التفسير المباشر
الحلقة السادسة عشرة
16-9-1429هـ
د:عبد الرحمن: بسم الله الرّحمن الرّحيم الحمدُ للهِ رَبِّ العالَمين، وصلّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ على سيِّدِنا ونبيِّنا محمّد وعلى آلِهِ وصحبه أجمعين. الحمد لله الّذي بنعمته تتمُّ الصّالحات، وببركةِ عوْنِهِ وتوفيقه تتكاملُ الأعمالُ والحسنات، فله الحمدُ واجباً، ولهُ الدّينُ واصِباً.
اليوم أيُّها الإخوةُ المشاهدون هو اليوم السّادس عشر من أيّامِ شهر رمضان المبارك من عام تسعةٍ وعشرين وأربعِ مِئةٍ وألف، وحديثُنا هذا اليوم بإذن الله تعالى سيكونُ حولَ الجزءِ السّادس عشر من أجزءِ القرآنِ الكريم، ويبدأ من الآية الخامسة والسّبعين من سورة الكهف مع سورةِ مريم حتى نهاية سورة طه.
قبل أن أعرِضَ الموضوعات الّتي تناوَلَها هذا الجزء أُريد أن أُذَكِّرَكم أيُّها الإخوة المشاهدون بأرقام الهواتف الّتي يمكنكم أن تتواصلوا عن طريقها من داخل السعودية ( 012085444 ) أو ( 014459666 ) ورقم الهاتف الجوال لِمَن أراد أن يُراسلنا بأسئلة واستدراكاتنا ونحوها ( 0532277111 ) .
أبرزُ الموضوعات الّتي تناولَها الجزء السّادس عشر:
- نهاية قصّة موسى عليه الصّلاةُ والسّلام مع الخضر وما فيها من العِبَر.
- ثمّ قصّة المَلِك الصّالح ذي القرنين.
- ثمّ خُتِمَت السّورة بالحديث عن يوم القيامةِ وأحوال الكافرين والمؤمنين في الآخرة.
أمّا سورةُ مريم:
- فتدور حول رحمةِ الله لخلقه.
- ومسائلِ التوحيدِ والإيمانِ بوجودِ اللهِ تعالى ووحدانيَّتِهِ، وبيانِ منهج المُهتَدين، ومنهج الضّالّين.
وأمّا سورةُ طه فقد تناولت موضوعَ:
- توحيدِ الله والنُّبَوّة والبعث والنّشور.
- وتنزيل الكتب السَّماويّة على الأنبياء عليهم الصّلاةُ والسّلام.
هذه هي أبرز الموضوعات الّتي تناولتها سوَرُ هذا الجزء وهي طه، ومريم، وجزءٌ من سورة الكهف.
يسعدني في بدايةِ هذا اللّقاء القرآني الّذي أسألُ الله سبحانه وتعالى أن يجعلَهُ خالِصاً لوجهه، وأن يجعلَهُ عَوْناً على فَهْمِ كتابه، يسعدُني أن أُرَحِّب بأخي الكريم ضيف هذا اللّقاء فضيلة الشيخ الدّكتور إبراهيم بن صالح الحميضي، الأستاذ المساعد بجامعة القصيم، والمُتَخَصِّص بالدّراسات القرآنيّة، وعضو مجلس إدارة الجمعيّة العلميّة السّعوديّة للقرآن الكريم وعلومه، فحيّاكَ الله يا أبا سلمان في هذا اللّقاء.
د:إبراهيم: الله يحيّيكم ويبارك فيكم، وأشكر لكم هذه الاستضافة، وأشكر لقناة دليل اهتمامَها بـتفسير القرآن الكريم في هذا الشّهر شهر القرآن.
د:عبد الرحمن: بارك الله فيك يا دكتور إبراهيم وحياك الله. وأستأذنك في أن أُنَبِّه في لقاء الأمس وردَنا سؤال من أحد المتّصِلين وهو الأخ عبد الله فيما أذكر سأَلَنا عن لَفْتةٍ بلاغيّة في الحقيقة في قوله سبحانه وتعالى في قصّةِ موسى عليه الصّلاةُ والسّلام مع الخَضِر، وهي قوله عندما رَكِبَ السّفينة، وعندما بدأ يُبَيِّن لموسى عليه الصّلاةُ والسّلام أسرار تلك التصَرُّفات الّتي استغربها موسى عليه الصّلاةُ والسّلام فقال عندما بيّن له أمرَ السّفينة قال: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا}، {وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا {80} فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا {81} وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ} المفسِّرون يا دكتور إبراهيم دائماً يقولون {فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا} نسب العيب إلى نفسه، ولم ينسبُهُ إلى الله سبحانه وتعالى هو الّذي أمره به؛ تَأَدُّباً مع الله سبحانه وتعالى بأن لا ينسِبَ إليهِ العَيْب والإفساد في ظاهره.
د:إبراهيم: وإن كان الله الّذي أمر به.
د:عبد الرحمن: وهو الّذي أمر الله به سبحانه وتعالى لكن هذا تأَدُّب في الخطاب مع الله. وأمّا قوله: {فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا} في قضيّة بناء الجدار، فهذه أيْضاً في أنّه نسب هذا الفعل في أنّه فعلُ بِرٍّ ظاهر إلى الله سبحانه وتعالى؛ كما أنَّ الإحاطة بنشأةِ هذَيْنِ الغُلامَيْن، وأن يحصُلَا على الكنز أمراً ليس في يدِ الخَضِر، وإنَّما هو بيدِ الله سبحانه وتعالى الّذي هو أعلمُ بهما. لكن السُّؤال كان: لماذا عبّر الله فقال هنا {فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا} {فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا} قال: لماذا عبَّرَ بنون الدّالّة على الفاعلين وهو مُفرد؟ والأخ استعجلَنا في الحقيقة في الجواب، فأنا بادَرْتُ -وأنا وقعتُ الحقيقة في خطأ، وأُنَبِّهُ دائماً عليه ووقعتُ فيما أُنَبِّهُ عليه- لأنَّ الحديث عن كتابِ الله سبحانه وتعالى ليس بالعجلة، والعجلة ليس لها موضع في مثلِ هذه الأجوبة، ولكن الّذي يُخَفِّف الأمر هو أنَّ مثل هذه اللّطائف البلاغيّة هي اجتهاديّة، ولا يستطيع أحدٌ من المفسِّرين أن يجزم بأنَّ ما ذهب إليه من هذا التوجيه البلاغي، أو الاستنباط أنّه هو الصّحيح الّذي لا يصِحُّ غيره، وإنّما هي اجتهادات؛ حتى القول في قوله {فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا} {فَأَرَادَ رَبُّكَ} أنها من أجل هذه العِلَّة أيْضاً قد يُخالَف فيها، لكن.
د:إبراهيم: وهم يشيرون إلى ذلك.
د:عبد الرحمن: بالضّبط؛ لأنّ هذه استنباطات يختلف فيها وجهات النّظر وهي مجال للتّدَبُّر، فأنا قلت للأخ {فَأَرَدْنَا} {فَخَشِينَا} كأنّه يُشيرُ إلى نفسه الذي هو الخضر ويشيرُ إلى مَن أمره بذلك، فجاءنا أحد الإخوة الفضلاء – حفظه الله – اسمه عتيق وأنا أشكره أنه استدرك الجواب قال: يا شيخ عبد الرّحمن أنت قلت {فَخَشِينَا} له ولمن أمره، فالله سبحانه وتعالى لا تُنْسَبُ إليه الخشية، مع العجلة ما فصّلنا في الموضوع، وأنا أُريد أن أقول: {فَخَشِينَا} هذه الآية ليست على بابِها؛ لأنَّ الخشية تأتي بمعنى العلم، والخشية تأتي بمعنى الإشفاق والرّحمة، وذكر أبو عُبَيْدة معنًى قال: {فَخَشِينَا} في هذا الموضع بمعنى كرِهنا، فعلى هذا يصِحُّ هذا التّوجيه الّذي ذكرتُهُ. وابن عاشور يقول: أنّها {فَخَشِينَا} {فَأَرَدْنَا} للإشارة إلى أنّهُ -أو عفواً الرّازي- قال: إشارةٌ إلى نفسه، وقد أشار إليها بالتّعظيم للإشارةِ إلى أنّه ما أتى بهذا الفعل وهو القتل إلاّ عن علم، وعن معرفة، وعن وحيٍ أوحاه الله إليه.
