برنامج التفسير المباشر

التفسير المباشر – 1433هـ- سورة المنافقون

اسلاميات

الحلقة 156 – 4 رمضان 1433هـ

ضيف البرنامج في حلقته رقم (157) يوم الإثنين 4 رمضان 1433هـ هو فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور زيد عمر العيص ، أستاذ التفسير بجامعة الملك سعود .

وموضوع الحلقة هو :

علوم سورة المنافقون

——————–

د. الشهري: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. حيّاكم الله أيها الإخوة المشاهدون الكرام في حلقة جديدة من برنامجكم التفسير المباشر اليوم سوف يكون حديثنا بإذن الله تعالى في هذه الحلقة عن سورة المنافقون. وباسمكم جميعاً أيها الإخوة المشاهدون أرحب بضيفنا العزيز فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور زيد عمر العيص، أستاذ التفسير بجامعة الملك سعود فحيّاكم الله يا دكتور.

د. زيد: حياكم الله

د. الشهري: وأهلاً وسهلاً بك. سورة المنافقون سورة مليئة وأتوقع أن تكون هذه الحلقة حلقة ماتعة بإذن الله تعالى لي أنا شخصياً وللإخوة المشاهدين. دعنا نبدأ يا أبا اسامة باسم السورة سورة المنافقون وسؤال يخطر في ذهني سورة المنافقون 11 آية وسميت المنافقون وهناك سورة التوبة تحدثت عن المنافقين بأكثر من هذه الآيات ولم تسمى بهذا الاسم وكذلك سورة النساء تحدثت عن المنافقين في كثير من آياتها فنبدأ باسم السورة.

د. زيد: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى وسلام الله عليكم وعلى المشاهدين الكرام. مما لا شك فيه أن لهذه السورة منزلة كبيرة في تأريخ حركة النفاق في المجتمع الإسلامي ولهذا حملت هذه السورة اسم المنافقين. أولاً لا شك أنه ورد اسمها في السُنن وردت في سنن الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ بسورة المنافقين وعند البخاري قرأ بسورة المنافقون (على الرفع) وهذه مسألة معروفة عند أهل العلم.

د. الشهري: لماذا؟ نبّه، بعض الناس تستغرب سورة المنافقون مع أنها مضاف إليه

د. زيد: لأن اسم السورة يؤخذ كما ورد في السورة ولهذا يقولون: سورة المنافقون وسورة آلَ عمران

د. الشهري: على الحكاية كما يقولون

د. زيد: نعم على الحكاية، وسورة البقرة وهذه مسألة بسيطة

د. الشهري: اسمها ورد في السنن

د. زيد: ورد اسمها بهذا النص في السنن.

د. الشهري: أن اسمها سورة المنافقون. هل لها أسماء أخرى غير هذا الاسم؟

د. زيد: لا أحفظ لها اسماً آخر ولم يرد لها اسم آخر ولربما اختُصت بهذا الاسم من بين غيرها من السور لأنها لم تتحدث إلا عن النفاق من أولها إلى آخرها حتى أن آخرها الذي هو نداء للمؤمنين سنرى أنه حديث عن المنافقين.

د. الشهري: تاريخ نزول السورة؟ المرحلة التي نزلت فيها؟

د. زيد: أولاً أود أن ألفت الانتباه إلى أن النفاق مر بمراحل

د. الشهري: بالمناسبة دكتور أثناء حديثك هنا سؤال من إحدى الأخوات على تويتر تقول نريد منكم ربط سورة المنافقون بالعصر الحاضر

د. زيد: هذا في القرآن كله يجب أن يُربط بالواقع

د. الشهري: نعود لمراحل النفاق

د. زيد: النفاق مر بثلاث مراحل، المرحلة الأولى بدأ في السنة الثانية بعد غزوة بدر بدأ يظهر النفاق على وجل واستحياء وخوف

د. الشهري: يعني في مكة لم يكن يوجد النفاق

د. زيد: لا، لم يكن يوجد. ثم ارتفع رسمه البياني إلى السنة الخامسة والسادسة التي شهدت غزوة الأحزاب وشهدت بعد الغزوات الأخرى مثل غزوة بني المصطلق ثم بدأ الرسم البياني بالانحطاط والنزول إلى أن انشكف أمرهم في السنة التاسعة بعد غزوة تبوك

د. الشهري: في سورة التوبة.

