برنامج التفسير المباشر

برنامج التفسير المباشر 1429هـ – الجزء الحادي عشر

اسلاميات

التفسير المباشر

الحلقة الحادية عشرة

11-9-1429هـ

د:عبد الرحمن: بسم اللهِ الرّحمنِ الرّحيم، الحمدُ للهِ رَبِّ العالَمين، والصّلاةُ والسَّلامُ على أشْرَفِ الأنبِياءِ وَالمُرْسَلين سيِّدِنا وَنَبِيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ أجْمَعين. مرحباً بكم أيُّها الإخوةُ المُشاهِدون في برنامجكم اليومي [التّفسير المباشر] الّذي يأتيكم من قانتكم الفضائيّة قناة دليل من استديوهاتها في مدينة الرّياض.

اليوم بإذن الله تعالى هو اليوم الحادي عشر من شهرِ رمضان المبارك من عام: تسعةٍ وعشرين وأربعِ مِئَةٍ وألف وسوف يكونُ حديثُنا عن الجزء الحادي عشر من أجزاء القرآن الكريم. وأُذَكِّرُكُم بأرقام الهواتف الّتي تظهَرُ أمامكم على الشّاشة للاتّصال والاستفسار، وأيْضاً رقم الهاتف الجوال الّذي يمكنكم من خلاله التّواصل عبر الرّسائل فقط وهو (0532277111)

كما تعوَّدْنا في كلّ حلقة أن نبدأ بذكر أبرز الموضوعات الّتي تناولها الجزء الّذي هو مدار حديثِنا، والجزء الحادي عشر من أجزاء القرآن الكريم يبدأ من الآية الثالثة والتّسعين من سورة التوبة مع سورة يونس عليه الصّلاة والسّلام، وخمسِ آياتٍ من أوّلِ سورةِ هود عليه الصّلاةُ والسّلام.

وأبرز الموضوعات الّتي تناولها هذا الجزء هي:

  • خبر المنافقين الّذين تخلَّفوا عن الجهادِ في غزوةِ تبوك.
  • وبناءِ مسجِدِ الضِّرار.
  • ثمّ ذِكْر صفات المؤمنين المجاهدين الّذين باعوا أنفُسَهم في سبيلِ اللهِ تعالى.
  • ثمّ قصّةُ التّوبة على الثّلاثةِ الّذين خُلِّفوا.
  • ثمّ يأتي حديثُ سورةِ يونس عن أصول العقيدةِ الإسلاميّة، ولا سيَّما الإيمانُ بالرِّسالةِ والرُّسُلِ عليهم الصّلاةُ والسّلام.
  • وذِكْرِ شُبُهاتِ المشركين حولَها والرَّدِّ عليها.

هذه هي أبرزُ الموضوعات، وهناك بعض المحاور الّتي يمكن أن نتناولَها في أثناءِ حديثِنا مع ضيفِنا الكريم بإذن الله تعالى في هذا الحوار.

باسمكم جميعاً أيُّها الإخوة المشاهدون أُرَحِّبُ بِضيفِ هذه الحلقة وهو فضيلةُ الشّيخ الدّكتور صالح بن يحيى صواب، الأستاذ المشارك في جامعةِ صنعاء والمُتَخَصِّص في الدّراسات القرآنيّة وعضو مُلْتقى أهل التّفسير على شبكةِ الإنترنت. حيّاكم الله يا أبا أيمن مرَّةً أخرى.

د:صالح: حيّاكم الله وفرصةٌ طيِّبة. إذا سمحتَ لي بالبداية قبل أن نبدأ طالما أنّك ذكرْتَ هذه المحاور، وهي مجرَّدُ لفتة لقارِئِ كتابِ الله سبحانه وتعالى فأنا أُريد أن أُضيفَ بعضَ المحاور، أو بعضَ الموضوعات الّتي ينبغي أن يقِفَ عندها القارئ، وهي كثيرةٌ جدّاً، ولكن من بابِ التّنبيهِ في هذا الجزء ولعلَّنا نُناقش ما تيسَّرَ منها في هذا اللِّقاء.

أوَّلُ هذه الموضوعات:

  • أنَّ جزءًا من هذه السّورة، والذي سأتحدّث عنه وهي سورة التوبة، تحدّث عن تصنيف الطّوائف حول النّبيِّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم وحول المدينة، فذكرت هذه الآيات صفات المنافقين والأعراب وطبائعهم والمُتَخَلِّفين وأصحابُ الأعذار ومَن ليس لهم أعذار إلى غير ذلك.
  • حدَث بارز وهو مسجدُ الضِّرار وهذا لعلّك أشرْتَ إليه.
  • أيْضاً هناك دعوى بأنَّ في قول الله سبحانه وتعالى {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ} [التوبة:109] إلى آخرِ الآيات، هناك دَعْوى بِأنَّ فيها إعجازاً فيما يتعلّق ببُرْجَيْ التِّجارة في نيوروك وهذه أيْضاً من الأخطاء الشّائعة الّتي لا بُدّ من التّنبيه إليها.
  • قصّة الثّلاثة الّذين خُلِّفوا هي أيْضاً من الموضوعات الّتي تستحقّ الوقوف.
  • كذلك أيْضاً مَثَل عجيب في سورةِ يونس، وهو تمثيل وتشبيه الحياةِ الدُّنيا كماءٍ أنزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الأرْضِ مِمّا يَأْكُلُ النّاسُ والأنْعام. هذه تستحقّ الوقوف عليها.
  • هناك أيْضاً في سورةِ يونس قول الله سبحانه وتعالى {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} بيانُ هذه الزّيادة.
  • ثمّ الحديث عن المؤمنين وحالِ المُؤمنين {وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ} [يونس:26] وهذا في مقابل {وَالَّذِينَ كَسَبُواْ السَّيِّئَاتِ جَزَاء سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ} [يونس:27]
  • في سورةِ يونس أيْضاً قصّة قوم يونس، وهذه السّورة سُمِّيَت سورة يونس لأنَّ قصَّةَ يونس كانت بارزةً في هذه السّورة فهي بحاجة إلى شيْءٍ من البيان.
  • وأخيراً لأصحابِ البيان الّذين هم ما شاء الله هم موجودون في المتَّصِلين {وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ} [يونس:42] {وَمِنهُم مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ} [يونس:43] فهذه ربَّما نحتاج إن أمكن أن نقف عندَها لماذا قال {يَسْتَمِعُونَ} وقال {يَنظُرُ} ولم يقُلْ {يَنظرُونَ}

هذه بعض المحاور الإضافيّة.

د:عبد الرحمن: حفظك الله يا أبا أيمن حقيقة أنا شاكر ومُقَدِّر لهذا التّنظيم والتّرتيب، وأذكر حتى في الحلقة الماضية عندما أحضَرْتَ لي تقسيمك للمحاور: الكلمات الغريبة في الجزء، الآيات المُشْكِلة، والإعراب المشكل، لكن يحول بيننا وبين تنفيذ هذا الأمر يا أبا أيمن هو ضيق الوقت فلذلك نحن نُسَدِّد ونُقارب.

قبل أن نبدأ في موضوع حلقَتْنا اليوم نريد إذاً نَفي بوعدِنا لإخواننا المتّصِلين الّذينَ سأَلونا بحلْقةِ الأمس عن الجزء المُتَبَّقي والمُتَداخل في سورةِ التّوبة أيْضاً مع عمَلِنا اليوم.

الأخ أبو بلال سأل سؤالاً أمس عن الآية رقم 67 في سورة التوبة فقال: لماذا عبَّرَ اللهُ عندما ذكر المنافقين، فقال {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ} ولمّا جاء إلى المؤمنين قال {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ} فيقول: لماذا قال في المؤمنين أولياءُ بعض؟ وقال في المنافقين والمنافقات بعضهم من بعض؟

د:صالح: الحقيقة أنا قبل أن أُجيبَ على هذا السُّؤال أو أُجيبَ عن هذا السُّؤال أُريد أن أُذَكِّر بأنَّ اللهَ سبحانه وتعالى قد وصف الكُفّار بأنَّ بعضهم أولياءُ بعض. فلاحِظ: المؤمنونَ والمؤمنات بعضهم أولياء بعض، بل حتى على الكفّار {وَالَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ} [الأنفال:3]، لكن الحديثُ هنا عن المنافقين، والوِلاية تعني النُّصرة، والمنافق لا يُؤْمَلُ منه أن يَنْصُرَ حتى أخاهُ المنافق، فليس بين المنافقينَ نُصْرة، وليس بينهم ما تعنيهِ الولاية، فالوِلاية ليست موجودة بينهم فهم طوائف، أصحاب مصالح، أصحاب مبادئ مُتَقَلِّبة ليس لها مبدأ مُعَيَّن ينتمونَ إليه، ومن ثَمَّ لم يحْسُن أن يُوصَفَ هؤلاءِ بالوِلاية فيما بينهم بأنَّهم أولياء، فهم ليسوا أولياء لبعضهم البعض.

