الحلقة 151 – سورة الحديد
ضيف البرنامج في حلقته رقم (151) يوم السبت 27 رمضان 1432هـ هو فضيلة الشيخ الدكتور إبراهيم بن علي الحسن، الأستاذ المساعد بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية .
وموضوع الحلقة هو :
– علوم سورة الحديد .
– الإجابة عن أسئلة المشاهدين .
د. الشهري: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أيها الإخوة المشاهدون السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلًا وسهلًا بكم في برنامجكم التفسير المباشر الذي يأتيكم في هذا اليوم السابع والعشرين من شهر رمضان للعام 1432 هـ. سوف نتوقف مع سورة الحديد بإذن الله تعالى وهي السورة السابعة والخمسون في ترتيب سور المصحف ونسأل الله تعالى تعالى أن يجعل هذه المجالس في موازين حسناتنا أجمعين وأن يجعلها مقربة لنا من كتابه ومعينة لنا على فهمه. باسمكم جميعاً أرحب بضيفي العزيز فضيلة الشيخ الدكتور إبراهيم بن علي الحسن، الأستاذ المساعد بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وعضو الجمعية العلمية السعودية للقرآن الكريم وعلومه (تبيان).
نبدأ بالحديث عن اسم السورة الحديد
د. الحسن: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على روسل الله نبينا وإمامنا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين. سورة الحديد لها اسم وحيد كالواقعة وهو الحديد وهذا هو الثابت في كتب التفسير وفي كتب الحديث ولم يرد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يدل على هذا الاسم لكن تعارف المسلمون عليه ودوّن في مصاحفهم وكتب تفسيراتهم.
د. الشهري: ما هو سبب تسميتها بسورة الحديد؟
د. الحسن: السبب هو ما جاء عن الله سبحانه وتعالى في السورة عن ذكر الحديد وأن فيه بأس شديد ومع أن الحديد قد ذُكِر في سورة الكهف (آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ (96)) والكهف نزلت قبل لكن لم تسمى سورة الكهف بسورة الحديد لأن الحديد ذكر في سورة الحديد لنصرة الدين بينما الحديد ذكر في سورة الكهف لنصرة المستضعفين.
د. الشهري: متى نزلت سورة الحديد؟
د. الحسن: سورة الحديد من السور المدنية ويكاد يكون اتفاق بين المفسرين كما ذكره ابن عطية لكن لا يعني هذا أنه ليس فيها آيات مكية، في السور المدنية قد يوضع فيها شيء من الآيات المكية ففي صحيح مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: لم يكن بين اسلامنا وبين نزول قول الله تعالى (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ) إلا أربع سنين فهذا دليل على أن هذه الآية مكية. ويدل على مدنية السورة موضوعاتها فقد ذكر فيها الانفاق في سبيل الله يعني الجهاد وهذا كان في المدينة، ذكر فيها القتال (لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا) والقتال كان في المدينة وذكر فيها المنافقون والنفاق إنما كان في المدينة وذكر فيها أهل الكتاب وهذا إنما كان الاحتكاك بهم في المدينة. وهنا وقفة البعض من المفسرين ممن ينظر إلى المعاني خُيّل إليه أنها مكية والواقع أن من يتدبر الموضوع الرئيس للسورة وما يحف به من موضوعات وجزالة ألفاظ وكلمات السورة فعلاً يخيل إليه أنها مكية ولكن لا ينبغي أن نعتمد على خصائص الآيات المكية والسور المكية والمدينة فهذه ليست قاعدة مضطردة بل أغلبية فإن من يقرأ سورة التغابن يخيل إليه أنها مكية وهي مدنية بالإجماع.