د. زيد: في سورة التوبة ولهذا تجد بدأ بعد بدر واشتد عند الأحزاب وانهار في التوبة. ومن هنا نقول إن الخلاف الوارد في تاريخ نزول السورة غير معتَبر إذ أنه ذهب لعضهم مثل ابن الأثير وغيره إلى أنها – والترمذي أورد هذا في سننه – أنها نزلت في السنة التاسعة والحقيقة أن أسلوب هذه السورة ونَفَس المنافقين فيها لا يتناسب مع السنة التاسعة. السنة التاسعة يتناسب معها الهروب والتردد والاعتذار والخوف والتربص كما تحدثت سورة التوبة أما سورة المنافقون فإنها تُظهر المنافقين على أنهم قوة (إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ) مجموعة في حين أنهم في بداية أمرهم كانوا يخافون (وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا (14) البقرة) يتجنبوا اللقيا لكن إذا لقيه عفواً قالوا إنا معكم وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا (قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ) لكن في سورة التوبة فيها اندفاع ولهذا أنا أسميها سورة الاختراق. أنا سميتها سورة المنافقين سورة الاختراق المقصد منها اختراق الصف المسلم والوصول إلى الدائرة الضيقة من صانع القرار وهو النبي صلى الله عليه وسلم لهذا قال (إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ) لماذا؟ (اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً) لماذا؟ (فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ) انظر هذا الربط: جاؤوك أعلنوا الإيمان. إعلان الإيمان هذا ليكون لهم ستراً فإذا تحصل لهم الستر بدأوا يفسدون في المجتمع الاسلامي ولهذا فالصحيح أن هذه السورة نزلت في غزوة بني المصطلق حين حصل الشجار بين أنصاري ووصحابي فقال عبد الله بن أبي مقولته المشهورة: “سَمِّن كلبك يأكلك لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ”  لما يقول عبد الله بن أبيّ (لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ)ِ وقبلها يقول (لَا تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ) و (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ) إعراض، فهذا يدل على أن هذه المرحلة كانت مرحلة قوة انهارت بعدها فالصحيح أنها نزلت في السنة الخامسة

د. الشهري: رائع جداً هذا التاريخ لزمن النفاق ثم تنزيل الآيات المناسبة عليه. وهذا يُعتبر حتى في الزمن المكي والزمن المدني المدني مراحل والمكي كذلك مراحل

د. زيد: وهذا فيه تأكيد على ضرورة أن يستحضر قارئ للقرآن الجو العام للسورة تاريخ نزولها ليفهم دلالات الآيات. الذين قالوا أن السورة نزلت في السنة التاسعة من الهجرة أنا – لا أخفي عليك- أتعجب من قولهم هذا

د. الشهري: لعله غاب عنهم التفكير في مرحلية

د. زيد: ربما سبحان الله أحياناً يخدعهم أثر ويصرفهم عن الدلالات العامة لسياق السورة

د. الشهري: هذا فيما يتعلق بتاريخ نزولها هل هناك سبب نزول مباشر لهذه السورة؟

د. زيد: ورد فيها سبب نزول في القصة التي ذكرتها قبل قليل حين قال عبد الله بن أبيّ عليه من الله ما يستحق: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ، إذ أراد في هذا المقام أن يحتكم في بيان العزّة للأرض وليس للسماء “لئن رجعنا إلى المدينة” هو الآن خارج المدينة

د. الشهري: والمدينة تعتبر بلده

د. زيد: باعتبار أنها بلده فأراد أن يحتكم إليها وسيأتي الحديث عن هذا، الله سبحانه وتعالى ربط العزة بالسماء وقال: ولله العزة وليست للأرض.

د. الشهري: دعنا نتحدث عن مقصود السورة الأساسي، السورة اسمها المنافقون وثبت في السنن أن هناك من سماها بالمنافقين وأنها نزلت في هذا الوقت من تاريخ النفاق، ما هو مقصدها الأساسي؟

د. زيد: مقصدها الأساسي وقد يفسر لنا سبب تسميتها بالنفاق لأنها تتحدث عن مرحلة حرجة في تاريخ النفاق بالنسبة للمسلمين فكأنه يقول تنبهوا يا مسلمون ولهذا سمينا هذه السورة باسمهم تنبهوا لهذه المرحلة الخطيرة. ولذلك في غزوة تبوك كانوا أقل من أن تسمى باسمهم سورة

د. الشهري: وأيضاً تأثيرهم لا يمكن أن

د. زيد: ليس لهم تأثير. يعني أعرضوا، تقريباً أفل نجمهم فهم أقل من أن تسمى باسمهم سورة لكن في هذا الظرف السنة الخامسة والسادسة سميت باسمهم سورة لأنهم كانوا يشكلون خطراً حقيقياً داخل الصف، لماذا داخل الصف؟ لأنهم اخترقوه، اخترقوه بماذا؟ بإعلانهم الإسلام. قبل ذلك قبل بدر كان عبد الله بن أبي يقول للرسول صلى الله عليه وسلم ابق مكانك لا تؤذينا بغبار حمارك من أرادك جاءك، كما في القصة في صحيح البخاري، لكن لما هُزم المشركون في بدر وانتصر المسلمون في بدر أعاد حساباته فبدأ يخطط للأمر إلى أن قرر أن يكون جزءاً من هذا الصف ليبدأ بمحاربته من داخله وسنرى كل ما سيأتي بعد ذلك من حديث لا يصلح إلا أن يصدر عن إنسان داخل الصف.

د. الشهري: أستأذنك بسؤال معنا على الهاتف.

إتصال من الأخت زهرة من الرياض: المنافقون كانوا يخافون في السابق ما هي الأسباب التي جعلت المنافقين فيما بعد يصبحوا أقوياء فيما بعد. نريد كتاب للمبتدئين يتكلم عن أسباب النزول ويكون مبسطاً.

