الحلقة (156) – 3 رمضان 1433هـ
ضيف البرنامج في حلقته رقم (156) يوم الأحد 3 رمضان 1433هـ هو فضيلة الشيخ إبراهيم بن صالح الحميضي، أستاذ الدراسات القرآنية المشارك بجامعة القصيم .
وموضوع الحلقة هو :
علوم سورة الجمعة .
———————
د. الشهري: بسم الله الرحمن الرحيم، حيّاكم الله أيها الإخوة المشاهدون الكرام في برنامجكم التفسير المباشر وفي هذه الحلقة الجديدة في هذا اليوم المبارك من شهر رمضان وسوف يكون حديثنا بإذن الله تعالى في هذه الحلقة عن سورة الجمعة. باسمكم جميعاً في بداية هذه الحلقة أرحب بضيفنا العزيز فضيلة الشيخ الدكتور إبراهيم بن صالح الحميضي، أستاذ الدراسات القرآنية المشارك بجامعة القصيم .فحيّاكم الله يا دكتور ابراهيم .
د. ابراهيم: الله يحييك
د. الشهري: وأهلاً وسهلاً وشكراً لك على تلبيتك للدعوة. سورة الجمعة من السور المُسبِّحات ونحن دخلنا فيها من عدة حلقات وتعودنا أن نبدأ في أول الحديث عن اسم السورة وهل لها أكثر من اسم هل لها اسماء توقيفية
د. ابراهيم: بسم الله الرحمن الرحيم. إن الحمد لله نحمده ونستعينه من يهدي الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن استن بسنته إلى يوم الدين. اللهم اجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء همومنا وذهاب أحزاننا، أما بعد. سورة الجمعة من السور المدنية بلا شك وقد حكى بعضهم الاتفاق على ذلك ويدل على ذلك الأثر والنظر من حيث الرواية والأثر ورد عن بعض الصحابة رضوان الله عليهم أنها نزلت في المدينة كذلك سبب النزول الذي سيأتي ذكره يدل على أن هذه السورة مدنية. أضف إلى ذلك قوله تعالى (وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3)) ورد أيضاً تفسير نبوي وقع في المدينة. أيضاً من حيث النظر لأن السور المدنية كما أن تُعرف عن طريق الرواية تُعرف عن طريق الاجتهاد والنظر زنحن إذا تأملنا وجدنا بعض الضوابط التي تنطبق على السور المدنية مثال قوله تعالى (قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا) وهذا ذكر النداء لليهود إنما يكون في السور المدنية كذلك ورد قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا) ولم يرد فيها (يا أيها الناس) وهذا ضابط إذا ورد في السورة (يا أيها الذين آمنوا) ولم يرد فيها (يا أيها الناس) فمعناها أنها سورة مدنية.
د. الشهري: هذه فائدة مهمة. أيضاً فكرة التي ذكرتها يا دكتور وهي أنها مدنية والمعروف أن المدني هو الذي نزل بعد الهجرة وهناك تعريف آخر أن المدني هو الذي نزل في المدينة هذه السورة ينطبق عليها الضابطان في التعريف أنها نزلت في المدينة ونزلت بعد الهجرة، أليس كذلك؟
د. ابراهيم: بلى
د. الشهري: اسم السورة الجمعة هل لها أسماء أخرى ثم يلفت النظر أنها تكاد تكون السورة الوحيدة التي سميت باسم يوم من أيام الأسبوع “سورة الجمعة” فهل هذا اسم توقيفي أم هناك أسماء أخرى لها؟
د. ابراهيم: السورة اسمها الجمعة ولم يعرف لها اسم آخر وهو كما تفضلت به أنه لا يوجد في القرآن اسم سورة باسم يوم من أيام الأسبوع. سميت بذلك لأن محور السورة حول الأمر باستماع الخطبة والسعي إلى صلاة الجمعة يوم الجمعة، سميت بذلك لهذا السبب. والسورة تسمى أحياناً بحدث بارز فيها فهذا اسمها الوحيد المعروف وهو ثابت وتوقيفي لأنه ورد في صحيح مسلم وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ يوم الجمعة سورة الجمعة والمنافقون وهو اسم توقيفي والجُمُعة بضم الميم على اللغة العليا
د. الشهري: بعضهم يقول الجُمْعة
د. ابراهيم: هذه لغة ضعيفة
د. الشهري: هل هناك فضائل لهذه السورة؟ هل ورد في السنّة روايات في فضل هذه السورة؟
د. ابراهيم: نعم، أولاً هذه السورة من المفصل والمفصل كما هو معروف يبدأ من سورة ق إلى آخر القرآن كما هو الراجح فهي من سور المفصل والمفصّل ورد فيه من حيث العموم فضل كما في حديث واثلة ابن الأسقع[1] رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أعطيت مكان التوراة السبع الطوال، وأعطيت مكان الزبور المئين، وأعطيت مكان الإنجيل المثاني، وفُضِّلت بالمفصّل. والحديث أخرجه الإمام أحمد وحسنه بعض أهل العلم، هذا من حيث العموم أن المفصل ورد فيه فضل عام لسوره. أيضاً هذه السورة بالذات ورد فيها فضل فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بها يوم الجمعة يعني في صلاة الجمعة يقرأ سورة الجمعة في الركعة الأولى وفي الركعة الثانية السورة التالية لها سورة المنافقون كما ثبت في صحيح مسلم من غير حديث وورد أيضاً أنه كان صلى الله عليه وسلم يقرأ سورة سبح باسم ربك الأعلى وسورة الغاشية، فقراءتها يوم الجمعة وفي صلاة الجمعة في هذا المجمع الكبير يدل على أن لها فضلاً خاصاً.
