برنامج التفسير المباشر

التفسير المباشر – 1432 هـ – سورة الزخرف

اسلاميات

الحلقة 137 – سورة الزخرف

ضيف البرنامج في حلقته رقم (137) يوم السبت 13 رمضان 1432هـ هو فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن عبدالعزيز الخضيري الأستاذ المساعد بجامعة الملك سعود .

وموضوع الحلقة هو :

– علوم سورة الزخرف .

– الإجابة عن أسئلة المشاهدين .

 

د. الشهري: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسلمياً كثيراً. أيها الإخوة المشاهدون في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلاً وسهلاً بكم مع برنامجكم اليومي التفسير المباشر. باسمكم جميعاً أرحب بضيفنا في هذا اللقاء هو فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن عبدالعزيز الخضيري أستاذ الدراسات القرآنية بجامعة الملك سعود وعضو الهيئة العالمية لتدبر القرآن الكريم. اليوم سوف يكون حديثنا حول سورة الزخرف.

تعودنا على أن نبدأ الحديث عن اسم السورة سورة الزخرف وبدأنا منذ أيام مع ضيوفنا الكرام حول سور الحواميم ومميزاتها فلعلك تضيف إذا عندك إضافة حول فضل الحواميم ومميزاتها ثم نبدأ باسم السورة.

د. الخضيري: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. هذه السورة العظيمة سورة الزخرف هي أحد هذه الحواميم. والحواميم تتحدث في غالبها عن القرآن وأساس دعوته، دعوته إلى التوحيد ومجادلة هؤلاء المشركين وقد سميت الحواميم عند العلماء وسماها الصحابة “ديباج القرآن”. سورة الزخرف أخذت بعداً معيناً في الدعوة دعوة القرآن، ودعوة القرآن هي دعوة التوحيد فيؤتى في هذه السور بذكر القرآن والإشادة به ثم الدعوة إلى التوحيد ثم أخذ زاوية من الزوايا المعينة للدعوة إلى التوحيد إما أن تكون بالترغيب أو الترهيب أو تكون بمجادلة المشركين والاعتراض عليهم وإبطال حججهم أو ذكر الأشياء التي يعترض بها الناس على قبول دعوة التوحيد كما في هذه السورة الزخرف، يعترضون على دعوة التوحيد بالزخرف يعني بمتاع الدنيا الزائل وهذا المعنى جاء جلياً ظاهراً في هذه السورة كما سنتحدث عنه في موضوع السورة. أُنظر مثلاً في قول الله عز وجل (وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ)

د. الشهري: يعني شخصية بارزة

د. الخضيري: ما هي سمات هذا البروز؟ لماذا اختيرت عظمة هذا الرجل الذي يطلبونه؟ ولماذا ينصون على أناس معينيين؟ لاعتبارات دنيوية بحتة جداً أما الاعتبارات الحقيقية من التجرد الحق والتخلق بالخلق الفاضل وغير ذلك من الأسباب التي يعلمها الله ولا نعلمها (اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ (124) الأنعام) فهذا بعيد. ولذلك قال عز وجل (وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ (33) وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِؤُونَ (34) وَزُخْرُفًا (35)) هذا الزخرف ليس له مقام عندنا، لولا أن يكون فيه فتنة للناس فيكفروا جميعاً لجعلنا لكل من يكفر الذهب والفضة متاحاً حتى في بناء بيوتهم

د. الشهري: تعجيل لها في الدنيا

د. الخضيري: ليست بشيء عند الله، لو كانت هذه الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء. ثم يُختار في القصص شيء يدل على هذه الحقيقة، في قصة موسى بماذا يعيير موسى؟ نفس قصة محمد صلى الله عليه وسلم، ماذا قال فرعون؟ (وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴿٥١﴾ أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ ﴿٥٢﴾ فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ ﴿٥٣﴾) يعني ميزان العظمة والأبهة والاختيار والتكريم والتعظيم هو هذا البهرج “الزخرف” هذه موازين أهل الدنيا وهذا الذي يجعلهم يردون الحق ولا يقبلونه. دعوة التوحيد الواردة في هذه السورة وفي كل القرآن لم يرجها هؤلاء بأي حجة إلا بمثل هذه الحجج الواهية ولذلك الله عز وجل عندما يذكر جزاء المتقين في الجنة يقول (يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ ﴿٦٨﴾ الَّذِينَ آَمَنُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ ﴿٦٩﴾ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ ﴿٧٠﴾ يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ ﴿٧١﴾) الذهب هناك! (وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) قارن بين زخرف الدنيا ومتاعها وبين هذا الذي يعدكم الله عز وجل به وأنتم إنما خُلقتم لأجل الاستعداد له ستجد البون شاسعاً. ولذلك أنا أقول هي دعوة للتوحيد الذي جاء به هذا القرآن المعظم في هذه السورة (حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ) عبر رد هذه الفرية أو هذه الحجة التي يحتج بها المشركون في كونهم يردون دعوة التوحيد. في قول الله عز وجل (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ ﴿٥٧﴾) ثم قال (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ﴿٦١﴾) الحديث عن مزايا عيسى عليه السلام، لماذا اختير عيسى من سائر أنبياء الله ورسله؟ لأنه اشتُهر أنه أزهد الناس في الدنيا وأنه كان زاهداً متعففاً عنها بعيداً عن مباهجها عليه الصلاة والسلام فاختياره قد يكون لتحقيق هذه الحكمة. ولأن العرب كانت تسمع من النصارى وترى من آثار رهبانهم وغيرهم التجافي عن الدنيا والبعد عنها فيقال انظروا إلى هذا الرجل الشريف العظيم ماذا كانت الدنيا في عينه؟ وكم كانت تساوي من مقدار في قلبه وفي نفسه؟ (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ) يعني سيكون عيسى عليه الصلاة والسلام آية من آيات الساعة عندما ينزله الله عز وجل في آخر الزمان.