د. الشهري: هذا يقودنا للحديث عن موضوع سورة الحديد
د. الحسن: موضوع سورة الحديد يجل عن الوصف يصعب ذكره لأني أعتقد جازماً أن مثلي لا يصلح أن يتحدث في هذا الموضوع الجلل العظيم، الموضوع أكبر من أن يتحدث عنه مثلي وأنا أستصغر نفسي وكنت أتمنى أن يكون أحد المتحدثين عن سورة الحديد من العلماء الأفذاذ الكبار، لجلل الموضوع وأكرر الموضوع كبير الموضوع جلل الموضوع خطير الموضوع أكبر من أن يذكر في دقائق بل ساعات بل أيام. الموضوع الذي تدور حوله السورة تحقيق الإيمان في قلوب الإيمان. الله جل جلاله من خلال هذه السورة لا يريد إيمان ادّعاء لا يريد إيمانا ضعيفاً لا يريد إيماناً لا يغير السلوك لا يحمل على بذل النفس (الشهداء) ولا بذل المال (وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ) ولا المبادرة إلى جنة عرضها السموات والأرض ولا إلى احتقار وازدراء الدنيا واعتبارها لهو ولعب في سبيل إيمان المؤمن. إذن أكرر موضوع السورة هو تحقيق الإيمان والعجب العجاب في طريقة هذه السورة في الوصول إلى هذه الحقيقة تثبيت الايمان في قلبي وقلبك وأن المسألة ليست مسألة ادّعاء ليست مسألة مظهرية، ليست مسالة أن آباءنا على أمة ونحن على آثراهم مقتدون ومهتدون وسائرون، المسألة إيمان يؤثر في الشخصية في السلوك في الأخلاق في النظر إلى الكون في النظر إلى الحياة في النظر إلى هذا الجسد الفاني الذي يُعتبر إذا قسته بمقياس الإيمان صغير حقير لا شيء بل هذه الدنيا المزخرفة العظيمة الكبيرة ينبغي أن تكون إذا وقرت حقيقة الإيمان في القلوب لهو ولعب.
د. الشهري: يلفت نظري في أول أربع آيات من السورة تكررت أسماء الله وصفاته 15 مرة
د. الحسن: وهذه أول طريقة من طرق السورة في تحقيق الإيمان. كيف تحقق هذه السورة الإيمان في قلب المؤمن بحيث لا يكون ادّعاء لا يكون جنسية لا يكون اسماً والله أنا اسمي عبد الله أو لان بن فلان مما يدل على أنني مسلم لا، إنما حقيقة تنغرس في القلوب فيظهر أثرها في الجوارح. ما طريقة السورة في غرس هذه الحقيقة في أنفس المؤمنين الذين دخلوا في الايمان لكن لمّا يصل المؤمن إلى الحقيقة والغاية التي يريدها الله سبحانه وتعالى. أول مرة في تحقيق الإيمان أعظم أمر أكبر قضية تعالجها السورة قضية تعريف العباد برب العباد. أولاً عرّفني من هو الله الذي آمنت به؟ الذي عبدته؟ الذي سأحتقر دنياي الجميلة المزخرفة من أجله؟ الذي سأضحي بنفسي وأكون شهيداً في سبيله، من هوالله؟ تأتي السورة وتذكر خمسة عشر اسماً وصفة محشودة بطريقة عجيبة بحيث تنغرس هذه الحقيقة في القلب وهو معرفة العبد لربه. تعال نتدبر ونتأمل هذه الأسماء والصفات والأفعال التي ذكرتها السورة في أربع آيات. بعد أن ذكر الله تسبيح ما في السموات والأرض وهو أهل لهذا التسبيح قال (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) العزيز غالب لا يُغلب، حكيم يضع الأشياء في مواضعها، حكيم في أمره حكيم في خلقه حكيم في شرعه. (لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) إذن هو الملك حقيقة له الملك جل جلاله عظم شأنه يحيي ويميت الحياة بيده والموت بيده ليس الكافر الذي يقتلك هو الذي أماتك لا وربي الله الذي يميتك، وليس والداك هما اللذان أحيياك، لا وربي الله الذي أحياك. ثم (يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) قدرة مطلقة لا تحد لا يمتنع منه شيء جل جلاله وعظم شأنه هو الأول وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأسماء الأربعة هو الأول فليس قبله شيء بمعنى الأزلي أما يقوله بعض من لا يلتزم حدود الله (القديم) وهذا الوصف لا ينبغي، والآخر ليس بعده شيء والظاهر الذي ليس فوقه شيء وكلمة الظاهر تحتمل عدة احتمالات ظاهر بيّن كل من يبحث عن ربه يجده يجد له في كل شيء آية، ثم هو ظاهر من الظهور والعلو فهو عالم فوق الجميع هو الباطن النبي صلى الله عليه وسلم فسّر هذا بقوله ليس