التفسير المباشر
الحلقة الخامسة عشرة
15-9-1429هـ
د:عبد الرحمن: بسم الله الرّحمن الرَّحيم، الحمدُ للَّهِ رَبِّ العالَمين، والصَّلاةُ والسَّلامُ على أشْرَفِ الأنبياءِ والمُرْسَلين سَيِّدِنا ونَبِيِّنا محمَّدٍ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعين، اللهمَّ إنّا نحمَدُك ونشكرك ونثني عليك الخيرَ كُلَّه أن وفَّقْتَنا وبَلَّغْتنا هذا اليوم الخامس عشر من شهر رمضّان من عام تسعةٍ وعشرين وأربعِ مِئَةٍ وألف للهجرة. هذا هو منتصف الشّهر أيُّها الإخوة المشاهدون، وقد انتهينا ولله الحمد من الحديث عن أربعةَ عشَرَ جزءْاً، وإن كان حديثُنا يأتي مختصراً جدّاً، بل وموجَزاً إلى درجةِ الإخلال في بعضِ الحلقات لضيق الوقت.
اليوم بإذن الله تعالى سيكونُ حَديثُنا عن الجزء الخامس عشر من أجزاءِ القرآنِ الكريم، وهو يبدأ من أوَّلِ سورةِ الإسراء وينتهي من الآية الرّابعة والسّبعين من سورة الكهف.
أُذَكِّركم في بداية هذا اللّقاء بأرقام الهواتف الّتي يمكنكم عن طريقِها التّواصل معنا وهي:
من داخل السّعوديّة: ( 012085444 ) أو ( 0144459666 ) وللأسئلة عبر رسائل الجوال يمكنكم التّواصل معنا عن طريقه ( 0532277111 ).
قبل أن ندخل في الحديث عن الجزء الخامس عشر أُشيرُ إلى أبرزِ الموضوعات الّتي اشتمل عليها هذا الجزء.
تناولت سورةُ الإسراء موضوع:
- وحدانيّةِ الله تعالى وإرسالِهِ للرُّسُل.
- وأمر البعث والجزاء.
- وتناولت الحديث عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وعن شخصيّته وما أيَّدَهُ اللهُ به من المعجزات الباهرة، والحُجَج القاطعةِ الدّالَّةِ على صدقِهِ عليه الصّلاةُ والسّلام.
- ثمّ ذكر الله سبحانه وتعالى بعض الأوامر الّتي يقومُ عليها بنيان المجتمع الفاضل.
وأمّا في سورة الكهف فقد تحدّثت عن:
- ترسيخ العقيدةِ الإسلاميّة والإيمانِ بالله تعالى.
- وكيفيَّةِ النّجاةِ والاعتصامِ من الفتن طيلة السّورة.
هذه هي أبرز الموضوعات الّتي تناولها الجزء الخامس عشر من أجزاء القرآن الكريم.
في بداية هذا اللّقاء باسمكم جميعاً أيُّها الإخوةُ المشاهدون أُرَحِّبُ بأخي العزيز فضيلة الشيخ الدّكتور عيسى بن علي الدُّرَيْبي، الأستاذ المشارك بجامعة الملك سعود، والمتخَصِّص في الدِّراسات القرآنيّة، ومدير مكتب الهيْئة العالميّة لتحفيظ القرآن الكريم بمدينة الرِّياض، فحيّاكم الله يا أبا عبد المحسن.
د:عيسى:: حياكم الله وحيّا الإخوة المشاهدين والمُشاهدات.
د:عبد الرحمن: حياك الله، وشكر الله لك استجابتك معنا مرّةً أخرى في هذا البرنامج الّذي يسعدُ بك وبأمثالك من الزُّملاء المتخَصِّصين في الدِّراسات القرآنيّة. حديثنا يا أبا عبد المحسن اليوم عن سورةِ الإسراء وسورة الكهف، وقبل أن نبدأ الحديث واستقبال الأسئلة نريد أن نُسَلِّط الضَّوْء على أبرز وما هو موضوع سورة الإسراء وسورة الكهف؟
د:عيسى: بسم الله الرّحمنِ الرَّحيم، الحمدُ لله الّذي أنْزَلَ الفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكونَ لِلْعالَمينَ نَذيراً، والصَّلاةُ والسّلام على خيرِ خلقِ الله محمّد بن عبد الله صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه وبعد. بدايةً أسأل الله عزّ وجلّ أن يتقبَّلَ مِنّا ومنكم ومن الإخوة الصّائمين جميعاً في أنحاءِ هذه الأرض صيامنا فيما مضى وأن يُوَفِّقَنا فيما بقي.
د:عبد الرحمن: اللهمَّ آمين.
د:عيسى:: الشيخ عبد الرّحمن والإخوة المشاهدين والمشاهدات، موضوع الجزء الخامس عشر هو أغلبه في سورة الإسراء وجزء منه في سورة الكهف، وهذه السورة مباركة سورة الإسراء من أهمّ المحاور الرَّئيسيّة – كما تفضّلت – في الحديث عنها هو محور حديثها عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، عن رسالته، وعن تأكيد رسالته، وعن الوحي، وعن المعجزات الّتي أيَّدَهُ الله بها، وأبرَزُ هذه المعجزات: القرآن الكريم، وهو: الّذي دار الحديث أيضاً عنها في هذه السّورة، الحديث عن الوحي، وحديث عن التَّحَدّي بالقرآن الكريم، وحديث عن ما جعله الله سبحانه وتعالى في هذا الكتاب من أمثال ومن آيات ومن معجزته يتحدّى الله عزّ وجلّ بها الأنبياء، يتحدّى الله بها قوم محمّد صلّى الله عليه وسلّم أن يأتوا بمثله، فالعنصر البارز في سورة الإسراء هو شخصيّة الرّسول صلّى الله عليه وسلّم والمعجزات الّتي أُيَّد بها وأبرزُها القرآن الكريم، ثمّ في أثناءِ هذا الحديث، هناك الحديث عن بني إسرائيل والاستشهاد ببعضِ وقائعهم؛ ولهذا سُمِّيَت السّورة باسمهم في بعضِ أسماء السّورة تُسَمّى السّورة بسورة (بني إسرائيل) وتُسَمّى أيْضاً سورة (سبحان)؛ لذكرِ أوَّلِ هذه الكلمةِ فيها، ففيها الحديث أيْضاً عن الرّسول صلّى الله عليه وسلّم من حيث قصّةُ الإسراء الّتي افتُتِحَت بها هذه السّورة، وسُمِّيَت بها هذه السّورة.
د:عبد الرحمن: ويعني حتى يكون الإخوة المشاهدون في الصّورة يا أبو عبد المحسن أنَّها سورة مكيّة.
د:عيسى: نعم، بل هي من أوائل السّور المكيّة، قد جاء في حديثِ ابنِ مسعود أنَّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم قال عن سورة طه وبني إسرائيل ومريم والكهف وفي بعض الروايات طه ” أنَّهُنَّ من العِتاق الأُوَل وأنَّهُنَّ من تِلادي”.
د:عبد الرحمن: مرتَّبة على هذا الترتيب؟
د:عيسى:: نعم، والمقصود بـــ “العِتاق الأُوَل” العتيق في لغة العرب هو: الشيء الثمين. “وِمن تِلادي ” المقصود بـها أيْضاً من الأشياء القديمة، السّور الّتي أُنْزِلَت قديماً على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ ولهذا فيها تثبيت لقلب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وفيها تأكيد لتثبيت قلبه أمام طلبات المشركين المتكاثرة الّتي ذُكِرَت في هذه السّورة ومن طلباتهم المتعنِّتة، بل مثل ما تفضّلت هذه السّورة من أوائل السّور المكّيّة فيها تثبيت لقلب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وفيها حديث عن رسالته، وفيها الحديث عن المعجزة الّتي جاء بها النّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم بها.
