برنامج النبأ العظيم

النبأ العظيم – د. أحمد نوفل – سورة النازعات

اسلاميات

سورة النازعات

(تفريغ موقع إسلاميات حصرياً بتصرّف بسيط)

السورة رقم 2 في الجزء رقم 79 في المصحف. سورة جليلة موضوعها هو موضوع الجزء كله، “القيامة” لكن لهذه السورة التي موضوعها موضوع سائر الجزء “القيامة” منهجها الخاص وشخصيتها الخاصة، ما منهجها؟ ما فواصلها؟ ما مقاطعها؟ ما العلاقة بين النازعات وقصة فرعون؟

سورة النازعات عدد آياتها 46 آية بينما سورة عمّ 40 آية.

اسم السورة: كما ‏تُسَمَّى ‏النَّازِعَاتُ ‏تُسَمَّى ‏أَيْضَاً ‏السَّاهِرَةُ، ‏وَالطَّامَّةُ

التعريف بالسورة:

مكية .

من المفصّل .

عدد آياتها 46 آية

ترتيبها التاسعة والسبعون حسب ترتيب المصحف

نزلت بعد سورة النبأ .

بدأت بقسم (والنازعات) وهي إحدى السور المفتتحة بالقسم في القرآن الكريم.

مواضيع السورة :

تدُورُ مواضيع السُّورَةِ حَوْلَ القِيَامَةِ وَأَحْوَالِهَا، وَالسَّاعَةِ وَأَهْوَالِهَا، وَعَنْ مَئَالِ المُتَّقِين؛ ومَئَال المُجْرِمِينَ.

محور السورة وموضوعها الرئيس: موضوعها هو موضوع الجزء بكامله تقريباً “القيامة” هذا الركن العظيم من أركان الإيمان ومن أركان الدين ومن أركان الحياة والعلاقات أيضاً لأنه حياة بلا عقيدة قيامة كغابة والناس فيها وحوش يأكل القوي منهم الضعيف.

هذه السورة من سور القَسَم مفتتحة بمجموعة من الأقسام فيها قدر من الغموض وهذا الغموض مطلوب لتجلب الانتباه ولتجلب الأنظار والأفئدة والألباب (وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا ﴿١﴾ وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا ﴿٢﴾ وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا ﴿٣﴾ فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا ﴿٤﴾ فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا ﴿٥﴾) ثم ترك هذه الأقسام بلا جواب. القرآن له منهج أقسام القرآن أحياناً يذكر جزاب القسم. أركان القسم هي مُقسِم، أداة قسم، مقسَم به، مقسَم عليه، مُقسَم له. المقسِم هنا هو الله عز وجل، المقسم به هنا (وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا ﴿١﴾ وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا ﴿٢﴾ وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا ﴿٣﴾ فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا ﴿٤﴾ فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا ﴿٥﴾) خمس أقسام مقسَم بها، المقسم عليه لم يذكره القرآن لكن القرآن يترك ما يدل على جواب القسم كأن القسم: والله لتقومنّ القيامة، والنازعات غرقاً لتقومنّ القيامة يوم ترجف الراجفة. إذن هذا القسم من النوع الذي جوابه محذوف. (إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ) الجواب مذكور، (وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ ﴿١﴾) جواب القسم (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ ﴿٤﴾) (وَالْفَجْرِ ﴿١﴾ وَلَيَالٍ عَشْرٍ ﴿٢﴾ وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ ﴿٣﴾ وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ ﴿٤﴾) الجواب محذوف. مهمة هذا العقل أن يستشف الجواب من سياق الكلام ومما تركه القرآن دليلاً ومؤشراً على الجواب (يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ ﴿٦﴾ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ ﴿٧﴾ قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ ﴿٨﴾ أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ ﴿٩﴾).

كل مقطع من السورة الكريمة له فاصلة (يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ) التاء المربوطة هي الفاصلة (تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ ﴿٧﴾ قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ ﴿٨﴾ أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ ﴿٩﴾ يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ ﴿١٠﴾ أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً ﴿١١﴾ قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ ﴿١٢﴾ فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ ﴿١٣﴾ فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ ﴿١٤﴾) انتهى المقطع وكله حرف واحد، فاصلة قرآنية واحدة.