د. زيد: نجيب على السؤال الأول باختصار هي تقول لماذا كان المنافقون في العصر الماضي يخافون والآن لا يخافون؟ هذا الأمر يعود لقوة المجتمع الإسلامي كلما قوي المدتمع وتنبّه كان احتكامه إلى الشرع أقوى كانوا أضعف وكلما ضعف المجتمع الإسلامي برز المنافقون

أما السؤال عن كتاب مختصر في أسباب النزول: كتاب “أسباب النزول” للسيوطي أو “لباب النقول في أسباب النزول” و”المسند الصحيح من أسباب النزول” للشيخ مقبل الوادعي رحمه الله

د. الشهري: نعود إلى مقصد السورة

د. زيد: السورة مقصدها بيان محاولة اختراق من المنافقين للصف الإسلامي وتحذير الله تعالى للمسلمين من هذا الاختراق.

د. الشهري: والله هذا موضوع في غاية الخطورة.

د. زيد: ولهذا إذا أردنا أن نقف بإيجاز شديد: المؤكِّدات (إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ) بنفسك أنت لم يذهبوا للمسلمين وإنما جاؤك أنت يا رسول الله يا رأس القيادة يا رأس الدولة (قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ) قالوا ونشهد جمع بين القول والشهادة وواحدة منهما تكفي (نَشْهَدُ إِنَّكَ) التأكيد بـ (إنّ) (لَرَسُولُ اللَّهِ) اللام المؤكدِّة اللام المزحلقة، واسمية الجملة، كم مؤكد فيها؟

د. الشهري: كلها تؤكد الموقف

د. زيد: قوة الاندفاع في النصرة، قوة الاندفاع في الاختراق للصف المسلم ولكن الله لهم بالمرصاد (وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ) نفس المؤكدات التي استخدمها المنافقون في إثبات إيمانهم المزعوم ردّ الله عليهم وبيّن أنهم كاذبون، لماذا كاذبون؟ لأنهم اتخذوا أيمانهم جنة. لأنه ما دام المرء كافراً لن يجد له مكاناً في الصف المسلم وأنت تعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان ياخذ الناس بظاهرهم ويكِل إلى الله سرائرهم فلما تنبهوا لهذا وعلموا أن النبي صلى الله عليه وسلم يكتفي بما عندهم من أقوال ويكل أمرهم إلى الله وجدوا هذه فرصة سانحة لهم فدخلوا في الصف وأرادوا أن يؤثروا في القرار ولهذا استخدموا كل امكاناتهم التي ذكرها القرآن (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ)

د. الشهري: لجمالها وروعتها

د. زيد: لماذا؟ لأن المنافق أحياناً يتكلم بالمصلحة العامة والحديث عن المصلحة العامة يخدع العامة.

د. الشهري: كما يحدث الآن

د. زيد: الحديث عن المصلحة العامة يخدع العامة. (هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنفَضُّوا) لماذا؟ قال عبد الله بن أبي للناس لجماعته من أهل المدينة حين تجمعت القبائل العربية حول المدينة وكان النبي ينفق عليها شعر عبد الله بن أبي أن هذه قوة رديفة للنبي صلى الله عليه وسلم، قبائل تحيط بالمدينة الرسول اتخذها سياجاً حماية المدينة بأقل تكاليف لا يمكن لعدو أن يخترق المدينة والقبائل هذه موجودة. عبد الله بن أبي  شعر بهذا فقال لأهله وجماعته وللمسلمين عامة قال لا تنفقوا عليهم لأن هؤلاء لا نستطيع أن ننفق عليهم أهل المدينة أولى بأموالهم. وهذا الحديث الآن يدور في أي بلد يقولون لك المواطِن أولى من تقديم المساعدات إلى الدول المحتاجة ويغيب عن بال هؤلاء أن من أبرز معالم قوة الدولة أن يكون لها حضور على الساحة الدولية وإلا كيف تحضر؟ بما تدفع. والنبي صلى الله عليه وسلم تنبه لهذا البعد العظيم فكان ينفق على المحيطين بالمدينة، كانوا سياجاً لها وإن كان منهم من جاء للأكل والشرب وتحدث القرآن عنهم في الأحزاب فلما شعر أطلق هذه الغيرة المزعومة على مصالح المسلمين قال لا تنفقوا على هؤلاء حرصاً على أموالكم.

د. الشهري: أستأذنك شيخنا بهذا الفاصل القصير نشاهد فيه سؤال هذه الحلقة ثم نواصل الحديث عن سورة المنافقون.

