برنامج التفسير المباشر

التفسير المباشر – 1432 هـ – سورة سبأ

اسلاميات

الحلقة 128 – سورة سبأ

ضيف البرنامج في حلقته رقم (128) يوم الخميس 4 رمضان 1432هـ هو فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور صالح بن يحيى صواب أستاذ الدراسات القرآنية بجامعة صنعاء وعضو ملتقى أهل التفسير .

وموضوع الحلقة هو :

– علوم سورة سبأ .

– الإجابة عن أسئلة المشاهدين .

 

د. الشهري: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسلمياً كثيراً إلى يوم الدين. حياكم الله أيها الإخوة المشاهدون في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته في هذه الساعة القرآنية مع برنامجكم اليومي التفسير المباشر. اليوم هو الرابع من شهر رمضان المبارك وسيكون حديثنا في هذا اللقاء عن سورة سبأ وضيفنا في هذا اللقاء قادم من أرض سبأ وسوف يحدثنا عن هذه السورة العظيمة هو فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور صالح بن يحيى صواب أستاذ الدراسات القرآنية بجامعة صنعاء المتخصص في الدراسات القرآنية. فباسمكم جميعاً نرحب بالدكتور صالح.

هذه مصادفة لطيفة أن نتحدث عن سورة سبأ وأنت قادم من اليمن ولعل من المناسب أنا شخصياً أتشوف أن نسمع تطميناً عن أوضاع اليمن حالياً

د. صواب: بسم الله الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. أولاً هذا السؤال يعكس حال المسلم في كل مكان “مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر” كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم ونحن لكوننا مسلمين يهمنا أمر المسلمين في كل بلد. والمسلمون في غير اليمن يهمهم أمر اليمن. نحن نقول لا شك أن هذه حال الدنيا فيها ابتلاء وفيها شدة وفيها يسر ولكن إن شاء الله تعالى الأمور فيها خير وكل يوم أفضل مما قبله إن شاء الله تعالى والأمل قوي، الأمل في الله أولاً ثم في أهل الخير والصلاح والعقلاء أن تحل الأمور بإذن الله عز وجل والناس ينظرون إليها بانفراج إن شاء الله تعالى.

د. الشهري: أنا مطمئن جداً لأني أعرف أن أهل اليمن فيهم العقلاء والحكماء ولن تذهب الأمور مشتتة. نعود إلى الحديث عن سورة سبأ وتعودنا أن نبدأ ببيان الحديث عن اسم السورة، هل لها أسماء أخرى؟ هل هذه التسمية توقيفية؟

اسم السورة:

د. صواب: لم أقف على اسم لهذه السورة سوى هذا الاسم ولم أجد من المفسرين من ذكر غير هذا الاسم سورة سبأ

د. الشهري: عندما يقال سبأ هل هو اسم لمنطقة أو اسم لامرأة أو اسم لرجل؟

د. صواب: اسم سبأ هو في الأصل كما جاء في حديث مرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم أمه اسم رجل، سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان لكن نسب إليه القبيلة فأصبح اسماً لقبيلة سبأ فيما بعد وهذا هو حال كثير من القبائل فثمود نسبة إلى رجل اسمه ثمود وعاد نسبة إلى رجل اسمه عاد ومدين وهكذا فهو في الأصل لكنه الآن عندما يتحدث عنه في هذه السورة فليس مراد منه الشخص وإنما المراد به القبيلة اليت تحدث عنها القرآن في هذه السورة وقد ورد هذا الاسم بارزاً في هذه القصة فإن من أبرز ما تحدثت عنه هذه السورة قصة القبيلة سبأ التي كانت تسكن في منطقة مأرب

د. الشهري: الذي لا يعرف اليمن يظن أن مأرب سدٌ فقط ولكن هي منطقة

د. صواب: هي منطقة والسد يقع في هذه المنطقة ولا تزال آثار هذا السد باقية إلى اليوم وإن كان هناك سدٌ حديث بُني بعده أو باتجاه الماء قبله من جهة أخرى لكن الآثار لا تزال إلى اليوم وهي شاهدة على قوة ذلك السد وهي ليست ببعيدة هي لا تبعد عن العاصمة أكثر من حوالي 180 كلم.

