برنامج التفسير المباشرالجزء الأول 1-9-1429هـ
د.عبد الرحمن: بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين…
أيها الإخوة المشاهدون:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتهومرحباً بكم في برنامجكم التفسير المباشر على قناتكم قناة دليل الفضائية…
· رمضان شهر القرآن، والقرآن أنزل في رمضان، اسمان متلازمان منذ نزل القرآن وحتى اليوم “القرآن ورمضان” فلا يذكر رمضان إلا ويذكر معه القرآن، ولا يذكر القرآن إلا ويذكر معه شهر رمضان: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ } [البقرة:185].
في برنامجنا هذا بإذن الله تعالى سوف نتناول في كل يومٍ على مدى شهر رمضان كاملاً بإذن الله تعالى جزءًا من أجزاء هذا القرآن العظيم، نتناقش فيه وفي أبرز موضوعاته التي اشتمل عليها، ونستضيف ضيفاً من المتخصصين في الدراسات القرآنية والمعنيين بتفسيره، للحديث والإجابة عن أسئلتكم واستفساراتكم، التي يسرنا أن نتقبلها ونتلقاها منكم على الأرقام التي تظهر تباعاً على الشاشة بإذن الله تعالى…
معنا في هذه الحلقة “الجزء الأول” من أجزاء القرآن الكريم، والجزء الأول من أجزاء القرآن الكريم يشتمل على سورة الفاتحة ومائة وواحد وأربعين آية من سورة البقرة.
* وأبرز الموضوعات التي اشتمل عليها الجزء الأول:
1) تقسيم أصناف الناس في سورة الفاتحة إلى المؤمنين والمغضوب عليهم والضالين.
2) ثم أقسام الناس إلى مؤمنين وكافرين ومنافقين كما في أول سورة البقرة.
3) ثم بعد ذلك قصة خلق آدم عليه الصلاة والسلام، والحوار مع الملائكة في ذلك.
4) ثم خطاب بني إسرائيل، وطرف من أخبارهم مع نبيهم موسى عليه الصلاة والسلام.
5) ثم قصة بني إسرائيل وأمرهم بذبح البقرة.
6) ثم قصة بناء البيت الحرام من قبل إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما الصلاة والسلام.
يسرني في هذه الحلقة أيها الإخوة أن يكون ضيفي وضيفكم في هذه الحلقة الأولى من البرنامج هو الصديق العزيز فضيلة الشيخ الدكتور: مساعد بن سليمان الطيار الأستاذ المشارك بجامعة الملك سعود والمتخصص في الدراسات القرآنية؛ ليكون ضيفاً نتحدث معه حول أبرز موضوعات هذا الجزء، والإجابة عن أسئلتكم واستفساراتكم.
حياكم الله يا دكتور مساعد ومرحباً بك.
د.مساعد:حياكم الله وبارك فيكم، الله يبارك فيك.
د.عبد الرحمن: بدايةً يا دكتور مساعد كما ذكرتُ في البداية ارتباط القرآن برمضان، أتمنى لو تلقي الضوء على هذا الارتباط وأهمية العناية بالقرآن في شهر رمضان على وجه الخصوص.
د.مساعد: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين…
أما بعد: فأسأل الله سبحانه وتعالى لهذه القناة الفتية أن يبارك الله سبحانه وتعالى فيها وأن ينفع بها، ثم أشكركم على هذه الاستضافة وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يبارك أيضاً بهذا البرنامج الذي له هذا العنوان اللطيف “التفسير المباشر”
أما ما يتعلق بقضية علاقة القرآن برمضان هذه كما ذكرتم في الآية، في قوله سبحانه وتعالى:{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ}[البقرة:185]، وأيضاً قوله سبحانه وتعالى:{إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ }[القدر:1]، وقوله: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ}[الدخان:3] وهذه الليلة المباركة هي ليلة القدر وهي من ليالي رمضان، فهذا يوضح الارتباط الشديد جداً والمتلازم بين القرآن ورمضان ولهذا حري بالمسلم أن ينصرف جُل وقته في رمضان للقرآن، يعني جل وقته يكون للقرآن، ولهذا نلاحظ أن القرآن يستحوذ على جزء كبير جداً من صلاة الليل، وهي ما نسميه بصلاة التراويح، ثم أيضاً في العشر الأواخر إذا دخل وقت قيام الليل، ولهذا ليس هناك أكبر من هذه النصيحة، أن ينتبه المسلم لهذا الارتباط والتلازم بين القرآن ورمضان.
د.عبد الرحمن: جميل
هناك يا دكتور مساعد من يلوم بعض الناس يقول: أنتم لا تهتمون بالقرآن إلا في رمضان وأما في سائر السنة فأنتم تهملونه ! فنقول أن هذه الملامة لها جانبان: جانب صحيح وجانب خاطئ.
د.مساعد:صحيح
د.عبد الرحمن: الصحيح فيها أنك يجب عليك ألا تهمل القرآن في سائر السنة، وينبغي عليك أن يكون لك ورد يومي من القرآن الكريم، ولكن أن تعتني بالقرآن في رمضان هذا ليس بدعاً.
د.مساعد:بالعكس هذا فعله الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
د.عبد الرحمن: بالضبط، يعني النبي -صلى الله عليه وسلم- بنفسه كان يُدارس جبريل بالقرآن في رمضان على وجه الخصوص وفي كل ليلة، ((وذلك في كل ليلة)) فهذه سنة ملائكية نبوية.
د.مساعد:نعم.
د.عبد الرحمن: طيب يا دكتور مساعد سورة الفاتحة هي أعظم سورة في القرآن الكريم , والنبي -صلى الله عليه وسلم- قد ذكر في فضلها أحاديث كثيرة؛ يعني يحضرني منها قول النبي -صلى الله عليه وسلم- أو في الحديث القدسي، أنه كما روى عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-، يقول: “”بينما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- قاعداً مع جبريل إذ سمع نقيضاً من السماء – والنقيض هو الصوت – فالتفت جبريل عليه الصلاة والسلام إلى السماء فقال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: ((هذا باب قد فتح الليلة لم يفتح من قبل)) ثم نزل منه ملك فقال جبريل عليه الصلاة والسلام: ((هذا ملك نزل من السماء لم ينزل من قبل إلا الليلة)) فجاء هذا الملك إلى جبريل عليه الصلاة والسلام والنبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((يا محمد أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما أحد من قبلك)) ما هما؟ قال: ((سورة الفاتحة وخواتيم سورة البقرة)) سمى هذه السورة نوراً وسمى خواتيم سورة البقرة نوراً، فنود أن تسلط الضوء على فضل سورة الفاتحة ونختار موضوعاً واحداً من موضوعاتها يا دكتور..
د.مساعد:نعم
سورة الفاتحة لا يكاد يجهل مسلم فضل هذه السورة، ولعل مع هذا الحديث نختار حديثاً آخر وهو قول الرسول -صلى الله عليه وسلم- في الحديث القدسي عن ربه: ((قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال: العبد {الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال: {الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ} ، قال: أثنى علي عبدي، وإذا قال: {مَـالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} ، قال: مجدني عبدي، ثم يقول: وإذا قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل)) فقوله: ((هذا بيني وبين عبدي)) في قوله: { إِيَّاكَ نَعْبُدُ } ((بيني)) هذا قسم الرب سبحانه وتعالى، و{ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } ((بين عبدي)) هذا قسم العبد، ثم قال: ((ولعبدي ما سأل)).
هو آخر السورة، من قوله: { اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ } لأنها دعاء، وهذه من الفوائد المهمة جداً وهو تقديم الثناء على الدعاء، تقديم الثناء على الدعاء هذه أحد الفوائد التي يمكن نستفيدها من سورة الفاتحة.
د.عبد الرحمن: أيضاً من المعاني يا دكتور مساعد التي تلحظ في سورة الفاتحة أنها من السور التي تكرر كثيراً، يعني هي أكثر سورة تكرر في الصلوات وبصفة عامة، فأول ما يبدأ به الصغير من المسلمين تعلم سورة الفاتحة وقصار السور، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)) يعني هذا السر في التكرار, أنا تأملت يا دكتور مساعد في السور التي كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يداوم عليها فعندك على سبيل المثال أبرزها هي سورة الفاتحة لأنها تكرر في كل ركعة.
د.مساعد:نعم، في صلوات الفرض والنوافل.
د.عبد الرحمن: والنوافل، لا تصح صلاة لا فرض ولا نافلة إلا بقراءة سورة الفاتحة، ما هو السر يا ترى في هذا التكرار؟؟ يعني عندما تتأمل موضوعات هذه السورة القصيرة، هي سبع آيات فقط، تتأمل فيها فإذا هي قد حوت كما يقول عبد الحميد الفراهي -رحمه الله- سماها اسم جميل وقال: ((إن سورة الفاتحة هي ديباجة القرآن)) , وقال: ((إنها قد اشتملت على كل ما في القرآن))، فكأنها هي خلاصة ما في القرآن وبقية سور القرآن الكريم شرح لها وتفصيل.
د.مساعد:وهذا أحد المعاني ذكرها العلماء قول في تسمية الفاتحة بأنها أم القرآن، لأن أم القرآن معناها الجامعة لمعاني القرآن.
د.عبد الرحمن: نعم، فأنا أقول ما هي المعاني التي اشتملت عليها -يعني- المعنى الأبرز خاصةً نركز على قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}حتى إنه يقول بعض العلماء إن خلاصة سورة الفاتحة هي في هذه الآية في {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}وأذكر أحد الباحثين ذكر وقال إن {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} يمكن أن نسميها العهد والميثاق بين العبد وبين ربه فكأنه في كل صلاة وفي كل ركعة يكرر.
د.مساعد:يجدد هذا العهد.
د.عبد الرحمن: يجدد هذا العهد وهذا الميثاق، وحتى يحضرني الآن معنى من معاني اللغة في الآية في قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}وهو نعبد ونستعين أليست فعل مضارع؟
د.مساعد:بلى.
د.عبد الرحمن: أليس من المعاني التي يدل عليها الفعل المضارع هو الحدوث والتجدد؟؟، فكأنك تجدد هذا العهد والميثاق كل مرة.
د.مساعد:مرةً بعد مرة، صحيح.
د.عبد الرحمن: أضف إلى ذلك المعنى الآخر وهو معنى بلاغي في تقديم المفعول به على الفاعل والفعل في {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}
د.مساعد:لأنه يدل على الاختصاص
د.عبد الرحمن: لو سألنا ما هو إعراب {إِيَّاكَ }؟
لكان الجواب إياك مفعول به مقدم ونعبد فعل وفاعل متأخر، والسر البلاغي في تقديم المفعول به هنا هو الاختصاص، يعني لا نعبد إلا إياك ولا نستعين إلا بك، هذا المعنى وهو معنى الإخلاص لله سبحانه وتعالى في العبودية وفي الاستعانة , انظر إلى -يعني- كيف بث الله الآيات التي تدل على هذا المعنى في القرآن الكريم.
د.مساعد:كثيرة جداً.
د.عبد الرحمن: كأنها كما قال ابن القيم تأتي لكي تشرح {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}
د.مساعد:هذا صحيح، والعبودية هي مقصد من المقاصد الكبرى في القرآن، وهي التي يغفل عنها كثير من الناس حينما يقرؤون القرآن، وحينما يربون الناس على الشرع -يعني- قضية التربية على العبودية لله هذه قضية منهجية كلية كبرى يجب أن ننتبه لها -يعني- ينتبه لها الأب مع أبنائه، وينتبه لها كذلك الحاكم مع محكوميه، والمربي مع من يربيهم، العبودية للكل هي العبودية لله سبحانه وتعالى، حتى النبي -صلى الله عليه وسلم- نبه على هذا المعنى في أحاديث كثيرة جداً، لكن لو رجعنا إلى فكرة ذكرتها يا شيخ عبد الرحمن في قضية المقاصد الكبرى التي لسورة الفاتحة، لو تأملنا عندنا ثلاث مقاصد كبرى هي: معرفة الرب، ومعرفة الطريق الموصل إليه، و…
**************************
د.عبد الرحمن: معنا اتصال يا دكتور مساعد -يعني- من الإخوة المشاهدين معنا الأخ خالد من السعودية تفضل يا أخ خالد.
السائل: السلام عليكم.
د.عبد الرحمن: وعليكم السلام ورحمة الله.
السائل: مساء الخير.
د.عبد الرحمن: أهلاً وسهلاً بك حياك الله تفضل يا أخي الحبيب
السائل: الله يجزيك خير، أولاً أهنئكم بشهر رمضان، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل منا صالح الأعمال.
د. عبد الرحمن: اللهم آمين.
السائل: أول شيء لدي سؤال، وأحب أن أهنئ هذه القناة يعني صراحة التي لا أجد ما يصف الثناء عليها، بجد والله أنا أوقاتي أتابعها يعني 24 ساعة ما شاء الله يعني بصراحة حطمت كل القنوات, أنا دائم عليها والله.
د. عبد الرحمن: الحمد لله.
السائل: أحب أشكر القناة هذه، والسؤال يا شيخ جزاكم الله خير، سورة البقرة لماذا سميت بسورة البقرة؟ وتسمية السور هل هي من الرسول -صلى الله عليه وسلم- أو من الصحابة وكذا؟ أفيدونا جزاكم الله خير.