د:عبد الرحمن: جميل، هذه لفتةٌ جميلة.

الأخ أبو أحمد أمس سأل سؤالاً وهو سؤال سِياقي في الحقيقة في قوله تعالى {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ} [الأنفال:52]  في آية 46 من سورةِ الأنفال يقول: لماذا قال {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ} ولم يقُل كدأبِ آلِ صالح وآلِ هود أو آلِ كذا لماذا خصَّ آلِ فرعون بالتّشبيه في هذه الآية؟

د:صالح: الحقيقة يعني هنا العلماء يذكرونَ أشياء لعلّ من أبرَزِها:

أوَّلاً: هذه الآية تتحدَّث عن الكُفّارِ عموماً، ونحن نعلم أنَّ هذه السّورةَ سورةٌ مَدَنِيَّة، وأيْضاً اليهود كانوا موجودين، وعِلْمُ اليهود بآلِ فرعون وتاريخهم أكثرَ من عِلمِهم بعادٍ وثمود، عندما يأتي الحديث والخطاب للمشركينَ في مكّة كانت تُوَجَّه الأنظار غالِباً إلى عادٍ وثَمود؛ لأنَّهم عَرَفوا أخبارَهم، فهنا الحديث هذه مسألة.

ثمّ لعلَّ هنا شيء يعني ما ورد في القِصّة شيء من استكبار الكُفّار وعُلُوِّهم وطُغْيانهم، وهذا الاستكبار يتمثَّل أكثر ما يتمثّل طبعاً في فرعون وما كان من شأنه حتى أنَّهُ قال {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النازعات:24] فهؤلاءِ إذاً بكبريائهم وغطرستهم ساروا على نهجِ فِرْعَون فهم إلى منهجِ فِرْعَوْنَ أقرب.

د:عبد الرحمن: جميل، وأيْضاً الآيات {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاء النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ} [الأنفال:47] وهي أشبه أن تكون بحال فرعون وقومه، جزاك الله خيراً.

هنا سؤال وردَنا من الأخت أم الخطّاب من السّعودِيّة تسأل عن الآية 35 من سورة التوبة وهي قوله سبحانه وتعالى {يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ} [التوبة:35] -نعوذ بالله من ذلك- فتسأل لماذا خصّ الله هذه الأعضاء الجباه والجنوب والظّهور بالذّكر؟

د:صالح: طبعاً هذه يعني التّخصيص لا يعني عدمَ العموم فإنَّهم يُصْلَوْنَ جهنَّمَ ويُصَلَّوْنها – كما جاء في بعضِ القراءات – ولكن ذكر العلماءُ هنا أحدَ أمورٍ كثيرة، ولكن لعلّ نذكُرُ منها:

ü      من العلماء مَن قال: “ذكر هذه الأشياء؛ لأنَّها أشرَفُ الأعضاء” الجباه والظّهور والجنوب.

ü      ومنهم مَن قال: “لأنَّها أُصولُ الجِهاتِ الأربعة” الجبهة للمقدِّمة، والجنوب من الجهتين اليمنى واليُسرى، والظّهور من الخلف، ومن ثَمَّ يكون العذاب قد شملهم في ذلك.

د:عبد الرحمن: وكما في الآية الأُخرى في قوله تعالى {سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ} [القلم:16] يعني؛ للتّشويه والإهانة -والعياذُ بالله-.

أيْضاً سؤال وردنا يا أبا أيمن في الجوال يقول: ما المعنى البلاغي الّذي تُضيفُهُ (ما) في قوله تعالى في سورةِ الزُّمَر { حتّى إذا ما جاءوها } (ملاحظة: السؤال فيه خطأ في الآية التي استشهدت بها الأخت السائلة فلم ترد في سورة الزمر (ما) وإنما وردت في الآية 20 من سورة فصلت وهي قوله تعالى (حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) فأرجو التنبه للأمر).

د:صالح: هذه (ما) هنا يسمّيها العلماء زائدة ومنهم مَن يُسَمّيها الصِّلة وفائدَتُها: التّأكيد وهي لا تُؤثِّر على المعنى فالمعنى واحد. يعني سواءٌ قُلنا: {حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا} [الزمر:71] من حيث المعنى الإجمالي، أو قلنا: { حتى إذا ما جاءوها }، ولكنّها هنا يذكر بعض العلماء سواءٌ كانت (ما) أو (أن) أحياناً أو نحوها من الحروف الّتي تُسَمّى بأنّها زائدة، أو بأنّها صِلة، هذه الأحرُف فائدَتُها: التّوكيد وَشِدَّة الارتِباط بين الشّرطِ وجوابِهِ. يعني: مثلاً قال الله عزّ وجلّ {وَلَمَّا أَن جَاءتْ رُسُلُنَا} {فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ} [القصص:19] ففيه شِدَّة ارتباط بمُجَرَّدِ ما حصل هذا كانت النّتيجة مباشرة، وهكذا الحالُ هنا {حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ} أو في قراءة {فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} فكأنَّهُ بمجَرَّدِ المجيء تُفَتَّحُ الأبواب، فهذه هي فائدتُها؛ أنَّ هناك ارتباطٌ بين المجيء وبين سُرْعةِ تفتيحِ الأبواب أو تفتحُ الأبواب.

د:عبد الرحمن: وأيْضاً يحضرني يا أبا أيمن تصديقاً لكلامك قوله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ} [آل عمران:159] فالمعنى يستقيم لو قلت: فبرحمةٍ من اللهِ.

د:صالح: الكلام يستقيم، فهي مهمّةٌ في التأكيد وهي موجودةٌ في كلامِ العرب بكثرة وهذه هي فائدتُها.

د:عبد الرحمن: بارك الله فيك يا أبا أيمن.

سائلٌ يسأل عن علاقة الآية 116 بما بعدها في سورة التوبة عن طريق الجوال يقول: الآية الّتي في سورة التّوبة رقم 116 وهي قوله تعالى: {إِنَّ اللّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يُحْيِـي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ} [التوبة:116] يقول: ما علاقتها بما بعدها {إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } [التوبة:111]؟

د:صالح: هذه الآية جاءت بعد الحديث عن قصَّةِ استغفارِ إبراهيمَ لأبيه، فاللهُ عزّ وجلَّ يقول: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ {114} ثم جاءت هذه الآية { إِنَّ اللّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} ثمّ جاء بعدها { لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ} [التوبة: 117] والّذي يظهر والله أعلم من وجود هذه الآية الّتي وردت بين فِئَتَيْن:

  • إحداهما لم يتُب اللهُ عليها؛ وهو: والدُ إبراهيم (آزر).
  • والثّانية: تاب الله عليها.

فهي بيانٌ بأنَّ اللهَ عزَّ وجلّ، بأنَّ اللهَ سبحانه وتعالى هو المالِكُ المُتَصَرِّفُ في أحوالِ النّاس، فلَهُ سبحانه وتعالى أن يقبَلَ مَنْ شاء من عباده وأن يتوبَ عليهم، وله سبحانه وتعالى أن لا يقبلَ مَن شاء ممَن أعرض عن هداه سبحانه وتعالى فالأمور كلُّه بيدِ الله؛ حتى وإن كان (آزرُ) هو والدُ إبراهيمَ الخليل فلم يقبلِ الله عزّ وجلّ توبته، أو لم يتب، ولم يهْدِهِ اللهُ عزّ وجلّ، ومن ثَمَّ فهذا هو أمرُ اللهِ سبحانه وتعالى وله مُلْكُ السَّماواتِ والأرض.