د. الشهري: لا يزال أهل اليمن يحتفلون بهذا الاسم سبأ إلى اليوم وأظن وكالة الأنبياء اليمنية اختصارها سبأ وهناك فندق سبأ. متى نزلت السورة؟

د. صواب: سورة سبأ هي مكية باتفاق المفسرين وإن كان هناك خلاف في آية من آياتها وهي قول الله عز وجل (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (6)) بعض المفسرين أن الذين أوتوا العلم في هذه الآية المراد بهم أهل الكتاب ومن ثم بنوا عليه أن الآية مدنية لكن الصحيح أن أولو العلم لا يختص حتى لو كان الحديث عنهم لا يمنع من كون السورة مكية. هذا يقودنا إلى الحديث عن موضوع السورة وكما تعلم بأن السور المكية لها طبيعاتها في الموضوعات التي تعالجها وقد عالجت كثيراً من الموضوعات المتصلة بالعقيدة سواء كان ذلك في مجال التوحيد أو في مجال البعث أو في مجال الرسالة والقرآن، عالجت هذه الموضوعات بشكل قوي جداً منذ بدايتها إلى نهايتها حتى جاء الحديث في نهاية السورة أيضاً عن البعث والنشور وعن ندم الكفار في ذلك اليوم وتصديقهم حين لا ينفع الإيمان (وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِن مَكَانٍ بَعِيدٍ (52)) إذن لا يمكنهم أن يتناولوا الإيمان في ذلك الوقت. فهي حديث تركز على هذه المبادئ التي هي مبادئ العقيدة والإيمان بجوانبه المختلفة من توحيد ورسالة متضمنة للقرآن والوحي وكذلك البعث والنشور ثم تستطيع أن تربط بين هذه الأمور والموضوعات التي قد يبدو ظاهرها أنها لا تتحدث عن هذه الموضوعات فالحديث عن النِعَم التي أنعم الله عز وجل بها على داوود وسليمان وكذلك التي أنعم الله عز وجل بها على سبأ تلك القبيلة في ذلك المكان لا ينفصل عن مجال العقيدة والعبادة والتوحيد لأن هذا يتعلق بأمور كثيرة وروابط ومن أبرز هذه الروابط أن الشكر هو نوع من العبادة لله عز وجل وأن شكر هذه النعم يستلزم توحيد الله سبحانه وتعالى والاعتراف بأن هذه النعم منه سبحانه وتعالى أضف إلى ذلك الحديث عن الجنّ الذي كان بعض المشركين يعبدونهم من دون الله عز وجل، الحديث عن الجن باعتبارهم مخلوقات لله سبحانه وتعالى بل سُخِّروا في خدمة انسان وهو سليمان عليه السلام وبلغ من ضعفهم كما سيأتي معنا أنهم ما كانوا يدركون أن هذا السيد الذي كانوا يخدمونه قد مات (فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ (14)) فليس الهدف هو فقط بيان النعمة التي أنعم الله عز وجل على سليمان وإنما أيضاً بيان أن هؤلاء الجن الذين أنتم تعبدونهم من دون الله عز وجل وتخشونهم من دون الله عز وجل (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (6) الجن) أن هؤلاء حتى معرفتهم بموت سليمان لم يكن ذلك بامكانهم

د. الشهري: نتوقف مع موضوعات السورة، هل هناك حكمة في افتتاح السورة بالحمد؟ ولها نظائر في القرآن الكهف الأنعام وهنا

د. صواب: هذه السورة هي إحدى السور التي افتتحت بالحمد أولها الفاتحة ثم الأنعام (الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ) الكهف (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا) هذه السورة وسورة فاطر بعدها مباشرة (الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) أنت تقودنا إلى المناسبة بين هذه السورة وبين السورة التي قبلها. اختتمت سورة الأحزاب بقول الله عز وجل (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72) لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (73)) فجاء الافتتاح بالحمد بعلاقة قوية جداً مع هذه الآية أولها: أنه يُحمد الله سبحانه وتعالى على قضائه في ذلك اليوم من ثواب المؤمنين وعقاب الكافرين (فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (45) الأنعام) فكأن هذه الآية (لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) إذن تم هذا الجزاء والحمد لله رب العالمين فافتتحت بالحمد. ثانياً المتصرف الذي يثيب ويعذِّب هو الله وهو المالك (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ) فهو مالك لهذا الكون وهو قادر على تنفيذ ذلك فكأنه يقول لا تظنوا أن الله عز وجل عاجز عن تنفيذ ما وعد به فهو مالك لهذا الكون ومن جوانب أخرى. وهي أيضاً في صميم عقيدة الانسان لأنه المستحق للحمد هو الله وحده دون غيره وهناك ما يبرر كونه مستحق للحمد فكما ورد في الفاتحة (الحمد لله رب العالمين) أو في الأنعام (الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ) فهو مستحق لهذا الحمد أو في سورة الكهف (الحمد لله) وهنا أيضاً يُحمَد لأنه (لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (1) يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ (2)) فهو مع هؤلاء العباد فهذا كله يستوجب حمده سبحانه وتعالى.