د. عبد الرحمن: شكراً جزيلاً يا خالد، أبشر بإذن الله، نعود يا دكتور مساعد إلى هذا المعنى والذي ذكرته.
******************************
د.مساعد:نعم، إذا قلنا الذي هو:
* معرفة الله سبحانه وتعالى.
* ومعرفة الطريق الموصل إليه.
* ومعرفة حال الناس مع هذا الطريق.
د. عبد الرحمن: مع هذا الطريق.
د.مساعد:مع هذا الطريق، فهذه هي المقاصد، يمكن نسميها المقاصد الكبرى التي في سورة الفاتحة، وهي التي في القرآن كله،
· فالأول في معرفة الرب سبحانه وتعالى في الآيات الثلاث الأولى، من قوله: { الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } إلى قوله: { مَـالِكِ يَوْمِ الدِّينِ } .
· ثم: { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } فهذا الطريق الموصل إليه مع قوله: { اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ } .
· طيب السالكون هم الذين أنعم الله عليهم، وغير السالكين الذين تجنبوا هذا الصراط هم من وصفهم بأنهم مغضوب عليهم أو ضالين.
ولو تأملنا في قوله المغضوب عليهم والضالين، قضية مهمة جداً الرسول -صلى الله عليهم- وسلم نص على أن المراد بالمغضوب عليهم اليهود وأن الضالين النصارى، لكن أيضاً ينتبه إلى أنه سمي هؤلاء المغضوب عليهم وهم اليهود لأنهم علموا ولم يعملوا.
د. عبد الرحمن: فتنطبق على كل من اتصف بهذه الصفة.
د.مساعد: نعم، هذه مهمة جداً هذه تنطبق على كل من اتصف بهذه الصفة، والآخرون عبدوا الله بلا علم: { وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ } وهم النصارى فأيضاً تنطبق على كل من عبد الله بغير علم، فإذا يمكن أن نقول بأن الكلية الكبرى التي أشرتم إليها قبل قليل قضية العهد و الميثاق التي هي قضية العبودية في قوله: { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } وقد شرحها ابن القيم وبنى عليها كتابه “مدارج السالكين في شرح منازل إياك نعبد وإياك نستعين” فما من عمل من أعمال القلوب إلا وهو يرجع إلى هذه القضية، قضية العبودية.
د.عبد الرحمن: جزاك الله خيراً، بالمناسبة كتاب “مدارج السالكين في منازل إياك نعبد وإياك نستعين” لابن القيم كتاب قيم وجدير بالقراءة، ورأيت له تهذيباً رائعاً للأستاذ صالح الشامي أنصح بقراءته لمن لم يقرأ الأصل ففيه فوائد.
قبل أن نجيب على سؤال الأخ خالد الله يحفظه، وكنا سنأتي إليه في تسمية سورة البقرة هناك تساؤل يا دكتور مساعد في التقسيم، عناية القرآن الكريم بالتقسيم، الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم كثيراً ما يذكر الأقسام { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ } فأما الذين اسودت وجوههم كذا وأما الذين ابيضت كذا، هنا في الفاتحة: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ } ثلاثة أقسام، في سورة البقرة في أولها أيضا فيها أقسام { هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ } ذكر المتقين الذين.. الذين.. ثم بعد قليل قال: { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ } ثم قال: { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ } فقسم إلى مؤمنين وكافرين ومنافقين وهكذا في بقية الآيات، ما هو السبب الذي تلمسه يا دكتور مساعد من عناية القرآن الكريم بالتقسيم؟
د.مساعد:جيد، هذا الحقيقة موضوع لطيف جداً لو بُحث، وهو عناية القرآن بالتقسيمات، وتلاحظ هذه التقسيمات تقسيمات منطقية، بمعنى أن نجد مثلاً الحق والضلال: { فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ } إذاً يا حق يا ضلال، ليس هناك مرحلة وسط، لما جاء عند أيضاً أهل الإيمان والكفر قسمهم تقسيمات، مرة يقسم الإيمان مع الكفر فقط، ومرة يقول أهل الإيمان وهم صنف واحد لا يتعدد، ويتعدد ماذا؟ صنف الكفار، مثل ما ذكرتم المنافقون في النهاية كفار، والكفار قال عنهم الله سبحانه وتعالى: { الَّذِينَ كَفَرُواْ } أيضاً كفار، واليهود الذين سيأتي في قوله: { يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ } أيضاً يدخلون في هذا الصنف.
د.عبد الرحمن: الكفار.
د.مساعد:أي نعم، أحياناً قد يأتي التقسيم أيضاً في مثل هذه الطوائف ثلاثيا في مثلا موقف يوم القيامة، لما قال الله سبحانه وتعالى: { فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ }[الواقعة:8]، ثم قال: { وَأَصْحَابُ الْمَشْئَمَةِ }[الواقعة:9]، ثم قال: { وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ } [الواقعة:10]، فأفرد السابقين الذين هم أهل البر والتقوى الذين بلغوا شأواً عظيماً في ذلك، وبقية المؤمنين أفردهم في قسم، والأشرار جعلهم في قسم واحد، كذلك أيضاً من الأشياء التي يحسن أن ننتبه لها في تقسيمات القرآن فيما يتعلق بالطوائف، أنه في موطن وحيد جاء تقسيم أهل الإيمان، مع أنه العادة إذا ذكر أهل الإيمان ذكروا بوصف الإيمان الكامل، وكان المعنى أنكم يجب عليكم أن تصلوا إلى هذه المرتبة يعني: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا } الذين كمل إيمانهم، إلا في قوله: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا }
د.عبد الرحمن: في سورة فاطر.
د.مساعد:نعم، قال: { فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ } [فاطر:32] وأنا أقول حقيقة هذه من آيات الرجاء، يعني من آيات الرجاء أن أهل الإسلام، ماداموا قد اصطُفوا وسماهم الله المصطفون.
د.عبد الرحمن: كلهم أهل الإسلام.
د.مساعد:نعم، كل أهل الإسلام، فنحن على الأقل ولو دخلنا في الظالم لنفسه فنحن في خير إن شاء الله.
د. عبد الرحمن: أيضاً نريد أن نشير إلى ملمح يا دكتور مساعد في تقسيمات القرآن وهو أنت الآن عندما تأتي فتؤلف كتاباً، ثم تقول وهذه بحسب استقرائي تنقسم إلى أربعة أقسام أو خمسة أقسام، أنا قد أقرأ تقسيمك هذا ولا أكون على يقين منه قد يكون هناك قسم سادس.
د.مساعد:يعني تقصد الذي هو موضوع السبر والتقسيم.
د. عبد الرحمن: السبر والتقسيم لكن تقسيمات القرآن أنت عندما تنظر فيها وتتدبر أنت على يقين أنها على غاية الحكمة وأنها تقسيمات وراءها أسرار، إذا قسم في موضع إلى قسمين هناك أسرار، وإذا قسم إلى ثلاثة هناك أسرار، وهذا لا تستطيع أن تبينه في كلام البشر، أليس كذلك؟
د.مساعد: صحيح.
د. عبد الرحمن: أما في كلام الله وفي كلام رسوله -صلى الله عليه وسلم- فتجد أسراراً وحكما.
د.مساعد:وهذا الذي ندعو إلى أن يكون فيه بحث من هذه الزاوية اللي هي أسرار التقسيمات يعني مرة قسم أهل الإيمان بطريقة معينة ثلاثية.
د. عبد الرحمن: حسب السياق حسب السورة حسب كذا.
د.مساعد:حسب السياق، في الواقعة قسمهم إلى قسمة ثنائية مقابل الضالين، في الفاتحة جعلهم قسماً واحداً مقابل اليهود والنصارى، سورة البقرة بدايتها جعلهم قسماً مقابل الكفار والمنافقين ثم أشار إلى اليهود فيما بعد وهكذا.
د.عبد الرحمن: الحقيقة إن الموضوع أتصور إنه يكون موضوع ثري لو تدبره الإنسان وتأمله
د.مساعد:جدا.
د.عبد الرحمن: نريد أن نجيب على سؤال الأخ خالد -أخشى أن يقوم ويترك القناة- فدعنا نتناول الجزء الأول من سؤاله و يقول: سورة البقرة لماذا سميت سورة البقرة؟
د.مساعد:جيد، طيب لعلنا نجيب عن سؤاله الأول ثم ننتقل إلى تسمية السورة سريعاً
تسمية السور نقول للأخ خالد وللمشاهدين أنا أُفضل أن نقول في تسمية السور أنها مراتب.
*******************************
د.عبد الرحمن: نعتذر يا دكتور قبل أن ندخل في هذا معنا الأخ محمد من السعودية، تفضل يا أخ محمد.
السائل: السلام عليكم.
د.عبد الرحمن: وعليكم السلام ورحمة الله.
السائل: أولاً أشكركم على القناة الطيبة، وأبارك عليكم انطلاق هذه القناة، وأبارك عليكم الشهر الفضيل، وأحييكم وأحيي الشيخ مساعد
د.عبد الرحمن: حياكم الله
السائل: بس استفسار البرنامج هذا هل هو مستمر إلى نهاية الشهر؟
د.عبد الرحمن: نعم مستمر إلى نهاية رمضان بإذن الله.
السائل: الله يجزاكم خير عندي سؤال: بالنسبة لسورة البقرة قال الله عز وجل: { سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ }[البقرة:6]، ونوح عليه الصلاة والسلام، قال: { قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا } [نوح:5]، وقال: { ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا {8} ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا }[نوح:8-9]، طيب ما فيه نوع من التعارض بين الآيتين يعني أن الإنسان ما ينذر الكفار { سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ }؟
د. عبد الرحمن: أحسنت، جزاك الله خيراً، تسمع الجواب بإذن الله شكرا يا أخ محمد الله يحفظك
**********************************
د. عبد الرحمن: نعود يا دكتور مساعد إلى تسمية سورة البقرة.
د.مساعد:أقول التسميات أنا أفضل أن نسميها مراتب ولا ندخل لقضية التوقيف والاجتهاد لأن التوقيف أحياناً يلزم منها عدم القول بالاجتهاد يعني يقابلها.
د. عبد الرحمن: يعني أنت الآن تشير إلى أن تسمية سور القرآن الكريم بعضها كما يقول العلماء في كتاب مثل الإتقان للسيوطي.
د.مساعد:بعضها للتوقيف وبعضها…
د. عبد الرحمن: وتوقيف، معناه للإخوة المشاهدين التوقيف إذا قلنا تسمية سورة البقرة توقيفاً يعني أن النبي -صلى الله عليه- وسلم هو الذي سماها ولا يجوز لنا أن نسميها باسم آخر.
د.مساعد:هذا هو الإشكال هنا أنه لا يجوز لنا أن نسميها باسم آخر.
د. عبد الرحمن: إذا قلنا توقيفي بمعنى أنه قد أوقفه النبي -صلى الله عليه وسلم- على هذه التسمية فلا نتعداها وإذا قلنا تسميتها بالاجتهاد معناها والله يأتي أحد العلماء مثل الطبري أو مثل ابن عباس فيسميها باسم.
د.مساعد:جميل، فنقول إذاً هنا مراتب:
·المرتبة الأولى ما ثبتت تسميته عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مثل سورة البقرة، في مثل قوله: ((اقرءوا الزهراوين البقرة وآل عمران))
· والمرتبة الثانية: هي ما سماه الصحابي
لماذا جعلناه مرتبة مستقلة؟ لأنه احتمال أن يكون سمعه من النبي -صلى الله عليه وسلم- مثل ما رواه البخاري عن ابن عباس، قال: سعيد بن جبير وسألته عن سورة الأنفال، فقال: تلك سورة بدر، وهم سموا أيضاً سورة التوبة بالفاضحة والمقشقشة فكان لهم أسماء.
· والمرتبة الثالثة: ما دون الصحابي من التابعين إلى يومنا هذا وغالب تسميات من دون الصحابي غالبها تؤخذ من أول السورة حكاية أول السورة سورة أرأيت، سورة ألم يكن، سورة هل أتاك، وهكذا
ما فائدة هذا التقسيم؟ لهذا التقسيم فائدة، ونقول المرتبة الأولى وهو ما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فإنه يبحث فيه عن حكمة.
د. عبد الرحمن: لماذا سميت بهذا؟
د.مساعد:لماذا سمي؟ لأن الحكيم لا يصدر عنه إلا حكمة، والرسول -صلى الله عليه وسلم- لا شك أنه أحكم البشر، لكونه ما يخرج منه صلى الله عليه وسلم فإنه يدل على حكمة.
وما سماه الصحابي لاحتمال :
· أن يكون سمعه من النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا من جهة.
· والثانية كون الصحابي مشاهداً للأحوال فتسميته أقرب من تسمية غيره ممن لم يشاهد الأحوال أما من دون الصحابي فلا.
د. عبد الرحمن: جميل.
إذاً نقول للأخ خالد الآن تسميات السور وهو يسأل عن تسميات السور من الذي سماها؟ نقول له الآن: منها ما سماه النبي -صلى الله عليه وسلم- مثل سورة البقرة، ومنها ما ثبت أنه سماه الصحابي باجتهاده.
وهذا يقودنا إلى السؤال الثاني: لماذا سميت سورة البقرة بهذا الاسم؟ وأنت الآن تقول أن الذي ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- هو الذي سماها نبحث عن الحكمة، فلماذا سميت سورة البقرة؟ لأنه هو الذي سماها.