———–

فاصل: سؤال الحلقة:

قال تعالى (يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4)) ما هو معنى كلمة أنى يؤفكون؟

  • يكذبون
  • يصرفون عن الإيمان
  • يفكرون

————-

د. الشهري: حياكم الله أيها الأخوة المشاهدون مرة أخرى ولا زال حديثنا متواصلاً عن سورة المنافقون مع ضيفنا الأستاذ الدكتور زيد عمر العيص أستاذ الدراسات القرآنية في جامعة الملك سعود حياكم الله مرة أخرى. كنا نتحدث عن محور سورة المنافقون وتحدثت بحديث رائع جداً نحن بأمس الحاجة إليه في زماننا هذا وربطه بواقع الناس اليوم والخوف من المنافقين. خطر لي سؤال ولعله يكون إتماماً لحديثك وهو أن القرآن الكريم ورد الحديث عن المنافقين في سورة المنافقين وفي سورة التوبة وفي سورة النساء وفي سورة البقرة وفي سورة الأحزاب والنور ولم يذكر في موضع واحد اسم منافق واحد لا عبد الله بن أبيّ ولا غيره فما هي الحكمة يا ترى؟

د. زيد: ذُكرت بعض الحكم وأنا أقتصر على واحد منها وهم الأهمّ، قيل أن القرآن لا يعير الناس ولا يشهّر بالناس ولا يذكر اسماءهم هذا التعليل ربما يكون عليلاً

د. الشهري: لأنه ورد (تبت يدا أبي لهب)

د. زيد: أنا أعتقد أن السبب هو ليبين الله تعالى للناس أن النفاق ظاهرة متجددة في كل زمان ومكان إذا دعت الحاجة إليها عند أصحابها وأن النفاق ليست صفات شخصية مرتبطة بأشخاص تموت بموتهم. لو قال قال عبد الله بن أبي وصنع عبد الله بن أبي وفعل عبد الله ب أبي لمات عبد الله بن أبي إلى جهنم وبئس المصير ومات معه هذا المشروع

د. الشهري: ولكن الواقع لا،

د. زيد: النفاق ظاهرة متجددة تظهر بظهور الأسباب وليست صفات أو أخلاق ترتبط باشخاص تذهب بذهابهم.

د. الشهري: هل ترى يا دكتور زيد الآن عندما يظهر كثير من صفات المنافقين التي ذكرها الله في القرآن الكريم نجدها ظاهرة في تصرفات كثير من المعاصرين سواء من الكُتّاب أو السياسيين أو غيرهم فيأتي البعض ويصم البعض هذا منافق وهذا منافق، هل هذا سائغ؟ أم يُكتفى ببيان أن هذا الفعل من أفعال المنافق؟

د. زيد: وصف الناس بهذا الوصف أمر خطير. كما ورد في البخاري أن عبد الله بن أبي كان يقف – في البخاري هذه أنا وقفت عليها في فتاوى لشيخ الاسلام لكن هل هي  في البخاري أنا أتوقف الآن لكني أحسبها عند البخاري- كان يقف كل يوم جمعة بعد خطبة النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو الناس لمتابعة النبي صلى الله عليه وسلم وطاعته

د. الشهري: حتى قبل الخطبة كان يقول استمعوا لرسول الله،

د. زيد: هذه من صفاته إلى أنه بعد غزوة بني المصطلق أبعدوه بعدما كشفوا أمره. ولهذا الصحابة ما كانوا يعرفون المنافقين بأسمائهم وإنما كانت بالأوصاف، لكن أن نصف الناس بهذا الأمر قد يكون خطيراً إنما نحن نتحدث عن أوصاف المنافقين وليس على الذوات، الذوات مسلك خطير يجب أن نحذره وألا نجعل من أنفسنا حكاماً على الآخرين وأن نتجنب التصنيف ولكن نحن مأمورون أن نبين التوصيف، لا للتصنيف ونعم للتوصيف، أنا أوصّف إذن هذه هي حالة المنافق بعد ذلك

د. الشهري: مثلاً من صفات المنافق “إذا خاصم فجر” ثم تجد بعض الناس فيه هذه الصفة تكاد تكون ظاهرة، الفجور في الخصومة فيقال هذه صفة من صفات المنافقين لكن يقال فلان منافق

د. زيد: نحن نتحدث في هذه السورة عن نفاق الاعتقاد وما صاحبه من نفاق عمل أما النفاق الذي يكون بالأفعال عند المسلمين هذا دعنا منه الآن.

د. الشهري: دعنا ندخل في سورة المنافقون ونتوقف عند مقاطعها أو عند أبرز النقاط فيها. أولاً في قوله (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ)

