برنامج التفسير المباشر

برنامج التفسير المباشر 1429هـ – الجزء الثامن

التفسير المباشر

الحلقة الثامنة

8-9-1429هـ

د.عبد الرحمن: بسم الله الرّحمنِ الرَّحيم، الحمدُ للهِ رَبِّ العالَمين، وصلّى اللهُ وسلَّمَ وبارَكَ على سيِّدِنا ونبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعين. اللهمَّ إنّا نَحْمَدُكَ ونَشْكُرُك على ما أنْعَمْتَ بِهِ وَتَفَضَّلْتَ من هذه المُدارسات والمناقشات حولَ آيات القرآن الكريم، ونسألُ اللهَ أن يجْعَلَنا وإيّاكم أيُّها الإخوة المشاهدون والإخوة الضّيوف من أهلِ القرآن الّذين هم أهلُ الله وخاصّته.

في شهرِ رمضان تطيبُ مُدارسةُ القرآن، وتطيبُ قراءة القرآن، وتطيبُ تأمُّلات وتدَبُّرات في القرآن الكريم؛ لأنَّ شهرَ القرآن وشهر رمضان ارتبطَ بالقرآن منذُ نزولِهِ، فلا يُذكَرُ رَمَضان إلاّ ويُذكَرُ معهُ القرآن، ولا يُذكَرُ القرآن إلاّ ويُذكَرُ معهُ رمضان.

فمرحباً بكم أيُّها الإخوة في برنامجكم اليومي “التّفسير المباشر” الّذي يُسعِدُنا فيه أن نتواصل معكم من خلال الاتّصالات والأسئلة والمناقشات والتّأَمُّلات في آيات القرآنِ الكريم الّتي تُناظِرُ الجزء الّذي نتحَدَّثُ عنه اليومَ وهو [الجزء الثّامن] من أجزاء القرآن الكريم. وسوف تظهرُ أرقام الهواتف أمامكم للاتِّصال والسُّؤال، وأُحِبّ أن أُضيف اليوم أيُّها الإخوة المشاهدون خدمةً جديدة يمكننا أن نُقَدِّمها لكم من خلال هذا البرنامج وهو: “جوال التّفسير المباشر” الّذي يظهرُ أمامكم على الشّاشة بين حينٍ وآخر، نستقبِلُ عليهِ أسئلَتَكم عن طريقِ الرّسائلِ النَّصِيَّة فقط، ولا نستقبل الاتِّصالات، وسوف نعْرِضُها على ضيوفِنا بإذن الله تعالى في البرنامج، ونُجيبُ عنها بإذن الله لاحقاً، والرّقم هو (0532277111)

حديثُنا اليوم بإذن اللهِ تعالى سوف يكون عن الجزء الثّامن كما قلت لكم، ويسعِدُني باسمكم جميعاً أيُّها الإخوة أن أُرَحِّب بأخي العزيز فضيلة الشيخ الدّكتور: “العبّاس بن حسين الحازمي” الأستاذ بجامعة الإمام محمّد بن سعود الإسلاميّة، والمُتَخَصِّص بالدِّراسات القرآنيّة، والأمين العام للجمعيّة العلميّة السّعوديّة للقرآن الكريم وعلومه. فحيّاكم الله يا أبا محمّد.

د.العباس: حيّاكم الله يا فضيلة الشيخ فرصة طيّبة أن ألتقي بهذا المشروع المُبارك؛ مُدارسة معاني القرآن الكريم.

د.عبد الرحمن: حيّاك الله، وأنا الحقيقة شاكر ومُقَدِّر يا أبا محمّد استجابتك لهذه الدّعوة، وأُبَشِّرَك ولله الحمد أنَّ هذا البرنامج لقيَ قَبولاً ولله الحمد عندَ المُشاهِدين، ولكثرةِ الأسئلة والاتّصالات والتّشجيع الّذي نلْقاه وتلْقاهُ القناة أيْضاً حول هذا البرنامج، وفي الحقيقة يا دكتور عبّاس أنت واحد من المتخصّصين في الدِّراسات القرآنيّة يجدُ أنَّها مسؤوليّة عليه في تبليغ وفي تقريبِ القرآنِ الكريم للأمَّة وتقريب هداياته، ما أدري ما تعليقُك على ما تُشاهده اليوم يا دكتور عبّاس اليوم من إقبال النّاس على القرآن وتدبره وخاصّة في زماننا هذا مُقارَنَةً بالزّمَن الماضي القريب يعني.

د.العباس: بسم الله الرّحمن الرحيم، الحمدُ لله، والصّلاةُ والسّلام على رسولِ الله. أمّا بعد، هذه من نعمِ اللهِ عزَّ وجلَّ إقبال النّاس قبل فترة كان يَنصبّ على موضوع الحفظ والتِّلاوة والتّجويد وهذا أمر حسن، وما زال مستمِرّاً، ولكنّنا اليوم أيْضاً إضافة إلى هذا الإقبال على معرفة معاني القرآن وتفسير القرآن وتدَبُّر القرآن، وما هذا البرنامج والبرامج المُشابهة له إلاّ دليل على حاجة النّاس الشّديدة، وأيْضاً حرص النّاس الشّديد، وارتباط هذا الأمر، وهو معرفة معاني القرآن وتَدَبُّر القرآن في هذا الشّهر أمرٌ حسن؛ حتى يذهب الآن كثير من النّاس أنّه ليس الواجب المطلوب من الإنسان تُجاه القرآن فقط التّلاوة والحفظ، لا، هناك واجب آخر مطلوب من الإنسان تجاه هذا الكتاب العظيم وهو التَّدَبُّر {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:24]، {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} [النساء:82] نصوص كثيرة من كلامِ اللهِ عزَّ وجلَّ وكلام نبيِّه صلّى الله عليه وسلّم تدلّ على أنّ هناك واجب علينا عظيم تجاه القرآن وهو التّدَبُّر وأيْضاً العمل، “نزِّلَ القرآنُ؛ ليعمَلَ النّاسُ به فاتخذ النّاسُ تلاوته عملا “.

د.عبد الرحمن: هذا كلام الحسن البصري، جزاك الله خيراً. الحقيقة يا دكتور عبّاس ستجد بإذن الله من الأسئلة الّتي ستسمعُها في البرنامج ما يُثلِجُ صدرك، أسئلة من الإخوة المشاهدين الّذين تشعر من وراءها تّدبُّر وتأمُّل وفقه.

تعوّدنا يا أبا محمّد في بداية كلّ حلْقة نعرِضُ للإخوة المشاهدين أبرز الموضوعات الّتي اشتمل عليها الجزء الّذي نتحَدَّثُ عنه، واليوم سوف نتحدّث عن الجزء الثّامن من أجزاء القرآن الكريم، وهو يبدأ من الآية 111 من سورة الأنعام وينتهي عند الآية 87 من سورة الأعراف.

وأبرز الموضوعات الّتي تناولها الجزء الثّامن من أجزاء القرآن الكريم هي:

–          بيان عداوةِ شياطين الإنسِ والجنّ للأنبياء وأتباعهم.

–          الأمر بالأكل ممّا ذُكِرَ اسمُ اللهِ عليه وتحريم ما لم يكن كذلك.

–          أسبابُ الهداية وانشراحُ الصّدر.

–          بيانُ كثيرٍ من صورِ الشّركِ باللهِ سبحانه وتعالى.

–          الامتنانُ على العِبادِ بخلقِ الأنعامِ وأنواعِها.

–          بيانُ المحرَّمات وتفصيلُها.

–          ذكرُ ابتِداء خلقِ آدم عليه الصّلاةُ والسّلام وقصته.

–          ثمّ ذكر طرف من قصص الأنبياء عليهم الصّلاةُ والسّلام؛ كقصّةِ نوحٍ وصالح وهود وغيرهم من الأنبياء عليهم الصّلاةُ والسّلام.

هذه يا دكتور العبّاس أبرز الموضوعات الّتي تناولها الجزء الّذي سوف نتناقشُ فيه بإذن الله تعالى في هذا اللّقاء.

بدايةً يا دكتور العبّاس، في البداية في قوله سبحانه وتعالى في أوّل الجزء {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} [الأنعام:112]، الحديث عن هذه العداوة المستمرّة يا دكتور، ثمّ أيْضاً اللّفتة في تقديم شياطين الإنس على شياطين الجنّ؟ حتى تكون مَدْخَلاً لهذه الحَلْقة.

د.العباس: نعم، القرآن الكريم مليء بمثل هذه المعاني المهمّة، وهي متكرِّرة فيه في أكثر من موضع دلالة على أهمّيَّتِها، والله عزَّ وجلَّ عندما يُخبرُنا أنَّ الشّياطين من الإنس والجنّ أعداء للأنبياء وأعداء للمؤمنين هو يحثُّنا على الاستعدادِ لتلك العَداوة.

والله عزَّ وجلَّ في مواضع ثلاثة من القرآن في سورة الأعراف، ويأتي في جزءٍ آخر في سورةِ النّحلِ، وفي سورة النّمل، أساس العداوة الموجودة بين الإنس والجنّ، وأخبر سبحانه وتعالى بأنَّ العَداوة مع الجنّ يمكن أن ينتقمَها الإنسان بالاستعاذة بالله عزَّ وجلَّ، الاستعاذة به من الجنّ. أمّا العَداوة مع الإنس فإنّهُ تحتاج إلى أمرٍ آخر وهذا ممكن أن يكون أحد أسباب تقديمها في هذا الموضع.