د.مساعد:جيد، سورة البقرة طبعاً سميت:
· أولاً لورود قصة البقرة هذا أول مدخل، ولم ترد قصة البقرة في غير هذه السورة: { وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً }
وقصة البقرة: أن قتيلاً قُتل في بني إسرائيل فكان الله سبحانه وتعالى لما أرادوا أن يعرفوا من هو أراد الله سبحانه وتعالى معجزةً لموسى -عليه الصلاة والسلام- أن يظهر لهم كيف يحيي الموتى أمامهم فأمرهم بأن يذبحوا بقرة وأن يضربوا بها القتيل يعني ببعضها القتيل ولكن طبعاً اليهود لأنهم كانوا قوم جدال وخصام صاروا يماطلون النبي عليه الصلاة والسلام ويسألونه ما هي؟ ما لونها ؟ حتى شددوا فشدد الله سبحانه وتعالى عليهم، فإذاً نحن أمام أمر مطلق كان يكفي فيه سرعة التنفيذ بأي بقرة لو وجدوا أي بقرة لو وجدوها وذبحوها انتهى الأمر أجابوا الأمر، فلما شددوا شدد الله عليهم.
سورة البقرة هي أكبر السور وأوسع السور في الأحكام يعني ورد فيها أحكام كثيرة جداً، وأيضاً سورة البقرة هي من أوائل ما نزل في المدينة إن لم تكن هي أول ما نزل في المدينة فإذاً نحن الآن أمام مرحلة جديدة، مرحلة تشريعات، فكأن فيها رمزاً لقضية سرعة الاستجابة، يعني { اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ } [الأنفال:24]، مباشرة دون الدخول في الجدال؛ كيف ولماذا؟
د. عبد الرحمن: كيف؟ ولماذا؟ نعم.
د.مساعد:نعم
ولهذا لو نظرنا إلى حال الصحابة -رضي الله عنهم- مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فإنا سنجد أنهم كانوا يفعلون هذا تماماً من أدل الأمثلة على ذلك، لما قال: ((لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة)).
د. عبد الرحمن: النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لهم ذلك.
د.مساعد:قال لهم ذلك فانطلقوا فلما حلت عليهم صلاة العصر وخاف بعضهم ألا يدرك الوقت، صلى مباشرةً، وبعضهم قال: لا، ونأخذ بالأمر النبوي على ظاهره وصلوا بعد خروج الوقت، كل هؤلاء وهؤلاء نفذوا الأمر النبوي المطلق هذا , لا يوجد عند الصحابة تلكؤ أو تأخر في قضية الإجابة لأوامر الله سبحانه وتعالى , فهذا رمز أو سر كبير جداً يجب أن ننتبه له من خلال قصة البقرة التي شدد فيها هؤلاء القوم على أنفسهم فشدد الله عليهم ولو شدد الصحابة في تلقي الأوامر لشدد الله عليهم ولكن الحمد لله كانوا أصحاب استجابة، وهذا من نعمة الله علينا بوجود هؤلاء الصحب الكرام بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم.
د. عبد الرحمن: رضي الله عنهم وأرضاهم الحقيقة أن هذا معنى نفيس جداً وهو معنى أن تكون تسمية سورة البقرة لأن بعض الناس يا دكتور مساعد قد يستغرب ويقول: سورة هي من أعظم السور في القرآن الكريم و 286 آية وفيها تشريعات كثيرة جداً، فيها كلام عن الصلاة، والكلام عن الحج، والكلام عن الصيام،والصيام هو في هذه السورة فقط، والكلام عن الإنفاق.
د.مساعد:والوصية.
د. عبد الرحمن: وعن الوصية، وعن القصاص، الرضاع كل هذه المعاني العظيمة ثم لا تسمى إلا باسم البقرة! بعض العلماء كان يتحرج أن يسميها سورة البقرة ويقول السورة التي تذكر فيها البقرة مع أن هذا الحرج ليس له موضع لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- سماها لكن أن تكون قصة البقرة رمزاً للاستجابة لله ورسوله يعني الآن كأن معنى السورة هذه السورة مليئة بالتشريعات والأوامر لك أيها المسلم.
هذا معنى يا أخ خالد تسميتها بسورة البقرة مليئة بالتشريعات والأوامر التي موجهة لك أيها المسلم، فاستجب لأمر الله، ولا تكن كبني إسرائيل عندما أمروا أن يذبحوا بقرة فكان منهم تعنت: {قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لّنَا مَا هِيَ } فلما بين لهم { قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا } طيب بين اللون طيب {قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ البَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّآ إِن شَاء اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ } فزودوها فكان كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((شددوا فشدد الله عليهم)) ولذلك يعني هذا ننهي به جواب هذا السؤال انظر إلى آخر السورة، عندما نزل قول الله تعالى: { لِّلَّهِ ما فِي السَّمَاواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ }[البقرة:284].
د.مساعد:استشكلوا {أَوْ تُخْفُوهُ}.
د. عبد الرحمن: فاستشكل الصحابة، طيب {أَوْ تُخْفُوهُ}نحاسب به؟ هذا فيه مشقة، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((أتريدون أن تكونوا كبني إسرائيل)).
د.مساعد:سبحان الله، يعني هذا يدل على نفس الفكرة.
د. عبد الرحمن: نعم ((تقولون سمعنا وعصينا، قولوا: سمعنا وأطعنا)) فأنزل الله سبحانه وتعالى بعدها: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة:285] قالوا: فنزلت بعدها هذه الآية العظيمة التي في آخرها، وهي كما ذكرت في أول الجلسة وفي أول الحلقة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- جاءه ملك يبشره بنورين أوتيهما لم يؤتهما أحد قبله فذكر منها سورة الفاتحة وآخر سورة البقرة.
د.مساعد:آخر آيتين نعم.
د. عبد الرحمن: فأنزل الله: { لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا }[البقرة:286].
د.مساعد:رفع الحرج.
د. عبد الرحمن: رفع الحرج { لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ }[البقرة:286].
إلى آخره، وقد رُوي أنه: { رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا }،{ رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا }، { رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا }[البقرة:286] قال الله: ((قد فعلت)) فانظر يا أخي إلى هذا التناسب بين تسمية سورة البقرة وبين المعنى الذي اشتملت عليه
إذاً أجبنا على سؤال الأخ خالد بخصوص سورة البقرة وأسباب تسمية السور.
هنا سؤال الحقيقة من الأخ محمد حول الآية التي في سورة البقرة في قوله سبحانه وتعالى: { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ {6} خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ {7} [البقرة:6-7]، يقول هذه الآية تدل على أنه لا ينفع الإنذار مع هؤلاء، هؤلاء الكفار لا ينفع معهم إنذار، فيقول هل هناك تعارض بينها وبين ما في قصة نوح عليه الصلاة والسلام.
د.مساعد:الذي هو الحرص على دعوة الكفار.
د. عبد الرحمن: نوح عليه الصلاة والسلام كم جلس؟ 950 سنة وهو يدعو { قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا {5} فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا {6} وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ } إلى آخر السورة، فما هو التوجيه؟
د.مساعد:نعم، هذا الحقيقة سؤال يعني جيد يدل على وجود إشكال، وهذا أورده بعض العلماء في مثل قوله: { قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ {1} لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ {2}[الكافرون:1-2] قريب من هذا السؤال الذي سأله الأخ.
د. عبد الرحمن: تسميتهم بالكافرين.
د.مساعد:أي نعم، نقول الآن: القاعدة الكلية في هذا أنه هل تستطيع أنت في علمك البشري أن تعرف أن هذا سيموت على الكفر؟
د. عبد الرحمن: لا طبعاً.
د.مساعد:مادام ما تستطيع تعرف، فإذاً هذا لما قال: { سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ} [البقرة:6] في حكم الله وليس في حكمنا نحن، أما نحن { فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى {9} [الأعلى:9]، يعني إذاً مطلوب من العبد ماذا؟ {إن عليك إلا البلاغ} فنحن مطالبون بالبلاغ، وندعو مرة بعد مرة بعد مرة، ولا نتوقف عن الدعاء، حتى نظهر دين الله سبحانه وتعالى.
****************************************د. عبد الرحمن: جميل هذا توجيه رائع ولعلنا نستزيد ولكن معنا الأخ بندر من السعودية تفضل يا أخ بندر.
السائل: السلام عليكم.
د. عبد الرحمن: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
السائل:أبارك لكم بهذه القناة وأسأل الله أن ينفع بها وينفع بكم وينفع بها المسلمين، فيه سؤال يا شيخنا بارك الله فيك، طبعاً دائماً ما نقرأ في القرآن، وفي بعض الآيات نقع في إشكاليات بسيطة في طريقة الجمع بين الآيتين، عندي الآية يا شيخ التي يقول الله سبحانه وتعالى: { وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ }[البقرة:120] والآية الأخرى التي في ظاهرها أنها مخالفة لهذه الآية: { وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى }[المائدة:82]، فيا ليت الشيخ يوضح لنا كيف الجمع بين الآيتين الله يبارك فيك.
د. عبد الرحمن: جزاك الله خيراً، شكراً يا أخ بندر الله يحفظك.
*******************************************عفواً يا دكتور نكمل الحديث عن قضية: { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ } [البقرة:6]والآيات التي مرجعها إلى الله سبحانه وتعالى.
د.مساعد:إذاً نقول إن القاعدة الكلية في هذا هو قضية هل نستطيع أن ندرك كبشر أن هذا يموت على الكفر أو لا؟ هذا في حكم الله أن هؤلاء الكفار أنهم سواء عليهم أنذرتهم أم تنذرهم لا يؤمنون، لأنه حصل عليهم ما أخبر الله أنه ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم، فنقول ما دمنا لا نستطيع أن نعرف هذا الشيء، فإننا مطالبون بالدعوة , فالمطالبة بالدعوة شيء وكون هؤلاء الكفار يموتون على الكفر شيء آخر، ليس هناك نوع من التعارض.
د. عبد الرحمن: جميل جداً، ودي يا دكتور مساعد قبل أن نسترسل في الحديث أن أنبه الإخوة المشاهدين، إننا نريد أن تكون الأسئلة في الحلقة هذه عن الجزء الأول من القرآن الكريم، والحلقة الثانية عن الجزء الثاني، والحلقة الثالثة عن الجزء الثالث، نحن لا نمنع مطلقاً من أي سؤال في أي جزء، لكن نفضل أن تكون الأسئلة بالترتيب حتى نستطيع أن نأخذ راحتنا في الحديث،
طيب يا دكتور مساعد الآن الآيات التي وردت التي توئيس إن صح التعبير من انتفاع الكافرين بالدعوة، مثل هذه الآية: { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} [البقرة:6]، هي آيات محدودة في القرآن الكريم، ومعظم الآيات التي وردت في القرآن الكريم في التعامل مع الآخرين من ناحية دعوية إنك تدعوهم إلى الله { ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل:125]، وفي قوله: { سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى {10} وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى {11} [الأعلى:10-11] وغيرها من الآيات التي تأمر بالدعوة، وأضف إلى ذلك أن قصص الأنبياء كلهم عليهم الصلاة والسلام، وما أكثر قصص الأنبياء في القرآن الكريم، يعني تقريباً ثلث القرآن الكريم ورد فيه قصص الأنبياء، ومعظم القصص وردت في الدعوة أليس كذلك؟
د.مساعد:صحيح
د. عبد الرحمن: في دعوة الآخرين والهدف منها هو القدوة، القدوة في الدعوة والاقتداء، النبي -صلى الله عليه وسلم- ولمن بعده.
د.مساعد:من أعجب الأشياء يا شيخ عبد الرحمن، فرعون… أرسل الله سبحانه وتعالى موسى إلى فرعون وهو قوله تعالى: {لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}{فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: 44]، مع أنه في علم الله يموت ماذا؟
د. عبد الرحمن: كافراً.
د.مساعد:كافراً، وموسى من أعظم الأنبياء من الخمسة أولي العزم فإذا كان موسى وهو بهذه المثابة دعا فرعون ودعاه مرة بعد مرة بعد مرة حتى حصل قدر الله فما بالك بنا نحن فإذاً الدعوة شيء وكون هذا يموت على الكفر شيء آخر.
د. عبد الرحمن: وليس لنا علاقة فيه.
د.مساعد:أي نعم.
د. عبد الرحمن: يعني حتى تأمل في خطاب الله سبحانه وتعالى للنبي -صلى الله عليه وسلم-، النبي -صلى الله عليه وسلم- في القرآن الكريم، يقول الله تعالى: {إن عليك إلا البلاغ} وقال: { لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ }.[البقرة:272]
د.مساعد:وقال تعالى: { لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ } [الغاشية:22]
د. عبد الرحمن: وقال: { إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ } [القصص:56]، وهو النبي -صلى الله عليه وسلم-، فمن باب أولى كل من يدعو بعده ليس عليه هداية الناس، وإنما تنتهي مهمة الداعية في البلاغ، لكن ينبغي عليه أن يكون محترفاً في البلاغ، أليس كذلك؟
د.مساعد:صحيح.
د. عبد الرحمن: يعني عليك أن تبلغ الدعوة باحتراف.
د.مساعد:ولهذا قال: { ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } [النحل:125].
د. عبد الرحمن: بأحسن أسلوب.