د. الشهري: هل بالنسبة لاسمها الزخرف هل ورد لها أسماء أخرى في كتب السير؟

د. الخضيري: لم أسمع لها باسم غير هذا الاسم

د. الشهري: هل ورد شيء في فضلها خصّها بشيء؟

د. الخضيري: تعلم أن الوارد في فضائل سور القرآن قليل، السور التي ورد لها فضائل خاصة قليلة جداً لكن هناك فضائل عامة، فهذه السورة من المثاني والمثاني عدلت بالانجيل قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أبو داوود “أوتيت مكان التوراة السبع وأوتيت مكان الزبور المئين ومكان الإنجيل المثاني وفُضِّلت بالمفصّل”

د. الشهري: فإذن هي تدخل في هذا الفضل العام إضافة إلى فضلها من فضل سائر القرآن الكريم، وقت نزولها لا شك أنه في مكة؟

د. الخضيري: اختُلف في آية هل هي مكية أو مدنية وإلا فالأصل أنها سورة مكية

د. الشهري: تحدثنا في أكثر من حلقة حول ضوابط معرفة المكي والمدني وأسلوب السورة كيف يستدل على أنه مكي أو مدني ويبدو أنه من خلال حديثنا سيتضح أنها مكية.

د. الخضيري: موضوعات هذه السورة وخطابها ستجزم بلا شك أنها سورة مكية

د. الشهري: دعنا نتوقف مع مقاطع هذه السورة، نبدأ من أولها.

د. الخضيري: استفتحت بقوله (حم) التي تسمى بها هذه المجموعة، سبع سور (الحواميم أو أل الحواميم) يقال هكذا وهكذا

د. الشهري: أريد أن أنبه أن هناك كتابان وأظن هناك كتاب ثالث للدكتور محمد محمد أبو موسى حول دراسة سور الحواميم دراسة بيانية في غاية الروعة والجودة فأنا أنصح المشاهدين بقراءة هذه الكتب وخاصة طلبة العلم والباحثين، الكتب الثلاثة له.

د. الخضيري: هي سبع سورة وهذا يتناسب مع قضية العدد في القرآن، اختيار السبع والخمس مثلاً الحمد وردت خمس مرات ومادة (سبّح) وردت سبع مرات افتتحت بها سورة القرآن، وحم سبع مرات والمسبحات سبع سور. وهنا الحواميم سبع، هذه سورة حم افتتحت بقوله (حم ﴿١﴾ وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ ﴿٢﴾) نفس الافتتاحية التي جاءت في سورة الدخان ففيها تعظيم لهذا الكتاب ووصفه بالإبانة وبالفعل لما تقرأ هذه السورة تبين لك عن معانيها ومقاصدها وما تهدف إليه بشكل لا يحتاج معه الإنسان حتى إلى التفسير من شدة وضوح الحق فيها، حتى لما يُدعى إلى التوحيد ويجادل المشركون فيه تجد أن الأدلة في غاية الوضوح وفي تمام الإبانة سبحان الله. فالقَسَم بهذا (وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ) في غاية التناسب مع المُقسَم عليه. قال (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴿٣﴾) أيضاً وصفه أنه عربي وكوننا نعقل أي لأجل أن نعقل هذا الكتاب يدل على أي إنسان عربي يفهم الكلام العربي يستطيع أن يأخذ الحق من هذا الكتاب دون أي إضافات أخرى أو مواد أخرى. قال (أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ ﴿٥﴾) يبين عظمة هذا الكتاب في السماء فليكن عظيماً في الأرض. ثم يقول عز وجل هل تظنون أننا سنعرض عنكم ولا نذكركم لأنكم كنتم قوماً مسرفين؟ هذا لا يكون فالله يذكر من سيقبل هذا الكتاب ومن سيرفضه من أجل أن تقوم الحجة على الخلق أجمعين. ثم يبين أنه قد أرسل فيمن قبلنا رسلاً ولكن هؤلاء الرسل قوبلوا بمثل ما قوبل به محمد صلى الله عليه وسلم ففيها تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم. ثم يبين أيضاً باختصار شديد وهو اختصار لهذه السورة (فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ ﴿٨﴾) يعني هؤلاء الذين كفروا واستهزأوا وكذبوا وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم فأهلكنا أشد منهم بطشاً بطش الله بهم بطشاً شديداً. ثم جاءت الدعوة، الآن جاء الحوار في حقيقة التوحيد (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ ﴿٩﴾) يقرون بأن الله هو الخالق الرازق المدبر المتصرف بالأمور كلها سبحان الله، إذن فأين لازم ذلك؟ (أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ) كما قال في أول آية في القرآن أمر فيها بالتوحيد نصّاً عبر (يا أيها الناس) قال (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) البقرة) اعبدوا لأنه الذين خلقكم، لعلكم تتقون (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ (22)) أي دلائل التوحيد. وهنا نفس العملية بعد جوابهم استمرت الآيات تذكر دلائل التوحيد (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴿١٠﴾ وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ ﴿١١﴾ وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ ﴿١٢﴾) وفي طيات ذلك يذكر بأشياء على عادة القرآن أنه لا يهمل إشارة إل معنى عظيم من دلالات القرآن إلا ويشير إليها (فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ) استدلال على البعث، وفي قوله (لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ ﴿١٣﴾ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ ﴿١٤﴾) وهذا دعاء الركوب هذا هو الدعاء الذي يقوله كل مسلم عندما يركب دابة أو سفينة أو طائرة أو سيارة يقول هذا الدعاء وقد جاء النص عليه في السنة النبوية. قال (وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا) هذه قضية التوحيد الموجودة في السورة، بدأت من قوله (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ ﴿٩﴾) هذا إقرار لهم وإلزام وإفحام ثم بدأ الآن الحديث معهم بالحجة والمجادلة والحوار (وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنسَانَ لَكَفُورٌ مُّبِينٌ) هذا من شدة كفرانهم كما أن هذا الكتاب مبين من شدة الحق أنتم كفركم أيضاً مبين يعني واضح ما جعلتم لله على أنفسكم سبيلا واضح الكفر! أوضح من هذا الكفر لا يوجد! قال (وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ ﴿١٥﴾ أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ ﴿١٦﴾) أين عقولكم؟ حتى سبحان الله ادّعوا لله الولد وقد كذبوا ثم ادعوا أن لله البنت ثم هم يستقذرونها ويهينونها ولا يستبشرون بها أصلاً قال (أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ) هذه الفرية الثانية. ثم كونهم عبدوا هذه الأشياء من دون الله عز وجل التي اتخذوها قال (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ ﴿١٧﴾ أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ ﴿١٨﴾) (فِي الْحِلْيَةِ) يقصد الإناث، (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا ﴿١٩﴾) هذه فرية ثالثة زعموا أن الملائكة بنات الله من قال لكم ذلك؟ ولذلك تأتي الخصومة عجيبة قال (أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ) من أين لكم هذا؟ هل جاءكم عن طريق نبي؟ أو كتاب؟ أو دلائل تاريخية واضحة يستند إليها أو مجرد افتراءات؟ (أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) هذا الترهيب (أ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ). الفرية الرابعة (وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ ﴿٢٠﴾) افتروا على الله عز وجل في كونهم يقولون قد رضي ما نحن فيه لأنه قدّر لنا ذلك يعني استدلال بالقدر على صحة ما يفعله الإنسان، لو كان الذي أنا فيه ليس صحيحاً ولا سليماً لكان الله عز وجل لا يرضاه لي ولا يقدره عليّ. نقول هناك فرق بين أن يقدّر الله عز وجل الشيء وبين أن يرضاه فتقديره لا يعني رضاه فقد خلق الكفر وخلق ابليس ومع ذلك لا يرضى الله عز وجل لا هذا ولا هذا (مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ) نفي قاطع، (إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) يخرصون يكذبون رجماً بالغيب. قال (أَمْ آَتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ ﴿٢١﴾) أين الكتاب الذي يستمسكون به؟ ما عندهم ولا كتاب. (بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ ﴿٢٢﴾) هذه هي حجتهم (إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ) أي على طريقة ودين وملة (وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ) اختار هنا الاهتداء لأنهم يجادلون يقولون نحن على الهدى على بينة نعرف الطريق، أين هو الطريق؟ أين هو الكتاب؟ أين هي الحجة؟ لا يوجد إنما هي دعاوى وألفاظ جوفاء ليس تحتها أي عبارة ولا أي معنى. قال (وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ ﴿٢٣﴾) (قَالَ مُتْرَفُوهَا) ذكر هذه الفئة بالذات لأن هذه التي تغتر دائماً وتخاف على مناصبها من دعوة الحق لأنه تخشى إن دخلت دعوة الحق تفقد المناصب والمميزات ثم أيضاً ستتساوى مع سوقة الناس ورعاعهم، يعني أنا أبا جهل أصير مع بلال هذا العبد الحبشي؟! لا يمكن، هذا لا يمكن، أدخل جهنم ولا أكون مساوياً له! والعياذ بالله. ولذلك قال (قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ) على طريقة وملة (وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ) لاحظ لما ذكر المتقدمين ذكر الاقتداء ولم يذكر الاهتداء لأنهم كانوا على عمى، نحن نريد أن نتبع آباءنا على ما كانوا بحجة أو بغير حجة. قال عز وجل (قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آَبَاءَكُمْ ﴿٢٤﴾) بالعقل والفطرة والنظر الصحيح. (قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ) حسموا الموضوع، (فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ) هذه هي الخلاصة لكل ما يحدث من هذه الأمم أنها تستكبر وتستعلي على الحق وتغتر بما عندها من متاع الدنيا الزائف فينتقم الله منهم.