دونه شيء، ثم أيضاً من معاني الباطن أنه الخفيّ الذي لا يعرف كنهه لا تستكيع أن تعرف كنه هذا الرب الجليل القوي الحيّ الذي لا يموت لا أحد يستطيع أن يعرف كنهه فهو باطن وهو ظاهر بأدلته وبراهينه. ثم (وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) لا يخفى عليه شيء السماء ولا في الأرض وينبغي أن تتدبر أنت أيها الإنسان أنه (وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ (61) يونس) الله يراك وأنت تفيض في أي عمل كائناً ما كان. ثم (هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) لا خالق غيره البتة فهو الحالق لكل شيء. ثم استوى على العرش وينبغي أن لا ننشغل كما انشغل كثيرون في كيفية استواء الله فهذا أمر مجهول في مجهول كيفية استواء الله أو أي صفة من صفات الله لا ينبغي أن نقف عندها فنحن جاهلون في هذا الأمر لكن اللغة العربية تطلق على علو الملك جل جلاله على عرشه وتملكه تطلق عليه “استوى على العرش” فمن مقتضيات الاستواء على العرش أنه هو الملك، هذا من مقتضيات الاستواء ولا نقول هو الاستواء، الاستواء معلوم ولكيف مجهول لكن من مقتضيات استواء الله على العرش أنه هو الملك فهو المدبر وهو الآمر وهو الناهي والأمر إليه جل جلاله وعظم شأنه. ثم (يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا) ثم (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) وينبغي أن نعتقد هذه عقيدة يقينية أن الله معنا أينما كنا لكن بما أنه استوى على العرش وأنه بائن عن خلقه وأنه في السماء (أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء (16) الملك) (يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ (50) النحل) فقد فسر الله الصحابة هذه المعية بمقتضياتها وهي العلم والاطلاع والسمع والبصر والإحاطة جل جلاله وعظم شأنه فالله معنا.
د. الشهري: ويؤيدها قوله تعالى (قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (46) طه)
د. الحسن: ثم قال (وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) مع أنه ذكر العلم مرتين فيما سبق قال (وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) لأن الآية أرادت أن تغرس شعور المراقبة أن الله يعلم بعملك حينما نقول أن الله عليم ويعلم ما يلج في الأرض لكن فرق عظيم بين هذا وبين أن نقول الله يعلم بما تعمل الله بصير بما تعمل فحينئذ يأخذ الإنسان شيء من الرهبة يستثير المراقبة لله رب العالمين وأن الله بصير بما نعمل. ثم أكد على أن له (لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) وإن كان ذكر الملك من قبل ابتداء لكن ذكر الملك هنا ليبني عليه أنه هو الذي يحيي ويميت ولكن ذكر الملك مرة أخرى ليبين أنه هو الذي ترجع إليه الأمور فكل أمر لا بد أن يرجع إليه وهذا هو الملِك حقيقة، ترجع إليه جميع الأمور ابتداء وانتهاء، ابتداء (وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) وانتهاء (وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ) بمعنى أن الخلائق ترجع إلى ربها يوم القيامة ومن مقتضيات (وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ) أن كل شيء هالك إلا وجهه سبحانه وتعالى. ثم قال (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) تأمل مرة ثانية يعود إليك أنت أيها الانسان مع أنه ذكر العلم المطلق وأنه لا يخفى عليه شيء وأن بكل شيء عليم بل وذكر العلم بما نعمل لكن هنا قال (وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) لأن مما في الصدور أسرار قد لا تنطق بها فالله سبحانه وتعالى يعلم السر وأخفى السر ما تضمره، أخفى ما لم تضمره بعد وسوف تضمره فالله سبحانه وتعالى لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء
د. الشهري: فتح الله عليك، حقيقة هذه الأسماء والصفات التي حشدها في أول السورة تثير الرهبة والإجلال له سبحانه وتعالى.
