برنامج التفسير المباشر

برنامج التفسير المباشر 1433هـ – سورة الانفطار والمطففين والانشقاق

اسلاميات

الحلقة 175

ضيف البرنامج في حلقته رقم (175) يوم الجمعة 22 رمضان 1433هـ هو فضيلة الشيخ الدكتور العباس بن حسين الحازمي الأستاذ المشارك بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية .

وموضوع الحلقة هو :

علوم سورة الانفطار، والمطففين، والانشقاق .

**********************

سورة الانفطار

د. الشهري: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. حيّاكم الله أيها الإخوة المشاهدون الكرام في كل مكان. وأسأل الله سبحانه وتعالى في هذه الليلة المباركة وفي هذا اليوم المبارك أن يجعلنا وإياكم من المقبولين وأن ينفعنا وإياكم بالقرآن العظيم. اليوم الجمعة سوف يكون حديثنا بإذن الله تعالى عن ثلاث سور من الجزء الثلاثين وهي سورة الانفطار وسورة المطففين وسورة الانشقاق وأرجو أن يوفق الله سبحانه وتعالى ضيفنا الكريم إلى اعطاء لمحة عن كل سورة من السور الثلاث في هذه الحلقة المباركة. باسمكم جميعاً أيها الإخوة المشاهدون أرحِّب بضيفي العزيز فضيلة الشيخ الدكتور العباس بن حسين الحازمي أستاذ الدراسات القرآنية المشارك بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية حيّاكم الله شيخنا وأهلاً وسهلاً بك.

د. الحازمي: حياكم الله وبارك فيكم.

د. الشهري: نبدأ على بركة الله يا دكتور العباس حتى نستفيد من الوقت مع سورة الانفطار فنتحدث عن اسمها ونزولها وموضوعها.

د. الحازمي: بسم الله، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد. هذه السورة العظيمة هي من تتمة وصف اليوم الآخر وأحداث القيامة في هذا الجزء الجزء الثلاثين وقد سبقتها سورة التكوير فيها بعض أوصاف أحداث ذلك اليوم العظيم. واسمها سورة الانفطار وتسمى أيضاً “إذا السماء انفطرت” بأول آية وردت فيها، هذان هما الاسمان المشهوران لهذه السورة

د. الشهري: وأين نزلت يا دكتور العباس؟

د. الحازمي: هذه السورة كغيرها من غالب سور هذا الجزء العظيم سور مكية ويدل على ذلك النقل والاجتهاد فإن الروايات عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنها مكية وأيضاً موضوعات هذه السورة أو موضوعها الرئيس وقصر آياتها تدل على أنها مكية ولكنها من آخر ما أُنزل في مكة فترتيبها ما بين الثاني والثمانين والثالث والثمانين نزولاً.

د. الشهري: موضوعها يا دكتور موضوع سورة الانفطار ما هو؟

د. الحازمي: هو في وصف أحداث القيامة وبيان مصائر الفريقين الأبرار وأين مصيرهم؟ والفُجار وأين مصيرهم؟ وهذا هو موضوع غالب سور أيضاً هذا الجزء فإنها قسّمت الناس في ذلك اليوم العظيم بحسب أعمالهم في الدنيا فأخبر الله عز وجل في هذه السورة أن الأبرار في النعيم وأن الفجار في الجحيم.

د. الشهري: ودلالة هذا الشرط الذي في أولها كما كنا في سورة التكوير أيضاً هنا قال (إِذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ (١) وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ (٢) وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ (٣) وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (٤)) ما دلالة هذا الشرط؟

د. الحازمي: طبعاً هذا (إذا) هنا بعضهم قال إن هذه الجملة شرطية وبعضهم قال قسم والذين قالوا بأنها قسم تكلفوا لها جواباً ولا يوجد لها جواب مذكور منصوص عليه في السورة إلا أن يُقدَّر جوابها والأرجح أنها شرطية وليست قَسَم. وهذه الآيات الأربع التي افتتحت بها السورة مذكور فيها هذه الأحداث العظيمة والتي ذُكر بعضها ولو بألفاظ أخرى في التكوير فانفطار السماء بمعنى تشققها مذكور في التكوير وفي الانشقاق أيضاً.

د. الشهري: (إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ (1)).

د. الحازمي: والنجوم أيضاً وما الذي يحصل لها من تناثر وتساقط والبحار فتح بعضها على بعض أو تسجيرها كما ذكر في سورة التكوير والأرض أيضاً أو القبور وإخراج ما احتوت عليه من أجساد الناس كل هذه مقدّمات لذلك اليوم العظيم الذي هو يوم الدين.

د. الشهري: أمس في سورة التكوير قال (عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ (١٤)) واليوم يقول (عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ (٥)) وهما بمعنى يعني نفس الفكرة؟

د. الحازمي: التكوير متقدمة في النزول على الانفطار والانفطار مذكور فيها الكِرام الكاتبين الذين يكتبون الحسنات والسيئات. وما قدّمت وأخّرت لها معاني من معانيها ما عمله الإنسان وما لم يعمله من خير أو ما عمل من خير وما عمل من سوء فأخّر في مقامه ومنزلته فهذا التفصيل متناسب مع ما ذكر في السورة من الكرام الكاتبين الذين يكتبون ما يعمله الإنسان من خير وشر.

د. الشهري: هنا في قوله يا دكتور في سورة الانفطار (يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (٦) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (٧)) لو نقف إن شئت في وقفة مع هذه السورة ثم ننتقل لسورة المطففين.