بالضبط، جميل جداً، طيب سؤال الأخ بندر وهو سؤال دقيق فعلاً في القرآن الكريم بصفة عامة، يقول: أنني أقرأ مثل قوله سبحانه وتعالى: { وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ } [البقرة:120]، وأقرأ آية أخرى تقول في سورة المائدة: { لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ } [المائدة:82]، فالشاهد هل هناك تعارض يعني أنا ودي أول شيء إنك تشير يا دكتور مساعد إلى أن هناك آيات توهم التعارض، أليس كذلك؟
د.مساعد:صحيح.
د. عبد الرحمن: ولذلك صنف فيها العلماء، وأنا حرصت في البرنامج هذا أعرف بكتب في كل حلقة بإذن الله تعالى، حرصت إني أختار بعض الكتب التي تزيل التعارض، مثل كتاب “ملاك التأويل” للغرناطي وغيره، أنا أعرف به حتى يستفيد منه الإخوة المشاهدون، لأن هذه الأسئلة قد وردت على المتقدمين وأجابوا عنها.
د.مساعد:وأيضاً كتاب “دفع إيهام الاضطراب” للشيخ الشنقيطي.
د. عبد الرحمن: نعم، فما تعليقك على هذا؟
د.مساعد:هذا الحقيقة من الأسئلة التي أحب أن ينتبه إلى أنها تدل على تدبر، بمعنى أنه يمكن أن نقول هناك قاعدة الاستشكال والبحث عنه هو نوع من التدبر، فقوله: { وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ } هذه الآن طائفة اليهود وطائفة النصارى لن يرضوا عنك حتى تتبع ملتهم، هذه واضحة الآية، لكن الآية الأخرى لما نظر إليها الأخ في قوله: {وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى } استشكلها، الآن هي طوائف ما هو أقربها إلينا؟ هل المشركون من المجوس وغيرهم؟ أو اليهود؟ أو النصارى كطائفة عامة؟ فالأقرب هم طائفة النصارى، لكن ليس يعني أفراد النصارى أو النصارى في وقتٍ من الأوقات، ولذا وصف الله سبحانه وتعالى لماذا هم أقرب إلينا؟ لأن عندهم أناس أهل عدل من القسيسين والرهبان أهل العدل الذين إذا سمعوا الحق آمنوا به، ولهذا كثير من هؤلاء وأنا لا زلت أقول هذا يعني من وصل إلى رتبة من القساوسة والباباوات وغيرهم أنا أكاد أجزم أنهم يعلمون الحق، ولكنهم لا يذعنون له للمكاسب الدنيوية التي كسبوها، وفي قصة لكن ليس مقام لكي لا يطول لكن في قصة لأحد النصارى في القرن العاشر انتقل من الأندلس إلى تونس وأسلم هناك وذكر قصة إسلامه سببها هو لفظة “الفار قليط” في كتاب النصارى، وكان القسيس الأكبر عندهم كان هذا تلميذاً له، فكانوا كل يوم يتدارسون شيئاً من الإنجيل، فيقول: مرة مرض فجعلني أنا الذي أنوب عليه، فلما جاء إليه قال: ماذا كنتم تتحدثون؟ قال: كنا نتحدث في شأن “الفار قليط” من هو الذي بشر به عيسى، قال: فهذا يعني كأنه يقول هذا علم لا يصح أن تعرفه، يقول: فبكيت أمامه وطلبت منه أن يخبرني، قال: فلما رأى حالي كذا، قال: لو أخبرتك يا بني ليصيبني القتل ويصيبك، فقال: لماذا؟ قال: هذا هو نبي المسلمين، قال: فمادمت عارفاً لما لا تؤمن؟ قال: أنا عمري الآن في السبعين، فلو ذهبت للمسلمين لم يعتنوا بي، ولو بقيت وأعلنت قتلوني، ولكن أنت أكتم علي، وإن كنت تريد أن تسلم فاذهب، ففتح الله له بهذا السبب فخرج، وأنا كان قصدي إن هذا الرجل انظر أنه عرف الحق ولكن مع الأسف اتبع ماذا؟ أخلد إلى الأرض، فسبحان الله ترك الحق، فإذاً أقول للأخ أن ينتبه إلى أنا تكلمنا عن مجموعات بعضها من هم أقربها إلينا، كونه عندنا عداء معهم تاريخي أو … أو إلى آخره هذا لا يعني عدم وجود أن هؤلاء أقرب إليكم مودةً، وقد يكون أحياناً الإنسان مأخوذ بما يلاحظه في هذا العصر من شدة النصارى على المسلمين، فيقول هذا مخالف؟ لا، لكن انظر على مدى التاريخ وليس قطعاً به في المرحلة التي تعيشها.
د.عبد الرحمن: معنى الآية هو مصداقاً لكلامك يا دكتور مساعد يعني هناك أمثلة كثيرة لنصارى أسلموا واليهود أسلموا وكتبوا تجاربهم في الإسلام يعني تذكر كتاب أحمد سوسة مثلاً كيف طريقه إلى الإسلام وأمثال أحمد سوسة كثير الحقيقة من ناس منصفين عرفوا الحق وهم من اليهود ومن النصارى فعرفوا الحق فأذعنوا له وأسلموا وذكروا محاسن الإسلام وذكروا كيف اهتدوا ولكن تدري المشكلة الآن نحن نعيش في زمان غلب فيه طغيان اليهود والنصارى علينا، فاليهود يعني يحاربوننا واحتلوا أرضنا في فلسطين وفي غيرها وهم يعيثون في الأرض فساداً -نسأل الله أن يهلكهم- والنصارى كذلك اليوم هم أشد علينا من اليهود، يعني الناس يقولون اليوم أنتم تقولون الآن اليهود اليهود، والنصارى أقرب إلينا والنصارى اليوم هم الذين يحاربوننا في العراق ويحاربوننا في أفغانستان ويحاربوننا في كل أرض من أراضي المسلمين اليوم هم من النصارى، فبعضهم يستشكل هذا.
د.مساعد:يقع عنده هذا الإشكال، ولهذا أنا أقول نصيحة عامة يجب أن ننتبه دائماً ونحن نبحث مثل هذه القضايا، لا يؤثر علينا الواقع القريب، لأن الواقع القريب لا يؤثر علينا في معرفة المعنى العام للآيات لأن الحديث الآن عن أقوام كثر وقد أخبر الله سبحانه وتعالى عنهم أنهم إذا سمعوا ما أنزل من الحق ماذا يحصل لهم؟
د.عبد الرحمن: أنهم يذعنون.
د.مساعد:ويبكون.
د.عبد الرحمن:{ وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ }
د.مساعد:وأيضاً خبر ملك الحبشة.
د.عبد الرحمن: أنا أتمنى يا دكتور مساعد نشير إلى الأخ بندر في سؤاله: { وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى } بعض المفسرين يذكر أنها خاصة بنصارى نجران هذه الآية أنها نزلت في نصارى نجران خاصة أنهم عندما جاءوا فأخبرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بالحق وبعض العلماء يقول: أن المقصود بها النصارى الذين أسلموا.
د.مساعد:{ إِنَّا نَصَارَى } الذين بقوا على النصرانية الحقة، هذا أحد الأجوبة طبعاً التي ذكروها.
د. عبد الرحمن: النصرانية الحقة التي هي يعني في الحقيقة امتداد.
د.مساعد: مثل ما حصل لملك الحبشة قال والله ما بين ما ذكر عيسى وبين ما ذكرتموه قيد أنملة متقارب جداً.
د. عبد الرحمن: الله أكبر، الذي يوفق للإنصاف يا دكتور مساعد قليل من اليهود والنصارى ولذلك أذكر حتى ورقة بن نوفل كان هو أول من عرض عليه أمر الإسلام، أليس كذلك؟
د.مساعد:نعم، وكان نصرانياً.
د. عبد الرحمن: وكان نصرانياً، فعرف على طول الحق وقال: هذا الناموس الذي نزل على موسى، عرفه وآمن بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وقال: إن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً، ثم لم ينشب ورقة أن توفي وفتر الوحي، فأقول الإنصاف سبحان الله العظيم عزيز ونادر في علماء اليهود والنصارى.
الآن نتوقف يا دكتور مساعد ونتوقف ونستأذن الإخوة المشاهدين في فاصل قصير نعرف فيه بكتاب من الكتب التي ننصح بقراءتها، ثم نعود لكم ونواصل الحديث بإذن الله تعالى.
الفـــــــــــــاصـــــــل:…………….”عرض كتاب”………………..«التبيان في أيمان القرآن»مؤلف الكتاب: هو العلامة أبو عبد الله محمد بن أبي بكر المشهور بابن القيم، المتوفى سنة سبعمائة وإحدى وخمسين للهجرة (751 هجري)
أفاض فيه ابن القيم في بيان وشرح الأيمان التي وردت في القرآن الكريم، وما يتبعها من أجوبتها وغاياتها وأسرارها فبرع وتفنن وقد اشتهر هذا الكتاب باسم “التبيان في أقسام القرآن” وقد تميز هذا الكتاب بأمور:
· تفرد الكتاب بأقسام القرآن تحليلاً وتفسيراً.
· شمول الكتاب واستيعابه لموضوعه.
· قوة مادته العلمية وثراؤها.
· جلالة مؤلفه وشهرته بين العلماء.
وقد صدر الكتاب محققاً ضمن سلسلة آثار الإمام ابن القيم الجوزية -رحمه الله- بتحقيق عبد الله بن سالم البطاطي عن دار عالم الفوائد بمكة المكرمة عام ألفٍ وأربعمائةٍ وتسعةٍ وعشرين للهجرة، وهو كتاب قيم من مؤلفات العلامة ابن القيم رحمه الله، ينصح بقراءته والاستفادة منه في بيان الأيمان والأقسام التي وردت في القرآن الكريم، وما اشتملت عليه من الفوائد والحكم والأسرار، التي تزيد القارئ إيماناً بالله وفهماً لكتابه الكريم.
************************************************** ********************
د.عبد الرحمن: مرحباً بكم أيها الإخوة المشاهدون مرةً أخرى مع برنامجكم التفسير المباشر، هنا سؤال يا دكتور مساعد في الوقت المتبقي معنا، لأنه لم يبقى معنا إلا دقيقة واحدة تقريباً, فيه ملاحظة ألاحظها في سورة البقرة وفي غيرها أنه يأتي الخطاب أحياناً لليهود بقوله: { يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ }{ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ }{ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ }وأنا أفهم من معنى الكناية التكريم -يعني- ويأتي أحياناً: { وَقَالَتِ الْيَهُودُ }{ وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ } فما هو السر يا ترى في خطابهم مرة ببني إسرائيل ومرة باليهود؟
د.مساعد:جيد، أيضاً هذا من الأشياء التي يحسن أن يلاحظها القارئ للقرآن في الفرق بين الخطابين: بني إسرائيل وبين اليهود، وكما ذكرتم أن التكنية تدل على التشريف، وننطلق منها إلى أنه إذا قيل: { يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ } فإن هذا إشارة إلى القومية يعني إلى النسب يعني يا من ينتسب إلى هذا الرجل الذي يسمى إسرائيل.
د.عبد الرحمن: وهو يعقوب عليه الصلاة والسلام.
د.مساعد:نعم، مثلاً لما أقول لك يا دكتور عبد الرحمن: يا ابن بني بكر إشارة إلى نسبك -القبيلة-، وإذا جاء اليهود فلا فهو إشارة للديانة فكل إسرائيلي يهودي وليس كل يهودياً إسرائيلياً لأنه دخل في اليهودية من ليس من بني إسرائيل، ولهذا نلاحظ مثلاً يهود الخزر ويهود الحبشة أو الذين يسمون الفلاشا وغيرهم يتساءل كيف دخل هؤلاء ويهود العرب؟
بعض العرب دخلوا لليهودية هؤلاء أعجبوا باليهودية فدخلوا فيها يعني أعجبوا بديانة بني إسرائيل هذه وسميت اليهودية فإذا جاء الخطاب باليهود اليهود فإنه إشارة إلى ماذا؟ إلى الديانة التي يدخل فيها بنو إسرائيل وغيرهم ممن دان بالديانة هذه وإذا قيل: { يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ } بالذات فهو تنبيه على هذا النسب ولهذا لاحظ في سورة البقرة يذكر الفضائل الخاصة بهم هم في إنجاء: { وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم } وإذ وإذ لماذا؟ لأنه لما أنجا الآباء فهو امتنان على الأبناء أنهم وصلوا وإلا لو مات الآباء ما خرج الأبناء.
د.عبد الرحمن: هذا الحقيقة يعني ملحظ لطيف، شكر الله لك يا دكتور مساعد وقد وصلنا يا دكتور مساعد إلى ختام الحلقة فشكر الله لك.
أيها الإخوة المشاهدون في ختام هذا اللقاء لا يسعني إلا أن أشكركم على متابعتكم كما أشكر ضيفي الدكتور مساعد الطيار على استجابته للحضور في هذا البرنامج والإجابة على أسئلتكم واستفساراتكم وألتقي بكم بإذن الله تعالى يوم غد في مثل هذا الوقت في الساعة الخامسة عصراً للحديث حول الجزء الثاني بإذن الله تعالى من أجزاء القرآن الكريم وفي انتظار أسئلتكم واستفساراتكم أستودعكم الله ولا تنسونا من صالح دعائكم.