الله عزَّ وجلَّ يخبرنا هنا أنّ المؤمن والمسلم مطلوب منه أن يلتجئ إلى ربِّهِ عزَّ وجلَّ للنّجاة من هذا العدوّ والالتجاء إليه، وأنّه بمفرده وبدون عَوْن الله عزَّ وجلَّ لن يستطيع ذلك، ولذلك سُئِلَ أحد السّلف عن مثلِ هذا المثل، فقال: “لو أنَّ رَجُلاً دخلَ إلى حديقة أو مزرعة فهاجت عليه كلابُها ماذا يصنع؟ هل يظلّ يقذفها بالحجارة ويُعاركُها؟ تطول المعركة، قال: لا، يستعينُ بصاحب المزرعة “ويقول احمني منها، فيقول: ولله المَثَلُ الأعلى فإنَّ الإنسان إذا هاجت عليه شياطين الإنس والجنّ؛ فإنَّهُ يَلْجَأُ إلى ربِّهِ عزَّ وجلَّ؛ لأنَّهُ هو الّذي خلقها وهو الّذي يعرفُ ضررها وشرَّها وهو القادِرُ على نجاته منها بإذنه سبحانه وتعالى.

د.عبد الرحمن: جزاك الله خير يا دكتور العبّاس. أيْضاً سبحان الله! تستوقفني الآية السّادسة والسّبعين بعد المئة يا دكتور في نفس الوجه، وهي قول الله سبحانه وتعالى {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ} [الأنعام:176]،  كثيرٌ من النّاس يا دكتور عبّاس اليوم إذا نهَيْتَهُ عن منكَر يفعلُهُ كثيرٌ من النّاس قال طيّب والنّاس هؤلاء كلّهم على ضلال، لو من خلال هذه الآية يمكن الانطلاق منها في الحديث عن الموضوع.

د.العباس: نعم، ليس في الآية كما في الأثر أو كما قال بعض السّلف “لا يغترّ بكثرةِ الهالكين ولا بقلّةِ النّاجين” الله عزَّ وجلَّ أخبر في مواضِعَ من كتابه {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف:103]، وأنّ الكثرة هذه كثرةُ النّاس على شيء لا تدُلُّ على أنّه صواب، وقلّةُ النّاسِ على شيء لا تدلّ على أنّه خطأ. والإشارة هنا بالكثرة تُفيد الأمر المهم وهو ما سيكون عن سياق الآيات كلَّها فيما سيأتي، فإنَّ الله عزَّ وجلَّ أخبر أنَّ الشياطين من الإنس والجنّ حَرَفوا وصرفوا كثيراً من خلقه عن عبادته وصرفوهم إلى عبادةِ غيره، وسيأتي الحديث عن ما شرعوا لهم من اتّجاه الأنعام واتّجاه ما خلق الله عزَّ وجلَّ واتّجاه صرف هذه النّعمة لغيره، هذا أمر كان في الجاهليّة كثير وكان مُسْتَشْرياً بين النّاس، وكان هو الغالب عند النّاس والأصل عند النّاس، فأن ينقُلَهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من التّوَجُّه الّذي كان عليه عامّة النّاس في الجاهليّة إلى توجُّه لم يفعله إلاّ القليل من النّاس وهم الّذين يُسَمّون الحُنفاء، هذا أمر يحتاج إلى إشارة بأنّ الكثرة الكاثرة الموجودة ليست على حق، وكثرتُها، وتواطُؤها على ذلك الشيء وعلى ذلك العمل لا يدلُّ على أنّ صنع ذلك كان حسناً. وهذا الأمر في حياتهم قد يكون مُشاهَداً مع أنَّنا لا نتشاءم، لا نذكر غَلَبة الشرِّ على الخير، ولكن نقول: رُبَّما أنَّنا في زمنٍ أو في لحظةٍ أو في حالٍ من الأحوال تغلب المُظاهرة السيِّئة فلا يغترّ الإنسان بذلك، ولا يظنّ أنّ بقاء هؤلاء ودوامهم على هذا كان لأنّهم على الحق، لا، ولكن هذه سنّة من سنن اللهِ عزَّ وجلَّ؛ ليبتلي النّاس وليختبر النّاس.

د.عبد الرحمن: وأيْضاً سبحان الله العظيم! يعني هي في نفس الوقت يا دكتور عبّاس عزاء إلى الدّعاة أيْضاً وللمصلحين في كلّ زمان ومكان، أنّهم ليس عليهم إلاّ أن يبذلوا، ويعملوا، ويجتهدوا في الإصلاح، وبالرّغمِ من ذلك كما تفضّلت في السُّنّة وقوله في آيةٍ أخرى {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} أن على الدّاعية أن يتوقّع مثل هذه الصّعوبات والعقبات في طريقِهِ؛ لأنّ هذه سنّة من سنن الله إلاّ أنّها ليست دليلاً على أنَّ الكَثرة الكاثرة هم على الهُدى؛ لأنّ بعض النّاس يحتجُّ بالكثرة على ما يُمارسه من أخطاء.

د.العباس: لابد أن أُشير إلى نقطة مهمّة وهي أنّ هذا الشّعور وهو أنّ الكثرة ستكون على الباطل، ينبغي أن لا تمنع الدّاعية إلى الله عزَّ وجلَّ من الإتقان والإخلاص في دعوته؛ لأنّ بعض النّاس إذا ظنّ أنّ الغالب يكونوا مهتدين يقول أنا لماذا أُتعب نفسي؟! نقول: لا، بل يجب عليك أن تُتْقِن وأن تعتقد يقيناً أنَّ مَن تدعوهُ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ سيكون من المهتدين، فإذا بذلت أنت الجُهْد فقد ذهبت عنك التَبِعة.

د.عبد الرحمن: وأدَّيْتَ ما عليك.

د.العباس: نعم.

د.عبد الرحمن: في قوله سبحانه وتعالى في نفس الجزء يا أبا محمّد {وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام:119 ]، بعض النّاس يا دكتور العبّاس يترُكُ كثيراً من المباحات والمطعومات زُهْداً أو لأي سبب من الأسباب، أليس في هذه الآية إشارة إلى العتب واللّوم على مثل هؤلاء أنّهم لا يأكلون ممّا ذُكِرَ اسمُ الله عليه أو ممّا أحلّ الله لهم، والله سبحانه وتعالى قد قال في سورة الأعراف أيْضاً {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [الأعراف:32]، يعني في الزّهد في المباحات أو في بعض ما أحلّ الله بحجّة الزّهد في الآخرة أو شيء من هذا، هل يُلْمَس من هذه الآيات أنَّ فيها عتب عليهم أو لوم؟

د.العباس: الآيات هذه وما سيأتي بعدها هي وضعت للنّاسِ بياناً واضحاً وخطّاً واضحاً، فعاتبت المُفْرِطين، وعاتبت المُفَرِّطين. فعاتبت الّذين يتمادون في الأكل ممّا لم يُذْكَرِ اسمُ اللهِ عليه كما سيأتي في الآية، وفي هذه الآية بيَّنَت أنَّهُ إذا ثبت للإنسان حِلّ هذا الأكل فإنّه مأذون له بأن يتمتّع بهذا الأكل الّذي أحلّه له الله عزّ وجلّ، وتقديم هذا النّوع على النّوع الثّاني يدلّ على أنّه كما أنّه ذاك النّوع منبوذ وخطر، فكذلك إذاً هذا خطر.

د.عبد الرحمن: يا دكتور بالنّسبة لموضوعات سورة الأنعام، وهي تتحدّث كما تقدم معنى سورة جملةً واحدة في مكّة، ومليئة بالحديث عن العقائد، وعن الأمور الّتي تتعلّق بعقائد المسلمين وأصل الإسلام، ثمّ مع بداية سورة الأعراف تلاحظ بينها تشابهاً في الموضوعات، يعني ما أدري ما هو السّبب في رأيك في هذا التّشابه؟

د.العباس: طبعاً نعلم أنَّ السّورتانِ مكِيَّتان، وأيْضاً اشتهر وانتشر في ذلك العهد اتّباع شياطين الإنس والجنّ في صرفِ هذه النّعمة الّتي الله عزَّ وجلَّ أنعم بها ويسّرها وهيّأها للإنسان، ومع ذلك الإنسان لا يستشعر ذلك فيصرف هذه النّعمة ويُنَفِّذ ويُلَبّي شهوات ورغبات الإنس والجنّ، مع أنَّ الله عزَّ وجلَّ هو الّذي أوْجَدَها لهم، فهذان المعنيان متكرِّران في آخر هذه السّورة وفي أوّل هذه السّورة؛ لأنّهما كما قلت مكيّتان.

الأمر الآخر؛ لأنّ كثير من هذه المظاهر كانت موجودة، وكما أنّ الإسلام يحرص على أن يلتزم ذووه وأتباعه بالعبادات فكذلك يهتمّ بأن ينقّي أتباعه وعقائدهم ويُعيدوا هذه النّعم إلى بارِئِها وفاطرها والله سبحانه وتعالى أعلم.