د. الحازمي: الخطاب في هذه السورة وفي السور التي بعدها غالب أهل التفسير على أنه للكفار أو الفجار ولكن ذلك لا يمنع أن يكون المخاطَب به عموم الناس فإن عموم الناس منتفعون ومخاطبون ومطالبون بما ذكر في هذه السورة ومما يدل على أن المخاطَب هنا العموم ما جاء في السورة من ذِكر الكرام الكاتبين ولهذا وقع الخلاف بين المفسرين هل للكفار ملكان يكتبان الحسنة والسيئة؟ إذا كان يكتب الحسنات فليس للكافر حسنة ولهذا الإنسان هنا المذكور في السورة هو عموم الإنسان وإن كان وردت بعض أسباب النزول تقول أن المراد بهذه الآية فلان أو فلان. وأما الآية التي أشرت إليها فضيلة الشيخ (مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (٦) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (٧)) وفي قراءة (فَعَدَّلَكَ) فهي تذكير لهذا الإنسان بنعمة الله عز وجل عليه بأن خلقه وسوّى خلقه وأحسن خلقه وعدّل أعضاءه (عَدَلَكَ) هنا سواء قُرئت بالتخفيف أو بالتشديد معناهما متقارب فإن المراد منها أن الله سوى خلقك أيها الإنسان خلقك في أحسن خلق وفي أحسن تقويم وقرأت التخفيف (عَدَلَكَ) يعني أمالك إلى جهة تشبهها تجد الإنسان يشبه عمه أو جده أو خاله هذا أحد معاني (عَدَلَكَ)، وكِلا المعنيين فيه امتنان من الله عز وجل بأنه أحسن خلقك أيها الإنسان فالذي أكرمك هذا الاكرام ما هو المطلوب منك تجاهه؟ أن تعبده وأن تشكره وأن تتوجه بالعبادة إليه لا لغيره.

د. الشهري: سبحانه وتعالى! هل ترى أننا نكتفي بهذا وننتقل إلى

د. الحازمي: بقي أن أشير إلى فائدة فيه هذه السورة عندما وصف الله عز وجل الكرام الكاتبين (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (١٠) كِرَامًا كَاتِبِينَ (١١) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (١٢)) وصفهم الله عز وجل بصفات أربعة: حافظين وكرام وكاتبين ويعلمون ما تفعلون وهذه من شدة الضبط والدقة في الكتابة والإحصاء وعدم ظلم هؤلاء الناس الذين تُكتَب أعمالهم من حسنات ومن سيئات أشار بعض أهل التفسير في هذا الموضع إلى فائدة لطيفة أظنّه القرطبي إن لم أنسى يقول: أن هذه الآية فيها فائدة بذكر صفات من يرشَّح للقيام بالولايات العامة أنه يُشترط فيه أن تكون فيه هذه الصفات الأربع أن يكون حافظاً ضابطاً لا ينسى ما يظلم أحداً ويقول نسيت! أو ينسى واجب أو حق أحد ويقول نسيت! وأيضاً كرام الخلق الحسن واللين مع الناس والكتابة وهي الضبط تأكيد لمعنى الحفظ ويعملون ما يفعلون، يقصد ما يفعل وعلى علم بما يفعل فهذا استنباط حسن من القرطبي رحمه الله في معنى هذه الآية.

د. الشهري: لكن المشكلة معناه أن الأمي الذي لا يقرأ ولا يكتب ما تنطبق عليه الشروط!.

د. الحازمي: الأمية في معانيها تفصيل طويل.

سورة المطففين

د. الشهري: ننتقل يا دكتور عباس إلى سورة المطففين وهي أوسع وأكثر عدد آيات من سورة الانفطار نتحدث عن اسمها وعن نزولها.

د. الحازمي: سورة المطففين سميت هكذا سورة المطففين وسميت أيضاً “ويل للمطففين” باعتبار أول آية فيها وبعضهم ذكر التطفيف هكذا فتقريباً لها ثلاث أسماء. وهي سورة مختَلف في مكان نزولها اختلافاً شديد وسبب هذا الاختلاف كما أشرت في أول حديثي إلى أمرين: النقل ثم إلى الاجتهاد. أما النقل فقد اختلفت الأقوال الواردة عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين من بعدهم في مكان نزول هذه السورة روي عن بعضهم أنها مكية وروي عن بعضهم أنها مدنية والحقيقة أن سبب الاختلاف أنها من آخر ما نزل من القرآن بمكة ولهذا في هذه الحالة نعود إلى الطريق الثاني من طرق معرفة مكان النزول فهو طريق الاجتهاد، موضوع هذه السورة وسياق آياتها وطريقة آياتها تدل على أنها مكية ولكنها من آخر ما نزل بمكة ولهذا قيل أنها نزلت في الطريق بين مكة والمدينة، الحديث عن التطفيف وعن الكيل وعن الوزن لم يكن هذا معروفاً في السور المكية ولهذا ورد في سبب نزولها في هذه الآية بذات أن أهل المدينة كانوا يتعاملون بالمكيال، بالكيل وأهل مكة يتعاملون بالوزن وكان أهل المدينة أو أهل يثرب كما كانت تسمى قبل الإسلام قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم إليها كانوا يطففون في مكاييلهم كان لبعضهم مكيالان أحدهما يكيل به لنفسه وهو الزائد والآخر يكيل به للناس وهو الناقص فنزلت هذه الآية في طريق النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فلما قرأها على أهل المدينة فأصبحوا من أحسن الناس كيلاً ولهذا ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما أنهما قال: أهل مكة وأهل المدينة من أحسن الناس كيلاً ووزناً، قال صاحبه له كيف وقد سمعوا قول الله عز وجل (وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ (١)). فيصبح على هذا أن هذه السورة من آخر ما نزل بمكة نزلت في الطريق بين مكة والمدينة ولهذا وقع فيها الخلاف في مكان نزولها.