د. زيد: أنا أعتقد أن الآيات تتحدث عن حالات مر بها بعض المنافقين منهم من آمن ابتداء وكان إيمانه ضعيفاً ثم من الضغط الاجتماعي المحيط به عاد إلى كفره وأظهر النفاق. والفت انتباه المشاهدين الكرام إلى مسألة حديث القرآن عن المنافقين في هذه السورة لا يعد حديثاً عن أعيانهم جميعاً بل يتحدث عن ظواهر توجد في صف النفاق عندما يقول القرآن الكريم (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ) هل كل منافق كان بهذه الصفة؟ الجواب: لا، إنما يريد أن يقول مثلما نقول الآن الجامعة الفلانية فيها من يدخّن مثلاً هل نقصد الجميع؟ فيها من يشتري بحوثاً، فيها من هو متميز جداً، إنما نقول هناك ظاهرة صغرت أم كبرت موضوع آخر. حديث القرآن هنا الآن عن ظاهر في صف المنافقين، منهم من كان يؤمن ثم يكفر، منهم من كان حسن الهندام والشكل (تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ) والمراد بالأجسام هنا اللباس والهندام يعني الجسم المكتسب وليس الخَلقي لأن هذا الأمر لا يُتصور عندما يزين نفسه كما حصل مع ابن حنيفة القصة المشهورة حينما دخل على مجلسه شخص عليه لباس العلماء وكان أبو حنيفة رحمه الله يتبسط أمان تلاميذه فيمدّ رجله بسبب ألم في ركبته فلما دخل هذا الرجل وجلس ظنه أحد علماء الأنصار فقبض رجله على ألم وكان أبو حنيفة يتحدث عن أوقات النهي فقال لا يُصلّى إلا بعد طلوع الشمس، فقال هذا الرجل: وإذا لم تطلع الشمس لا نصلي؟ فقال أبو حنيفة القول المشهور: آن لأبي حنيفة أن يمدّ رجله. فالمنظر والمظهر يخدع، أحياناً تجد إنساناً عليه سمة العلماء عليه سمة الصلاح، سمة الغنى ربما يُخدع به والمنافقون كانوا يحرصون لأن سوء الطويّة كان يُستعان عليه بحُسن المظهر وحُسن المنظر في محاولة لاخفاء سوء المخبَر ولا شك أن حسن المنظر يخدع حتى الكبار، أحياناً أنا وأنت ربما نُخدع بهذا الأمر.

د. الشهري: أنا أذكر شيخاً الشيخ زائر الألمعي الله يحفظه يقول: عندما ذهبت إلى المعهد العلمي في شقرا وهو كبير في السن فحاولت أن أقدم في الرياض فقالوا ليس هناك قبول في المعهد فلما تعاملت وكان في العام 1380 فذهبت إلى شقرا ولبست البشت -وهو كبير في السن- فلما رآني مدير معهد شقرا اعتقد أني مفتش من الرياض وأنا طالب!

اتصال من مظفر من الرياض: هل يجوز إذا حلق الإنسان لحيته أو لا يصلي يقال له منافق؟

د. زيد: البعض يقول أن الإنسان إذا كان حليقاً ولا يصلي يقال له منافق،

د. الشهري: بالمناسبة أناس كثير تساهلوا في هذا وأصبح يوصف بالنفاق والعلمانية كثير من الناس وهذا يجب أن نتنبه إليه

د. زيد: نتنبه إلى حدّ، نحن لا ينبغي أن نصف غير المنافقين بهذا الوصف. وفي نفس الوقت من ظهر نفاقه بأدلة قطعية فينبه على أنه منافق لكن لا افراط ولا تفريط

د. الشهري: هذا الذي نسعى إليه “التوازن”. نعود إلى قوله

د. زيد: السورة الآن وأنا أرجو من الذي يقرأ هذه السورة من المشاهدين الكرام أن يدخل هذا المدخل في التسلسل كيف أن الصف المسلم موجود وهم خارج الصف فجاؤوا ودخلوا إلى الصف وأعلنوا إسلامهم، وحُقّ لهم بلا إله إلا الله أن يكونوا جزءاً منهم لا أحد يستطيع أن يعترض عليهم حتى النبي صلى الله عليه وسلم قال أقبل منكم هذا، حتى الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقتل المنافقون كع علمه بأنهم منافقون قبِل منهم ظاهرهم

د. الشهري: البعض يرى أن كل من يُشَكّ فيه يجب أن يُقتَل

د. زيد: لو فتحنا هذا الباب لانهار المجتمع المسلم. أنت تصور لو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقتل المنافقين الذي يصلي ويصوم، تصور شخصاً بعدما صلى مع الرسول صلى الله عليه وسلم صلاة المغرب جماعة التفت الرسول من صلاته وقال لأحد الصحابة الكرام: يا فلان خذ فلان واقتله في الخارج فإنه منافق! لكان كل من يخرج من بيته إلى الصلاة يودّع أهله ويوصيهم، لماذا؟ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم فعل كذا، وحاشاه أن يفعل هذا.

د. الشهري: والنبي قاله: سيتحدث الناس ويقولون محمد يقتل أصحابه

د. زيد: لأنه هذا صحابي بظاهره ولهذا لا نتوسع في هذا الأمر. أعود واقول نحن نبين الأوصاف

د. الشهري: لعلنا نتوقف في قوله (هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ) لكن أستأذنك نأخد اتصالاً

اتصال من الأخ أبو حسن من الإحساء: السؤال الأول (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ (124) البقرة) الذي يقرأ الآية يظن أن ابراهيم هو الذي ابتلى ربه فأرجو التوضيح.  والسؤال الثاني (لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ (101) التوبة) أليست (نحن) صيغة جمع؟ لماذا لم يقل وأنا أعلمهم أو الله يعلمهم؟

د. الشهري: في قوله (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ) هذه الصفات؟

