سورة العلق
د. أحمد نوفل – النبأ العظيم
مع سورة جليلة متفردة هي أول الوحي نزولاً إنها سورة العلق (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴿١﴾ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴿٢﴾ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴿٣﴾ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ﴿٤﴾ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴿٥﴾) تسعة عشرة كلمة هي أول ما مزل من الوحي وأول ما صافح أذن الدنيا من كلام الله عز وجل.
اِقرأ أو العلق، رقم السورة 19 في ترتيب جزء عم ورقمها ست وتسعون في ترتيب المصحف، آياتها 19 آية. ما جوّها؟ ما ظلالها؟ ما معانيها؟ هذا ما نحاول أن نقف عليه إن شاء الله تعالى.
هذه السورة هي بداية الوحي. قبل أن ينزل الوحي على رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام أوتي الرؤيا الصادقة الصالحة فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، يرى الرؤى فتحدث كما رآها صلى الله عليه وسلم وحُبب إليه الخلاء تمهيداً للوحي، فالوحي ثقيل وأمانة جسيمة لكن المولى الحكيم يمهد هذا النبي العظيم لتلقي الوحي عن طريق الرؤيا الصادقة، عن طريق الآيات والمعجزات التي أن يصادفها رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم حُبب إليه الخلاء في جبل النور فكان يعتكف الليال ذوات العدد خمسة، عشرة، ما تيسر فإذا انتهى الطعام ونفد منه يعود للسيدة خديجة رضي الله عنها فتزوده ويعود ثانية إلى غار حراء يعتكف ما شاء الله له أن يعتكف. في إحدى هذه الاعتكافات شاء الله أن يُبتدأ الوحي فإذا بجبريل يأتيه على صورة رجل ثم بعد أن خرج صلى الله عليه وسلم من الغار رآه بصورته الملائكية. في الغار أتاه على صورة رجل وضمّ النبي إلى صدره وضغطه ضغطة شديدة حتى لا يتوهم النبي صلى الله عليه وسلم أن ما يراه مناماً أو رؤيا وإنما هو عيان، واقع، حقيقة بدلالة هذه الضغطة كما يقول صلى الله عليه وسلم “كادت تختلف عظامي” أي صدري يدخل في عظام ظهري، فقال له اِقرأ، قال ما أنا بقارئ إلى أن قال (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴿١﴾ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴿٢﴾ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴿٣﴾ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ﴿٤﴾ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴿٥﴾).
المناسبة واضحة وجلية ما بين القرآن العظيم ككتاب وبين (اِقرأ) أن تكون أو كلمة تنزل من القرآن (اِقرأ) واسم الكتاب الذي سيحتوي هذه السورة (القرآن)، هذا مدهش والله! أول كلمة (اِقرأ) والنبي أميّ والقوم الذين منهم النبي أمّيون والعالم من وراء قوم النبي أمّيون، أمّية، ظلمات بعضها فوق بعض وأول كلمة من قرآنكم أيها المسلمون (اِقرأ)! أليس هذا لافتاً للأنظار والأفكار؟ بلى والله. مما يُحزن ويُدمي القلب أن أمة اِقرأ لا تقرأ! عندما أسافر في البلاد أرى في كل يد كتاب فإذا رأيت يداً ليس فيها كتاب أعرف أنه عربي، هذا مؤسف ومحزن والله! الكتاب، أمة اِقرأ يجب أن تعود وتقرأ بكثافة، لا تنام يومك إلا إذا قرأت شيئاً من الفكر، شيئاً من الثقافة، شيئاً من الأدب، شيئاً من الفنون المختلفة، شيئاً في اللغة، اِقرأ، لكن اِقرأ باسم ربك الذي خلق. قرأت في الطب اِقرأ باسم ربك، قرأت في السياسة والاقتصاد والثقافة وعلم الاجتماع أياً كان العلم الذي تقرأ اِقرأه لكن بسم الله تعالى.