د:عبد الرحمن: سبحانه وتعالى، جزاك الله خير يا دكتور. معنا اتّصال يا أبا أيمن من الأخ أبو محمَّد من العراق تفضّل يا أبو محمّد حيّاكم الله.

أبو محمّد: السّلام عليكم.

د:عبد الرحمن: وعليكم السّلام ورحمةُ الله وبركاته.

أبو محمّد: رمضان مبارك عليكم وعلى كل أمة محمد

د:عبد الرحمن: الله يبارك فيك. اللهمّ آمين تفضل يا أبا محمد.

أبو محمد: أحبّ أن أسأل سؤالاً حول حديث الرّسول صلّى الله عليه وسلّم الذي يقول: شهر رمضان العشر الأولى أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عِتقٌ من النّار، فهل هو هذا الحديث صحيح أم ضعيف؟ وشكراً بارك الله فيكم.

د:عبد الرحمن: شكراً جزيلاً لك. نجيب على سؤاله يا دكتور ثم ندخل في محاورنا؟ باعتبار أنّه من العراق والعراق لهم مكانة خاصّة عندنا؟

د:صالح: على كلّ حال كما ذكر أهل العلم أنَّ هذا الحديثَ لم يصِح عنّ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وعلى آلِهِ وسلَّم، وهو ما أعلمه ومن ثَمَّ فلا ينبغي نسبته إلى النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آلِه وسلّم، ولكن رمضان فيه من النّصوص الشيء الكثير التي تُغني وتكفي عن مثلِ هذا الحديث.

د:عبد الرحمن: وأيْضاً يا دكتور معناه يعني الحديث يقول: (أوّله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النّار) وهو كلّه رحمة وكلّه مغفرة  وكلّه عتق من النّار. نعم جزاك الله خيراً.

ندخل يا دكتور صالح في المحاور الرّائعة الّتي ذكَرْتَها في قوله سبحانه وتعالى في {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ} [التوبة: 100] هذا التّقسيم الّذي قسَّمتْهُ هذه الآية للطّوائف الّتي حولَ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من السّابِقين من المهاجرين ومن الأنصار ومن الأتباع الّذين اتّبعوه، لو يكون هناك شرح حول هذا الموضوع.

د:صالح: الحقيقة ممّا اهتمّت به سورةُ التّوبة هو: بيان هذه الطّوائف، ولكن هنا الحديثُ عن السّابِقين الأوّلين {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ} مِنَ العلماء مَن ذهب إلى أنَّ السّابقين المرادُ بهم:

  • أوائلُ الصّحابة إمّا مَن شهِدَ بَدْراً، أو أهل بيْعَةِ الرّضوان، ومن ثَمَّ {وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم} مِنَ الصّحابة أيْضاً.
  • ومنهم مَن ذهب إلى أنَّ السّابقين المراد بهم: جميعُ الصّحابة؛ فكُلُّهم سابقون، ويأتي بعد ذلك قول الله عزّ وجلّ {وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ} الّذين هم التّابعون.

فهذانِ قَوْلانِ للعلماء في معنى هذه الآية.

د:عبد الرحمن: رائع جداً. الحديث يا دكتور صالح عن مسجدِ الضِّرار في قوله سبحانه وتعالى {وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [التوبة:107]؟ لماذا سُمي بمسجد الضرار؟

د:صالح: الحقيقة هذه الآية أوَّلاً تحتاج توضيح من حيث القصّة، ولكنّها أيْضاً فيها فوائدُ دعوية كثيرة جدّاً، وفيها من الفوائد ما لا يمكن حصرُه. هذه الآية طبعاً تتحدّث عن مسجدِ الضَّرار، ومسجدُ الضِّرار عندما قَدِمَ النّبيُّ صلّى الله عليه وعلى آلِه وسلّم إلى المدينة كان هناك رجُل من الخزرج يُدعى “أبو عامر الرّاهب” وكان نصرانيّاً، فلمّا ظهر أمرُ النّبيِّ صلّى الله عليه وعلى آلِهِ وسلّم ضاق به الحال، فذهب إلى مَلِكِ الرّوم وبقي عنده، ثمّ كتب إلى أتباعه وأعوانه من المنافقين، وطلب منهم أن يبنوا مسجداً، هذا المسجد في ظاهره للضُّعَفاء والمساكين، ولكنَّه من حيث

د:عبد الرحمن: باعتبار يا دكتور قالوا أنّه منزلنا بعيد عن المسجد النّبوي فنُصَلّي هنا.

د:صالح: نعم، وطلب منه أن يبنوا مسجداً وجاءوا إلى النّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم، وقالوا بنينا مسجداً للضُّعفاء، والمساكين والعَجَزة، ونريد منك أن تُصَلِّيَ فيه؛ حتى يُقِرَّهم على ذلك.

د:عبد الرحمن: يفتتحه افتتاحاً رسمياً.

د:صالح: تفتتحه افتتاحاً رسمياً، كان النّبيُّ صلّى الله عليه وعلى آلِه وسلّم مُتَجَهِّزاً لغزوةِ تبوك، فوعدهم أن يُصَلِّيَ فيه بعد أن يعود. فذهب النّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم إلى تبوك وفي عودته وقبل أن يصِل إلى المدينة نزلت الآية تفضَحُ شأنَ المنافقين، وتُبَيِّنُ أنَّ هذا المسجد لم يُبْنَ لوجهِ اللهِ سبحانه وتعالى وإنَّما أرادوا به ضِراراً وكُفراً وتفريقاً بين المؤمنين وإرْصاداً لِمَن حارب اللهَ ورسولَهُ من قبل. فهم أرادوا بهذه الأشياء أرادوا أن يضُرّوا المسلمين، وأن يجعلوه أيْضاً منافِساً لمسجِدِ قباء ولمسجدِ النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آلِهِ وسلّم، وأرادوا به الكفرَ وأرادوا أن يُفَرِّقوا بين المؤمنينَ بسببِ هذا المسجد، وأن يجعلوه مَرْصَداً لأبي عامر الرّاهب الّذي سُمِّيَ “أبو عامر الفاسق” فيما بعد وأتباعه، ولكن كان القرآنُ أسبق، فأمر النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم بهدمِ ذلك المسجد وإحراقه، وفعلاً هُدِمَ وأُحْرِق، وفي هذا دلالاتٌ كثيرة، ولعلّ من أبرَزِ هذه الدَّلالات في هذه الآية:

أوَّلاً: الإعجاز الغيبي الّذي هو غيْبُ الحاضر، من أخبر محمَّداً صلّى الله عليه وعلى آلِهِ وسلّم بما أراد هؤلاء لبما انطوت عليه قلوبهم، فلا يعلمُ ذلك إلاّ الله، أمّا النَّبِيُّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم فهو بشر، وقد صدّقهم عندما جاؤوا إليه، ووعدهم أن يُصَلِّيَ في هذا المسجد، لكنَّ الوحيَ نزل من السّماء يخبِرُهُ بذلك.

المسألة الثانية: أنّ مثل هذه المؤسَّسات الّتي هي تحاربُ الإسلام حتى وإن كان ظاهرها الخير فلا خيرَ فيها، مسجد يُهْدَم؟! نعم يُهْدَم طالما أنَّ الأساسَ أساسٌ باطل

د:عبد الرحمن: {عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ}

د:صالح: نعم، ولذلك جاءت الآيات {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ } [التوبة: 109].

د:عبد الرحمن: الله أكبر! والله الحقيقة يا دكتور أنَّني تحضرني كثيرٌ من الصُّور الّتي تشبه هذا المسجد في تاريخِ المسلمين، يعني هي ما قامت بعض المؤسّسات أو بعض المساجد بُنِيَت، أو بعض الأعمال إلاّ مُضارَّةً ومُخاصَمة لأهلِ الحقّ، وصرف لأنظار النّاس عن بعضها سبحان الله العظيم! القصّة تتكرَّر.

القصّة الطّريفة الّتي ذكرتَها يا دكتور في الآية رقم 110 لكن قبل ذلك نأخذ اتّصال من الأخ سليمان من السودان حتى لا نطيل عليه، ثمّ نعود إلى حديثِنا حيّاكم الله يا شيخ سليمان

سليمان: السّلام عليكم.