وكذلك سورة الكهف سورة يبرُز فيها بشكل قوي جدّاً موضوع العِصَم، العواصم من الفتن، وهي سورة اشتملت أغلبها على القصص: قصّة أصحاب الكهف، وقصّة أصحاب الجَنَّتَيْن، وقصّة موسى والخَضِر، وقصّة ذي القرنين. والبارز في كلِّ هذه القصص هو العِصمة من الفتن؛ أنَّ اللهَ جعل لكُلِّ هؤلاء أو جعل موضوع أمراً يعتصم فيه من الفتن في تلك القصص الأربعة.
د:عبد الرحمن: وحتى موضوعها يا دكتور أو حتى عنوان سورة الكهف يا دكتور عيسى يدُلُّ على هذه الموضوع الّذي أشرتُمْ إليه وهو الكهف.
د:عيسى: وهذه مناسبة لطيفة.
د:عبد الرحمن: مناسبة لطيفة؛ فهو كما أنَّ الكهف عِصمة من الفتن الحسيّة أو من العدو؛ فكذلك الموضوعات فيها هذا المعنى. هناك الحقيقة أسئلة لدينا من الحلقات السّابقة يا دكتور عيسى أو في الحلقة الماضية بالذّات الحقيقة ضاق الوقت عن الإجابةِ عليها إن أذِنْت لنا نأخُذُها على عجل.
د:عيسى: تفضل.
د:عبد الرحمن: الأخ أبو أحمد أمس سألَنا سؤالاً عن الوقف على قوله تعالى في آخر سورة النّحل: {شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ} في الآية رقم 121 و {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ {120} شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ} فهو يسأل عن الوقف، هل الوقف على كلمة {لِّأَنْعُمِهِ} {شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ} ثم تقف ثمّ تقول {اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ} ثم تقف {شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ} ثمّ تقف {وَهَدَاهُ} برأيك؟
د:عيسى: علم الوقف من العلوم المهمّة جدّاً الّتي لها أثر كبير جدّاً في فَهمِ التّفسير، والله أعلم أنَّ الوقف هنا الوقف الحسن على قوله سبحانه وتعالى {شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ} ثمّ يبدأ جملة جديدة أو جملة استئنافيّة جديدة {اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} والله أعلم.
د:عبد الرحمن: فتح الله عليك. الأخت محبّة القرآن من ليبيا اتّصلت أمس وسألت عن قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ {87}} في سورة الحجر تسأل ما معنى هذه الآية؟
د:عيسى: نعم، طبعاً جاء في نصِّ حديثِ النّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم قال عن سورة الفاتحة ((أنَّها السّبع المثاني والقرآن العظيم الّذي أُوتيتُه)) تفسيرها جاء بنصّ الحديث النّبوي.
د:عبد الرحمن: جميل، لأنّ بعض الإخوان يا دكتور عيسى يجد في كتب التّفسير اختلافاً فبعضهم يقول: السّبع المثاني هي: السبع الطِّوال البقرة، وآل عمران، والنّساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف إلخ وبعضهم يجد هذا القول وهو: أن القرآن الكريم أنّ المقصود بالسّبع المثاني هي الفاتحة، وأيْضاً المقصود بالقرآن العظيم هي الفاتحة أيْضاً، وجوابك هو: الجواب الّذي ينبغي أن يُصار إليه؛ لأنَّ الحديث نصٌّ فيه.
د:عيسى: ما ورد النّصّ في تفسير يُعْرَف أنَّهُ لا يُصارُ إلى غيره. أمّا المثاني: وحتى تفسير المثاني كما يقول العلماء؛ سُمِّيَت بذلك؛ لأنَّها تثنى أي تُكَرَّر في الصّلوات.
د:عبد الرحمن: وأتوقّع يا دكتور عيسى أنّه لا يمنع وصف الفاتحة بأنَّها من المثاني أنّه لا يمنع أن يوصف غيره من القرآن؛ لأنّها قد وصفها الله في سورة الزُّمَر فقال {مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ}
د:عيسى: هو وصف للقرآنِ كُلِّهِ.
د:عبد الرحمن: الأخ عيسى من ليبيا وهذه مناسبة ظريفة يعني باسمك يا دكتور عيسى سألنا الأخ عيسى بالأمس فقال في سورة يونس قال الله {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ {62} مَن هم أولياءُ الله؟
د:عيسى: أصدق وأفضل شيء في تفسير كتاب الله هو تفسير القرآن بالقرآن، وهو على أنواع منها هذا النّوع الّذي جاء به تُفَسَّرُ الآية مباشرةً بعدها {اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ {6} صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ} وكذلك في سورةِ يونس {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ {62}} فسّرها الله بِمَن هم الأولياء قال الله عزّ وجلّ بعد ذلك: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ {63}} ليست الولاية أمر ادِّعاء، بل هي صفات محدودة، وليست كما يُقال أو يُشاع أحياناً أنَّها محصورة على أُناس معَيَّنين أصحاب طرق أو أصحاب زوايا أو أصحاب كرامات، الولاية في شرع الله في نصّ بأمر ممكن للجميع {الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ {63}}.
د:عبد الرحمن: جميل، فتح الله عليك. وهذه فعلاً بيان جميل لبيان المتّصل بيان القرآن للقرآن. سؤال وردنا من هاتف الجوال يقول أُريد أن تُوصوني بكتابٍ مناسب عن أسباب النّزول؟
د:عيسى: كتب أسباب النّزول متعَدِّدة من أبرزِها وأشهرها: كتاب “أسباب النّزول” للواحدي وهو مطبوع بتحقيق الدّكتور عِصام الحميدان، وكتاب “اللّباب المنقول في أسباب النّزول” للسيوطي، وكتاب “العُجاب” لابن حجر وإن كان لم يُتَمّ، وهناك كتب أخرى لعلّها من أبرز كتب أسباب النّزول.
د:عبد الرحمن: جميل، فتح الله عليك. لدينا الأخ أبو عبد العزيز من الرّياض، تفضل يا أبو عبد العزيز من السعوديّة، حياك الله يا أبو عبد العزيز، تفضل يا أبو عبد العزيز حياكم الله.
أبو عبد العزيز: السّلام عليكم.
د:عبد الرحمن: وعليكم السّلام ورحمة الله.
أبو عبد العزيز: شيخ عبد الرّحمن.
د:عبد الرحمن: سم حياك الله
أبو عبد العزيز: الحقيقة أشكركم على هذا البرنامج.
د:عبد الرحمن: الله يحييك.
أبو عبد العزيز: وعندي سؤال سريع.
د:عبد الرحمن: تفضل.
أبو عبد العزيز: في سورة الصّافّات قال الله عزّ وجلّ: {فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ {35} فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ {36}}
د:عبد الرحمن: هذه سورة الذاريات.
أبو عبد العزيز: ما حكم اختلاف اللّفظ؟
د:عبد الرحمن: طيب أبشر.
أبو عبد العزيز: جزاكم الله خيراً.
د:عبد الرحمن: حياكم الله. طبعاً سؤاله في سورة الذّاريات.
د:عيسى: نعم صحيح. يعني هو كما اشترطتم أنتم مبدئيّاً الأسئلة في نفس الجزء.
د:عبد الرحمن: والله نحن نشترط لكنّنا لا نرد سائلاً. سؤال يا دكتور عيسى عن قوله تعالى {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ {72}} في سورة الحجر يسأل أحدهم ويقول ما معنى الآية، ما معنى {لَعَمْرُكَ}؟
د:عيسى: هذا قسم من الله عزّ وجلّ بحياة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حتى لا يُشكل على بعض الإخوة في قسمه بحياة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من المقرّر عند العلماء أنّ لله عزّ وجلّ أن يُقسم بما شاء فأقسم بالضحى وأقسم بالشّمس وأقسم باللّيل فالله عزّ وجلّ يُقسِمُ هنا بحياة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، والله أعلم.