د. الشهري: نعود لسبب نزول السورة، ذكرنا أنها سورة مدنية نزلت في المدينة فما هو السبب المباشر لنزولها؟
د. ابراهيم: ثبت في صحيح البخاري ومسلم عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم بينما هو يخطب يوم الجمعة جاءت عير -والعير هي القافلة التي تحمل التجارة – والمقصود أنها جاءت من خارج المدينة إما من الشام أو من غيرها سمع الناس بها فخرجوا ولم يبق مع النبي إلا اِثنا عشر رجلاً فنزلت هذه الآية، طبعاً هذا في نزول قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (9)) ولكن قال بعض المفسرين أن السورة كاملة نزلت دفعة واحدة بهذه المناسبة فيكون هذا السبب سبباً لنزول السورة عموماً. حول سبب النزول إن أردت أن نشير
د. الشهري: إن لم أكن واهماً فإن الآية نزلت في وقت شدة وقحط ومجاعة وإلا لماذا هذا الانصراف إلى القافلة؟!
د. ابراهيم: أحسنت، هذا ما أردت التنبيه عليه، قد يقول قائل ما هذا السر الصحابة رضوان الله عليهم الذين هم أبرّ الأمة وأكملها ديناً وعلماً وفهماً وحبّاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم كيف خرجوا والجواب ما تفضلتم به ورد في بعض الروايات كما عند عبد الرزاق وغيره أن الناس كانوا في جوع شديد وغلاء في المدينة لأن أول الإسلام كان الناس في حاجة شديدة وفي مسغبة فخرجوا من شدة ما يجدون من الجوع خوفاً من أن ينتهي هذا القوت وهذا الطعام الذي جاء في هذه العير فلا يبقى لهم شي فيه. أضف إلى ذلك أن الناس أول مشروعية الجمعة لم يكونوا يعرفون أن الحضور واجباً أنهم ملزمون بحضور هذه الخطبة. أيضاً أمر ثالث وهو أن بعض المفسرين أشار إلى أن الصلاة صلاة الجمعة كانت قبل الخطبة فكانوا قد صلّوا وانتهوا وظنوا أنهم بهذه الصلاة قد سقط عنهم الواجب وخرجوا. وعلى كل حال لما نزلت هذه الآية عادوا وأنابوا رضوان الله عليهم.
د. الشهري: وأيضاً ألاحظ في الآية قوله (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) ما فيها توبيخ على هذا الفعل الظاهر يدل على أن الله قد عذرهم بهذا التصرف في هذه الشدة والمسغبة وإن كان الأوْلى تركها. نعود إلى مقصد سورة الجمعة، المقصد الأساسي وموضوعها الأساسي الذي يمكن أن نسلط عليه الضوء ما هو يا ترى؟
د. إبراهيم: السورة بما أنها ليست من السور الطوال فيمكن أن
د. الشهري: هي 11 آية حسب عدّ الكوفيين
د. ابراهيم: نعم ويكاد يكون هذا محل اتفاق. نستطيع أن نقول أو نوافق ما ذكره بعض المفسرين من أن محور السورة هو الحديث عن يوم الجمعة ووجوب السعي إليها والاستماع للخطبة وصلاة الجمعة، هذا المقصد الأساس. هذا الموضوع في آخر السورة ربما في الثلث الأخير من السورة لكن حاول بعض المفسرين المعاصرين أن يربط بين هذا المحور وبين الموضوعات المتقدمة عليه أنها كالتمهيد يعني تسبيح الله عز وجل في أول السورة وإجلاله وأيضاً وذم اليهود على تركهم العمل بالتوراة والانقياد لها كل هذا مقدمات وتمهيد لوجوب الالتزام بأوامر الله والسماع من النبي صلى الله عليه وسلم وحضور مجلسه وإقامة شعيرته التي هي متمثلة في هذه الصلاة العظيمة التي هي من أفضل الصلوات
د. الشهري: إذن هو محور السورة حتى اسمها مرتبط بهذا “الحديث عن يوم الجمعة”
د. إبراهيم: صحيح، والمحور من وسائل التعرف على المحور كما يقول بعض المعاصرين اسم السورة يكون فيه دلالة على محورها