د. الشهري: سميت السورة سبأ لورود قصة سبأ فيها (لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15)) ما علاقة هذه القصة بموضوع السورة؟

د. صواب: علاقة قوية ويمكن دائماً أن نربط بين أسماء السور – وأسماء السور وإن لم تكن توقيفية في بعض السور – إلا أن لها دلالة يمكن أن نربط برابط قوي بين اسم السورة وبين موضوع السورة. هذه القصة من أبرز القصص في السورة تحدثت عن قوم أنعم الله عز وجل عليهم بنعم كثيرة (بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ) فكانت النتيجة أنهم لم يؤمنوا بالله سبحانه وتعالى فأعرضوا فكانت نهايتهم هذه النهاية، والإنسان بين شاكر لهذه النعم أو كافر بها وقد ذكر الله عز وجل قبل ذلك قصة الشاكرين داوود وسليمان (اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13)) فلما ذكر سبحانه وتعالى قصة داوود وسليمان وشكرهما لنعمة الله سبحانه وتعالى ذكر لنا نموذجاً آخر وهو الأهم بالنسبة لمشركي مكة لأن المقام هنا مقام تهديد ووعيد بالنسبة للكفار فذكر النوذج الآخر وهم أولئك القوم الذين لم يشكروا نعمة الله تعالى وما حلّ بهم؟

د. الشهري: لو توقفنا مع قصة سليمان أولاً في قوله سبحانه وتعالى (وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10))

د. صواب: انظر الآية التي قبلها هي ربط عجيب (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ (9)) وبعدها (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (19)) فالإنسان أمام النعمة والرخاء وفي المقابل أيضاً الشدة والابتلاء بين صبر وشكر فلما ذكر سبحانه وتعالى الصابر الشاكر ذكر لنا هذين العبدين كأنموذج مهم جداً. بدأ بالأب داوود عليه السلام (وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا (10)) وهذه لها دلالات كثيرة أول هذه الدلالات قدرة الله عز وجل وكثرة عطائه لعباده فملكه سبحانه وتعالى واسع عطاؤه كثير انظر ما أعطى داوود وانظر ما أعطى سليمان ومن ثم لا بد أن نتصور قبل أن ننظر إلى سليمان وداوود باعتبارهما قد ملكا شيئاً كثيراً، لا، أُنظر إلى المُعطي، أُنظر إلى الواهب أُنظر إلى من وسع ملكه السموات والأرض وكيف يعطي عطاء كثيراً ولذلك ابتدأت (وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا) وجاءت بـ(نا) العظمة ما هو هذا الفضل؟ أولاً تسخير الجبال (يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ) وكذلك الطير (وَالطَّيْرَ) أوبي يعني سبحي على القول المشهور من أقوال المفسرين وهذا يدل عليه قوله تعالى (وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ (79) الأنبياء) كان إذا سبح سبحت الجبال معه وهذه من الخصائص التي أعطيت لداوود عليه السلام كذاك الطير. ثم هذا الحديد الذي هو من أقوى المعادن والذي لا يمكن إلانته إلا الإحماء بالنار المرتفعة والطَرْق القوي (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) فإذا بالحديد يتشكل في يده كما يشاء ويصنع منه دروعاً (أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ) صفة لموصوف محذوف يعني دروع سابغات، والدروع كانت ثقيلة وكانت صفائح لا يستطيع لابسها أن يتحرك وتثقل عليه أما هذه فهي حلق كان يصنعها داوود عليه السلام (أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ). هذا بالنسبة لداوود عليه السلام ثم ذكر بعد ذلك فضلاً أعطاه الله عز وجل سليمان قال عز وجل (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ (12)) سخّر الله عز وجل الريح لسليمان فهي تقطع في الغداة مسافة شهر كامل وتقطع في الرواحي آخر النهار مسافة شهر كامل تذهب به أينما شاء وهذا من فضل الله عز وجل، هذا ما يتعلق بالريح. (وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ) داوود ألان الله عز وجل له الحديد وسليمان أسال الله عز وجل له عيناً من النحاس والنحاس من المعادن ويحتاج إلى نار لاذابته أما سليمان كانت هناك عين من النحاس تسيل وأسلنا من الإسالة جعلناها سائلة عين القطر الذي هو الحديد ويسمونها الصفر

د. الشهري: سبحان الله أعطاهما أشياء تتعلق بنواميس الكون تسبيح الجبال وإلانة الحديد وتسخير الريح والنحاس هذه لا يعطيها إلا الله سبحانه وتعالى. نتحدث عن ما سخره الله تعالى لداوود وسليمان من النعم ومن المخلوقات وانظر إلى هذا العطاء تسخير نواميس هذا الكون الريح والجبال والجن وهذا لا يستطيعه البشر. قد يسأل المشاهدون عن بعض الألفاظ الغريبة في قصة سليمان عندما قال تعالى (وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ (12) يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاء مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ (13)) ما معنى هذه الكلمات؟

