برنامج التفسير المباشر
الحلقة السابعة
الجزء السابع
7-9-1429هـ
د. عبد الرحمن الشهري: بسم الله الرّحمن الرَّحيم. الحمدُ للهِ رَبِّ العالَمين، وصلّى الله وسلَّمَ وباركَ على سيِّدِنا ونبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعين. مرحباً بكم أيُّها الإخوةُ المُشاهدونَ الكِرام في حلقةٍ جديدةٍ من حلقاتِ برنامَجِكم اليومي [التّفسير المباشر]، الّذي يأتيكم من استديوهاتِ قناةِ [دليلٍ الفضائيّة] بمدينة الرّياض. يسعُدُنا في هذا اللِّقاء أن نتناولَ الجزء السّابع من أجزاءِ القرآنِ الكريم الموافق لهذا اليوم من أيّامِ هذا الشّهر المبارك، نسألُ اللهَ أن يُعيننا على صيامه وقيامه على الوجه الّذي يُرْضيهِ عنّا. ويسعُدُني أن أُرَحِّبَ باسمِكم أيُّها الإخوةُ المُشاهِدون بضيفي العزيز بالاستديو في هذه الحلقة، وهو أخي العزيز فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن يحيى صواب، الأستاذ المشارك بجامعة صنعاء، والمُتَخَصِّص في الدّراسات القرآنيّة. فحيّاكم الله يا أبا أيمن.
د. صالح: حيّاكم الله جميعاً، وشكراً لكم على هذه الاستضافة، ونسألُ اللهَ عزَّ وجلَّ أن ينفعَنا وأن ينفعَ بِنا.
د. عبد الرحمن: اللهمّ آمين. تعوّدنا يا فضيلة الشّيخ أنّنا في بداية الحلقة، قبل ذلك نذكِّر الإخوة المشاهدين بأرقام الهواتف الّتي يمكنهم الاتّصال والاستفسار عن طريقِها، الّتي تظهر تِباعاً على الشّاشة. قبل ذلك تعوّدنا أن نعرض يا شيخ صالح أبرز الموضوعات الّتي يتحدّث الجزء عنه، وهي تظهر أمام المشاهدين على الشّاشة. وأبرز الموضوعات الّتي اشتمل عليها الجزء السّابع من أجزاء القرآن الكريم، الّذي يبدأ من الآية الثانية والثّمانون من سورة المائدة إلى الآية المئة وعشرة من سورة الأنعام اشتمل على:
- شدّة عداوة اليهود والمشركين للمسلمين.
- الحديث عن نصارى نجران ووفودهم على النّبيّ صلى الله عليه وسلم.
- بيان كفّارة اليمين.
- تحريم الخمر؛ وبيان عِلَّة التَّحْريم.
- النّهي عن قتل الصّيد في الحَرَم وكفّارة مَن فعل ذلك.
- امتنانُ اللهِ على عيسى ابن مريم بالنُّبُوَّة.
- قصّة نزول المائدة على عيسى عليه الصّلاةُ والسَّلام.
ثمّ في سورةِ الأنعام:
- ثناءُ اللهِ على نفسِهِ وامتنانِهِ على خلقِهِ في أوَّلِ سورةِ الأنعام.
- الاستدلال على أُلوهيَّة اللهِ بربوبِيَّتِهِ وخلقِهِ للمخلوقات رَدّاً على المشركين.
يعني هذه أبرز الموضوعات يا شيخ صالح الّتي اشتمل عليها الجزء، والّذي جزءٌ منه في سورةِ المائدة وجزءٌ منه في سورةِ الأنعام. ولفت نظري يا شيخ صالح اشتمال الجزء الّذي معنا اليوم خاصَّةً في سورةِ المائدة على كثيرٍ من المفاهيم القرآنيّة:
- {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ} [المائدة:82]
- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ} [المائدة:87]
- التَّدَرُّج في تحريم الخمر وما يتعلّق به.
- التّحليل والتّحريم حقٌّ للهِ تعالى {مَا جَعَلَ اللّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ} [المائدة:103]
- وغير ذلك من المفاهيم الرائعة جدّاً الّتي الحقيقة كلّ مفهوم منها يستحقّ أن نفردَهُ بحلقة.
لكن دعنا نبدأ بدايةً يا دكتور صالح الآية الأولى في الجزء {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى} [المائدة:82]، كثيرٌ من النّاس يتساءل كيف نفهم هذه الآية؟
د.صالح: بسم اللهِ الرَّحمن الرَّحيم. أوَّلاً هناك جانبان:
أمّا الجانب الأوّل: فهو في الجزء الأوّل من هذه الآية {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ} هذه الآية هي جاءت في سياق الحديث عن الكفّار عموماً؛ لأنّها قد سبق قبل ذلك قول الله سبحانه وتعالى {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ} [المائدة:73]، {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} [المائدة:72]، جاء بعدها أيْضاً {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ * كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ} [المائدة:78-79]، فَجاءت هذه الآيات توضِّح طبيعةَ هؤلاءِ الكفّار. ثمّ جاءت مناسبة بيان طبيعتهم وموقفهم من المسلمين، فجاءت هذه الآية لِتُبَيِّنَ موقِفَ هؤلاءِ من المسلمين، فقال سبحانه وتعالى {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ}. هناك جانب لا بُدّ من فهمه والعلم به، ذلك أنَّ كثيراً من النّاس اليوم ربّما يُصَدِّقون بعضَ وسائلِ الإعلام أكثرَ ممّا يُؤمنون بكتابِ اللهِ عزَّ وجلَّ وهذه الآية هي آيةٌ صريحةٌ في أنَّ اللهَ سبحانه وتعالى يقول {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ} إذاً هناك أعداء قد يكونون من المَجوس، قد يكونون من الصّابئة، قد يكونون من طوائف أخرى متعدّدة، ولكنَّ أشدّ هؤلاءِ النّاسِ عَداوَةً هم اليهود، فَمَن زعم غيرَ ذلك فقد خالَفَ النَّصّ القرآني، خالف قولَ الله عزَّ وجلَّ وعلى العاقل أن ينظُرَ في كلامِ اللهِ عزَّ وجلَّ وفي كلامِ البشر، والمسلم المؤمن بالله عزَّ وجلَّ لا شكَّ أنَّهُ يُؤمنُ بكلامِ اللهِ سبحانه وتعالى فيجزم أنَّ أشدّ النّاس عداوةً للّذين آمنوا هم هؤلاء اليهود، وكما قال الله عزَّ وجلَّ {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة:120] وقال سبحانه {وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ} [البقرة:217].
القضيّة الثّانية: وهي مسألة {وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى} وهذه في الحقيقة تُشكِل على بعضِ النّاس إذ يقول: كيف يُقال بأنَّ أقربَ النّاسِ موَدَّةً لِلْمُؤْمِنين هم النَّصارى، ونحن نرى أنّ ما يُعاني منه المسلمون اليوم هو يأتينا من قِبَل النّصارى الّذين يُقاتِلوننا ويفتنوننا في ديننا ويحاربون الإسلام، بل هم الّذين يعينون اليهود، فالبعض تُشكِل عليه هذه الآيات، وهنا في الحقيقة لا بُدّ من بيانِ بعض ما قاله المُفَسِّرون:
- من المفسِّرين مَن ذهب إلى أنَّ هذه الآيةَ خاصّة في طائفةٍ من النَّصارى، وهم الّذين وصفهم الله سبحانه وتعالى بقوله {ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ * وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} [المائدة:82-83]، إلى آخر الآيات، فهذه الطّائفة لا شكّ أنّهم أقرب إلى المؤمنينَ من أُولئك، هذه واحدة.
ولا بُدَّ أن نُبَيِّن أنَّ النَّصارى الَّذينَ نزل القرآن في عهدِ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ما كانوا بهذا الشّكل، النّصارى كانوا فعلاً كانوا رُهْباناً كانوا قُسُساً، فكانوا يتعبَّدون لله سبحانه وتعالى في صوامعهم، ولم يكن هناك خطر على المسلمين في عهد النّبيِّ صلّى الله عليه وعلى آلِهِ وسلّم منهم كما كان من اليهود الّذين غدروا بالنّبيِّ صلى الله عليه وسلم ومكروا به، فهذه إذاً إحدى المسائل.