إذا تأملنا هذين السطرين 19 كلمة لكنها مدهشة! (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴿١﴾) اقرأ بدء الدعوة، (باسم ربك الذي خلق) بدء التكوّن البداية مع البداية. (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴿١﴾ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴿٢﴾ اقْرَأْ) نجد أن (اِقرأ) تكررت مرتين، (خلق) تكررت مرتين، (الإنسان) تكررت مرتين، (الذي) تكررت مرتين، (علّم) تكررت مرتين، شيء عجيب! في هذين السطرين كل هذه التكرارات موجودة.
ملاحظة أخرى، لاحظوا المنهجية: اقرأ ثم الخلق ثم اِقرأ. قارنها بقوله تعالى: الرحمن – خلق – علّم (الرَّحْمَنُ ﴿١﴾ عَلَّمَ الْقُرْآَنَ ﴿٢﴾ خَلَقَ الْإِنْسَانَ ﴿٣﴾ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴿٤﴾ الرحمن) إذن الخلق محاط هنا بعلّم وهنا علّم والخلق محاط هنا باِقرأ وهنا باِقرأ فكأن وجودك أنت محاطٌ بالقرآءة وبالتعليم. قبل أن توجد أيها المخلوق وُجدت لغرض القرآءة والعلم فحدد الله وجودك قبل أن تُوجَد. آيات سورة الرحمن تعني: الرحمن من أجل أن يعلّم القرآن خلق الإنسان والرحمن من أجل يقرأ هذا الإنسان كتاب ربه ثم يقرأ كل ما يخدم كتاب ربه خلقه ثم قال له اِقرأ بعدما نزل الكتاب و(اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴿٣﴾ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ﴿٤﴾ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴿٥﴾) تكررت هنا (علّم) مرتين و(الإنسان) مرتين.
نلاحظ ملاحظة تحتاج إلى تدقيق (وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴿٣﴾ الَّذِي عَلَّمَ) مرّ بنا في سورة الانفطار (يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ (7)) إذن الكريم خلق والأكرم علّم. كأن التعليم إيجادٌ أعلى من مجرد الإيجاد المادي. ما قيمة أن يوجَد البشر إذا كانوا سيتحولون إلى حصب جهنم؟ ما قيمة وجود الإنسان؟ يعيش على الأرض عدة سنوات ثم يخرج منها نسأل الله السلامة إلى جهنم؟ ما قيمة هذا الكلام؟ ليس له قيمة. ما الذي ينجينا من نار جهنم؟ إنه القرآءة شريطة أن تكون باسم ربك الذي خلق. فالتعليم إذن كأنه إيجادٌ أرقى من مجرد الإيجاد المادي. هذه من ظلال الكلمات. (مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ) – (اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴿٣﴾ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ﴿٤﴾ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴿٥﴾) انتهى الوحي، الدفعة الأولى منه بهذه الكلمات، كلها قرآءة وتعليم وأدوات التعليم، ما هذا الدين؟! والله آن لنا أن نرفع رؤوسنا فوق السحاب بآيات الكتاب. زمن أمّي، نبي أمّي، قوم أمّيون، وكله اِقرأ وعلم وأدوات علم (عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ﴿٤﴾ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴿٥﴾) هذا القلم مدهش به تكتب الأفكار لأن بعض الأفكار إن لم تكتبها تطير منك كالعصافير! ولذلك أنام وبجانبي قلم ودفتر تأتيني فكرة في الليل أقوم وأكتبها لأن العلم صيد والكتابة قيد، القلم لولاه من أين كنا قرأنا روائع البيان وروائع الأدب وتُحف الفكر؟! إنما الذي خلّد كل هذا التراث الإنساني هو القلم، اقتصاد، اجتماع، سياسة، تاريخ، علوم كثيرة جداً إنما خلّدها القلم. إذن (اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴿٣﴾ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ﴿٤﴾ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴿٥﴾). هذا جو هذه السورة.