عبد الرحمن الشهري يحييكم
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
————————–
تفريغ الأخت الفاضلة طالبة الهدى جزاها الله خيرا
د.عبد الرحمن: بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين…
أيها الإخوة المشاهدون:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتهومرحباً بكم في برنامجكم التفسير المباشر على قناتكم قناة دليل الفضائية…
· رمضان شهر القرآن، والقرآن أنزل في رمضان، اسمان متلازمان منذ نزل القرآن وحتى اليوم “القرآن ورمضان” فلا يذكر رمضان إلا ويذكر معه القرآن، ولا يذكر القرآن إلا ويذكر معه شهر رمضان: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ } [البقرة:185].
في برنامجنا هذا بإذن الله تعالى سوف نتناول في كل يومٍ على مدى شهر رمضان كاملاً بإذن الله تعالى جزءًا من أجزاء هذا القرآن العظيم، نتناقش فيه وفي أبرز موضوعاته التي اشتمل عليها، ونستضيف ضيفاً من المتخصصين في الدراسات القرآنية والمعنيين بتفسيره، للحديث والإجابة عن أسئلتكم واستفساراتكم، التي يسرنا أن نتقبلها ونتلقاها منكم على الأرقام التي تظهر تباعاً على الشاشة بإذن الله تعالى…
معنا في هذه الحلقة “الجزء الأول” من أجزاء القرآن الكريم، والجزء الأول من أجزاء القرآن الكريم يشتمل على سورة الفاتحة ومائة وواحد وأربعين آية من سورة البقرة.
* وأبرز الموضوعات التي اشتمل عليها الجزء الأول:
1) تقسيم أصناف الناس في سورة الفاتحة إلى المؤمنين والمغضوب عليهم والضالين.
2) ثم أقسام الناس إلى مؤمنين وكافرين ومنافقين كما في أول سورة البقرة.
3) ثم بعد ذلك قصة خلق آدم عليه الصلاة والسلام، والحوار مع الملائكة في ذلك.
4) ثم خطاب بني إسرائيل، وطرف من أخبارهم مع نبيهم موسى عليه الصلاة والسلام.
5) ثم قصة بني إسرائيل وأمرهم بذبح البقرة.
6) ثم قصة بناء البيت الحرام من قبل إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما الصلاة والسلام.
يسرني في هذه الحلقة أيها الإخوة أن يكون ضيفي وضيفكم في هذه الحلقة الأولى من البرنامج هو الصديق العزيز فضيلة الشيخ الدكتور: مساعد بن سليمان الطيار الأستاذ المشارك بجامعة الملك سعود والمتخصص في الدراسات القرآنية؛ ليكون ضيفاً نتحدث معه حول أبرز موضوعات هذا الجزء، والإجابة عن أسئلتكم واستفساراتكم.
حياكم الله يا دكتور مساعد ومرحباً بك.
د.مساعد:حياكم الله وبارك فيكم، الله يبارك فيك.
د.عبد الرحمن: بدايةً يا دكتور مساعد كما ذكرتُ في البداية ارتباط القرآن برمضان، أتمنى لو تلقي الضوء على هذا الارتباط وأهمية العناية بالقرآن في شهر رمضان على وجه الخصوص.
د.مساعد: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين…
أما بعد: فأسأل الله سبحانه وتعالى لهذه القناة الفتية أن يبارك الله سبحانه وتعالى فيها وأن ينفع بها، ثم أشكركم على هذه الاستضافة وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يبارك أيضاً بهذا البرنامج الذي له هذا العنوان اللطيف “التفسير المباشر”
أما ما يتعلق بقضية علاقة القرآن برمضان هذه كما ذكرتم في الآية، في قوله سبحانه وتعالى:{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ}[البقرة:185]، وأيضاً قوله سبحانه وتعالى:{إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ }[القدر:1]، وقوله: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ}[الدخان:3] وهذه الليلة المباركة هي ليلة القدر وهي من ليالي رمضان، فهذا يوضح الارتباط الشديد جداً والمتلازم بين القرآن ورمضان ولهذا حري بالمسلم أن ينصرف جُل وقته في رمضان للقرآن، يعني جل وقته يكون للقرآن، ولهذا نلاحظ أن القرآن يستحوذ على جزء كبير جداً من صلاة الليل، وهي ما نسميه بصلاة التراويح، ثم أيضاً في العشر الأواخر إذا دخل وقت قيام الليل، ولهذا ليس هناك أكبر من هذه النصيحة، أن ينتبه المسلم لهذا الارتباط والتلازم بين القرآن ورمضان.
د.عبد الرحمن: جميل
هناك يا دكتور مساعد من يلوم بعض الناس يقول: أنتم لا تهتمون بالقرآن إلا في رمضان وأما في سائر السنة فأنتم تهملونه ! فنقول أن هذه الملامة لها جانبان: جانب صحيح وجانب خاطئ.
د.مساعد:صحيح
د.عبد الرحمن: الصحيح فيها أنك يجب عليك ألا تهمل القرآن في سائر السنة، وينبغي عليك أن يكون لك ورد يومي من القرآن الكريم، ولكن أن تعتني بالقرآن في رمضان هذا ليس بدعاً.
د.مساعد:بالعكس هذا فعله الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
د.عبد الرحمن: بالضبط، يعني النبي -صلى الله عليه وسلم- بنفسه كان يُدارس جبريل بالقرآن في رمضان على وجه الخصوص وفي كل ليلة، ((وذلك في كل ليلة)) فهذه سنة ملائكية نبوية.
د.مساعد:نعم.
د.عبد الرحمن: طيب يا دكتور مساعد سورة الفاتحة هي أعظم سورة في القرآن الكريم , والنبي -صلى الله عليه وسلم- قد ذكر في فضلها أحاديث كثيرة؛ يعني يحضرني منها قول النبي -صلى الله عليه وسلم- أو في الحديث القدسي، أنه كما روى عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-، يقول: “”بينما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- قاعداً مع جبريل إذ سمع نقيضاً من السماء – والنقيض هو الصوت – فالتفت جبريل عليه الصلاة والسلام إلى السماء فقال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: ((هذا باب قد فتح الليلة لم يفتح من قبل)) ثم نزل منه ملك فقال جبريل عليه الصلاة والسلام: ((هذا ملك نزل من السماء لم ينزل من قبل إلا الليلة)) فجاء هذا الملك إلى جبريل عليه الصلاة والسلام والنبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((يا محمد أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما أحد من قبلك)) ما هما؟ قال: ((سورة الفاتحة وخواتيم سورة البقرة)) سمى هذه السورة نوراً وسمى خواتيم سورة البقرة نوراً، فنود أن تسلط الضوء على فضل سورة الفاتحة ونختار موضوعاً واحداً من موضوعاتها يا دكتور..
د.مساعد:نعم
سورة الفاتحة لا يكاد يجهل مسلم فضل هذه السورة، ولعل مع هذا الحديث نختار حديثاً آخر وهو قول الرسول -صلى الله عليه وسلم- في الحديث القدسي عن ربه: ((قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال: العبد {الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال: {الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ} ، قال: أثنى علي عبدي، وإذا قال: {مَـالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} ، قال: مجدني عبدي، ثم يقول: وإذا قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل)) فقوله: ((هذا بيني وبين عبدي)) في قوله: { إِيَّاكَ نَعْبُدُ } ((بيني)) هذا قسم الرب سبحانه وتعالى، و{ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } ((بين عبدي)) هذا قسم العبد، ثم قال: ((ولعبدي ما سأل)).
هو آخر السورة، من قوله: { اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ } لأنها دعاء، وهذه من الفوائد المهمة جداً وهو تقديم الثناء على الدعاء، تقديم الثناء على الدعاء هذه أحد الفوائد التي يمكن نستفيدها من سورة الفاتحة.
د.عبد الرحمن: أيضاً من المعاني يا دكتور مساعد التي تلحظ في سورة الفاتحة أنها من السور التي تكرر كثيراً، يعني هي أكثر سورة تكرر في الصلوات وبصفة عامة، فأول ما يبدأ به الصغير من المسلمين تعلم سورة الفاتحة وقصار السور، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)) يعني هذا السر في التكرار, أنا تأملت يا دكتور مساعد في السور التي كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يداوم عليها فعندك على سبيل المثال أبرزها هي سورة الفاتحة لأنها تكرر في كل ركعة.
د.مساعد:نعم، في صلوات الفرض والنوافل.
د.عبد الرحمن: والنوافل، لا تصح صلاة لا فرض ولا نافلة إلا بقراءة سورة الفاتحة، ما هو السر يا ترى في هذا التكرار؟؟ يعني عندما تتأمل موضوعات هذه السورة القصيرة، هي سبع آيات فقط، تتأمل فيها فإذا هي قد حوت كما يقول عبد الحميد الفراهي -رحمه الله- سماها اسم جميل وقال: ((إن سورة الفاتحة هي ديباجة القرآن)) , وقال: ((إنها قد اشتملت على كل ما في القرآن))، فكأنها هي خلاصة ما في القرآن وبقية سور القرآن الكريم شرح لها وتفصيل.
د.مساعد:وهذا أحد المعاني ذكرها العلماء قول في تسمية الفاتحة بأنها أم القرآن، لأن أم القرآن معناها الجامعة لمعاني القرآن.
د.عبد الرحمن: نعم، فأنا أقول ما هي المعاني التي اشتملت عليها -يعني- المعنى الأبرز خاصةً نركز على قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}حتى إنه يقول بعض العلماء إن خلاصة سورة الفاتحة هي في هذه الآية في {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}وأذكر أحد الباحثين ذكر وقال إن {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} يمكن أن نسميها العهد والميثاق بين العبد وبين ربه فكأنه في كل صلاة وفي كل ركعة يكرر.
د.مساعد:يجدد هذا العهد.
د.عبد الرحمن: يجدد هذا العهد وهذا الميثاق، وحتى يحضرني الآن معنى من معاني اللغة في الآية في قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}وهو نعبد ونستعين أليست فعل مضارع؟
د.مساعد:بلى.
د.عبد الرحمن: أليس من المعاني التي يدل عليها الفعل المضارع هو الحدوث والتجدد؟؟، فكأنك تجدد هذا العهد والميثاق كل مرة.
د.مساعد:مرةً بعد مرة، صحيح.
د.عبد الرحمن: أضف إلى ذلك المعنى الآخر وهو معنى بلاغي في تقديم المفعول به على الفاعل والفعل في {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}
د.مساعد:لأنه يدل على الاختصاص
د.عبد الرحمن: لو سألنا ما هو إعراب {إِيَّاكَ }؟
لكان الجواب إياك مفعول به مقدم ونعبد فعل وفاعل متأخر، والسر البلاغي في تقديم المفعول به هنا هو الاختصاص، يعني لا نعبد إلا إياك ولا نستعين إلا بك، هذا المعنى وهو معنى الإخلاص لله سبحانه وتعالى في العبودية وفي الاستعانة , انظر إلى -يعني- كيف بث الله الآيات التي تدل على هذا المعنى في القرآن الكريم.
د.مساعد:كثيرة جداً.
د.عبد الرحمن: كأنها كما قال ابن القيم تأتي لكي تشرح {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}
د.مساعد:هذا صحيح، والعبودية هي مقصد من المقاصد الكبرى في القرآن، وهي التي يغفل عنها كثير من الناس حينما يقرؤون القرآن، وحينما يربون الناس على الشرع -يعني- قضية التربية على العبودية لله هذه قضية منهجية كلية كبرى يجب أن ننتبه لها -يعني- ينتبه لها الأب مع أبنائه، وينتبه لها كذلك الحاكم مع محكوميه، والمربي مع من يربيهم، العبودية للكل هي العبودية لله سبحانه وتعالى، حتى النبي -صلى الله عليه وسلم- نبه على هذا المعنى في أحاديث كثيرة جداً، لكن لو رجعنا إلى فكرة ذكرتها يا شيخ عبد الرحمن في قضية المقاصد الكبرى التي لسورة الفاتحة، لو تأملنا عندنا ثلاث مقاصد كبرى هي: معرفة الرب، ومعرفة الطريق الموصل إليه، و…
**************************
د.عبد الرحمن: معنا اتصال يا دكتور مساعد -يعني- من الإخوة المشاهدين معنا الأخ خالد من السعودية تفضل يا أخ خالد.
السائل: السلام عليكم.
د.عبد الرحمن: وعليكم السلام ورحمة الله.
السائل: مساء الخير.
د.عبد الرحمن: أهلاً وسهلاً بك حياك الله تفضل يا أخي الحبيب
السائل: الله يجزيك خير، أولاً أهنئكم بشهر رمضان، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل منا صالح الأعمال.
د. عبد الرحمن: اللهم آمين.
السائل: أول شيء لدي سؤال، وأحب أن أهنئ هذه القناة يعني صراحة التي لا أجد ما يصف الثناء عليها، بجد والله أنا أوقاتي أتابعها يعني 24 ساعة ما شاء الله يعني بصراحة حطمت كل القنوات, أنا دائم عليها والله.
د. عبد الرحمن: الحمد لله.
السائل: أحب أشكر القناة هذه، والسؤال يا شيخ جزاكم الله خير، سورة البقرة لماذا سميت بسورة البقرة؟ وتسمية السور هل هي من الرسول -صلى الله عليه وسلم- أو من الصحابة وكذا؟ أفيدونا جزاكم الله خير.
د. عبد الرحمن: شكراً جزيلاً يا خالد، أبشر بإذن الله، نعود يا دكتور مساعد إلى هذا المعنى والذي ذكرته.