د.عبد الرحمن: وهي أيْضاً هي الموضوعات الّتي ينبغي على المسلم دائماً أن يتدبّر فيها وهي قضيّة أصول الإيمان وما يتعلّق به. لدينا اتّصال يا أبا محمّد من الأخ أحمد من السّعوديّة، تفضّل يا أخ أحمد حيّاك الله

أحمد: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

د.عبد الرحمن: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

أحمد: أحسن الله إليكم يا شيخ، والله أني أدعو لكم في جوف الليل يا شيخ.

د.عبد الرحمن: الله يتقبّل منك يا شيخ.

أحمد: أحييتم سنة تدبر القرآن، أتمنى أن تُحَدِّثونا عن قول الله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:162]. عن هذه الآية شرح لها يا شيخ وتطبيقها على الواقع.

د.عبد الرحمن: أبشِر.

أحمد: الله يحفظكم.

د.عبد الرحمن: شكراً يا أخ أحمد الله يبارك فيك. يا مرحبا بك.

سؤال الأخ أحمد في الحقيقة هو في صُلْب الموضوع الّذي نتحدّث عنه وهو قضيّة ارتباط سورة الأنعام بسورة الأعراف، في هذه الآية وهي {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:162].كيف يمكن أنّك تُوَضِّح الآية وتربطها يا دكتور بموضوعات السّورة بصفة عامّة؟

د.العباس: طبعاً من الثابت للمهتمّ بتفسيرِ كتابِ الله عزَّ وجلَّ، أنّ السورة أي سورة من القرآن خاصة السور الطّويلة لها مقدِّمة ولها خاتمة:

  • مقدّمَتُها تُهَيِّئ وتُمَهِّد لها.
  • وخاتمتها تُلَخِّص ما ورد في هذه السّورة.

ومن أعظم خواتيم السّور؛ توضيحاً للسّورة خاتمةُ هذه السّورة؛ لأنّ السُّؤال الّذي يتوارد كثيراً على ذهن الإنسان وهو يقرأ سورة الأنعام فيها أحاديث كثيرة عن الأنعام، وعن الإنس والجنّ، وعن صرف هذه النّعمة إلى غير الله عزَّ وجلَّ فهذه الآية تُبَيِّنُ سرَّ الاهتمامِ بذلك الأمر؛ أنّ المؤمن والمسلم يجب أن يصرِف حياتَهُ كُلُّها لله، بل حتى مماته {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي} العبادة كلُّها عموماً وهي أعمّ من الصّلاة المعروفة والمفروضة والنّافلة الدّعاء هي في اللّغة أصلاً {وَنُسُكِي} ما يذبحه الإنسان ومرّ في السّورة أحاديث كثيرة عن الأنعام والذّبح، {وَمَحْيَايَ} كلّ ما يجري في حياةِ الإنسان سواءً كان في حال استيقاظه أو في نومه، في حال قصده أو غير قصده {وَمَمَاتِي} وهذا العجيب، يعني حتى ممات الإنسان والسّبب الّذي يُؤدّي به إلى الموت يجب أن يحرصَ الإنسان أن يكون ماذا؟ لله عزَّ وجلَّ، ولذلك ورد آثار أحاديث عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ((إذا أحبَّ اللهُ عَبْداً اسْتَعْمَلَهُ قالوا: وكيف يستعمله؟ قال: يُهيِّئ له عملاً صالحاً يقبضُهُ عليه)) لذلك المؤمن يخاف جدّاً من قضيّة الخاتمة ويحرص أن يكون حَسَن الخاتمة، ويخاف أن يكون سيّئها ورد عن كثير من السّلف أنّه يخافون من تلك اللّحظات الأخيرة، بعض النّاس يمكن أن يهتمّ بالعمل الكثير، ولكنّه لا يخاف من قضيّة الخاتمة، فهنا تأكيد على لا إله إلاّ الله، {وَمَمَاتِي} المؤمن يحرص أن يكون حتى مماته السّبب الّذي يُؤدّي به إلى الموت وطريقة الموت وكيفيّة الموت ولحظة الموت وفق ما أراد الله عزَّ وجلَّ. {لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} وأيضاً ختام الآية يدلّ على ذلك ذكر اسمَ اللهِ عزَّ وجلَّ بل وذكر صفةَ الرُّبوبيَّة، وذكر أنَّهُ رَبٌّ للعالمين، وأنت أيُّها الإنسان المطلوب منك هذا الحياة والموت والذّبح والنُّسك والصّلاة لله أنت من هؤلاء العالمين وهكذا.

د.عبد الرحمن: نلاحظ يا أبا محمّد في الآية الّتي بعدها عندما قال {لاَ شَرِيكَ لَهُ} تأكيداً لكلامك وارتباطاً بقضيّة أوَّلِ السّورة بآخِرِها ومضمونها، وهو ربطٌ فعلاً بديع. وأيْضاً تسمية السّورة يا أبا محمَّد بسورة الأنعام لماذا يا تُرى سُمِّيَت سورة الأنعام بهذا الاسم؟ وعلاقتها بموضوع السّورة؟

د.العباس: نعم، مثل ما أشرْت أنَّ السّورة تُسَمّى في الغالب بأهمّ قضيّة فيها وهي القضيّة الوثيقة الصِّلة بمحورها، والحديث هنا في هذه السّورة عن هذه النّعم عموماً، ومنها الأنعام، وكيفيّة شكر الله عزَّ وجلَّ على هذه الأنعام، وكيف أنّ الكُفّار ما شكروا قالوا {وَقَالُواْ هَـذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لاَّ يَطْعَمُهَا إِلاَّ مَن نّشَاء بِزَعْمِهِمْ}[الأنعام:138] يعني تصرَّفوا في هذه الأنعام كأنّهم هم الّذين خلقوها، وكأنّهم هم الّذين أنشأوها، وكأنّهم هم الّذين مَنّوا بها على الخلق، إنَّما الّذي منَّ بها وخلقها هو الله عزَّ وجلَّ، فيجب أن تُصْرَف وفق ما أمر الله عزَّ وجلَّ، حتى الجزء والنّصيب الّذي زعموا أنّه لله إذا احتاجوا إليه قالوا هذا لشركائنا {فَمَا كَانَ لِشُرَكَآئِهِمْ فَلاَ يَصِلُ إِلَى اللّهِ وَمَا كَانَ لِلّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَآئِهِمْ} [الأنعام:136]، سبحان الله العظيم!

د.عبد الرحمن: حتى يا دكتور عباس في سورة المائدة قبلها عندما قال الله سبحانه وتعالى يُشير إلى هذا المعنى في قضيّة تَصَرُّفاتهم الّتي الغريبة ما يتعلّق بالأنعام {مَا جَعَلَ اللّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ وَلَـكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ …} [المائدة:103] الآية أيْضاً في هذه السّورة ذكر الله سبحانه وتعالى {قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأُنثَيَيْنِ} [الأنعام:143].

د.العباس: وهذا خطاب عظيم، خطاب عقلي عظيم فيه إفحام لهم.

د.عبد الرحمن: سبحان الله العظيم! معنا يا أبو محمّد الأخ أبو إبراهيم من السّعوديّة، تفضّل يا أبا إبراهيم حيّاك الله

أبو إبراهيم: السّلام عليكم.

الشيخ مع د.العباس: وعليك السلام ورحمة الله.

أبو إبراهيم: أسأل الله أن يبارك لكم ونعتذر عن المقاطعة، فحديثكم ذو شجون.

د.عبد الرحمن: الله يحيّك تفضّل حيّاك الله.

أبو إبراهيم: في الآية 38 من سورة الأعراف في قوله تعالى: {قَالَ ادْخُلُواْ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّن الْجِنِّ وَالإِنسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاَهُمْ رَبَّنَا هَـؤُلاء أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَـكِن لاَّ تَعْلَمُونَ {38} حتى قال: فَيَخْتَصِموا فيها جَميعاً {قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاَهُمْ رَبَّنَا هَـؤُلاء أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ} فهم يطالبوا أن يُضاعِفوا العقوبةَ بسبب انهم أضَلّوهم فأجابهم الله {قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ} فما توجيهُ كَوْنِ مُضاعَفَةِ العذابِ لهؤلاء؟

د.عبد الرحمن: جزاك الله خيراً. شكراً يا أبا إبراهيم بارك الله فيك. من الأشياء يا أبا محمّد الّتي نُريد أن نُنَبِّهْ إليها أنَّ سورة الأعراف أيْضاً مكيّة أليس كذلك؟

د.العباس: نعم.

د.عبد الرحمن: والبعض من الإخوة يظنّ أنّ السّور المكيّة قصيرة، والطِّوال ليست من المكيّة، الأنعام طويلة، والأعراف أيْضاً طويلة من السّبعِ الطِّوال وهي من السّور الّتي نزلت في مكّة، ومعظم الموضوعات الّتي تتحدّثُ عنها تتحدّث عن هذا الموضوع، حتى في قصص الأنبياء الّتي في سورةِ الأعراف كُلُّها تُرَسِّخ موضوع أصل العبودِيّة لله سبحانه وتعالى.