د. الشهري: توقفنا عند هذه الحجج الذي يريدها هؤلاء المكذبون في رد دعوة الحق ويبدو لي أن هذه حجة تتكرر

د. الخضيري: ولذلك قال (وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ) إلى يومنا هذا كما كان أحدهم يقول “هذه التهم المعلبة” تفتح لكل زمن، جاهزة.

د. الشهري: لكن تتغير اللغة واللهجة وإلا هي نفسها. ولذلك نحن عندما نتوقف عند السور في مثل هذه اللقاءات وأنا شخصياً أكبر مستفيد من هذا البرنامج لأني أستمع من الضيوف الفضلاء إلى تفصيلات كثيرة من حجج القرآن، أستمع إلى حجج القرآن وهو يحاجج هؤلاء المشركين وخاصة في السور المكية فأقول في نفسي ما ترك حجة لهؤلاء المبطلين إلا وفنّدها وكررها وبينها ووضحها

د. الخضيري: وبوجوه متعددة بحيث لا يبقى للشبهة أدنى مستقر

د. الشهري: وبالمناسبة أدعو لقراءة كتاب شيخنا الدكتور زاهر الألمعي “مناهج الجدل في القرآن الكريم” فيه إضاءة رائعة جداً لمناهج القرآن الكريم في مجادلة هؤلاء. ونحن اليوم في زمن المجادلات والمناظرات سواء شئنا أم أبينا الانترنت والفضائيات مليئة بهذه المجادلات لذلك فإن أفضل ما يمكن أن يستقي منه المسلم مجادلاته وحججه كتاب الله.

د. الخضيري: وكلها مجادلات عقلية. لاحظ معي قال (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ) لماذا يأتي ابراهيم هنا؟ ألم يقولوا (إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ)؟ هذا أبوكم!، بالله عليكم كيف تفرون من هذه؟! قال (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ ﴿٢٦﴾) ضد ما أنتم عليه تماماً أيها المشركون ويعرف المشركون الحنيفية من ابراهيم ليست خافية عليهم حتى يقال نحتج عليهم بشيء لا يعرفونه.

د. الشهري: وهم يفتخرون بالانتساب إليه

د. الخضيري: يفتخرون بالانتساب إليه وإلى البيت الذي بناه. قال (إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ ﴿٢٧﴾) قال العلماء هذه (وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴿٢٨﴾) أنها كلمة لا إله إلا الله، (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ ﴿٢٦﴾ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ ﴿٢٧﴾) هذه الآية لو تأملتها هي معنى لا إله إلا الله (وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ) بقيت كلمة التوحيد في عقب إبراهيم لا يمكن أن تزول إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ولذلك محمد صلى الله عليه وسلم ما جاءكم بجديد وإنما جدد هذه الكلمة التي جاء بها أبوكم إبراهيم عليه الصلاة والسلام. ماذا سيقول الكافرون(وَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ) الحق بقوته بجماله بنصاعته بوضوحه (قَالُوا هَذَا سِحْرٌ) سبحان الله مهما حاولت أن تقربهم تجد أنهم يعودون إلى الدائرة الأولى، التُهم ليس هناك حجج (قَالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ) ثم بدأوا يقترحون إذا كان هذا حقاً فلماذا يختار هذا الرجل الضعيف من بيننا ولا يختار واحد له عدد من الأبناء وله قطيع وله كذا من الملك والجاه (وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) رد القرآن رداً في غاية الروعة، القرآن يقول (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ) هذه المعيشة التي هم فيها حتى حبيبات الرز التي نأكلها قسمها الله بين عباده، ما ترك ذرّة في هذا الكون إلا قسمها الله عز وجل وتولى قسمتها بنفسه. أتُرى هذا الأمر العظيم وهي الرسالة التي أنزلها من السماء يتركها الله عز وجل يضعها في إنسان ما من الناس من دون أن تكون له مؤهلات يستحق بها هذه الرسالة؟ (اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ (124) الأنعام) تقترحون على الله أن يضعها في عروة بن مسعود الثقفي أو الوليد بن المغيرة؟ لأجل ما ترونه أنتم من بهرج الحياة الذي تعيشون فيه؟