د. الشهري: قبل أن نتحدث عن موضوع سورة المطففين، ما معنى مطففين؟

د. الحازمي: التطفيف هو النقص الحسي أو المعنوي، بمعنى أن يبخس الإنسان كيل صاحبه أو يزيد في كيله لنفسه فهذه التطفيف يعني بعضهم يسميها زيادة باعتبار زيادته لنفسه وبعضهم يسميها نقص يعني نقصه لغيره وهذا التطفيف هو معنى واسع ولهذا ورد عن الإمام مالك رحمه الله ورضي عنه أنه قال: لكل شيء وفاءٌ وتطفيف. فالتطفيف عام وليس خاصاً بالمكيال والميزان والآية هنا أيضاً هي عامة أيضاً وإن كان يدخل فيها التطفيف في الكيل والوزن دخولاً أولياً ولكنها عامة في كل زيادة يخص الإنسان بها نفسه ونقصٍ يخص به الآخرين. بعض الناس يريد أن يوفّيه الناس حقه ولا ينقص من قدره شيئاً وإذا تعامل معهم بَخَس من حقهم في كل أموره هذا نوع من التطفيف.

د. الشهري: هذا مطفف.

د. الحازمي: نعم وما يستعمل اليوم في العبارة الإعلامية “الكيل بمكيالين” هو نوع من هذا هو إشارة إلى هذا إذا عاملت من تحب وإذا عاملت من تود أكرمته ووفّيت حقه وإذا عاملت من لا تحب ولا تودّ بخسته حقه ولو كان يستحق غير ذلك فإن هذا نوع من التطفيف. وورد عن سلمان رضي الله تعالى عنه أنه ذكر أن الصلاة فيها أيضاً تطفيف فإن من وفّاها خشوعها وأدّى ركوعها حق الأداء فإنه وفّى حق هذه الصلاة ومن طفّف قال فإنه متوعَّد بقول الله (وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ (١)) فالتطفيف عام ولهذا ورد أن عمر رضي الله تعالى عنه خاطب أحد الصحابة قال قد طففت يعني بالغت في التقصير ونسبت الكمال لنفسك. ولهذا أخي الكريم هنا أتذكر مسألة لعلّها قريبة من هذه بعض الناس كما يفهموا التطفيف فهماً ناقصاً مختصراً منقوصاً يفهم أيضاً حديث النبي صلى الله عليه وسلم في تقسيم القضاة إلى ثلاثة «قاضيان في النار وقاض في الجنة» أنه خاص بالذي يحكم بين الناس في هذه القضايا في المحاكم، لا، الحقيقة أن شيخ الإسلام ابن تيمية له كلام جميل في هذا الأمر وسّع

د. الشهري: مفهوم القضاء

د. الحازمي: وقال حتى معلم الصبيان لما يقضي بين اثنين من طلابه في الدرس فيظلم هذا ويكرم هذا في غير ما يستحق هو داخل في وعيد النبي صلى الله عليه وسلم.

د. الشهري: لا، وأيضاً بعضهم يفهم «قاضيان في النار وقاض في الجنة» فهم حسابي اثنين في النار وواحد في الجنة هي المسألة مرتبطة بالعمل! نعود إلى موضوع سورة المطففين يا دكتور عباس.

د. الحازمي: موضوعها مثل موضوع السورة السابقة في ذكر بعض أحداث يوم القيامة وتقسيم الناس إلى هذين فريقين وإن كان التقسيم هنا أوسع باعتبار أن السورة أطول من السورة السابقة فذكر الله عز وجل بإيجاز أوصاف الفجار أو عاقبة الفجار ثم ذكر عاقبة الأبرار ثم ذكر بعض ما أكرم الله عز وجل به عباده الأبرار في الجنة وذكر من هذا الإكرام: الإكرام الحسي من لذة، من مشروب ونحوه، ثم ذكر الإكرام المعنوي بأنه انتصر لهم وانتقم لهم ممن ظلمهم (هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (٣٦)) هذا بعض الناس يظن أن هذه الآيات ليس لها علاقة بما تقدّم إذا جاء عند قوله تعالى في ذكر المجرمين (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (٢٩)) هذا الكلام متصل بما قبله فإن هنا في هذه الآيات حديث عن إكرام المؤمنين والانتقام لهم في يوم القيامة عندما كان المجرمون في الدنيا يسخرون منهم ويتغامزون بهم ويضحكون منهم المؤمن لا يرد على هؤلاء ولا ينبغي أن يرد على هؤلاء، لماذا؟ لأنه ينتظر الإكرام وأن يأخذ الله عز وجل له حقه، متى؟

د. الشهري: يوم القيامة.

د. الحازمي: في الآخرة وافياً كاملاً غير منقوص.

د. الشهري: وكأن هذا فيه إشارة إلى أنتم هؤلاء يعني (وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ (١)) وأن الله سوف يوفي للمتقين حقهم. دعنا نعود من أولها يا دكتور نقف مع بعض آياتها قبل الفاصل في قوله (وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ (١)) وهنا فسرها يبدو هل هذا من تفسير القرآن بالقرآن يعتبر؟

د. الحازمي: نعم.

د. الشهري: (وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ (١) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (٢) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (٣)).

د. الحازمي: هذا هو معنى المطففين بيّن الله عز وجل أنه له شقّان إذا أخذ حقه استوفاه كاملاً وإذا أعطى الناس حقوقهم أعطاهم إياها منقوصة وهنا في لفظ الآية يفيد العموم الذي أشرنا إليه فلم تُشِر الآية إلى نوع مكيال معين أو موزون معين وإنما كل ما يمكن أن يأخذه الناس ويتناوله.