وعلى كُلِّ حال الّذي استفدْتُهُ من مثلِ هذا الموقف أنّني أُحِبّ أن أشْكُر الإخوة المشاهدين الّذينَ يُتابِعون عبر هذه الشّاشة، وأن أُؤكِّد يا دكتور إبراهيم دائماً والإخوة الزملاء والّذين هم أعلمُ منّا بما نتكلَّم عنه وراء الشّاشة، أشكرهم وأطلبُ منهم إذا سمعوا ما يُخالف أو ما يُسْتَدْرَك عليه، أو ممكن أن يُثري الموضوع أكثر فيمكنهم التّواصل معنا عبرَ الهاتف، أو رسالة عبرَ الهاتف الجوّال، ونحن أسعد ما نكون بالرّجوعِ إلى الصّواب والحقّ، فنحن ما تَصَدَّيْنا لهذا؛ لأنّنا بكلِّ شيْءٍ عالِمين، وإنَّما نحن نتدارس ونتناقش في مثل هذه القضايا، خاصّةً في مثلِ هذه القضايا الاجتهاديّة الّتي تتَّسِع فيها وِجْهات النّظر.
اليوم معنا يا دكتور إبراهيم قصة الملِك الصّالح ذي القرنين في نهاية سورة الكهف، ومعنا سورة مريم ومعنا سورة طه. أريد يا دكتور إبراهيم في بداية هذا اللّقاء كمدخل أن نتحدّث عن موضوع سورة مريم، وموضوع سورة طه، وكيف نربط هذه السّور مع بعضِها مع الكهف؛ كمدخل لهذا اللّقاء.
د:إبراهيم: بسم الله الرّحمن الرّحيم، الحمدُ للهِ رَبِّ العالَمين، وصلّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمَّد وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعين، أمّا بعد. بداية الجزء السّادس عشر هو إكمال لِقِصّة موسى والخَضِر، وهنا نُنَبِّه الإخوة المشاهدين إلى أنّ تقسيم أجزاء القرآن لم يُبْنَ على المعاني، وإنَّما هو مَبْنِيٌّ على عَدّ الحروف والكلمات؛ ولذلك ينبغي للدّارس للقرآن الكريم أو الحافظ أو المتعلِّم، أن لا يتقيَّد بهذه الأجزاء والأحزاب، وإنَّما يُراعي المعاني، فإذا كان نهاية الجزء مرتبِطاً بأوَّلِ الجزء الّذي بعده يُكمِل وهكذا، يعني لا يقف سواءً في القراءة أو في المدارسة على نهاية الجزء إذا كان مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بما بعده.
في نهاية هذه السّورة الكريمة المكيّة ذكر الله عزّ وجلّ قصّة الملِك الصّالح ذو القرنين وهو على الرّاجح أنّه ليس بنبيّ، وإنَّما هو مَلِكٌ عظيم مَلَكَ الأرض جميعاً، وهو أحد الملوك الأربعة، وأحد المَلِكَيْن المسلِمَيْن الَّذَيْنِ مَلَكا الأَرْضَ جميعاً هو وسليمان عليه السّلام؛ كما في بعض كتب التاريخ. انطلق إلى جهةِ المغرب، ثمّ وجد قوماً، وبيَّن لهم أنَّ مَن آمن وعملَ صالحاً فلهُ جزاءً الحُسْنى، وأنَّ مَن كفر وأعرض فإنَّ له العذاب في الدّنيا والآخرة، ثمّ انطلق إلى مَطْلِع الشّمس ووجدها تطلُعُ على قوْمٍ ليس لهم سترٌ يُكِنُّهم منها، ثمّ وجد قوماً استغاثوا به أن يجعل بينهم وبين يأجوج ومأجوج فهم أُمَّةٌ عظيمة من بني آدم سدّاً يحجزهم عنهم لكي لا يُؤذوهم ويفسدوا في الأرض؛ فاستجاب وبنى هذا السّدّ العظيم.
في نهاية السّورة ذكر الله عزّ وجلّ بعض مشاهد القيامة، ثمّ بيَّن مظهراً من مظاهر عظمته العظيمة سبحانه وتعالى يقول {قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ} لو كان ماءُ البحر والبحار جميعاً حِبْراً، ثمّ كُتِبَت به كلماتُ الله عزّ وجلّ لَنَفِدَت هذه البحار ولو جئنا بمثلها مَدداً؛ كما قال الله تعالى في سورة لقمان {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ {27}}.
سورة مريم سُمِّيَت بــ مريم عليها السّلام؛ لأنّها ذُكِرَت فيها هذ القصّة العجيبة، وهي وِلادة مريم عليها السّلام لـــعيسى من غيرِ أبٍ، وهي من القصص العجيبة. وهذه السّور المكيّة يذكر الله عزّ وجلّ فيها قصص الأنبياء؛ تسليةً للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ويُؤكِّد جوانب العقيدة، والإيمان بالبعث وقُدرة الله عزّ وجلّ. وتُلاحظ يا دكتور أنَّ القرآن المكّي أو السّور المكيّة هي أكثر بكثير من السّور المدنيّة من حيث العدد ومن حيث المقدار أيْضاً، وهذا يُنَبِّهُنا ويُنَبِّه الدُّعاة إلى الله عزّ وجلّ إلى أمرٍ مهمّ وهو الاعتناء بقضايا العقيدة والإيمان؛ لأنّه إذا صحّ الإيمان وصحّت العقيدة صحَّت الفروع والسّلوك والأحكام، والعكسُ بالعكس.
ذكر الله عزّ وجلّ في بدايةِ سورة مريم من المثاني قصّة زكَرِيّا عليه السّلام وأنّه استغاث الله عزّ وجلّ وطلب أن يهبَ له غلاماً زكِيّا، ثمّ أيْضاً دعا مُتَذَلِّلاً مُتَخَشِّعاً بصوتٍ خاشِعٍ خَفِيٍّ مُتَذَلِّلاً لله عزّ وجلّ أن يهَبَ له غلاماً زكِيّاً يرِثُ منه النُّبُوَّةَ والعلم وليس المراد المال لأن الأنبياء لا يورَثون، فاستجاب الله عزّ وجلّ دعاء مع العلم أنّ هناك مانعين من الولادة في ذلك الوقت: أولاً أنّ امرأته كانت عاقراً عقيماً، ثمّ هو أيْضاً بلغ من الكِبَرِ عِتِيّاً، ولكنّ الله عزّ وجلّ أجاب دعاءَهُ، وذلك لأنّ هذا الأمر هيِّن على الله عزّ وجلّ. هيِّنٌ على الله لأنّه إذا أراد شيْءً قال له {كُن فَيَكُونُ}، ثمّ بعد ذلك رزقه الله عزّ وجلّ يحيى عليه السّلام وجعله نَبِيّاً.
ذكر الله عزّ وجلّ بعد ذلك قصّة مريم العجيبة الّتي ثنّاها الله عزّ وجلّ في مواضع من القرآن الكريم، وأنَّهُ أرسلَ إليها بشراً وهو جبريل عليه السّلام، فنفخ في جيبِ دِرعِها، فحملت، فولدت عيسى عليه السلام من غير أبٍ وهذا من العجائب.