د. الشهري: يقصدون بالقريتين قريش و؟

د. الخضيري: مكة والطائف. قال (نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا) هذا الرفع الذي ترونه لبعضكم على بعض لحكمة ربانية وهي أن يتخذ بعض الخلق بعضاً سخرياً يعني يسخر بعضهم لبعض فأنت في هذا البرنامج مسخّر لنا ونحن مسخرون لك وأنا وأنت مسخرون لهذه القناة وهذه القناة مسخرة للأمة وهذه الأمة مسخرة لهذه القناة وهي تدور فلا تظن أن الفقير سُخر للغني بل الغني أيضاً سخر للفقير الغني يجمع المال ليعطي الفقير والفقير يعمل عند الغني تجدها دائرة في غاية الروعة سبحان الله.

د. الشهري: ومن الأبيات الجميلة حفظته قديماً يقول:

الناس للناس من عُربٍ ومن عجمٍ      بعض لبعض وإن لم يشعروا خدم

د. الخضيري: ولذلك الملك وهو الملك لا يستغني عن الذي يصنع له الشاي، إذا نظرت إليها من منظار الحاجة هذا الملك عبد عند هذا الخادم الذي يصنع له الشاي وهذا الخادم عبدٌ عند الملك.

د. الشهري: هي سنّة التسخير لكن بدرجات.

د. الخضيري: قال (وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ) يعني وهذا الكتاب وهذا الدين خير من كل هذا الذي ينظرون إليه ويرفعون إليه أبصارهم. قال مبيناً أمراً عظيماً جداً وهو البعد الذي تميزت به هذه السورة وهو ألا يكون لزخرف الدنيا مقام في قلوبكم تعترضون به على دعوة القرآن وهي دعوة التوحيد. قال (وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً) على الكفر، يكفرون جميعاً بسبب افتتانهم (وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ ﴿٣٣﴾ وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ ﴿٣٤﴾) كلها من فضة وفوق الفضة ذهب وزخرفا. في غاية الفخامة من أجل أن يعطيهم ما يشاؤون لأن هذه الدنيا وما فيها لا يساوي عند الله شيئاً لكن الله عز وجل لرحمته خشي على الناس أن تفتتن فتكفر

د. الشهري: عندما يرى المسلم الفقير هذا النعيم الذي فيه الكافر

د. الخضيري: قد يترك فالله عز وجل لطف بعباده

د. الشهري: الناس الآن يفتتنون بما في الغرب. بل تجد الآن مبالغات في صحفنا وإعلامنا: اليوم كنت في أميركا، عندهم كذا، عندهم كذا، هذه فتنة وليس هناك لا ذهب ولا فضة.

د. الخضيري: قال (وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ ﴿٣٥﴾) في هذه الدنيا قد قسمت تكون للمؤمن والكافر والبر والفاجر أما الآخرة فخالصة للمؤمنين. ثم بين الله عز وجل ما الذي يحملهم على أن يحتجوا بهذه الحجج قال (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ﴿٣٦﴾)

د. الشهري: ما معنى يعشُ؟

د. الخضيري: يعشُ يُعرض مأخوذة من عشى البصر، وهذه عشى البصيرة. قال (وإنهم) أي هؤلاء الشياطين (وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ ﴿٣٧﴾) لما يقولون هذه الحجج لرسول الله يحسبون أنهم على حق والسبب فيها أنهم تركوا ذكر الله عز وجل والدار الآخرة فسلط الله عليهم هؤلاء القرناء فزينوا لهم هذا الباطل فصار الواحد منهم ينام قرير العين يرى أنه على الحق وهو عندما تأتيه مثل هذه البراهين الإلهية يحار منها ولا يعرف كيف يجيب عليها لكن يأتيه الشيطان يقول له لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ويأتيه بمثل هذه الحجج والأسباب التي يصرفه بها عن الحق

د. الشهري: هذه لفتة عجيبة في الظالم والكافر والمعرض أنهم يظنون أنهم على حق وعندهم استدلالات باطلة ويظنون أنهم على حق بل إنك ترى وتشاهد بعض الظلمة عندما بدأت تتكشف لهم الحقائق قرأت حوار لأحدهم يقول أنا ما كنت أتوقع أن الأمور بهذه الطريقة! كان في غيّه وكان في عشى عن هذه الحقائق

د. الخضيري: ولذلك إذا جلس الرجل منهم جلسة صادقة متفكراً فيما هو فيه يهتدي. وأنا أقول من حسن ظننا بالله عز وجل ما طلب الحق أحد من عباد الله صادقاً متجرداً من كل أهواء النفس البشرية إلا هداه الله أما إذا وصل إلى حد معين يقول أنا هذه لا يمكن أن أُقرّ بها لأنها في النهاية ستكون عليّ فإنه سيبتلى والعياذ بالله بهذا (وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ). (حَتَّى إِذَا جَاءنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ) يعني بيني وبينك بعد ما بين المشرق والمغرب وسماهما المشرقين على عادة العرب في تغليب أحدهما كما يقال الأبوان والعُمَران. (فَبِئْسَ الْقَرِينُ) قال (وَلَن يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ) هذا المعنى ما وجدت له نطيراً في القرآن وهو أن العادة أن الناس يتسلى بعضهم بمصيبة بعض يقولون الموت مع جماعة رحمة،

د. الشهري: السجن الجماعي

د. الخضيري: والفقر الجماعي وذهاب الأرصدة كل هذا إذا شعر الإنسان أنه مع الناس تهون عليه أما في عذاب الآخرة فليس كذلك، قال (وَلَن يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ) اشتراككم في العذاب ليس بنافعكم بل سيشعر كل واحد منكم أنه سيعذب وحده وأنه أشد أهل النار عذاباً، شيء شديد! قال (أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴿٤٠﴾ فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ ﴿٤١﴾) تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم، أبشِر يا محمد سننتقم من هؤلاء الكافرين المكذبين حتى لو أمتناك، حتى لو توفيناك. (أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِم مُّقْتَدِرُونَ) قال ابن عباس وقد عجّلأ الله موعوده لنبيه صلى الله عليه وسلم بأن أراه ذلك عندما هزمهم في بدر وفتح مكة والغزوات ورأى مقاتلهم ورأى هزيمتهم بنفسه وكيف أعلى دينه.

