا يتحدث عن الكفار وجاء في الحديث عن اليهود (أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (5) الصف) أو كما في قول الله عز وجل في الحشر (مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ (5)) والحديث عن بني النضير والمسلم أيضاً قد يتصف بالفسوق ولكنه الفسق الذي هو بمعنى الخروج عن الطاعة بمعنى المعصية فهو بهذا المعنى لا بأس من إطلاقه على الإنسان الذي في هذا المجال في إطار محدود. فالآية عامة (إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا) فإذا جاء فاسق والفاسق هنا خلاف العدل فيجب التثبت في هذا الأمر.
د. صواب: تحدثنا عن التوجيه ولم نتحدث عن النتيجة (أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) كم من أناس أصيبوا بسبب الاستماع إلى أقول للفساق بل الكفار بل إلى الأعداء تستمع إلى الأعداء وتقاريرهم وما قالوه عن فلان وفلان والحقيقة أنهم ناس أبرياء، نحن لا نريد أن يقال فلان سُجِن لأنه قام بعمل كذا وكذا ونحكم عليه إلا إذا كان المتحدث ثقة عدلاً أنا اقول نأخذ قاعدة في هذه الحياة أن نعصم أنفسنا وألسنتنا مما لا حاجة للحديث عنه حتى لا يبقى في قلبك حقد على أحد وحتى لا تصيب قوماً بجهالة فأنت في غنى عن ذلك أنت لست بقاض ولا محقق ولا ولي أمر حتى تعاقب إن صحّ فأمره إلى الله وإن لم يصح فأمره إلى الله وتبقى النفوس سليمة لا نُكثِر من الخوض في هذا (أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) يندم الإنسان وإذا لم يندم في الدنيا فسيندم يوم القيامة
د. الشهري: أتصور قديماً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان انتشار الخبر محدوداً الآن الأمر ليس كذلك عندما تنشر خبراً كاذباً بالإيميل أو برسالة جوال أو مع مواقع التواصل الاجتماعي التويتر وغيره أصبحت تكذب الكذبة وتبلغ الآفاق. (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ)
د. صواب: هذه الآية هي تكملة لما سبق تقول أيها المؤمنون (إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا) هذا توجيه من الله عز وجل وهذا توجيه من الرسول صلى الله عليه وسلم لا تتبعوا أهواءكم بل إلتزموا بهذه التوجيهات واعلموا أن النبي صلى الله عليه وسلم موجود بينكم (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ) (لَعَنِتُّمْ) يعني أصابكم العنت وهو المشقة، لشقّ ذلك عليكم. ومن جميل هذه الآية أن الله عز وجل أرحم بنا من أنفسنا (لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ) لو أن النبي صلى الله عليه وسلم مشى في هذا التشريع وفق أهوائنا التي نريدها لشق ذلك علينا، فالله عز وجل أرحم بنا من أنفسنا ومحمد صلى الله عليه وسلم أرحم بنا من أنفسنا وقد وصفه الله عز وجل بأنه (بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (128) التوبة) فهو رحيم بنا رحيم بأمته والله عز وجل رحيم بنا لا تستعجلوا هذه الأحكام، لا تتعجلوا هذه الأحكام فإنها نابعة من رحمة الله عز وجل وهذا الرسول أيضاً لو أنهم أطاعكم لعنتّم (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ) فهذه من المعاني التي ينبغي أن نتصورها وأن نتأملها وأن نشكر الله سبحانه وتعالى أن وفقنا لهذا التشريع فهو رحيم بنا ومحمد صلى الله عليه وسلم رحيم بنا ولو تُرك الأمر لنا لشقّ ذلك علينا ولشققنا على أنفسنا ومن رحمته عز وجل أن حبب إلينا الإيمان