المسألة الثانية :
د.عبد الرحمن: قبل أن نأخذ المسألة الثانية يا أبو أيمن وهو الحقيقة تنبيه في غاية الأهميّة نأخذ اتِّصال معنا. معنا الأخت أم عبد الرّزّاق من السّعوديّة. تفضلي يا أمّ عبد الرّزّاق.
أم عبد الرّزاق: السّلام عليكم ورحمة الله.
د.عبد الرحمن: وعليكم السّلام ورحمة الله.
أم عبد الرّزّاق: أرجو أن لا أطيل عليكم عندي أربعة أسئلة.
د.عبد الرحمن: تفضلي.
أم عبد الرّزاق: السّؤال الأول: في الآية 92 آيات فيها الأمر بالطاعة وأتت في سياق الكلام النهى عن شرب الخمر والميسر.
د.عبد الرحمن: وهي الآية الثانية والتسعون؟
أم عبد الرّزّاق: نعم.
السؤال الثاني: في الآية الثمانين قال الله عزَّ وجلَّ عن إبراهيم عليه السلام {وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ} فيها مدّ واحد مثقل، وابراهيم عليه السلام رد {أَتُحَاجُّونِّي} فيها مدّين مثقل فإذا كان في هذا لمسة بيانية أرجو التوضيح؟.
السؤال الثالث: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ} [المائدة:95] الأولى فعل والثانية مصدر أرجو التوضيح؟.
السؤال الأخير: الآيات تباعاً 97-98-99 ختمها الله بقوله {لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}، {لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ}، {لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} الاختلاف في هذا بارك الله فيكم؟ جزاكم الله خيراً .
د.عبد الرحمن: شكراً جزيلاً. نعود إلى الآية الّتي كنّا نتحدَّث عنها
د.صالح: أريد أن أقول بأنَّ من العلماء مَن ذهب إلى أنَّ هذه الآية {وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى} منهم مَن ذهب إلى أنَّها عامّة وليست خاصّة في قوم معيَّنين، وهذا في الحقيقة ينطبق على النّصارى الّذين التزموا بالنَّصرانيّة، نصارى اليوم ليسوا نصارى، وليس لهم من النّصرانيّةِ إلاّ الانتساب إليها فقط، لكنّ النّصرانيّة الحقيقيّة ليست هكذا، وما في النصرانيّة من تعاليم هي في الحقيقة توجب عليهم أن يكونوا قريبين من هؤلاءِ المؤمنين، وأن لا يكونوا بهذه الصّورة. اليوم لم يبقَ دين على هذه الأرض سِوى الإسلام – أعني بالدّين الدّين الواقعي – هناك ديانات؛ لكنّك لا ترى لها أثراً في المعاملات، ولا في العَلاقات، ولا في الأحكام الشرعيّة، لا ترى لها أي أثر، فقط المسلم هو الوحيد الّذي يلتزمُ بدينه في حياته؛ كما قال الله عزَّ وجلَّ {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:162].
د.عبد الرحمن: جميل، وأذكر أنّ من أسباب نزول هذه الآيات وفد نجران الّذين قَدِموا على النّبيّ صلى الله عليه وسلم من النّصارى وكان بينهم هذا الحوار، فبعض العلماء يقول: أنّ المقصود بهم هذا الوفد.
د.صالح: نعم، فآمن بعضهم، آمنوا بالنّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم.
د.عبد الرحمن: ثمّ إنَّ من العلماء مَن يذكرون أنّ النّصارى يسمّونهم الموحِّدون من النّصارى الّذين التزموا كما تفضّلت بالنّصرانيّة.
د.صالح: النّصارى اليوم ليسوا هم النّصارى الّذين تتحدّث عنهم الآية، وليسوا نصارى؛ لأنّهم لو كانوا نصارى ملتزمونَ لآمنوا بمحمَّدٍ صلّى الله عليه وعلى آلِهِ وسلَّم.
د.عبد الرحمن: يعني مُقتضى إيمانهم بالنّصرانيّة يقتضي إيمانَهم بالنّبيّ صلى الله عليه وسلم؟
د.صالح: نعم.
د.عبد الرحمن: ننتقل يا دكتور الحقيقة هي مليئة بالمفاهيم كما قلت لك، لكن اعتدنا في البرنامج أن نُقَدِّم المشاهد باعتبار أنّه تفسير مباشر فنُقَدّم الأسئلة الّتي تَرِدُنا من الإخوة المشاهدين. الأخت أم عبد الرّزّاق سألت أربعة أسئلة، وكما تُلاحظ على أسئلة الأخت أم عبد الرّزّاق أنَّها أسئلة بيانيّة، وتدلّ على تدبُّر القرآن جزاها الله خيراً فهي تسأل في الآية الثانية والتّسعين – يا دكتور صالح – في سورة المائدة، الله سبحانه وتعالى يقول {وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ} [المائدة:92] سؤالها لماذا وردت هذه الآية بالأمر بطاعة النّبيّ صلى الله عليه وسلم بعد الآيات الّتي تنهى عن شرب الخمر؟ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ}[المائدة:90-91] ثمّ يقول { وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ}.
د.صالح: لا شكَّ أنَّ المناسبةَ واضحةٌ في مثلِ هذه الآية، ذلك أنَّ أوامِرَ اللهِ سبحانه وتعالى وتعليماته لا بُدَّ من طاعتها، فبعد أن أمرهم سبحانه وتعالى بهذه الأمور، ونهاهم عن هذه المنهيّات، أمرهم بطاعةِ اللهِ عزَّ وجلَّ وطاعةِ رسولِهِ صلّى الله عليه وعلى آلِهِ وسلَّم، وحذّرهم من المخالفة؛ ذلك أنَّ بعضَ النّاس قد أحياناً يستهينوا بأمرِ اللهِ عزَّ وجلَّ وأمرِ رسولِهِ صلّى الله عليه وعلى آلِهِ وسلّم، ومن ثَمَّ لا يتصوَّر المخاطر الّتي تترتَّب على هذه المسألة. فهذا ما يتعلَّق بهذه الآية والمناسبة هنا واضحة وظاهرة.
د.عبد الرحمن: وكثيراً ما ترد يا دكتور صالح الأمر بطاعةِ اللهِ سبحانه وتعالى بعد الأوامر، بعد الأمر أو النّهي يأتي الأمر بالطّاعة، وهذا سياق لا شكّ أنّه واضح جدّاً. قبل أن نسترسل في الإجابة عن الأسئلة، لدينا سؤال من الأخ أبو سعود من السّعوديّة، حيّاك الله يا أبا سعود.
أبو سعود: السّلام عليكم.
د.عبد الرحمن: وعليكم السّلام ورحمة الله.
أبو سعود: أُحَيِّك وأُحَيّي ضيفَكَ الكريم.
د.عبد الرحمن: الله يحيّيك.
أبو سعود: مسألة النصارى وتسميتهم بالنصارى وأنها تغيرت ديانتهم وانهم غيروا حقيقين، الرّسول صلى الله عليه وسلم أقرّ بتسميتهم بالنّصارى وأقر تسميتهم باليهود مع اختلاف الدين عندهم في وقتها كيف يكون هذا الأمر؟ انت تقول أنهم الآن غير نصارى حقيقين والرسول مقرّ بتسميتهم بالنصارى واليهود كذلك؟
د.صالح: لا بأس.
أبو سعود: جزاك الله خير.
د.عبد الرحمن: لا بأس، جزاك الله خيراً.
د.صالح: لو بدأنا بهذا فقط؛ لأنّه متعلّق بالموضوع، طبعاً بالنِّسبة للنَّصارى نحن نتكلم من جانبين. أمّا الجانب الأوّل: فهل هؤلاءِ النَّصارى متمسِّكين بالنَّصرانيّةِ حقَّ التمَسُّك؟ الجواب: لا، وقد بيَّن القرآنُ ذلك، وكذلك اليهود، لكن هل تنطبق عليهم أحكامُ اليهود والنّصارى؟ الجوابُ: نعم، فهم نعم هم نصارى، وإن حرَّفوا، القرآن بيَّن أنّهم قد حرَّفوا هذه الكتب، وأنّها محرَّفة {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ} [الحديد:27]، فهي محرَّفة وهم كما قلت كلامك جميل وصحيح، والحقيقة ليس هناك تناقض، فهي نصرانيّة، وهي يهوديّة، لكنّها نصرانيّةٌ محرَّفة، ويهودِيَّةٌ مُحَرَّفة، ولو كانوا هؤلاءِ يهود ونصارى مؤمنونَ بِما جاء في كتابِ موسى وعيسى عليهما السّلام لَآمَنوا بِمحمَّدٍ صلّى الله عليه وعلى آله وسلَّم، كما حصل من عبد الله بن سلام وغيره من اليهود.
