الفاء المباركة – فأوحينا إليه أن اصنع الفلك
بسم الله الرحمن الرحيم (قَالَ رَبِّ انصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ {26} فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا {27} المؤمنون) أنتم تعلمون أن سيدنا نوح عاش ألف عام وكان كلما دعا قومه يضربونه حتى يغمى عليه ويبقى أسبوع أو أسبوعين مريضاً ثم يشفى ثم يأتيهم فيدعوهم ثم يضربونه وهكذا. إذا قلنا أنه عاش ألف سنة إلا خمسين عاماً وجاءته النبوة في سن الأربعين تقريباً تسعمائة سنة وهو يعاني من هذا، ما هذا الظلم المستمر تسعمائة سنة بحيث ما لانوا ولا آمنوا؟! وما آمن معه إلا قليل حملهم بعد ذلك في سفينة صغيرة في فلك وليس سفينة الفلك يعني سفينة صغيرة، (قَالَ رَبِّ انصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ {26} فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا {27} المؤمنون). وهكذا هو الظلم إذا شاع فإن الله سبحانه وتعالى سيهلك الظالمين أبداً (إياكم والظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة) ما معنى الظلم ظلمات يوم القيامة؟ أنتم تعرفون بأن الناس يحشرون يوم القيامة في الظلام، المحشر مظلم، حتى أن يهودياً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال أين يكون الناس يوم القيامة يا محمد؟ قال: في الظلمة دون الجسر دون الصراط، قال: أشهد أنك رسول الله).
إذاً هذا هو الظلم (الظلم ظلمات يوم القيامة) لا يوجد نور، لماذا؟ رب العالمين عز وجل يعطي أهل الصلاح نوراً على قدر أعمالهم (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ (12) الحديد) (رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا (8) التحريم) والنبي صلى الله عليه وسلم يقول هناك من يعطى نوراً بقدر كذا ومنهم أكثر ومنهم بقدر الشمس ومنهم بقدر كذا حتى أن بعضهم على إبهامه بصيص من نور. إذاً فالنور يوم القيامة هو الذي يؤنس وحشتك في ساحة المحشر لأنها ساحة مظلمة (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ (12) الحديد).
لكن إذا كنت ظالماً فليس لك نور مطلقاً سوف تحشر في ظلام دامس وتأمّل ذلك الفزع الأكبر وذلك الفزع العظيم والخوف المرعب وأنت في ظلمة وحدك (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ {34} وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ {35} وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ {36} عبس) إذاً النور هو الذي يؤنس وحشتك (رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا (8) التحريم).
من أجل هذا من الذين يحرمون من النور الظَلَمة، وهناك نوعان من الظَلَمة هناك ظلم الأقران هذا ليس محسوباً كأخوين أو مدرّسين أو صديقين موظف وموظف هذا من الأقران ليس مشكلة، ولكن المقصود ظلم صاحب السلطة مثلاً أنت عندك مدير عندك رئيس عندك حاكم عندك رئيس عمل وأمرك بيده يفصلك لا يرقيك ينقص من راتبك مثلاً قد يسجنك إلى آخره يعني له سلطة عليك (ما من أمير ثلاثة، ما من أمير عشرة إلا جيئ به مغلولة يداه إلى عنقه) الظلم يوم القيامة ظلمات. ولهذا سيدنا نوح ألف سنة إلا خمسين عاماً وهذا الرجل آذاه قومه أذىً عظيماً ولذلك حتى إبنه وزوجته كانت مع الكافرين، مأساة! ولذلك عليك أن تعلم بأن هذا الظلم إذا دعا المظلوم عليك فقد هلكت فدعاء المظلوم مستجاب وكما وعد الله عز وجل (إياك ودعوة المظلوم فإن ليس بينها وبين الله حجاب) قلنا عليك أن تعلم أن المقصود بالظالمين أصحاب السلطة وأصحاب النفوذ، أما نحن فكلنا نتظالم، تظالم الأقران ليس محسوباً تظالم الأقران مغفور تكفره الصلاة والصوم، لا، الظلم الأعلى الذي يظلمك ولا تستطيع له دفعاً هذا كما قال لسيدنا نوح (فاستجبنا له) أمره أن يصنع الفلك وأن يحمل معه الذين آمنوا من كل زوجين اثنين وحينئذ جميع شعبه كله غرق حتى ابنه (يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا (42) هود) قال (قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء (43) هود) عليك أن تعلم أن الظلم هكذا، إياك والظلم! والظالمون لا بد أن يُرِي الله عز وجل الناس عذابهم في الدنيا قبل الأخرة، ما من ظالم إلا ويرى الناس عذابه فى الدنيا قبل الآخرة، فإياكم أن تظالموا إذا كنت صاحب نفوذ على عشرة من الناس، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.