د:عبد الرحمن: وعليك السّلام ورحمة الله.

سليمان: ما تفسير الآية في الجزء الحادي عشر من سورة يونس (وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَآئِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (12))؟

د:عبد الرحمن: شكراً يا أخ سليمان أهلاً وسهلاً بك وبأهل السودان جميعاً.

نعود إلى الآية رقم 110 يا دكتور قد سألَنا سائل بالمناسبة عن طريق الجوال عن هذه الآية وهي قوله تعالى: {لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْاْ رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة:110] أوَّلاً: ما معنى هذه الآية؟ ثمّ ما هي قصّة 11 سبتمبر الّذي ذكرتَها؟

د:صالح: أمّا هذه الآية أوَّلاً فهي مرتَبِطَةٌ بالآية الّتي ذكرناها قبل قليل وهو الحديثُ عن مسجدِ الضِّرار {وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ {107} لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى} مسجدُ قباء أو المسجدُ النّبوي على قولين للعلماء {أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ}. ثمّ وصف الله عزّ وجلّ هذا المسجد بأنَّهُ أُسِّسَ على التّقوى، وقارَن بين أساسين:

  • أساسٌ لهذيْنِ المسجديْن مسجدُ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم ومسجد قُباء.
  • وأساسٌ لمسجدِ الضِّرار.

فلا يستوي هذا وذاك {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [التوبة:109] لا يستويان. ثمّ قال سبحانه: {لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْاْ} المسجد الّذي بناهُ المنافقون لا يزالُ ريبةً في قلوبهم {إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ} بمعنى إلاّ أن تموتَ هذه القلوب، فإذا ماتت هذه القلوب انتهى أمرهم. إذاً أي أنَّ الحسرة ستظلُّ في قلوبهم حتى الموت وهذا هو الرّاجح عند العلماء في قوله {إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ}.

د:عبد الرحمن: والرِّيبة ما هي الرِّيبة يا أبا أيمن؟

د:صالح: طبعاً الرِّيبة هي الشّكّ.

د:عبد الرحمن: الشّكّ القلق والخوف والاضطراب.

د:صالح: نعم هذا هو معنى الآية.

إنَّما نريد أن نُشيرَ هنا إلى أوراق تُدُوِلَت وربَّما وأيْضاً عبرَ صفحات الإنترنت، وأراد بعضهم ولا أدري من أين جاء بهذه وهو الحقيقة فِرْية على الإعجاز! قال بعضهم: إنَّ هذه الآية فيها إعجاز قرآني، كيف؟! قالوا إنَّها إشارة إلى ما حصل في أحداث سبتمبر 2001، وأنَّ هذه الآية تُشير إلى هذيْنِ البُرْجَيْنِ بالذّات، ثمّ قالوا: إنَّ هذه السّورة هي السّورة التّاسعة من القرآن وهذا يُشيرُ إلى شهر سبتمبر الشّهر التّاسع، وأنَّ هذا الجزءَ هو الحادي عشر، وهذا يُشير إلى اليوم الحادي عشر، وأنَّ عدد الكلمات، ومنهم مَن قال: عدد الأحرُف إلى هذه الكلمة هي 2001، وأنَّ هذه الآية رقمُها 110 بعددِ طوابِقِ هَذَيْنِ المبْنَيَيْن.

والحقيقة أوَّلاً: نحن نقول بأنَّ أعجاز القرآن إعجازٌ لا يتصَوَّرُه العقل مُطلَقاً، فهو أوْسَع من هذا كلِّه. لكن بالنِّسبةِ لهذه الآية هذا محْضُ افتِراء وادِّعاء وعبثٌ، ولا ينبغي أن نُقْحِمَ القرآن في هذا. أولاً نحن لا نريد أن نُطيلَ في هذا؛ لأنّها رُبَّما تحتاج إلى وقتٍ طويل، ولكنَّني أختصر هذه يا أخي المشاهد والمشاهدة أختَصِرُها بأن أقول:

  • أوَّلاً: تقسيمُ القرآنِ إلى أجزاء وأحزاب وأنصاف وأرباع أو غير ذلك، هذا لم يكن في عهد النَّبيّ صلّى الله عليه وعلى آلِهِ وسلّم، وليس أمراً توقيفِيّاً، وإنَّما هو مسألة اجتهادِيّة، ومن ثَمَّ لا إعجازَ أن يكون هذا في الجزء الحادي عشر أو الثاني عشر هذه أرقام مسائل اجتهاديّة فلا يُبْنى عليها.
  • ثانياً: أنَّ الأشياء في هذا – وكما قلت لا أُريد أن أذكُرَ كُلَّ شيء – هذا التّقويم الّذي أُشيرَ إليه هو تقويمٌ ميلاديٌّ أو شمسي، والمُتَعَبَّد به المسلم هو التّقويم القمري، الّذي هو التّاريخ الهجري، ولا قيمة لذلك فالله عزّ وجلَّ يقول: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} [التوبة:36] الأربعة يعني سبتمبر وأكتوبر؟!!! لا، وإنَّما هي رجب، وذو القعدة، وذو الحِجّة، والمحَرَّم -كما بيَّن ذلك العلماء- فنحن مُتَعَبَّدونَ بالشّهرِ القمري -كما هو الحال- {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة:189] فهذا مُرْتَبِطٌ بالأهِلَّة.
  • ثمّ – وهذه مسألة مهمّة – هذه الإحصائيّات ليس دقيقة وليست صحيحة، يعني: ما يُقال بأنَّ عدد الكلمات، وأحياناً يُقال عدد الآيات إلى هنا 2001، هذا الكلام ليس صحيحاً، وقد أحصاه عدد من العلماء فوجدوا أنَّها أكثر من ذلك بكثير، فهذا كلُّهُ تلاعب بعقول النّاس، ولا يجوزُ لمسلم أن ينقُلَ مثلَ هذه الأشياء.

وكما قلت الحديثُ عنها حديثٌ واسع، ولكن نُريدُ فقط أن نُشيرَ إلى بطلانِها.

د:عبد الرحمن: تتميماً لهذه الطرفة إن صحّ أن نُسَمّيها طرفة؛ لأنّ بعضهم يكتبها من باب الرّغبة في الكتابة لا أقلّ ولا أكثر. أيْضاً بعضهم نظر إلى قصيدة أبي تمّام الّتي قالها في (عَمّورِيَّة)

السَّيْفُ أصْدَقُ إنْباءً مِنَ الكُتُبِ

فقال: إنَّ أبا تمّام قد تنبَّأَ بضرْبِ البُرْجَيْن؛ لأنَّهُ قال في القصيدة يُخاطب المعتصم:

رَمى بِكَ اللهُ بُرْجَيْها فهدّمَها             ولو لم يرْمِكَ الله به لم يُصِبِ

نعود يا دكتور صالح إلى سؤال الأخ سليمان من السّودان سأل سؤالاً عن الآية 12 من سورة يونس وهي قوله تعالى: {وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَآئِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ{12}} يرغب في تفسير هذه الآية.

د:صالح: هذه الآية يا أخانا سليمان هي تتحدّث حقيقة عن طبيعة الإنسان وكفره لنعم الله سبحانه وتعالى فإذا أحسَّ بالضّيق والضُّرّ؛ فإنَّهُ يتوجَّهُ إلى اللهِ سبحانه وتعالى وبمجرَّد أن يزولَ عنه الألم وأن يزولَ عنه الضُّرّ؛ فإنَّهُ يعودُ إلى ما كان عليه ويمضي إن كان كافراً على كفره، وإن كان عاصياً على معصيته؛ لأنَّ الآية تحتمل أن يُرادَ بها المسلم، وتحتمل أيْضاً أن يُرادَ بها الكافر. وإذا مسَّ الإنسانَ الضَّرّ ماذا يصنع؟ {دَعَانَا لِجَنبِهِ} طبعاً دعانا لجنبه بمعنى مضطجِعاً أي على جنبه. {أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَآئِمًا} المعنى أنّه لا ينفكُّ عن الدُّعاء في سائرِ الأحوال، وهذه هي الأحوال الّتي غالباً لا ينفكُّ عنها الإنسان، إمّا أن يكون مُضْطَجِعاً أو قاعداً أو قائماً. فالمعنى أنَّهُ في سائرِ الأحوال يدعو اللهَ سبحانه وتعالى {فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ} إما مضى على طريقته الّتي كان عليها، أو – كما يقول بعض العلماء – بأنَّ {مَرَّ} بمعنى استمرَّ، هناك بعض الأقوال فالمعنى أنَّهُ يبقى على ما هو عليه فينسى، هذه هي طبيعة الإنسان { كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}.