******************************
د.مساعد:نعم، إذا قلنا الذي هو:
* معرفة الله سبحانه وتعالى.
* ومعرفة الطريق الموصل إليه.
* ومعرفة حال الناس مع هذا الطريق.
د. عبد الرحمن: مع هذا الطريق.
د.مساعد:مع هذا الطريق، فهذه هي المقاصد، يمكن نسميها المقاصد الكبرى التي في سورة الفاتحة، وهي التي في القرآن كله،
· فالأول في معرفة الرب سبحانه وتعالى في الآيات الثلاث الأولى، من قوله: { الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } إلى قوله: { مَـالِكِ يَوْمِ الدِّينِ } .
· ثم: { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } فهذا الطريق الموصل إليه مع قوله: { اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ } .
· طيب السالكون هم الذين أنعم الله عليهم، وغير السالكين الذين تجنبوا هذا الصراط هم من وصفهم بأنهم مغضوب عليهم أو ضالين.
ولو تأملنا في قوله المغضوب عليهم والضالين، قضية مهمة جداً الرسول -صلى الله عليهم- وسلم نص على أن المراد بالمغضوب عليهم اليهود وأن الضالين النصارى، لكن أيضاً ينتبه إلى أنه سمي هؤلاء المغضوب عليهم وهم اليهود لأنهم علموا ولم يعملوا.
د. عبد الرحمن: فتنطبق على كل من اتصف بهذه الصفة.
د.مساعد: نعم، هذه مهمة جداً هذه تنطبق على كل من اتصف بهذه الصفة، والآخرون عبدوا الله بلا علم: { وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ } وهم النصارى فأيضاً تنطبق على كل من عبد الله بغير علم، فإذا يمكن أن نقول بأن الكلية الكبرى التي أشرتم إليها قبل قليل قضية العهد و الميثاق التي هي قضية العبودية في قوله: { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } وقد شرحها ابن القيم وبنى عليها كتابه “مدارج السالكين في شرح منازل إياك نعبد وإياك نستعين” فما من عمل من أعمال القلوب إلا وهو يرجع إلى هذه القضية، قضية العبودية.
د.عبد الرحمن: جزاك الله خيراً، بالمناسبة كتاب “مدارج السالكين في منازل إياك نعبد وإياك نستعين” لابن القيم كتاب قيم وجدير بالقراءة، ورأيت له تهذيباً رائعاً للأستاذ صالح الشامي أنصح بقراءته لمن لم يقرأ الأصل ففيه فوائد.
قبل أن نجيب على سؤال الأخ خالد الله يحفظه، وكنا سنأتي إليه في تسمية سورة البقرة هناك تساؤل يا دكتور مساعد في التقسيم، عناية القرآن الكريم بالتقسيم، الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم كثيراً ما يذكر الأقسام { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ } فأما الذين اسودت وجوههم كذا وأما الذين ابيضت كذا، هنا في الفاتحة: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ } ثلاثة أقسام، في سورة البقرة في أولها أيضا فيها أقسام { هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ } ذكر المتقين الذين.. الذين.. ثم بعد قليل قال: { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ } ثم قال: { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ } فقسم إلى مؤمنين وكافرين ومنافقين وهكذا في بقية الآيات، ما هو السبب الذي تلمسه يا دكتور مساعد من عناية القرآن الكريم بالتقسيم؟
د.مساعد:جيد، هذا الحقيقة موضوع لطيف جداً لو بُحث، وهو عناية القرآن بالتقسيمات، وتلاحظ هذه التقسيمات تقسيمات منطقية، بمعنى أن نجد مثلاً الحق والضلال: { فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ } إذاً يا حق يا ضلال، ليس هناك مرحلة وسط، لما جاء عند أيضاً أهل الإيمان والكفر قسمهم تقسيمات، مرة يقسم الإيمان مع الكفر فقط، ومرة يقول أهل الإيمان وهم صنف واحد لا يتعدد، ويتعدد ماذا؟ صنف الكفار، مثل ما ذكرتم المنافقون في النهاية كفار، والكفار قال عنهم الله سبحانه وتعالى: { الَّذِينَ كَفَرُواْ } أيضاً كفار، واليهود الذين سيأتي في قوله: { يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ } أيضاً يدخلون في هذا الصنف.
د.عبد الرحمن: الكفار.
د.مساعد:أي نعم، أحياناً قد يأتي التقسيم أيضاً في مثل هذه الطوائف ثلاثيا في مثلا موقف يوم القيامة، لما قال الله سبحانه وتعالى: { فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ }[الواقعة:8]، ثم قال: { وَأَصْحَابُ الْمَشْئَمَةِ }[الواقعة:9]، ثم قال: { وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ } [الواقعة:10]، فأفرد السابقين الذين هم أهل البر والتقوى الذين بلغوا شأواً عظيماً في ذلك، وبقية المؤمنين أفردهم في قسم، والأشرار جعلهم في قسم واحد، كذلك أيضاً من الأشياء التي يحسن أن ننتبه لها في تقسيمات القرآن فيما يتعلق بالطوائف، أنه في موطن وحيد جاء تقسيم أهل الإيمان، مع أنه العادة إذا ذكر أهل الإيمان ذكروا بوصف الإيمان الكامل، وكان المعنى أنكم يجب عليكم أن تصلوا إلى هذه المرتبة يعني: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا } الذين كمل إيمانهم، إلا في قوله: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا }
د.عبد الرحمن: في سورة فاطر.
د.مساعد:نعم، قال: { فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ } [فاطر:32] وأنا أقول حقيقة هذه من آيات الرجاء، يعني من آيات الرجاء أن أهل الإسلام، ماداموا قد اصطُفوا وسماهم الله المصطفون.
د.عبد الرحمن: كلهم أهل الإسلام.
د.مساعد:نعم، كل أهل الإسلام، فنحن على الأقل ولو دخلنا في الظالم لنفسه فنحن في خير إن شاء الله.
د. عبد الرحمن: أيضاً نريد أن نشير إلى ملمح يا دكتور مساعد في تقسيمات القرآن وهو أنت الآن عندما تأتي فتؤلف كتاباً، ثم تقول وهذه بحسب استقرائي تنقسم إلى أربعة أقسام أو خمسة أقسام، أنا قد أقرأ تقسيمك هذا ولا أكون على يقين منه قد يكون هناك قسم سادس.
د.مساعد:يعني تقصد الذي هو موضوع السبر والتقسيم.
د. عبد الرحمن: السبر والتقسيم لكن تقسيمات القرآن أنت عندما تنظر فيها وتتدبر أنت على يقين أنها على غاية الحكمة وأنها تقسيمات وراءها أسرار، إذا قسم في موضع إلى قسمين هناك أسرار، وإذا قسم إلى ثلاثة هناك أسرار، وهذا لا تستطيع أن تبينه في كلام البشر، أليس كذلك؟
د.مساعد: صحيح.
د. عبد الرحمن: أما في كلام الله وفي كلام رسوله -صلى الله عليه وسلم- فتجد أسراراً وحكما.
د.مساعد:وهذا الذي ندعو إلى أن يكون فيه بحث من هذه الزاوية اللي هي أسرار التقسيمات يعني مرة قسم أهل الإيمان بطريقة معينة ثلاثية.
د. عبد الرحمن: حسب السياق حسب السورة حسب كذا.
د.مساعد:حسب السياق، في الواقعة قسمهم إلى قسمة ثنائية مقابل الضالين، في الفاتحة جعلهم قسماً واحداً مقابل اليهود والنصارى، سورة البقرة بدايتها جعلهم قسماً مقابل الكفار والمنافقين ثم أشار إلى اليهود فيما بعد وهكذا.
د.عبد الرحمن: الحقيقة إن الموضوع أتصور إنه يكون موضوع ثري لو تدبره الإنسان وتأمله
د.مساعد:جدا.
د.عبد الرحمن: نريد أن نجيب على سؤال الأخ خالد -أخشى أن يقوم ويترك القناة- فدعنا نتناول الجزء الأول من سؤاله و يقول: سورة البقرة لماذا سميت سورة البقرة؟
د.مساعد:جيد، طيب لعلنا نجيب عن سؤاله الأول ثم ننتقل إلى تسمية السورة سريعاً
تسمية السور نقول للأخ خالد وللمشاهدين أنا أُفضل أن نقول في تسمية السور أنها مراتب.
*******************************
د.عبد الرحمن: نعتذر يا دكتور قبل أن ندخل في هذا معنا الأخ محمد من السعودية، تفضل يا أخ محمد.
السائل: السلام عليكم.
د.عبد الرحمن: وعليكم السلام ورحمة الله.
السائل: أولاً أشكركم على القناة الطيبة، وأبارك عليكم انطلاق هذه القناة، وأبارك عليكم الشهر الفضيل، وأحييكم وأحيي الشيخ مساعد
د.عبد الرحمن: حياكم الله
السائل: بس استفسار البرنامج هذا هل هو مستمر إلى نهاية الشهر؟
د.عبد الرحمن: نعم مستمر إلى نهاية رمضان بإذن الله.
السائل: الله يجزاكم خير عندي سؤال: بالنسبة لسورة البقرة قال الله عز وجل: { سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ }[البقرة:6]، ونوح عليه الصلاة والسلام، قال: { قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا } [نوح:5]، وقال: { ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا {8} ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا }[نوح:8-9]، طيب ما فيه نوع من التعارض بين الآيتين يعني أن الإنسان ما ينذر الكفار { سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ }؟
د. عبد الرحمن: أحسنت، جزاك الله خيراً، تسمع الجواب بإذن الله شكرا يا أخ محمد الله يحفظك
**********************************
د. عبد الرحمن: نعود يا دكتور مساعد إلى تسمية سورة البقرة.
د.مساعد:أقول التسميات أنا أفضل أن نسميها مراتب ولا ندخل لقضية التوقيف والاجتهاد لأن التوقيف أحياناً يلزم منها عدم القول بالاجتهاد يعني يقابلها.
د. عبد الرحمن: يعني أنت الآن تشير إلى أن تسمية سور القرآن الكريم بعضها كما يقول العلماء في كتاب مثل الإتقان للسيوطي.
د.مساعد:بعضها للتوقيف وبعضها…
د. عبد الرحمن: وتوقيف، معناه للإخوة المشاهدين التوقيف إذا قلنا تسمية سورة البقرة توقيفاً يعني أن النبي -صلى الله عليه- وسلم هو الذي سماها ولا يجوز لنا أن نسميها باسم آخر.
د.مساعد:هذا هو الإشكال هنا أنه لا يجوز لنا أن نسميها باسم آخر.
د. عبد الرحمن: إذا قلنا توقيفي بمعنى أنه قد أوقفه النبي -صلى الله عليه وسلم- على هذه التسمية فلا نتعداها وإذا قلنا تسميتها بالاجتهاد معناها والله يأتي أحد العلماء مثل الطبري أو مثل ابن عباس فيسميها باسم.
د.مساعد:جميل، فنقول إذاً هنا مراتب:
·المرتبة الأولى ما ثبتت تسميته عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مثل سورة البقرة، في مثل قوله: ((اقرءوا الزهراوين البقرة وآل عمران))
· والمرتبة الثانية: هي ما سماه الصحابي
لماذا جعلناه مرتبة مستقلة؟ لأنه احتمال أن يكون سمعه من النبي -صلى الله عليه وسلم- مثل ما رواه البخاري عن ابن عباس، قال: سعيد بن جبير وسألته عن سورة الأنفال، فقال: تلك سورة بدر، وهم سموا أيضاً سورة التوبة بالفاضحة والمقشقشة فكان لهم أسماء.
· والمرتبة الثالثة: ما دون الصحابي من التابعين إلى يومنا هذا وغالب تسميات من دون الصحابي غالبها تؤخذ من أول السورة حكاية أول السورة سورة أرأيت، سورة ألم يكن، سورة هل أتاك، وهكذا
ما فائدة هذا التقسيم؟ لهذا التقسيم فائدة، ونقول المرتبة الأولى وهو ما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فإنه يبحث فيه عن حكمة.
د. عبد الرحمن: لماذا سميت بهذا؟
د.مساعد:لماذا سمي؟ لأن الحكيم لا يصدر عنه إلا حكمة، والرسول -صلى الله عليه وسلم- لا شك أنه أحكم البشر، لكونه ما يخرج منه صلى الله عليه وسلم فإنه يدل على حكمة.
وما سماه الصحابي لاحتمال :
· أن يكون سمعه من النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا من جهة.
· والثانية كون الصحابي مشاهداً للأحوال فتسميته أقرب من تسمية غيره ممن لم يشاهد الأحوال أما من دون الصحابي فلا.
د. عبد الرحمن: جميل.
إذاً نقول للأخ خالد الآن تسميات السور وهو يسأل عن تسميات السور من الذي سماها؟ نقول له الآن: منها ما سماه النبي -صلى الله عليه وسلم- مثل سورة البقرة، ومنها ما ثبت أنه سماه الصحابي باجتهاده.
وهذا يقودنا إلى السؤال الثاني: لماذا سميت سورة البقرة بهذا الاسم؟ وأنت الآن تقول أن الذي ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- هو الذي سماها نبحث عن الحكمة، فلماذا سميت سورة البقرة؟ لأنه هو الذي سماها.