د. الشهري: وقفنا عند طريقة القرآن الكريم في تحقيق الإيمان في النفوس وذكرت أدلة في غاية الروعة من هذه الأسماء والصفات التي ذكرها في أول سورة الحديد ذكرت أكثر من 15 اسماً وصفة، هذه الطريقة الأولى هل هناك طريق أخرى في السورة؟
د. الحسن: كما قلت أن السورة الغرض الرئيس لها تحقيق الإيمان في قلوب المؤمنين، تثبيت الإيمان، بيان حقيقة الإيمان الذي يؤثر في السلوك، يدفع لعمل الصالحات، يمنع من ارتكاب الموبقات والسيئات، هذا الايمان الحقيقي النافع المؤثر في الدنيا والآخرة. الأمر الأول وهو تعريف العباد برب العباد، تعريف العباد بالله وهذا بحشد الصفات والأسماء والأفعال لله رب العالمين. ثم الطريقة الثانية التذكير بدور القرآن (وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (8) هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (9)) فالتذكير بدور الرسول صلى الله عليه وسلم وبدور القرآن وهذا يدعونا أن نتدبر كتاب الله وأن نتدبر هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن يريد أن يكون مؤمناً حقاً إنسان يدّعي الإيمان وهو لا يتدبر كتاب الله ولا يعمل به ولا يستثير الإيمان بهاذ القرآن ثم لا يعتني بهدي رسول الله ولا بسنة رسول الله نقول أنت بمعزل عن الإيمان قد يكون معك شيء من الإيمان لكن الإيمان الحقيقي الذي يؤثر في السلوك والذي يرضي الله أنت بمعزل عنه. ثم من طريقة القرآن في تثبيت الإيمان في قلوب المؤمنين تذكير بدور الإيمان في عرصات يوم القيامة (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ). ثم علاج قسوة القلوب وهذا عائق عظيم من عوائق الإيمان (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ) هم آمنوا لكنهم مؤمنون قساة قلوب فينبغي أن تعالج هذه القسوة لتصل إلى الإيمان المطلوب. ثم التذكير بالبلاء الأكبر بالعائق الأكبر بلية مصيبة ابتلينا بهذه الطامة وهي حب الدنيا فتأتي السورة لتقضي على هذا البلاء (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا) انتهى كل شيء هذه دنياك، نبات سرعان ما يذبل فينبغي للمؤمن العاقل أن يستغل وقت الربيع وهو حياة المؤمن، هذه الحياة فرصة ذهبية لا تتكرر أبداً كما أنك وجدت في بطن أمك مرة واحدة لا تتكرر هذه الفرصة، فالدنيا فرصة واحدة لت تتكرر فمن خاب وخسر فيها فلن يفلح ابداً إذن لا ينبغي أن نعظّم الدنيا التعظيم الذي يعوقنا عن الوصول إلى أفق الايمان الذي يرده الله. ثم التذكير بأهمية الجنة (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) ليست الدنيا فضل الله إنما الفضل الحقيقي النعيم المقيم الأبدي هو الجنة هذه طريقة القرآن. ثم التذكير بالمصائب وهذا أمر مهم التذكير بالمصائب وأنها قضاء وقدر وأنه لا ينبغي للمؤمن أن لا يفكر فيما سيصيبه بعض البُله يفكر بما سيصبه ولم يصبه بعد فتأتي السورة لتعالج هذا الداء وهذا البلاء فالبعض ينشغل بالمصائب فينبغي لمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يعتقد أن المصائب قضاء وقدر وأن الأمر أهون من أن ننشغل بشيء منه (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ (23)) لماذا جعلنا هذا من تثبيت الإيمان في قلوب المؤمنين وتحقيق الإيمان في أنفس المسلمين؟ لأن البعض ينشغل بالمصائب انشغالاً يعوق عن الله وعن الدار الآخرة تصبح مصيبته هي همه الأكبر يقوم يقعد ينام يفكر يبذل في سبيل مصيبته وهذا جهل، أنت ما خُلقت لهذا ما خلقت لتحصيل الدنيا (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ) وما خلقت لدرء المصائب فالأمر أهون من هذا (لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ) مهتمك أكبر مهمتك أعظم خلقت لطاعة الله لعبادة الله لأن تجد مكاناً لك في جنة عرضها السموات والأرض، فما عدا ذلك أمر يسير. هذه طريقة هذه السورة في تثبيت الإيمان وتحقيق الإيمان الحقيقي في أنفس المؤمنين
د. الشهري: فتح الله عليك، ربط رائع جداً بين موضوع السورة وبين هذه النقاط, نعود إلى الآية التي تحث على الإنفاق وطريق السورة في الحث على الانفاق في قوله سبحانه وتعالى (وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ)