د. صواب: هذه الميزة الثالثة التي ذكرت في هذه السورة والتي منحها الله عز وجل لسليمان: الأولى كانت الريح والثانية سيلان النحاس ثم (وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ) هناك قوم من الجن مكلفون بالعمل لسليمان عليه السلام. الإذن هنا ليس بمعنى الاستئذان وإنما الإذن يأتي بمعنى الأمر (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ (64) النساء) بإذن من الله ولا تعني يستأذن من الله! فأُمِر هؤلاء الجن أن يعملوا لسليمان عليه السلام فيما أمرهم به بل توعدهم الله عز وجل من خالف أمره (وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ) فبين سبحانه وتعالى ماذا يصنع هؤلاء الجن، يصنعون أشياء كثيرة من ضمنها محاريب بعض العلماء يقولومحاريب المساجد وبعضهم يقول المحراب أصله في اللغة الشيء المرتفع والمراد بها هنا القصور وليس من مانع أن يعملوا هذا وهذا. وتماثيل التماثيل هنا هي المجسمات لكن هل هي تشمل ذوات الارواح فهذا يعني أنها كانت مباحة في عهده أما في شريعتنا فهي محرّمة لذوات الأرواح أو تكون لغير ذوات الأرواح فهذه تلك المجسمات التي يمكن عملها. (وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ) الجفنة هي قصعة الآنية التي يؤكل فيها الطعام ولكن هذه الجفان كان حجمها (كَالْجَوَابِ) الكاف هنا للتشبيه، الجواب جمع جابية إذن الجفنة آنية الطعام التي يؤكل فيها يقدم فيها الطعام كالجابية والجابية حوض الماء الكبير جداً ويقال كان يجتمع على القصعة ألف رجل ويقال غير ذلك وليس هناك خبر مؤكد إنما الحاصل أن هذه الجفان كبيرة كما أخبر الله عز وجل تشبه الجابية وهي الحوض الكبير. (وقدور راسيات) قدور كبيرة لثقلها إما إنها من نحاس وبعضهم قال منحوتة من الجبال. ثم قال سبحانه (اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) ولكن قال (الشكور) ولم يقل الشاكر الشكور صيغة مبالغة.

د. الشهري: الذي يظهر لي أن سليمان عليه السلام كان كريماً جواداً لأن الأشياء التي كان يصنعها كلها تتعلق بذلك مثل الجفان ومثل القدور وهذه من أدوات الكريم

د. صواب: أدوات الكريم لكن أيضاً المقام فالمقام الذي كان فيه مقام الملك وهذا يتطلب هذه الأشياء كلها

د. الشهري: نأتي إلى القصة المحورية في سورة سبأ وهي قصة سبأ (لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ) سؤال قبل ذلك عندما نقول سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان هل قبائل اليمن الموجودة في اليمن الآن مثل قبائل بكيل وحاشل هل ترجع في أنسابها إلى سبأ

د. صواب: لا أدري النسبة هذه إلى أين تعود بالضبط لكن الذي أعلمه أنهم تفرقوا كما قال تعالى (وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ) ذهبت قبائل خزاعة لمكة والأوس والخزرج للمدينة والغساسنة في الشام وأزد عمان فتفرقوا هم كانوا هناك ثم تفرقوا بعد حادثة السيل.

د. الشهري: نقف مع (لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ) هل مقصود بها اليمن الآن؟ اليمن السياسي حالياً؟

د. صواب: عندما نتحدث عن اليمن في التاريخ في القرآن والسُنة يجب أن نفصل تماماً بين اليمن السياسي واليمن الذي كان موجوداً آنذاك.

د. الشهري: ما المقصود باليمن في القرآن والسُنة؟

د. صواب: أصله من تيامن الكعبة، الركن اليماني وكان حدوده أوسع مما عليه اليوم فالذي يجعل الحدود السياسية هي فاصل قد تجد بعض الصحابة يقول كان من أهل اليمن وهو ليس من اليمن بالحدود السياسية المعروفة اليوم لكن حديثنا ليس عن اليمن لكن عن قبيلة معينة سكنت في مكان معين في مأرب وما حولها وهي إلى الشرق من العاصمة صنعاء بمسافة ربما تبعد 180 كلم ليست بعيدة سكنوا في تلك الديار آتاهم الله عز وجل أشياء كثيرة يذكر المفسرون كانت المراة تحمل المكتل على رأسها فتمضي بين أشجار الفاكهة فتتساقط الثمار دون أن تمد يدها ليس هناك أطيب من ريحها ولا هوائها ولا نسيمها وحتى يقولون – وإن كانت هذه من الاسرائيليات التي لا تصدق ولا تكذب وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج فليس هناك إشكال أن نذكر هذه الأمور لكننا لا نجزم بصحتها كما أننا لا نستطيع تكذيبها – كان إذا جاء الغريب وفي ملابسه القمل يموت من طيب هوائها. فكانوا في نعمة ولا شك أنهم كانوا في نعمة بصرف النظر عن الآلية التي كانوا فيها. أضف إلى ذلك تواصل القرى فلم يكن هناك عناء في التنقل بين بلدة وبلدة (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ) فكانت هذه النعم (بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ) لكن هؤلاء القوم أعرضوا عن الله سبحانه وتعالى.