د.عبد الرحمن: وأيْضاً كلام الأخ أبو سعود يظهرُ في مسألتين: في مسألة أكل طعام أهل الكتاب، وهم اليهود والنّصارى، يجوز لنا أكل طعامهم.
د.صالح: نعم، والزّواج منهم، نكاح المسلم للكتابية
د.عبد الرحمن: مع أنَّنا نؤمن بأنّهم محرِّفين لاديانهم إلاّ أنَّنا نتعامل معهم على هذا الأساس.
د.صالح: وان كان هناك قول لبعض العلماء، ولكنَّه ليس هو الرّاجح في أنَّ النَّصْرانيَّةَ الّتي تقولُ بأنَّ رَبَّها عيسى هي كافرة ومشركة، ومن ثَمَّ لا يجوز الزّواج، لكنّها رواية عن ابن عمر، وليست هي المشهورة؛ لأنّه كما قلنا: جاء القرآن وأباح نكاح الكتابيّات للمسلم، مع أنَّ النَّصارى الموجودين في ذلك الزّمان كانوا يقولون بهذا القول، ونصّ القرآن على ذلك {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ}.
د.عبد الرحمن: نعم، صدقت جزاك الله خيراً. الأخت أم عبد الرّزّاق تسأل سؤالاً آخر في الآية – يا دكتور صالح – رقم ثمانين من سورة الأنعام وهي في محاججة إبراهيم عليه الصّلاةُ والسّلام في قومه في قوله {وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ} {قَالَ أَتُحاجّونّي في اللهِ وَقَدْ هَدَانِ} سؤالها الحقيقة دقيق تقول {وَحَآجَّهُ} هنا مدّ لازم واحد، {أَتُحَاجُّونِّي} مدّان، هل له لفتة بيانيّة في رأيك؟
د.صالح: أمّا من حيث الصّلة بالمدّ، فسبب المدّ واضح؛ ذلك أنّ المدَّ اللاّزم يكون الحرف وبعده حرف ساكن، فجاء في الكلمة الأولى: حرفٌ ساكنٌ واحد وهو الجيم المدغمة في الجيم الأخرى؛ لأنَّ الجيم المشدّدة هما جيمان فجاءت {وَحَآجَّهُ}، هناك كان الحرفان اثنين والأول هو {أَتُحَاجُّونِّي} الجيم الأولى مع الثّانية المدغمة فيها، ثمّ جاء حرفُ المدّ الّذي هو الواو، التأكيدُ هنا ليس في المَدَّيْن، وإنَّما التأكيدُ هنا هو في وجود النّون؛ لأنَّ أصلَها: أتُحاجّوني فلمّا أُدغِمَت كان المدُّ سبباً في ذلك، وإلا لو فُصِلَت الكلمة لكانت (أتُحاجّونَني) بمدّ لاّزم الواحد لو فُكَّ الإدغام لكانت (أتُحاجّونَني) أنّ سببُ المد هو الإدغام.
د.عبد الرحمن: سببها الناحية التجويدية، لكن بعض العلماء يتلمَّس الجوانب البيانيّة في مثل هذه الأحكام.
د.صالح: هذه مسألة أخرى اختيار الألفاظ، لماذا اُختيرَ هذا اللّفظ ؟ لبعض العلماء، نعم، ولكنّها تبقى أن تكونَ مسألة اجتهاديّة في مثل هذا، ونعم، أحياناً ثقل الكلمة، أو أحياناً الضّمّة أو الفتحة تكون أحياناً مناسبة للمعنى، وهذا معنى دقيق.
د.عبد الرحمن: دعني أنا أُحاول ونحن في حوار قرآني يا فضيلة الشيخ في قوله {وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ} هذا مدّ لازم ويُعتبر من أطول المدود، فكان جوابه {أَتُحَاجُّونِّي} لو قُلنا إنَّ مُحاججة قومه كان فيها من العناد والتّعنُّت ما يمكن أن يعبِّر عنها المدّ اللاّزم، فإنَّهُ في رَدِّهِ عليهم كان استنكاراً عليهم ضِعْف تعنّتهم، انظر هذا التّمحل.
د.صالح: هذه مسألة أخرى وهي اجتهاد، الخبر في الآية الأُولى وفي الكلمةِ الأُولى جاء بلفظ الفعل {وَحاجَّهُ} الماضي، أمّا ما بعدها فجاء بصورةِ المضارع {أَتُحَاجُّونِّي} فرق بين الأمرين بين شيءٍ مضى وبين شيءٍ يحصل ويتحدّث.
د.عبد الرحمن: بارك الله فيك. سؤال آخر يا فضيلة الشيخ الآية الخامسة والتّسعين من سورة الأنعام {إِنَّ اللّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ} [المائدة:95]، فعبّر في إخراج الحيِّ من الميِّت بفعلٍ مضارع {يُخْرِجُ} وعبّر في إخراج الميّت من الحيّ بالاسم وهو {مُخْرِجُ} فتقول لماذا جاء هنا التّعبير بالفعل المضارع، وهنا بالفعل، أو بالاسم؟
د.صالح: الحقيقة هي من حيث المعنى الإجمالي كلاهما بمعنى واحد، هذا من حيث المعنى الإجمالي، ولكن لا شكَّ أنَّ هناك معنًى دقيقاً قد لا يظهر لي الآن، ولا أدري إن كان لديك شيء في هذا، لكن إخراجُ الحيّ هو الّذي يلتفتُ إليه النّاس إخراج الحيّ من الميّت، وهو الّذي يهتمُّ به النّاس، وأنت تعلم أنَّ الفعلَ المضارع يُفيد التَّجُدُّد والاستمرار.
د.عبد الرحمن: أحسنت، مثل إنبات النّبات.
د.صالح: وهو شيْءٌ مُتَجَدِّد ويحصُل فيخرج الحيَّ من الميِّت، أما تلك فلا يلتفت إليها النّاس وهي خروج الميِّتَ من الحيّ، ومع ذلك فمجرَّدُ تغيير أو تنويع الأساليب هذا يعتبر نوعاً من أنواع البيان.
د.عبد الرحمن: صدقت.
د.صالح: لأنّ بعض النّاس يريد أن يقول لماذا قيل هنا؟ يكفي أنَّ القرآنَ قد نوَّعَ، فاستعملَ أكثر من كلمة في معنًى واحد.
د.عبد الرحمن: يا دكتور صالح ينبغي علينا أن نحيي مثل هذه الأسئلة.
د.صالح: مثل هذه الأسئلة فقط نحن نعتبرها فائدة لنا ويمكن أن نعودَ إليها.
د.عبد الرحمن: وهي أيْضاً تدلّ على التَّدَبُّر والتَّوَقُّف مع الآيات.
د.صالح: ولذلك أتمنى الأسئلة الّتي لا يُجابُ عليها لا يُمْنَع أن تُطْرَح في حلقةٍ أخرى فيُجابُ عنها.
د.عبد الرحمن: نحن تعوّدنا في هذا البرنامج، ونريد أن نعوِّد أنفُسَنا، ونُعَوِّد الإخوة المشاهدين على أنَّنا لسنا بكلِّ شيْءٍ عالِمين، وإنَّما ما نعرفُهُ نُجيب عنه، وما لا يشكل علينا
د.صالح: وكلنا يُتَدَّبر القرآن.