د. الحسن: من رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده المؤمنين أن الله علم ضعف الإنسان ومن ضعفه حبه للمال ولذا لم يكتفي الله جل جلاله بوجود الإيمان في قلوب المؤمنين وإيمانهم بالله جل حلاله وأنه أهل لأن يطاع بل أوجد بعض الحوافز والدوافع التي تدفع للإنفاق وتمنع من البخل. انظر إلى طريقة بعض آيات السورة في علاج هذه القضية كلنا يحب المال وكلنا يخشى الفقر كلنا يكره أن ينفق إلا من رحم الله ممن يعتبر شاذاً. الله سبحانه وتعالى أوجد بعض المحفزات للإنفاق أولاً (وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ) المال أنت خليفة فيه وهو عرضٌ زائل ذهب عن غيرك وأتاك وسوف يذهب إلى غيرك فما دام بين يديك وأنت الآن الخليفة والدور دورك أنفِق منه، فهو تذكير أن المال عرض زائل فأنت مستخلف فيه وهذا يحتمل احتمالات منها أن الله جعلك وكيلاً عليه ثم أن المال دوّار يذهب اقوام ويحل محلهم آخرون فيملكون ما كان يملكه السابقون فأنت خليفة لمن سبقك في هذا المال. ثم انظر قول الله سبحانه وتعالى (فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ) لهم أجر كبير، ثم تأمل (وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) الله سبحانه وتعالى سيرث كل ما تراه وما كلكته أنت سيكون ملكاً لله انتهاء كما أنه ملكه ابتداء. ثم قال (لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا) في وقت الأزمات ووقت الشدة يعظم الأجر فينبغي للإنسان أن يستغل وقت أزمة وقت شدة. المقصود بالفتح هنا فتح مكة على القول المشهور أو صلح الحديبية كلاهما فتح والأقرب أنه فتح مكة. ثم قال (مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ) فالله سبحانه وتعالى من كرمه وجوده ولطفه ودفع المؤمن ليهون عليه البذل جعله قرضاً لله وليس قرضاً للفقير، فأنت لا تعطي الفقير أنت تعطي الله سبحانه وتعالى كأنك تقرض الله. ثم المضاعفة (فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ) هذه بعض المحفزات على النفقة
د. الشهري: في قوله تعالى (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) هل يمكن أن نتوقف عند هذه الآية
د. الحسن: الآية واضحة بنفسها وجلية بنفسها لكن أن نحتاج إلى أن نفتح قلوبنا وليس فقط أن نفتح آذاننا، القرآن لا يفيد من يسمعه يفيد من يستمعه والاستماع معناه فتح القلب لهذا القرآن حتى يلج (وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204) الأعراف) فالسامع لا يستفيد كثيراً إنما المستفيد هو الذي يستمع فأنا أقول للمشاهد إستمع إفتح قلبك (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) هذا النور في عرصات القيامة فليس ثمّ نور إلا نور العمل والإيمان ويعطى المؤمنون نورهم بقدر إيمانهم وأعمالهم فمنهم من يمتد نوره بين أيديهم فتجد أن نوره ممتد لعظمة إيمانه لعظمة المصدر مصدر النور هذا وهو الايمان والعمل الصالح. ومنهم من يكون نوره بين يديه بالكاد يرى طريقه لضعف إيمانه هذا معنى (بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم) بين يديه فقط. ثم أنهم وهم في عرصات القيامة لم يرحلوا بعد يبشرون بالأجر الأكبر (بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا) المسألة مسألة وقت انتظروا قليلاً هو (فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4) المعارج) لكنه بالنسبة للسعيد الآمِن المطمئن الذي سلِم من البلايا والرزايا، شمس تدنو قدر ميل وزحام شديد وحر شديد وعرق يكاد يلجم الإنسان وخوف من المجهول فهؤلاء لهم فما دام أنهم آمنون مطمئنون (لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (103) الأنبياء) ثم يظللون تحت ظلال العرش فطال الوقت أو قصر لا يعنيهم الأمر هم في سعادة ولذلك روي أن هذا اليوم، هذا الوقت الطويل يقصر في حق المؤمن حتى كأنه ساعة لأن أيام الأنس والفرح قليلة مهما طالت.
د. الشهري: سؤال هل معدن الحديد له ميزة على بقية المعادن ولذلك ذكر في السورة؟
د. الحسن: نعم آلات الجهاد لا تصنع من فضة ولا نحاس ولا من ذهب إنما تصنع من الحديد فالدبابات والطائرات والمدافع وغيرها من آلآت الحرب والسيوف قديماً كلها تصنع من الحديد والله ذكر الحديد في هذه السورة لنصرة دينه.