د:عبد الرحمن: وبعضهم قد يستشكل هذا فيقول كيق يقسم بحياة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقد نُهي؟ لكن لله سبحانه وتعالى أن يُقسم بما شاء.
د:عيسى: نعم أمّا المخلوقين فليس لهم أن يُقسِموا إلاّ بالله عزّ وجلّ.
د:عبد الرحمن: هنا سؤال وردنا عن طريق الهاتف أيْضاً ما الفرق بين نِعمة ونَعمة، وبين هَوْن وَهُون وهذه أسئلة فروق لُغَوِيَّة يعني يسأل؛ كأنّه يقول في قوله تعالى {يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ {59}} وقد وردت في آيةٍ أخرى في قوله: {الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} [الفرقان: 63] .
د:عيسى: أحيل لك سؤال الفروق اللُّغَوِيّة بحكم تخصّصك.
د:عبد الرحمن: هذه الحقيقة من المسائل الدّقيقة في القرآن الكريم تجد مثل قوله سبحانه وتعالى نعمة {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ} وهذه وردت كثيراً في القرآن الكريم، ووردت نَعمة بالفتح في مثل قوله سبحانه وتعالى {وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ {27}} في سورة الدُّخان، وفي قوله سبحانه وتعالى في سورة المزَّمِّل {أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا {11}} فيُقال أن النِّعمة هي مفردة النّعم أي ما يُنعِم الله به على الإنسان. أمّا النَّعمة فالمقصودُ بها التّرف، فقوله {وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ} يعني وحياة مترفةٍ كانوا فيها يعيشون فيها وينعمون بها.
وأمّا الهَوْن: فهو السّكينة والترسيل برفق، يعني يُقال: على هونك يعني: على رِسْلِك. وأمّا الهونُ: هو الهوان والذِّلة والمسكنة كما في قوله {أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ} أي على ذِلَّةٍ وعلى مهانة.
وسائلٌ يسأل في سورة النّحل أمس في قوله: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ} فيقول لماذا قال هنا {مِّمَّا فِي بُطُونِهِ} وقال في المؤمنون {نُّسقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهَا}؟ فيُقال له في الجواب أنّه اسم الجمع وهو الأنعام قد يُراعى فيه المفرد أو اللّفظ ويُراعى فيه المعنى، فإذا رُوعِيَ فيه اللّفظ خُوطِبَ بالمفرد كما في قوله {فِي بُطُونِهِ} هنا، فأفرد الضّمير. وقد يُراعى المعنى باعتبار الأنعام جنسٌ لأنّها اسم جمع الأنعام فيُراعي المعنى فيجمعُها أو {مِّمَّا فِي بُطُونِهَا}.
سؤال هنا يا دكتور في سورة الإسراء وردنا الآن عن طريق الهاتف الجوّال يقول في رقم 64 من سورة الإسراء يقولُ اللهُ سبحانه وتعالى {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا {64}} يسأل عن معنى قوله: ما معنى أوَّلاً صوتك هنا؟ {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ} والخطاب للشيطان هنا؟ وما معنى قوله {وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ}؟
د:عيسى: بسم الله. {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ} في تفسير لبعض السّلف؛ كابن مسعود وغيره أن المقصود به هنا المقصود بهذه الآية الغناء، ولهذا يستشهد بها بعض العلماء على أنَّ الغناء محرّم بدليل هذه الآية قد يرد عن تفسير ابن مسعود وغيره أنَّ المقصود مَن استطعت {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ} أنَّ المقصود به الغناء، وإن كان هذا إن صحَّ التّعبير عند المتخَصِّصين في الدِّراسات القرآنيّة قد يسمى من التّفسير بالمثال أمثلة استفزازه بالصّوت هو استفزازٌ بني آدم بالغناء، وهذا يدلّ على تحريمه، والله عزّ وجلّ جعله من صوت الشّيطان. {وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ} قال بعض العلماء في تفسيرها هنالك فيها رأيان: رأي يخصِّصُها بأنَّ المقصودَ بها أنَّ الشّيطان يُشارِكُ الإنسانَ في أهله وفي ماله إذا أكل أو شرب ولم يُسَمِّ.
د:عبد الرحمن: وقد ورد فيها حديث صريح.
د:عيسى: نعم، “إنَّ أحدَكم إذا أتى أهلَهُ فقال باسم الله اللهمَّ جَنِّبْنا الشَّيْطانَ وجَنِّبْ الشَّيْطانَ ما رزَقْتَنا لم يضُرُّهُ ذَلِكَ شيء ” لم يضر الولد إن جاء إن قُدِّرَ بينهما ولد. وهناك مَن يرى أنَّ الآية عامّة وهو الأوْلى فيدخل فيها هذا التّفسير دخول أوَّلياً والله أعلم {وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ} بالمعصية أن تكون هذه سبب من أسباب ماذا؟ وقوع الإنسان بالمعصية. أسأل الله عزّ وجلّ أن يُجَنِّبَنا وإيّاكم والإخوة جميعاً سبُلَ الشَّيْطان.
د:عبد الرحمن: الحديث في أوَّلِ السّورة يا دكتور عيسى عن الإسراء {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} يعني: كوْن هذه السّورة العظيمة نزلت في تلك الحادثة المَهيبة حقيقة يعني: باعتبار أنَّ سورة الإسراء نزلت على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعد تلك الحادثة، وتلك الحادثة هي الّتي فُرِضَت فيها الصّلاة، وكانت هذه الحادثة من أظهرِ معجزات النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ أنَّهُ قد أُسرِيَ به إلى بيت المقدس، وأُمِرَ بالتوَجُّه في الصّلاةِ الّتي فُرِضَت عليه في ذلك اليوم إلى ذلك المكان أتمنى أن تعطينا إضاءة حول هذا المعنى.
د:عيسى: هذه الآيات أي: مطلع هذه السّورة ممّا يدلُّ على أهميَّةِ المسجدِ الأقصى، وأنَّ الله عزّ وجلّ امتنّ على نبيِّهِ صلّى الله عليه وسلّم بهذه الحادثة حادثة الإسراء والمعراج، والعلماء طبعاً يختلفون في هذه الآية، حتى السلف مختلفون، هل الإسراء كان بجسدِ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أو بروحه فقط؟ وابن كثير، والقرطبي وغيرهم استظهروا كثير من الأحاديث الّتي وردت، وأيَّدوا ورجَّحوا أنَّ الإسراء كان بجسدِ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم وبروحه صلّى الله عليه وسلّم، وهذه حقيقة معجزة من معجزاته يعني في غمضة عين في جزءٍ من اللّيل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يخرج من مكّة في بعض الآثار أنَّه من دارِ أُمِّ هانئ، وهذه الآية يستشهدُ بها مَن يرى أنَّ مكَّةَ كُلَّها حَرَم.
د:عبد الرحمن: جميل، لكن برأيك يا دكتور عيسى أليس القول بأنَّهُ أُسْرِيَ به بجسده وبروحه معاً أدلَّ على الإعجاز وعلى الآية العظيمة؟
د:عيسى: بلى.
د:عبد الرحمن: فإذا قلنا أنّه بروحه فقط الأمر فيه أقلُّ دِلالةً.
د:عيسى: يعني هو لكن هذا الشّيء ولهذا يرى يعني هذا فعلاً مثلما تفضّلت يدلّ على المعجزة هذه المعجزة الّتي أُسرِيَ به من مكّةَ إلى بيت المقدس في جزء من اللّيل.
د:عبد الرحمن: ولذلك قال {لَيْلاً}
د:عيسى: نعم، وكلمة أسرى وسرى في لغة العرب في اللّيل هي أصلاً يعتقد المقصود بها.