د. الشهري: بالنسبة للمحاور هل يمكن أن نقسِّم السورة يا دكتور ابراهيم إلى أكثر من محور أو مقاطع كما يسميها أصحاب التفسير الموضوعي؟
د. ابراهيم: نعم بلا شك، السورة نستطيع أننا نقول أنها في بداية السورة تحدثت عن: تقديس الله عز وجل (يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1)) ثم ذكر المنّة على المؤمنين (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (2)) ثم بعد ذلك أشارت إلى اليهود الذين كانوا موجودين في المدينة وكفروا بالنبي صلى الله عليه وسلم وعارضوه وكذبوه فالله عز وجل ذمهم على كفرهم بالرسول الخاتم عليه الصلاة والسم وتحريفهم للتوراة وعدم انتفاعهم بها فهم كالحمار الذي يحمل أسفاراً ثم أيضاً ثنّى بذمهم على ادعائهم أنهم أولياء لله من دون الناس وأنهم إن كانوا صادقين في ذلك فليتمنوا الموت إن كانوا أولياء لله عز وجل لكنهم من أخوف الناس من الموت وأشدهم فراراً منه. نستطيع أن نقول هذه المحاور الرئيسية: تقديس الله عز وجل، منّة الله عز وجل على عباده بإرسال هذا الرسول الخاتم الذي يعلمهم ويزكيهم. ثم بعد ذلك الحديث عن اليهود.
د. الشهري: لعلنا نتوقف عند هذه النقاط لكن بعد هذا الفاصل القصير.
———–
فاصل: سؤال الحلقة:
قال الله تعالى (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5)) ما هو تفسير كلمة أسفاراً؟
-كتباً
-متاعاً
-إنساناً
—————
د. الشهري: حياكم الله أيها الإخوة المشاهدون مرة أخرى ولا يزال حديثنا متصلاً عن سورة الجمعة مع فضيلة الشيخ الدكتور ابراهيم الحميضي أستاذ الدراسات القرآنية المشارك بجامعة القصيم حياك الله دكتور مرة أخرى. نعود إلى السورة ونحاول أن نتوقف مع الآيات في قوله سبحانه وتعالى (يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) ثم قال (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رسولا) كلمة الأميين دار حولها كلام طويل ونقاشات علمية بين الباحثين في دلالة كلمة الأميين ما المقصود بالأميين؟ ولعلك تبسِّط للإخوة المشاهدين ما المقصود بها؟
د. ابراهيم: أولاً الأمي المقصود به من لا يقرأ ولا يكتب من لا يعرف القرآءة والكتابة وهذه حال العرب وقت البعثة فإن عامة العرب أثناء بعثة النبي صلى الله عليه وسلم لم يكونوا يعرفون القرآءة والكتابة يوجد منهم من يعرف ولكنهم قليل أو نادر كما قال بعض العلماء. فأصلاً هذه حال العرب ثم هذا فيه منّة على هؤلاء العرب الذين لا يعرفون القرآءة والكتابة وأيضاً كانوا في غاية التخلف الحضاري فالله عز وجل تفضل عليهم بهذا الرسول الخاتم صاحب أفضل شريعة وأفضل كتاب وهذا الرسول منهم فهو أمي لا يقرأ ولا يكتب وهذه صفة كمال في حق النبي صلى الله عليه وسلم وليس صفة نقص لأن الوحي يأتيه من السماء وكفى بذلك شرفاً وفضلاً
د. الشهري: بخلاف غيره، عندما يقال عن أحد من الناس اليوم أنه أمّيّ هذا فيه نوع من التنقص له
د. ابراهيم: بلا شك لكن النبي صلى الله عليه وسلم يأتيه العلم من السماء بواسطة الوحي وهذا أرف بلا شك. ثم هو من جنسهم من البشر ومن العرب لأنه لو كان من جنس آخر أو جاء بلسان آخر لاعترضوا على ذلك لكن الله عز وجل أرسله بلسان عربي مبين ومن هؤلاء القوم الذين انتشر فيهم الشرك (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ) ثم بعد ذلك بعد نزول هذا الكتاب وهذا الدين ارتفع العرب وخرجوا عن الأمية وصاروا أساتذة الناس في العلم قروناً كثيرة.