د:عبد الرحمن: وأذكر يا دكتور إبراهيم أنّ هذه السّورة من أوَّل ما نزل على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بدلالة قصّة المهاجرين للحبشة، أنَّهُ لمّا جاء عمرو بن العاص، ومعه رجل من قريش يُريدون أن يسترجعوا المهاجرين من الحبشة، فكان جعفر بن أبي طالب هناك والمهاجرين، وناداهم النّجاشي، وقال: ماذا تقولون في عيسى ابنُ مريم؟ لأنّه وَشَواْ به. فقالوا: ما نقول فيه إلاّ ما قال الله، ثمّ تلا عليه سورة مريم، فبكى النّجاشي وقال: ما زاد وما نقص على ما في التّوراة. قبل أن ندخل على سورة طه يا دكتور إبراهيم نأخذ الأخ عبد الله من السّعودِيّة تفضل يا أخ عبد الله
عبد الله: السلام عليكم.
د:عبد الرحمن: عليكم السّلام.
عبد الله: أشكر لكم هذا البرنامج.
د:عبد الرحمن: حياك الله.
عبد الله: عندي ثلاثة أسئلة لو سمحت.
د:عبد الرحمن: تفضل.
عبد الله: بالنسبة لآخر سورة مريم آية 84 و 85 وآخر السِّياق في آية 95 أريد تفسير هذه الآيات والفرق بينهم؟ بالنّسبة لسورة طه مَن هو السّامِرِيّ؟ ومن هم أُولي النُّهى؟
د:عبد الرحمن: معنا الأخ أبو شهد من السعودية تفضل.
أبو شهد: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
د:عبد الرحمن: وعليكم السّلام ورحمة الله وبركاته.
أبو شهد: حيّاكم الله وتقبّل الله الشّهر منّا ومنكم إن شاء الله صالح الأعمال.
د:عبد الرحمن: الله يرضى عليك، تفضل.
أبو شهد: الله يحفظك. يا شيخ عندي سؤال: الأنبياء ذُكِروا في آيات كثيرة لا يأتي لهم أبناء إلاّ بعد عمر طويل يعني إبراهيم عليه السلام أتاه {أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَن مَّسَّنِيَ الْكِبَرُ}[الحجر:54] وزكرِيّا أيْضاً، هل في سبب معيّن يعني؟ جزاكم الله خيراً.
د:عبد الرحمن: أحسنت هذه لفتة ممتازة جدّاً. هل ترى يا دكتور إبراهيم أن نُلْقي الضّوء على سورة طه قبل أن يدركنا الوقت ثمّ نكمل الأسئلة إن شئت.
د:إبراهيم: نعم.
د:عبد الرحمن: يعني الآن موضوع سورة مريم يا دكتور {كهيعص {1} ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا {2}} ثمّ تلاحظ أنّ كلّ القصص الّتي جاءت بعدها تظهر فيها هذه الرّحمة.
د:إبراهيم: بِلا شّك تكرَّرت كلمة الرّحمة عِدَّة مرّات في هذه السّورة، وأيْضاً لطف الله عزّ وجلّ بعبده زكَرِيّا، ثمّ بــمريم عليها السلام، ثمّ بـإبراهيم عليه السّلام الّتي ذُكِرَت قصَّتُهُ في هذه وتودّده إلى أبيه، ودعوته بالّلين، ولكن ذلك الأب قابل هذا اللّين بغاية القسوة والشِّدّة فقال {لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا {46}} أيْضاً في نهاية السّورة {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا {96}} يعني سيكتب الله عزّ وجلّ لهم المحبّة والودّ في قلوب النّاس وإن لم يعرفوهم، وهذه من الفضائل المعجّلة في الدّنيا.
د:عبد الرحمن: هذه من سورة مريم بالنّسبة لموضوعها، يعني يمكننا أن نقول أنَّ سورة مريم تتحدّثُ عن رحمةِ الله سبحانه وتعالى بخلقه.
د:إبراهيم: لا شكّ هذا من المقاصد الكبيرة في هذه السّورة.
د:عبد الرحمن: وسورة طه برأيك؟.
د:إبراهيم: سورة طه أيْضاً من السّور المكيّة الّتي تخاطب في الغالب قوماً مشركين معرضين كافرين بالبعث، الله عزّ وجلّ بدأ بالحروف المقطّعة، طه ليس صحيحاً أنَّ هذا اسم من أسماءِ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أو من أسماء الله؛ كما في بعض الأقوال. ثمّ قال عزّ وجلّ {مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى {2} إِلَّا تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى {3} تَنزِيلًا مِّمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى {4} الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى {5} لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى {6} وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى {7} اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى {8}} انظر روعة المقاطع وجزالتها وعذوبتها وحلاوتها، وكأنّها نزلت السّاعة، تَهُزُّ القلوبَ هَزّاً وتزلزِلُ الجِبال.
د:عبد الرحمن: أليست هذه السّورة هي سبب إسلام عمر بن الخطّاب رضي الله عنه؟
د:إبراهيم: بلى ورد أنّها كانت سبب إسلامِهِ، وعموماً هذا القرآن العظيم كان سبباً لِإسلامِ الكثيرين من العربِ والعجم، وإنَّك لتعجب من قومٍ اشتغلوا بالإعجاز العددي وعدّ الحروف والكلمات وغير ذلك من أنواع الإعجاز الحادثة، وغفلوا عن هذا الإعجاز العظيم، الإعجاز البلاغي اللُّغَوي الّذي هو لُبُّ الإعجاز القرآني.
ذكر الله عزّ وجلّ قصة موسى بتفاصيل كثيرة في هذه السّورة ولذلك سمّيَت سورة موسى، لأنَّ الله عزّ وجلّ فسّر وفصّل هذه القصّة في هذه السّورة أكثَرَ من غيرِها.
د:عبد الرحمن: {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى {9}}
د:إبراهيم: نعم، ذكرها بالتّفاصيل وكيف دعا فرعون، وكيف هرب منه، ثمّ مكّن الله له وأغرق فرعون، هذه القصّة العجيبة وهي تسلية للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، الّذي كان بحاجةٍ في العهد المكّي إلى مثل هذه القصص، وكذلك غيره من المؤمنين المستضعفين.
د:عبد الرحمن: إذاً هذا بصفةٍ عامّة يمكن أن نقول مثلاً عن سورة طه يعني عندما بدأت {طه {1} مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى {2}} ثمّ بدأت في ذكر الأنبياء عليهم الصّلاةُ والسّلام وما أُنْزِلَ عليهم من الكتب موسى وغيره من الأنبياء. هل يمكن أن نقول يا دكتور إبراهيم أنّها تتحدّث عن نزول الكتب السّماويّة على الأنبياء عليهم الصّلاةُ والسّلام وما فيها من العِبَر.
د:إبراهيم: هو ذكر الله عزّ وجلّ فيها قصّة موسى وكذلك قصّة آدم في نهايتها، لا شكّ أنّه فيها دلالة على تأييد الله عزّ وجلّ لأنبيائه بالمعجزات، ومنها الكتب السَّماويّة؛ كذلك عاقبة المُكَذِّبين بالرُّسل.
د:عبد الرحمن: هنا سؤال يا دكتور إبراهيم وردنا عن ما يتعلَّق بسورة الكهف في قصَّةِ ذي القرنين يقول: ما معنى قوله: {فَأَتْبَعَ سَبَبًا {85}، {فَأَتْبَعَ سَبَبًا} وما سِرُّ تكرارِ هذه الآية؟.
د:إبراهيم: يعني اتّخذ طريقاً آخر؛ نظراً لأنّ الله أعطاه من القُوَّة والعُدَّة والعتاد فانطلق آخر طريقاً إلى المشرق والمغرب ثمّ إلى المشرق، ثمّ ذهب إلى يأجوج ومأجوج وبنى هذا السَّدّ، فهو مَلِكٌ عظيم، يتجوّل في البلاد ويتحرّك.
د:عبد الرحمن: هل يمكننا يا دكتور أن نقول {فَأَتْبَعَ سَبَبًا {85}} يعني اتّخذ الأسباب الموصِلة إلى هذه الأماكن -كما تفضّلت – يعني بمعنى أنّه كان يتّخذ لكلِّ موقف إن كان حرباً أو سلماً يأخذ له عُدَّته وأسبابه.
د:إبراهيم: القول الأظهر من أقوال المفسِّرين أنّ هذا يعمّ جميع الأسباب لا يصحّ أن نخصّه بسببٍ معيّن، بل هي الطّرق. الأسباب هي الطّرق الموصلة إلى ما يريد.