انتهى المقطع الأول من السورة وبدأ المقطع الثاني نقلة عجيبة (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى ﴿٦﴾ أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى ﴿٧﴾ إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى ﴿٨﴾) مقطع عجيب ونقلة واسعة جداً. (كلا) أداة زجر قد تكون لمن يأتي (إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى ﴿٦﴾ أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى) ما دلالة هذه النقلة وهذا الخطاب؟
سر النقلة ما بين التعليم والعلم لــ (إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى) مقابل (ظلوما) وترك التعليم مقابل (جهولا) كما ذكر في أواخر سورة الأحزاب في آية الأمانة التي عُرضت على السموات والأرض وحملها الإنسان (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72) الأحزاب) إذن (إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى) تقابل (ظلوما) وإذا ترك اِقرأ والتعليم تحول إلى (جهولا) مبررات خيانة الأمانة اكتملت! إذا قرأ وإذا ترك الكِبر والاستعلاء إذن حمل مقوّمَيْ الخلافة في الأرض والإمامة في الأرض وحمل الأمانة في الأرض (العلم وترك الاستكبار). القوة خطرة جداً خاصة إذا أوتيت لمن لا قلوب لهم ولا إيمان ولا يقين ولا أخلاق ولا قيم ولا موازين يزنون بها الأشياء، إنه الدمار الشامل كما ترى عيناك الآن! الآن القوة محتَكرة لبعض الجهات وبعض الأطراف وهي تفرض بقوتها ما تشاء. (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ) فرداً، جماعة، مجتمعات، دولاً، أمماً، حضارات، نفس القانون. متى فُرض علينا الجهاد نحن أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟ بعد 13 سنة من المكابدة والمعاندة والاحتمال والصبر والأذى ثم فُرض الجهاد (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الحج) أُذن لهم أن يدفعوا عن أنفسهم. تحمل المسلمون طويلاً لأنهم لو حملوا السلاح فوراً ربما لا تكون قد اكتملت التربية والقيم والأخلاق فنتحول إلى مجرمين قتلة قطاع طرق وهذا ما لا يريده الإسلام. إذن القوة إذا ملكها من لا فكر له ولا معتقد سليم عنده ستحول قطعاً إلى لعنة على البشرية وسرطان مُهلِك. (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى ﴿٦﴾ أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى ﴿٧﴾) هو لا يستغني لكنه يتوهم أنه بقوته مستغنٍ عن الله عز وجل. (إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى ﴿٨﴾) القيامة، إن المنتهى والمردّ والمآل إلى الله عز وجل.
(أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى ﴿٩﴾) بدأنا في مقطع جديد باستفهام، (أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى) الخطاب لرسول الله ثم لكل مخاطَب من بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. (أرأيت) استفهام تعجيبي كما نستخدمه بالعامّية. (أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى ﴿٩﴾ عَبْدًا إِذَا صَلَّى ﴿١٠﴾) صلّى لمولاه ينهاه لأنه لا يريد أن تكون العبودية إلا هو له لأنه طغى لأنه ظنّ أنه استغنى.
(أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى ﴿١١﴾) من الذي على الهدى؟ الذي يصلّي وليس الذي ينهى المصلّي. (أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى ﴿١٢﴾) إذا كان هذا الشخص يصلي ويأمر بالتقوى ثم هذا الذي ينهاه مع أنه يصلي ويأمر بالتقوى وأنه على الهدى ومع هذا ينهاه. (أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى ﴿١٣﴾) إعادة استفهام مرة ثانية، من الذي كذّب وتولى؟ مرة الاستفهام يتعلق بالذي يصلّي ومرة يتعلق بالذي ينهاه. (أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى) من هذا؟ الذي ينهى المصلّي. (أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى ﴿١٣﴾ أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى ﴿١٤﴾) العلم بأن الله يرى ضابط من ضوابط العقل والفكر والسلوك، ميزان تزن به التصرفات الظاهرة، انضبط السلوك، اِحذر بأن الله يرى. (كَلَّا) مرة أخرى (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ) منْ؟ الذي ينهى العبد الذي صلّى (لَنَسْفَعَنْ) الأخذ بشدّة (لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ ﴿١٥﴾) هذه الناصية مقدمة الرأس يشدّ منها (نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ ﴿١٦﴾) علماء التشريح يقولون أن الدماغ النقطة المسؤولة عن اتخاذ القرارات موجودة في الناصية، ناصية الدماغ مقدمة الدماغ أو الفصّ الأمامي من الدماغ، ليس هذا موضوعنا وإنما القرآن يهدد هؤلاء الكافرين أنه سيأخذهم من أعز منطقة فيها سواء فيها ناصية الدماغ أو ليست هي لكنها تبقى هي نقطة الاعتزاز ولهذا نحنن نسجد ونضع هذه الجبهة على الأرض لأنها أعز نقطة فيك وأعلى شيء فيك هذه الجبهة فنقول يا رب وضعت أعلى وأعز ما بي على الأرض من أجلك، عبودية لك ولا نمنّ على ربنا بالعكس هو يمن” علينا أن هدانا للإيمان. هناك بعض الناس يتصرف خلق مع خلق مثل هذا يركعون لبعض ويسجدون لبعض ويقبّلون التراب حيث يمشون فيستغربون منا أننا نحن نسجد بجباهنا لمولانا! (كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ) ما أحلمك يا رب! كان يمكن هذا الذي ينهى عبداً يصلي أن يأخذه الله أخذ عزيز مقتدر من ثانيته من لحظته لكن الله حليم لا يعجَل سبحانه، يمدّ الحبل. (كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ) وينزجر ويرتدع ويرعوي (لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ ﴿١٥﴾ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ ﴿١٦﴾) الناصية نسأل الله السلامة والعافية لنا ولكم، كاذبة خاطئة متخذة قرار الكبر والمعاندة والكفر بالخطأ ليس الخطأ غير المقصود إنما خطيئة متعمّدة متقصّدة. (فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ ﴿١٧﴾) يقولون في الروايات في أسباب نزول هذه الآيات أن أبا جهل عندما سمع أن الملائكة تسعة عشر وقال قريباً سأنادي النادي (مكان التجمع الذي يتجمع فيه هو وأتباعه) قال سأدعو رواد النادي الذي نجلس فيه ونقاوم التسعة عشر ملاكاً فتغلّب عليهم، وهو لا يدري أن ملكاً واحداً يستطيع أن يقلب الأرض عاليها سافلها، ملك واحد وليس تسعة عشر. إذن (فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ ﴿١٧﴾) وغداً يوم القيامة من يطيع من؟! ليس هناك غداً سادة ولا قادة ولا من يُصدر الأوامر ليس هناك أحد، فلا تسمع إلا همساً وخشعت الأصوات للرحمن، لا أحد يتكلم، لا أحد يفتح فمه بكلمة إطلاقاً فكيف يريد هذا أن ينادي ناديه ويقول يا معشر الناس اجتمعوا، إليّ أيها الناس، وهم عرايا كيف ينصر بعضهم بعضاً في الآخرة ما لهم من ناصرين إطلاقاً. (سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ ﴿١٨﴾) الملائكة الموكلين بالعذاب بالحساب الملائكة الشداد الغلاظ كما وصفهم القرآن الكريم. (كَلَّا) مرة ثالثة، تكثر (كلا) في السور المكية، يكثر الاستفهام في السور المكية، يكثر القَسَم في السور المكية، كل هذه الظواهر اللغوية لا نجدها في السور المدنية، هذا الأسلوب المكي. ودعنا من مقولة المبطِلين بأن القرآن في أسلوبه المكي دون، هذه الآيات بدء القرآن المكي قمة البيان والبلاغة والروعة. هم يزعمون أن القرآن تطور بعد أن عاشر المسلمون اليهود! ماذا عند اليهود حتى يطوّروا البيان العربي؟!! نحن نرى ما عند اليهود، كله عدوان وإجرام أمِثل هذا يطوّر هذا البيان السامي وهذا الكلام العالي؟! لكن وقاحة المستشرقين وتلاميذهم ليس عندهم أي انضباط ولا موضوعية ولا علمية. (كَلَّا) لمن سبق الحديث عنه. أما أنت يا رسول الله (لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ ﴿١٩﴾) إذن السجود يقرّبك من مولاك قرّبنا الله وإياكم من الله.
إذن هذا جو سورة العلق أو سورة اِقرأ، سورة لها اسمان جليلة لا تنسوا أنها أول الوحي وبدء مصافحة كلام الله آذان البشرية، لك الحمد ربي أن أكرمتنا بهذا الكتاب.