د:عبد الرحمن: نلاحظ يا دكتور أبو أيمن التّعبير بقوله: {مرَّ} إشارة إلى استهزائه.

د:صالح: مضى.

د:عبد الرحمن: وفي آية أخرى {أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ} [الإسراء:83] وهو إشارة إلى كِبْرِهِ وإعراضه عن الله في حال السَّعة، سبحان الله العظيم!

في الآية الّتي في آخر سورةِ التّوبة يا أبا أيمن {إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ} يعني الثّمن نقداً أو الثّمن عاجل، والثّمن الّذي يأخُذونَهُ مُؤجَّل في الآخرة قال: {بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ} ما هو المطلوب منهم؟ قال: {يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ {111}} يعني هذه الآية يا دكتور صالح الحقيقة على ما فيها من البلاغة إلاّ أنّه أصبح الحديث الآن عن الجهاد في سبيلِ الله كأنَّهُ حديثٌ سِرِّيّ، وكأنَّ المسلم عندما يتحدّث عن الجهاد في سبيلِ الله أو القرآن الكريم؛ كأنَّهُ يعني يُخالف العُرْف الدّولي أو يُخالف القانون الدّولي أو شيء فأنا أُريد إضاءة حول هذه الآية وبيان معناها؟

د:صالح: طبعاً هذه الآية عظيمة من الآيات العظيمة ولكن قبل ذلك نُبَيِّن سبب نزول هذه الآية هو: عندما بايع الأنصار النَّبِيَّ صلّى الله عليه وعلى آلِهِ وسلَّم، فطلب منهم أن يحموهُ ممّا يمنعوا منه أنفُسَهم وأوْلادَهم، وفعلاً بايعوه على ذلك قالوا: فما لنا؟ قال: لكم الجنّة، فقالوا: رَبِحَ البَيْع، لا نقيل ولا نستقيل. مَن الرّابح؟ هم. فنزلت هذه الآية {إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} فهو إذاً عقْدٌ بين المؤمن وبين الله سبحانه وتعالى أمّا المؤمن فيدفَعُ أغلى ما يملِك

د:عبد الرحمن: نفسَه ومالَه.

د:صالح: وليس هناك أغلى من النّفس؛ ولذلك لاحظ دائماً عند الدّعوة إلى الجهاد {وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ} بِماذا؟ {بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ} إلاّ في هذه الآية قدَّمَ الأنْفُس؛ لأنَّ المسألة هنا مسألة عطاء وأيُّهما أغلى؟ وأنت تقبض الثّمن فلا بُدَّ أن تدفع أغلى ما تملك { أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ } ثمّ قال: {بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ} فهو عقدٌ بين اللهِ عزّ وجلّ؛ ولذلك قال: {وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ} عليك أن تَفِيَ بِعَهْدِكَ أيُّها المؤمن واللهُ سبحانه وتعالى يفي بعهده {وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ} [التوبة:111] فهذا هو الحقيقة عَهْدٌ. نحن نقول: نعم هناك أخطاء تُرتَكَب في المجتمعات المسلمة أو رُبَّما خارجها، هناك ما قد يُسَمّى بأنه جهاد وليس جهاداً، لكن لا ينبغي أن يحول ذلك دون تقريرِ مبدأ الجهاد والّذي ورد في القرآن به وشجَّع عليه وذكر فضْلَ المُجاهِدينَ في سَبيلِ الله {لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُـلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا {95} دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً}  فإذاً لا ينبغي ولا يجوز لمسلم أن يُنْكِرَ فرْضِيَّةَ الجهاد ومشروعِيَّتَه، لكن هناك أحاديث وتفصيلات أخرى متى يكون وكيف يكون؟ ليس هناك، إذن الجهاد موجود والشّهادةُ موجودة، وهذه مسألة لا بُدَّ من الاعتِرافِ بها.

د:عبد الرحمن: الله أكبر. جزاك الله خير على هذه الإلماحة. معنا أبو وليد من السّعوديّة تفضّل يا أبو وليد.

أبو وليد: السّلام عليكم.

د:عبد الرحمن: وعليكم السّلام ورحمة الله وبركاته.

أبو وليد: يا شيخ أريد تفسير آية سورة يونس {قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلاَلاً قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ {59}}.

د:عبد الرحمن: حياكم الله. التي هي الآية رقم 59.

إتماماً يا دكتور صالح حول الحديث عن آية {إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} الحقيقة أنَّها مليئة بالصُّور البلاغيّة – كما تفضّلت – يعني عادت بي الذّاكرة إلى حال الصّحابة رضي الله عنهم مع مثل هذه الآيات عندما خاضوا المعارك مع النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فبعضهم دخل المعركة ومعه قليل من التّمر، ثمّ لمّا تأمَّلَ الحال ونظر إلى أنَّ الله قد اشترى الأنفُس والأموال والثّمن هو الجنّة فنظر وقال: لئنْ بقيت حتى آكُلَ هذه التَّمَرات إنَّها لَحياةٌ طويلة!! يعني ما تستاهل فرمى التَّمَرات وأقدَم حتى قُتِل. وبعض الصّحابة عندما جاء إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يُبايعه فقال: لك كذا، ولك كذا. فقال: لا، إنَّما بايعتُ الله على أن يدخُلَ السَّهمَ من هنا ويخرج من هاهنا، فلمّا احتدم القتال وجدوه كما تمنّى. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كلمة جميلة قال: “صدقَ الله فصدقَهُ الله”. الحقيقة نحن يا دكتور صالح في حاجة ماسّة إلى إحياء مثل هذه المعاني والمبادئ في نفوس النّاس اليوم، وهو العمل في سبيلِ الله، وبعض النّاس يظنّ أنَّ العمل في سبيلِ الله ليس إلاّ القتال والجهاد، وإنَّما في الحقيقة هذا الدّين في أمسِّ الحاجة إلى العمل من أجلِ إظهاره ومن أجلِ بيانه ومن أجلِ إيضاحه، وأحتَسِبُ على الله أن يكونَ عَمَلُكَ يا دكتور صالح هذا وعمَلُنا هذا من هذا الجهاد في بيان الحقّ وفي إظهاره.

السُّؤال الّذي سأله الأخ أبو وليد الآن عن الآية وهي قوله سبحانه وتعالى في سورة يونس {قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلاَلاً قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ {59}} يسأل عن تفسير هذه الآية.

د:صالح: طبعاً هذه الآية هي جاءت لبيان فضائح الكفّار والمشركين وبيان معايبهم وإن كان من فضائحهم أن أحَلّوا وحرَّموا ما لم يأذَن به الله سبحانه وتعالى، ومن هذه الأشياء ما يتعلّق بالأنعام، فهناك من الأنعام ما هو مباحٌ، ومنه ما هو محرَّم؛ ولذلك قال سبحانه {مَا جَعَلَ اللّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ} [المائدة:103] أيْضاً ذكر من مقولاتهم {وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَـذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا} [الأنعام:139] والأزواج هنا بمعنى الإناث. فكانوا يُبيحونَ ما شاءوا ويُحَرِّمونَ ما شاءوا هذا محرَّمٌ وهذا مباح، فالله سبحانه وتعالى يقول لهم: {قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ} والمُراد بالرزق هنا الأنعام {فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلاَلاً} جعلتم منه ما هو حلال ومنه ما هو حرام، (قُلْ) سؤال أجيبوا {آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ} فهل أَذِنَ اللهُ عزّ وجلّ لكم بذلك؟ وإذا قالوا: أذِنَ الله عزّ وجلّ لنا ذلك فلا بُدَّ لهم من دليل، ولا دليلَ لدَيْهم؛ لأنّه لم يكن عندهم نُبُوَّة، وإنَّما النُّبُوَّةُ في غيرهم. إذاً ثبت الخيارُ الآخر وهو أنَّهُ ماذا؟ أنّه افتراء {أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ} ولذلك (أم) هنا بمعنى بل مَنقطعة بمعنى بل على اللهِ تفترون فأثبت أنّهم يفترون على اللهِ سبحانه وتعالى وهذا فيه دليل على أنَّ تحليلَ الأشياءِ وتحريمها لا بُدَّ أن يكونَ بدليل وأن يكونَ بوحيٍ من اللهِ عزّ وجلّ.