د:عبد الرحمن: يعني لو قال “سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ” لعرفنا أنَّها في اللّيل.
د:عيسى: في اللّيل نعم؛ لأنَّ كلمة أسرى.
د:عبد الرحمن: لا تكون إلاّ في اللّيل، لكنّه قال {لَيْلاً} يَدُلُّ على أنَّهُ جزءٌ من اللّيل تمّ هذا.
د:عيسى: إن سمحت لي قضيّة المسجد الأقصى الّذي نسأل الله عزّ وجلّ أن يردَّهُ إلى حوض المسلمين عاجلاً غيرَ آجل، وأن ينصر هذه الأُمَّة، وأن يدحر أُمَّة القردة والخنازير الّتي هي الآن تحيط بهذا المسجد. العلماء يقولون: أنَّ هذه الآيات تدلّ على فضيلة المسجد الأقصى، وسبب تسميته بالأقصى؛ أنَّهُ الأقصى من مكّة يعني المكان البعيد يعني أبعد وهو ثاني مسجد بُنِيَ بعد المسجد الحرام وقد ورد في الصّحيح أنَّ النّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم سُئِلَ: كم بينهما؟ فقال: “أربعون سنة” بين بناء المسجد الحرام والمسجد الأقصى، وهذا المسجد مبارك بارك الله عزّ وجلّ حولَهُ، وهو مسرى الأنبياء وقبلة الملَّتَيْن السّابقتين وجزء من هذه المِلَّة؛ ولهذا نسأل الله عزّ وجلّ أن يرُدَّ هذا المسجد إلى ديارنا إلى بيوت المسلمين.
د:عبد الرحمن: في الحديث يا دكتور عيسى عن المسجد الأقصى الحقيقة قرأت لبعض المفسِّرين أنَّه يقول في هذه الآية إشارة إلى ثلاثة مساجد فَـــ {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} هذا إشارة للمسجد الحرام و {إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} هذا فيه إشارة إلى المسجد الأقصى واضح. لكن لماذا قال الأقصى؟ والأقصى هي على وزن (أفعل) بدليل على أنَّهُ أبعَدُ مسجد هل هذا فيه إشارة إلى أنَّ هناك مسجد أقرب من هذا المسجد إلى المسجد الحرام؟ قالوا: هذا فيه إشارة إلى المسجد النَّبوي أنَّهُ سَيُبْنى مسجد ويكون أقرب من المسجد الأقصى ففيها إشارة إلى المساجد الثّلاثة.
النّاس يسألون يا دكتور عيسى ويقولون: هل سليمان عليه السّلام هو الّذي بنى المسجد الأقصى، أم هو إبراهيم عليه الصّلاةُ والسّلام؟ وأنت ذكرت حديثك الّذي سُئِلَ فيه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ كأنّه يُؤكِّد أنَّ إبراهيم هو الّذي بناه، وإنَّما كان دورُ سُلَيْمان فيما بعد.
د:عيسى: بناء قُبَّة الصخرة. الحديث أيْضاً إن سمحت لي عن قضيّة بني إسرائيل وإفسادهم في الأرض في هذه السورة حديث ينبغي أن يُشار إليه وهي مكيّة {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا {4} فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ} الفسادُ هنا يُبَيِّنُ الله عزّ وجلّ في هذه الآية أنَّهُ مهلكٌ بزوالِ الأُمم، الفساد بالمعاصي؛ لأنّه سبب من الأسباب، بني إسرائيل سلّط الله عزّ وجلّ عليهم عِباداً أُلي بَأْسٍ شديد فَجاسوا خِلالَ الدِّيار، دخلوا حتى في الطُّرُقات وهذه اللفظة دقيقة جدّاً.
د:عبد الرحمن: {فَجَاسُواْ} .
د:عيسى: نعم، في تمَكُّنِهم من بني إسرائيل وذِلَّتهم ومهانتهم {ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا {6}} بعد تلك المهانة الله عزّ وجلّ يكتب لهم مرة ثانية أن يظهروا، قال الله عزّ وجلّ {فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ} والمقصودُ بالوعد أنَّ هناك وعد آخر سيكون لبني إسرائيل أيْضاً، وهذه الآية فيها كلام للعلماء هل تمّ هذا الأمر أو لم يتمّ.
د:عبد الرحمن: وهو إهلاكُ بني إسرائيل مرة ثانية.
د:عيسى: مرة ثانية؛ لأنَّه في نهاية السّورة الله عزّ وجلّ يقول: {فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا {104} بعض العلماء يرى أنَّ المقصود به الآخرة الّتي هي يوم القيامة. ولكن الحقيقة أنا وقفت لِبُعْد آخر لطيف لشيخنا الدّكتور مصطفى مسلم في كتابه “معالم قرآنيّة في الصراع مع اليهود” يقول: أنَّ الوعد الثاني هو ليتحقّق الوعد.
د:عبد الرحمن: أستأذنك يا دكتور عيسى نأخذ اتّصالاً لأخ دَرْقاء من الجزائر ثمّ نعود. الأخ دَرْقاء، الأخت درقاء من الجزائر تفضلي
درقاء: السلام عليكم.
د:عبد الرحمن: وعليكم السلام.
درقاء: كيف الحال شيخ؟
د:عبد الرحمن: حياكم الله.
درقاء: بخير؟
د:عبد الرحمن: الحمد لله.
درقاء: ممكن أسأل عن تفسير آيةً وردت في القرآن آية {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة:186] هل هي ذُكِرَت مباشرةً بعد آيات الصّيام، ثمّ هل هناك أهميّة في الدّعاء في الصيام؛ لأنّه الدّعاء في أيام رمضان ليست كغيره في أيامٍ أخرى مع أنَّ الدّعاء في رمضان حَرِيٌّ بالإجابة نريدك أن تُبَيِّن لنا أهميّة الدّعاء في رمضان، وتبيّن أنَّ الّذي دعا اللهَ واستخاره ولجأ إليه أنّه ما يخيبه. هذا سؤالي يا شيخ.
د:عبد الرحمن: حسناً حسناً شكراً سؤالك واضح.
درقاء: والله ولي التوفيق.
د:عبد الرحمن: بارك الله فيك. نعود إلى هذه النقطة يا دكتور عيسى حقيقة قضية الّتي كنت تتحدّث عنها هي قضية {جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا} الحديث عن بني إسرائيل في سورة الإسراء حديثٌ ذو شجون، وكما تفضّلت الدّكتور مصطفى مسلم في مكاتبه معالم قرآنيّة في الصِّراع مع اليهود، وأذكر أيْضاً يا دكتور في كلام الدّكتور عبد السّتّار فتح الله السّعيد له كلام رائع في كتابه “معركة الوجود بين القرآن والتلمود” أيْضاً تحدّث عن هذا الموضوع حديث جيِّد.
د:عيسى: نرى الدّكتور مصطفى الصّيان أنّ هذه الآية بدأ تطبيقُها أو العَوْد الثاني الّذي هي الآن بدأوا يتجَمَّعون له وسيُهْلَكون بإذن الله عزّ وجلّ أنّه بدأ من مؤتمر [بالفيسيوس] في سويسرا، وتأكَّد هذا التَّجَمُّع في الدّولة الصّهيونيّة البغيضة في عام 1948 قال من هذا التّاريخ بدأ التّجَمُّع، وهم الآن يعرفوا وبعض حاخامات أي الرهبان الكبار عندهم أو الحاخانات اليهوديّة يدركون أنّهم يتجمّعون لتنفيذ وعدِ الله عزّ وجلّ {جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ} يعني الوعد الآخر {جِئْنَا بِكُمْ} وهؤلاء الآن نراهم في كُلِّ أفذاذِ هذه الأرض يأتون لفيفاً إلى المسجد الأقصى؛ لِيُنَفَذ بإذن الله عزّ وجلّ بهم قَدَرُ الله وأنّهم سيأتي اليوم الذي ينحقون فيه.