د:عبد الرحمن: يعني قد يسأل سائل يا دكتور إبراهيم ويقول: الآن أنتم تقولون ذو القرنين هذا مَلِك عظيم ولديه إمكانيّات كبيرة، لماذا عندما طلبوا منه أصحاب السَّدّ هؤلاء الّذين بنى لهم السّدّ، لماذا طلبوا منه أن يبنيَ السَّدّ؟ {فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا {94} قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ } أنا ما أريد منكم شيئاً {فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا {95} آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ} قد يقول قائل: إذا كان هو ليس عنده {فَأَتْبَعَ سَبَبًا} وعنده إمكانيّات لماذا استعان بهؤلاءِ المساكين فأتعبهم وأحضروا له الحديد؟!.
د:إبراهيم: يبدو انه مهما أوتي فأنّه بشّر مهما أوتي من القُوَّة عنده ضعف وعنده نقص، فهو يكمِّل هذا النّقص، لكن يقول أنا أريد وجه الله ولا أُريدُ أُجرَةً على هذا العمل، لكن أُريد إعانتكم وهو محتاج إلى عونهم.
د:عبد الرحمن: وأيْضاً قرأت لبعضهم إضافة لِما تفضّلتَ به وتوسّع له يقول: أنّه لو كان بناه له مجاناً ثمّ أهداه لهم يعني لكانت قيمته أقلّ في نظرهم، لكنّه عندما استخدمهم واشتغلوا فيه معه وأحضروا هذه الحديد وتعبوا فيه تعباً شديداً عَلِموا مقدار الجهد الّذي بُذِل في بناء هذا السّدّ، وهذه لفتة تربويّة إشراكهم في العمل.
هنا سؤال يا دكتور في سورة مريم الّتي نتحدّثُ عنها الآن في الآية الخامسة والسّبعين من السّورة يسأل سائل ويقول: ما معنى قوله سبحانه وتعالى {قُلْ مَن كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّ} ما معنى قوله: {فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّ}؟
د:إبراهيم: نعم، أنّ الله عزّ وجلّ يُمهِل المستمر على الضّلال وعلى الكفر وعلى الفجور المعانِد يمدّ الله عزّ وجلّ بمعنى أنّه يمهله، وهذا الإمهال ليس رحمةً به، وإنّما هذا زيادةً في العذاب عليه؛ لأنّه كُلَّما أملى له ازداد إثماً؛ كما قال الله تعالى {إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا}[آل عمران: 178] فكلّما تأخّر هذا الكافر والفاجر ازداد من المعاصي فزادت عقوبته في الآخرة، وهذا من العقوبات الدّنيوية، أنّ الله عزّ وجلّ يختم على قلب الإنسان هذا المعرض، فلا يعرفُ معروفاً ولا ينكرُ منكراً.
د:عبد الرحمن: هناك يا دكتور قبل أن ننتقل لسؤال آخر معنا الأخ عبد الله من الأردن تفضل يا أخ عبد الله
عبد الله: السلام عليكم.
د:عبد الرحمن: وعليكم السلام ورحمة الله .
عبد الله: حياكم الله يا شيخ دكتور عبد الرحمن.
د:عبد الرحمن: أهلاً يا أبو البراء حياكم الله.
عبد الله: حيّاكم الله كيف أنتم إن شاء الله طيّبين؟
د:عبد الرحمن: أهلاً يا دكتور عبد الله.
عبد الله: بارك الله فيكم، والأخ الأستاذ الفاضل بارك الله فيكم جميعاً، وأشكركم على هذا البرنامج الطّيّب.
د:عبد الرحمن: سعداء بسماع صوتك يا دكتور عبد الله.
عبد الله: أكرمك الله.
د.عبد الله: حقيقة فيما يخصّ موضوع {فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ} الّذي ذكرتم قبل قليل والتوجيه الّذي ذكرتم هو لطيف جدّاً – جزاكم الله خيراً – أقول لعلّه كذلك فيه إشارة إلى أنّ ذي القرنين يريد أن يشرك كلّ واحد من هؤلاء بمكافحة الفساد حتى يكون كلّ واحد من هؤلاء له دور وإسهام مكافحة الفساد الّذي كان موجوداً، فقال {فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا {95}} ولعلّ هذا أحد الأسرار والله أعلم الّذي أشار إليه القرآن في هذا المقام.
د:عبد الرحمن: هل لديك إضافة أخرى يا أبا البراء؟
د.عبد الله: حقيقة سورة الكهف بذاتها محمَّلة بالأسرار والمعاني الكثيرة جدّاً، ولعلّ القصص الخمسة الموجود فيها يعني فيه ما يشترك يعني، ممكن الواحد يتساءل لماذا هذه القصص الخمسة الموجودة في هذه السّورة، تتأمّل أنّها تشترك في جوانب منها: لعلّه باختصار ولا أريد أن آخذ شيْئاً من وقت البرنامج، لكن أقول: سبحان الله! تجد حين التّأمُّل أنَّ كُلَّ قصَّةٍ من هذه القصص تحكي لننا هجرة في جانب معيّن، فقصّة أصحاب الكهف كانت هجرة في الدّين أو في سبيل العقيدة والدّين، وقصّة صاحب الجنّتين حينما هجره واعتزله كانت هجرة يعني للشّهوات وما شابه، وقصّة موسى والعبد الصالح كان هجرة في طلب العلم، وهذه قصة ذي القرنين نجدها قصّة هجرة جهاديّة، ولعلّه باكتمال هذه نجد أنّه تكامل للأُمّة الّتي تُريد أن تنشر هذا الدّين شرقاً وغرباً، ولعلّ ختمُها بقصّة ذي القرنين يحمل لنا هذه الأسرار أو المعاني – بارك الله فيك – في هذا المقصد.
د:عبد الرحمن: جزاك الله خيراً يا أستاذ عبد الله.
طبعاً هذا هو الدّكتور عبد الله بن محمّد الجيوسي وله كتاب قيّم جدّاً وهو: “التّعبير القرآني والدِّلالة النّفسيّة” أنا أحسب خاصّة سورة مريم مليئة بالدّلالات النّفسيّة من خلال عباراتها. شكر الله لكم يا أبا البراء.
نعود يا دكتور إبراهيم إلى أسئلة الإخوة. الأخ أبو شهد أشار إشارة جميلة وهي مناسبة لحديثِنا عن سورة مريم الآن ولفتة تدور في ذهني حقيقة كثيراً. لماذا يذكرُ الله سبحانه وتعالى عن الأنبياء أو يذكر قصصهم وأنّه يبتليهم بأنّه لا يرزقهم بالأولاد إلاّ على كبر؟ بَدْءًا بــإبراهيم عليه الصّلاةُ والسّلام فإنّه رُزِق بـــإسماعيل وعمره 86 سنة، وَرُزِقَ بــإسحاق وعمره 100 سنة. عندك الآن زكرِيّا عليه الصّلاةُ والسّلام أيْضاً ما رُزِقَ بالولد إلاّ على كِبَر، وأظنّ أمثلتهم كثيرة فما هو التّعليل برأيك يعني هذا الابتلاء الّذي يُبتلاه الأنبياء؟
د:إبراهيم: أوَّلاً ليست هذه صفةً غالبةً على الأنبياء أنّهم لا يُرْزَقون الأولاد إلاّ في الكِبَر، الثّابت هو ما حصل لـإبراهيم عليه السّلام، وكذلك زكرِيّا، لكن هناك قاعدة: أنّ الله عزّ وجلّ يبتلي عبادَهُ بِقَدْرِ إيمانهم الأمثل فالأمثل، وأشدُّ النّاسِ بلاءً الأنبياء. والله عزّ وجلّ ابتلى الأنبياء بأنواع من الابتلاء: منها الفقر، ومنها تكذيب الأقوام، ومنها أيْضاً هذا وهو حرمانهم من الأولاد في أوائلِ أعمارهم، وهذا من جملة ما ابتُدِئَ به الأنبياء، وفيه تسلية للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، أنّ غيرك من الأنبياء قد ابْتُلوا بمثلِ ما ابْتُليتَ به كما قال الله تعالى: {مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ}[فصلت:43] ابتلوا أيْضاً بالعقم في أوّلِ حياتهم، ابتلوا بتكذيب الأقوام، بل بعض الرُّسُل عليهم الصّلاةُ والسّلام قُتِل.