د. الشهري: هل تشعر الآن أن هناك بقايا لهذه الصفات التي ذكرها الله تعالى (جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ) هل ما زال هناك بقايا للثمار والبساتين أن أنها انتهت تماماً؟

د. صواب: اليمن مناخه متنوع بحسب المنطقة التي يكون فيها الانسان هناك مناطق ربما تكون معتدلة وهناك مناطق صحراوية كما هو الحال، هذه المنطقة منطقة مأرب صحراوية شديدة الحرارة في الصيف لكن كتربة صالحة للزراعة فهي موجودة. لكن هناك جانب آخر يلفت انتباهي خاصة عندما أستمع أو اقرأ إلى أقوال المفسرين في قول الله عز وجل (أُكُلٍ خَمْطٍ) ويختلف المفسرون في معنى الخمط ولعل من الأقوال القوية في معنى الخمط أنه شجر الأراك الذي يكون منه السواك هذه الشجرة موجودة بكثرة في ذلك الوادي فهو موجود بكثرة في تلك المنطقة وكأن هذا إشارة إلى التغيير الذي حصل (وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ)

د. الشهري: ما معنى خمط؟

د. صواب: كثير من المفسرين يرون أنه بمعنى الأراك ومنهم من يقول كل شجر ذا شوك ومنهم يقول كل نبت مر لا يصلح للأكل فهناك خلاف بين المفسرين لكنها من هذه الأشياء التي لا فائدة منها

د. الشهري: يعني أبدل الشجر النافع بشجر لا فائدة منه

د. صواب: من اللطائف التي يذكرها المفسرون في هذه الآية أنه لماذا قال (وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ) لم يقل (وسدر) وإنما قيّد السدر بالقلّة قالوا لأن السدر فيه منافع لكن الكمية قليلة لأنه يؤكل ثمره

د. الشهري: والأثل؟

د. صواب: نوع من الشجر طويل أخشابه يمكن أن تستخدم في البناء ونحوه

د. الشهري: الأثل هو من الشجر الذي ينبت عندنا في النماص وجنوب المملكة والسدر ينبت بكثرة ولا سيما في منطقة تهامة في جنوب السعودية ويعتبر العسل الذي يعيش على السدر من أغلى أنواع العسل يسمونه عسل السدر. ثم قوله سبحانه وتعالى (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً) هل قوم سبأ كانوا مسلمين؟ قوماً صالحين فأنعم الله عليهم بهذه النعم ثم لما كفروا وأ’رضوا انتقم الله منهم؟ أم كانوا في هذه النعمة على كفرهم؟

د. صواب: لا يلزم عندما يقول (فَأَعْرَضُوا) أنهم كانوا مسلمين وإنما المعنى استمروا على اعراضهم وعندما نتأمل قصص الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين نجد أن ثمود كانوا في نعمة وهم كفار وعاد كانوا في نعمة وهم كفار لكن لما جاء أنبياؤهم وأعرضوا فإن الله سبحانه وتعالى سلب منهم النعم بل تحولت النعمة إلى عذاب وعقاب عليهم.

د. الشهري: بحسب قراءتك للتاريخ وكتب التفسير هل قصة سبأ التي ذكرها الله في هذه السورة بعد قصة بلقيس وإسلامها مع سليمان أم قبلها؟ الآن نعرف قصة هدهد سليمان عندما ذهب إلى اليمن وتبين له أنهم يسجدون للشمس من دون الله فرجع إلى سليمان ثم بعث إلى بلقيس وأسلمت، هل هناك فترة بينهما؟

د. صواب: لا أتذكر هذا الموضوع ولا كم الفترة الزمنية بينهما

د. الشهري: لأن تاريخ منطقة سبأ هو تاريخ اليمن

د. صواب: الذي يظهر لي والله أعلم قدم الحدث، أنه أقدم بكثير من هذا

سؤال: أتمنى منكم شرح تفصيلي مع استخلاص العبر في قوله تعالى (فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ)

د. صواب: آية مهمة جداً وهو أن بعض الناس لا يشكر نعمة الله سبحانه وتعالى بل الأسوأ من ذلك لا يعترف بها بل الأسوأ من ذلك أن يزعم أنه لو كان في وضع آخر لكن أولى فالآية تحدثنا عن هؤلاء (فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا) هناك قراءات متواترة منها قراءة باعد وبعِّد لكن هناك قراءة أخرى (ربُنا باعَد بين اسفارنا) مع أنها متقاربة إلا أنهم يقولون لا، بعيدة وهذا ظلم لأنفسهم لكن القراءة التي نقرأ بها قراءة حفص (باعِد) لو كان الوضع على غير ما نحن عليه لكان أجدى أن يشتهى هذا الثمر