د. الشهري: هناك أيضاً قول آخر في موضوع الأميين، هناك من يقول أن الأميين هم الذين ليس لهم كتاب سماوي فالله سبحانه وتعالى يسميهم الأميين لأنه لم يكن لديهم كتاب سماوي قبل نزول القرآن الكريم بخلاف اليهود والنصارى يسميهم أهل الكتاب. فيقول أهل الكتاب ويقول هنا الأميين ما رأيك بهذا القول؟
د. ابراهيم: يبدو أن هذا المعنى مأخوذ من الأول. لم يكن بيدهم كتاب يقرأونه ويدرسونه ولا يكتبون.
د. الشهري: لأنهم لا يقرأون ولا يكتبون أصلاً. وأيضاً في قوله (وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ (48) العنكبوت) فيها اشارة إلى أمية النبي صلى الله عليه وسلم وهو الذي وصفه في سورة الأعراف (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ (157) الأعراف) هنا ذكر وظائف النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الآية عندما قال (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (2)) ما هي وظائف النبي صلى الله عليه وسلم من خلال هذه الآية؟
د. ابراهيم: في هذه الآية إشارة إلى مهامه ووظائفه الشريفة العظيمة عليه الصلاة والسلام كما في آيات أخرى في آل عمران وغيرها (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ) يتلو هذا الكتاب العظيم الذي فيه ما يسعدهم في دنياهم وأخراهم واحتوى على كل ما يحتاجونه في أمر المعاش والمعاد. (وَيُزَكِّيهِمْ) يصلح نفوسهم من خلال هذا الوحي الذي أنزله الله إليه (وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) الكتاب هو القرآن الكريم والحكمة هي السنة. في الغالب إذا وردت الحكمة في القرآن الكريم فهي السُنّة والسُنّة هي الوحي الثاني كما قال عليه الصلاة والسلام (ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه) وفي القرآن قوله تعالى (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) النجم) فهذه ثلاث وظائف لهذا النبي صلى الله عليه وسلم ولا شك أن هذه نعمة عظيمة على هؤلاء العرب الأميين الذين كانوا يعبدون الأصنام والأحجار ثم يأتي إليهم هذا النبي صلى الله عليه وسلم الذي هو سيد ولد آدم بهذا النور العظيم الكتاب والسنة.
د. الشهري: ألا يمكن يا دكتور ابراهيم أن يقال عندما عبّر بالأميين هنا قال (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ) ثم ذكر الوظائف التي يحارب بها هذه الأمية في أمته فقال (يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) وهذه الأعمال التي يقوم بها النبي صلى الله عليه وسلم هي التي ترفع هذه الصفة صفة الأمية ثم يقول في آخر الآية (وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) إشارة إلى أن من الأسباب الرئيسية في الضلال هو الجهل الذي كانوا يعيشون فيه
د. ابراهيم: نعم ولذلك كان أهل الكتاب خيراً منهم في الجاهلية لأن لهم كتاباً وإن كان محرّفاً لكن بما فيه وما بقي فيه من العلم صاروا به أفضل من المشركين الذين ليس بأيديهم كتاب.
د. الشهري: ويبدو لي أن المشركين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم قبل الإسلام كانوا ينظرون إلى أهل الكتاب نظرة تقدير ونظرة احترام ويسألونهم عن ربما بعض القضايا الغيبية حتى في بعثة النبي صلى الله عليه وسلم أرسلوا وفداً لكي يسالوا اليهود في المدينة كيف نتعامل مع محمد
د. ابراهيم: بلا شك حتى لما نزل الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم أول أمره ذهبت به خديجة إلى ورقة بن نوفل وكان قد تعلم علم أهل الكتاب لا شك أنهم كانوا أشرف من العرب المشركين.
د. الشهري: أيضاً المثل الذي ضربه الله تعالى في السورة (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ) أولاً معنى هذا المثل؟ ثم لماذا ضرب المثل بهذا الحيوان يكاد يكون من أغرب الأمثلة في القرآن كمثل الحمار
د. ابراهيم: هذا مثل بليغ وكل أمثال القرآن بليغة عظيمة شريفة. هؤلاء اليهود الذين يرون أن له فضلاً على العرب وأن عندهم كتاب الله عز وجل يذمّهم ويقول هذه التوراة التي بأيديكم وأنزلت على موسى عليه السلام ثم حرّفوه وبدّلوه لا تنفعكم ولا تزيدكم شرفاً على الأمة المحمدية فهذه التوراة التي بإيديكم أولاً حرّفتموها وبدلتموها ولم تعملوا بها فأصبحت بينكم أو معكم مثل الأسفار أي الكتب التي هي على ظهر الحمار فهو لا ينتفع بها ولو حمل أشرف الكتب فإنه لا يستفيد منها لأنه بهيمة بليد وهو من أغبى وأبلد الحيوانات. ثم قال (وبئس) وهو فعل ذمّ فهذا من أقبح الذم في حال هؤلاء اليهود الذين أكرمهم الله وأنزل عليهم الكتاب من السماء وعلى نبي من خيرة الأنبياء وأفضل الرسل وهو موسى عليه السلام ثم بدلوه وحرفوه ونبذوه.