د.مساعد:جيد، سورة البقرة طبعاً سميت:
· أولاً لورود قصة البقرة هذا أول مدخل، ولم ترد قصة البقرة في غير هذه السورة: { وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً }
وقصة البقرة: أن قتيلاً قُتل في بني إسرائيل فكان الله سبحانه وتعالى لما أرادوا أن يعرفوا من هو أراد الله سبحانه وتعالى معجزةً لموسى -عليه الصلاة والسلام- أن يظهر لهم كيف يحيي الموتى أمامهم فأمرهم بأن يذبحوا بقرة وأن يضربوا بها القتيل يعني ببعضها القتيل ولكن طبعاً اليهود لأنهم كانوا قوم جدال وخصام صاروا يماطلون النبي عليه الصلاة والسلام ويسألونه ما هي؟ ما لونها ؟ حتى شددوا فشدد الله سبحانه وتعالى عليهم، فإذاً نحن أمام أمر مطلق كان يكفي فيه سرعة التنفيذ بأي بقرة لو وجدوا أي بقرة لو وجدوها وذبحوها انتهى الأمر أجابوا الأمر، فلما شددوا شدد الله عليهم.
سورة البقرة هي أكبر السور وأوسع السور في الأحكام يعني ورد فيها أحكام كثيرة جداً، وأيضاً سورة البقرة هي من أوائل ما نزل في المدينة إن لم تكن هي أول ما نزل في المدينة فإذاً نحن الآن أمام مرحلة جديدة، مرحلة تشريعات، فكأن فيها رمزاً لقضية سرعة الاستجابة، يعني { اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ } [الأنفال:24]، مباشرة دون الدخول في الجدال؛ كيف ولماذا؟
د. عبد الرحمن: كيف؟ ولماذا؟ نعم.
د.مساعد:نعم
ولهذا لو نظرنا إلى حال الصحابة -رضي الله عنهم- مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فإنا سنجد أنهم كانوا يفعلون هذا تماماً من أدل الأمثلة على ذلك، لما قال: ((لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة)).
د. عبد الرحمن: النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لهم ذلك.
د.مساعد:قال لهم ذلك فانطلقوا فلما حلت عليهم صلاة العصر وخاف بعضهم ألا يدرك الوقت، صلى مباشرةً، وبعضهم قال: لا، ونأخذ بالأمر النبوي على ظاهره وصلوا بعد خروج الوقت، كل هؤلاء وهؤلاء نفذوا الأمر النبوي المطلق هذا , لا يوجد عند الصحابة تلكؤ أو تأخر في قضية الإجابة لأوامر الله سبحانه وتعالى , فهذا رمز أو سر كبير جداً يجب أن ننتبه له من خلال قصة البقرة التي شدد فيها هؤلاء القوم على أنفسهم فشدد الله عليهم ولو شدد الصحابة في تلقي الأوامر لشدد الله عليهم ولكن الحمد لله كانوا أصحاب استجابة، وهذا من نعمة الله علينا بوجود هؤلاء الصحب الكرام بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم.
د. عبد الرحمن: رضي الله عنهم وأرضاهم الحقيقة أن هذا معنى نفيس جداً وهو معنى أن تكون تسمية سورة البقرة لأن بعض الناس يا دكتور مساعد قد يستغرب ويقول: سورة هي من أعظم السور في القرآن الكريم و 286 آية وفيها تشريعات كثيرة جداً، فيها كلام عن الصلاة، والكلام عن الحج، والكلام عن الصيام،والصيام هو في هذه السورة فقط، والكلام عن الإنفاق.
د.مساعد:والوصية.
د. عبد الرحمن: وعن الوصية، وعن القصاص، الرضاع كل هذه المعاني العظيمة ثم لا تسمى إلا باسم البقرة! بعض العلماء كان يتحرج أن يسميها سورة البقرة ويقول السورة التي تذكر فيها البقرة مع أن هذا الحرج ليس له موضع لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- سماها لكن أن تكون قصة البقرة رمزاً للاستجابة لله ورسوله يعني الآن كأن معنى السورة هذه السورة مليئة بالتشريعات والأوامر لك أيها المسلم.
هذا معنى يا أخ خالد تسميتها بسورة البقرة مليئة بالتشريعات والأوامر التي موجهة لك أيها المسلم، فاستجب لأمر الله، ولا تكن كبني إسرائيل عندما أمروا أن يذبحوا بقرة فكان منهم تعنت: {قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لّنَا مَا هِيَ } فلما بين لهم { قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا } طيب بين اللون طيب {قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ البَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّآ إِن شَاء اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ } فزودوها فكان كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((شددوا فشدد الله عليهم)) ولذلك يعني هذا ننهي به جواب هذا السؤال انظر إلى آخر السورة، عندما نزل قول الله تعالى: { لِّلَّهِ ما فِي السَّمَاواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ }[البقرة:284].
د.مساعد:استشكلوا {أَوْ تُخْفُوهُ}.
د. عبد الرحمن: فاستشكل الصحابة، طيب {أَوْ تُخْفُوهُ}نحاسب به؟ هذا فيه مشقة، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((أتريدون أن تكونوا كبني إسرائيل)).
د.مساعد:سبحان الله، يعني هذا يدل على نفس الفكرة.
د. عبد الرحمن: نعم ((تقولون سمعنا وعصينا، قولوا: سمعنا وأطعنا)) فأنزل الله سبحانه وتعالى بعدها: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة:285] قالوا: فنزلت بعدها هذه الآية العظيمة التي في آخرها، وهي كما ذكرت في أول الجلسة وفي أول الحلقة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- جاءه ملك يبشره بنورين أوتيهما لم يؤتهما أحد قبله فذكر منها سورة الفاتحة وآخر سورة البقرة.
د.مساعد:آخر آيتين نعم.
د. عبد الرحمن: فأنزل الله: { لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا }[البقرة:286].
د.مساعد:رفع الحرج.
د. عبد الرحمن: رفع الحرج { لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ }[البقرة:286].
إلى آخره، وقد رُوي أنه: { رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا }،{ رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا }، { رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا }[البقرة:286] قال الله: ((قد فعلت)) فانظر يا أخي إلى هذا التناسب بين تسمية سورة البقرة وبين المعنى الذي اشتملت عليه
إذاً أجبنا على سؤال الأخ خالد بخصوص سورة البقرة وأسباب تسمية السور.
هنا سؤال الحقيقة من الأخ محمد حول الآية التي في سورة البقرة في قوله سبحانه وتعالى: { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ {6} خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ {7} [البقرة:6-7]، يقول هذه الآية تدل على أنه لا ينفع الإنذار مع هؤلاء، هؤلاء الكفار لا ينفع معهم إنذار، فيقول هل هناك تعارض بينها وبين ما في قصة نوح عليه الصلاة والسلام.
د.مساعد:الذي هو الحرص على دعوة الكفار.
د. عبد الرحمن: نوح عليه الصلاة والسلام كم جلس؟ 950 سنة وهو يدعو { قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا {5} فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا {6} وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ } إلى آخر السورة، فما هو التوجيه؟
د.مساعد:نعم، هذا الحقيقة سؤال يعني جيد يدل على وجود إشكال، وهذا أورده بعض العلماء في مثل قوله: { قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ {1} لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ {2}[الكافرون:1-2] قريب من هذا السؤال الذي سأله الأخ.
د. عبد الرحمن: تسميتهم بالكافرين.
د.مساعد:أي نعم، نقول الآن: القاعدة الكلية في هذا أنه هل تستطيع أنت في علمك البشري أن تعرف أن هذا سيموت على الكفر؟
د. عبد الرحمن: لا طبعاً.
د.مساعد:مادام ما تستطيع تعرف، فإذاً هذا لما قال: { سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ} [البقرة:6] في حكم الله وليس في حكمنا نحن، أما نحن { فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى {9} [الأعلى:9]، يعني إذاً مطلوب من العبد ماذا؟ {إن عليك إلا البلاغ} فنحن مطالبون بالبلاغ، وندعو مرة بعد مرة بعد مرة، ولا نتوقف عن الدعاء، حتى نظهر دين الله سبحانه وتعالى.
****************************************د. عبد الرحمن: جميل هذا توجيه رائع ولعلنا نستزيد ولكن معنا الأخ بندر من السعودية تفضل يا أخ بندر.
السائل: السلام عليكم.
د. عبد الرحمن: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
السائل:أبارك لكم بهذه القناة وأسأل الله أن ينفع بها وينفع بكم وينفع بها المسلمين، فيه سؤال يا شيخنا بارك الله فيك، طبعاً دائماً ما نقرأ في القرآن، وفي بعض الآيات نقع في إشكاليات بسيطة في طريقة الجمع بين الآيتين، عندي الآية يا شيخ التي يقول الله سبحانه وتعالى: { وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ }[البقرة:120] والآية الأخرى التي في ظاهرها أنها مخالفة لهذه الآية: { وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى }[المائدة:82]، فيا ليت الشيخ يوضح لنا كيف الجمع بين الآيتين الله يبارك فيك.
د. عبد الرحمن: جزاك الله خيراً، شكراً يا أخ بندر الله يحفظك.
*******************************************عفواً يا دكتور نكمل الحديث عن قضية: { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ } [البقرة:6]والآيات التي مرجعها إلى الله سبحانه وتعالى.
د.مساعد:إذاً نقول إن القاعدة الكلية في هذا هو قضية هل نستطيع أن ندرك كبشر أن هذا يموت على الكفر أو لا؟ هذا في حكم الله أن هؤلاء الكفار أنهم سواء عليهم أنذرتهم أم تنذرهم لا يؤمنون، لأنه حصل عليهم ما أخبر الله أنه ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم، فنقول ما دمنا لا نستطيع أن نعرف هذا الشيء، فإننا مطالبون بالدعوة , فالمطالبة بالدعوة شيء وكون هؤلاء الكفار يموتون على الكفر شيء آخر، ليس هناك نوع من التعارض.
د. عبد الرحمن: جميل جداً، ودي يا دكتور مساعد قبل أن نسترسل في الحديث أن أنبه الإخوة المشاهدين، إننا نريد أن تكون الأسئلة في الحلقة هذه عن الجزء الأول من القرآن الكريم، والحلقة الثانية عن الجزء الثاني، والحلقة الثالثة عن الجزء الثالث، نحن لا نمنع مطلقاً من أي سؤال في أي جزء، لكن نفضل أن تكون الأسئلة بالترتيب حتى نستطيع أن نأخذ راحتنا في الحديث،
طيب يا دكتور مساعد الآن الآيات التي وردت التي توئيس إن صح التعبير من انتفاع الكافرين بالدعوة، مثل هذه الآية: { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} [البقرة:6]، هي آيات محدودة في القرآن الكريم، ومعظم الآيات التي وردت في القرآن الكريم في التعامل مع الآخرين من ناحية دعوية إنك تدعوهم إلى الله { ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل:125]، وفي قوله: { سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى {10} وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى {11} [الأعلى:10-11] وغيرها من الآيات التي تأمر بالدعوة، وأضف إلى ذلك أن قصص الأنبياء كلهم عليهم الصلاة والسلام، وما أكثر قصص الأنبياء في القرآن الكريم، يعني تقريباً ثلث القرآن الكريم ورد فيه قصص الأنبياء، ومعظم القصص وردت في الدعوة أليس كذلك؟
د.مساعد:صحيح
د. عبد الرحمن: في دعوة الآخرين والهدف منها هو القدوة، القدوة في الدعوة والاقتداء، النبي -صلى الله عليه وسلم- ولمن بعده.
د.مساعد:من أعجب الأشياء يا شيخ عبد الرحمن، فرعون… أرسل الله سبحانه وتعالى موسى إلى فرعون وهو قوله تعالى: {لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}{فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: 44]، مع أنه في علم الله يموت ماذا؟
د. عبد الرحمن: كافراً.
د.مساعد:كافراً، وموسى من أعظم الأنبياء من الخمسة أولي العزم فإذا كان موسى وهو بهذه المثابة دعا فرعون ودعاه مرة بعد مرة بعد مرة حتى حصل قدر الله فما بالك بنا نحن فإذاً الدعوة شيء وكون هذا يموت على الكفر شيء آخر.
د. عبد الرحمن: وليس لنا علاقة فيه.
د.مساعد:أي نعم.
د. عبد الرحمن: يعني حتى تأمل في خطاب الله سبحانه وتعالى للنبي -صلى الله عليه وسلم-، النبي -صلى الله عليه وسلم- في القرآن الكريم، يقول الله تعالى: {إن عليك إلا البلاغ} وقال: { لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ }.[البقرة:272]
د.مساعد:وقال تعالى: { لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ } [الغاشية:22]
د. عبد الرحمن: وقال: { إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ } [القصص:56]، وهو النبي -صلى الله عليه وسلم-، فمن باب أولى كل من يدعو بعده ليس عليه هداية الناس، وإنما تنتهي مهمة الداعية في البلاغ، لكن ينبغي عليه أن يكون محترفاً في البلاغ، أليس كذلك؟
د.مساعد:صحيح.
د. عبد الرحمن: يعني عليك أن تبلغ الدعوة باحتراف.
د.مساعد:ولهذا قال: { ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } [النحل:125].
د. عبد الرحمن: بأحسن أسلوب.