د.عبد الرحمن: نعم، هو هذا. سؤالها الأخير يا دكتور صالح في الآية الثّامنة والتّسعون إلى التّاسعة والتّسعون من سورة الأنعام أيْضاً هو سؤالٌ جميل في قوله سبحانه وتعالى في الآية السّابعة والتّسعين {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} ثمّ ختمها فقال {قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} ثمّ قال في الّتي بعدها: {وَهُوَ الَّذِيَ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ} ثمّ ختمها فقال {قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ} ثمّ قال في الآيةِ الّتي بعدها {وَهُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ} إلى أن قال {إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}. السؤال: ما سرّ التعبير هنا بقوله {لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} عندما تكلَّمَ عن النّجوم والهداية بها، ثمّ عندما تكلّم عن إنشاء الخلق قال {لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ} ثمّ ذكر عندما ذكر هذه الآيات العظيمة في المخلوقات قال {لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}؟
د.صالح: تستطيع أن تقولَ شَيئاً واحداً، أيهما أولاً أن تعلم أو أن تفهم؟ أوَّلاً: العلم أن تعلم بالشيْء، فإذا عَلِمْتَ به فإنَّهُ المرحلة الّتي بعدها وهي الفقه، ينتج عن هذا الفقه الإيمان، فهذا الّذي يظهر من هذه الآيات أنَّهُ بدأ أوَّلاً بالعلم؛ لأنَّهُ لا يستقيم أن يقول الإيمان ثمّ الفقه ثمّ العلم، الإيمان يأتي بعد أن تفقه، وبعد أن تعلم، والفقه يأتي بعد العلم.
د.عبد الرحمن: هذا مَلْحَظٌ نفيس وأيضاً أتصور يا دكتور صالح أنَّ نفس الآيات الّتي قبلها، يعني مثلاً الحديث عن الهداية بالنّجوم في الآية الأولى الهداية بها في ظلماتِ البرِّ والبحر، ثمّ عبَّرَ بالعلم، ثمّ جاء بعد ذلك تكلّم عن الخلق من نفسٍ واحدة، وعن كوْنها في مستقرٍّ ومستودَع، ثمّ قال {لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ} هذا أدقّ يعني يحتاج إلى إعمال يحتاج إلى تأني.
د.صالح: هناك مسألتان: الجواب الأوّل ما ذكرناه في التدَرُّج بين العلم ثمّ الفقه ثمّ الإيمان.
الجانب الثّاني: أنّ كُلَّ آيةٍ ربّما اشتملت على ما يتناسب مع خاتمتها، فهناك ما يحتاجُ إلى العلم، وهذا أيْضاً يكونُ واضحاً في بعضِ السور.
د.عبد الرحمن: فتح الله عليك.
هنا يا دكتور من ضمن المحاور المهمّة في سورة المائدة، ونحن لا نريد الحقيقة أنَّنا نستطرد كثيراً في بيان التّفاصيل في الآيات، لكنَّنا نريد أن نلفت نظر المشاهد الكريم إلى مسألة مهمة شريعة في ديننا وتربوية وهي: التّدَرُّج في التّشريع. في الآيات الّتي معنا في قوله سبحانه وتعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ} وهي الآية التسعون من سورةِ المائدة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} هذه الآية هي الآية الّتي دلَّت على تحريم الخمر. أذكر مرّة سألني واحد، وقال: يا شيخ الله سبحانه وتعالى يقول {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} [البقرة:219]، أنا أشربُهُ من أجلِ هذه المنافع فهل في هذا عليّ حرَج ما دامت الآية لا تدلّ على التّحريم؟. نريد أن نُبَيِّن للنّاس المقصود بحال التّدُرُّج، فقط قبل أن نأخذ اتّصالاً ثمّ نأخذ الجواب يا دكتور صالح.
د.صالح: تفضّل.
د.عبد الرحمن: تفضّل يا أخي العزيز معنا اتّصال، الأخ أحمد تفضّل.
أحمد: السلام عليكم ورحمة الله.
د.عبد الرحمن: وعليكم السلام ورحمة الله.
أحمد: الله يكتب أجركم يا شيخ.
د.عبد الرحمن: والشيخ: آمين.
أحمد: لو تكرمت اية 105 في سورة المائدة نريد شرحاً لها، قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}.
د.عبد الرحمن: أبشِر، بإذن الله شكراً يا أخ أحمد الله يحفظك. تفضّل يا دكتور صالح بخصوص قضيّة التَّدَرُّج في التّشريع:
د.صالح: طبعاً هذه الآية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ} هذه هي الآية القاطعة في تحريم الخمر، لكن العلماء يذكرون أنَّ هناك حكماً تشريعيّة في تحريم الخمر، وهي وسيلة من وسائل التربية. بُعِثَ النّبيُّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم في المجتمع، كان النّاس وكانت الخمر لا تفارقهم وكانوا دائماً يشربون الخمر فكانوا من الصّعوبة بمكان أن ينزلَ التّحريم في بدايةِ الإسلام، فيذكر العلماء أنَّ اللهَ سبحانه وتعالى في بداية الأمر ميَّزَ بين ما هو حسن وبين ما ليس بحسن، كما قال الله عزَّ وجلَّ {وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا} [النحل:67] فوصف الرِّزْقَ بأنَّهُ حسن وسكت عن السَّكَر، وإن كان فيه كلمة السّكر دلالة على أنَّهُ ليس بمرغوب فكأنَّهُ يقول إنَّكَ تأخُذُ من هذه الثّمرات ما يُذْهِبُ عَقلَك، وتأخُذُ منها ما هو حسن، فهذا كان بداية. ثمّ جاء بعد ذلك قول اللهِ سبحانه وتعالى {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا} إذاً والعاقل عندما يرى أنَّ ليس المضرَّة فقط، وإنَّما الإثم لم يقل (وضررهما) وإنّما قال {وَإِثْمُهُمَآ} فطالما أنَّ الإثمَ هنا ظاهرٌ وواضح، فالعاقل ينبغي أن يترُكَه؛ ولذلك يُذكَر أنَّ بعضَ الصَّحابة لمّا نزلت هذه الآية ترك الخمر قبل أن ينزل التحريم. ولكن يُروى أنَّ عمر بن الخطّاب رضي الله عنه كان يقول: بعد نزولِ الآيةِ الأُولى، وبعد نزولِ الآيةِ الثّانية “اللهمَّ بيِّنْ لَنا بياناً شافِياً” فنزلت هذه الآية؛ لِتُبَيِّنَ أنَّ الخمرَ حرامٌ وَقُرِنَ الخمرُ بالميسرِ وبالأنصابِ وبالأزلام؛ لأنَّها قد اجتمعت في تلك المضارّ الّتي أشار الله عزَّ وجلَّ إليها.
د.عبد الرحمن: جزاك الله خيراً على هذا التّفصيل. معنا اتِّصال يا شيخ صالح الأخت أمّ أُسامة من السّعودِيَّة، تفضّلي يا أُمّ أُسامة.
أمّ أُسامة: السلام عليكم.
د.عبد الرحمن: مع الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله.
أم أسامة: عندي سؤال في سورة الأنعام في الآية رقم 71 (قُلْ أَنَدْعُو مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُنَا وَلاَ يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَىَ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) هل هذه آية مَثَل؟ وأرجو شرحها
د.عبد الرحمن: طيب، شكراً.
أمّ أُسامة: جزاكم الله خيراً.
د.عبد الرحمن: بارك الله فيك. إذاً يعني يا شيخ صالح الآن عندما يأتي مقرِّر أو متحَدِّث يتحدَّث عن تحريم الخمر أو مفتي يُفتي بتحريم الخمر فدليلُهُ هو هذه الآية الّتي معنا في سورة المائدة.
د.صالح: نعم، دليله هذه الآية، ويحسُن أن نُنَبِّهَ إلى أنَّ مضارُّ الخمر ليست محدودة، والقرآن لم يُصْدِر النّهي فقط، وإنَّما أتبَعَهُ بذكْرِ العِلَّة فقال {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ} فهذه أربع علل:
1. إيقاعُ العَداوة.
2. وإيقاع البغضاء وهي أمرٌ آخر غير العداوة.
3. ويصُدَّكم عن ذكرِ الله.
4. وأيْضاً عن الصّلاة.
هذه الأسباب، وأنا أُبَيِّن هنا الخمرَ أُمُّ الخبائث، فلا خيرَ في الإنسان الّذي يتعاطاها؛ لأنَّهُ أصلاً يُذهِبُ عقلَهُ ومِنْ ثَمَّ يُذْهِبُ كُلَّ شَيء.
د.عبد الرحمن: الحقيقة هي لفتة رائعة عن قوله {وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ} مع أنَّ الصَّلاة من ذكرِ الله لكنَّه خصَّها لفضلها. عندنا اتِّصال يا دكتور صالح من الأخ أبو مهدي من إيران، تفضّل يا أبو مهدي حيّاك الله.