د:عبد الرحمن: هنا أسئلة مع موضوع مهم يا دكتور إبراهيم في بداية سورة مريم وهو قضيّة آداب الدّعاء؛ كما في قوله {إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيًّا {3} قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي} إلخ هنا أوَّلاً نريد أن نُفيد الإخوة المشاهدين بآداب الدّعاء من خلال هذا الموقف ل زكريّا عليه الصّلاةُ والسّلام. وأيْضاً يسأل سائل ويقول: ما معنى {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} لماذا عبَّر هنا فقال {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا}؟
د:إبراهيم: نعم، أمّا الدُّعاء فله آداب كثيرة ليس المقصود ذكر آداب الدّعاء، وإنَّما المقصود الإشارة إلى أدب من آداب الدُّعاء وهو التَّذَلُّل لله عزّ وجلّ وأيْضاً خفض الصّوت؛ لأنّ الله عزّ وجلّ سميعٌ بصير؛ كما قال الله عزّ وجلّ كما قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ” إنَّكم لا تَدعونَ أَصَمّاً ولا غائباً، إنَّ الّذي تَدْعونَ أقْرَبُ إلى أحَدِكُم من عنق راحلته” فالمقصود: أنّ الإنسان إذا أراد أن يلجأ إلى الله وأن يبتهِلَ إليه، أن يُعْظِم الرّغبة، وأن يتَذَلَّل لله عزّ وجلّ ويذكر ضعفَهُ أيْضاً وهوانَه؛ ولذلك ورد في الحديث قصّة الرّجل الأشعث الأغبر الّذي يمدُّ يديه إلى السّماء قال العلماء: هذه من أسباب الإجابة أنّه أشعث وأغبر ومتذلّل لله عزّ وجلّ، لكن وُجِدَت عنده موانع أخرى، أيْضاً ليس هناك داعي لرفع الصّوت والصِّياح والجزع، وإن كان الإنسانُ مُصاباً، وإنَّما يتأدَّبُ مع الله عزّ وجلّ وأنَّ الإنسان كلَّما كان أكثر تَذَلُّلاً وخشيَةً لله كُلَّما خفض صوته ولا سِيَّما إذا كان الإنسان بين النّاس؛ لأنّ رفع الصّوت قد يورث التّكبُّر والرِّياء، وأيْضاً قد يُشَوِّش على النّاس.
{وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} يعني انتشر الشّيبُ في رأسه وكثُر كما تشتعل النّار بالهشيم انتشر، وفي هذا الوقت في الغالب أنَّ الإنسان إذا كبُر أنّه ينقطع نسلُهُ ويتوَقَّف.
د:عبد الرحمن: وكأنّه والله أعلم يا دكتور إبراهيم أنّه فيه إشارة إلى أنّه عمّ رأسهُ كُلَّهُ، اشتعل بمعنى أنّه ما ترك مكاناً إلاّ وقد علاه، وأذكر كلمة أو أبيات جميلة لابن دُرَيْد في نفس هذا المعنى يذكُرُ فيها كِبَرَهُ ويقول:
واشتعلَ المُبْيَضُّ في مُسوَدِّهِ مثل اشتعالِ النّارِ في جَزْلِ الغضا
د:إبراهيم: وأيْضاً هذا من التّذَلُّل لله عزّ وجلّ أني ضعفت واحتجت إلى الولد، وهذا من آداب الدّعاء.
د:عبد الرحمن: وهذا تذَلُّل لله سبحانه وتعالى. عندنا الأخت أم عبد الله من الجزائر تفضلي يا أخت أم عبد الله
أم عبد الله: السلام عليكم.
د:عبد الرحمن: عليكم السلام.
أم عبد الله: ممكن سؤال للشيخ؟
د:عبد الرحمن: نعم نعم.
أم عبد الله: أريد منه تفسير الآية الّتي في سورة النّور في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ }[الأحزاب:59] فما المقصود بهذه الآية ؟ الخمار أم العباءة على الرأس؟
د:عبد الرحمن: جيّد، بارك الله فيك يا أخت أم عبد الله. حسناً ستسمعين الجواب إن شاء الله. الأخت نورة من السعودية تفضلي.
نعود يا دكتور إبراهيم إلى هذه الآيات الّتي معنا في أوّل السّورة – كما تفضّلت – في قضيّة {إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيًّا {3}} يقول: هذا أوّل أدب وهو قضيّة خفض الصّوت. وهذه بالمناسبة يا دكتور إبراهيم يعني نحن الآن في رمضان أنا أُلاحظ الحقيقة يعني بعض الإخوان من أئمّة المساجد تجد أنّ الصّوت رتيب في طيلة الصّلاة، ثمّ إذا جاء الدُّعاء تسمع الصِّياح في الحقيقة، يعني ربّما تسمع صياحاً وبكاءً وعَويلاً أحياناً؛ حتى ربّما تخاف أحياناً من بعض، وهذا في رأيي أنَّهُ يُخالف هذا الأدب الرَّبّاني الّذي ذكرَهُ الله في قضيّة خفض الصّوت في الدّعاء، فما توجيهك في مثل هذا؟
د:إبراهيم: لا شكّ الحقيقة الآثار والأحاديث والنّصوص تدلّ على أنّ الدّاعي مُتَذَلّل لله عزّ وجلّ، ومن شأنِ المتذَلِّل أن لا يرفع صوتَه بالصِّياح وفي مجمع من النّاس. ثمّ هذه القضيّة الأُخرى أنَّ الإنسان يخشى على نفسه عندما يكون بين النّاس ويتكلّف البكاء، ويتكلّف الخشوع، وكان السّلف رحمهم الله مع ما آتاهم الله من رِقّة القلب والخشوع إلاّ أنّهم يُدافعونه ما استطاعوا؛ حتى أنّ جليسه الّذي بجانبه لا يعلم أنّه بكى من خشيةِ الله عزّ وجلّ فالإنسان إذا جلس وحده فلا بأس أن يتباكى وأن يتخشّع لكنّه بين النّاس يتكلّف هذا يُخْشى عليه من الرِّياء، ثمّ إنّه ليس أدباً إذا رفع الصّوت رفعاً مزعجاً.
د:عبد الرحمن: يأتي سؤال يا دكتور إبراهيم من أحد الإخوان هنا يسأل عن الآية الخامسة والتّسعين الّذي سألنا عنه الأخ عبد الله قال: في الآية رقم 85 من سورة مريم وهي قوله سبحانه وتعالى: {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا {85}}، وقال في الآية الّتي رقم 95 { وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا {95}} يجد أنَّ سؤاله: لماذا قال عن المتّقين { يَوْمَ نَحْشُرُ المُتَّقينَ إلى الرَّحْمَنِ وَفْداً} وقال عن المجرمين: {وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا {86}} يعني: ما سرّ التّفريق في العبارة؟
د:إبراهيم: الله عزّ وجلّ يُكْرِم المُتَّقين، ويحشرهم كما يحشرُ الوفد، يعني يُكْرَمون كما تُكْرَمُ الوُفود العزيزة الكريمة على الإنسان، وأمّا المجرمين؛ فإنّهم يُحْشَرونَ كما يحشر العطشان الّذي يرد الماء وهو في أشدّ العطش فهم يحشرون عطْاشاً وِرْداً يعني المُراد أنّهم يُحْشَرون عِطاشاً في غاية الذّلّ.
د:عبد الرحمن: وأيْضاً لاحظ يا دكتور كيف يقول: {وَنَسُوقُ} كأنّهم دواب، ثمّ أيْضاً – كما تفضّلت – أنّه يريدون إلى الماء قال وإذا يستغيثون {وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ}[الكهف:29] – والعياذ بالله-. الأخت نورة من السّعوديّة تفضلي يا أخت نورة. تفضلي حياك الله.
