العلم والإسلام في سورة النمل
إعداد موقع إسلاميات
تأمل هذا النسق من سورة النمل (وأتوني مسلمين) (قبل أن يأتوني مسلمين) (وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين) (وأسلمت مع سليمان) (فهم مسلمون) (وأمرت أن أكون من المسلمين). د. أحمد نوفل.
تكرر لفظ (مسلمين) ومشتقاته في السورة في ست آيات أربع منها في قصة سليمان عليه السلام مع ملكة سبأ:
- (أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ﴿٣١﴾)
- (قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ﴿٣٨﴾)
- (فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ ﴿٤٢﴾)
- (قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿٤٤﴾)
- (وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآَيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ ﴿٨١﴾)
- (إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴿٩١﴾)
يقول سيد قطب في الظلال: التركيز في هذه السورة على العلم، علم الله المطلق بالظاهر والباطن، وعلمه بالغيب خاصة وآياته الكونية التي يكشفها للناس، والعلم الذي وهبه لداود وسليمان، وتعليم سليمان منطق الطير وتنويهه بهذا التعليم. ومن ثم يجيء في مقدمة السورة: (وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآَنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ ﴿٦﴾). ويجيء في التعقيب (قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ﴿٦٥﴾ بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآَخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ ﴿٦٦﴾)،.(وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ ﴿٧٣﴾ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ ﴿٧٤﴾ وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴿٧٥﴾) ويجيء في الختام: (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا). ويجيء في قصة سليمان:( وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ ﴿١٥﴾). . وفي قول سليمان: (وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ). وفي قول الهدهد:( أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ ﴿٢٥﴾). وعندما يريد سليمان استحضار عرش الملكة , لا يقدر على إحضاره في غمضة عين عفريت من الجن , إنما يقدر على هذه: (قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ).
ومن محاولة تدبرية لمعرفة ارتباط العلم الذي ركزت عليه السورة بتكرار التعبير (مسلمين) فيها أقول والله أعلم أن العلم النافع إنما هو العلم الذي يقود العبد للاستسلام لله عز وجل والتسليم له تسليمًا مطلقًا بأنه هو سبحانه العليم الخبير وهو العلم الذي يورث الخشية من الله تعالى وأيّ علم لا يصل بالإنسان إلى ربه فهو ليس من العلوم النافعة في الآخرة. وكلما ازداد الإنسان معرفة بالله سبحانه وتعالى ازداد تعظيمه له وازداد شعوره بضعفه أمام هذه العظمة الإلهية والقدرة والقوة فلا يسع هذا العارف بربه إلا أن ينصاع له ولأوامره طائعًا مخبتًا خاشعًا منكسرًا بين يديه مسلمًا أمره إليه مستسلمًا له في كل أمره. ويقول ابن رجب: فالعلم النافع ما عرّف العبد بربه ودلّه عليه حتى عرفه ووحّده وأنس به واستحيا من قُرْبِه وعَبَدَه كأنه يراه.
هذا والله تعالى أعلى وأعلم.