د:عبد الرحمن: أتى التعبير بـ { لَفِيفًا} فيه هذا المعنى أنّهم كانوا مشتّتين في أنحاء الأرض.
د:عيسى: وهم مُشَتَّتون نعم، هي دولة ليس فيها أي ربط من رابط القوّة في هذه الأرض إلاّ ضعف المسلمين، يتكلَّمون أكثر من خمسين لغة في إسرائيل الآن! شعب يتكلَّم أكثر من خمسين لغة ما في أي مُقَوِّم من مقَوِّمات التَوَحُّد، ومُتَفَرِّقون؛ كما قال الله عزّ وجلّ في {وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} [الحشر: 14] أحزاب متناحرة، لكن ضعف المسلمين هو الّذي بسط بهم ووصلوا إلى ما وصلوا إليه.
د:عبد الرحمن: الحقيقة: أنَّ التَّدَبُّر في هذه الآية يا دكتور عيسى خاصّةً في صِراعنا مع الأعداء وهو صِراع قائم سبحان الله العظيم! ومستمرّ نُعاني منه يوميّاً وينعكِسُ على حياتنا اليوميّة يحتاج إلى تدَبُّر الحقيقة هذه الآية وللعلماء فيها كلام كثير جدّاً. لكن نأخذ الأخ وليد من الأُردن نسمع إلى سؤاله تفضل يا وليد.
وليد: السلام عليكم، الله يكرمك يا شيخ الله يفتح عليكم. يا أخي العزيز تفسير الآية 25 من سورة الإسراء الله يكرمك. الله يجزيكم بالخير والسلام عليكم.
د:عبد الرحمن: شكراً، شكراً يا أخوي. إذاً ننبِّه الإخوة المشاهدين أن يستمعوا إلينا دائماً في الاتِّصالات من خلال الهاتف ويُغْلِقوا التلفاز.
هنا يا دكتور عيسى سؤال من أحد الإخوان من الهاتف الجوال يسأل عن قوله تعالى في سورة الكهف في أولِها{فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ} الخطاب للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا {6}} فيقول: ما معنى باخع؟ ما معنى الآية؟
د:عيسى: معناها والله أعلم أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّ الله سيُعاتبه بأنّه سيُهلِكُ نفسه {بَاخِعٌ نَّفْسَكَ} يعني مُهْلِك نفسك {عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا} وهذا من حِرْص النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على قومه كاد يُهلِكُ نفسَه؛ لأنّ قومَه لم يستجيبوا له. إن أذنت لنا إذا ما في أسئلة.
د:عبد الرحمن: لدينا سؤال نأخذه ثم نعود، الأخ عبد الله من السعودية تفضل يا عبد الله
عبد الله: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
د:عبد الرحمن: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
عبد الله: الحقيقة أنا مسافر وأسمعكم من خلال الجوال إذا كان بالإمكان تكَرُّماً منكم أن تكون الإجابة بعد السّؤال إذا تكرَّمتم.
د:عبد الرحمن: تفضل.
عبد الله: الله يحفظك في سورة الكهف عندما قال الله عزّ وجلّ حديثاً عن الخَضِر حينما قال: {فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا} عن السّفينة، وقال عن قتل الغلام قال: {فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا {80} الضمير في الأول قال: {فَأَرَدتُّ} بينما هنا قال ك {فَخَشِينَا} وفي الحادثة الثالثة قال: {فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا} فالضمير في الأول والثاني ثمّ بالنسبة للفعل أو الإرادة الأخيرة لله سبحانه وتعالى مع أنَّ الإرادة أوَّلاً وآخراً لله سبحانه وتعالى
د:عبد الرحمن: نعم نعم.
عبد الله: جزاك الله خيراً.
د:عبد الرحمن: هل ممكن يا دكتور عيسى أن نجيب الأخ عبد الله على الهواء مباشرةً ما دام يسمعنا من الجوال؟
د:عيسى: نعم، {فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا} هذا حديث عن صاحب موسى، الخضر مباشرة تحدّث عن نفسه.
د:عبد الرحمن: يبدو لي {فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا} أسند الضّميرَ إلى نفسه؛ حتى لا يسند إلى الله أنّه يعيب السّفينة بأمر الله فأسند عيب السّفينة إلى نفسه لينسب إلى نفسه النّقص ويُنَزِّه الله عزّ وجلّ.
د:عيسى: والله عزّ وجلّ لا يُنْسَب إليه شرّ.
د:عبد الرحمن: وأفردها أيْضاً {فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا}؛ حتى لا يظنّ به الّذين معه في السّفينة أنّ معه قوم أنّه ليس وحده في هذه السّفينة يفسد.
د:عيسى: لأنّه هو يعرف القصة أو خلفيّات القصّة إن صحّ التعبير.
د:عبد الرحمن: واضح هذه يا أخ عبد الله.
عبد الله: واضح واضح
د:عبد الرحمن: الأمر الثاني أنّه قال عندما جاء إلى الحديث عن الغلام قال {فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا}؛ ليُشير إلى أنَّهُ لا يستطيعُ هو بنفسه أن ينفلت بهذا الأمر وهو أن يقتُل هذا الرّجل النّفس الزّكيّة بنفس إلاّ بأمرٍ من الله، لكنّه أبهم فقال {فَخَشِينَا} الضميرُ يعودُ عليه وعلى مَن أمره. واضح هذا؟
عبد الله: مَن أمره؟
د:عبد الرحمن: هو الله سبحانه وتعالى. وأمّا في الحديث عن
عبد الله: لكن هنا يا دكتور عبد الرّحمن لو تكرّمت النون هنا للجمع {فَخَشِينَا}؟
د:عبد الرحمن: نعم، هذه النّون الّتي يُسَمّيها العلماء النّون الدّالّة على الفاعلين قد يكون أحياناً المقصود بها التعظيم للنّفس كما في قوله {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ {9}} وقد يكون بها الجمع كما هو هنا {فَخَشِينَا} فهو يقصدُ نفسَهُ ومَن أمرَهُ.
وأمّا السّؤال الثّالث الذي هو بناء الجدار فهو بأمرِ الله سبحانه وتعالى قال {فَأَرادَ رَبُّكَ} لأنّه فعلُ خيْرٍ واضح وظاهر، وفيه بر وفيه معروف فقال: {فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا} وهذه الحقيقة فيها أدب، تأدُّب الخِضر عليه الصّلاة والسّلام مع الله سبحانه وتعالى ومع خطابه وهذه فيها فوائد تربوية كثيرة نكتفي بهذا يا أخ عبد الله ما دمت على هاتف الجوال.
عبد الله: أدامك الله ويجزاك خير.
د:عيسى: مثل {وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا} [الجن:10] هذه فيها تأدّب مع الله.
د:عبد الرحمن: نأخذ الأخ نايف من السعودية ثمّ نُكمل حوارنا يا دكتور عيسى. نايف تفضل يا نايف
نايف: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
د:عبد الرحمن: وعليكم السلام ورحمة الله.
نايف: تحية طيبة للشيخ عبد الرحمن وضيفك الكريم.
د:عبد الرحمن: حياك الله وبياك.
نايف: لدي ثلاثة أسئلة:
د:عبد الرحمن: تفضل.
نايف: الأول: في قوله عزّ وجلّ {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء} (من) في هذه الآيات هل هي للتبعيض أو للجنس؟
السؤال الثاني: في الآية السابعة والتسعون في قوله عزّ وجلّ { كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا} [الإسراء:97] هذه الآية أشكلت عليّ أنّ الله عزّ وجلّ يقول { إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ {74} لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ} فقوله { كُلَّمَا خَبَتْ} أريد توضيح الإشكال.