المقطع الثالث (هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى ﴿١٥﴾) الفاصلة ألف مقصورة (هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى ﴿١٥﴾ إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى ﴿١٦﴾ اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ﴿١٧﴾ فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى ﴿١٨﴾ وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى ﴿١٩﴾ فَأَرَاهُ الْآَيَةَ الْكُبْرَى ﴿٢٠﴾ فَكَذَّبَ وَعَصَى ﴿٢١﴾ ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى ﴿٢٢﴾ فَحَشَرَ فَنَادَى ﴿٢٣﴾ فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴿٢٤﴾ فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآَخِرَةِ وَالْأُولَى ﴿٢٥﴾ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى ﴿٢٦﴾)

ثم المقطع الرابع (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا ﴿٢٧﴾ رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا ﴿٢٨﴾ وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا ﴿٢٩﴾ وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا ﴿٣٠﴾ أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا ﴿٣١﴾ وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا ﴿٣٢﴾) الألف الممدودة هي الفاصلة.

سورة النازعات متميزة في أن لكل مقطع فاصلة متميزة لكن ما العلاقة المنهجية العضوية بين هذه المقاطع؟ القسم في فاتحة السورة موضوعه القيامة، هذا يقودنا لمعرفة معنى النازعات وما معنى غرقا. النازعات هي الملائكة تنزع أرواح الكفار بشدّة، إذن السورة بدأت من بدايات القيامة. أحياناً النداء القرآني يبدأ (إِذَا السَّمَاء انفَطَرَتْ) (إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ) بدأ من بدايات القيامة بانهيار النظام الكوني. وفي سورة النازعات بدأ القيامة بأحوال الإنسان الفردية، قيامتي أنا لما الملائكة تقبض روحي، بدأت قيامتي وبدأ حسابي من وقت نزع روحي.

(وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا) نحاول أن نتعرف على منهجية القرآن في البداية والعلاقة بين مقطع ومقطع. (وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا) تنزع أرواح الكفار بشدة كما يعلق الصوف على الشوك كأن الكفار تُنزع أرواحهم نزعاً شديداً مؤلماً جزء من التعذيب، كنتَ في بحبوحة الآن انتهت بحبوحتك وانتهت الفسحة التي كانت معطاة لك، الآن إلى مالا نهاية بدأ عذابك! (وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا) الملائكة تنزع أرواح الكافرين بشدة جزء من تعذيبهم لكن (وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا) تنزع أرواح المؤمنين بيسر وسلاسة. هكذا تسير أقسام سورة النازعات وصولاً إلى قصة موسى، ما العلاقة ما بين سورة النازعات التي موضوعها القيامة وقصة موسى مع فرعون التي جاءت معجزة مدهشة مركزة وكل أحداث قصة موسى المهمة جاءت في هذا الموجز البسيط من ثلاثة أسطر، ليس هناك شيء مهم في قصة موسى مع فرعون إلا وشملته هذه الأسطر المحدودة.؟

العلاقة أن فرعون مات غرقاً في سورة فاتحتها (وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا)، لا تأتي قصة في سورة زيادة أو ناشزة عن موضوع السورة وإنما تأتي ملتحمة في موقعها منسجمة مع سياقها تماماً.

فرعون نموذج لمن يجحد الآخرة وينكر عقيدة البعث كيف يطغى (اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى) غابت من عقله وقلبه عقيدة الآخرة فطغى على العباد وتجاوز كل الحدود والضوابط، إذن قصته نموذج على ما أنكر الآخرة.