نورة: لو سمحت أريد أن أسأل عن آخر سورة البقرة في الآية 284 { لِّلَّهِ ما فِي السَّمَاواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {284}} ما معناها؟
د:عبد الرحمن: لا بأس واضح شكراً لك. هنا في الآية يا شيخ في قوله سبحانه وتعالى في وصفِ الله سبحانه وتعالى بالمكر يا شيخ في قوله: {وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [آل عمران:54] يسأل أحد الإخوان عن سؤال ويقول: ما معنى {وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}؟
د:إبراهيم: نعم، هذه الصّفة يعني ذُكِرَت في القرآن في جانب المقابلة يعني أنَّ الله عزّ وجلّ يمكر بمن يمكر به، فمن احتال على الله عزّ وجلّ في مخالفةِ شرعه أو أذى عباده وأولياءه، فإنّ الله يمكر به ويَرُدّ خديعته ومكرَه، وهذه من الصِّفات الّتي لا تثبت مفردةً لله عزّ وجلّ فلا يُقال إنّ الله ماكر تعالى الله أو يُقال أنّ الله يُخادع، ولا يُقال: أنّ الله يستهزئ، لكنَّها تُثْبَت لله في مقابلة مَن يفعَلُ ذلك، الله عزّ وجلّ يمكرُ بمَن يمكرُ به.
د:عبد الرحمن: تكون صفة كمال في هذه الحالة. ولا يُوصَفُ الله بأنّهُ مكّار.
د:إبراهيم: لا لا يُوصف بذلك تعالى الله؛ كصفة الخداع وصفة الاستهزاء ونحو ذلك.
د:عبد الرحمن: الأخ أبو أحمد من السعوديّة تفضل يا أبو أحمد
أبو أحمد: السلام عليكم ورحمة الله
د:عبد الرحمن: وعليكم السّلام ورحمة الله وبركاته.
أبو أحمد: كيف حالكم شيخ عبد الرّحمن؟
د:عبد الرحمن: الله يحيّيك.
أبو أحمد: حيّاكم الله، حيّا الله الشيخ الفاضل إبراهيم.
د:عبد الرحمن مع د:إبراهيم: الله يحيك.
أبو أحمد: الله يرفع قدرك. يا شيخ عندي سؤال في قول الله سبحانه وتعالى في سورة مريم في الآية رقم 76 {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَّرَدًّا {76}} هنا {وَخَيْرٌ مَّرَدًّا} في مريم في الكهف {وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا {46}} ما الفرق في سياق الآيتين هذه: {وَخَيْرٌ أَمَلًا} وهذه {وَخَيْرٌ مَّرَدًّا}؟.
السّؤال الثّاني: أيْضاً في سورة طه في قوله تعالى: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى {44}} المقابلة هذه بين التّذكُّر والخشية ما الفرق أو ما الحكمة في المقابلة بين الأمرين؟
ونفس السّياق أيْضاً في آخر السّور قوله {لَعَلَّهم} {وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا {113}} فالمقابلة أيْضاً هذه ما حكمتها بين التّقوى أو يُحْدِث لهم ذِكْراً؟
آخر سؤال أيْضاً في آخر سورة طه في قوله تعالى {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا} ما العلاقة بين أمر الأهل بالصّلاة ومسألة الرّزق؟ يعني {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ} قرن بين أمر الأهل بالصّلاة ومسألة الرّزق؟ الله يرفع قدرك.
د:عبد الرحمن: شكراً يا أبا أحمد. معنا الأخ يوسف من السّعودية تفضل يا أخ يوسف.
يوسف: السلام عليكم.
د:عبد الرحمن: وعليكم السّلام ورحمة الله.
يوسف: تفسير آية في سورة الإسراء آية رقم 85.
د:عبد الرحمن: شكراً لك. نعود يا دكتور إلى بعض الأسئلة الّتي يعني ربما لم نتعرَّض لها وهي في سورةِ طه الأخ عبد الله من السّعوديّة سألَنا وقال: مَن هو السّامِرِيّ؟ {فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا} في هذا المقطع تقريباً يسأل مَن هو السّامِرِيّ هذا؟
د:إبراهيم: السّامِريّ هو رجل من قومِ موسى لمّا ذهب موسى عليه السّلام للقاءِ رَبِّهِ قبض قبضةً من أثرِ الرّسول ومن أثر جبريل عليه السّلام لمّا أتى يُعَذِّب فرعون وقومَه، ثمّ أخذ هذه القبضة ورماها في الحُلِيّ، حُلي قوم فرعون الّذي استعاره بنو إسرائيل، ثمّ صنع العجل من هذا الذّهب فكان له خُوار له صوت كما تخور البقرة، فعبدَهُ بنو إسرائيل، هذا المراد بالسّامِرِيّ الّذي ذكر الله قصّته فهو رجل من بني إسرائيل.
د:عبد الرحمن: من قوم موسى. سأل السائل نفسه أيْضاً قال: مَن المقصود بـ أُولي النُّهى؟ ما معنى قوله: أُولي النُّهى؟
د:إبراهيم: أُولو النُّهى: أوُلو العقول.
د:عبد الرحمن: النُّهى هي العقول، وقال {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُوْلِي النُّهَى {54}}، وهذه ملحوظة سبحان الله! في القرآن الكريم {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ}[الزمر:21] {وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ}[البقرة:269] ومثل هذه أُولو النُّهى، للدّلالة لِمَن يستفيد وينتفع بمثل هذه الآيات العظيمة إلاّ أصحاب العقول الرّاجحة.
د:إبراهيم: هناك لفت نظر إن كنتم فعلاً عُقَلاء فاستفيدوا من عقولكم واستدِلّوا بها على صدقِ رُسُلِ الله عزّ وجلّ وعلى وحدانِيَّة الله عزّ وجلّ.
د:عبد الرحمن: فتح الله عليك يا أبا سلْمان. أستأذنُك يا دكتور إبراهيم وأستأذن الإخوة المشاهدين في عرْضِ كتابٍ على أبصارهم لعلّهم يستفيدون منه في فَهمِ القرآن الكريم، ثمّ نعودُ إليكم بعد هذا الفاصل.
****************************
فاصل: التعريف بكتاب
“خصائصُ التّعبير القرآني وسِماتُهُ البلاغِيّة”
مُؤلِّفُهُ هو الأستاذ الدّكتور عبد العظيم بن إبراهيم بن محمَّد المَطْعَني، المتوفّى في شهرِ رجب من هذا العام. وهو رسالته الّتي تقدّم بها لنَيْلِ درجةِ الدّكتوراه من كليّة اللُّغة العربيّة بجامعة الأزهر.
وقد اشتمل الكتابُ على كثيرٍ من أسرار الحذف في القرآن الكريم وخصائصه، وعلى أسرار التّقديمِ في القرآن الكريم وخصائصه، وعلى علمِ البيانِ في القرآن الكريم وموضوعاته، وعلى تحليلٍ بلاغِيٍّ لِنصوصٍ من سورَتَيْ البقرة والأعراف وعلى علم البديعِ في القرآن الكريم، وأهمِّ موضوعاته.
وقد صدر الكتابُ عن مكتبة وهبه بالقاهرة في طبعته الأولى عام ألفٍ وأربعِ مئة وخمسةٍ للهجرة.
******************************
د:عبد الرحمن: مرحباً بكم أيُّها الإخوةُ المشاهدون مرّةً أخرى في برنامجكم التّفسير المباشر الّذي يأتيكم على الهواءِ مباشرةً من قناة دليل الفضائيّة من مدينة الرّياض، وأُكَرِّر التّرحيب بضيفي في هذا اللّقاء فضيلة الشيخ الدّكتور: إبراهيم بن صالح الحميضي، الأستاذ المساعد في جامعة القصيم، والمتخَصِّص في الدّراسات القرآنيّة، وعضو مجلس الإدارة العلميّة السّعوديّة للقرآن الكريم وعلومه، حيّاكم الله يا دكتور إبراهيم مرّةً أخرى.