د. الشهري: ونصر دينه بعد وفاته بأن نشره في الأرض

د. الخضيري: ثم كأنه يختصر كل السورة بهذه الكلمات (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ) لا تغرك هذه البهارج ولا هذه الشُبه التي سمونها حججاً، استمسك ما قال أمسك فيها تشديد على الاستمساك بهذا الكتاب والعضّ عليه (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) (وَإِنَّهُ) أي هذا الكتاب (لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ) ذكر أي شرف.

إتصال من حمزة من السعودية: قال تعالى (وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ) (فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ) ما العلاقة بين وفي السماء رزقكم ووما تنطقون؟

د. الخضيري: هذا السؤال في سورة الذاريات (وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22)) قوله في السماء رزقكم وما توعدون يبين الله عزوجل أن الرزق يأتي من السماء وأعظم شيء ينزله الله عز وجل لنا من السماء هو هذا الكتاب الوحي ولذلك قال (فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ) حقٌ أي القرآن (مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ) فهناك علاقة بين الرزق الذي ينزل من السماء وبين خير ما ينزل من السماء وهو الوحي ولذلك الضمير قد يقول بعض الناس.

د. الشهري: كما أن تنطقون ولا تشكون بذلك. نعود (فاستمسك) أشرت أن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى ولذلك قال (يمسّكون) وهنا قال (فاستمسك) والنبي صلى الله عليه وسلم عندما قال عضوا عليها بالنواجذ يعني مثل هذه الأصول لا يكفي فيها مجرد الاطلاع النظري وإنما يبنغي دائماً أن يشعر الإنسان أنه يتمسك بكل ما أوتي بهذه الحقائق. في قوله (بالذي أوحي إليك) لماذا لم يقل فاستمسك بالقرآن؟ أليس في هذا إشارة إلى أنك لست متروكاً تتعبد على هواك وأنت النبي وإنما أنت مأمور بالاستمساك بشيء أوحيناه إليك. د. الخضيري: ثم قال (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ) وإنه لشرف، هذا القرآن شرف يا محمد إذا استمسكت به ولاحظ أنها جاءت بعد قوله (استمسك) ليس شرفاً لنا إذا وضعناه في السيارات أو نكتبه على الجدران وإنما إذا استمسكنا به وعملنا به (وَإِنَّهُ) أي القرآن (لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ) شرف لك ولقومك.

د. الشهري: ما وجه تشريفه للعرب؟

د. الخضيري: اللغة العربية ما كان يتكلم بها إلا فئام قليل من الناس والآن تعتبر من اللغات العالمية يتكلم بها أكثر من 500 مليون سواء أهلها الذين يبلغون 300 مليون أو من يتكلم بها من الدعاة وطلاب العلم ومن يتعلمون العربية أكثر من نصف مليار وكل مسلم في الأرض لا بد أن يتطق بشيء من العربية يكفي ما يقرأه في صلاته من سورة الفاتحة وغيره والناس إنما تحب العرب الآن لأجل هذا الكتاب الذي نزل بهذه اللغة. قال (وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا) هذا احتجاج بالاجماع: يعني إسأل أي رسول طبعاً هذا مقصود به أنتم أيضاً إسألوا أي أمة بعث فيها رسول هل جاء بشيء مما ذكرتم؟ قال (أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ) هل جاؤوا بهذا الشرك الذي تدّعونه؟ ما جاؤوا، إذن هذه فرية منكم ليس إلا أملاها عليكم هذا القرين (وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ). ثم ذكر نموذجاً وهو موسى عليه السلام كأنه يسلّي النبي صلى الله عليه وسلم ويبين أن هذه هي عادة الأمم في النظر إلى الأنبياء الاستهزاء والسخرية ومحاولة اقتراح أشياء على الأنبياء من أجل رد دعوتهم. (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿٤٦﴾ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِآَيَاتِنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ ﴿٤٧﴾) ضحك استهزاء. (وَمَا نُرِيهِم مِّنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا) ما تركناهم هكذا بل أريناهم آيات تدل على أن موسى حق وأن ما جاء به من عند الله، (وَأَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) حتى الأخذ بالعذاب الأدنى لعل ذلك يكون سبباً في اتعاظهم ورجوعهم إلى الحق. (وَقَالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ) يقول أكثر العلماء هذه لم تأتي على وجه السخرية من موسى عليه السلام وإنما كلمة الساحر عندهم كما قال ابن عباس بمعنى العالم لأن العلم في زمانهم كان هو السحر. (وَقَالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ) يعني أي أيها العالِم لأنه لا يليق بهم – والله أعلم – أن يكلبوا منه طلباً وهم في ذلة فيقولوا يا أيها الساحر على وجه السخرية منه أو الازراء به فيقولون (ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ) ليكشف عنا هذا العذاب ولك منا أن نهتدي وأن نتبع ما تقوله. قال (فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ) تماماً وسواء بسواء كما حصل لمشركي مكة وهذا ما سيأتينا إن شاء الله في الغد في سورة الدخان على قول ابن مسعود في أن الدخان الذي جاءهم بسبب دعوة النبي صلى الله عليه وسلم فكان الرجل يرفع بصره إلى السماء فيرى ما بينه وبينها مثل الدخان من شدة الجوع وكشف الله عنهم العذاب وعادوا إلى كفرهم وكذلك هنا قال (وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ) انظر الحجة التي جاءت من قبل (وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) هنا جاءت أيضاً (وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴿٥١﴾ أَمْ أَنَا خَيْرٌ) (أم) هنا بمعنى (بل) (أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ) كذب والله! والله ما هو بمهين! وقوله (وَلَا يَكَادُ يُبِينُ) هذا احتجاج عليه لما كان عليه في الصغر

د. الشهري: كان عنده صعوبة في النطق

د. الخضيري: ولكن الله أزال هذا قال (قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى (36) طه) لما قال (وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي (27)) وقد يكون بقي عند موسى شيء لا يضر في إبانة الحق فأراد فرعون الإزراء بموسى من هذه الناحية.