د. الشهري: سبحان الله! دلالة القرآن الكريم أنه لم يقصرها على شيء محدد الذين اكتالوا مثلاً الشعير على الناس، أليس كذلك؟

د. الحازمي: نعم.

د. الشهري: وإنما في كل تعاملات الناس. وأذكر قصة تؤيد كل ما ذكرت ابن مسعود لما رأى رجلاً يبخس في صلاته ويخلّ بها استشهد بهذه الآية قال (وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ (١)) يعني رأى أن اخلاله بصلاته وبركوعها وسجودها هو التطفيف الذي نهى الله عنه.

د. الحازمي: وأيضاً الله عز وجل أخبرنا أن أحد أنبيائه شعيب عليه السلام كان مما أنكره على قومه ضمن كما يقولون بيانه الأول وضمن تحذيره الأول (وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ) [الأعراف:85]، (وَلَا تَنقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ) [هود:84] نعم وهناك أيضاً في قصة شعيب هي بهذا العموم وإن كان قوم شعيب الذين أرسل إليهم كانوا مشهورين بهذا الأمر.

د. الشهري: قضية بخس الموازين.

د. الحازمي: الموازين المعروفة والذي يتعود على بخس الموازين الحسية يتجاوزها إلى بخس الموازين المعنوية ويتطبع بهذا الطبع ويصبح يرى أن هذا من حقه وأن هذا شيء مشروع له ولكن الله عز وجل حذّرهم من هذا الشيء المحسوس الذي يرونه تنبيهاً على ما لا يشعرون به ولا يحسونه.

د. الشهري: لفت نظري يا دكتور هنا في هذه الآيات أنه ربط هذه المخالفة وهي التطفيف عندما ربطها فقال سبحانه وتعالى ربطها بأمر عَقَدي وهو التذكير باليوم الآخر ما دلالة هذا؟

د. الحازمي: هذا بارك الله فيه غالباً هذا التطفيف وهذا البخس للمكيال يكون على وجه الخفية يعني حتى المكيال الذي يراه المكيال الناقص أو الزائد لا يشعر به الزبون كما يقولون، إنما يصنع هذا من لا يستشعر ذلك اليوم ولهذا نجد في آيات المعاملات الزوجية المذكورة في سورة البقرة وفي سورة النساء دائماً مذكور فيها لمن (كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) تكرر هذا كثيراً وهذا في سورة الطلاق أيضاً تكرر هذا لأن هذه المعاملات الاجتماعية الزوجية هي غالباً تكون

د. الشهري: خفية.

د. الحازمي: مستورة بستر البيت فيظن الظالم من الرجال أو النساء أن ما دام الناس لا يطّلعون عليه

د. الشهري: فليس هناك مشكلة.

د. الحازمي: ولكن الله يذكره بأن إذا فات هذا اليوم وهذه الدنيا دون عقاب فإن العقاب والحساب يكون في الآخرة.

د. الشهري: أستأذنك يا دكتور العباس لدينا فاصل قصير نعود إليكم إن شاء الله أيها الإخوة بعد هذا الفاصل.

————–

فاصل – سؤال الحلقة

السؤال الثاني والعشرين:

قوله تعالى (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1)) ما هو تفسير كلمة (كُوِّرَتْ)؟

1. ذهب ضوؤها

2. ازداد ضوؤها

3. اقتربت من الناس

——————–

د. الشهري: حياكم الله أيها الإخوة المشاهدون مرة أخرى وما زال حديثنا متصلاً عن سورة المطففين مع ضيفنا فضيلة الشيخ العباس ابن حسين الحازمي أستاذ الدراسات القرآنية المشارك بجامعة الإمام محمد ابن سعود الإسلامية، حياكم الله يا دكتور مرة أخرى، كنا نتحدث يا دكتور عن قضية ربط جزاء التطفيف هنا أو التخويف في اليوم الأخر بقوله (أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ) وأنت ذكرت لفتة كريمة فعلاً في كل القضايا حتى القضايا الإجتماعية والزوجية التي لا تقع إلا بين الزوجين كيف أن الله سبحانه وتعالى يذكر الزوج مباشرة باليوم الآخر باعتبار أنه لا يخاف من ذلك اليوم إلا من كان مؤمناً صادقاً، هل هناك مزيد من الإيضاح في هذه النقطة؟