د. الشهري: ذكرت الوقفة مع المؤمنين ونورهم، وجاء بعدم الحديث عن المنافقين تحدث عن المؤمنين ثم تحدث عن الكافرين وواضح صلتها بالإيمان وتحقيق الإيمان
د. الحسن: أولاً ينبغي لمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يخاف من النفاق مما يؤسف له أن البعض ممن يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله يخيل لهم أن النفاق بعيد عنهم وأنهم ليسوا منافقين بينما من يتدبر القرآن يعلم أن كثيراً ممن يشهد أن لا إله إلا الله وهو صادق هو من المنافقين لأن النفاق نوعان نفاق الاعتقاد وهو إبطان الكفر وإظهار الإسلام وهذا لا حديث معه هذا كافر بل في الدرك الأسفل من النار لكن المشكلة مع النفاق العملي إذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس لا يذكرون الله إلا قليلا لا ينفقون إلا وهم كافرون، إذا وعد أخلف إذا حدّث كذب وإذا اؤتمن خان، لكن المصيبة أن كثيراً من المسلمين لا يعلمون أن النفاق العملي قائد وسائق إلى النفاق الاعتقادي فإذا أحاطت الصفات العملية بهذا المسلم وهو مسلم قادته إلى النفاق الاعتقادي فيهون عليه الاستهزاء بدين الله والإعراض عن دين الله وعدم تعلم كتاب الله وعدم البذل في سبيل الله ولا يزال يضعف ويضعف حتى ينسلخ من الايمان ولذا في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر صفات المنافقين العملية قال (هو منافق وإن صلّى وصام وزعم أنه مسلم) فهو منافق حقيقي ليس لذاتها بل لأنها تقود والله تعالى ذكر عن أهل الكتاب السابقين أنهم كفروا بسبب معصية قال (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ (61) البقرة) فالمعاصي والاعتداء على حدود الله قد تقود إلى الكفر والعياذ بالله. أما الوقفة في هذه السورة مع المنافقين فمرة ثانية أقول للأخ ضعيف الإيمان وكلنا ذلك الرجل عليه أن يفتح قلبه ويتدبر هذه الآيات (يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا) ارجعوا وراءكم على قول بعض المفسرين النور لا يستدرك هنا إرجعوا إلى الدنيا الذي لا يحمل نوره من دنياه لن يأتي يوم القيامة معه نور، إرجعوا وراءكم فالتمسوا نوراً يعني إن كنتم تستطيعون فارجعوا إلى موطن الزاد وتزودوا وهذا لا يمكن وقد يكون استهزاء لكن قال المؤمنون ارجعوا وراءكم فالتمسوا نوار (فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ) جدار قيل أنه هو الحجاب المذكور في الأعراف (وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ (46)) (بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ) من قبل المؤمنين (وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ) من قبل المنافق (يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ) تأمل أخي المؤمن المنافق مع المؤمن يتزوج ابنته ويعاشره ويخالطه ويتسمى باسمه ويتولى المناصب وقد يخرج مجاهداً ويصلي معهم لكنه منافق (يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاء أَمْرُ اللَّهِ) أنتم كنتم في الدنيا معنا، (فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاء أَمْرُ اللَّهِ) أمر الله هو الموت فلا يزال هذا المنافق يفتن نفسه ويتمنى الأماني ومن تلك الأماني كما قال بعض المفسرين أن يقول سيغفر لنا، يفعل الطامات والبلايا ويقول سيغفر لنا كما وقع من بعض أهل الكتاب (يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَـذَا الأدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا (169) الأعراف) أو أن الله غفور رحيم أو نحو ذلك من أماني ومن تعللات لا تفيد شيئاً في واقع الأمر فأصبح ليس مع هذا المنافق إلا هيكل الإيمان ظاهر الإيمان لكن في الداخل كأنه سيارة هيكل لكن بدون آلآت داخلية فمثل هذه السيارة لا تسير هكذا هذا المنافق ليس معه إيمان ينفعه يوم القيامة (فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33) لقمان) الغَرور الشيطان، غرهم الشيطان فلا زال الشيطان يوسوس لهم ويعرض لهم من مناصب وجاه ومكانة في الدنيا فيغترون بما هم فيه والعياذ بالله.