د. الشهري: وهذا من سوء أدبه لأن هذا استهزاء بشيء لا يد له فيه

د. الخضيري: خِلقي، واتفق العلماء على أنه لا يجوز أبداً الاغضاء من صاحبه بسببه، واحد أعرج أو أعور أو غير ذلك لا تعيّره بذلك لأن هذا خلق الله أنت إذا عيّرت عيّرت الله كأنك تسب وتذم الله تعالى الله عما يقولون

د. الشهري: حتى العرب في الجاهلية كانوا يرون هذا نقصاً في الشاعر أن يذم أحداً بما لا يد له فيه من العرج أو القِصَر لكن إذا أراجوا أن يهجوا شخصاً هجوه بأشياء مثل البخل، أشياء كسبية ببخله أو بلؤمه أو نحو ذلك.

د. الخضيري: قال (فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ) يقترح كاقتراحات المشركين (أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَاء مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ) يحتفون به ويكونون معه عن يمينه وشماله قال (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ) جاءهم بهذه الأشياء التي يستخفهم بها وهي الحقيقة

د. الشهري: ما أكثر الذين يستخفّون أقوامهم!

د. الخضيري: هي الحقيقة لو كانت على قوم متقين ما استخفّتهم هذه الأمور لكنهم كانوا قوماً فاسقين فخفّوا مع من استخفّهم عقوبة لهم لو لم يكونوا قوماً فاسقين ما انطلى عليهم هذا الكلام (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ) هذا بسبب منهم

د. الشهري: استخفهم بهذه الحجج الواهية وهذه الزخرفة لهم

د. الخضيري: أنا عندي قصور وعندي أنهار تجري من تحتي وسبحان الله جعل الله عقوبته بمثل ما افتخر به جعل الله الأنهار تجري من فوقه وأغرقه! قال (فَلَمَّا آسَفُونَا) أغضبونا (انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ). ثم ذكر قصة عيسى عليه السلام.

د. الشهري: ولاحظ (الفاء) فلما، فلما، دليل على سرعة عقوبة الله لهؤلاء الكفرة

د. الخضيري: حتى في الآيات الأولى قال (قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آَبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ ﴿٢٤﴾ فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴿٢٥﴾)  كلها عقوبات تأتي بعد قيام الحجة ووضوحها لهؤلاء الناس. قال (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ) هذا إشارة إلى بعض مجادلاتهم

د. الشهري: الآن ذكر موسى وذكر فرعون ثم انتقل إلى عيسى

د. الخضيري: لكن بدأ بقضية حصلت بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين هؤلاء الناس وهي أن النبي ذكر أنه ليس هناك أحد يُعبد من دون الله عز وجل ويكون فيه خير

د. الشهري: يأتينا سؤال هل هناك سبب نزول للسورة أو لأشياء من آياتها؟

د. الخضيري: هذه الآية التي ورد فيها سبب نزول. وذُكِر أيضاً في قول الله عز وجل (وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) وظاهر في الآية. (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ) أي يضحكون ويفرحون، (وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا) لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ليس هناك أحد يعبد من دون الله ويكون فيه خير

د. الشهري: يصدون كأن منها قوله (مُكَاء وَتَصْدِيَةً (35) الأنفال) التصدية ويصدون

د. الخضيري: الفرح والطرب

د. الشهري: بعض الناس يفهمها أنها من الصدود

د. الخضيري: وتُقرأ يصُدون بمعنى يُعرضون. قال (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ ﴿٥٧﴾ وَقَالُوا أَآَلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ) أنت لما قلت أن كل من يعبد من دون الله ليس فيه خير إذن عيسى ممن يعبد من دون الله والعُزير والملائكة كلهم، إذا لا خير فيهم قال (مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا) هم يعرفون الكلام العربي، الله عز وجل قال (إنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ) هم احتجوا بهذه الآية فقوله (إنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ) (ما) هذه لغير العاقل

د. الشهري: وهم عُبِدوا بغير إرادتهم

د. الخضيري: طبعاً لكن لما قالوا (إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ (98) الأنبياء) قالوا إذن نحن نرضى أن يكون معنا عيسى والعزير والملائكة وغيرهم قال الله عز وجل (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101) الأنبياء) وهنا قال (مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا) على طريق المكابرة والمغالطة وإلا حقيقة ليس لهم حجة (بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ). (إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ) يؤكد عبودية عيسى لله عز وجل (أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ) قدوة

د. الشهري: المثل هنا بمعنى القدوة.

د. الخضيري: نعم.

د. الشهري: نعود إلى قصة عيسى عليه السلام في سورة الزخرف. والله سبحانه وتعالى قال (إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ) ولعل هذا يكون فيه جواب لأحد الإخوة على الفايسبوك: أود من الشيخ التعليق على (وإنه لعلم للساعة) (لعِلْم – لعَلَم ) ومعنى القراءتين فيها

د. الخضيري: سنأتي إليها وهي قوله عز وجل (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا) أو (لعَلَم) الذي هو عيسى عليه الصلاة والسلام أن الله جعله آية لقرب الساعة وذلك أن عيسى ينزل في آخر الزمان حيث رفعه الله عز وجل في أول الأمر ولم يمته فهو حيّ الآن في السماء وسينزل مرة أخرى ليحكم بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم ويقتل الدجال ثم يظهر المهدي في وقته ثم يظهر الله عز وجل بسببه حكم الشريعة الإسلامية في الأرض فيعم الخير حتى تخرج الأرض بركتها حتى أن الفئام من الناس ليستظلون بقحف الرمان، مجموعة كبيرة من الناس يجعلون قشر الرمان مظلاً لهم من كثر الخير والبركة في الأرض وقطف العنب يكفي القرية من الناس، كيف سيحملونه؟! هذا عندما ينول عيسى عليه السلام في آخر الزمان فيعم الخير والبركة هذه الأرض ويحكم بشريعة محمد صلى ويقتل الخنزير ويكسر الصليب ثم يموت الميتة التي كتبها الله عليه وعلى سائر الأنبياء. قال (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا) لا تمترن بالساعة، (وَلَا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ) هذا تذكير بما حصل قبل (وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) وهذا المعنى كثر في السورة وهو من يقارن الإنسان؟ إياك أن تجعل قرين السوء سواء كان شيطاناً أو إنساناً ولذلك قال (الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) أيضاً نفس المعنى في هذه السورة