د. الشهري: هم الآن عندما يسافر الواحد منهم كانت القرى متصلة ما يشعر بالسفر

د. صواب: ما يشعر بالسفر وما يحتاج لمؤونة ومع ذلك يقولون نحن مللنا (فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا) طلبوا من الله أن يباعد بين أسفارهم ولكم كما قال عز وجل (وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ) ظلموا أنفسهم بالكفر والتكذيب أو بهذا السؤال. وإن كان السائل يريد أن نقف عند بعض الدروس والعبر فهي: الاعتراف بالنعمة التي يكون فيها وأقول الإنسان لا ينفك في أي وقت وفي أي زمن عن النعمة فلا ينبغي لإنسان أن يقول أنا لست في نعمة فمهما يكن بك من بلاء وشدة ومصيبة فأنت في نعمة. انظر إلى الجوانب الأخرى التي أنعم الله بها عليك، لا تقول مللت من الوضع فإن نعم الله عز وجل عليك لا تحصى نعم كثيرة جداً. فهؤلاء ظلموا أنفسهم بهذا السؤال فعاقبهم الله عز وجل، فقال الله عز وجل (فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ) الناس يتحدثون بخبرهم وماذا جرى لهم (وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ) بدل ما كانوا في مكان واحد مستقرين إذا بهم يتفرقون خزاعة في مكة والأوس والخزرج في المدينة والغساسنة في الشام فتوزعوا وتفرقوا وأصبحوا مثلاً يقال تفرقوا أيدي سبأ أي كما تفرقت قبيلة سبأ.

د. الشهري: بعد أن ختم الله سبحانه الحديث عن قصة سبأ قال (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ) فيها إشارة أن معظمهم اتبع إبليس لكن كان منهم فريق من المؤمنين وهذا فيه إشارة أن الله تعالى يتحدث عن قصة بعد إيمان قوم سبأ ثم إعراض الكثير منهم

د. صواب: لأن الآية جاءت في نهاية المقطع يحتمل أن يكون الحديث فيها عن سبأ وقبيلة سبأ ويحتمل أن يكون حديث آخر كما ذكر بعض المفسرين. وقد يكون الاستثناء قد يكون متصلاً أو يكون منقطعاً كما يقول العلماء -وإن كان هذه بعض المشاهدين قد لا يعرفها- بمعنى أن الآية قد يكون لها معنيان أحدهما: ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقاً من المؤمنين لم يتبعوه فإذن اتبعوه إلا هؤلاء ومن ثم نصل للمعنى الذي ذكرت. لكن إذا كان الاستثناء منقطعاً فيكونوا اتبعوه جميعاً بلا استثناء (إلا) هنا تكون بمعنى (لكن) لكن فريق من المؤمنين شأنهم أنهم لم يتبعوه وليس الاستثناء متصلاً كما يذكر العلماء. وهذه الآية تدل على أن ابليس ظنّ في هؤلاء ظناً فصدق ظنه فيهم ظنّ أنهم يتبعوه فاتبعوه وما كان له عليهم من سلطان والسلطان يأتي بمعنى القوة والقهر هو لم يُجبر أحداً أو بمعنى الحجة والبرهان وكلا الأمرين منتفيان فليس له قوة ولا قهر هذا معنى السلطان وليس له حجة وبرهان وإنما مجرد الوسوسة والتزيين فقط ومن ثمّ لا ينبغي للإنسان أن يحتج بالشيطان بإبليس أنه هو الذي أغواه لأن هذه الحجة لا تقوى. كما قال ابليس في سورة ابراهيم (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم (22) ابراهيم)

د. الشهري: يأتي الحديث الآن أشبه ما يكون كأنه حوار (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَن نُّؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (31) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءكُم بَلْ كُنتُم مُّجْرِمِينَ (32)) متى هذا الحوار؟ وليتنا نتوقف عند الفوائد فيه

د. صواب: هذا الحوار يوم القيامة يتحدث الله عز وجل عما يكون في ذلك اليوم كأن معنى الآية تقول انظر إلى هذا التعنت وإلى هذا الصلف (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَن نُّؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) يوم القيامة أين سيكون الحال؟ كل فئة تلقي باللوم على الفئة الأخرى الضعفاء يتهمون المستكبرين بأنهم هم أغووهم وأضلوهم والمستكبرون يتبرأون من هؤلاء الضعفاء، الأتباع يشتكون بالمتبوعين والمتبوعون يتبرأون كما قال عز وجل (وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ (167) البقرة) انظر إلى هذه الحسرة هؤلاء يقولون أنتم أضللتمونا وهؤلاء يقولون لا نحن ليس لنا علاقة فإذا بهم يتحاورون

إتصال من الأخت نورة من السعودية: في آية (بل مكر الليل) ما معنى مكر الليل؟

د. صواب: مكر الليل والنهار بمعنى المكر الحاصل في الليل والنهار

د. الشهري: يعني تمكرون وتكيدون لنا 24 ساعة

د. صواب: هم يتعللون أن ما خططتم لنا من الغواية ليلاً ونهاراً هو الذي أوقعنا في ذلك تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أنداداً، فهم يقولون إذن هذا الذي أوقعنا في هذا فهذا معنى مكر الليل والنهار أي مكركم لنا بالليل والنهار وخداعكم وتزيينكم

د. الشهري: وكأنه والله أعلم قدّم مكر الليل على النهار لأن مكر الليل أشد وهو يحدث في الليل والتبييت

إتصال من الأخ ماجد من السعودية: قول الله تعالى (فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ) هل تشمل هذه الآية أهل اليمن حالياً وما نلاحظه أنهم مشتتين في بقاع العالم؟

د. الشهري: أهل اليمن تبارك الله من أكثر الشعوب التي تجدها في كل مكان.