د. الشهري: (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) هذه الآية تتحدث عن قتال المؤمنين ببعضهم
د. صواب: دعني أربط هذه الآية بما قبلها (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا) هنا مشكلة اللسان واللسان قد يؤدي إلى الاقتتال حتى أن بعض العلماء ذكروا في نزول هذه الآية أنه لما مر النبي صلى الله عليه وسلم بحماره على عبد الله بن أبيّ المنافق فقال ابتعد عنا فقد آذانا ريح حمارك وفي بعض الروايات ريح بول حمارك فقام أحد الصحابة فقال والله لريح بول حماره أو لبول حماره أطيب منك فتنازع الأوس والخوارح حتى كان بينهم ضرب بالأيدي والنِعال لم يستخدم السلاح فيها فأصلح بينهم النبي صلى الله عليه وسلم وهو توجيه لكل المؤمنين (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا) بين هاتين الطائفتين وهذا أمر يتحتم على المسلم أن تًصلِح لأنه لا ينبغي أن يبقى اقتتال بين المسلمين أبداً مهما كانت الأسباب وعلى الفئة الأخرى الداعية أن تصلح بين هذه الفئات فإن لم تستطع أن تصلح وتعنتت إحدى الفتئتين فيجب عليها أن تقف مع الفئة صاحبة الحق والحمد لله نقول اليوم هناك صراعات كثيرة في البلدان الاسلامية سواء كانت بين جماعة وجماعة أو بين شخص وشخص أو بين حكاكم وشعب مع من نقف؟ يجب أن نقف مع صاحب الحق، هذه مسؤولية لا يمكن للإنسان أن يبقى متفرجاً ولا يجوز لحاكم أن يبقى متفرجاً أو أن يدعم ظالماً وإنما عليه أن يسعى إلى الصلح فإن رأى أن هناك فئة لا تريد الصلح ولا تريد حكم الله عز وجل فعليه أن يقف وقوفاً كاملاً مع صاحب الحق لأن الله عز وجل قال (فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ) نحن لا نقول قالتول التي تبغي ولكن نقول قفوا وساندوا ولو إعلامياً الفئة التي تظنون أنها مظلومة هذه مسؤولية وتوجيه من الله سبحانه وتعالى.
د. الشهري: نبدأ بظاهرة شديدة وهي للأسف منتشرة بين المسلمين (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) السخرية أصبحت للأسف الآن في إعلام المسلمين وفي أخلاق الناس يسخر بعضهم من بعض ويبالغ في السخرية بل ترى من يسخر من الدين ومن أهل الدين بحجة الكوميديا أو بحجة التمثيل.
د. صواب: هذا مرده إلى الاعتزاز بالنفس والظنّ الحسن بالنفس وانتقاص الآخرين والجهل بالأحكام الشريعة والجهل ببواطن الأمور وحقائق الأمور أقف مع الآية وأقف عند جزئية منها وهي (عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ) في حق الرجال، وفي حق النساء (عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ) أنت اليوم ترى إنساناً تسخر منه وتحتقره لسبب من الأسباب قد يكون عنده شيء في جسمه قد يكون عنده عيب في الكلام قد يكون عنده نقص في ماله قد يكون في مسكنه في أثاثه في بيته في قبيلته في أسرته في نسبه وترى أن هذا لا شيء لكنه يكون أفضل عند الله منك بكثير! وأنا والله دائماً أقولها عندما تدخل إلى المسجد على سبيل المثال فترى أنه قد سبقك أناس من أشكال مختلفة جنسيات