د. الشهري: يبدو لي أن هذا مناسب لذكر الزخرف والعادة أن إغواء القرين لقرينه متعلق بالدنيا ومتعلق بالزخرف

د. الخضيري: وهذا هو الواقع، لاحظ نفسك رغبتك في الدنيا تكون أكثر عندما تجالس أهل الدنيا لكن عندما تفكر فيها بعقلك تقول كلها أيام وأنا راحل لماذا أعمل هذا كله وأفني عمره فيها وأعطيها كل هذا الوقت وهي لا تستحق ولما تجلس مع نفسك جلسة صادقة ستصل لهذه النتيجة وعندما تجلس مع من يعظّمون هذه الدنيا ويبهرجونها سترى أنك فاتك نصيب كبير وحظ عظيم ولماذا الناس صاروا وأنا لم أكن؟!. قال (قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ) ليس كله وإنما بعض يعني مما يختلفون فيه أشياء لم تكن من مقاصد الأنبياء اختلافات في أشياء تاريخية أو دنيوية يأتي الأنبياء لإزالة الخلاف في أمر الدين. قال (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ) خافوا الله وعجلوا بطاعتي. (إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ) هذه خلاصة السورة دعوة للتوحيد على لسان عيسى وعلى لسان موسى وأيضاً قال الله (وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ) (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ (36) النحل)

د. الشهري: والعجيب لما تقرأ في كتب التاريخ التي تؤرخ للعالم وعندي مجموعة من الموسوعات التاريخية التي كتبها الشيوعيون في روسيا أو في ألمانيا كلها تتحدث عن تاريخ الإنسان الأول البدائي المجهول الذي كان يعبد الأصنام

د. الخضيري: ولا يعرف الحقائق، يقولون الإنسان البدائي لا يعرف الحقائق والله تعالى علّم آدم الأسماء كلها

د. الشهري: مكذّب لهذه الحقائق ومن أعجب ما قرأت في موسوعة تاريخ الروسية يقولون الرجل الآدمي في ذلك الوقت ما كان يعرف أباه مثل الحيوانات! كأننا في قطيع والقرآن الكريم يبين لنا كيف خلق آجم وكرّمه وحواء عليها السلام

د. الخضيري: وكانوا يسترون عوراتهم حتى في الجنة

د. الشهري: لكن كما تفضلت (أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ) وهم يتخرصون

د. الخضيري: قال (فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ ﴿٦٥﴾ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴿٦٦﴾ الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ﴿٦٧﴾) ومن هذه خلص إلى ماذا سيكون للمتقين (يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ ﴿٦٨﴾ الَّذِينَ آَمَنُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ ﴿٦٩﴾ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ ﴿٧٠﴾) لما يذكر النعيم يذكره في مقابل بهرج الدنيا الذي يغتر به المشركون ويعترضون به على رسالات الأنبياء

د. الشهري: ما معنى تحبرون؟

د. الخضيري: من الحبور والسرور وزيادة البهجة والنضرة والنعيم. قال (يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ) لا يطوفون هم ولا يذهبون وإنما يطاف على سرر متقابلين (بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ) الأكواب هي التي لا خراطيم لها ولا عُرى أما الكأس فهو الذي له عروة. قال (وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ) اقترح ما تشاء لتُعطى، سبحان الله! الجنة هي الدار التي جعلها الله عز وجل كرامة للمؤمن كل ما يريده يكون حتى أنه ليجلس في مجلسه فيمر به الطير فيشتهيه مشوياً فينزل بين يديه مشوياً ويجلس تحت الشجرة الظليلة الوارفة فيهوى شيئاً من ثمارها فيتدلى فيطف وإذا قطف صار محله مثله لأنه قال (لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ) لأن الشجرة إذا قطعت فواكها قلت نضرتها فربنا سبحانه وتعالى كلما تقطع تبدل سبحان الله

د. الشهري: ولاحظ عموم هذه الكلمة وسعتها (وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ) فأنت أي شيء تتحدث عنه

د. الخضيري: حتى أن من أهل الجنة من يكون من أهل الزرع كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم فيحب أن يزرع فيأمر الأرض فتحرث ثم تبذر ثم تستوي في ساعة، يرى كل هذا المشهد كان ينتظره في الدنيا أربعة أو ستة أشهر بعد مشقة وعناء يراه في لحظات

د. الشهري: للمتعة واللذة. قال هنا (وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ) اللذة لا تكون عادة  للشيء الذي تراه وإنما للشيء الذي تطعمه أو تشربه كيف عبر باللذة هنا بالعين؟

د. الخضيري: الذي يظهر لي أنها تكون لكل الحواس للسماع والذوق والعين والنفس والبطن كل هذه فيها لذة كما يقال لذة النوم

د. الشهري: “وأسألك لذة النظر إلى وجهك الكريم”

د. الخضيري: فهي لذة ليس بعدها لذة. والذي يظهر والله أعلم أن لذة النظر في الجنة لذة لا يمكن أن توصف ولا أن يعلى عليها ويكفي فيها النظر إلى وجه الله عز وجل (لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ (26) يونس) الزيادة عند أهل السنة رؤية وجه الله تعالى مما يدل على أنها لذة بذاتها.

د. الشهري: وأيضاً في سورة ق عندما قال (لهم فيها يشاؤون ولدينا مزيد)

د. الشهري: وقفنا عند قوله تعالى (وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) وهنا بعض الأسئلة:

في قوله تعالى (ومن يعش عن ذكر الرحمن) ما المراد بذكر الرحمن هنا؟

د. الخضيري: ذكر الرحمن عموم الذكر وأعلاه القرآن. لذلك في سورة طه قال الله عز وجل (قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا ﴿١٢٥﴾ قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى ﴿١٢٦﴾) وهنا ذكر الرحمن المقصود بها ذكر الله عامة وأعلاه باتفاق العلماء أعلى الذكر هو القرآن. هو يشمل الذكر والقرآن لكن المراد به على وجه الذي يكون به الاهتداء هو القرآن ولذلك قال (وإنه لذكر لك ولقومك تسالون)

د. الشهري: (وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا) ما سر التعبير بالوراثة هنا ؟