سؤال الأخ أبو إبراهيم في الآية 38 من سورة الأعراف في المقدِّمة تقريباً، وهي قضيّة {قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ} ما هو وجه المُضاعفة؟

د.العباس: دَعني أوضِّح معنى الآية، طبعاً الآية هذه ممّا يُؤكِّدُ ما تكلَّمْنا عنه سابقاً وهو صلة هذه السّورة بتلك السّورة، فأنّ الله عزَّ وجلَّ ذكر في سورة الأنعام أنّ الّذي سوّل ووسوس لأُولئك الإنس هم الجنّ وأمروهم بصرفِ هذه النّعم لغير الله عزَّ وجلَّ، هنا يبيِّن الله عزَّ وجلَّ عقوبتهم في الآخرة وما ذكر فقط الإنس، لا، ذكر الجنّ {قَالَ ادْخُلُواْ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّن الْجِنِّ وَالإِنسِ فِي النَّارِ}.

د.عبد الرحمن: الله أكبر، وقدّم الجنّ هنا سبحان الله!

د.العباس: نعم، لأنّ ترى كثير ممّا يحصل من المخالفات ممّا يتعلّق بالأنعام وبذبحها السّبب فيه الجنّ، ما الّذي يجعل السَّحَرَة اليوم يصنعون ما يصنعون؟ وساوس الجنّ يأمرونهم، فسواءً كان أتباعهم من الجنّ أو الإنس، بيَّن الله عزَّ وجلَّ أنّ المَتْبوعين يدخلون أوَّلاً، فإذا تَبِعَهم تابِعوهم ظنّوا أنَّ أُولئكَ اختَصّوا بالعذاب الكبير، وأنَّه سيتبقّى لهم عذاب يسير.

فطلب هؤلاء قالوا {رَبَّنَا هَـؤُلاء أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ} لأنّهم هم الّذينَ تسبَّبوا في غوايتهم، فبيَّن الله عزَّ وجلَّ أنّ كُلَّ واحدٍ من هؤلاء له نصيبه كاملاً بما عمل كما في الحديث: ((وَمَن دَعا إلى ضَلالة كانَ عليه من الوِزر لا ينقُص من آثامهم شيْئاً)) لا يظنّ التّابع والمتبوع إذا أخذ العذاب الكبير أنّه سينقص منه، لا، لن يأخذ من أوزارهم شيْء.

لكن هناك في نصوص أخرى من القرآن لعلّها تأتي معنا إن شاء الله تدلّ على أنّ الّذي يتوَلّى ويكون هو الدّاعية للضّلالة نصيبُه من العذابِ أكبر. فهنا هم طلبوا أنَّ الأتباع يُعَذَّبون أكبر فقال: هذا ليس لكم، ليس هذا من شأنكم، الّذي يُقَرِّر العذاب وهذا يأخذ ضعف وهذا له الضّعف ليس من شأنكم، ولكنّه أثبت في آية أخرى، أنَّ الّذي يتوَلّى إغواء النّاس وإضلالهم أنّ له نصيبٌ من العذاب الكبير، لهم عذاباً فوق العذاب.

د.عبد الرحمن: وقال {زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ (88 النحل} {يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} [الأحزاب:30] لفت نظري يا شيخ وأنت تتحدّث عن هذه الآية وكان حديثك جميل جدّاً يا دكتور العباس حقيقة قولك قضيّة الذّبح أنَّها كُلَّها من الشَّياطين، هذا الشيْء مُشاهَد يا شيخ سبحان الله العظيم! كثير من شرك المشركين قديماً في إشراكهم يذبحون الأنعام هذه البقر والغنم والجمال واليوم تكاد تكون لازمة مُتَلازمة عند هؤلاءِ السَّحَرة أنّهم يأمرون ويطلبون من الواحد أن يذبح ديك، أو يذبح شاة، أو يذبح، المهمّ يذبحه بطريقة معيّنة، فتصبح إذا رأيت واحداً تذهب إليه بعضهم يدَّعي الصّلاح وكذا ويُعالجك فشيئاً بعد شيء إلاّ وفي صلب الموضوع فيه ذبح، تكتشف تقول هذا رابط قد يكون قاسم مشترك بين السّحرة والّذين يتعاملون مع الشياطين، وهذه لفتة الحقيقة رائعة جزاك الله خير.

د.العباس: وهذا يا أخي الكريم يقودُنا إلى أمر مهمّ أنَّ هذه العبادة ترى عندنا مهجورة، يعني حتى في موسمها في الأضحى عندما يُضحّي النّاس نجد النّاس لا يشهدون أضاحيهم، ولا يعلّمون أبناءهم هذه العبادة العظيمة وكيف يتوجّهون بها إلى الله عزَّ وجلَّ.

د.عبد الرحمن: الذّبح لله. أحسنت.

د.العباس: نعم، نعم. معنا الأخ أبو مشاري من السّعوديّة تفضّل حياكم الله أو أبو مشاري تفضل

أبو مشاري: السلام عليكم ورحمة الله.

د.عبد الرحمن: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

أبو مشاري: أسأل الله العظيم ربّ العرش العظيم أن يُثيبكم يا شيخ.

د.عبد الرحمن: وإيّاك.

أبو مشاري: في عندكم في سورة الأعراف الآية 16 قال تعالى {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} كيف يا شيخ يعني سبحان الله! قال الشيطان {فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي} فما هو تفسير ذلك؟

د.عبد الرحمن: أحسن جزاك الله خير شكراً جزيلاً لك.

هذه الحقيقة اللّفتة الّتي ذكرتها يا دكتور في تقصيرنا في الذّبح لله سبحانه وتعالى، والتقَرُّب إلى الله سبحانه وتعالى بالذّبح، بالذبح سواء في موسمها وفي غيرِها، وأظنّ النّاس في بداية الإسلام كانوا أكثر عنايةً بسوْق الهدي إلى البيت الحرام وتقديم القرابين.

د.العباس: وتعلم يا شيخ السّبب هو أنّ مع حديثِنا للأنعام ولا يكاد يمرّ على الواحد منّا يوم أو يومين إلاّ ويأكل من لحومها صح؟ لكنّنا لا نستشعر كيف وصلت هذه النّعم والأنعام إلى موائدنا؟ إنَّما ذُبِحَت، وهي خَلْقٌ من خلقِ الله، ما الّذي أحلَّ لَنا إزهاقَ أرواحِها؟ إذ هو الله عزّ وجلّ هذا كلّه لا يُسْتَشعر أبداً فقط إنّما نستشعِرُها مشويّةً أو مطبوخةً على موائِدِنا!!!

د.عبد الرحمن: قبل أن نأخذ جواب الأخ أبو مشاري يا أبو محمّد نأخذ سؤالاً من الأخ أبي محمّد من السّعوديّة تفضل يا أبو محمّد.

أبو محمّد: السّلام عليكم ورحمة الله.

د.عبد الرحمن: وعليكم السّلام ورحمة الله.

أبو محمّد: جزاكم الله خير يا دكتور عبد الرّحمن على هذا البرنامج وكتب الله أجركم.

د.عبد الرحمن: الله يحيّك يا أخي.

أبو محمّد: فقرة رائعة في هذه القناة المباركة، الله يكتب أجركم. عندي في صفحة371 في سورة الشعراء وهي قول الله عزّ وجلّ {وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ {91} وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ {92} مِن دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنصُرُونَكُمْ أَوْ يَنتَصِرُونَ {93} فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ {94} فذكر الله {فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ} مع أنّه ذكر فقط الغاوين، (هم) هنا تعود على مَن بالضّبط؟

د.عبد الرحمن: أحسنت.

أبو محمد: هذا سؤالي الأول.

د.عبد الرحمن: طيب.

أبو محمد: إذا سمحت لي سؤال آخر.

د.عبد الرحمن: تفضل نعم معك.

أبو محمد: سؤالي الآخر حفظك الله في نفس الصفحة في الآية في قول الله عزّ وجلّ {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ {105} إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ {106} الشعراء} فلاحظ بقيّة ذكر الأُمَم قال أخوهم، أخوهم، أخوهم إلاّ شُعَيْب لم يذكر كلمة أخوهم شُعَيْب ما السّبب؟ جزاكم الله خيراً {إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ {177}} ولم يقُل أخوهم شُعَيب.

د.عبد الرحمن: أبشر أبشر شكراً لاتّصالك يا أبو محمّد الله يحفظك.