د:إبراهيم: الله يحيّكم ويبارك فيكم.
د:عبد الرحمن: كما تلاحظ يا دكتور إبراهيم يعني اتِّساع الجزء وضيق الوقت، وكثرة الأسئلة؛ ولذلك نحن نُجيب على أسئلة الإخوة المشاهدين بقدرَ ما نستطيع، ويعني نحاول ترتيبها بحيث أنّها لا تطغى الأسئلة الّتي تخرج عن الموضوع الجزء على الجزء نفسِه.
الأخ أبو شهد سبق أن أجبنا على سؤاله وهناك سؤال وردنا يقول: لماذا وهب الله إبراهيم الأنبياء بعد اعتزالِ قومه؟ وأنت قد نبّهت في قولك أنّه عندما ذكرنا أنّ الأنبياء مُبْتَلَوْنَ بعدم الذُّريّة إلى سنٍّ متأخِّرة؛ كما في هل لديك إضافة في هذا الموضوع؟
د:إبراهيم: ليس لديَّ إضافة، لكن هناك كثير من الأسرار الحقيقة الّتي يغفلها القرآن لعدم الحاجة إليها، وهذه قاعدة يعني بالنّسبة لقصص، بعض النّاس يلجأ إلى الإسرائيليّات؛ لسدّ الخلل الموجود أو النّقص، وهذه التّفاصيل لو كان فيها خير وفائدة تعود على النّاس بأمر ديني ودنيوي لذكره الله عزّ وجلّ كما ذكر ابن تيمية، يعني إن ثبت لنا سرٌّ من الأسرار وزيادة تفاصيل فالحمد لله، وإن لم يثبت فلا نتكلّف البحث.
د:عبد الرحمن: معنا الأخت أمّ عبد الرّزّاق من السعودية تفضلي.
أم عبد الرّزّاق: السلام عليكم ورحمة الله.
د:عبد الرحمن: وعليكم السلام ورحمة الله.
أم عبد الرّزّاق: بارك الله فيكم الله يوفقكم ويسدّدكم. أنا أقترح على هذه القناة وأقترح عليكم أنتم الله يجزاكم خير أن تستمر هذه البرامج بعد رمضان لو كلّ أسبوع درس أو درسين نسمع فيه سورة من السور تفسيرها يكون رائع جدّاً الله يجزاكم خير.
د:عبد الرحمن: شكر الله لك، بإذن الله.
أمّ عبد الرّزّاق: السؤال الأول: بالنّسبة لسورة طه في الآية السّابعة {فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى {7}} الفرق بين السّرّ وأخفى؟
بالنسبة للسؤال الثاني الكتب التي تعرضوها الله يعطيكم العافية يعني بالنّسبة لنا نحن المبتدئين أوّل كتاب أو ثاني كتاب نشتريه وتنصحونا أنّ نتعلّم منه من هذه الكتب التي تعرضوها هنا كلّها؟ واضح؟ الله يجزاكم خير.
د:عبد الرحمن: بارك الله فيك.
الأخ أبو أحمد يا دكتور إبراهيم سألَنا سُؤالَيْنِ بالمناسبة الأخ أبو أحمد جزاه الله خير يعني يسأل دائماً أسئلة دقيقة ونستفيد منها أكثر ممّا نُفيد الحقيقة يقول: في سورةِ مريم يقول الله سبحانه وتعالى {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَّرَدًّا {76}} وقال في سورة الكهف: {وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا {46}} فيقول هل هناك يا تُرى ممكن أن تُتَلَمَّس سرّ في هذا التّفريق؟
د:إبراهيم: هنا يبدو لي أنّه من باب تنويع الأساليب فهي خيرٌ مَرَدّاً، وخَيرٌ أَمَلاً.
د:عبد الرحمن: ولا تعارض بينهما.
د:إبراهيم: ليس هناك تعارض.
د:عبد الرحمن: وفي تصَوُّري يا دكتور إبراهيم أنّه لو دقّق النّظر في السِّياق سياق الّذي وردت فيه، نحن نقول دائماً نحن لا نشكّ أنّ فيها حكمة، وأنَّ كُلَّ كَلِمةٍ في القرآن الكريم لا يصلح غيرُها محلّها، هذا مُسَلَّم عندنا؛ لأنَّ الله سبحانه وتعالى كلامه حقّ ولازمُ الحقِّ حقّ {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ} [فصلت: 42]، ولكن تتفاوتُ الأنْظار في الاستنباط هذه العلل والأسرار البلاغيّة.
أيْضاً في قوله هنا: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى {44}} يقول: لماذا عبّر في قوله يتذكّر أو يخشى هل تكفي إحداهما؟ وقال في آخر سورة طه {لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا {113}} فهل يظهر لك يا دكتور فرق بين قوله يتذكّر أو يخشى؟ برأيك أليس التّذكُّر أو الخشية هي ثمرة التذكُّر؟
د:إبراهيم: نعم، لكن الخشية أحياناً تكون من أمر مرهوب، والتّذكُّر يكون لأمرٍ منسي أو مجهول أو يغفل عنه الإنسان، فالله عزّ وجلّ قد أرسل رُسُلَه بالدّلائل المتنوِّعة ففيها ذكرى، وفيها خشية، وفيها ترغيب، وفيها ترهيب، فهو إن لم يتذكّر يخشى، وإن لم يسمع يرى، وهكذا هذا الظّاهر لي والله أعلم.
د:عبد الرحمن: جزاك الله خيراً. يسأل الأخ أبو أحمد أيْضاً سؤالاً ويقول: ما هي العلاقة بين أمرِ الله سبحانه وتعالى بالصّلاة وقوله: {لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا} عندما قال: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى {132}} يقول: ما العلاقة بين الأمر بالصّلاة وقضيّة الرّزق؟
د:إبراهيم: ما يظهر لي سرّ.
د:عبد الرحمن: هل ممكن أن نقول يا دكتور إبراهيم أنّه عندما يشتغل الإنسان بطلب الرّزق وهذا كثير أنّه قد يضيع الصّلاة في كثير من الأحوال، كثيرٌ منّا الآن يشتغِلُ بعمله ويشتغلُ بأعماله العقارية وبأشغاله فتفوته الصّلاة وهو بين جيئةٍ وذَهاب، فالله سبحانه وتعالى يعني يُشير إلى أنّه المأمورُ به وهو: إقامةُ الصّلاة، وأنَّ أمرَ الرّزقِ قد تكفَّلَ الله به فلا يُلْهِيَنَّكَ أمرُ طَلَبِ الرِّزْقِ عن إقامةِ الصّلاة؛ لذلك أنا أُلاحظ وقد ذكر الدّكتور عيسى الدّريبي في إحدى الجَلَسات إن لم أكن واهِماً في التفسير المباشر، فذكر لي قصّة رجل من الأثرياء لكنّه من أهل القرآن أيْضاً فقال: لا يمكن أبداً أن يبقى في مكتبه أو يعقد صفقة بعد الآذان للصّلاة، فيقول: يوم من الأيّام تأخّر عليه صاحبه هذا الّذي جاء أو وعده أن يُوَقِّعَ معه عقداً لصفقةٍ تجاريّة ضخمة، فأذّن المُؤذِّن، ولم يحضُر الرّجل، فذهب مباشرةً إلى المسجد هذا الرّجل، فجاء الرّجل بعد خمس دقائق أين فلان؟ قالوا: ذهب إلى المسجد وترك الصّفقة، وكأن هذا غضب منه لماذا يترك هذا مبلغ ضخم بالملايين قالوا: فبقي ربما أسبوعاً أو أسبوعين، فجاءه هذا الرّجل، وجاءه بعرضٍ أقلّ، وبربحٍ أكثر مرّةً أخرى، فهذه يبدو لي والله أعلم أنّ هذا نوع من الارتباط في قوله: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} حتى كلمة {وَاصْطَبِرْ} فيها إشارة إلى المحافظة على الصّلاة ما هي بسهلة ليست سهلة وإنّما تحتاج إلى رِباط قال ” فذلكم الرِّباط فذلكم الرِّباط ” {لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ} هذا يظهر لي والله أعلم ما أتوجّه به هل ترى؟
د:إبراهيم: المعنى العام يحتمل هذا.