الشهري: والتشبيه بالحمار هنا للدلالة على شدة
د. ابراهيم: للدلالة على شدة قبح عملهم
الشهري: في قوله سبحانه وتعالى هنا (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا) أليس في هذا إشارة إلى ما دلّ عليه أيضاً في سورة المائدة من قوله سبحانه وتعالى (إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء (44) المائدة) في القصة المشهورة أنه عندما أوكل الله حفظ التوراة والانجيل إلى علماء اليهود والنصارى ضيعوها وتكفل هو سبحانه بحفظ القرآن بقوله (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) الحجر) أليست تدل عليها (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا)؟
د. ابراهيم: نعم وهذه إشارة وكناية وتعبير عن أن هذه التوراة وهذا الكتاب هذا الدين إنما هو أمانة عظيمة تحتاج إلى قوة وإلى صبر فهم لم يصبروا
الشهري: كيف يقول هنا (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا (5)) كيف لم يحملوها وهم قد نقلوا التوراة وتداولوها؟
د. ابراهيم: لم يحملوها يعني لم يقوموا بما أوجب عليهم فيها من العمل بمقتضاها وتعظيمها وإجلالها بل استهانوا بها وحرفوها ولم يعملوا بها فهم حرفوا ألفاظها وحرفوا معانيها
د. الشهري: أستأذنك هناك اتصال من الأخت مها من ينبع.
الأخت مها: أسأل عن لفظة (يزكيهم) في آية سورة البقرة تأخرت (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ (129) البقرة) بينما في سورة الجمعة متقدمة. وفي لفظ (قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا) هنا في السورة
د. الشهري: الأخت مها تسأل سؤالاً هو وجيه فاتني أن أطرحه عليك، قالت في سورة البقرة قال (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ) فأخّر التزكية وهنا قدمها (يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) ما هي الحكمة يا ترى من التقديم والتأخير للتزكية هنا؟
د. ابراهيم: لم يظهر لي دلالة واضحة.
د. الشهري: فيما يبدو لي يا دكتور ابراهيم أن السياق هو دائماً في مثل هذه الأسئلة البلاغية هي ترجع إلى السياق الذي وردت فيه الآيات وهذا باب كما قال عبد القاهر الجرجاني: هذا باب شريف من أشرف أبواب البلاغة وهو باب التقديم والتأخير
د. إبراهيم: وهو داخل في النظم
د. الشهري: نعم بل هو يكاد يكون من أهم مسائل النظم. وهو من أجود من تكلم عن السياق هو عبد القاهر الجرجاني. فتكلم عن مثل هذه في قوله (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) تقديمها في سياق وتأخيرها في سياق آخر إشارة إلى أنها في السياق الذي قُدمت فيه كانت هي المطلوب الأعظم هو التزكية ثم التعليم ولذلك يمكن أن نلفت نظر المشاهدين في هذه المناسبة عندنا وزارة المعارف كان اسمها وزارة المعارف ثم تبين للمسؤولين بعد فترة طويلة أن المعرفة فقط لا تكفي لا بد من التربية فغيروها مؤخراً إلى وزارة التربية والتعليم. وفعلاً أنت تلمس هذا الشخص الذي يملك الكثير من العلم على غير تربية وتزكية يكاد يكون ضرره أكبر من نفعه ولذلك لا بد من التزكية قبل التعليم ولذلك أتصور أن تقديمها هنا وتأخيرها هناك هو لهذا السبب
د. إبراهيم: وهذه لطائف اجتهادية قد يصيب فيها الإنسان
د. الشهري: ولكن ينبغي أن نعرف هذا الأسلوب أسلوب التقديم والتأخير. على سبيل المثال لو سالتك في قوله تعالى (إياك نعبد وإياك نستعين) قطعاً ستقول إن تقديم المفعول به في قوله (إياك نعبد) للدلالة على الحصر والاقتصار وهذا من فوائد التقديم والتأخير. السؤال الآخر الذي سألته الأخت مها قالت: لماذا قال هنا (قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا) لما لم يقل يا ايها الكتاب أو قل يا ايها اليهود؟ هل ظهر لك وجه سؤال الأخت مها؟
د. إبراهيم: هو الله عز وجل يخاطب اليهود أحياناً بـوصفهم (يا بني إسرائيل) وأحياناً بـ (يا أهل الكتاب) وأحياناً بـ (يا أيها الذين هادوا) تعبيرات مختلفة والمقصود جنس واحد وهم أهل الكتاب. والذين هادوا بمعنى رجعوا
د. الشهري: ألا يمكن أن يكون هذا الجواب الأخير في قولك أن (يا أيها الذين هادوا) كأن فيه نداء بما يدعوهم إلى الاستجابة وهو أنتم أصحاب توبة وأصحاب أوبة وأصحاب رجوع إلى الحق فلماذا لا تفعلون كذا وكذا؟
ننتقل إلى قوله سبحانه وتعالى عن اليهود هنا ما المناسبة التي جعلت ذكر اليهود في هذه السورة هنا؟ أسمع الإجابة بعد أن نأخذ اتصال من الأخ أحمد من الرياض.