د:عبد الرحمن: الله أكبر. معنا الأخ أبو عبد الله من السعوديّة تفضلّ حيّاك الله. معنا أبو أحمد من السّعوديّة حيّاك الله.

أبو أحمد: السّلام عليكم ورحمة الله.

د:عبد الرحمن: وعليكم السّلام ورحمة الله.

أبو أحمد: كيف حالكم شيخ عبد الرّحمن؟

د:عبد الرحمن: يا مرحباً بك.

أبو أحمد: حيّاك الله يا دكتور صالح.

د. صواب مع د:عبد الرحمن: الله يحيك.

أبو أحمد: السؤال يا شيخ في قول سبحانه وتعالى في بداية سورة يونس {إِنَّ فِي اخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ {6}} نجد مثل هذه الآية في سورة آل عمران والبقرة لكن في البقرة ختمها الله سبحانه وتعالى بقوله {لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [البقرة: 164] وفي آل عمران ختمها بقوله {لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ} [آل عمران:190] فما اللّفتات فيها مع أنّ الآيات متشابهة تقريباً {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} {إِنَّ فِي اخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ}؟ هذا السؤال الأول يا شيخ.

السؤال الثاني: في قول الله سبحانه وتعالى أيْضاً في سورة يونس آية 104 {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي فَلاَ أَعْبُدُ الَّذِينَ  تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ وَلَـكِنْ أَعْبُدُ اللّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ {104} } فما الحكمة أنّه يعني ذكّرهم بالمعاد ولم يُذَكِّرهم ببدءِ الخَلق؟ يعني ما قال: اعبدوا الله الّذي خلقكم، إنَّما ذكَّرَهم بالمعاد.

د:صالح: واضح.

أبو أحمد: الله يرفع قدرك يا شيخ.

د:عبد الرحمن: شاكرين يا أبو أحمد الله يعطيك العافية. معنا الأخ أبو هتّان تفضّل.

نعود يا دكتور صالح إلى حديثِنا في آيات سورة التوبة هل ترغب أن نُكمِل الحديث عن الآيات في الثّلاثة الّذين خُلِّفوا أم نأخُذ أسئلة الأخ أبو أحمد

د:صالح: لا بأس أن تُؤجِّلَ الأسئلة حتى يأتي سؤال آخر.

د:عبد الرحمن: طيب لا بأس. من الأشياء الّتي تستوقفنا في سورةِ التّوبة في آخِرِها قصّة الثّلاثة الّذينَ خُلِّفوا. بعض النّاس يا دكتور صالح ما يفهم ما المقصود بالّذين خُلِّفوا يفهمها على أنّها الّذين تَخَلَّفوا؟ ليتك توضّح الآية وأيْضاً تشير إلى بعض

د:صالح: طبعاً هذه الآية هي بيان لتوبةِ الله سبحانه وتعالى على المؤمنين {لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ} [التوبة:118] والصّحابة، ثمّ أضاف بعد ذلكَ قوْلَهُ {وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ} الثلاثة الّذينَ خُلِّفوا وهم فعلاً تخلَّفوا عن الغزوة، ولكنّهم لمّا قَدِمَ النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آلِهِ وسلّم لم يعتذروا كما اعتذر المنافقون بأعذار كاذبة فَصَدَقوا النَّبِيَّ صلّى الله عليه وعلى آلِهِ وسلّم وأعطوه الصّدق: ما لنا من عذر، فَخُلِّفوا عن التوبة أُجِّلَت توبتهم.

د:عبد الرحمن: يعني أُرْجِئَ أمرهم

د:صالح: أُرْجِئَ أمرهم، المنافقون كان النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آلِهِ وسلّم يستغفر لهم ويبني على ظاهرهم، وأمّا هؤلاء فأخَّرهم النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آلِهِ وسلّم وهم معلومون، وقصّتهم معروفة كعب بن مالك وهلال بن أُمَيَّة ومرارة بن الرّبيع هؤلاءِ الثّلاثة كانوا صادقين. والحقيقة أنَّ قصَّتَهم قصّة مبكية ومحزنة. تصوّر: كعب طبعاً كان قادراً على الخروج ويقول: يريد أن يتجهّز فأعود لأتجهّز أو أذهب لأتجهّز، وأعود ولم أقضِ شيْئاً، في اليوم الثّاني يذهب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يذهب ليتجهّز الصّحابة يتجهّزون، ويقول: المسألة سهلة، وهذا التّحذير من التّسويف؛ حتى تجهّز النّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم وانطلق الجيش فيقول: المسألة سهلة سألحَقُ بهم يوم أو يومين يقول: لكنَّه مال إلى الثّمار, وكانت الثّمار قد أيْنَعَت ومال إلى البستان فبقي. خطأ، تقصير بشري.

فلمّا جاء النّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم وجاء إلى المسجد كان النّاسُ يعتذِرون، وجاء المنافقون كلٌّ يأتي بعذرِهِ، ويستغفر لهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: “ما حمَلَكَ يا كعب على أن تخلّفت؟ فقال: واللهِ ما كان لي من عذر” اعترف، ثمّ قال: والله – كما معنى كلامه – أنّني كنت قادراً على أن أكذب واضح ما لي عذر، ولكن سيسخط الله عزّ وجلّ عليّ. فالصّدق؛ وكانت النّتيجة أن لم يقبل النّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم عذرَهُ آنَذاك، وإنَّما أجَّلَ ذلك هو وصاحِباه هلال بن أُمَيَّة، ومرارة بن الرّبيع فهؤلاء الثّلاثة أُجِّلوا، ولم يكن الأمر سهلاً عليهم، قاطعهم الصّحابة، وأمر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بمقاطعتهم، وفي تمامِ أربعين ليلة أمرهم بمفارقةِ نسائهم، ولك أن تتصوَّر أنت في هذا المجتمع لا أحدَ يُكَلِّمك، يأتي كعب إلى ابن عمِّهِ أبي طلحة وهو أحبُّ النّاسِ إليه ومن أعزِّ أصدقائه يخاطبه: أتعلَمُ أنّي أُحِبُّ اللهَ عزّ وجلّ ورسولُه؟ فلا يتكلَّم، يخاطبه مرّةً أخرى وثالثة، فلا يكتفي إلاّ أن يقول: ” الله ورسوله أعلم ” وطبَّقوا هذا. ثمّ يأتيه رسالة من مَلِكِ الرّوم يقول له مَلِكِ الرّوم: إنَّهُ قد بَلَغَنا أنَّ صاحبَكَ قد هَجَرَك فالحق بنا نُواسِك. فيسجرها في التنور، ويقاوم ويقاوم ويقاوم خمسين ليلة، وانظر إلى وصف القرآن {وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ} هذه الأرض تضيق على إنسان؟ نعم، تضيق؛ لأنَّهُ إذا أصبح الإنسان في هذه المكانة يشعُر أنَّهُ يعني لا شيءَ يَسَعُه {حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ} – نعوذ بالله من الضّيق- ضيق النفس ليس سهلاً! {وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ} حينئذٍ لم يبق أمل، كلّ مَن حولك؛ حتى كعب كان يدخل يقول أُسَلِّمُ على النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم فلا أدري أحرّك شفتيه بالسّلام أم لا، تصوّر نبيُّك لا يرُدّ عليك السّلام ويأمرك بفراق زوجتك، وكلّ مَن حولَك يُقاطِعونك!! لكن {ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ} عَلِمَ اللهُ أنَّهم صادِقون. وفي هذا درس عظيم في فائدة الصّدق، ولذلك أتبعها سبحانه وتعالى بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ {119}} فإن خُيِّلَ لكَ أنَّ في الصِّدْقِ هلاكاً فلا تُصَدِّق، بل يجب أن تلتزم بهذا الصّدق.