د. زيد: نربط هذا الكلام بما قبله أود أن أنبه إلى شيء وهو أن القرآن الكريم نبّه إلى أن النفاق اخترق الصف والمجتمع المسلم بإمكاناته المادية والذاتية وبامكاناته الموجودة على الساحة في قوله (وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ (47) التوبة) هذه امكانات أدوات اخترق فيها المنافقون الصف المسلم ولكن الله تعالى ما تركهم على ما هم عليه، كان في كل مقام ينبّه ويعالج ويكشف. حين قال (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ) هنا قال بعض المفسرين الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد به أمته لأن لا يُعجب بهم ولا يُخدع بهم، صحيح ولكن الخطاب هنا نحن نقول للنبي على حاله وكأن الله يريد أن يقول: يا أيها المسلمون إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم بظاهرهم قد يقبل منهم بدون تدخل الوحي، فما بالكم أنتم؟! إذا كان النفاق أراد أن يؤثر وقد فشل في هذا على النبي صلى الله عليه وسلم فتنبهوا أنتم لهذا القرآن الكريم كلما ذكر لهم صفة أو أداة أرادوا أن يخترقوا بها الصف المسلم نبّه إلى عوارها هنا قال (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ) هذا أمر خطير لكن قال لا عليكم كأنهم خشب مسندة.

د. الشهري: (كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ) واسمح لي أن نشرح هذا المثل بعد أن نسمع الأخ عادل من العراق

الأخ عادل من العراق:عندي سؤالان: السؤال الأول في قوله تعالى (سَوَاء عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ) هل هذا حصراً للمنافقين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم أم هنا إذا عرفنا نحن منافقون في هذا الوقت أن لا ندعو لهم ولا نهديهم ولا نطلب لهم الصلاح. السؤال الثاني في سورة آل عمران (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ (112)) أرجو توضيح ما معنى حبل من الناس؟

د. زيد: القرآن الكريم في هذه السورة كلما ذكر وسيلة يعتمد عليها المنافقون في إيذاء الصف المسلم واختراقه نبه إليها وطمأن الصفّ المسلم إلى أن هذه الأدوات ليست بشيء. هذا الذي يعجبكم شكله وهيأته ولفظه هذا هو في حقيقة الأمر خُشُب مسندة. أولاً قال خُشُب والخُشُب ميتة، جمع خشبة أي ميتة ثم قال (مسنّدة)

د. الشهري: يعني مستندة على الجدران؟

د. زيد: نعم، والمراد بها أن المنافقين يعتمدون على غيرهم سواء في الداخل والخارج لاستمداد قوتهم، المنافق بذاته لا دلالة له

د. الشهري: يعني هذه دلالة المسمى

د. زيد: طبعاً، المستنِد بغير الجدار يقع، أزِل الجدار يقع المنافقون جميعاً. (يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ) كاد المريب أن يقول خذوني. (يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ) كلما نزلت سورة كلما تحدّث الرسول صلى الله عليه وسلم عن شيء يقولون هذا المراد.

د. الشهري: (يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم قُلِ اسْتَهْزِؤُواْ إِنَّ اللّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ (64) التوبة)

د. زيد: ولهذا كاد المريب أن يقول خذوني (هُمُ الْعَدُوُّ) هذا يسمونه قصر حقيقي

د. الشهري: ما دلالته يا دكتور؟

د. زيد: دلالته على أنه كأنه يا محمد صلى الله عليه وسلم يا مسلمون ليس لكم على وجه الأرض عدو إلا هؤلاء، كقول النبي صلى الله عليه وسلم “الحج عرفة” بدون عرفة ليس هناك حجّ. كأنه يريد أن يقول لهم: لو لم يوجد منافقون لم توجد لهم عداوة على وجه الأرض لأنهم كان لهم دور في صناعة الأعداء للإسلام وهذه نقطة مهمة أيضاً المنافقون يصنعون الأعداء للإسلام فكل عداوة تقع على الصف المسلم إذا تتبعتها فستجد أن وراءها منافقون

د. الشهري: والله التاريخ يشهد بهذا فعلاً من عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليوم تجد في المشهد منافقون

د. زيد: ولذلك قال (هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ) لكن لما قال (هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ) هذا ربما يبعث القلق في نفوس المسلمين طمأنهم مباشرة فقال (قَاتَلَهُمُ اللَّهُ) طمأنهم الله. وقاتل هنا بمعنى قتل ليست على بابها الله لا يقاتل الله يقتل وقال قاتلهم الله من باب المشاكلة هم يجتهدون في إيذاء المسلمين والردّ عليهم قتال من الله تعالى، فما بالك بفئة الله يقاتلها؟!!

د. الشهري: لا شك أنها مهزومة. نُكمل نجيب على الأسئلة نستأذنك بفال قصير ثم نواصل حديثنا فانتظرونا.