الأخ أحمد من الرياض: (وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا (7)) وفي البقرة (وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ (95) البقرة) فما الحكمة في هذا الفرق؟ ولفتة أخرى في آخر آية (انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا (11)) من هذه الآية يراودني سؤال هل خطبة الجمعة أيام الرسول كانت بعد الصلاة؟
د. الشهري: ذكر الدكتور هذا وقال فعلاً قيل في بعض الروايات أن الصلاة كانت قبل الخطبة، كانوا يصلون ثم يخطب النبي صلى الله عليه وسلم فبعضهم ينسحب ويقول أنا صليت وليس لازماً أن أحضر الخطبة.
سألتك عن اليهود هنا عندما جاء بذكر اليهود في هذه السورة ما هي مناسبة ذكر اليهود في هذه السورة؟
د. إبراهيم: من المعروف أن بعد الهجرة إلى المدينة كان اليهود موجودين في المدينة عدة قبائل وبما أن لهم كتاباً وعندهم علماً فهم يثيرون الشبهات ويجادلون وربما يحاولون فتنة المؤمنين ولذلك ورد الحديث عنهم في السور المدنية كثيراً لا سيكا أنهم كانوا يرون أن لهم فضلاً على سكان المدينة من الأوس والخزرج الذين صاروا الأنصار بعد ذلك. فهنا في السور المدنية جادلهم القرآن وأبطل شبهاتهم وذكر تاريخهم السيء مع أنبيائهم عليهم الصلاة والسلام.
د. الشهري: سؤال الأخ أحمد في قوله تعالى هنا (وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) وقال في سورة البقرة (وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) فما الفرق بين هذين الأسلوبين؟
د. إبراهيم: هو الثاني بمعنى الأول (لن) تدل على التأبيد
د. الشهري: نفي للمستقبل
د. ابراهيم: وأبداً بمعناها، هذا تأبيد وهذا تأبيد والقرآن يغاير بين الأساليب أضف إلى ذلك أن السياق قد يكون له دلالة كما تفضلت لكن المعنى واحد (وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) تدل على التأبيد
د. الشهري: بالنصب وقد يكون إذا كان سؤال الأخ أحمد – ولا أظنه عن ذلك- عن الجانب الإعرابي، (لا) نافية هنا
د. إبراهيم: هذا وضح لا يبدو لي أنه أراد (لن) الدالة على التأبيد وهنا يريد جاء بالاسم أو بالوصف
د. الشهري: هنا أيضاً ينتقل إلى محور السورة وهي قضية الجمعة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ) يبدو أن الثلاث آيات الأخيرة هي المقطع الأخير، الحديث عن صلاة الجمعة أو نداء الجمعة. في هذه الآية في قوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ (9)) فيها إشارة إلى مشروعية النداء
د. ابراهيم: وبلا شك وهو النداء الثاني وهو المشروع الذي كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفي عهد أبي بكر وعمر ثم زاد الخليفة الراشد عثمان رضي الله عنه زاد النداء الثاني لما كثر الناس في المدينة وأصبحوا يتأخرون زاد النداء الثاني كما ثبت في الصحيح فالمقصود بالآية هو النداء الثاني وهو الواجب الذي يجب على الناس أن يسعوا إليه بخلاف النداء الأول فهو تنبيه للناس ولا يلام الإنسان
الأخ عادل من العراق: في سورة الجمعة (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ) ما دلالة تقديم وتأخير اللهو والتجارة؟
د. الشهري: نعود إلى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ) تقول بالنداء هنا المقصود بالنداء النداء الثاني الذي بعده تقوم الخطبة
د. إبراهيم: نعم يبدأ الخطيب مباشرة وكما أشرنا العلماء اختلفوا هل شُرِعت صلاة الجمعة في مكة أو في المدينة فمنهم من قال أنها كانت مشروعة قبل الهجرة ومنهم من قال بعد الهجرة ولعل هذا أظهر. وأما كون النبي صلى الله عليه وسلم خطب وجمّع هذا يكاد يتفق العلماء على أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى أول جمعة صلاها كانت في المدينة بعد الهجرة بعد قدومه المدينة بأيام أقام الجمعة وورد في فضلها أحاديث كثيرة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم “الجمعة إلى الجمعة كفّارة لما بينها إذا اجتنبت الكبائر” فهذه صلاة أسبوعية يجتمع فيها الناس ولذلك كان لها من الفضل والوجوب أعظم من غيرها ولذلك ورد في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “لينتهين قوم عن ودعهم الجُمُعات أو ليختمنّ الله على قلوبهم فلا يكونن من الغافلين” فحضورها وشهودها خطبة وصلاة هذه من الواجبات المتحتمات
د. الشهري: نواصل حديثنا بعد هذا الفاصل.