نعود يا شيخ العباس الله يحفظك في سؤال الأخ مشاري في سورة الأعراف في آية 16 يقول إبليس الحقيقة وهذه القصة في مقدّمة السورة عن بداية خلق آدم عليه الصّلاة والسّلام، وفيها حوار الحقيقة فيه تفصيل عجيب، فقال إبليس لمّا أَيِسَ من الجنّة قال {قَالَ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ {14} قَالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ {15} قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ {16} هو يسأل يعني كأنّه يقول كيف تجرّأ إبليس أن يقول {فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي} وكيف يُوَجَّه هذا؟ وهل يعتبر هذا سوء أدب من إبليس؟

د.العباس: هو صنع ما هو أكبر من ذلك إبليس! لكن ليس معنى الآية كما فهم الأخ، ليس هو استفهام من إبليس يعني بما أغوتيني، هو كأنّه يقول بسبب أنّك أغويتني لأقْعُدَنَّ لهم صراطك المستقيم، والآية أو القصة واردة في سورة أخرى بلفظ بسياقٍ آخر {فَبِعِزَّتِكَ} فهناك أقسم بعزّةِ الله عزّ وجلّ أنّه ليُغْوِيَنَّهم، وهنا ذكر أنّه بسبب أنّ الله عزّ وجلّ أغواه وحرمه من الجنّة فهو سيجرُّ معه إلى هذا الحرمان وإلى هذه الغوايةِ آخرين ليس معنى الله فبِما يعني لِما. لا ، ليس هنا الاستفهام، وإنَّما الباء هنا سببيّة بسبب أنّك أغويتني لأقعُدَنَّ لهم صراطك المستقيم.

د.عبد الرحمن: حتى هذه كوْنها سببية أليس في هذا نوع سوء أدب من إبليس تكبّر؟

د.العباس: نعم، لا شك، هو امتنع عن السّجود.

د.عبد الرحمن: وصفه الله بالكِبْر فأبى واستكبر وكان من الكافرين.

د.العباس: نعم نعم، ولفظة بما أغويتني هي لفظة منفِّرة لكلّ صاحب عقل وكلّ صاحب فطرة حسنة يستنكف أن ينجرّ وراء إبليس؛ لأنّه قال أنّ سبب إضلال إبليس للناس هو أنّ الله أغواه، ومَن يريد أن يتبعه في غوايته هذه؟

د.عبد الرحمن: العجيب يا أبا محمد يعني كيف نغفل سبحان الله العظيم! عن هذا المعنى الرّائع الّذي ذكرته وخطبة إبليس مُثبتة لنا في سورة إبراهيم {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ} [إبراهيم:22]، أنا أقول سبحان الله هذه الخطبة منقولة لنا بنصِّها، وبالرّغم من ذلك ننساق وراء الشّيطان كأنّنا ما عرفنا الحقيقة!!

د.العباس: لأنّنا يا أخي الكريم لم نُطَبِّق ما أمر الله عزّ وجلّ في قوله {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا} [فاطر:6]، هذه فيها توجيهان ليس فيها توجيه واحد:

التوجيه الأول: أن نعرف أن الشيطان لنا عدوّ، هذا أمر معروف عند النّاس، ولا يختلفون فيه ولكن الأمر الثاني هو الّذي يقع فيه التقصير {فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا}. لو أنَّ أحداً من النّاس حصل بينه وبين قريب له أو جار له أو معرفة له خلاف، ما هي الوسائل الّتي يصنعها ليُعَبِّرَ فيها عن خلافه مع ذلك؟ يُقاطعه، لا يكلّمه، لا يُسَلّم عليه، وإذا رآه يمرّ من طريق مرَّ من طريق آخر، وإذا رآه يدخل من باب دخل من باب آخر، هذه مع أخوك المسلم، ولكنّنا لا نصنَعُ شيْئاً من ذلك مع الشّيطان أبداً، ونحن نعلم يقيناً أنّنا سنلْقاه في المكان الفلاني؛ لأنّه سبق أن عَصَيْنا الله هناك، ولكنّا تقودُنا خطواتنا إلى ذلك المكان مرّة ثانية وثالثة ورابعة، ونحن نزعم أنّنا نعرف أنّه عدو، لكن ما هذا السّلوك؟ السّلوك الّذي يعرف أنّه عدو.

د.عبد الرحمن: وابتلاء من الله يا شيخ هذا كلامك يذكّرني بأبيات للمُثَقَّب العَبْدي يقول لصاحب له يقول:

فَإمّا أن تكونَ أخي بِحَقٍّ           فَأعْرِفَ مِنْكَ غَثّي مِن سَميني

وإلاّ فاطّرحني واتّخذني            عدُوّاً اتّقيك واتقيني

يعني هذا التّصرُّف الّذي يصنعه بعض النّاس.

الأخ أبو محمّد سأل سؤالاً في سورة الشعراء هو سأل سؤالين الحقيقة، وإن كان خارج موضوعنا يا شيخ.

د.العباس: أنت إذا سمحت له بذلك ما في إشكال.

د.عبد الرحمن: لا،لا .

د.العباس: لكن أنا عندي إذا سمحتَ لي تعليق على طريقة الأخ أبو محمّد وأرجو أن لا يكون في نفوسِنا شيء أنا أستغرب عندما نتعامل مع القرآن بأرقام الصفحات.

د.عبد الرحمن: فقط أسلوبه مقبول يدلّك بسرعة.

د.العباس: الحقيقة لمّا يقول صفحة 150 مع الكتب مع الصّحف مع المجلاّت، يعني سبحان الله! تعامل أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم والسّلف مع القرآن كان عجيباً، كان توقيف حياتهم كلّها إذا قيل كم كان بين السّحور والصّلاة؟ قال قَدْرَ 50 آية، قال: كم بينك وبين بيت فلان وفلان؟ قال: قدر 100 آية، قدر مئة، قدر خمسين آية، فما أجمل أن نتعامل مع القرآن مع سورة الشعراء آية كذا.

د.عبد الرحمن: جزاك الله خيراً يا أبا محمّد.

يسأل سؤال عن سورة الشّعراء يقول في قوله سبحانه وتعالى {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ {90} وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ {91} وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ {92} مِن دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنصُرُونَكُمْ أَوْ يَنتَصِرُونَ {93} فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ {94} وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ {95} يقول: مَن هم { فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ }؟ هو يسأل مَن هُمْ (هُمْ)؟ ومَن هم الغاون؟

د.العباس: لا يحضرني الآن الجواب لكن يعني سُئلت سؤالاً جميلاً في هذا قبل أيّام في برنامج آخر أنّه في سورة الأنبياء {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} [الأنبياء:98] يعني بعض النّاس يفهم أنّ كلَّ مَنْ عُبِد مِن دونِ اللهِ يشترك في العقوبة، فالعلماء يقولون أنّ مَن عُبِدَ من دون الله برِضاه، فيخرج من هؤلاء الملائكة وعيسى عليه السّلام وغيرهم ممَّن عُبِدَ بدون رضاه صح؟ فلعلّ الإشارة هنا (هم) إلى مَن عُبِدَ من دون الله بِرِضاه.

د.عبد الرحمن: قبل أن نسترسل في بيان أجوبته يا دكتور عبّاس نحن تعوّدنا وعوّدنا الإخوة المشاهدين في كلّ حلقة نُعَرِّفهم بكتاب ينفعهم في تدبُّر القرآن وفي فهم معانيه.

فنتوقّف لتعريفهم بالكتاب ثمّ نعود لمواصلة الحديث فابقَواْ معنا حفظكم الله.

***********************************

الفاصل- تعريف بكتاب

“معجمُ المُفَسِّرين من صدرِ الإسلام حتى العصر الحاضر”

وهذا المعجمُ من تأليفِ الأُستاذ عادل نوَيْهِض. ويشتمِلُ على التّعريفِ والتّرجمة لِما يُقارِبُ الألفين من مُفَسِّري القرآن الكريم من صدر الإسلام حتى العصر الحاضر. لا فرقَ في ذلك بين مَن فسَّرَ القرآنَ كُلَّهُ، أو فسَّرَ سورةً منه، أو آيةً من آياته، وخَلَّفوا أَثَراً مَكتوباً في ذلك.

كما يضُمُّ أعلامَ المُفَسِّرينَ من الصَّحابَةِ والتّابِعينَ ومَن جاءَ بَعْدَهم مِمَّن اشتَهَروا بالتّفسير، وكانت لهم حلَقاتٌ معروفة.

وقد بيَّنَ المُؤلِّفُ منهَجَهُ في الكتابِ فقال:

“وقد سَلَكْتُ في تَرْتيبِهِ المنهجَ التّالي: بدأتُ في ترجمةِ كُلِّ مُفَسِّرٍ بذكرِ شُهْرَته، أو اسمِه، إن لم يكن له شُهرة، وبجانبه ولادَتُهُ ووفاتُه بالتّاريخِ الهجريّ والميلادي، يلي ذلك اسمُ المُتَرْجَم له، فاسمُ أبيه فجدُّه فنسبتُهُ فاختصاصُهُ في غيرِ علمِ التّفسير كالحديثِ والأدبِ واللُّغة، ثمّ مكانُ الوِلادة، ومراحِلُ الدِّراسة، وما وَلِيَ بعدَها من أعمال، ثمَّ مكانُ الوَفاة، فمُؤلَّفاتُهُ في التّفسير، وقد أشَرْتُ إلى ما طُبِعَ منها، وإلى ما هو مخطوط.

رَتَّبْتُ الأسماءَ أبْجَدِيّاً وِفْقاً لِتاريخِ وفاةٍ المُتَرْجَم لهم مُبْتَدِئاً بحرفِ الاسم الأوّل ثمّ بحرفِ الاسمِ الثّاني.

مَن لم أعثُر لهُ على تاريخِ وِلادَةٍ ووفاة، اقتَصَرْتُ على ذِكْرِ الزَّمَنِ الَّذي كان حيّاً فيه.