د:عبد الرحمن: جيّد.
نايف: السؤال الثالث: المُتَأَمِّل للمفردات القرآنيّة في سورةِ الإسراء يجد بأنّ هناك مفردات قرآنية لا تتكرر في غيرِها من السور كالاتسفزاز (استفزز، يستفزونك) هل اختيار أو انتقاء الألفاظ هذه يعكس جو الّذي كان واقع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أثناء نزول السّورة وأنه يلاقي من المشركين استفزازاً فناسب اختيار هذه الألفاظ؟ نرجو التوضيح جزاكم الله خيراً.
د:عبد الرحمن: شكراً شكراً على هذه الأسئلة الدّقيقة يا أخ نايف. هل نكمل الأسئلة يا دكتور برأيك أو عندك
د:عيسى: لو أردنا نتحدّث قليلاً عن سورة الإسراء.
د:عبد الرحمن: تفضل.
د:عيسى: في سورة الإسراء مجموعة من التوجيهات الّتي تعتبر من التوجيهات المهمة جدّاً في ديننا، بل ورد في بعض الآثار أنها في الإنجيل أيْضاً؛ لأنّها توجيهات عامة من قوله سبحانه وتعالى {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ} وقوله سبحانه وتعالى {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ} وقوله سبحانه وتعالى {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ} وقوله سبحانه وتعالى {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى} إلى أن قال سبحانه وتعالى {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيٍّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا {38}} هذه الوصايا العشر جاء مثلُها في سورة الأنعام وهي من الأُصول الّتي تُبَيِّن اهتمام هذا الدّين بالضّوابط العامّة لصلاح البشريّة سواءً في تعامل الإنسان مع الدّوائر القريبة جدّاً: الوالدين، دائرة الأرحام، دائرة الإنسانيّة، قضيّة التعامل في النّواحي الماليّة كيف أتعامل؟ هذه أصول مهمّة جدّاً التعامل مع الوالدين، التعامل مع الأقارب، التعامل في قضية النّواحي الماليّة والاقتصاد {لا تُسْرِفْ} {وَلا تُبَذِّرْ} {لا تَبْسُط يَدَكَ} {ولآ تَجْعَلْها مَغْلولةً إلى عُنُقك} التحريم تحريم قتل النّفس بغير حقّ، إقامة الوزن والقسط وهذه من الآيات العشر.
د:عبد الرحمن: وكيف يُلاحظ يا دكتور فيها مزج الأخلاق بالعقائد يعني {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ} هذا توحيد ثمّ قال: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} هذا في الأخلاق، وبعض النّاس يُفَرِّق يا دكتور عيسى بين الأخلاق وبين العقائد، ويظنّ أنَّ الإسلام يُفَرِّق بينها فبإمكانك أن تكون مسلماً موحِّداً ولكنّك سيِّئ الخُلُق نقول: في القرآن الكريم لو رأيتَ امتزاج الأخلاق في العقائد لوجدتَ أنها لا تنفكّ عن بعضِها البعض؛ لذلك قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: “وبِبَيْتٍ في رَبَضِ الجَنَّة لِمَنْ حَسُنَ خُلُقُه”. الأخت أم ليان من السعودية رجعت إلينا يا دكتور عيسى معذرةً
تفضلي يا أم ليان.
أم ليان: السلام عليكم يا شيخ.
د:عبد الرحمن: وعليكم السلام.
أم ليان: لو سمحت الآية السابعة من سورة الإسراء ما المقصود بوعد الآخرة؟ االآية 36 من سورة الإسراء طبعاً هذه الآية سورة عظيمة جدّاً ومخيفة عندما يقول الله سبحانه وتعالى {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً {36}} كيف يكون سؤال الفؤاد؟ هل تلحق هذه الآية بآية البقرة (إن تبدوا ما في أنفسكم يحاسبكم به الله)؟
د:عبد الرحمن: شكراً جزيلاً لك. نستأذنك يا دكتور عيسى في عرضِ كتاب هذه الحلقة ثمّ نعود لك وللإخوة المشاهدين انتظرونا أيُّها الإخوة بعد الاطِّلاع على هذا الكتاب.
**************************
فاصل: التعريف بكتاب
“جامِعُ البيان في تأويلِ آيِ القرآن”
وهو التفسيرُ المَشْهورُ بتفسير الطبري ومُؤلِّفُهُ هو الإمامُ المجتهد العلاّمة أبو جعفر محمّد بن جرير الطّبري، المُتَوَفّى سنةَ ثلاثِ مِئة وعشرة للهجرة، وقد استغرق تأليفُ كتابه هذا بِضْعَ سنوات. وهو أنفَسُ كتبِ التّفسير وأوْثَقُها وأهَمُّها على الإطلاق، وقد جمع فيه مُؤلِّفُهُ بين العنايةِ بأقوالِ السّلف وآثارهم في التّفسير، وبين الدِّرايةِ والاختيارِ والتّرجيح، والتّفسير اللُّغَوي للمفردات القرآنيّة، فجاء جامعاً بين التفسيرِ بالمأثور والاجتهادِ والرَّأيِ المحمود، ومَن يقرأُهُ بعنايةٍ وتأمُّل سيجدُهُ مدرسَةً متكامِلَةً في تعليمِ تفسيرِ القرآنِ الكريم.
وقد طُبِعَ هذا التفسيرُ النّفيس عِدَّةَ طبعات أجوَدُها وأكْمَلُها هي الطّبعةُ الأخيرة الّتي صدرت بتحقيق معالي الدّكتور: عبد الله بن عبد المحسن التّركي، بالتعاون مع مركز البحوثِ والدِّراسات العربيّةِ والإسلاميّة بدارِ هَجَر بالقاهرة عامَ ألفٍ وَأربَعِ مِئة واثنين وعشرينَ للهجرة، وقد خرج في ستةٍ وعشرين مجلَّداً، كما صدرت له طبعةٌ ناقصة بتحقيق العلاّمة محمود محمد شاكر، وأخيه أحمد رحمهما الله، ولم تكتمل.
رحم الله العلاّمة محمد بن جرير الطبري، وجزاه عن الإسلامِ خيراً على تصنيفِهِ لهذا الكتاب.
********************************
د:عبد الرحمن: مرحبًا بكم أيّها الإخوةُ المشاهدون الكرام مرةً أخرى في برنامجكم التفسير المباشر، وأكرِّر التّرحيب معكم بضيفنا في هذه الحلقة فضيلة الشيخ الدّكتور عيسى بن علي الدريبي، الأستاذ المشارك بجامعة الملك سعود، المتخصص في الدِّراسات القرآنيّة ومدير مكتب الهيئة العالمية لتحفيظ القرآن الكريم بمدينة الرياض، مرحباً بكم يا أبا عبد المحسن مرة أخرى. حياكم الله. كنا في الحديث عن قوله سبحانه وتعالى في سورة الإسراء الحديث عن بني إسرائيل، وهناك موضوع لا أُريد الحقيقة أن نتجاوز سورة الإسراء يا دكتور قبل ان نتناوله وهو الحديث عن القرآن الكريم في سورة الإسراء يعني في قوله {إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} وفي قوله {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا {88}}، {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ} يعني لماذا هذا التّكرار؟ ولماذا إظهار هذه المكانة للقرآن في هذه السّورة بالذّات؟
د:عيسى: القرآن أخي الكريم والإخوة المشاهدين والمشاهدات هداية وهذه الآية قد تحدّثنا عنها في حلقة سابقة تُلَخِّص هدف القرآن {إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا {9}} وفي هذه السّورة حديث كبير جدّاً عن القرآن الكريم، وهو مرتبط بالحديث عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الرّبط بينهما واضح، وقد وصف الله عزّ وجلّ كتابه الكريم في غير ما آية بعِدّة أوصاف منها هذا الوصف {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا {82}} الشفاء.