مختلفة ولغات مختلفة إلى الصف الأول قس نفسك وانظر هؤلاء أين مكانتهم عند الله عز جل ليست المكان بما يلبس ولا أين يسكن ولا ماذا يملك (لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ) فهؤلاء قد يكونوا خيراً منك (وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ) مكانة المرأة وقيمتها ليس بمالها ولا بجمالها ولا بسكنها ولا بكثرة أولادها وإنما هو ما مدى علاقتها وقربها من الله ما مدى سيرها في سبيل الطاعة وبعدها عن المعصية فإذا أكثرت من طاعة الله فوالله هي خير ولتكن في بادية ولتكن في الشرق أو الغرب ولتكن أمية أو متعلمة أيّاً كانت خير من تلك التي تسكن القصور ولا تصلي ولا تركع لله عز وجل، هي خير من تلك التي تتحكم أحياناً في أمة فلا بد أن يتبنه لهذا
د. الشهري: (وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ) هذه الاية يُسأل فيها كيف لا تلمزوا أنفسكم؟
د. صواب: النفس تأتي بمعانٍ، قد تأتي بمعنى الذات وتأتي بمعنى الأخ وهنا جعل الأخ بمنزلة النفس فأنت كأنك عندما تلمز أخاك كأنك تلمز نفسك، لو قيل ولا يلمز بعضكم بعضاً يعني هذا شخص وهذا شخص، لا، لا تلمزوا أنفسكم أنت عندما تتكلم عن ذلك الشخص فكأنك تلمز نفسك لأنه أخوك المسلم وأنت عندما تتكلمين في تلك المرأة فأنت تتكلمين في نفسك لأنها أختك المسلمة مهما كانت الأسباب (وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ) فلا تتكلم بكلام فيه شيء من الانتقاص أو من التلميح إلى بعض الأمور. وأقول في مجال السخرية بالذات هناك حقيقة يجب أن نقف عندها: من خلق هذا الانسان بما فيه من ميزة ومن عيب؟ الله عز وجل، أليس الله عز وجل هو الذي خلق هذا الإنسان فجعله قصيراً أو جعله نحيفاً أو جعله أسود أو أبيض أو سواء جعل هذه العين كبيرة وهذه العين صغيرة وهذا الأنف الذي صوره هو الله، ما لك من فضل عندما تكون سويّ الخِلقة، ألك فضل؟ أأنت صنعت عينك وأنفك وفمك؟! هذا من قلة العقل وقلة الإيمان أن يسخر من الآخرين، الكل خلق الله! بل هذه تدعو إلى العجب، سبحان من خلق هذا بهذه الصورة وخلق هذا بهذه الصورة خلق هذا بهذه الصورة فهذا خلق الله عز وجل
د. الشهري: قرأت قصيدة جميلة للمنقري صاحب كتاب نفح الطيب يقول:
سبحان من قسم الحظوظ فلا عتاب ولا مناما
أعمى وأعشى ثم ذو بصر وزرقاء اليمامة
لولا استقامة من تراه لما تبينت العلامة
نسأل الله أن يكفينا شرّ ألسنتنا.
د. الشهري: وقفنا عند قوله تعالى (وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ) ما المقصود بالألقاب؟
د. صواب: الألقاب هي أنواع النداء النداء باللقب ما يلقب به الإنسان وهي أنواع هناك ألقاب تكون محببة للإنسان كما كان علي بن أبي طالب لقبه وكناه النبي صلى الله عليه وسلم بأبي تراب وكان يحب هذه الكنية، ومنها ما تعارف عليه الناس ولا يكرهه صاحبه ونحن نعلم عن الأعمش والأعرج إذا ان من باب العلامة فهذا لا بأس به. لكن ما كان على سبيل الانتقاص وكان صاحبه يكرهه فهذا لا يجوز. لا جوز أن يدعى به هذا الإنسان وكثيراً ما يشير الناس إلى عيب في الإنسان أو صفة من الأوصاف وهذا لا ينبغي لا يجوز إلا إذا كان عرف به وأصبح لقباً ولا يكرهه فليس هناك إشكال.