د:عبد الرحمن: الأخت أم عبد الرّزّاق تسأل سؤالاً معنا في السّورة فتقول: ما الفرق في قوله {فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى {7}} ما هو الّذي أخفى من السّرّ؟
د:إبراهيم: نعم، ذكر بعض المفسّرين أنّ السّر يعني ما أخفاه الإنسان عن النّاس يعني ما بينه وبين نفسه. وأخفى: ما لم يعلمه يعني ما قدّره الله عزّ وجلّ من الأمور ممّا لم يخطر على باله من الأمور المستقبَلة. بعضهم قالوا: هو حديث النّفس الّذي لم يتكلّم به ولم يعزم عليه.
د:عبد الرحمن: وهو أخفى من السّرّ.
د:إبراهيم: أخفى من السّرّ نعم.
د:عبد الرحمن: أيْضاً هي سألت سؤالاً آخر تقول: أنتم تذكرون كتباً نحن بالمناسبة يا دكتور إبراهيم يعني أنا اخترتُ ثلاثين كتاباً في حلقات البرنامج ونوّعتُها، فجعلْتُ منها شيْئاً في تدَبُّر القرآن، وشيئاً في التّفسير، وشيئاً في معاني الكلمات الغريبة، وشيئاً في دفعِ المُشْكِل ودفعِ الموهم في القرآن الكريم، وبعضُها للمبتدئين وبعضها للمتقدِّمين يعني: ذكرتُ من الكتب المتميِّزة للمبتدئين: التّفسير المُيَسَّر، وذكرتُ لهم التّفسير السِّراج في غريب القرآن” للشيخ محمد الخضيري وهذا يصلح للمبتدئين، وذكرتُ “تفسير زاد المسير” يصلح للمتوسّطين “جامع البيان” للطبري ذكرتُهُ لمتقدّمين، ذكرت أيْضاً كتاب “مَلاك التأويل” لأبي الزّبير الغرناطي وهذا الكتاب يصلح في دفع المُشكل والموهِم في القرآن الكريم وهو رائع جدّاً؛ كما ذكرت كتاب “المعين على تدَبُّر الكتاب المبين” للشيخ مجدي مكّي، وهذا كتاب قيّم في حديث الصّدور وفيه نفع، والحقيقة الحديث عن الكتب الّتي تصلح للمبتدئين هذا حديثٌ يطول.
د:إبراهيم: وأيْضاً المشاهدون ليسوا على درجةٍ واحدة، فما يُجاب به فلان يختلف عمّا يُجاب به فلان، ولكن الإنسان يتدرّج، ويمكن للأخت السّائلة أن تسأل بعد أن يعرف المُجيب يعني مستواها العلمي يدلُّها على الكتاب المناسب.
د:عبد الرحمن: لدينا سؤال هنا الّذي سأله الأخ يوسف وهو السّؤال في الآية 85 من سورة الإسراء وهي قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} [الإسراء:85] يقول ما معنى الآية؟
د:إبراهيم: يعني الكلام عن الرّوح كلامٌ طويل جدّاً، ومسألة شائكة للمتقدّمين والمتأخِّرين، وهل الرّوح هي النّفس، أو غير ذلك؟ فالمعنى العام: انّ هذه الرّوح وحقيقة الرّوح هذه من الأمور الخفيّة الّتي لا يُدرِكُها الإنسان نعم، نفس الإنسان الّتي بها حياته هذه معروفة، لكن الحقيقة وممّا تتكوّن الرّوح وكيف تخرج من البدن، ثمّ يموت الإنسان، ثمّ تعود إليه، هذه من الأمور الّتي أخفاها الله عزّ وجلّ.
د:عبد الرحمن: وأيْضاً يلفت نظري يا دكتور وهذا توجيه لنا وللإخوةِ المشاهدين، في أدب الأسئلة في القرآن الكريم أنّك تُلاحظ في سورة البقرة: يسألونك، يسألونك، يسألونك {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ} [البقرة: 189] هذا موضوع عملي، وليس مجرَّد تنظير {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} [البقرة: 219] {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى} [البقرة: 220] {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ} [البقرة: 217] فتلاحظ أنّها كلّها أسئلة يترتّب عليها عمل يعني أسئلة عمليّة، لكن هنا في هذا السّؤال الّذي في سورة الإسراء {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ} الحقيقة معرفة حقيقة الرّوح يعني يتمنّى كلّ واحد أن يعرفها؛ لأنّها سرّ من أسرار خلق الله سبحانه وتعالى لكن كان الجواب في غاية الإيجاز والوضوح {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي}. فهذا توجيه لي وللإخوة أدب السُّؤال يعني تُلاحظ كثير من الأسئلة الّتي نُسْألُها وهي تدلّ على التّدَبُّر إلاّ أنّها لم تكن سبحان الله من منهج السّلف. أذكر أستحضر عمر رضي الله عنه لمّا قال لنفسه يوماً ما هو الأبّ في قوله: {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا}[ عبس:31]؟ ثمّ قال لنفسه: إنَّ هذا لهُوَ التكّلُفُ يا عمر ما أُمِرْنا بهذا، فرأى أنّ سؤاله عن معنى الأبّ مع أنّه نوع من طعام البهائم أنّه نوع من التّكلُّف؛ ولذلك تُلاحظ أسئلتنا الآن لماذا ذكر الله كذا؟ ولماذا ذكر الله كذا؟ مع أنّها تدلّ على التّدَبُّر والحرص إلاّ أنّها في نهاية المطاف أحياناً ربّما لا يترتّب عليها عمل. ولذلك جاء رجل إلى الإمام أحمد بن حنبل سأله سؤالاً من هذا النّوع لماذا ذكر الله كذا؟ فسأله سؤالاً هو في الوضوء للصّلاة فلم يُجب الرّجل، فقال: يا بُنَيَّ عليك بما يهُمُّكَ في يومك وفي ليلتك فتفقّه فيه. وهذا الحقيقة يعني عندما استأثر الله بالعلم في قوله: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} [الإسراء:85] فيه تنبيه وتربية للمسلم أن لا يُكثِر من الأسئلة الّتي لا ثمرةَ لها.
د:إبراهيم: وفي قوله تعالى: {وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً}[الإسراء:85] هذه إشارةٌ لطيفة ومفيدة جدّاً أنّ الإنسان مهما أُوتِيَ من العلم لا يُدرك جميع ما في الكون، كم في هذا الكون من الأسرار، ويوماً بعد يوم يكتشف العلم الحديث أشياء ما كانت تخطر له على بال. فهناك أشياء مجهولة وستظلّ مجهولة للإنسان حتى يموت لم يُطلعِ الله عزّ وجلّ عليها أحداً من الخلق، وخُذْ مثلاً حقيقة عذاب القبر، وأنّ الله عزّ وجلّ قد حجبه عن النّاس وغير ذلك من الأسرار الموجودة في هذا الكون.
د:عبد الرحمن: شكر الله لكم يا دكتور إبراهيم ما تفضّلتم به، شكر الله لكم أيُّها الإخوة المشاهدون إنصاتكم ومتابعتكم، وأسأل الله أن يتقبّل منّا ومنكم. في ختام هذا اللّقاء أشكر فضيلة الشيخ الدّكتور إبراهيم بن صالح الحميضي، الأستاذ المساعد بجامعة القصيم، والمتخصّص بالدّراسات القرآنيّة، وعضو مجلس إدارة الجمعية العلمية السعودية لتعليم القرآن وعلومه، وأشكركم أنتم أيْضاً وأسأل الله أن يتقبَّل منّا ومنكم، شكر الله لكم يا أبا سلْمان. وأستودعكم الله وألقاكم غدا وإلى اللّقاء وأستودعكم الله والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.