أبو مهدي: السّلام عليكم.
د.عبد الرحمن: وعليكم السّلام ورحمة الله.
أبو مهدي: تقبَّلَ الله.
د.عبد الرحمن: منّا ومنكم، حيّاكم الله.
أبو مهدي: أرجو من سماحة الشّيخ أن يوضِّح لي هذه الآية بسم الله الرّحمنِ الرَّحيم {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة:62] السّؤال: هل أهل الكتاب مبشِّرين بالجنّة؟ هذه الآية هل تتعارض مع مَن يبتغي غيرَ الإسلامِ ديناً فلن يقبل منه الله؟ هذا والسَّلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته.
د.عبد الرحمن: وعليكم السّلام ورحمة الله وبركاته. شكراً يا أبا مهدي الله يحفظك. معنا الأخ أبو أحمد من السُّعودِيَّة تفضّل يا أبو أحمد
أبو أحمد: السَّلامُ عليكم ورحمة الله.
د.عبد الرحمن: وعليكم السّلام ورحمة الله وبركاته.
أبو أحمد: كيف حالكم شيخ عبد الرّحمن؟
د.عبد الرحمن: يا مرحباً بك الله يحفظك.
أبو أحمد: حيّا الله الشيخ صالح صواب.
د.صالح: الله يحيّيك.
أبو أحمد: وأُحَيِّيه هذا هو شيخي ودرَّسَني مادّة، أسأل الله أن يُبارك في عمره، ويغفر له.
د.صالح: الله يبارك فيك.
أبو أحمد: سؤالي شيخ في قول الله سبحانه وتعالى {جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ} [المائدة:97]، فلو يكون حولها كلام يعني حكمة ورود هذه الآية في هذه السّورة تعتبر في آخر الجزء السّادس في القرآن الكريم والّذي جاء فيها الأمر بالوفاء بالعقود والعلاقات بين المسلم وغير المسلم، ثمّ تأتي هذه الآية لتبين أن الكعبة وبقاء الكعبة هو قيامٌ للنّاس. ثم الواو في قوله تعالى {وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ} هل هذه الواو استئنافيّة أو عاطفة على التي قبلها؟ هذا هو السّؤال. بالنّسبة يا شيخ إن كان تسمح لي بمشاركة في قوله تعالى في سؤال الأخت لمّا سألت في الفرق بين {وَحَآجَّهُ} {أَتُحَاجُّونِّي} ظهر لي معنى لمّا تكلّمت أنت وفضيلة الشيخ لماذا هذه مدّين وتلك مدّ؟
الأولى: لمّا حاجّوه أو لمّا كانوا يُحاجّون إبراهيم عليه السّلام، فكانوا يلجّون عليه بالخصومة والمُحاجّة، فلمّا تبيَّنَ له الحقّ إبراهيم عليه السّلام؛ لأنّه نظر إلى النّجم، نظر إلى القمر، نظر إلى الشّمس، تبيَّن له الحقّ، وبان لهم أيْضاً الحقّ فلا زالوا يُحاجّونه حتى مع بيان الحقّ فجاءت الآية {أَتُحَاجُّونِّي} بمدّين؛ لعل هذه لفتة في هذه الآية.
د.عبد الرحمن: بارك الله فيك.
أبو أحمد: أسأل الله أن ينفع بكم يا شيخ.
د.عبد الرحمن: شكراً يا أبو أحمد، الله يحيّك.
أبو أحمد: أحسن الله إليكم.
د.عبد الرحمن: جزاك الله خيراً. نعود إلى الأسئلة يا أبا أيمن.
د.صالح: ما رأيك نقرأ الأسئلة بدون أجوبة ولاّ.
د.عبد الرحمن: لا، لا، الأسئلة نحن الآن ماشيين عليها بالترتيب.
د.صالح: إن تطغى الأسئلة على الأجوبة.
د.عبد الرحمن: نحن نمشي على الترتيب. الأخ أحمد من السّعوديّة سأل سؤالاً عن الآية المئة وخمسة من سورة المائدة؟
د.صالح: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}.
د.عبد الرحمن: هل يكون هناك حديث حول هذه الآية؟
د.صالح: الحقيقة جزاك الله خيراً هذه الآيات الّتي ربَّما يخطِئ في فهمها بعض النّاس {لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} فيفهم منها أنَّ معنى ذلك أن لا تأمُرَ بمعروفٍ ولا تنهى عن منكر، طبعاً {عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ} بمعنى اِلزموا أنفُسَكُمْ، ولكن ليس هذا هو المراد، وقد بيَّن ذلك أبو بكر رضي الله عنه عندما قال: “يا أَيُّها النّاس إنَّكم تقرؤون هذه الآية، وإنَّكم تفهمونها على غير ما نزلت” ثمّ بيّن أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قد بيّنَ أن النّاسِ إذا رأوُا المنكر فلم يغيِّروه أوشك الله عزَّ وجلَّ أن يعمَّ عليهم عذابٌ من عنده فــ {عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ} بمعنى: لا يُؤثّرُ عليكم في سلوككم وليس فيها إشارة إلى أو بيان أو تسامح في تركِ الأمرِ بالمعروفِ والنّهي عن المنكر. أي لا يُؤثِّر عليك مَن حولك، اِلزموا أنفسكم، فإذاً لا يكون أحدكم إمَّعة؛ كما جاء في حديثِ النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آلِهِ وسلّم {لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} ولكنّها لا تعني عدم الأمرِ بالمعروف أو السّكوت، والنّصوص سواءٌ في القرآن، أو في سنَّةِ النَّبيّ صلّى الله عليه وعلى آلِهِ وسلَّم جاءت مُبَيِّنَةً بوجوب الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر.
د.عبد الرحمن: بارك الله فيكم يا أبا أيمن. أيْضاً في نفس الآية يا دكتور صالح في قوله {لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} أليس من صفات المهتَدي أنَّهُ ممَّن يأمُر بالمعروف؟
د.صالح: بلى.
د.عبد الرحمن: فإذا اهتديتم تستلزم الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، لكن إذا أمرتَ بالمعروف ونهَيْتَ عن المنكر وأصرَّ الآخَرون على ضلالهم فأنت لا يَضُرُّكَ مَنْ ضَلَّ في هذه الحال. الأخت أمُّ أُسامة سألت عن الآية الواحدة والسّبعين من سورة الأنعام وهي قوله تعالى بعد قوله {وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللّهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَا أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ {70} قُلْ أَنَدْعُو مِن دُونِ اللّهِ} تسأل عن هذه الآية {قُلْ أَنَدْعُو مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُنَا وَلاَ يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَىَ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (71)} هي تريد شرح لهذه الآية؟
د.صالح: اسمح لي وأنت قد ذكرتَ الآيةِ الّتي قبلَها أن أُبَيِّنَ معنى كلمتين لفظتين ربَّما تُشكِلُ على كثير من النّاس أو يفهمُها على غيرِ فَهمِها {أَن تُبْسَلَ} وكذلك العَدْل {وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ}.
د.عبد الرحمن: ممتاز.
د.صالح: نعم، فأمّا {أَن تُبْسَلَ} فقد ذكر العلماء أنَّها بمعنى: تُرْتَهَن أو تُحْبَس، ونحو ذلك.
د.عبد الرحمن: بما كسبت.
د.صالح: نعم، كذلك العدل، ما هو العدل؟ العدلُ هو: الفدية، أو الفِداء، وكثير من النّاس ربَّما لبعده عن اللّغة العربيّة لا تتطرق إليه هذا المعنى { وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ } [البقرة:48]، {وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ} فإن تفدي كُلَّ فِدية إذا افتدت فالعدل إذاً هو الفداء أو الفِدية، وهذه من المعاني الّتي ربَّما تغيب عن بعض النّاس.
أمّا هذه الآية في الحقيقة لا أرى أنَّها مثلاً إنَّما هي قُل لهم هذا أنَّ هذه الأصنام لا تنفع ولا تضرّ {قُلْ أَنَدْعُو مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُنَا وَلاَ يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا} وهذه الآية في نظري أنَّها على حقيقتها {كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا} فجاءت هذه الآية؛ لِتُبَيِّن هل نعود ونُرَدُّ على أعقابِنا بعد الهداية؟ فَمَن بان له الطّريقُ القويم لا ينبغي لهُ أن يتراجَعَ عنه.