د. الخضيري: قال العلماء إن الجنة فيها منازل لكل الخلق لكن الكافر يخسر منزلته بسبب كفره فيورث الله المؤمنين منازلهم في الجنة. قال (بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) أي بسبب ما كنتم تعملون طبعاً كلنا ندخل الجنة برحمة الله عز وجل وإنما هذا التسبيب لأنه سبب لرحمة الله عز وجل ولأننا نتفاضل في الجنة بسبب أعمالنا. قال (لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ) ثم لما ذكر على عادة القرآن في المثاني يذكر النعيم ثم يذكر العذاب قال (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ) والمجرمون في القرآن ما يراد بها إلا الذين كفروا ما يُذكر لمن فسق أو فجر وهو على أصل التوحيد ولا شك أن الكفر غاية الإجرام. (لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ) لا يمكن أن ينقطع (وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ) آيسون من رحمة الله عز وجل. (وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ) ثم يذكر شيئاً مما يدعوهم إلى الإياس من رحمة الله عز وجل ولاحظ سبحان الله تعلقهم دائماً بالوسائل  المفروض أن ينادوا الله مباشرة يا رب اعفو عنا واغفر لنا (وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ) كان نادوا الله عز وجل مباشرة! (قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ) يقال أنه يجيبهم بعد ألف عام الله أعلم بصحة هذا لكنه ذُكر هذا في الرواية عن ابن عباس.

د. الشهري: والأيام في الآخرة ليست كأيام الدنيا

د. الخضيري: قال (لَقَدْ جِئْنَاكُم بِالْحَقِّ) البيّن الواضح الذي لا أظهر منه ولا أجلى، (وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ) قد بان لكم الحق ولكنكم كرهتموه ولم تقبلوه، (أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا) بل أبرموا (فَإِنَّا مُبْرِمُونَ) كادوا كيداً في دعوة الحق فإنا سنكيد لهم نملي لهم حتى نميتهم على ما هم عليه ثم نبعثهم

د. الشهري: الإبرام التخطيط والكيد وحبك الخطط

د. الخضيري: وهذا ما يحدث الآن عند الكفار والدول الكافرة والمجتمعات والجمعيات والجماعات التي تكيد للإسلام وأهله إبرام ويحكمون ذلك إحكاماً وهم إنما يبرمون هذا على أنفسهم. قال عز وجل (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم) بلى، هذا من باب التهديد (وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) ثم بين عز وجل طواعية النبي صلى الله عليه وسلم لله عز وجل قال (قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ) هذه الآية تُشكِل ولكن جمهور المفسرين على أن معناها على سبيل الفرض لو كان له ولد فأنا أعبده على سبيل الفرض

د. الشهري: إشارة إلى غاية التسليم والانقياد لأمر الله

د. الخضيري: هذا الظاهر وإن كان بعض العلماء حمل قوله العابدين على معنى الرافضين يعني من لا يسلّم بهذا الأمر ولكن المعنى الصحيح هو هذا وقد رد ابن كثير المعنى الآخر وأكّد هذا المعنى

د. الشهري: كما قال (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا (22) الأنبياء) على سبيل الفرض المستحيل

د. الخضيري: قال (سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ ﴿٨٢﴾ فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ ﴿٨٣﴾ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ ﴿٨٤﴾) يعني يُعبد في السماء ويعبد في الأرض مألوه في السماء ومألوه في الأرض (وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴿٨٥﴾) الآن رجع لأول السورة نفس الذي بدأ به تماماً هناك قال (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ ﴿٩﴾ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴿١٠﴾ وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ ﴿١١﴾) وهنا يقول (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴿٨٧﴾) كيف يصرفون عن هذا الحق؟. (وَقِيلِهِ يَارَبِّ إِنَّ هَؤُلَاء قَوْمٌ لَّا يُؤْمِنُونَ) قوله (وقيله) تُقرأ بوجهين (وقيلَه – وقيلِه) أما قوله (وقيلِه) يقول العلماء أنها معطوفة على قوله (وعنده علم الساعة وقيله) وعنده علم قيلِه أي قول محمد يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون

د. الشهري: بعد الإياس منهم

د. الخضيري: وإذا قلنا (وقيلَه) قالوا معطوفة على قوله (أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم وقيلَه) يعني وقول محمد يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون. وقيل معناها (وقيلَه) وقال قوله يعني شكا شكواه لله عز وجل (يَارَبِّ إِنَّ هَؤُلَاء قَوْمٌ لَّا يُؤْمِنُونَ) فقال عز وجل (فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن بيده في ذلك الوقت إلا أن يبين الحق ويُظهر الحجة وليس بيده شيء أكثر من ذلك ولذلك أمر بالصفح والعفو والصبر الجميل لأنه لا يسع الناس إلا هذا وهكذا عندما يكون أهل الحق لا دولة لهم ولا قوة معهم يجب عليهم أن يسلكوا هذا المسلك وهذا السبيل.

د. الشهري: أضف إلى ذلك نقطة أخرى وهو أن بيان الحق والمجادلة بالحق والمجادلة بالتي أحسن وإبراز هذه الحجج التي ذكرها الله سبحانه وتعالى مطلوب من المسلمين سواء في وقت ضعفهم أو في وقت قوتهم. قد يظن بعضهم أننا عندما نقول أننا لا يسعنا في وقت الضعف إلا بيان الحق فقط حتى ونحن في وقت القوة نبين الحق وليس إكراهاً للناس

د. الخضيري: نعم نبين الحق لكن فرق بين أن تبين الحق ثم إذا بغى إنسان عليك سكتت وسالمت أو رددت على المعاندة والظلم بالقوة، فرق بينهما

د. الشهري: أذكر أبيات تبين هذا المعنى، في بداية الدعوة المكية كان صلى الله عليه وسلم يبين الحق ولكنه لم يحمل السيف فلما أُمر بالجهاد بعد ذلك أسلم الناس أكثر ولذلك يقول

دعا المصطفى دهراً بمكة لم يجب     وقد لان منه منطق وخطاب

فلما دعا والسيف سلط بكفّه  له أذعنوا واستسلموا وأنابوا

د. الشهري: انتهى وقت الحلقة أسال الله أن يجزيك خيراً وأن يحسن إليك.

*************

سؤال هذه الحلقة: ضرب الله مثلاً لذهاب الباطل وبقاء الحق ورسوخه فما الآية التي تشير إلى هذا المثل في الجزء الثالث عشر من القرآن الكريم؟