د:عبد الرحمن: رضي الله عنهم وأرضاهم.

د: صالح: آمين.

د:عبد الرحمن: معنا اتّصال يا دكتور صالح من الأخ محمد من السعودية تفضل يا شيخ محمد ونعتذر على التأخُّر.

محمد: لا  ما في شيء. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

د:عبد الرحمن: وعليكم السّلام ورحمة الله وبركاته.

محمّد: كلّ عام وأنتم بخير إن شاء الله، وجزاكم الله خير.

د:عبد الرحمن: الله يحيّيك.

محمد: بارك الله فيك. في عندي سؤال لفضيلة الشيخ صالح.

د:عبد الرحمن: تفضّل.

محمد: هل الدَّعوة إلى الله عزّ وجلّ والخروج لها والسفر لذلك يعتبر من الجهاد في سبيلِ الله، ويشمل الأجر الّذي في آيات الجهاد في سبيل الله؟ وهناك آية أخرى يقول الله سبحانه وتعالى {وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ}  إلى نهاية الآية {فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ} [النساء:100] هل يشمل الدّعوة إلى الله عزّ وجلّ مَن يُهاجر للدّعوة يخرج، جزاكم الله خيراً.

د:عبد الرحمن: بارك الله فيك الله يحفظك. قبل أن نأخذ الجواب يا دكتور صالح نستأذنك ونستأذن الإخوة المشاهدين في عرضِ كتابٍ يستفيدون منه إن شاء الله في عرضِ كتابٍ لتدَبُّرِه ثمّ نعود إليكم فابْقَوا معنا حيّاكم الله.

********************

فاصل: التعريف بكتاب

“المعين على تَدَبُّرِ الكتابِ المُبين”

مُؤلِّفُ هذا الكتاب: هو الأُستاذ: مَجد بن أحمد مكّي.

ألَّفَ كتابَهُ هذا بأًسْلوبٍ سهل راعى فيه ما يحتاجُ إليه القارئُ المعاصر من معانٍ جديدة، وترجيحاتٍ سديدة، ولُغةٍ تُناسِبُ العصر.

وقد انتفع المُلِّفُ بما كتبه الشّيخ: عبد الرّحمن حبنَّك الميداني، في كتابِهِ: قواعِدُ التَدَبُّرِ الأمْثَلِ للقرآن، وفي كتابِهِ الآخر: معارِجُ التَفَكُّر ودقائقُ التَّدَبُّر، وحاول تطبيقَ تلك القواعد في تفسيرِهِ هذا، وحرِصَ المُؤلِّفُ أن يكونَ هذا التّفسير؛ مُخاطِباً لعمومِ المُثَقَّفين، ولا سِيَّما خِرّيج الجامعات العِلْميّة، وقد يجدُ المُتَخَصِّصونَ من طَلَبَةِ العلم الشَّرْعي في هذا التّفسير ما يروقُ لهم وَيَسُرُّهم.

وممّا راعاهُ المُؤلِّفُ في كتابته الأُمورَ التّالية:

  • تفسيرُ كُلِّ آيةٍ على حِدة.
  • عَدَمُ إعادةِ ألفاظِ النَّصِّ القرآنيّ في التّفسير.
  • الإشارةُ إلى رقمِ الآية في بدايةِ تفسيرِها.
  • تجَنُّبُ ذكرِ القراءات ومسائلِ النّحو والإعراب.
  • التزم بالتّفسيرِ على روايةِ حَفْصٍ عن عاصم.
  • مناسبة أُسلوبِ الكتابة لجميع القُرّاء على اختلاف مُستَوياتِهمُ الثّقافيّة وِفْقَ الأُسْلوب السَّهل المُمْتَنِع.

وقد صدر الكتابُ عام ألفٍ وَأرْبَعِ مِئَةٍ وَسَبْعَةٍ وَعِشْرينَ للهجرة في طبعته الأولى الّتي أصدَرَتها دارُ المكتبات للنّشرِ والتّوزيع بمدينةِ جدّة.

******************************

د:عبد الرحمن: مرحباً بكم أيُّها الإخوةُ المُشاهِدون مرَّةً أخرى في برنامجكم [التّفسير المباشر] وأُكَرِّرُ التّرحيب معكم لأخي العزيز الدّكتور صالح بن يحيى صواب، الأُستاذ المشارك بجامعة صنعاء، والمتخَصِّص بالدِّراسات القرآنيّة، وعضو مُلْتقى أهل التّفسير. مرحباً بكم يا أبا أيمن مرّة أخرى. نأخذ قبل أن نسترسل في أجوبتنا على الأسئلة اتصالاً من الأُخت حصّة من السّعوديّة تفضّلي يا أخت حصّة

حصّة: السّلامُ عليكم.

د:عبد الرحمن: وعليكم السّلام ورحمة الله.

حصة: أول شيء أحبّ أقول لكم جزاكم الله خيراً على هذا البرنامج الأكثر من رائع والمفيد جداً كتب الله أجركم.

الثاني: سؤال: أحبّ أسأل عن تفسير آية (مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللّهِ وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ (120) التوبة) وجزاكم الله الف خير.

د:عبد الرحمن: وإياك حياكم الله. شكراً جزيلاً. أبو هتّان عاد إلينا مرّةً أخرى تفضّل يا أبو هتّان

أبو هتّان: السّلام عليكم.

د:عبد الرحمن: وعليكم السّلام ورحمةُ الله.

أبو هتّان: مبارك عليكم الشّهر يا شيخ.

د:عبد الرحمن: الله يبارك فيك ويحيّيك.

أبو هتّان: يا شيخ عندي سؤال الله يبارك فيك.

د:عبد الرحمن: تفضّل.

أبو هتّان: شيخ نُلاحظ في القرآن في المواقف العظيمة الصعبة يأمر بذكره والإنسان يُكثِر من ذكره يعني (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) الأحزاب) وكذلك لما أرسل موسى وهارون إلى فرعون قال (اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي (42) طه) أريد تفسيراً لذكر مثل هذه الالتفاتات ويبين السبب فيها.

د:عبد الرحمن: بارك الله فيك. نعود يا دكتور صالح إلى حديثِنا، وقبل الفاصل كان هناك أسئلة للأخ أبو أحمد من السّعوديّة كان يسأل عن آيات في سورة البقرة وآل عمران ويونس، وأظنّ هذه تحتاج إلى

د:صالح: رُبَّما تحتاج إلى تتَبُّع وتدَبُّر قد لا يسعفنا الوقت في النظرَ فيها الآن.

د:عبد الرحمن: وإن كان يُنَبَّه يا دكتور صالح للإخوان إلى أنَّ سياق الآيات القرآنية التي يرد فيها له دوْر في اختيار العبارات الّتي يُعَبَّر بها.

سأل أيْضاً سؤالاً عن الآية 104 من سورة يونس وهي قول الله تعالى {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي فَلاَ أَعْبُدُ الَّذِينَ  تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ وَلَـكِنْ أَعْبُدُ اللّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ {104}} فهو يقول: لماذا اختار الله هذه الصّفة اعبدوا الله الّذي يتوفّاكم، لماذا لم يقل اعبدوا الله الّذي خلقكم؟ لكن قبل أن تُجيبني آخذ اتصال لأحد الإخوة أبو فهد من الكويت حياك الله يا أبو فهد.

أبو فهد: السلام عليكم.

د:عبد الرحمن: عليكم السلام ورحمة الله.

أبو فهد: كيف الحال يا شيخ ويا دكتور؟

د:عبد الرحمن: حياكم الله.

أبو فهد: شيخ عندي سؤالين الله يبارك فيك.

د:عبد الرحمن: تفضل تفضل.