د. الشهري: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ) تتحدث عن علاج قسوة القلب وما علاقتها بموضوع السورة وهو تحقيق الإيمان؟
د. الحسن: علينا أن نفتح قلوبنا لهذه الآية (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ) الآية هذه لها ارتباط بموضوع السورة وهو تحقيق الإيمان في قلوب المؤمنين لأن من معوقات الوصول إلى الايمان المطلوب قسوة القلوب فجاءت هذه الاية لتعالج هذه القضية. أولاً قسوة القلوب بلية ومصيبة لأن الله تعالى ذكر في معرض ذمّه لأقوام (لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً (13) المائجة) مما يدل على أن قسوة القلوب عقوبة مقارنة للعنة والعياذ بالله! وينبغي لكل من يؤمن بالله واليوم الآخر أن يفتش عن قلبه صباح مساء وأن ينظر هل فيه شيء من القسوة. هل قلبه فيه اللين المطلوب بحيث يخشع لذكر الله وما نزل من الحق وهو القرآن وهنا يأتي دور العلاج. أولاً قول الله تعالى (أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ) فمعنى هذا أن من علاج قسوة القلوب ذكر الله فالاكثار من ذكر الله سبب من أسباب العلاج. ثم (وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ) وهو القرآن فالقرآن علاج لقسوة القلب ولكني كأني أتوجس من بعض المستمعين أن يقول أنا اكثر من ذكر الله وقد ختمت القرآن عدة مرات ولم أجد اللين المطلوب فأسأل أخي السائل هذه الأسئلة: وأنت تذكر الله هل أنت ممتثل لقول الله تعالى (وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ (205) الأعراف) فذكر الله النافع ما يكون في تضرع وخيفة، هل وأنت تدعو الله ممتثل لقول الله تعالى (ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً (55) الأعراف) فالدعاء النافع ما فيه تضرع، هل وأنت تتلو كتاب الله ممتثل لقول الله (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ (24) محمد) أم أنه هذّ كهذّ الشعر دون تحريك للقلب دون تحريك للمعاني دون سؤال عند كل آية ماذا يريد الله مني؟ فحينئذ لا يكون القرآن شفاء لصدرك ما لم تتدبره، هل وأنت تصلي تحققت بقول الله تعالى (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) المؤمنون) هل وأنت تعمل أي عمل لله رب العالمين كنت من المحسنين؟ ممن يعبد الله كأنه يراه إذا كنت كذلك فأبشِر
د. الشهري: لعل هذا جواب للسؤال: هل إذا شعر الإنسان بالراحة بعد بذل الجهد في الطاعات يكون ممن يأمن مكر الله وهل صحيح أن الإنسان عليه أن يتهم نفسه حتى لا يقع بالعجب؟
د. الحسن: لا بد من هذا وهذا ولا شك أن الشعور بالفرح بعد الطاعة هذا من عاجل بشرى المؤمن وهذه من ثواب المؤمن المعجل لأن الله سبحانه وتعالى قال (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً (97) النحل) ومن الحياة الطيبة التلذذ بذكر الله التلذذ بالطاعة التلذذ بالسجود الفرح بعد النهاية من عبادة عظيمة فلا شك أن هذا من الثواب المعجل للمؤمنين.