د. الحازمي: ذكر الله عز وجل في أول هذه السورة من صفات الفجار الذين أخبر الله عز وجل أن كتابهم بمعنى أعمالهم ومصيرهم المحتوم في سجين سواء كان المراد بالسجين الأرض السفلى أو قعر جهنم أو غيرها من الأقوال ذكر الله عز وجل صفات بعض هؤلاء الذين استحقوا هذا اللقب وهو الفجار والذين استحقوا هذا المصير فنأخذ بعض صفات هؤلاء. قال الله عز وجل (الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ) ثم أخبر أن تابعة للصفة الأولى (وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ) لا يجرؤ على التكذيب بهذا الأمر الواضح العظيم الذي لا يخفى على أحد إلا من كانت هذه صفته معتد أثيم. قال (إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ) عندما تتلى عليه آيات القرآن كي يتذكر وكي يؤمن كي يعترف ويوقن بذلك اليوم العظيم يشبها بماذا؟ بأساطير الأولين يعني قصص الأمم المتقدمة كما كان يفعل بعض مشركي قريش عندما يريدون أن يصرفوا النبي صلى الله عليه وسلم، يصرفوا المؤمنين أو يصرفوا قريش عموماً عن الإستماع إلى قراءة النبي صلى الله عليه وسلم للقرآن فيحدّثونهم بأحاديث فارس والروم وما أشبه ذلك. وأنا أقول أساطير الأولين إذا كانت لحظات تنزّل القرآن تسمى أخبار فارس والروم فيمكن أن تكون أساطير الأولين كل ما يُشغل عن القرآن من القصص والروايات والأشعار الماجنة وغيرها مما يلهي بعض الناس أو كثيراً من الناس في هذا الزمن ولذلك أخبر الله عز وجل كيف هؤلاء الذين في زمن قريش تركوا القرآن واعرضوا عنه وذهبوا إلى الأساطير ما هو السب؟ قال (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) الذي جعلهم يعرضون عن القرآن ولا يستمعون إليه وينصرفوا إلى الأساطير ما هو؟ أن قلوبهم التي هي الوسيلة الوحيدة لفهم القرآن أصبح عليها الران. وهذا الران أخبرنا به النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا أذنب العبد نُكِت في قلبه نكتة سوداء فإذا نزع واستغفر صُقِل قلبه فإن عاد أصبح عليه مثل الكوز فذلك الران الذي قال الله عنه (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ). إذاً الران الذي هو طبقة تغلّف القلب تمنعه من الانتفاع من القرآن ما سببه؟ المعاصي والذنوب، تواليها توالي الذنوب بعد الذنوب ولا يتوب الإنسان منها تجعله إذا جاء يقرأ القرآن شعر بثقل شعر بمشقة شعر بإعراض وإذا تليت عليه القصص والأساطير والروايات وغيرها استراح لها وهشّ وبشّ هذا على قلبه ماذا؟ ران كما أخبر الله عز وجل. هذا الران عقوبته في الدنيا أنه يمنعه من ماذا؟ فهم القرآن والإنتفاع به وله عقوبة في الآخرة أخبرنا الله عز وجل بها هنا قال (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) حُجبوا في الدنيا عن الاستمتاع بكلامه وحُجبوا في الآخرة عن ماذا؟ عن رؤية ربهم عز وجل وهذه الآية كما ذكر أهل التفسير من الأدلة الصريحة على رؤية المؤمنين لربهم وخالقهم سبحانه وتعالى في الجنة في الآخرة.

د. الشهري: وما وجه دلالتها؟

د. الحازمي: أخبر أن الكفار والفجار محجوبون عن رؤية ربهم فدلّ هذا بطريق المفهوم أن المؤمنين غير محجوبين يعني أنهم يرون ربهم عز وجل.

د. الشهري: أذكر أن هذا من الأدلة التي استدلّ بها الشافعي بالذات في هذه المسألة. ثم أيضاً جاء ما ذكرتم في قوله (كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ) وهذه ملاحظة يا دكتور حتى في سورة التكوير وفي سورة الإنفطار التي كانت معنا قبل قليل قضية المقابلة بين أهل الجنة وبين أهل النار بين العذاب وبين النعيم ما دلالتها؟

د. الحازمي: هذا مما اشتهر في القرآن وظهر وهو أحد أسباب تسمية القرآن مثاني فإنه يُذكر فيه الشيء وضده، يذكر فيه الجنة والنار والمؤمنين والكفار وهذا ليتضح كل فريق ولتكون الصورة واضحة لكل طائفة فإنه إذا ذُكرت الجنة وما ذُكر معها النار وما تكون بنفس الظهور والبروز الذي تكون به إذا ذكرت به مع النار وهي مقابلتها وكذلك المؤمنين والفجار.

د. الشهري: أذكر من الفوائد التي ذكرها لا أذكر هل هو ابن قتيبة أو ابن حبيب النيسابوري عندما قال من حكم هذا التكرار أنه كان ربما يأتي بعض المسلمين إلى النبي صلى الله عليه وسلم الجُدُد -إن صح التعبير- فيسمعون منه السورة ويذهبون بها فتفوتهم بعض السور الأخرى فيقول تكرار مثل هذه القضايا في السور يجعل كلٌ يعلم بها.

د. الحازمي: والسورة القرآنية هي وحدة متكاملة تغني صاحبها ولهذا كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في قراءته في صلاته أن يقرأ السورة كاملة لا يجزّئها كما يجزئها الأئمة اليوم، يقرأها كاملة لأن فيها وحدة متكاملة وهذا وصف ظاهر في سور هذا الجزء كله.

د. الشهري: أستأذنك يا دكتور معنا أحد الإخوة من موريتانيا الشيخ المهدي حياكم الله يا أخي تفضل.