د.عبد الرحمن: جميل جدّاً. من الأشياء الّتي أُريد أن أُنَبِّهَ عليها للإخوة المشاهدين يا دكتور صالح في هذه السّورة أنَّها سورة مكيَّة [سورة الأنعام].
د.صالح: سورة الأنعام سورةٌ مكيَّة وهي نزلت جملةً واحدة.
د.عبد الرحمن: وهي سورة طويلة نزلت دُفعةً واحدة ومليئة بالحديث عن العقائد.
د.صالح: ولذلك كما هو الحالُ بالنّسبة للسّورة المكيّة.
د.عبد الرحمن: سورةً عظيمة مليئة بالأحكام والعقائد. نتوقّف قليلاً يا دكتور صالح لِنُعَرِّف الإخوة المشاهدين بكتابٍ ننصحهم بقراءتهِ ويعينهم على معرفة وتدبُّر القرآن الكريم والعناية به أسأل اللهَ أن ينفعَ به. نتوقَّف لِعَرْضِ الكتابِ ثمّ نعودُ إليكم فانتَظِرونا.
———–الفـــــــــــــاصـــــــل————-
“عرض كتاب” “قواعِدُ التّفسير جَمْعاً وَدِراسة”
مُؤلِّفُ هذا الكتاب: هو الدّكتور خالد بن عثمان السّبت، الأستاذُ المُساعِدُ بِكُلِّيَّةِ المعلِّمينَ بالدَّمام.
وقد تتبَّعَ المؤلِّفُ القواعِدَ في كثيرٍ من المُؤلَّفاتِ في تفسيرِ القرآنِ وعلومِ القرآنِ وأصولِ الفقهِ وغيرِها، والّتي بلغت أكثرَ من مئةٍ وخمسةٍ وعشرين كتاباً من المُطَوَّلاتِ والمختصرات، وقام بترتيبِها ودراستها، وتَتَبُّعِ الأمثلةِ عليها، وقسَّمها إلى قسمين:
- قواعِدُ أصليّة: وهي: القواعِدُ المستقِلَّة، ويُصَدِّرُها بكلمةِ قاعدة، وهي قُرابةُ مِئَتَيْن وثمانينَ قاعدة.
- قواعِدُ تبْعِيَّة: وهي: الّتي تَرِدُ على سبيلِ الاستشهاد، وهي قُرابَةُ مِئةِ قاعدة.
وهذه القواعِدُ والضَّوابِطُ تُعينُ القارِئَ لِكُتُبِ التّفسيرِ والمُتَخَصِّصَ فيه على ضبطِ معلوماتِهِ وفَهْمِهِ للقُرْآن الكَريمِ، وَلِكلامِ المُفَسِّرينَ من الصّحابةِ والتّابعينَ ومَن بعدَهم من المُفَسِّرين؛ حتى لا يشتَطَّ بهم الفَهْمُ بعيداً عن مُرادِ اللهِ تعالى.
وَتَدُلُّ هذه القواعِدُ على أنَّ تفسيرَ القرآنِ لَهُ قواعِدُ وضوابِطُ لا بُدَّ من الالتِزامِ بها والاسترشادِ بها في فَهْمِ القرآن، وأنَّهُ ليس كَلَأً مباحاً لِكُلِّ أحد يتكلَّمُ في كتابِ اللهِ بغيرِ عِلْمٍ، وبغيرِ قواعِدَ وضوابط يجبُ عليه الالتزامُ بها.
وقد صدر الكتابُ في مجَلَّدَيْن عن دارِ ابنِ عفّانَ بالخُبَر، عامَ 1417 للهجرة. وهو كتابٌ حافِلٌ بالقواعدِ العِلمِيّةِ في تفسيرِ القرآن لا يستغني قارِئُ كُتُبِ التّفسيرِ عن معرفَتِها والتَّفَقُّهِ فيها.
************************
د. عبد الرحمن: مرحباً بكم أيُّها الإخوة المُشاهدون بعد هذا الفاصل. وما زال حديثُنا مُتَّصِلاً مع فضيلة الشّيخ الدّكتور: صالح بن يحيى صواب، في جامعة صنعاء، والمتخَصِّص في الدّراسات القرآنيّة. وقبل أن نواصِلَ حديثَنا نأخذ اتّصال من الأخت أمّ معاذ من السّعودِيّة، تفضّلي يا أمّ معاذ، أخت أمّ معاذ معنا تفضلي. نعود يا دكتور صالح إلى سؤال الّذي سألَهُ الأخ أبو مهدي من إيران سأل سؤالاً عن الآية التّاسعة والسّتّين من سورةِ المائدة وهي قوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} هو يسأل سؤال ويقول: هل هذه الآية تتعارض مع قوله تعالى {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران:85] هل أهل الكتاب هنا – اليهود والنّصارى – من المُبَشَّرين بالجنّة كما يقول؟
د.صالح: الحقيقة هذه الآية لا تتعارض مُطْلَقاً مع الآية، ولا يمكن أن يكون هناك تعارض في كتابِ الله سبحانه وتعالى ولكن البعض قد يُشْكِل عليهِ فَهْمُ هذه الآية، والبعض أحياناً قد يُحاول أن يُشَكِّك في كتابِ الله سبحانه وتعالى أو يُلَبِّس على الآخرين بأنَّ هذه الدِّيانات كُلُّها ديانات صحيحة، والقرآنُ صريحٌ في ذلك {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} فلا دين سوى دين الإسلام بعد مبعَثِ محمَّدٍ صلّى الله عليه وعلى آلِهِ وسلّم، لكنّ هذه الآية تُحْمَل على أحد وجهين:
إمّا أوَّلاً: أنّ هذه الآية الله عزَّ وجلَّ قال: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} فَمَن آمن بالله عزَّ وجلَّ ومن تمامِ الإيمانِ باللهِ عزَّ وجلَّ أنّ يؤمن بكتبه المُنَزَّلَة ومن هذه الكتب هو القرآن، ولا يتمُّ ذلك إلا بالإيمانُ بمحمَّدٍ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، فإذا لم يُؤمن بالقرآن فليس مؤمن بالله عزَّ وجلَّ فإذاً الآية تعني أُولئكَ الّذينَ آمَنوا وَاتَّبَعوا دينَ الإٍسلام، هذا وَجْهٌ من الأوْجُه.
وهناك وجهٌ آخر: أن يكونَ ذلك في حقِّ هؤلاء قبلَ مَبْعَثِ مُحَمَّدٍ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، ولا شكَّ أنَّ لموسى عليه السّلام أنصاراً؛ وأنَّ لعيسى عليه السلام أنصارًا وحَوارِيّين، وأنَّ هؤلاءِ من أهل الجنّة، ولكن قبل مَبْعَثِ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وأُحِبُّ هنا أن أذكُرَ قولَ النّبيِّ صلى الله عليه وسلم ونصُّهُ صريحٌ في هذا ((والّذي نفسي بيده لا يَسْمَعُ بي أحدٌ من أهلِ الأرض يهوديّ أو نصرانيّ، ثمّ لا يُؤمنُ بي إلاّ أدْخَلَهُ اللهُ النّار)).
د.عبد الرحمن: لا حول ولا قوّةَ إلاّ بالله، واضح جزاك الله خيراً. عادت لنا الأخت أمّ معاذ من السّعوديّة، تفضّلي يا أمّ معاذ:
أمّ معاذ: السّلام عليكم.
الشيخ مع د.عبد الرحمن: وعليكم السّلام.
أمّ معاذ: أسأل عن آية 114 في سورة المائدة، إنزال المائدة على قوم عيسى ما الحكمة من إنزال المائدة؟ وما هي المائدة؟؟
د.عبد الرحمن: طيّب، جميل، بارك الله فيك شكراً جزيلاً. أبو خالد من السّعوديّة حيّاك الله يا أبو خالد.
أبو خالد: السّلام عليكم.
د.عبد الرحمن مع الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله.
أبو خالد: كلّ عام وأنتم بخير.
د.عبد الرحمن: أغلق التلفزيون يا أبو خالد واسمعنا من الهاتف.