أبو فهد: السؤال الأول قول الله عزّ وجلّ في سورة يونس عن فرعون {آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ} وفي أثر مروي أظن عن جبريل (أرأيتني يا محمد وأنا أدسّ في فمي التراب) هل هذا التفسير صحيح؟ أو هل هذا الأثر صحيح؟ وقول الله عز وجل (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً (92) يونس) هل هو جثة فرعون الموجود الآن في مصر؟

د:عبد الرحمن: نعود إلى سؤال أبو أحمد {وَلَـكِنْ أَعْبُدُ اللّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ}

د: صالح: هنا كان يكفي أن يُقال {وَلَـكِنْ أَعْبُدُ اللّهَ} لكنّه سبحانه وتعالى قال {وَلَـكِنْ أَعْبُدُ اللّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ}فيه أمران: أمّا الأمرَ الأول: فهو أنَّ الّذي يتوفّى هو الجديرٌ بالعبادة؛ ففيه تأكيد أنّ المستحقّ للعبادة هو مَن يتوَفّى، فهذه الآلهة ليس باستطاعتها أن تتوَفّى. لكن هذا ليس كافياً في الإجابة على سؤال أبي أحمد، لماذا؟ أن يُقال اعبد الله الّذي خلقكم، والآلهة لا تخلق أيْضاً، لكنّه ذكر صفة التّوفّي هنا لِما فيها من التّذكير بالعوْدة إلى الله سبحانه وتعالى وفيه من التّهديدِ ما فيه، ولكن اعبد الله الّذي يتوَفّاكم فمعناها: اعبد اللهَ الّذي ستعودونَ إليه ويقبضُ أرواحكم فتموتون ويُحاسبكم، ففيها من التّهديد ما فيها، وهي أقوى من الّذي خلقكم، أو نحو ذلك.

د:عبد الرحمن: الأخ محمد من السّعوديّة سأل سؤالين: قال هل الدّعوة إلى الله سبحانه وتعالى والقول في الدّعوةِ إلى الله وما يتعلّقُ بها هل هو داخِلٌ في الجهاد في سبيلِ الله؟

د:صالح: الحقيقة لا بُدّ أن نُمَيِّزَ بين الجهاد الّذي ورد في الآيات والمجاهد وفضل المجاهد، وبين الجهاد بمعناه اللُّغَويّ، ولا شكّ أنَّ هذه من أمور الجهاد ولكنّها ليست بدرجة القتال. هناك نوعان من النّاس نوعٌ يُقَلِّل من أهميّة هذه الأعمال، ومن ثُمّ لا يأتي بها شيء، وهي بالحقيقة شيء وهي نوعٌ من الجهاد. ونوعٌ آخر يريد أن يُسَوّي بين القاعدِ على كرسيه أمام الكاميرا وبين ذلك الّذي تحت السّيوف وما تحت القنابل، فرقٌ بينهما لا يستوون!!. الحقيقة هي نوعٌ من الجهاد ولكنّهما ليس بمستوًى واحد. وكذلك أيْضاً ما يتعلّق بالخروج {وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ} لكن الّذي يترُكُ وطنه وأهلَهُ وبيئَته من أجلِ البحثِ عن مكانٍ يُقيمُ فيهِ دينَ الله، هذا هو المقصود في الآية.

د:عبد الرحمن: الله أكبر كأنّك تُذَكِّرَنا بأبيات ابن المبارك عندما أرسلها لسفيان الثوري

يا عابِدَ الحَرَمَيْنِ لَوْ أبْصَرْتَنا           لَعَلِمْتَ أنَّكَ بالعِبادَةِ تَلْعَبُ

يسأل سؤالاً آخر في قوله: {وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ} [النساء:100] فهل يدخل الجهاد في هذا الأمر؟

د:صالح: انا قلت يتعلَّق بالهجرة الّذي يخرج خارجاً من بيته تاركاً أهله ووطنه؛ لإقامةِ دنِ الله عزّ وجلّ.

د:عبد الرحمن: أيضاً هناك معنى ليتَهُ يَتَرَسَّخ عند الجميع وهو: أنَّ العمل لهذا الدّين يدخل فيه العمل في سبيلِ الله سبحانه وتعالى وبعض النّاس يخلط بين الجهاد وفي سبيلِ الله، وفي سبيل الله أشمل من الجهاد في سبيل الله.

سألنا أحد الإخوان عن طريقِ الهاتف الجوال سؤالاً عن الحديثِ الّذي وردنا عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو قوله: ” شَيَّبَتْني هودٌ وَأخواتُها ” فيسأل عن معنى الحديث وعن درجته؟

د:صالح: الحقيقة أمّا بالنّسبة لدرجة الحديث فأظُنُّ أنَّ للعلماءِ فيه كلاماً، ولكن إن صحّ الحديث، وأنا ربّما أحتاج هذا إلى بحث فإنَّ المراد بذلك ما في هذه السّورةِ وأخواتها سورة التّكوير والانشقاق وغيرها والانفطار ما فيها من ذكرِ أهوال القيامة. لو أنّك وقفتَ عند قول الله سبحانه وتعالى {ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ {103} وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لِأَجَلٍ مَّعْدُودٍ {104} يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ {105} فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ {106} خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ {107} إلى آخر هذه الآيات.

د:عبد الرحمن:الوقت قد ضاق معنا يا دكتور صالح أُريد أن تختم بالحديث عن قوله تعالى {فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّآ آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ {98}}.

د:صالح: سنشير إلى هذه الآية باختصار لعلّنا نجدُ وقتاً للإجابة على بقيّةِ الأسئلة؛ حتى لا أظلم المشاهدين.

د:عبد الرحمن: لا، لا لم يبقَ معنا وقت للأسف.

د:صالح: على كُلِّ حال

د:عبد الرحمن: سوف نجيب عنها إن شاء الله في حلقة غداً، للإخوان الّذين لم نُجِب على أسئلتهم.

د:صالح: على كُلٍّ، بالنّسبة لهذه القصّة هي قصّة من القصص القرآنيّة الفريدة: قومُ يونس عليه السّلام دعاهم يونس ودعاهم ودعاهم فلم يستجيبوا له، فوعدهم وأخبرهم بأنّه العذابَ سيأتيهم بعد ثلاثة أيام ثمّ خرج يونس عليه السّلام. فلمّا بحثوا عنه في اللّيلةِ الثالثة ولم يجدوه عَرفوا أنّ الأمرَ حقّ وصَدَقوا في توبتهم، فخرجوا إلى الجّبّانة أو إلى الصّحراء ولبسوا المسوح وفرّقوا بين كُلِّ أُمٍّ وولَدِها والبهائم وخرجوا بأنفُسِهم وأخذوا يلجأون إلى الله عزّ وجلّ وكان العذاب قد بدأ العذاب أو بدأت علاماته فَعَلِمَ اللهُ عزّ وجلَّ صِدْقَهم، ورفع عنهم العذاب، ولم يكن ذلك لأحدٍ سواهم. {فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّآ آمَنُواْ} آمنوا فنفعهم الإيمان فلمّا آمنوا {كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} فهذه خلاصةُ قصَّةِ يونس عليه السّلام.

د:عبد الرحمن: وبقيّة الأُمم يا دكتور صالح مثل قوم هود، قوم شُعَيب، قوم صالح ما تابوا.

د:صالح: ما تابوا، لكنّ التوبة لا تنفع بعد نزولِ العذاب، فهؤلاءِ نفعَتهم التوبة.

د:عبد الرحمن: فتح الله عليك يا أبا أيمن وشكر الله لك وتقبَّل منك وتقبّل من الإخوة جميعاً. الحقيقة بقيت معنا أسئلة للأخت حصّة والأخ أبو هتّان والأخ أبو فهد نستأذنهم بإذن الله غداً نستفتحُ الحلقة القادمة بأجوبة أسئلتهم بإذن الله تعالى. نسألُ الله سبحانه وتعالى أن يجعَلَنا وإياكم من أهلِ القرآن. في نهاية هذا اللّقاء أيُّها الإخوةُ المشاهدون أشكر أخي الدّكتور: صالح بن يحيى صواب، الأُستاذ المشارك بجامعة صنعاء، والمُتَخَصِّص بالدّراسات القرآنيّة، وعضو ملتقى أهل التفسير على ما تفضّل به من الأجوبة ومن البيان في آيات سورة التوبة وسورة يونس.

ألقاكم بإذن الله غداً في برنامجكم التّفسير المباشر، أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.