اتصال من الأخ المهدي – موريتانيا: حياكم الله وبيّاكم وشكر الله لكم هذه الدروس القيمة التي تعيدنا في الحقيقة إلى أجواء رمضان لأنه هو الشهر الذي أُنزل فيه القرآن وفي الحقيقة أرى أن مثل هذه الدروس يحيي في الأمة معاني رمضان لا أريد أبداً أن أداخل مداخلة نستأثر بها بالدرس ولكن بالنسبة لهذه السور سورة التكوير وسورة الإنفطار كذلك سورة الزلزلة أنا عندي فيها رأي وملاحظة أريد من شيخي أن يقرها أو يصححها. هناك أسئلة يطرحها كل مؤمن على نفسه وهو يريد أن يعرف حقيقة أمره وكأن الله تعالى يبين له أن هذا الأمر لن يصل إلى حقيقته إلا بعد أن يرى هذه المشاهد عندما تتكشف هذه المسائل فانظر مثلاً في سورة التكوير بعد قوله (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) التكوير) إلى بقية تلك المتعاقبات من المشاهد الكونية التي يختل بها نظام الكون ونواميسه يقول (عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ (14) التكوير) هكذا الحال بالنسبة لسورة الإنفطار وهكذا الحال بالنسبة لسورة الزلزلة كأن الإنسان إذا أراد أن يعرف حقيقة أمره فعليه أن يواصل بالعمل وأن يرجع إلى كتاب الله تعالى ولكن الإشكالية التي أريد من فضيلتكم النصيحة فيها هي كيف نعود إلى القرآن في هذا الزمان من خلال رمضان ودروسه؟ لماذا لا نعمم على مساجدنا درساً تفسيرياً بعد كل حصة تراويح مثلاً وندعو إلى ذلك عن طريق المشايخ وعن طريق البرامج الهادفة مثل برنامجكم هذا نحن في الحقيقة نستمع إلى القرآن في مشارق أرضنا ومغاربها ولكن نستمع إليه كما يستمع الناس إلى أغنية فإذا انقضى وقت القراءة لا نستمع إلى شيخ يشنّف الآذان بقراءته ولا شك أن من المشايخ من أعطاه الله تعالى مزماراً من مزامير آل داوود لكن أين تحريك العقول لفهم معاني هذا القرآن كما تتحرك الألسنة لفهم ألفاظه؟ هذا فقط ما أردت أن ألفت انتباهكم إليه وأتمنى على شيخي ومضيفه وهو بمثابة إن شاء الله أن يركزوا على هذه المسألة نصحاً للأمة وجزاكم الله خيراً. وما دمنا نستقبل ليلة القدر إن لي ملاحظة كذلك حولها أن ليلة القدر لم تشرف بذاتها وإنما شرفت بهذا القرآن أنا أفهم أن الدعوة إلى ليلة القدر هي دعوة إلى القرآن باعتبارها ظرفاً زمانياً لنزول هذا القرآن فالظرف يعظم بمظروفه وقيمة للة القدر موجودة عندنا طيلة السنة بمدى ارتباطنا بكتاب الله عز وجل وفقنا الله وإياكم ولعلي أطلت والسلام عليكم.

د. الشهري: شكراً جزيلاً لك، لعلنا نكتفي بمداخلة الشيخ المهدي في هذه الحلقة وهو من الباحثين المميزين وله مداخلات قيمة. نعود يا شيخنا إلى سورة المطففين ثم نعلق على مداخلته.

د. الحازمي: ننتقل إلى الصنف الثاني والقسم الثاني الذي ذكره الله عز وجل في هذه السورة وهم الأبرار وأخبر الله عز وجل بأن كتابهم بمعنى ما أعدّه لهم من نعيم ومصيرهم الحسن مكتوب في عليين في أعلى الجنة وأن هذا المكتوب يطّلع عليه المقرّبون من كل سماء الملائكة المقرّبون فيها. وأخبر الله عز جل ما هو النعيم الذي يتلقاه هؤلاء وما هو النعيم الذي يأخذه هؤلاء أنهم (عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ).

د. الشهري: دلالة على سرورهم.

د. الحازمي: نعم والسرر المهيأة وينظرون وسيأتي معنا ما يكملها في آخر السورة. ثم قال (تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ) ونقرن هذا أيضاً بأن الله عز وجل أخبر في الآيات قبلها أن الكفار والفجار محجوبون عن ربهم فأحد أسباب النضرة في وجوه هؤلاء ما هي؟ رؤيتهم لربهم عز وجل. ثم (يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ) الرحيق المختوم هنا خمر الجنة وكما قال أهل التفسير كل رحيق في القرآن مقصود به الخمر ومختوم هنا (ختامه مسك) فيها أقوال كثيرة لأهل التفسير لعل ملخصها أنه في آخره في نهايته طعم المسك أو رائحة المسك والمسك معروف.

د. الشهري: وأشار طبعاً أنه من أروع ومن أجود أنواع الخمر.

د. الحازمي: وأيضاً ليس فيه رائحة خمر الدنيا النتنة التي تعافها الفِطَر السليمة فنزّه الله خمر الجنة عن ما يعيب خمر الدنيا. قال (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ) وأكد أيضاً الصفة السابقة والنعيم السابق (وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ) أي ذلك الرحيق المذكور سابقاً مخلوط بتسنيم وهذا فسره الله عز وجل قال (عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ) هذا بعض ما أعده الله عز وجل للأبرار في هذه السورة.

د. الشهري: هل نختم الحديث عن سورة المطففين وننتقل إلى سورة الإنشقاق أم ما زال لديك؟

د. الحازمي: القسم الأخير من السورة هو من تمام نعيم الأبرار في الجنة فإن الأبرار في الدنيا يلاقون من الفجار تهكماً

د. الشهري: في قوله (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا يَضْحَكُونَ).

د. الحازمي: نعم هذا المعنى متصل تماماً بما قبله وهذا من تمام نعيم أهل الجنة فإن الله عز وجل تنعّم عليهم كما قال في آخر السورة قال (فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ).

د. الشهري: نقل المشهد إلى الآخرة وكان يتحدث في الدنيا قال (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا يَضْحَكُونَ (29) وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ (30)) ثم نقلهم إلى الآخرة.

د. الحازمي: ولاحظ معي يا أخي الكريم هذه الصفات أو هذه الأعمال التي كان يقوم بها أهل الإجرام، ماذا قال؟ قال يضحكون.

د. الشهري: وهو إلى اليوم يا شيخنا.

د. الحازمي: وهذا ما أريد أن أؤكد عليه (وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ) يغمزون أعينهم بذكر عيوبهم أو الإشارة إلى بعض عيوبهم ثم لا يكتفون بهذا وإنما إذا رجعوا إلى أهلهم إلى منتدياتهم إلى أقوامهم إلى أصحابهم بدأوا يذكرون معايب أولئك.

د. الشهري: يضحكون وينكّتون ويسخرون.