د:عبد الرحمن: منها نجيب على سؤال الأخ نايف بالمرة يعني؟
د:عيسى: نعم، (من) هنا بيانية أسئلة الأخ نايف أسئلة دقيقة يدل على أنه شخص متخصّص.
د:عبد الرحمن: هو جزاه الله خيراً يُثري حلقاتنا دائماً بأسئلته الدّقيقة.
د:عيسى: فهو لو عنده إجابة أكثر ممكن يفيدنا فيها جزاه الله خيراً. (من) هنا بيانية {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} الشفاء المعنوي الشفاء من الأمراض، الشفاء من أمراض الحسد والعين والمسّ والسحر، وهذه الأمراض للأسف تفتك بكثير من الناس خاصّةً من النّساء لضعفهنّ وأحياناً لتلفتهنّ عن الذّكر أو غير ذلك؛ ولهذا من أوائل ما يُعالَجُ به الشخص الّذي فيه داء هو القرآن الكريم، فالله عزّ وجلّ قد وعد بذلك {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء} من هذا المرض، والشفاء كذلك من أمراض الشبهات حينما يقرأ الإنسان القرآن الكريم ويرى دلائل الله في هذا الكون، وأنّها تدلّ على أنّه سبحانه وتعالى واحد {شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} ثمّ الله سبحانه وتعالى حتى في أثناءِ الحديث عن كتابِهِ الكريم بيَّن أنّ هذا القرآن كتاب لا يمكن لأيّ بشرٍ أن يتحدّاه {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا {88}} .
د:عبد الرحمن: الحقيقة ظاهرة التّحدّي.
د:عيسى: واضحة، والعلماء يروْن هذه من أكبر آيات التّحدّي، التّحدّي بالقرآنِ كاملاً، والله عزّ وجلّ تحدّث عن كتابه الكريم أنّه أيْضاً جعل فيه {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُورًا {89}} في سورة الكهف {وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا {54}}.
د:عبد الرحمن: الحقيقة نريد أن نتحدّث يا دكتور أيْضاً قبل أن الربط بين سورة الإسراء وبين سورة الكهف يعني: هل هناك بينهما علاقة باعتبارهما يعني وراء بعض؟ لكن قبل ذلك نريد أن نأخذ اتّصال من الأخ، تفضل يا أخي العزيز الأخ عتيق من السعودية تفضل
عتيق: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
د:عبد الرحمن: والشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
عتيق: شكر الله لكم جهودكم وبارك الله فيكم وفي أوقاتكم.
د:عبد الرحمن: وفيك.
عتيق: شيخ فقط فيه تعقيب بسيط.
د:عبد الرحمن: تفضل.
عتيق: أجبتم الأخ عبد الله الّذي كلّمكم عن طريق الجوال وبارك الله فيكم فيه جزئيّة حينما يقول الخضر عليه السّلام {فَخَشِينَا} ثمّ يقول له ولمن أمره فهنا الخشية قد تكون للتعظيم فقط له هو يعني ليس لله عزّ وجلّ الّتي هي خشية، والله سبحانه وتعالى لا يخشى أحداً قد يكون من باب التعظيم كقول العلماء مثلاً: تكلّمنا في المسألة الفلانية، وألّفنا قد تكون من باب التّعظيم أليس كذلك؟
د:عبد الرحمن: جيد، هل لديك سؤال يا أخ عتيق أو شيء؟
عتيق: لا، فقط هذا التّعقيب الّذي أشكل عليّ.
د:عبد الرحمن: لا، لا، تعقيبك في مكانه وهو تعقيب دقيق.
عتيق: بارك الله فيكم.
د:عبد الرحمن: جزاك الله خيراً.
عتيق: وغفر الله لكم.
د:عبد الرحمن: الحقيقة كلامه دقيق ملْحَظٌ في محلّه “فخشينا” يعود على هذا الرّجل يمكن تعظيم لهذا الموضوع لخطورته فقال {فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا} فعلاً لا يصلح أن يكون الله سبحانه وتعالى يخشى وهذا فعلاً تعقيب دقيق جدّاً وشكر الله له وهذا من مزايا التّفسير المباشر أن يكون فيه هذا الاستدراك
د: عيسى: من أن يكون ممّن لديهم من درر العلم أفضل منه.
د:عبد الرحمن: ونحن لا نشكّ أنّ هناك ممَّن يسمعُنا مَن هو أعلم منّا لكن قد يكون المفضول أو الفاضل موجود مَن هو أفضل منه. هنا سؤال يا دكتور قبل أن ننتقل في الحديث عن الارتباط بين سورة الكهف وبين سورة الإسراء هل بينهما ارتباط برأيك؟
د:عيسى: هنالك ارتباط واضح جدّاً بشكل مباشر وهو لو أنَّ الإخوة المشاهدون والمشاهدات يفتحون معنا المصحف الآن أو الّذين يحفظوا هاتين السّورتين ينظرون إلى آخر آية في سورة الإسراء { وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا {111}} افتُتِحَت السورة الّتي بعدها بالاستجابة {الْحَمْدُ لِلَّهِ} هذا ارتباطٌ واضح ذكر الإمام البقاعي في “نظم الدُّرر” .
د:عبد الرحمن: جميل، ارتباط لفظي حتى.
د:عيسى: وارتباط أيْضاً من حيث المعنى أنَّ سورة الإسراء سورة الكهف من المحاور الرّئيسة العواصم من الفتن، وفي سورة الإسراء ذكر الله عزّ وجلّ القرآن والحديث عن القرآن هو أكبر عاصم من الفتن؛ ولهذا جاء في فضلِ سورةِ الكهف في حديث أبي الدّرداء رضي الله عنه أنّ مَن قرأ أو مَن حفظ عشر آيات من أوائل سورة الكهف عُصِمَ من الدّجّال. وفي رواية من أواخر سورة الكهف، فهي تعصم من الدّجّال فكيف بالقرآنِ كُلِّهِ والحديث الّذي دار عنه في سورة الإسراء؟!.
د:عبد الرحمن: جميل، هذا ارتباطٌ دقيق جدّاً وواضح فعلاً أضِف إلى ذلك أنّه كما ذكرت في حديث ابن مسعود أنّه من أوائل ما نزل على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وأنّه رَتَّبَها على النّحو الّذي رُتِّبَت عليه في المصحف.
سؤال عن الآية رقم 7 من سورة الإسراء يا دكتور عيسى، وهي قوله سبحانه وتعالى في أوّلِ السّورة {إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ} فيسأل عن المقصود بوعد الآخرة ويبدو أنّك تحدّثت عنها قبل قليل.
د:عيسى: يعني المقصود بها والله أعلم هناك مَن يرى أنَّ الآخرة ليس الآخرة الآخرة هنا المقصود به الوعد الثاني؛ لأنّ هنالك وعدان لبني إسرائيل في إنزال العذاب بهم والله أعلم.
د:عبد الرحمن: الأخ وليد من الأردن سأل عن الآية 25 من سورة الإسراء وهي قوله سبحانه وتعالى: {رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا {25}} يعني جاء بها بعد الحديث عن آيات البر {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} {23} وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ} ثمّ قال {رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ}
د:عيسى: هذا واضح في أنّه مَن يكون يريد لنفسه الصّلاح فالله عز وجل يغفر له {رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا} والأوّاب هذه صيغة مبالغة الّذي يكثر من الأوبة والرّجوع لله عزّ وجلّ الأواب كثير الرّجوع إلى الله عزّ وجلّ.