أبو خالد: كيف الحال ؟
د.عبد الرحمن: الله يحيّك يا أبا خالد.
أبو خالد: عساكم طيبين.
د.عبد الرحمن: الحمد لله.
أبو خالد: والله عندي سؤال للدكتور صالح.
د.عبد الرحمن: سمِّ.
أبو خالد: هل إذا طُلِب مني أن أفسر آية فهل لي أن أعطي تفسيراً بحسب مفهومي الشخصي؟
د.عبد الرحمن: طيب، تفسير القرآن الكريم بمفهومك الشخصي؟ شكراً يا أبا خالد الله يحيّك. معنا الأخ فؤاد من السّعوديّة تفضّل يا أخ فؤاد.
فؤاد: السلام عليكم.
د.عبد الرحمن: وعليكم السّلام ورحمة الله.
فؤاد: أريد أسأل عن الآية يا شيخ {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا} [النساء:31]
د.عبد الرحمن: نعم.
فؤاد: جزاك الله خيراً.
د.عبد الرحمن: بارك الله فيك.
د.صالح: هذه في سورة النّساء.
د.عبد الرحمن: شكلها من المتأخّر.
د.صالح: نعم.
د.عبد الرحمن: الأخ أبو أحمد الّذي يقول أنّه من تلاميذك شيخ صالح.
د.صالح: ما أعرفه
د.عبد الرحمن: أبو أحمد يقول: في قوله تعالى في سورةِ المائدة {جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ} الآية رقم 97 في سورة المائدة {جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الحَرامَ وَالهَدْيَ وَالقَلائِد} الآية يقول لماذا خصَّ الكعبة وقال أنها {قِيَامًا لِّلنَّاسِ} ما معنى ذلك؟ ثمّ ما معنى والشّهرَ الحرام هل هو استئناف أم هل هو عطف؟
د.صالح: طبعاً هذا ليس استئنافاً بل هي معطوفة، فالمعنى أنّ اللهَ عزَّ وجلَّ الّذي جعل الكعبة الّتي هي البيت الحرام، وجعل الشّهرَ الحرامَ، وجعل الهَديَ، وجعل القلائدَ هذه كُلُّها جعلها قِياماً للنّاس، وهذه إشارة إلى ما كان موجوداً في الجاهليّة؛ ذلك أنَّ الرَّجُلَ كان يجدُ قاتِلَ أبيه في الأشهرِ الحُرُمِ أو في الحرم فلا يقتله، فكان الإنسانُ يأْمَن بهذه الأشياء، فالبيت الحرام كان أمْناً للنّاس. وكذلك أيْضاً ما يتعلَّقُ بالشّهرِ الحرام، وكذلك أيْضاً ما جاء في هذه الآية ما يتعلّق بالهدي فإذا ساق الهدْيَ نحو البيت الحرام، فإنَّهُ أيْضاً يأْمَن، وكذلك القلائد سواءٌ كانت هذه القلائد تُقَلَّد للهَدْي؛ كما في بعضِ الرِّوايات، أو أنّه قيل بأنّه كان في الجاهليَّة كان الواحدُ منهم يتقلَّدُ قلادةً فلا يُمَسُّ حينئذٍ.
د.عبد الرحمن: يُعرَف أنّه مُتِّجِهاً إليها.
د.صالح: فهذه كلُّها من نعمِ اللهِ عزَّ وجلَّ على أُولئكَ وبذلك دامت أمورهم وقامت حياتهم وصلُحَت بالقيام والقِوام، وما تقومُ به أمورُ الحياة، فهذه كلُّها من نعمِ اللهِ عزَّ وجلَّ أن جعلَها تقومُ بها حياةُ النّاس، سواءٌ كان هذا القيام قياماً في الأمور صلاحاً في الدّين أو صلاحاً للدّنيا؛ كما ذكر ذلك بعضُ العلماء.
د.عبد الرحمن: جزاك اللهُ خيراً يا دكتور صالح. أمّ معاذ سألت سؤالاً عن آية المائدة وهي قول الله سبحانه وتعالى في الآية رقم 112 {إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء قَالَ اتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ* قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ* قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء تَكُونُ لَنَا عِيداً لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ * قَالَ اللّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ}، [المائدة:112-114] السُّؤال أوَّلاً: ما معنى المائدة؟ ثانياً: لماذا سأل قومُ عيسى هذا السُّؤال؟ وهل نزلت المائدة؟
د.صالح: وقبل ذلك أيْضاً هذه هي سورةُ المائدة سُمِّيَت بهذا الاسم؛ لأنّها قصّة بارزة فيها، وعادةً السُّوَر تُسَمّى بشيْءٍ بارِزٍ فيها، فَسُمِّيَت المائدة؛ لأنّها حقيقةً من معجزاتِ عيسى عليه السلام. المائدة كما ذكرت بعضُ كتبِ التّفسير يُحْكى ويُذْكَر أنَّ عيسى عليه السّلام أمر قومَهُ أن يَصوموا لله عزَّ وجلَّ فصاموا ثلاثين يوماً، فلمّا أكْمَلوا صِيامَهم سألوهُ أن يسألَ اللهِ عزَّ وجلَّ أن يُنزِلَ عليهم هذه المائدة؛ حتى يعلموا أنَّ صيامهم قد تُقُبِّل، وهذه كما جاءت، ولكنّ القرآن نصّ على ذلك {إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ} وفي قراءة {هَلْ تَسْتَطِيعُ رَبَّكَ} بمعنى هل تستطيعُ أن تسألَ ربَّك؟ قراءة متواترة، {إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء قَالَ اتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} عيسى عليه السّلام يخشى أنّه إذا نزلت هذه المائدة أن لا يؤمنوا، فهي آية عظيمة من الآيات فإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يُهلِكُهم ويُعَذِّبُهم. {قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ} وحينئذٍ قام عيسى عليه السلام إلى مُصَلاّه كما تذكره الرِّوايات فسأل الله سبحانه وتعالى أن يُنْزِلَ عليهم المائدة، فنزلت عليهم المائدة، وهي طعامٌ فيها من اللّحْمِ، والخبزِ وغير ذلك، طبعاً لا نريد أن نذكر ما ذكره العلماء؛ لأنّ هذه مبنيّة على روايات إسرائيليّة، لا يُتَأَكَّد من صحّتِها، ولكن حاصل ما ذكره القرآن ونصّ عليه أنّها كانت مائدة أكلوا منها ونزلت عليهم، وكانت هذه آية ومعجزة من معجزاتِ عيسى عليه السلام.
د.عبد الرحمن: فتح الله عليك. عندي تساؤل يا شيخ صالح حول موضوع المائدة فعلاً، أذكر جمهور المفسِّرين يجمعون على أنّها نزلت، وأذكر مجاهد والحسن البصري من التّابعين يرَوْن أنَّها لم تنزل بدليل أنَّهُ قال {فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ} فقالوا إذاً لا نريدُها.
السؤال: أنّها غير مذكورة هذه القصة مع أنّها آية عظيمة في كتب أهل الكتاب ولا يعرفونها، وأذكر في مناظرة الباقِلاّني -أبي بكر الباقِلاّني- عندما ناظر النّصارى فقالوا له: أنتم تزعمون أنّ نبيَّكم انشقّ له القمر -يقصدون محمّد صلى الله عليه وسلم- قال: نعم، نزل هذا في كتابنا {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر:1] ورآه النّاس. قالوا: ما سمعنا بهذا، قال: طيّب، عيسى عليه السلام هل نزلت عليه المائدة؟ فقالوا: نعم، قال: هذه ليست مذكورة في كتبكم ولا معروفة؟ فالشاهد أنّ بعضهم يُشَكِّك في نزولِها واختُلف فيها.
د.صالح: المسألة مختلف فيها، ولكن جمهور المفسّرين على أنّها نزلت هذه واحدة.
المسألة الثانية: أشار القرآن إلى بعض الأمور الغيبيّة الّتي حتى رُبَّما لا يعرفها اليهود ولا النّصارى، ومن ذلك مثلاً قول الله عزَّ وجلَّ {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ} [التوبة:30]، ذكر بعض العلماء أنّ هذه من المسائل الّتي انقرض أُولئك اليهود الّذين يقولون هذه المقالة، وأنَّها لم تعُد موجودة. فهذا من بيانِ إعجازِ القرآن الغيبي.
