الفاء المباركة – فَعَسَى أُوْلَـئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ
بسم الله الرحمن الرحيم. أحياناً هذه الفاء المقدسة الفاء الشريفة لا تأتي بعد مقال كما ذكرنا سابقاً هناك من قال جملة فجاءت الفاء (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) القصص) وراءها (فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ (25))، (فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) الأنبياء) ورءها فاء (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ)، أحياناً بدون قول هناك فعل (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ (18) التوبة) ليس فيها قول وإنما فعل واحد بنى مسجداً سواء كان صغيراً أم كبيراً “من بنى لله مسجداً ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتاً في الجنة”. ليس فقط الذي بنى، الذي يحب المسجد من السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله رجل قلبه معلّق بالمساجد، تنظيفه مهر الحور العيون، الصلاة فيه بخمس وعشرين، التدريس فيه عجيب لأن تغدو إلى بيت من بيوت الله فتعلّم باباً من أبواب العلم خير لك من أن تصلي ألف ركعة. كل جهد فيه وحتى قمّه وكناسته مهر الحور العين. هذا المسجد أعجوبة العجائب، سوق الآخرة، فرق بين أن تتاجر من بيتك بدكان صغير وبين أنت في السوق تتاجر بالعملة الصعبة وبالجملة. العبادة في المساجد تجارة مع الله عز وجل (رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ (37) النور) رب العالمين يقول على هؤلاء الذي يبني المسجد يعمره سواء تعمير بناء أو تعمير علم (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ) قال (فَعَسَى أُوْلَـئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ) كلمة عسى في اللغة العربية للترجي هذا مجرد وعد هذا في كلامنا أما في كلام الله تعالى حقيقة تحقق (فَعَسَى أُوْلَـئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ) قد صاروا من المهتدين. فكلمة عسى في كلام الله عز وجل عندما يقولها الله ويعد بها يعني قد حصل (فَعَسَى أُوْلَـئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ) يعني قد اهتدوا. إذن هذه الفاء الشريفة في هذا الفعل كل جهد يتعلق بالمسجد، وجودك فيه، لو أسرجت فيه سراجاً، نظفته، قلبك متعلق به، كل جهد فيه من صلاة أو صيام أو ذكر أوقراءة مع أدب خفض صوت بوقار كل ما جاء فيه وفي التعامل معه هذا من أسباب أن الله أعطاك فاء شريفة أنك مهتدٍ وعدك الله بأنك عندما تفعل في المساجد هكذا فإنك مهتدٍ لأنها بيوت الله كما في الحديث القدسي “المساجد بيوتي وعُمّارها زواري وحقٌ على المزور أن يُكرِم زائره” وفي الحديث: “أحب البقاع إلى الله المساجد” وفي الأثر أن الملائكة يعرفون الأرض من المساجد لأنها تنير في السماء، المسجد الذي تصلي فيه قد يكون صغيراً قد يكون في قرية لو تعلم ما قيمته في السماء أكثر من أي شعلة كهرباء في العالم يعرفون البقاع من المساجد. هكذا هي المساجد فمن يعمرها بالذكر والصلاة والتسبيح والاعتكاف وما بين المغرب والعشاء أو يعمّرها بالبناء والتنظيف أو يخدمها خدمات بتحضير الماء أو الكهرباء أو الفراش (فَعَسَى أُوْلَـئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ) فاء الوعد فاء الفرح فاء العطاء (فَعَسَى أُوْلَـئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ) يعني قد اهتدوا هم مهتدون. فإذا كنت من أهل المساجد وكما في الحديث “أهل المساجد أهل الله وخاصته” فإذا كنت من أهل المساجد بالإعمار أو التعمير فأنت من أحباب الله عز وجل وقد شهد الله لك بالهداية فأنت مهتد (فَعَسَى أُوْلَـئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ) أي هم من المهتدين لأن عسى هنا في كلام الله ليست للترجي وإنما هي للوقوع والثبات. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.