د. الحازمي: نعم، والأخيرة قال (وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ) أنهم ليسوا على الطريق الصحيح، ليس هذا بالإسلام الحقيقي، ليس هذا بالإلتزام الحقيقي، ليس هكذا هو الإسلام، ليس هكذا هو الدين! هذا يحصل إلى زماننا هذا. فهذه الأمور الأربعة وهذه التصرفات الأربعة التي يصنعها هؤلاء الفجار مع أولئك أثيب عليها المؤمنون في الآخرة بأن الله عز وجل يجعلهم يضحكون من الكفار، كيف يضحكون منهم؟ ومتى يضحكون منهم؟ لأهل لتفسير أقوال كثيرة فيها ليس هذا مجال الحديث عنها.

د. الشهري: لعلنا نأخذ الفاصل ثم نكمل هذه النقطة بعد الفاصل إن شاء الله. أيها الإخوة المشاهدون فاصل قصير ثم نواصل حديثنا مع الدكتور العباس الحازمي.

—————–

فاصل إعلان عن مركز تفسير – مطبوعات مركز تفسير

—————–

د. الشهري: حياكم الله أيها الإخوة في هذه الساعة الذكر وهذا التفسير المباشر ولا زال حديثنا مع ضيفنا الدكتور العباس بن حسين الحازمي حول سورة المطففين قبل أن نواصل حديثنا يا دكتور نشاهد الفائز في حلقة الأمس في مسابقتنا وطبعاً الترشيح إلكتروني

الفائزة في سؤال المسابقة: فاطمة محمد عبده من مكة المكرمة

د. الحازمي: والفائز إلكتروني أو حقيقي؟

د. الشهري: لا، فائز حقيقي لا كنا زمان تذكر كنا المسابقة في الأوراق وكانوا أحياناً يصلون أربع مئة المتسابقين فنتعب تعباً شديداً الآن يصلون إلى ثلاث آلاف ما شاء الله، إلكتروني الحمد لله. نعود إلى النقطة الأخيرة يا دكتور قبل أن ننتقل إلى سورة الانشقاق في قوله سبحانه وتعالى (فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (٣٤) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ (٣٥) هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (٣٦)) وأنت أشرت إلى قضية سخرية هؤلاء بالمؤمنين في الدنيا والاستهزاء وهذا للأسف إلى اليوم يا دكتور، نختم بهذه النقطة ثم ننتقل.

د. الحازمي: أولاً هذا هو جزء من التطفيف الذي توعّد الله عز وجل أصحابه في أول السورة ودائماً سور القرآن تُختم بمثل ما بُدِئت به فالله عز وجل أخبر أن من صفات هؤلاء المجرمين التطفيف كيف يطففون؟ إذا جاءوا إلى ما عند هؤلاء المؤمنين من حسنات ومن أمور حسنة ومن إيجابيات غطّوها وستروها وكتموها وجحدوها وأبرزوا ما عندهم من أخطاء وزادوا عليها أيضاً. ولهذا الأشياء الأربعة والأعمال الأربعة التي أشرت إليها في الآيات السابقة هي نوع من هذا التطفيف هؤلاء المؤمنين أليس لهم حسنة؟ أليس لهم أمر إيجابي حتى يُذكر؟ فإنهم لا يذكرون شيئاً من إيجابيات هؤلاء المؤمنين! وهذا كما أشرت هو صفة للمجرمين في ذلك الزمن وهو صفة لأهل الإجرام في كل زمان ومكان وهم متوعَّدون بمثل ما توعد الله عز وجل به أولئك من أهل الإجرام. ثم العقوبة أيضاً التي عاقبهم الله عز وجل بها كانت من جنس ما صنعوه فإن أهل الإيمان الأبرار أهل الجنة إذا أخذوا أماكنهم، إذا قعدوا على سُررهم، إذا دخلوا غرفهم وقصورهم في الجنة يعرض الله عز وجل لهم هؤلاء المجرمين والكافرين في مصائرهم فماذا يصنع بهم هؤلاء المؤمنون؟ يضحكون منهم كما ضحكوا منهم في ذلك الموقف.

د. الشهري: (جَزَاءً وِفَاقًا (٢٦)) [النبأ].

د. الحازمي: كما طففوا، كما نقصوا من كيلهم يعيدون لهم ما انتقص من كيلهم في ذلك الأمر ولهذا الله عز وجل يقول (هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (٣٦)) يعني هل جُوزي هذا الدين الذي أخذوه في الدنيا هل أُخِذ منهم في الآخرة؟ والجواب طبعاً نعم.

د. الشهري: نختم الحديث عن سورة المطففين بهذا يا دكتور. قبل أن ننتقل إلى سورة الانشقاق على عجل الأخ المهدي من موريتانيا أشار إلى مسألة مهمة جداً وهي قضية كيف يمكن أن نجعل القرآن الكريم يكون واقعاً نعيشه بنشر هدايته وتقريب معانيه للناس فليتك تعلق؟

د. الحازمي: أنا أحيي أولاً الشيخ مهدي على لغته وعلى أسلوبه الجميل وليس بغريب عن أهل موريتانيا تلك الفصاحة وتلك البلاغة وهم أهل العلم والأدب والشعر. وأيضاً هو ذكّرني في أثناء مداخلته بأمر مهم نسيت أن أشير إليه في هذه السورة التي تكلمت عنها اليوم أن القارئ لها يجد ذكر الأبرار والفجار، المؤمنين والكفار، لا يدري أن يضع نفسه؟ يرجو أن يكون من الأبرار ولا يضمن، ويخشى أن يكون من الفجّار وهو يرغب على أن يكون معهم وهكذا غالب سور هذا الجزء فإنها تجعل المسلم ينتابه هذا الشعور يحرص ويرجو ويأمل أن يكون من الأبرار ويخشى ويخاف أن يكون من الفجار وهذا الشعور هو الذي إذا استمر مع صاحبه إلى حالة ما قبل الوفاة والاحتضار هو الذي بإذن الله ينجّي صاحبه.