بالضبط، جميل جداً، طيب سؤال الأخ بندر وهو سؤال دقيق فعلاً في القرآن الكريم بصفة عامة، يقول: أنني أقرأ مثل قوله سبحانه وتعالى: { وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ } [البقرة:120]، وأقرأ آية أخرى تقول في سورة المائدة: { لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ } [المائدة:82]، فالشاهد هل هناك تعارض يعني أنا ودي أول شيء إنك تشير يا دكتور مساعد إلى أن هناك آيات توهم التعارض، أليس كذلك؟
د.مساعد:صحيح.
د. عبد الرحمن: ولذلك صنف فيها العلماء، وأنا حرصت في البرنامج هذا أعرف بكتب في كل حلقة بإذن الله تعالى، حرصت إني أختار بعض الكتب التي تزيل التعارض، مثل كتاب “ملاك التأويل” للغرناطي وغيره، أنا أعرف به حتى يستفيد منه الإخوة المشاهدون، لأن هذه الأسئلة قد وردت على المتقدمين وأجابوا عنها.
د.مساعد:وأيضاً كتاب “دفع إيهام الاضطراب” للشيخ الشنقيطي.
د. عبد الرحمن: نعم، فما تعليقك على هذا؟
د.مساعد:هذا الحقيقة من الأسئلة التي أحب أن ينتبه إلى أنها تدل على تدبر، بمعنى أنه يمكن أن نقول هناك قاعدة الاستشكال والبحث عنه هو نوع من التدبر، فقوله: { وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ } هذه الآن طائفة اليهود وطائفة النصارى لن يرضوا عنك حتى تتبع ملتهم، هذه واضحة الآية، لكن الآية الأخرى لما نظر إليها الأخ في قوله: {وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى } استشكلها، الآن هي طوائف ما هو أقربها إلينا؟ هل المشركون من المجوس وغيرهم؟ أو اليهود؟ أو النصارى كطائفة عامة؟ فالأقرب هم طائفة النصارى، لكن ليس يعني أفراد النصارى أو النصارى في وقتٍ من الأوقات، ولذا وصف الله سبحانه وتعالى لماذا هم أقرب إلينا؟ لأن عندهم أناس أهل عدل من القسيسين والرهبان أهل العدل الذين إذا سمعوا الحق آمنوا به، ولهذا كثير من هؤلاء وأنا لا زلت أقول هذا يعني من وصل إلى رتبة من القساوسة والباباوات وغيرهم أنا أكاد أجزم أنهم يعلمون الحق، ولكنهم لا يذعنون له للمكاسب الدنيوية التي كسبوها، وفي قصة لكن ليس مقام لكي لا يطول لكن في قصة لأحد النصارى في القرن العاشر انتقل من الأندلس إلى تونس وأسلم هناك وذكر قصة إسلامه سببها هو لفظة “الفار قليط” في كتاب النصارى، وكان القسيس الأكبر عندهم كان هذا تلميذاً له، فكانوا كل يوم يتدارسون شيئاً من الإنجيل، فيقول: مرة مرض فجعلني أنا الذي أنوب عليه، فلما جاء إليه قال: ماذا كنتم تتحدثون؟ قال: كنا نتحدث في شأن “الفار قليط” من هو الذي بشر به عيسى، قال: فهذا يعني كأنه يقول هذا علم لا يصح أن تعرفه، يقول: فبكيت أمامه وطلبت منه أن يخبرني، قال: فلما رأى حالي كذا، قال: لو أخبرتك يا بني ليصيبني القتل ويصيبك، فقال: لماذا؟ قال: هذا هو نبي المسلمين، قال: فمادمت عارفاً لما لا تؤمن؟ قال: أنا عمري الآن في السبعين، فلو ذهبت للمسلمين لم يعتنوا بي، ولو بقيت وأعلنت قتلوني، ولكن أنت أكتم علي، وإن كنت تريد أن تسلم فاذهب، ففتح الله له بهذا السبب فخرج، وأنا كان قصدي إن هذا الرجل انظر أنه عرف الحق ولكن مع الأسف اتبع ماذا؟ أخلد إلى الأرض، فسبحان الله ترك الحق، فإذاً أقول للأخ أن ينتبه إلى أنا تكلمنا عن مجموعات بعضها من هم أقربها إلينا، كونه عندنا عداء معهم تاريخي أو … أو إلى آخره هذا لا يعني عدم وجود أن هؤلاء أقرب إليكم مودةً، وقد يكون أحياناً الإنسان مأخوذ بما يلاحظه في هذا العصر من شدة النصارى على المسلمين، فيقول هذا مخالف؟ لا، لكن انظر على مدى التاريخ وليس قطعاً به في المرحلة التي تعيشها.
د.عبد الرحمن: معنى الآية هو مصداقاً لكلامك يا دكتور مساعد يعني هناك أمثلة كثيرة لنصارى أسلموا واليهود أسلموا وكتبوا تجاربهم في الإسلام يعني تذكر كتاب أحمد سوسة مثلاً كيف طريقه إلى الإسلام وأمثال أحمد سوسة كثير الحقيقة من ناس منصفين عرفوا الحق وهم من اليهود ومن النصارى فعرفوا الحق فأذعنوا له وأسلموا وذكروا محاسن الإسلام وذكروا كيف اهتدوا ولكن تدري المشكلة الآن نحن نعيش في زمان غلب فيه طغيان اليهود والنصارى علينا، فاليهود يعني يحاربوننا واحتلوا أرضنا في فلسطين وفي غيرها وهم يعيثون في الأرض فساداً -نسأل الله أن يهلكهم- والنصارى كذلك اليوم هم أشد علينا من اليهود، يعني الناس يقولون اليوم أنتم تقولون الآن اليهود اليهود، والنصارى أقرب إلينا والنصارى اليوم هم الذين يحاربوننا في العراق ويحاربوننا في أفغانستان ويحاربوننا في كل أرض من أراضي المسلمين اليوم هم من النصارى، فبعضهم يستشكل هذا.
د.مساعد:يقع عنده هذا الإشكال، ولهذا أنا أقول نصيحة عامة يجب أن ننتبه دائماً ونحن نبحث مثل هذه القضايا، لا يؤثر علينا الواقع القريب، لأن الواقع القريب لا يؤثر علينا في معرفة المعنى العام للآيات لأن الحديث الآن عن أقوام كثر وقد أخبر الله سبحانه وتعالى عنهم أنهم إذا سمعوا ما أنزل من الحق ماذا يحصل لهم؟
د.عبد الرحمن: أنهم يذعنون.
د.مساعد:ويبكون.
د.عبد الرحمن:{ وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ }
د.مساعد:وأيضاً خبر ملك الحبشة.
د.عبد الرحمن: أنا أتمنى يا دكتور مساعد نشير إلى الأخ بندر في سؤاله: { وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى } بعض المفسرين يذكر أنها خاصة بنصارى نجران هذه الآية أنها نزلت في نصارى نجران خاصة أنهم عندما جاءوا فأخبرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بالحق وبعض العلماء يقول: أن المقصود بها النصارى الذين أسلموا.
د.مساعد:{ إِنَّا نَصَارَى } الذين بقوا على النصرانية الحقة، هذا أحد الأجوبة طبعاً التي ذكروها.
د. عبد الرحمن: النصرانية الحقة التي هي يعني في الحقيقة امتداد.
د.مساعد: مثل ما حصل لملك الحبشة قال والله ما بين ما ذكر عيسى وبين ما ذكرتموه قيد أنملة متقارب جداً.
د. عبد الرحمن: الله أكبر، الذي يوفق للإنصاف يا دكتور مساعد قليل من اليهود والنصارى ولذلك أذكر حتى ورقة بن نوفل كان هو أول من عرض عليه أمر الإسلام، أليس كذلك؟
د.مساعد:نعم، وكان نصرانياً.
د. عبد الرحمن: وكان نصرانياً، فعرف على طول الحق وقال: هذا الناموس الذي نزل على موسى، عرفه وآمن بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وقال: إن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً، ثم لم ينشب ورقة أن توفي وفتر الوحي، فأقول الإنصاف سبحان الله العظيم عزيز ونادر في علماء اليهود والنصارى.
الآن نتوقف يا دكتور مساعد ونتوقف ونستأذن الإخوة المشاهدين في فاصل قصير نعرف فيه بكتاب من الكتب التي ننصح بقراءتها، ثم نعود لكم ونواصل الحديث بإذن الله تعالى.
الفـــــــــــــاصـــــــل:…………….”عرض كتاب”………………..«التبيان في أيمان القرآن»مؤلف الكتاب: هو العلامة أبو عبد الله محمد بن أبي بكر المشهور بابن القيم، المتوفى سنة سبعمائة وإحدى وخمسين للهجرة (751 هجري)
أفاض فيه ابن القيم في بيان وشرح الأيمان التي وردت في القرآن الكريم، وما يتبعها من أجوبتها وغاياتها وأسرارها فبرع وتفنن وقد اشتهر هذا الكتاب باسم “التبيان في أقسام القرآن” وقد تميز هذا الكتاب بأمور:
· تفرد الكتاب بأقسام القرآن تحليلاً وتفسيراً.
· شمول الكتاب واستيعابه لموضوعه.
· قوة مادته العلمية وثراؤها.
· جلالة مؤلفه وشهرته بين العلماء.
وقد صدر الكتاب محققاً ضمن سلسلة آثار الإمام ابن القيم الجوزية -رحمه الله- بتحقيق عبد الله بن سالم البطاطي عن دار عالم الفوائد بمكة المكرمة عام ألفٍ وأربعمائةٍ وتسعةٍ وعشرين للهجرة، وهو كتاب قيم من مؤلفات العلامة ابن القيم رحمه الله، ينصح بقراءته والاستفادة منه في بيان الأيمان والأقسام التي وردت في القرآن الكريم، وما اشتملت عليه من الفوائد والحكم والأسرار، التي تزيد القارئ إيماناً بالله وفهماً لكتابه الكريم.
************************************************** ********************
د.عبد الرحمن: مرحباً بكم أيها الإخوة المشاهدون مرةً أخرى مع برنامجكم التفسير المباشر، هنا سؤال يا دكتور مساعد في الوقت المتبقي معنا، لأنه لم يبقى معنا إلا دقيقة واحدة تقريباً, فيه ملاحظة ألاحظها في سورة البقرة وفي غيرها أنه يأتي الخطاب أحياناً لليهود بقوله: { يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ }{ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ }{ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ }وأنا أفهم من معنى الكناية التكريم -يعني- ويأتي أحياناً: { وَقَالَتِ الْيَهُودُ }{ وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ } فما هو السر يا ترى في خطابهم مرة ببني إسرائيل ومرة باليهود؟
د.مساعد:جيد، أيضاً هذا من الأشياء التي يحسن أن يلاحظها القارئ للقرآن في الفرق بين الخطابين: بني إسرائيل وبين اليهود، وكما ذكرتم أن التكنية تدل على التشريف، وننطلق منها إلى أنه إذا قيل: { يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ } فإن هذا إشارة إلى القومية يعني إلى النسب يعني يا من ينتسب إلى هذا الرجل الذي يسمى إسرائيل.
د.عبد الرحمن: وهو يعقوب عليه الصلاة والسلام.
د.مساعد:نعم، مثلاً لما أقول لك يا دكتور عبد الرحمن: يا ابن بني بكر إشارة إلى نسبك -القبيلة-، وإذا جاء اليهود فلا فهو إشارة للديانة فكل إسرائيلي يهودي وليس كل يهودياً إسرائيلياً لأنه دخل في اليهودية من ليس من بني إسرائيل، ولهذا نلاحظ مثلاً يهود الخزر ويهود الحبشة أو الذين يسمون الفلاشا وغيرهم يتساءل كيف دخل هؤلاء ويهود العرب؟
بعض العرب دخلوا لليهودية هؤلاء أعجبوا باليهودية فدخلوا فيها يعني أعجبوا بديانة بني إسرائيل هذه وسميت اليهودية فإذا جاء الخطاب باليهود اليهود فإنه إشارة إلى ماذا؟ إلى الديانة التي يدخل فيها بنو إسرائيل وغيرهم ممن دان بالديانة هذه وإذا قيل: { يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ } بالذات فهو تنبيه على هذا النسب ولهذا لاحظ في سورة البقرة يذكر الفضائل الخاصة بهم هم في إنجاء: { وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم } وإذ وإذ لماذا؟ لأنه لما أنجا الآباء فهو امتنان على الأبناء أنهم وصلوا وإلا لو مات الآباء ما خرج الأبناء.
د.عبد الرحمن: هذا الحقيقة يعني ملحظ لطيف، شكر الله لك يا دكتور مساعد وقد وصلنا يا دكتور مساعد إلى ختام الحلقة فشكر الله لك.
أيها الإخوة المشاهدون في ختام هذا اللقاء لا يسعني إلا أن أشكركم على متابعتكم كما أشكر ضيفي الدكتور مساعد الطيار على استجابته للحضور في هذا البرنامج والإجابة على أسئلتكم واستفساراتكم وألتقي بكم بإذن الله تعالى يوم غد في مثل هذا الوقت في الساعة الخامسة عصراً للحديث حول الجزء الثاني بإذن الله تعالى من أجزاء القرآن الكريم وفي انتظار أسئلتكم واستفساراتكم أستودعكم الله ولا تنسونا من صالح دعائكم.
عبد الرحمن الشهري يحييكم
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
————————–
تفريغ الأخت الفاضلة طالبة الهدى جزاها الله خيرا