د. صواب: إن شئت أن تحمل الآية على معناها الحقيقي فقد تشتتوا منذ زمن، يجب أن نفصل بين اليمن سياسياً في الوقت الحاضر وبين اليمن كأصل وُلِد منه العرب، يبقى سؤال له جانب

د. الشهري: اليمن يمتد الآن إلى الطائف نحن في جنوب السعودية نعتبر تاريخياً يمن لكن يبقى اليمن الحالي داخل في اليمن التاريخي

د. صواب: لا شك في ذلك لكن أقول بناء على هذا الآية تتحدث عن قوم سبأ وقد تفرقوا منذ زمن وأرى أنه لا علاقة لهذا التشتت الموجود بهذا الأمر وبخاصة أن الآية قالت (فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ) القرى كانت متواصلة فسالوا الله أن يباعدها لأنهم ملّوا تلك النعمة وظلموا أنفسهم بذلك.

د. الشهري: في قوله سبحانه وتعالى (قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى) هل هو كلام النبي صلى الله عليه وسلم؟ وما معنى (أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ)؟

د. صواب: هذه من الوقفات التي تجعل المتأمل للقرآن الكريم يجد فيه العظمة وقوة الحجة والاقناع. الله عز وجل يأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يخاطب الكفار يقول لهم أنتم قلتم هذا كذاب هذا ساحر (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (7) أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَم بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ (8)) إنسوا هذا كله أنا أنصحكم بشيء واحد قل لهم يا محمد إنما أعظكم بواحدة بخصلة واحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى، القيام مثنى يعني اثنين اثنين تتحاورون وتتناقشون فيما بينكم وفرادى أن يقف كل واحد مع نفسه ويتأمل أيضاً في هذا الرجل ما الذي جاء به وهل نرى عليه صفات العاقل أم صفات المجنون فإنه لا يخفى على إنسان التمييز بين تصرف الانسان العاقل وتصرف الإنسان الذي لا يعقل. إذن أطلب منكم قبل أن تستعجلوا في الحكم وقبل أن تأخذكم الغيرة أو الحمية حمية الجاهلية أن تقوموا لله بصدق واخلاص مثنى وفرادى سواء كنتم اثنين اثنين ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة، صاحبكم الذي هو محمد صلى الله عليه وسلم ليس به جنون. هل هذا الرجل الذي قلتم أنه مجنون لا يحسن الأكل واللباس والتصرف والمخاطبة؟ لا، لن تجدوا شيئاً من ذلك، فهي من الحجج القوية التي تقنع المستمع في أسلوب القرآن في الاقناع والمحاجة. (قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ) قيام خالص لله ليس فيه ميل ولا هوى ولا نزعة (مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ)

د. الشهري: نتوقف مع آداب الجدل والحوار في هذه الآيات

د. الشهري: توقفنا عند قوله (إنما أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ) وأذكر العلامة المقبلي في كتابه ترجيح أساليب القرآن على أساليب اليونان في قضية الجدال والحجاج في القرآن الكريم، في هذا الموضع بالذات عندما يقول الله تعالى للنبي صلهم ويلقنه الحجة (قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ) (قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ) (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ) (قُلْ إِن ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي) لو تقف مع هذه الآيات.

د. صواب: هذه الآيات تحتاج إلى وقفات وكل آية فيها معنى من المعاني والدلائل الهامة لكن الجامع بين هذه الايات أنها توجيه من الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم ومبتدئة بكلمة (قل) وهذا يدل أولاً دلالة قاطعة أن القرآن ليس من عند محمد صلى الله عليه وسلم وإنما من عند الله عز وجل. وأنا أعجب من بعض المستشرقين ومن بعض أعداء الاسلام الذين يقولون أن هذا القرآن جاء به محمد. محمد صلى الله عليه وسلم لو جاء بكتاب لقال أنا جئتكم بهذا الكتاب ليس هناك من داع أن ينسبه إلى غيره ويعاتب في هذا الكتاب قول الله عز وجل (وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاء فَتَأْتِيَهُم بِآيَةٍ (35) الأنعام) هذا عتاب قوي أنت لا تستطيع فكيف يعاتب نفسه بمثل هذا؟! (قل) هنا يدلنا على أن هذا إنما هو توجيه رباني بحت وأن هذا القرآن من عند الله سبحانه وتعالى. ثم من يتحمل مسؤولية في هذه القضايا كلها؟ محمد صلى مبلِّغ وهذا ما يُفهم من (قل). فأنت مبلغ عن الله سبحانه وتعالى حتى لا يلام على تهديد أو وعيد أو بشارة أو نذارة، (قل) أنت مبلغ عن الله سبحانه وتعالى.