د. الشهري: وسمي التنابز بالألقاب كأنك ترميه. (بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ)
د. صواب: (بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ) هناك قول للعلماء: بئس أن تدعوه فاسقاً وأصبح مؤمناً ولكن فيها معن آخر وهو معنى قوي (بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ) بئس الاسم لك أيها الإنسان أن تصبح فاسقاً بحيث أنك تسخر من الناس وتنبذهم بالألقاب وتلمزهم فتصبح في عداد الفاسقين، فلا يحسن بك أن تصبح فاسقاًبعد أن كنت مؤمناً فابق على إيمانك وحافظ على إيمانك (بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ)
د. الشهري: يأتي التوجيه في قوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا) وحتى السخرية التي مرت معنا هذه للأسف أخلاق موجودة بكثرة في المجتمعات المسلمة اليوم وكأن هذه ليس لها أثر في أخلاقياتنا في مجتمعاتنا فتجد الغيبة، فهل نتوقف عند هذه الآية
د. صواب: تتحدث الآية (اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ) الظن كما قال الله عز وجل (وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا (28) النجم) ونحن نجد أن مثيراً من المعلومات التي نحقد فيها مبنية على مسائل ظنية أعطيك مثالاً من الواقع عندما يتصل بك ولا ترد على الهاتف قد يكون هذا الهاتف بعيداً عنك وقد يكون صامتاً وقد تكون نائماً فأول ما يطرأ إلى ذهنه أنه اتصلت به فما رد عليّ لأنه ما أراد أن يرد عليّ، لماذا هذا الاحتمال؟ أين بقية الاحتمالات؟ وما منا إنسان إلا ويغلق هاتفه ويترك هاتفه وينشغل. فالظن السيء ويغلِّب هذا الظن أفكار وربما تتطور إلى أشياء كثيرة لا بد أن يجتنب الإنسان الظن، إحمل أخاك على أحسن المحامل والتمس العذر والناس بشر وحتى لو أساء إليك فربما مرت به لحظة من اللحظات التي كان فيها متوتراً أو ضايقه شيء آخر (اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ) كثير من الأحكام تبنى على الظن ولا ينبغي أن تبنى على الظن فلا بد أن تكون متأكداً (إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) وإذا أرت أن تسلم من الإثم فابتعد عن هذا. لأنه كثير من الناس مع الأسف لا ينظر ولا يفكر في الآثار المترتبة على هذه الأمور هو يظن دعني أظن ودعني أتهم ودعني أسبّ أتدري ما هي النتيجة؟ النتيجة أن الأمور لا تمر هكذا ولكنه كله محسوب عليك ومسجّل وأنت تتحمل إثم وإثم وإثم، لماذا؟ أيهما أولى لك أن تحسن الظن بالآخرين فيكتب لك الله عز وجل حسنات أو أن تسيء الظن بالآخرين فتصبح وتدخل في الاثم؟
د. الشهري: المشكلة أنه من أمثال العرب وأشعارهم القديمة ما يقولونه “والحزم سوء الظن بالناس” أن هذا أحزم لك أنك تسيء الظنّ بالناس فتتقيهم، فهذا تعاديهم ولكن هذا مخالف لتوجيه الآية والله تعالى يقول (اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ). ما علاقة التجسس والغيبة بموضوع سوء الظن؟
د. صواب: كلها تتبّع الآخرين فالظن اتهام والتجسس تحقق من هذا الاتهام والغيبة حديث عن هذا الاتهام وكأن هذا السلوك يراد منه كشف ما لدى الآخرين من أشياء فأنت تظن بهم سوءاً أنت تتجسس عليهم والتجسس محرم ولا يجوز أياً كان هذا التجسس، التجسس يدفع إليه الفضول أحياناً قد تكون لا يكون لك مصلحة، وأحياناً قد تكون هناك مصلحة لشفاء ما في النفوس وتحب أن تسمع الخبر من هنا وهناك فتتجسس وتتحسس وهذا لا يجوز، الأخ على أخيه ولا الزوجة على زوجها ولا الزوج على زوجته إلا فيما كان له حق فيه وأتمنى أن لا يكون من طبعنا هذا السلوك حتى مع أبنائنا وبناتنا وإنما نعلمهم أن كل واحد مصون حرماته ولكن أكون واضحاً معه واسأل ليس هناك إشكال أما التجسس فعيب
د. الشهري: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) تعليق على هذه الآية ونربطها بموضوع السورة التي تحدثنا عنه وهو الأخلاق وارتباطها بالإيمان
د. صواب: وهذه الآية أساس في المساواة بين البشرية وأيضاً المفاضلة بين البشرية فالمساواة من جانب كونهم أبناء ذكر وأنثى سواء كان هذا الذكر والأنثى آدم وحواء أو كان الأب والأم والتفاضل (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) هذا هو المقياس إذا شئت أن تبقى عالياً مكرماً فازدد من التقوى
د. الشهري: نسأل الله أن يجعل لنا منها أوفر الحظ والنصيب وأسال الله أن ينفعنا وإياكم بما سمعتم.
*******************
الفائز بحلقة الأمس: ياسمين محمد
سؤال الحلقة: بيّن الله الحكمة من نزول القرآن مفرقاً ومنجماً على النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينزله دفعة واحدة فما الآية التي تدل على هذا في الجزء التاسع عشر؟