فرعون مات ميتة شديدة، موت على البطيء واستلبت روحه بشدة وغلظة تماماً مثل (وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا)

المقطع الرابع يسأل ربنا تبارك وتعالى (أَأَنتُمْ) يا من تجحدون الآخرة (أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا) السماء مفهوم مطلق، كل ما علاك من سقف الغرفة إلى ما لا نهاية صعوداً فهو سماء. ومفهوم السماء هائل، وسعة الكون بلايين من السنوات الضوئية، الرحلة إلى المريخ ستستغرق سنتين لتصل إلى المريخ بسرعة أربعين ألف كيلومتر في الساعة والمريخ أحد الكواكب في مجموعتنا الشمسية، أما النجوم فعالم آخر سحيق جداً ما يقدّره الناس من أبعاد الكون الذي وجدوه إلى الآن سبعين بليون سنة ضوئية فوق الخيال! بمعنى ما يقطعه الضوء في سبعين بليون سنة! هل فهمنا معنى السماء؟! بلايين المجرات مائتين ألف مليون مجرّة يعرفها البشر في كل مجرة بمعدل مائتين ألف مليون نجم كل نجم مثل الشمس أو أضعاف الشمس شيء هائل! أنتم أيها المكذبون أشد خلقاً أم السماء التي تقاس أبعادها ببلايين السنين الضوئية؟! العاقل سيجيب: السماء أشد خلقاً. إذن فيمَ إنكارك أن تعود إلى الحياة من جديد لما قالوا (قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ) يعني إذا كان هناك عودة من جديد (يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ) يعني عائدون إلى الحياة من جديد، يلفتهم القرآن أن هناك من هو أشد خلقاً منكم قد خلقه وهو السماء فالذي خلق السماء قادر أن يعيد هذه الكتلة اللحمية البسيطة التي تزن سبعين ثمانين كيلوجرام سيعيدهم من جديد ويحاسبهم على النقير والقطمير أيها الناس.

(أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا ﴿٢٧﴾ رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا ﴿٢٨﴾ وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا ﴿٢٩﴾ وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا ﴿٣٠﴾) جعلها مدحوة أي مكوّرة، (أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا ﴿٣١﴾ وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا ﴿٣٢﴾ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ ﴿٣٣﴾) دلالة على قدرة الله ليثبت أن البعث قادم.

ثم بدأ القيامة من قيامتها بالفعل (فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى ﴿٣٤﴾ يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى ﴿٣٥﴾) لما تقوم القيمة يمر أمامك شريط عمرك، كل عملك يكثّف في لمحة خاطفة مثل لمح البصر، كل عملك قد مرّ من أمام ناظريك (يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى).

وقسّم رب العالمين الناس (فَأَمَّا مَن طَغَى) تذكر قصة فرعون (فَأَمَّا مَنْ طَغَى ﴿٣٧﴾ وَآَثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ﴿٣٨﴾ فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى ﴿٣٩﴾ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى ﴿٤٠﴾ فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴿٤١﴾)

وتختتم السورة المفتتحة بالقسم تختتم بالاستفهام (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا ﴿٤٢﴾) سورة عمّ الاستفهام ذُكر في أولها والاستفهام في سورة النازعات في آخرها. أوجه الشبه بين سورة النبأ والنازعات كثيرة لم نتطرق لها. اكتشف أنت ستجد السورتين متعانقتين تماماً (الجبال أرساها).

ختام السورة (يَسْأَلُونَكَ) والمخاطَب سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم (عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا ﴿٤٢﴾) كلمة معروفة، مرسى السفينة وهي قطعة حديدة ضخمة تلقيها السفينة إلى أعماق البحر فتغرس بالتربة كما نربط الدابة بالوتد فالسفينة نثبتها في البحر عن طريق إلقاء هذه القطعة من الحديدة في التربة فتغوص في أعماق البحر فتثبت السفينة فكأن القيامة سفينة ماشية ستصل إلى مينائها في الأجل المضروب والمحدد عند الله عز وجل. يسألونك أيها النبي صلى الله عليه وسلم متى ترسو سفينة القيامة في مرساها متى تصل؟ وقتها المحدد؟ ليس المهم متى الساعة؟ المهم ماذا أعددت لها؟ ساعتك وقيامتك قد تكون بعد يوم بعد شهر بعد شهرين لكن القيامة للبشرية كلها لا يعلمها محمد صلى الله عليه وسلم ولا يعلمها أحد من الخلق.

(يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا ﴿٤٢﴾ فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا ﴿٤٣﴾ إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا ﴿٤٤﴾ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا ﴿٤٥﴾ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا ﴿٤٦﴾) هذه نظرة عجلى على سورة النازعات.