د. الشهري: وفيها أيضا دلالة على عناية الله سبحانه وتعالى بنبيه بتلقينه الحجج.

د. صواب: وهي حجج قوية خاصة الحجة الأولى

د. الشهري: بمناسبة (قل) أذكر معمر القذافي قال ليس هناك حاجة لكلمة (قل) لأنها كانت خطاباً خاصاً للنبي صلى الله عليه وسلم فنحذف (قل) ونقول (الله أحد) بدل (قل هو الله أحد)!!

سؤال: هل أرسل نبي أو رسول إلى سبأ؟

د. صواب: لا أعلم ولم أقف على من ذكر رسولاً باسمه إلى هؤلاء القوم لكن النصوص الشرعية تدل على أنه ما من قوم كما قال الله عز وجل (وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ (24) فاطر)

د. الشهري: ألا يمكن أن تدخل تحت عاد (وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً) لأنه أنذر قومه بالأحقاف والأحقاف قريبة، كم بين الأحقاف وسبأ؟

د. صواب: بعيدة حوالي 500 كلم أو أكثر لكن هؤلاء عذبوا بعذاب معين أولئك عذبوا بعذاب آخر لا يمكن حمل أن هوداً عليه السلام كان رسولاً إليهم لكن أقول عموم النصوص الشرعية تدل على أنه ما من أمة إلا خلا فيها نذير ونحن نعلم أن هناك أنبياء كثر لميذكروا في القرآن ولا في السنة ولا نعرفهم بعض العلماء يقولون أكثر من 114 ألف نبي بعثوا وبعض الأنبياء يكونون في مكان واحد في زمن واحد أنبياء متعددون فلا نلزم أن نعرف الرسول الذي أرسل إليهم ولكن (وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ)

د. الشهري: وهذه قاعدة عامة تدل على أنه لا تخلو أمة من الأمم إلا وقد بعث الله سبحانه وتعالى لهم نذير.

د. الشهري: في قوله في آخر السورة (وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِن مَكَانٍ بَعِيدٍ) ما معنى التناوش؟

د. صواب: هؤلاء القوم كانوا يكذبون بالنبي صلى الله عليه وسلم يكذبون بالقرآن يكذبون بالبعث والنشور فلما جاء يوم القيامة ورأوا البعث أمام أعينهم ورأوا العذاب أمام أعينهم آمنوا حينئذ حيث لا ينفعهم الإيمان وقالوا آمنا به وهناك خلاف بين العلماء هل يعود الضمير إلى البعث؟ إلى العذاب؟ هناك تلازم لأن الإيمان شيء واحد من آمن بالله وبرسوله صلى الله عليه وسلم آمن بالقرآن يلزم أن يؤمن بالبعث يلزم أن يمن بالعذاب فآمنوا في ذلك الوقت فالله عز وجل يقول أنى لهم التناوش والتناوش يعني التناول أن يصلوا إلى الإيمان فالإيمان أصبح في الدنيا وهم الآن في الآخرة فقد أصبح بعيداً عنهم فآمنوا حين لا ينفعهم الإيمان كفروا به من قبل وهم أحياء لم يبعثوا بعد في الحياة الدنيا، كفروا به من قبل لكنهم لم يؤمنوا حينئذ فلا ينفعهم. ثم ختم الله عز وجل هذه السورة بآية قوية (وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُّرِيبٍ) كل إنسان متمادي وطاغي سواء كانت هذه الشهوة شهوة مال أو ولد أو حياة (وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ) وعلى كل إنسان أن يتذكر أنه إذا تمادى في الشهوات في ظلم الناس في الطغيان في المعصية عليه أن يتذكر أنه سيأتي اليوم الذي سيحال بينه وبين هذه الشهوات وسيحال بينه وبين التوبة فى يستطيع أن يتوب حينئذ فيتمنى أن يكون قد تاب يتمنى أن يكون قد آمن يتمنى أن يكون قد أطاع الله، حيل بين هؤلاء وبين ما يشتهون (كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم مِّن قَبْلُ) والأشياع هم النظائر ما حصل حيل بين الأوائل وبين ما يشتهون وحيل بين هؤلاء وبين ما يشتهون والعلة واحدة لأنهم كانوا في شك مريب.

***************

الفائز بحلقة الأمس: محمد رياض

سؤال حلقة اليوم:

أمر الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في آية من الجزء الرابع من القرآن الكريم فما هي هذه الآية؟