د:عبد الرحمن: يلفت نظري يا دكتور وتنبيه للإخوة المشاهدين في قوله {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ} وقضى بمعنى حَكَمَ وألْزَمَ، ثمّ قال {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} ثمّ ذكر معاً {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ} يعني إذا بلغ أحدُ الوالدينِ سنّاً كبيرةً عندك أحدهما أو كلاهما إمّا الأب أو الأُمّ أو كلاهما {فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا {23} النّهي هنا عن قول (أُفّ) يستشهد به العلماء ويحتجّون قياس الأوْلى من باب أوْلى يعني إذا كان قد نهى عن أدنى درجات الإساءة وهي أن تقول لهما (أفّ) فمن بابِ أوْلى ما فوقها، لكن قد يستشكل بعضهم يقول: هل هذا مقصورٌ على إذا بلغ الوالدين أحدهما أو كلاهما كبر بمعنى أنّه يجوز لي أن أتأفف بالوالدين وهما شباب وهما في سنِّ الشّباب؟
د:عيسى: هذا المفهوم غير وارد؛ لكن لأنّه هذا غالباً يحصل في حال الكِبَر وهذا نلاحظه في الحياة العاميّة كبر الوالد أو الوالدة، كِبَر السِنِّ يستدعي من الولد من الابن أو البنت الصبر والاحتساب، بل تذَكُّر العكس تذكُّر الحال السّابقة حينما كان هو صغيراً ويصبروا عليه، وإلاّ قد يصبر بعضنا على والديه رجاء موتهما كما يُقال في الأمثال، وهما بالعكس يصبران عليك رجاء حياتك، نسأل الله أن يغفر لنا تقصيرنا في حقّ والدينا.
د:عبد الرحمن: أذكر رحم الله الشيخ الطّنطاوي في مقالةٍ جميلةٍ له قال: مَن كان يظنُّ أنّه يحبّ أباه وأُمَّه كما يحبّه أبوه وأمّه فهو كاذب.
د:عيسى: صحيح.
د:عبد الرحمن: الأب والأُمّ يحبّان الولد أكثر من محبّة الولد للابن ولذلك أُمِرَ ببرِّهما ولم يُؤْمَرا بالعنايةِ به.
الأخ نايف سأل ثلاثة أسئلة أما السؤال الأول فقد أجبت عنه وهو {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء} وقلت أنّ (من) هنا بيانية ليست تبعيضيّة.
د:عيسى: ربما يصح أن تكون تبعيضيّة والله أعلم في أنّ هنالك بعض الآيات والسور كما يعرف الأخ نايف والإخوة المشاهدون في علاج بعض الأمراض في قضية العين وفي السحر خاصّةً ورد فيها آثار أو ورد فيها عن آثار السلف.
د:عبد الرحمن: سأل عن قوله تعالى {كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا {97}} يقول كيف يستقيم هذا وهو يقول الله سبحانه وتعالى في سورة الزخرف {لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ} فيقول ما معنى خبت هنا؟ وخبت معناها ضَعُفَت.
د:عيسى: {كُلَّمَا خَبَتْ} يعني كلّما خبت في ظنّهم هم والله أعلم؛ لأنّ الله عزّ وجلّ قد ذكر في الآية الأخرى {لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ {75}} وفي آيةِ سورة النِّساء {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا} (56)} فهو عذابٌ متجدد والعياذ بالله نسأل الله عزّ وجلّ أن يقينا وإياكم.
د:عبد الرحمن: سأل سؤالاً في الاستفزاز في سورة الإسراء قال {وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ} {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ} فتكرّرت كلمة الاستفزاز في السورة فيقول هل لها علاقة بوقت نزولها أو بالظروف الّتي نزلت فيها؟
د:عيسى: الحقيقة هو سأل وأجاب الأخ نايف هذه اللفظة فعلاً تجعل الإنسان يعيش الجو الّذي نزلت فيه السورة وهو مرحلة تحدّي، ومرحلة استفزاز المشركين للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ولهذا جاءت هذه الآية لتُثَبِّت فؤاده صلّى الله عليه وسلّم، بل وعده الله عزّ وجلّ قال {وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً {73}} الأولى وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً {74}} فجو السورة هو فعلاً جو استفزازي ولهذا هذه الألفاظ الدقيقة التي أشار إليها الأخ نايف وهي إشارة طالب علم فعلاً تعيش بنا في جو السورة.
د:عبد الرحمن: وأيْضاً ألفاظ السورة يا دكتور عيسى لو تأمَّلَها المتأمِّل وأسلوبها حتى وذكر هو قال لم ترد إلا في هذه السورة، بل إنَّ لكلِّ سورةٍ من سور القرآن الكريم شخصيّتها الواضحة يعني مثلاً لو تتأمّل سورة الإسراء فيها هذا العنف في الرّدّ على هؤلاء المشركين الّذين كَذَّبوا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وسخِروا منه واستهزَأوا به عندما ذكر لهم هذه الحادثة العظيمة. ثمّ أنّك لو تأمّلت هذه الحادثة العظيمة، وهي حادثة الإسراء لوجدت أنّها كانت فاصلة في تاريخ الإسلام، فالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قد أُسْرِيَ به وكان بعد وفاةِ زوجته، كان في حالةٍ من الانكسار عليه الصّلاةُ والسّلام، فجاءت حادثةُ الإسراء؛ لتُقَوّيه عليه الصّلاة والسّلام، ثمّ فُرِضَت فيها هذه الصلاة، الصلوات الخمس فُرِضَت فيها خمسين ثمّ خُفِّفَت إلى خمس ببركة استشارة موسى عليه السّلام ثمّ لمّا رجع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وكذّبته قريش فنزلت هذه السّورة للرّدّ وتثبيت قلب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فهذه تُلاحَظ.
د:عيسى: أيْضاً أخي الكريم حتى في الآيات الّتي ذكر الله عزّ وجلّ عنها فيها تعنّت المشركين أو قال هناك حتى تفجر لنا من الارض ينبوعاً أو تُسقِط السّماء أو يكون لك بيتٌ من زخرف، الله عزّ وجلّ ردّ عليهم ردّاً قويّاً {قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً {93}} هذه ليست من مهمّة الرّسول صلّى الله عليه وسلّم ليس باستطاعته أن يأتي بمثل هذه الأشياء، ويكفي أنّه جاء في الآية الّتي سبقها {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا {88}}. هناك ملمح لطيف في قوله سبحانه وتعالى {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ}
د:عبد الرحمن: لعلّنا نختم به فالوقت قد انتهى.
د:عيسى: هنا ذكر الله عزّ وجلّ صرّفنا للنّاس، وفي الآيات في سورة الكهف لم يذكر كلمة النّاس، قال العلماء أنّ هنا في تحدّي، والتّحدّي موجَّه للنّاس مباشرةً فناسب أن يأتِيَ بهذا اللّفظ؛ لِيُؤكِّدَ التّحدّي في القرآن الكريم.
د:عبد الرحمن: فتح الله عليك يا دكتور عيسى. في نهاية هذا اللّقاء أيّها الإخوة المشاهدون أشكر الله سبحانه وتعالى الّذي هيَّأ ويسَّر، وأشكر باسمكم ضيفنا في هذا اللّقاء فضيلة الشيخ الدّكتور عيسى بن علي الدريبي، الأستاذ المشارك بجامعة الملك سعود، والمتخصّص في الدّراسات القرآنيّة، والمدير العام في مكتب الهيئة العلمية في تحفيظ القرآن الكريم بمدينة الرياض، شكر الله لكم يا دكتور عيسى.
د:عيسى: شكر الله لنا ولكم وأسأل الله أن يغفر لنا وأن يوفقنا وإياكم والإخوة المشاهدين وأن يتقبّل منّا ومنكم.
د:عبد الرحمن: اللهمّ آمين، وأشكركم أنتم، وأستودعكم الله على أمل اللّقاء بكم غداً إن شاء الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.