——————-

فاصل تعريف بنشاطات مركز تفسير

مطبوعات مركز تفسير – كتب علمية – أبحاث –

——————

د. الشهري: حياكم الله أيها الأخوة المشاهدون مرة أخرى ولا زال حديثنا متصلاً بهذه الحلقة المباركة عن سورة المنافقون مع شيخنا الأستاذ الدكتور زيد بن عمر العيص أستاذ الدراسات القرآنية بجامعة الملك سعود في الرياض وقبل أن نواصل حوارنا نشاهد الفائز في مسابقة الأمس

الفائز في سؤال الأمس: مجاهد أحمد رشيد من خميس مشيط – السعودية

د. الشهري: اسمح لي أن أعرض أسئلة الإخوة، سأل الأخ (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ (124) البقرة)

د. زيد: هذه من صور تقديم المفعول التي ذكرها ابن هشام، والمبتلي هنا هو الله تعالى وهي واضحة (إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ) من صور التقديم، إذا كان الضمير يعود على المفعول فيقدّم وهذه من الصور وهذه ليس فيها قرآءة أخرى والمبتلي هو الله سبحانه وتعالى

د. الشهري: سأل سؤالاً آخر في قوله تعالى (نحن نعلمهم)

د. زيد: هذا كثير في القرآن من باب التعظيم.

د. الشهري: ما دلالته؟

د. زيد: دليل العظمة، للتعظيم (إنا نحن نزلنا الذكر) هذا كثير في القرآن ولا يتنافى مع الوحدانية لكن من باب التعظيم.

د. الشهري: أذكر موقفاً حصل لأحد الزملاء د. عبد الله في الجنوب قال جمعت مجموعة من الأطباء المسيحيين للتعريف بالدين فقال أحدهم وهو بريطاني اعترض عليّ قال أنتم تقولون أن الله واحد وهنا في قوله (إنا نحن نزلنا الذكر) we are كيف تقولون أنه واحد وهو يقول نحن؟ قال فسألته مباشرة: أنت من بريطانيا وملكتكم اليزابيت هل تعبر عن نفسها في القرارات فتقول: أنا أو نحن؟ كما في القرارات الملكية عندنا: نحن عبد الله بن عبد العزيز، نحن فهد،  فقال لا هذا صحيح. فهذا أسلوب للتعظيم.

الأخ عادل من العراق يقول (سَوَاء عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ) هل هذا خاص بالمنافقين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أو بالنبي صلى الله عليه وسلم أو يراد بحق كل المنافقين؟

د. زيد: هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم لأن استغفار النبي لشخص يقع موقعه فالله تعالى يقول له: “أما هذه الفئة فلا”، أما الآن الدعوة للمنافقين بالتوبة والعودة إلى الله سبحانه وتعالى هذا أمر طيب، نحن ندعو للمنافقين والكفار أن الله يهديهم.

الأخ أبو عبد الرحمن من العراق: لي سؤالان: السؤال الأول في قوله تعالى (إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ) لماذا خالف الله بين الشهادة والعلم؟ ما قال والله يعلم إن المنافقين لكاذبون؟ السؤال الثاني هل في إعلام حذيفة بأسماء المنافقين فتنة؟ فكما نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أعلم الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان رضي الله عنه باسماء المنافقين وكان عمر رضي الله عنه يساله هل ذكرني رسول الله؟ حتى برّأه، هل لهذا من حكمة؟

د. الشهري: السؤال الثاني للأخ عادل يقول أن الله سبحانه وتعالى ذكر اليهود في سورة آل عمران (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ (112)) ما المقصود بحبل من الناس؟

د. زيد: حبل الله انقطع بكفرهم وأما حبل الناس هو ما نراه الآن

د. الشهري: تعاون الناس معهم كأميركا. الأخ أبو عبد الرحمن سأل سؤالين الأول (إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ) فما الفرق بين العلم والشهادة؟

د. زيد: هذه مواضع الاحتراس في القرآن. والاحتراس هو دفع توهم معنى غير مقصود قد يرد على ذهن السامع. الآية قالت (إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ) قد يظن ظان أن الله يكذب قولهم بأنك رسول لكن الصحيح الله يقول أنا أعلم أنك رسول الله ولكنني أكذّب قولهم، صدقهم فالتكذيب هنا وقع ليس على أصل القول بأنك رسول الله ولكن التكذيب وقع على مقولتهم هم فهم كاذبون في زعمهم غير صادقين فيما يقولون نحن نعلم أنك رسول الله. هذا من مواضع الاحتراس الظاهرة في القرآن الكريم.

د. الشهري: والاحتراس هذا فن من فنون البلاغة وأنا أذكر أنك أشرفت

د. زيد: هناك رسالة دكتوراة لطالبة للأستاذة حنان العنيزي

د. الشهري: السؤال الآخر أن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه وأمين سر النبي صلى الله عليه وسلم أخبره النبي صلى الله عليه وسلم بأسماء المنافقين فقط

د. زيد: والله أنا عندي في هذا قول. أنا أتوقف في قبول هذه الرواية ولا أظنها صحيحة وبخاصة في تكملتها أن عمر رضي الله عنه كان كثيراً ما يتودد إلى حذيفة ليتأكد هل أن اسمه وارد في القائمة أم لا، أنا أعتقد أن هذه غير صحيحة وأخشى أن فيها دسيسة شيعية، أنا هذه الرواية كلها أنا متوقف في شأنها وفي قبولها وأنكر أن يكون عمر رضي الله عنه صنع هذا الصنيع لأنه إذا كان عمر يظن أنه من المنافقين فما بقي للإسلام قائمة!!.