د.عبد الرحمن: بارك الله فيك. نأخذ اتّصالاً من الأخ عبد الله من السّعوديّة. تفضّل يا عبد الله حيّاك الله.
الأخ أبو خالد يا شيخ صالح يقول: إذا طُلِبَ منّي تفسيرُ آيةٍ بمفهومي الشّخصي، أنا أخشى أن يكونَ الأخ أبو خالد سمعنا ونحن نقول مفاهيم قرآنيّة، فظنّ بنا أنَّنا نقول بأنَّ القرآن يمكن أن يُفَسَّر بمفاهيمنا الشّخصيّة، هو يقول لو طُلِبَ منّي أن أُفَسِّرَ القرآن الكريم بمفهومي الشخصي هل يصحّ لي هذا و لا يصحّ؟
د.صالح: هناك مسألتان:
أوَّلاً: يجب التّحذير من القولِ في القرآن بغير علم، وقد ورد في ذلك بعض النّصوص، وتحرَّزَ السَّلَفُ رضي الله عنهم ورحمهم الله تعالى من القولِ في القرآنِ بآرائهم، هذه المسألة الأولى.
لكن الّذي ينبغي أن نُبَيِّنَهُ لِطُلاّب العلم المبتدئين، ما هو حدّ الجهل، أو بغيرِ علم؟ نحن نقول: هناك أشياء في القرآن، ولذلك يجب أن يُتَدَبَّرَ القرآن، فإذا قلتُ لك مثلاً: تحدّث، أو ماذا تستفيد من هذه الآية ووجدتَ أنّ فيها، العلمُ يُكْتَسَب بوسائل كثيرة، فلو وقف إنسان {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} [الكافرون:1-2]، بيَّن أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أمرهُ اللهُ عزَّ وجلَّ بأن يُفاصِلَ المشركين هذه من الأمور المعلومة، فنقول لك باختصار: إن كان هذا ممّا عَلِمْتَهُ وأصبح معلوماً، تأتي إلى النّاس وتقول: يا أيُّها النّاس اتَّقوا الله، صلُّوا؛ لأنَّ الله عزَّ وجلَّ أمر بالصَّلاة، أو لأنّ الله عزَّ وجلَّ أمر بالمعروف، أمرنا أن نأمُرَ بالمعروف وننهى عن المنكر، وقال سبحانه وتعالى {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} [آل عمران:104]، أنت تعتبر عالماً في هذا المجال. لكن أن تجتهدَ بما لا تعلمه، هذا لا يجوز، فيجب أن نُمَيِّز؛ لأنَّ بعضَ النّاس يُشَدِّد في هذا، ومن ثَمَّ لا يستطيع أحد أن يستنبط ولا أن يتدبَّر ويقول: أنا لا أعلم، وبعضهم يتساهل في هذا.
د.عبد الرحمن: وممكن يا شيخ صالح أن يُقال للأخ أبو خالد أنت الآن ممكن أن تُفَسِّرَ القرآن بمفهومك الشخصي في مجلِسِ العلم، يعني: مثلاً لو جئتَ إلى طلاّب، وقلت للطُّلاّب أُريد أن تُبَيِّنوا لي ماذا فَهِمْتُمْ من هذه الآية؟ ماذا فهمت أنت يا محمد – يا علي – يا سعيد، فيقول: أنا ما أستطيع أنّي أتكلّم في القرآن برأيي ولا بمفهومي، فأقول لا، تكلّم، أنا مدرِّس معك في القاعة وسوف أُصَوِّب لك فَهمَك. ومن الأشياء الجميلة في طريقة فَهم التّفسير أنّك تترُك الطّالب يجتهد في فَهمِ الآية بنفسه، ثمّ يذكر لك الفَهم إن كان فَهمه صحيحاً تُؤكِّدُهُ له، وإن كان فَهمُهُ خاطِئاً تُصَوِّب له الفَهم، فيتضح بهذا المقصود. معنا اتّصالان يا شيخ صالح، معنا أبو معاذ تفضّل، الأخ أبو معاذ
أبو معاذ: السّلام عليكم.
د.عبد الرحمن: وعليكم السّلام.
أبو معاذ: بارك الله فيكم يا شيخ وشكر الله سعيكم.
د.عبد الرحمن: آمين.
أبو معاذ: سؤالي الله يحفظك هل هناك توافق بين آية المائدة وقوله تعالى في بدايتها {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ} [المائدة:13].
د.عبد الرحمن: السؤال التوافق بين ماذا يا أبا معاذ؟
أبو معاذ: التوافق بينها وبين آية المائدة.
د.صالح: كم رقم الآية؟
أبو معاذ: لا أضبط رقم الآية لكنها في الوجه الرابع. قضية التوافق بينها وبين آية المائدة ونزولها وأنها ليست موجودة في كتب اليهود والنصارى.
د.عبد الرحمن: شكر الله لك. معنا اتّصال من الأخ أبو زياد من السّعوديّة تفضّل يا أبو زياد، أبو زياد حيّاك الله لو تنقّص من التلفزيون. يا أبو زياد تسمعني؟ يبدو أنّه ذهب الأخ أبو زياد.
سؤال الأخ فؤاد يا دكتور صالح يقول في قوله تعالى في سورة النِّساء {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} يقول: ما معنى هذه الآية؟
د.صالح: طبعاً هذه الحقيقة تبيِّن أنَّ الإنسان المسلم إذا اجتنب الكبائر، وبقيَت الصّغائر فإنَّ له بإذن اللهِ عزَّ وجلَّ فالله سبحانه وتعالى هذه من الآيات الّتي فيها أمل، وفيها فتح باب من أبواب عدم اليأس من رحمةِ اللهِ سبحانه وتعالى، فلأنّ الإنسان لا يسلم من الصّغائر، لا يسلمُ الإنسان كما قال الله عزَّ وجلَّ {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ} [النجم:32] فهذه تُكَفِّرُها الأعمال الصّالحة، تُكَفِّرُها الصّلوات الخمس، يكفِّرُها رمضانُ إلى رمضان، تُكَفِّرُها العمرة إلى العمرة، هذه كفّاراتٌ لما بينهنّ ما لم تُغْشَ الكبائر، فإذا اجتُنِبَت الكبائر، فالكبائر هي الخطيرة وهي المُهْلِكة، أمّا الصّغائر إذا استغفر الإنسانُ الله عزَّ وجلَّ وتاب منها، وقد جدّد التوبة فإنَّ الله سبحانه وتعالى يعفو عنها بإذن الله.
د.عبد الرحمن: جزاك الله خيراً. والآيات في سورة النِّساء مليئة الحقيقة فيها خمس آيات من هذا النّوع {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [النساء:48]، وفيها {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} هذا فتْحٌ لباب التّوبة.
تنبيه الحقيقة أبو معاذ قال الآية الّتي في سورة المائدة آية رقم 13 {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ} فهو يقول: لعلّ المائدة تدخل في (ونسوا حظّاً).
أنا أقول: ليس المقصود من أنّهم نسوا، هم نسوا أشياء كثيرة لكن لماذا فُقِدَت هذه الحادثة من كتب أهل الكتاب؟
الوقت في الحقيقة يا دكتور صالح أدركنا، ونحن سعداء جدّاً بهذا اللِّقاء أسأل الله أن يكتُبَ أجرك وأن يجعَلَهُ في موازين حسناتك.
باسمكم جميعاً أيُّها الإخوة المُشاهدون أشكُرَ أخي العزيز الدكتور صالح بن يحيى صواب، الأستاذ المشارك بجامعة صنعاء، والمتخصّص بالدّراسات القرآنيّة على ما تفضّل به من الأجوبة السديدة الموَفَّقة أسأل الله أن يُوَفِّقَهُ ، وأسأل الله أن يتقبَّلَ منّا ومنكم أيُّها الإخوة المُشاهدون. أشكركم على متابعتكم، وأسأل اللهَ أن يتقبَّلَ منكم.
وموعدُنا غداً بإذن الله تعالى يتجدَّد في برنامجكم التّفسير المباشر، انتظِرونا أسأل الله أن يتقبّل منكم، وإلى أن نلتقي أستودعكم الله والسّلام عليكم ورحمةُ الله وبركاته.