زوَّدْتُ المُعْجَمَ بِكَشّافَيْن:

الأوَّل: وَضَعْتُهُ في كُلِّ بداية أوّل حرفٍ أبجديّ، ويتضمَّنُ الشّهرةَ المبتدأه بذلك الحرف، ثمّ الاسمَ وتاريخَ الوفاة.

والثاني: وهو شامِلٌ لكلِّ المُفَسِّرين، ويتضَمَّنُ الشُّهرةَ والأسماءَ وأرقامَ الصَّفحات المذكورين فيها.

وقد صدرت الطّبعةُ الثالثةُ للكتاب عام ألفٍ وأربعِ مِئةٍ وتسعةٍ للهجرة، عن مؤسسةِ نُوَيْهِض الثّقافيّة ببيروت. وهو كتابٌ قيِّمٌ ينتفِعُ به مَن يريدُ معرفةَ سِيَرِ المُفَسِّرين الّذينَ تَصَدَّروا لِتفسيرِ القرآنِ الكريم عبرَ التّاريخ.

**************************

د.عبد الرحمن: مرحباً بكم أيُّها الإخوةُ المشاهدون مرَّةً أخرى في برنامجكم [التفسير المباشر] وأُرَحّب مرّةً أخرى بضيفي العزيز الدكتور العبّاس بن حسين الحازمي، الأستاذ المساعد بجامعة الإمام، والأمين العام للجمعيّة العلمية السعوديّة للقرآن الكريم وعلومه حياكم الله مرةً أخرى يا أبا محمد.

د.العباس: حيّاكم الله يا شيخ.

د.عبد الرحمن: تعليقاً على سؤال الأخ أبي محمّد في قوله {فَكُبْكِبُوا} وبعد جوابك الرّائع استوقفتني التعبير بــ {فَكُبْكِبُوا} دائماً يقولون في اللغة أنّه إذا تكرَّر الحرف مثل: زلزل، وكبكب، أنَّها تدلّ على شدّة هذا الأمر، فقوله سبحانه وتعالى {فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ} يدلّ على شدّةِ إهانتهم؛ كما قال الله سبحانه وتعالى في سورة ق {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ} [ق:24]، إهانة لهم الكبكبة والإلقاء.

سؤال آخر يا دكتور العباس لأخينا أبي محمّد في سورة الشعراء وطبعاً نحن نستحي من أبي محمّد أنّنا نردّ سؤاله وإن كان خارج الجزء الثامن. في قوله سبحانه وتعالى في سورة الشّعراء {إذْ قالَ لَهُمْ أَخوهُمْ نوحٌ ألا تَتَّقون} ثمّ قال بعدها في لوط عليه الصّلاة والسّلام {أخوهم لوط} إلى أن جاء إلى شُعَيْب فقال: {كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ {176} إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ {177} فهو يتساءل قال: لماذا شُعَيْب بالذّات هنا لم يقل: إذ قال لهم أخوهم شعيب؟

د.العباس: طبعاً قصّة شعيب وإرساله إلى قومه جاءت في مواضع من القرآن، ففي مواضع ذُكِرَ أنّه أخٌ لهم منسوب إليهم أُخُوَّةً ، في مثلاً في الأعراف ({وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا} (85)) وفي هودٍ أيْضاً قال الله عزّ وجلّ {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا}[هود:84] هنا ما ذكر فيحتمل أن يكون عدم نسبته إليهم أخوّةً أنّ الله عزّ وجلّ وصفهم بأنّهم أصحاب الأيْكة الّتي كانوا يعبدونها، والأيْكة هي الشجر الكثيف المُلْتَف، -الشجر الكثيف- كما ذكر الله عزّ وجلّ في سورةِ [ ق] فنسبهم الله عزّ وجلّ إلى هذه الأشجار؛ لأنّهم كانوا يعبدونها فلم ينسِب إليهم شُعَيْباً أُخُوَّةً؛ لأنّه ليس ممَّن يعبد هذه الشّجرة. أو كما ذكر بعض أهل التفسير أنّ شُعَيْب أُرْسِل إلى مجموعتين فلمّا خسف الله وأرسل الصّيحة على أصحاب مديَن أرسله مرّةً أخرى إلى أصحابِ الأيْكة فأوُلئك هو أخٌ لهم في النّسب من قبيلتهم وقومهم، وأمّا هؤلاءِ فهو ليس أخٌ لهم. مع أنّ بعض أهل التّفسير رجّح الأوَّل؛ لأنّ أصحاب مَدْيَن والأيْكة هم أُمّة واحدة هم قوم شُعيْب ولم يُرسِل شُعَيْب مرّتين إنما أُرْسِل مرَّةً واحدة وَبُعِث مَرَّةً واحدة.

د.عبد الرحمن: فتح الله عليك. الحقيقة هو معنى دقيق والله، وبالمناسبة ناس كثير ما يعرفون والأيْكة أين هي ؟

هي تبوك اليوم، مدينة تبوك اليوم هي المدينة الّتي كان فيها أصحاب الأيْكة. معنا اتّصال من الأخ أبو محمّد من السّعوديّة تفضّل يا أبو أحمد، أبو أحمد عفواً حيّاك الله يا أبو أحمد

أبو أحمد: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

د.عبد الرحمن: وعليكم السّلام ورحمة الله وبركاته.

أبو أحمد: كيف حالكم شيخ عبد الرّحمن؟

د.عبد الرحمن: يا مرحباً بك.

أبو أحمد: حيا الله الشيخ العباس.

د.العباس: الله يحيّك.

أبو أحمد: سؤالي يا شيخ في خطبة إبليس مع إغوائه لآدم لمّا قال الله سبحانه وتعالى {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا} [الأعراف: 20]، ثمّ قال الله عزّ وجلّ {فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا} [الأعراف:22]، فهنا نرى أنّ إبليس لما أغوى آدم فأكلا من الشّجرة كانت شؤم المعصية في ان ظهرت لهم السوءة، فما العلّة وما الحكمة في أن الشؤوم كان في إظهار العورة وأن الله جعل نعمة في اللِّباس لمّا قال الله سبحانه تعالى {يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ}[الأعراف: 31] فما الحكمة في اختصاص ستر العورة وظهور السوءة بأنّه من شؤم المعصية؟ ولو أمكن الحديث عن كشف عورات الناس في هذه الأيام من بعض الناس وتلاعب الناس في الألبسة وان هذا من إغواء إبليس. أسأل الله أن يُثَبِّتنا وإيّاكم على طاعته.

د.عبد الرحمن: الله يكتب أجرك.

أحمد : السلام عليكم.

د.عبد الرحمن: وعليكم السلام ورحمة الله. الحقيقة سؤال الأخ أبو أحمد سؤال جميل وهو في قصّة آدم عليه الصّلاةُ والسّلام مع إبليس في الجنّة أنَّ الله سبحانه وتعالى عندما نهى آدم عليه الصّلاةُ والسّلام أن يأكُلَ من الشّجرة، فلمّا أكلا منها بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهما فسؤال أبو أحمد يقول: لماذا كانت العقوبة هو كشف سوْأة آدم عليه السّلام وحوّاء؟ تعليق على هذا الموضوع.

د.العباس: طبعاً كما أشَرْت في أوّل حديثي من الصِّلة بين السّورتين الحديث عن الشيطان والجنّ ووساوسهم، فالله عزّ وجلّ لمّا ذكر في سورة الأنعام الشياطين والجنّ، وكيف حرفوا بني آدم عن نسبةِ هذه النّعمة إلى اللهِ عزّ وجلّ بيَّن هنا في هذه السّورة أنّ الشيطان من قبلِ هذا قد وسوس وقد سوّل إلى أبيهم آدم في الجنّة، ولذلك الله عزّ وجلّ هنا بيّن أنَّ العقوبة السّريعة الّتي كانت لهما أنّه بدت لهما سوآتُهما، يذكر بعض أهل التفسير أنّ من تمام نعمة الله على آدم وحواء في الجنّة أنَّ عوْراتهما كانت لا تظهر، كانوا ما يطّلعون عليها هذا من تمام نعمة الجنّة من نعمةِ اللهِ في الجنّةِ عليهما الستر. فلمّا وقعا في هذه المعصية سلب الله عزّ وجلّ عنهما هذه النّعمة، دلالة على أنّ عمارة الباطن بتقوى الله وامتثالِ أمرِ الله، واجتنابِ نَهيِ الله، هي سبيلٌ إلى عِمارةِ الظّاهرِ بالزّينةِ والِّباس، فإذا فرَّطَ الإنسان في ستر الباطنِ وعمارة الباطن وستر الظّاهر، فإنَّ الله عزّ وجلّ يسلبه مهما لبس يعني:بعض النّاس ربّما يقع في المعصية ويتجمّل للنّاس ويظنّ أنّ النّاس لا يطّلعون على شيْءٍ من معصيته، لكنّ اللهَ عزّ وجلّ كما قال بعضُ السّلف يفضحه في فلتات اللّسان فهذا هو معنى كشف العورة الذي حصل ولذلك هذا المعنى تكرر ثلاث مرّات في الآية الّتي بعدها: {وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ} [الأعراف:26] { يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} وليس المراد هنا فقط بالزّينة فقط اللِّباس، لا، الأمر أعمّ من ذلك، وإن كان اللِّباس هو الشّيء الظّاهر.