د. الشهري: رضي الله عنه. طبعاً العلماء يذكرونها في باب أنه ينبغي على كل أحد أن يخاف على نفسه

د. زيد: يخاف كل واحد على نفسه لكن عمر كان يتودد إلى حذيفة ويرجوه: أنا اسمي وارد أم لا، هذا مستحيل هذا الكلام فيه نيل من مقام عمر صحيح بعضهم يريد أن يوظفه ليقول خوف عمر وشفافية عمر وتقوى عمر هذا محل اتفاق كله لا مساومة عليه إنما المهم في الأمر أني أعتقد أن القصة غير صحيحة وأن حذيفة كان معه قائمة بالمنافقين أنا أشكك في هذه الرواية.

د. الشهري: هذه مسألة علمية نناقشها مرة أخرى. نعود إلى السورة (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ)

د. زيد: تمرّد على المرجعية وكشف لقولهم فيبداية السورة (نشهد) وهنا يظهر – الله سبحانه وتعالى يكشف المنافقين لا يدع لهم فرصة يضحكون على الناس، يكشفهم هنا لما قالوا (نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ) إذا كنتم تشهدون أجيبوا، تعالوا يستغفر لكم، قالوا لا، إذن أنتم كذابون. الوقت أدركنا، عندنا مسألتان أولها أن المنافقين هم أول من ابتدع الحرب الاقتصادية في الصف المسلم والتي هي الآن تستخدم في كل مكان (هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ) لأن المنافقين شعروا أن الانفاق يسهم في بناء الدولة وفي قوة المسلمين

د. الشهري: وهذا جواب إحدى الأخوات على التويتر تقول اقتران الإنفاق بالنفاق

د. زيد: (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ (37) النساء) لأن الإنفاق يسهم في بناء الدولة ولهذا المنافقون أول من ابتدع هذا. لماذا؟ (حَتَّى يَنفَضُّوا) إذن الغاية اِضعاف الدولة بانفضاض الناس من حولها. والجواب جاء مباشرة من الله (وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) ليست خزانة بل خزائن، ليس السموات بل السموات والأرض.

الأمر الآخر وهو المهم أن المنافقين يريدون أن يعيدوا الناس إلى الاحتكام إلى الأرض لتكون سبب العزّة

د. الشهري: (يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ)

د. زيد: لماذا هم الأعز؟ لأنهم أصحاب الأرض بزعمهم والنبي دخيل عليهم فأراد الله سبحانه وتعالى أن يحطم هذه القاعدة الجاهلية التي يزعم بعض الناس أنه يستمد عزته من أرضه ولو كان الأمر كذلك ما خرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) وهذا الحديث إشارة أن العزيز من أعزّه الله والعزيز بإيمانه وليس بأرضه فكم من ذليل يقيم على أرضه وكم من عزيز مشرد عن هذه الأرض!

آخر السورة باختصار شديد: الخطاب فيها للمؤمنين (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) تريد أن تقول الآية أن من صفات المنافقين الانشغال بالأموال والأولاد (شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا (11) الفتح) فالله سبحانه وتعالى يريد أن يقول لنا القرآن استعرض والسورة ذكرت صفات المنافقين بعضها يُخرج من المِلّة وبعضها لا يُخرج، الذي يُخرج من الملة نسبها للمنافقين والتي لا تُخرج من الملة بظاهرها الانشغال بالأموال والأولاد وجّه الخطاب للمؤمنين كأنه يقول لهم يا أيها المؤمنين إن المنافقين يُشغلون بأموالهم وأولادهم عن ذكر الله فلا تكونوا مثلهم لكن ما قال لهم إن المنافقين يعرضون عن استجابة دعوة رسول الله فأنتم لا تصنعوا مثلهم فهذا لا يحصل منهم إنما الذي قد يحصل من المسلمين الانشغال بالمال والأولاد فذكّرهم بها فالسورة من أولها لآخرها منظومة متكاملة

د. الشهري: اسأل الله أن يتقبل منك دكتور كانت حلقة ماتعة جداً كما توقعتها وأسأل الله أن يكفينا وإياك والمشاهدين النفاق وأسبابه ونكون بإذن الله قد انتهينا من سورة المنافقون

د. زيد: ويهدي المنافقين إن شاء الله في هذه الأيام المباركة.

د. الشهري: وصلنا إلى نهاية الحلقة أشكركم وأشكر باسمكم ضيفي الأستاذ الدكتور زيد بن عمر العيص أستاذ الدراسات القرآني بجامعة الملك سعود بالرياض أراكم غداً إن شاء الله وأنتم على خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

د.زيد: وأنا اشكركم وأشكر المشاهدين.