——-فاصل—–
إعلان عن خدمات مركز تفسير للدراسات القرآنية – مطبوعات مركز تفسير
—————-
د. الشهري: حياكم الله أيها الإخوة المشاهدون مرة أخرى بعد هذا الفاصل وما زال حديثنا متواصلاً مع فضيلة الدكتور ابراهيم الحميضي عن سورة الجمعة. قبل أن نستمر في حوارنا نشاهد الفائز بجائزة مركز تفسير في حلقة الأمس (الأخ ناصر عبد الله أحمد من الإمارات). نعود إلى حديثنا في سورة الجمعة الأخ عادل من العراق سأل سؤالاً متصل بالتقديم والتأخير (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا) فقدّم التجارة على اللهو وقال في الشطر الثاني (قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ) فقدم اللهو على التجارة فهل يظهر لك حكمة من هذا التقديم والتأخير؟
د. إبراهيم: نعم، ذكر بعض المفسرين المعاصرين أن الآية الأولى كانت حديثاً عن الواقعة الحاصلة وهي هذه العير التي جاءت كانت نفوسهم متعلقة بها وفي الآية الثانية جاء الحديث عاماً للأمة ألا يشغلهم اللهو وهو أعم من التجارة ثم خص التجارة لأهميتها ولكونها من الفتن وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم “فتنة أمتي المال” ذكر الخاص بعد العام. أيضاً يطرأ إشكال آخر ما مناسبة ذكر اللهو في الآية؟ ذُكر في بعض الروايات في سبب النزول أن هذه العير التي جاءت للمدينة قرعت لها الطبول وكانت من عادة العرب إذا جاءتها تجارة وتعرف أن التجارة كانت ولا سيما في بلاد العرب قليلة فالقافلة حينما تأتي يتسامع بها الناس ويخرجون إليها
د. الشهري: وخاصة في هذا الموسم وهو موسم مجاعة
د. ابراهيم: نعم، فكانت تقرع الطبول إشارة وتنبيه للناس من أراد هذه التجارة وصلت من أراد شيء فيها أو أراد أن يشتري منها فلذلك ذكر النهي عن الخروج واللهو والانشغال به عن الصلاة التي هي صلاة الجمعة.
الأخ هذال من الأفلاج: في سورة الكهف وردت كلمة (تستطيع) و(تستطع) ثم وردت (تسطع)؟ ما الفرق بين هذه الآيات؟
د. الشهري: الأخ هذال يسال سؤالاً في سورة الكهف يسأل عن قوله تعالى في قصة ذي القرنين قال (تسطع) (تستطع) ما الفرق بين هذه التعبيرات؟
د. ابراهيم: ذكر ابن عاشور الفرق (تستطع) أبلغ لأن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى ويمكن للأخ أن يرجع إلى فسير التحرير والتنوير لابن عاشور.
د. الشهري: وأيضاً يمكن أن يضاف أنه ذكر له قبل أن يفسر له القصة قال (سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا (78) الكهف) فلأنه هو الآن لم يعرف هذه الحقيقة ولم يعرف هذه الأسرار فما زال الؤال عنده ثقل وصعب كثقل التاء في هذه الكلمة ثم بعد أن كشف له الحقيقة قال (ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا (82)) فحذف التاء وأصبحت المسألة عنه خفيفة ظاهرة. نعود لمجمل سورة الجمعة يحضرني في قوله (نودي للصلاة) بعض الفقهاء يستدل من هذه الآية على مشروعية الأذان ثم القرطبي رحمه الله في كتابه “الجامع لأحكام القرآن” لفت لفتة ممتازة إلى أن هناك آية في القرآن الكريم في سورة المائدة أصرح من هذه في الدلالة على مشروعية الأذان (وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا (58) المائدة) قال هذه الآية فيها إشارة إلى مشروعية الأذان للصوات وأما في سورة الجمعة فهي خاصة بنداء الجمعة، ما تعلقيك يا دكتور؟
د. ابراهيم: بلا شك الأذان من الشعائر العامة الظاهرة حتى قال بعض الفقهاء إن من ترك الأذان من الناس يقاتَلون لأنه دلالة على شعيرة عظيمة من شعائر الإسلام وقد ورد فيه فضل كثير وقد شُرِع الأذان في المدينة مع أن الصلاة كانت قد شرعت في مكة قبل الهجرة ولكن الأذان شرع في المدينة ولذلك ينبغي أن تُعظّم هذه الشعيرة وفي سورة المائدة دلالة على الصلوات جميعاً وفي هذه دلالة على أذان الجمعة والسنة الثابتة وردت في ذلك وهذ أمر متواتر مشروعية الأذان للصلوات الخمس