د.عبد الرحمن: الحقيقة يا دكتور العبّاس الكلام هذا في غاية الرّوعة الحقيقة، يعني لاحظ أنّ الشيطان من أوّلِ الأمر من أيّام الجنّة، من وسائلِهِ في الإغواء كشف السَّوْءات وإلى اليوم أليس كذلك؟ تلاحظ الآن في بلاد الإسلام الآن كيف يُروّج للموضات خاصّة في اللِّباس للنِّساء بالذّات تُلاحظ أنّها كلَّما كانت هذه الموضات وهذه الملابس أكثر فضْحاً وأكثر انكشافاً، كلَّما أقبل عليها النّاس، وهذا الحقيقة يعني يربطك مباشرةً بهذا الموقف القديم: كشف السَّوْأة. وتلاحظ الآن التسَتُّر من سيماء أهل الصّلاح وأهل الهداية وأهل الخير، بل وحتى أهل الفِطَر السّليمة.

د.العباس: إذاً كلَّما كان الباطن معموراً بتقوى الله، كلّما كان الإنسان حريصاً على سَتْرِ ظاهرهِ.

د.عبد الرحمن: حفظك الله. معنا اتصال من الأخ سعد من السّعوديّة، حيّاكم الله يا أخ سعد.

سعد: السلام عليكم.

د.عبد الرحمن: وعليكم السلام ورحمة الله.

سعد: كيف حالك يا دكتور عبد الرحمن؟

د.عبد الرحمن: يا مرحباً بك يا أخ سعد تفضّل.

سعد: يا شيخ عندي سؤال بخصوص ترتيب السّور هل هي توقيفيّة أو غير توقيفيّة؟ وهل فيها قول راجح؟

د.عبد الرحمن: طيب أبشر.

سعد: جزاك الله خير. الأخ عتيق من السعودية تفضّل يا أخ عتيق حيّاك الله

عتيق: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

د.عبد الرحمن: وعليكم السّلام ورحمة الله وبركاته .

عتيق: شكر الله لكم سعيكم، وبارك فيكم وغفر الله لكم.

د.عبد الرحمن: اللهمّ آمين جزاك الله خير ولكم كذلك.

عتيق: شيخ أُريد أن أسأل الآية الّتي يذكر الله سبحانه وتعالى فيها البَرَد والغرابيب السّود تفسير للآية.

د.عبد الرحمن: سورة فاطر. شكر الله لكم.

د.عبد الرحمن: بارك الله فيك الله يحيّك يا مرحبا. اتّصال من الأخ صالح من السعودية تفضّل يا أخ صالح

صالح: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

د.عبد الرحمن: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

صالح: يا شيخ بالنّسبة لإبراهيم عليه الصّلاة والسّلام كان اسم أباه هنا آزر أم هذا لقب لأبيه؟

د.عبد الرحمن: أحسنت، شكراً. نعود يا دكتور العبّاس وردنا سؤال من الجوّال، هذه أول بواكير الأسئلة على الجوال سائل يسأل يقول في قوله سبحانه وتعالى في سورة الأعراف {وَنَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُواْ مَا أَغْنَى عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ {48}} حتى من قوله {وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ} تفسير مُجْمَل لهذه الآيات، ما المقصود بالأعراف؟.

د.العباس: عندما يأذنُ اللهُ عزّ وجلّ لأهلِ الجنّةِ بدخولِها، ويكتب على أهلِ النّارِ دخولَها يكون بين الضفّتين حجاب، أهل الجنّةِ يرون أهل النّار وكذلك أهل النّار، ولكن لا يصلُ بَرْدُ هؤلاءِ إلى هؤلاء، ولا حرّ هؤلاءِ إلى هؤلاء، فيحصل النِّداء من أهل الجنّة، وهذا النّداء من تمام النّعيمِ لهم، وهذا من تمام العذاب لأهل النّار، يعني من أهل الجنّة مَن يكون في الدّنيا في فَقْرٍ وحاجةٍ ومسكنةٍ وربّما ذِلَّةٍ وكذا، ولكنّ الله عزّ وجلّ يكافؤه جرّاء إيمانه في الآخرة بالجنّة، ويحبّ أن يطّلع إلى أهل النّار، فإذا اطّلع إليهم ورأى فيهم أهل الظّلمِ والكفرِ والعدوان، فإنَّ ذلك يزدادُ به نعيماً، وكذلك أهل النّار يزدادون به عذاباً.

هناك فئة من النّاس سمّاهم الله أهل الأعراف في خلاف كبير في المراد بهم، لعلّ أرجح الأقوال أنّهم هم مَن استوَت حسناتهم وسيِّئاتهم، فلم يُكْتَب لهم دخول الجنّة ولا النّار يقفون في مكانٍ عالٍ مرتفع يروْن أهل الجنّة ويرون أهل النّار، فإذا رأوْا أهل الجنّة سلَّموا عليهم وتمنَّوْا أنَّهم يكونون معهم ولكنهم مشفقون أن لا يكونوا معهم، وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحابِ النّار دَعَوُا الله عزّ وجلّ لهم أنّهم لا يكونون مع أهل النّار، وهذا موقف عظيم جدّاً وفيه من الهَوْل العظيم الّذي وصفَهُ اللهُ عزّ وجلّ في القرآن. لكنّ الله عزّ وجلّ بعد أن ينظر أهل الجنّة إلى أهل النّار يصرف أبصارهم إلى طائفةٍ ثالثة، وهم بعض المتكبِّرين والمتجبِّرين والمستهزِئين بأهل الإيمان وهو الآن في النار، فيُخاطبونهم زيادة في التّبكيت لهم {وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ} أُناس كانوا يعرفونهم في الدّنيا وأنّهم مَن يؤذون المؤمنين ويضطهِدونهم وكذا وكذا نادوهم قالوا {مَا أَغْنَى عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ} كنتم تقولون في الدّنيا أنّكم ستصنعون وتصنعون وتفعلون نراكم الآن في النّار؟ ماذا صنع جمعكم وما كنتم تستكبرون؟! ثمّ زادوهم عتاباً وتبكيتاً لهم زيادة في العذاب، ثمّ بعد ذلك كما ذكر أهل التّفسير أنّ الله عزّ وجلّ يمنُّ برحمته ومغفرته على أهل الأعراف فيجعلهم من أهل الجنّة لأنَّ رحمته سبقت غضبه.

د.عبد الرحمن: جزاك الله خيراً. ولعلّ يا دكتور العبّاس يعني تصديقاً لكلامك في كوْنهم المقصود بهم أُناس يقفون في منطقة بين الجنّةِ والنّار، أنَّ الله يقول {وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاء أَصْحَابِ النَّارِ (47)} ما يدلّ على أنّهم في مكان يرون هؤلاء ويرون هؤلاء.

د.العباس: نعم.

د.عبد الرحمن: فتح الله عليك.

الأخ سعد من السّعوديّة يسأل سؤالاً عن ترتيب السّور الفاتحة، البقرة، آل عمران، النِّساء هل ترتيبها هذا توقيفي أم اجتهادي؟

د.العباس: المسألة فيها خلاف كبير عند أهل العلم بعلوم القرآن، ولكن الرّاجح أنَّها توقيفيّة، وأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في العرضة الأخيرة الّتي عارض في القرآن جبريل عليه السلام، وضع أفكار هذا التّرتيب، ولذلك المصحف لمّا جُمِع في عهد أبي بكر وفي عهد عثمان رضي الله تعالى عنهما كان على هذا التّرتيب وكان من شارك في جمعه زيد بن ثابت الّذي عرض المصحف أيضاً على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في عَرْضَتِهِ الأخيرة، وممّا يدلّ إضافة إلى هذه المرويات الواردة ما يدلّ هذا التّناسق والمناسبات الكبيرة بين هذه السّور في ترتيبها الموجود اليوم.

د.عبد الرحمن: جزاك الله خيراً. هنا تساؤل يقول: أحياناً يكون ترتيبُ الكتاب من أهمِّ ما يُعنى به المؤلّف، يعني من الممكن أن تعطي المطابع كتابك وتقول ما هي مشكلة حطوا المقدمة في الأخير، والفصل الأول في الأخير، ما هو معقول! فالقرآن أوْلى بالترتيب والعناية من غيرهما.

د.العباس: ولا يُشكل على هذا كوْنُهُ نزل مُفَرَّقاً ومُنَجَّماً ما يشكل أبداً هذا من تمامِ إعجازه، بأن ينزل على مدى 23 سنة وتوضع الآية الّتي نزلت في السّنة الثانية من البعثة مع الآيةِ الّتي نزلت في السّنة التاسعة ويكون بينهما تناسق هذا من باب الإعجاز.

د.عبد الرحمن: صدقت. قبل أن نكمل أسئلة الأخ سعد لدينا اتّصال من الأخ عبد اللّطيف من السّعوديّة، حيّاكم الله يا أخ عبد اللّطيف.

سؤال الأخ عتيق في قوله سبحانه وتعالى في سورة فاطر {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ} [فاطر:27]، هذه ما المقصود بها؟

د.العباس: لعلّنا نستمع إليها إن شاء الله منك.