د. الشهري: ننتقل إلى الآية التي تتحدث عن الحديد (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ)
د. الحسن: أمرّ على موضوعين أطالب المشاهدين أن يقفوا عندها السورة تعالج مرض حب الدنيا وعشق الدنيا بقول الله (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ) وتعالج الإعراض عن الآخرة وكونها في المرتبة الثانية عند بعض الطيبيبن يجعلونها في المرتبة الثانية وقت فراغهم وقت عدم انشغالهم يكون للدار الآخرة تعالجها (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ) ثم السورة علاج للمصائب بعض الناس ينشغل بمصيبته حتى أنه ينشغل عن ولده وعن مصالحه الدنيوية فضلاً عن مصالحه الأخروية وعلاج هذا بقوله تعالى (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) وأذكر بآية في سورة التوبة (قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51) التوبة) في هذه الاية بلسمان شافيان لكل مصاب أولاً قل لن يصيبنا فلن يصيبك شيء إلا إذا كان كتب بعض الجهلة يخاف من المستقبل المجهول ثم (مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا) أيّ مصيبة تحل بالمؤمن هي له سواء خيراً أو شراً فهي خير له
د. الشهري: وهذا حديث “عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير”
د. الحسن: ننتقل إلى آية الحديد. من ضمن تأكديات السورة على تثبيت حقيقة الإيمان هو نصر الله لا بد أن يكون المؤمن وأن يوطّن نفسه على أن يكون من أنصار الله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ (14) الصف) فينبغي لكل من نطق بالشهادة كل من قال لا إله إلا الله أن يعتبر نفسه نصيراً لله ولرسول الله ولدين الله وأن هذه هي المهمة الأولى نصرة الله ثم يأتي قضية الانشغال بالمعاش والطعام وعلاج مصيبة وولد هذه أمور ثانوية، الأمر الأول أن تكون من أنصار الله ولذا قال الله سبحانه وتعالى (وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ) أنت ما رأيت الجنة وأنت موعود بالجنة إن نصرت الله أنت لم تر الله الذي يتعبده هذا كله غيب ولكن إيمانك يحملك أن يصل الأمر إلى التضحية بالنفس في سبيل الله في سبيل إرضاء الله في سبيل نصرة الله لهذا الغيب الذي آمنت به ولم تره. الله سبحانه وتعالى أراد منا أن نكون انصار له وأنصار لرسوله وأنصار لدينه وليس بحاجة ولكن (وَلَوْ يَشَاء اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ (4) محمد) هو ابتلاء هو امتحان هو كشف حقيقة الإيمان فالمنافق يقول أنا مؤمن وضعيف الإيمان يقول أنا مؤمن فمن الذي يصدق عليه لفظ الإيمان (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا (15) الحجرات)
د. الشهري: كأني أفهم أن ذكر الحديد هنا أن من أبرز المواقف التي يظهر فيها تحقيق الإيمان موقف الجهاد في سبيل الله وجاء الحديد هنا كرمز له
د. الحسن: عموماً نصر الله بالجهاد وغيره من المواقف الصعبة قد يكون جهاد الكلمة أثقل من جهد السلاح فينبغي لكل من يؤمن بالله واليوم الآخر أن يكون نصيرا لله بقدر ما يستطيع لكن أن يجعل هذه القضية همه الأول أولاً نصرة الله وثانياً الدنيا والمعاش والولد لا كما يفعله كثير من المسلمين ولذلك خسروا الدنيا وقد يخسرون الآخرة هو أن تكون الدنيا رقم واحد فيحرموا من الدنيا وقد يحرمون من الآخرة
د. الشهري: نسأل الله العفو والعافية. عندي سؤال حول معلومة تتكرر في الاعجاز العلمي يقولون سورة الحديد 57 في ترتيب النزول وهذا يوافق العدد الذري والوزن الذري للحديد فأنا راجعت المعلومة ووجدت أن سورة الحديد ترتيبها 57 فعلاً وقالوا أن الوزن الذري للحديد 57 لكن الصحيح أن الموجود في جدول العناصر أنه 55.8 وليس 57 العدد الذري للحديد هو 26 والآية التي ورد فيها ذكر الحديد هي الآية 26 بشرط أن تعتبر البسملة آية فالمسألة غير منضبطة
د. الحسن: لي كلمة أولاً الاغراق في قضية الاعجاز العلمي ضرره أكثر من نفعه نحن لا ننكر الإعجاز العلمي الحقيقي المبني على نظريات مشاهدة مثل قضية الجنين أما التعلق بنظريات أشبه ما تكون بالوهميات فينبغي أن لا يربط كتاب الله بهذا أولاً لأنه قد يحمل على تكذيب كتاب الله إذا ثبت غير هذا وثانياً أنه يشغل عن المقصود الأعظم لكتاب الله تحقيق الايمان، الاهتمام بالدار الآخرة طاعة الله سبحانه وتعالى وليس بمثل هذه الجزئيات.
د. الشهري: فتح الله عليك.
***************
الفائز بحلقة الأمس: وفاء محمد
سؤال الحلقة: آيات من القرآن من الجزء السابع والعشرين كانت سبباً في دخول جبير بن مطعم رضي الله عنه في الإسلام بعد ذلك فما تلك الآيات؟