د. الشهري: سؤال في التويتر يقول السائل الأخ بلوغ المرام: هل تنطبق قاعدة العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب في مثل اليهود والتوراة لكل من حمل علماً ولم يحمله؟
د. ابراهيم: بلا شك وجميع أمثال القرآن الكريم إنما هي للأمة جميعاً ينتفع بها الناس جميعاً إلى أن تقوم الساعة
د. الشهري: سؤال آخر يقول ما الحكمة من قرآءة سورتي الجمعة والمنافقون يوم الجمعة بالأخص كما ورد في صحيح مسلم؟
د. ابراهيم: ذكر بعض العلماء بالنسبة لسورة الجمعة فيها ذكر الجمعة والحث إليها والسعي إليها وحضورها وعدم الانشغال عنها والمقصود بالسعي في الآية ليس المراد السعي الشديد
د. الشهري: هل المقصود بها المشي السريع أو الهرولة إليها؟
د. إبراهيم: المقصود المشي والانطرق إليها، المسارعة وعدم التأخر والانشغال عنها وإلا فقد ورد النهي عن الهرولة كما قال عليه الصلاة والسلام: إذا أتيتم الصلاة فاتوها وعليكم السكينة فما أدركتم فصلّوا وما فاتكم فاقضوا”، في الصحيحين وفي سنن الترمذي “لا تأتوها وأنتم تسعون وائتوها وأنتم تمشون”. أيضاً فيها ذكر الثناء على الله عز وجل الملك القدوس الحكيم وفيها وظائف هذا النبي الخاتم عليه الصلاة والسلام (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ) وهذه منة عليهم وفي السورة المنافقون تحذير من خطر عظيم يهدد الأمة الإسلامية وهم طائفة المنافقين
د. الشهري: هل يمكن في قوله عنا (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10)) أنه بالرغم من أن الحديث هنا خروج عن موقف خروج من المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب إلا أنه بالرغم من هذا لم يمنع من التكسب والخروج لطلب الرزق بعد قضاء الفريضة
د. إبراهيم: هذه الشريعة السمحة لم تنهى المسلمين عن أخذهم حقهم من (وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا (77) القصص)
د. الشهري: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ) مباشرة بعد الصلاة على طول انتشروا
د. إبراهيم: بعض العلماء أوجب على الإنسان أن يشتري شيئاً بعد الصلاة ولكن الراجح أن الأمر هنا للإباحة وهذا أمر بعد الحظر وهذه فاعدة: إذا جاء الأمر بعد الحظر يعود إلى ما كان عليه قبل الحظر والمسألة خلافية فالمقصود به هنا الإباحة. ووقت الجمعة وقت قصير الخطبة والصلاة ومرة في الأسبوع وهكذا الصلوات الأخرى صلاة الجماعة فالإنسان إذا ذهب إليها لا تمنع عنه أبواب الرزق فإن أبواب الرزق بيد الله عز وجل الذي هو أمره بهذه الصلاة والحضور إليها ورزقه مكتوب ومقسوم ولذلك يخطئ من يظن من أهل الأهواء والجُهّال أن هذه الصلوات تقطع عن التكسب أو الرزق
د. الشهري: أو عن الدنيا بصفة عامة
د. ابراهيم: كلا، بل تزيد المسلم والتاجر نشاطاً ورغبة وبركة.
د. الشهري: أسأل الله أن يتقبل منا ومنك وأن يفتح عليك يا دكتور ابراهيم. انتهى وقت هذا اللقاء وانتهى الحديث عن سورة الجمعة حديثاً مختصراً سلطنا فيه الضوء على مقصدها وأهم المحاور التي يمكن أن نتحدث عنها. باسمكم جميعاً أيها الأخوة المشاهدون أشكر ضيفي فضيلة الشيخ الدكتور ابراهيم الحميضي أستاذ الدراسات القرآني بجامعة القصيم ثم أشكركم أنتم على متابعتكم أسال الله أن ينفعنا وإياكم بما سمعناه وأن يجعله حجة لنا وأن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام أراكم غداً وأنتم على خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
[1] أعطيت مكان التوراة السبع الطوال، وأعطيت مكان الزبور المئين، وأعطيت مكان الإنجيل المثاني، وفضلت بالمفصل.
الراوي: واثلة بن الأسقع الليثي أبو فسيلة المحدث: الألباني – المصدر: صحيح الجامع – الصفحة أو الرقم: 1059 خلاصة حكم المحدث: صحيح