د.عبد الرحمن: جزاك الله خيراً. هو الّذي يظهر والله أعلم أنّ المقصود بها أنّ الله سبحانه وتعالى يمتنّ بأنّه ترك بين الجبالِ طُرُقاً يسلُكُها النّاسُ في معايشهم فقال {وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ} والجُّدَد هي الطرق، الجادّة هي الطريق المطروقة الّذي تسلكه، جمعُ جادّة. فجُدَدٌ بيضٌ وحمر، تجد الطُّرق في الجبال إمّا أن تكونَ بيضاء أو حمراء، وهذا يلمسه مَن يعيش في الجبال، ويلمس هذا وتظهر له نعمة الله سبحانه وتعالى وخلقه في هذا.

ثمّ قال: {وَغَرَابِيبُ سُودٌ} قال والغرابيب السّود هي شديدة السواد ومنه سُمِّيَ الغراب لشدّةِ سواده، فهذا الّذي يظهر في معنى الآية، وهذا من امتنان الله سبحانه وتعالى في قوله (ألم تر) للامتنان.

الأخ صالح من السعودية يسأل عن قوله تعالى في سورةِ الأنعام: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً} فيقول: هل آزر هذا هو اسم والد إبراهيم؟ أم ماذا؟

د.العباس: سمّاه الله لنا أباه، فهل لنا بعد ذلك نتساءل هل هو أبوه ولاّ عمّه ولاّ شيء آخر؟؟!! هو لا يتعلّق بمعرفةِ ذلك كبيرُ فائدة يكفي أنَّ الله أخبرنا أنَّ اسمُهُ هكذا، وكيف تعامل إبراهيم عليه السّلام معه كما في سورةِ مريم، هذا هو الّذي ينبني عليه العمل ويترتّب عليه العمل. أمّا هل اسمه آزر ولاّ لا؟؟ لا ينبني على ذلك عمل سمّاه الله لنا آزرَ في القرآن.

د.عبد الرحمن: هو العجيب يا دكتور العباس أنّ أهل السِّيَر، وأهل التّاريخ والأنساب لا يقولون إبراهيم ابنُ آزر، وإنَّما يقولون إبراهيم ابنُ تارخ ويقولون أنّ اسم والد إبراهيم تارخ، وآزر هو عمّ إبراهيم، لماذا الله يقول {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ} قالوا: لأنّ العمّ يُقال له الأب ويستدلّون بقصةٍ في سورة البقرة (قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ (133)) وهو عمُّهُ. فكلامك الحقيقة في غاية الوضوح أن الله سمّاه آزر، ولكنّ النّاس يغيِّرون هذا ويقولون يعني أنّه ليس هذا هو الاسم الحقيقي لوالد إبراهيم عليه الصّلاةُ والسّلام وليس هناك أجمل من الالتزام بظاهر النّصّ القرآني والوقوف عندَهُ.

د.العباس: والخطاب الرّقيق الّذي كان بين إبراهيم عليه السّلام وبين أبيه والمذكور في سورة مريم، ما يمكن أن يكون له تلك الفائدة إلا إذا كان مع أبيه صح؟ لأنّه كان مع أبيه إذا كان مع عمّه ما يكون له ذلك التأثير.

د.عبد الرحمن: أذكر في بحث قيِّم في هذا الموضوع للأستاذ أحمد شاكر رحمه الله في كتابه عندما حقّق الكتاب المعرّب من الكلام الأعجمي على حروف المعجم للجواليقي ختمه ببحث رائع جدّاً عن تحقيق اسم إبراهيم آزر.

نريد أن نختم الحلقة يا دكتور العبّاس الرّائعة هذه بحديث عن التّوبة في الآية 23 من سورة الأعراف عندما وقع آدم عليه الصّلاة والسّلام وحواء قال الله {فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ} الشيطان {فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ {22} قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ {23}} أودّ أن نتحدّث عن التوبة من آدم و حواء في هذا الموقف وإبليس وعصيانه كيف أنّه رفض الأمر فطُرِد وهم وقعا في النّهي فبقي.

د.العباس: طبعاً قبل هذا إشارة سريعة الله عزَّ وجلَّ في سبع مواضع من القرآن ذكر هذه القصة وأشار إليها تقريبا، وكلُّها المسؤوليّة فيها مشتركة بين آدم وحواء، لا كما يقول أهل الكتاب وخاصّة من المعاصرين هم يحمّلون المسؤوليّة لحوّاء، ولذلك كثير من اليهود والنّصارى وهم يقولون قبل 400 سنة وهم يختلفون هل في النّساء روح ولاّ لا؟ وفي الأخير اتّفقوا أنّ فيهنّ روح لكنّها نجسة، كلّه إشارة إلى أنّهم يقولون أنّ حواء هي التي كانت السّبب في إغواء آدم، هذا غير صحيح، نحن عندنا في القرآن إثبات أنّ المسؤوليّة مشتركة لا يتحمّل هذا وإنَّما يتحمّلانها جميعاً. وبعد ذلك الله عزَّ وجلَّ منَّ عليهما بأن علّمهما {فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ} [البقرة:37]، حتى التوبة علَّمَهُ الله عزَّ وجلَّ إياها، ولذلك الرّاجح أنّ المراد بالكلمات الّتي علَّمَهُ الله إيّاها هي الواردة هنا {قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا} انظر كيف العبارة؟ هذا دعاءٌ واستغفارٌ علَّمَهُ اللهُ عزّ وجلّ لآدم كي يستغفر ويتوب منه ولكن ينبغي علينا أن نستعمل هذا العلاج الرّبّاني وهذا الدّواء الرّبّاني. قالا ربَّنا أولاً اعترفا ولجأ إليه هو الّذي فطرهم وخلقهم ورزقهم وأنعم عليهم { رَبَّنَا} لذلك عليه الصّلاة والسّلام قال: “يعجبني في أن أقول ربّنا ربّنا ربّنا” وما أجمل أن نسمعها من أئمّتنا في صلاة التّراويح يعني ليتنا نسمع، انظر أدعية القرآن كلّها أو غالبها ماذا؟ ربّنا ربّنا ربّنا وهذا قليل ما نسمعه في أئمّتنا في صلاة التراويح أتمنّى أن يكثروا من هذا الدّعاء فـ {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا} يعني هذه المعصية ما كانت تقصيراً في حق أحد، وإنّما كانت ظلم لنا، وهذا الشّعور الّذي ينبغي أن تنطوي عليه نفس التّائب أنّ في معصيتك ظلمٌ لك، ظلمٌ لنفسك {وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} وإن لم تغفر لنا وترحمنا حاجتنا إلى مغفرتك ورحمتك لنمتنع أو لنحمي أنفسنا أن نكون من الخاسرين. هذا الشّعور الّذي كان عند آدم وحواء عند توبتهم إلى اللهِ عزَّ وجلَّ نحن محتاجون أن نكون عليه في توبتنا، وينبغي أن نعلم أنّ التوبة ليس معناها تكون فقط من الذّنب لا، فالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو الّذي قد غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر كان يتوب إلى الله ويستغفره في اليوم سبعين أو مئة مرة، فالتوبة ليست فقط من ذّنب، لا بل التوبة من تقصيرك في حقّ الله عزَّ وجلَّ، التوبة من تقصيرك في شكر نعمة الله عزَّ وجلَّ، هذا الهواء الّذي تستنشقه صباح مساء هو نعمة من الله عزَّ وجلَّ، هل شكرناه؟! إذاً نتوب إلى الله عزَّ وجلَّ من تقصيرنا.

د.عبد الرحمن: رجع إلينا الأخ عبد اللّطيف من السعودية تفضل يا أخ عبد اللّطيف

عبد اللّطيف: السلام عليكم.

د.عبد الرحمن: عليكم السلام ورحمة الله.

عبد اللّطيف: كيف الحال؟

د.عبد الرحمن: الله يحيّك.

عبد اللّطيف: أقول برنامج شيق وجزاكم الله خيراً.

د.عبد الرحمن: الله يحيّك.

عبد اللّطيف: دعواتكم.

د.عبد الرحمن: الله يحفظك.

هل عندك سؤال يا عبد اللّطيف؟

عبد اللّطيف: لا ما عندي سؤال.

د.عبد الرحمن: الله يحفظك ويوفقك يا أخي العزيز ويجزيك الخير.

الحقيقة كان حديثاً ممتعاً يا أبا محمّد نسأل الله أن يكتُبَ أجرك وأن يتقبّل منك.

باسمكم جميعاً أيُّها الإخوة المشاهدون أشكركم وأشكر أخي العزيز الدكتور العباس بن حسين الحازمي، الأستاذ المساعد بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلاميّة، والمتخصّص في الدّراسات القرآنيّة، والأمين العام للجمعيّة العلميّة السّعوديّة للقرآن الكريم وعلومه. شكر الله لك يا أبا محمّد. وشكر الله لكم أيُّها الإخوة المشاهدون متابعتكم، نلقاكم غداً بإذن الله تعالى، أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

http://www.youtube.com/watch?v=PZ2WB_SPJ68&list=PLF923571A3B4F5F5A&index=8&feature=plpp_video