د. الشهري: يعني يعيش بين الخوف والرجاء، نختم بهذا يا دكتور.

د. الحازمي: أما الإشارة التي أشار إليها وأنا أؤكد على ما ذكره أخي الكريم وأحثّ أئمة المساجد والوعّاظ والمتحدّثين بإبراز معاني آيات القرآن في هذا الشهر الكريم المبارك.

د. الشهري: وأنا أشعر يا دكتور العباس ولعلك توافقني أنه ولله الحمد في الوقت الراهن هناك اجتهاد كبير جداً في نشر القرآن وعلومه وتلاوته وتصحيح تلاوته وتدبره وهناك جهود مشكورة سواء في المساجد أو في القنوات ألا توافقني هذا؟

د. الحازمي: بلى في وسائل الإعلام والإعلام الجديد خاصة أكثر وهذا أمر حسن ولكن الأصل

د. الشهري: المطلوب أكثر.

د. الحازمي: الأصل أن المساجد تقوم بهذا الواجب أكثر من غيرها.

د. الشهري: بإذن الله. ننتقل يا دكتور إلى سورة الانشقاق نختم بها الحلقة فيما تبقى، سورة الانشقاق اسمها نزولها موضوعها.

سورة الانشقاق

د. الحازمي: مثل سابقتها الانشقاق أو (إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ (١)) هذان أشهر اسمين لها   وهي مكية وهي نزلت قبل الانفطار وقبل المطففين لكنها من آخر ما نزل في مكة ترتيبها تقريباً الثالثة والثمانين تقريباً من السور المكية. وأيضاً موضوعها هو الحديث عن هذين الصنفين الذين تكلمنا عنهما سابقاً. وقبل الصنفين تكلمت عن بعض أحداث ذلك اليوم العظيم ولكن بإيجاز أقل من السور التي قبلها. ذكرت فقط ما يحدث للسماء وما يحدث للأرض، لم تذكر ما يحدث للشمس ولا للقمر ولا للنجوم ولا لغيرها من آيات الله العظيمة.

د. الشهري: سبحان الله ما تلاحظ يا دكتور في التكوير وفي الشمس وهنا في الانشقاق وفي الانفطار التركيز على هذه المعالم السماوية السماء، القمر، الشمس، الأرض وذهاب هذه الأجرام وهذه المعالم واختلافها، ما السر يا ترى؟

د. الحازمي: أولاً هي أكبر وأظهر ما يواجه الناس عموماً وإن كان بعض الناس في زماننا قد أغرتهم الحياة المادية وأصبحوا ينظرون إلى ناطحات السحاب أو بعض التقنيات الحديثة أكثر من نظرهم إلى السماء والأرض وإن كان الله عز وجل يخاطبهم (أَفَلَمْ يَسِيرُوا)، (أَفَلَمْ يَسِيرُوا)، (أَفَلَمْ يَسِيرُوا)، كله حثّ لهؤلاء الناس على النظر إلى هذه الآيات العظيمة لأنها هي التي تبقى عندما تفنى هذه الآيات.

د. الشهري: ما هو موضوع سورة الانشقاق كما قلت هي موضوعها؟

د. الحازمي: الحديث عن بعض أحداث اليوم الآخر وأصناف الناس في ذلك اليوم العظيم وأصناف الناس مثل ما ذكر في سورة الانفطار وسورة المطففين لكن الله عز وجل أبرز لنا في هذا الجانب

د. الشهري: بقي معنا دقيقتان.

د. الحازمي: والوجه الآخر وهو أن المؤمن يؤتى كتابه بيمينه وأنه يحاسب حساباً يسيراً وقد سألت عائشة رضي الله عنها النبي صلى الله عليه وسلم كيف يحاسب حساباً يسيراً؟ قال «ذلك العَرْض ومن نوقِش الحساب عُذِّب» إذاً الحساب اليسير الذي أخبر الله به هنا للمؤمنين هو العرض عندما يُدني الله عز وجل عبده ويقرره بذنوبه ثم يقول سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم أما الذي يحاسَب فإنه يُعَذَّب كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم. ثم أخبر الله عز وجل بالصنف الآخر الذي يأخذ كتابه من وراء ظهره أو بشماله كما في سورة أخرى.

د. الشهري: ما الفرق بينها يا دكتور؟

د. الحازمي: يأخذه بشماله من وراء ظهره يعني تأكيداً للإعراض عنه ولإهانته فإن الإعطاء باليمين إكرام والإعطاء للمقابل إكرام فالله عز وجل يعطيه كتابه بشماله ومن وراء ظهره حتى لا يُرى وجهه.

د. الشهري: زيادة في إهانته بذلك الموقف العظيم!.

د. الحازمي: نعم، وهذه السورة العظيمة أخبر الله عز وجل فيها أن الإنسان خلقه الله عز وجل في مراحل قال (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ (١٩)) -لأن الوقت أزِف-

د. الشهري: نعم ما بقي إلا أقل من دقيقة.

د. الحازمي: نعم، نستعجل قليلاً قال (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ (١٩)) يعني المراحل التي يمر بها الإنسان في خلقه والتي يمر بها أيضاً في قدومه على ربه عز وجل من لحظة خلقه إلى عمله إلى وفاته إلى الانتقال إلى اليوم الآخر.

د. الشهري: كأن هذه يا دكتور العباس ولعلنا نختم بها هذه السورة على وجازتها تلخِّص للإنسان حقيقة الحياة وما ينبغي عليه أن يكون فيها.

د. الحازمي: نعم، ولهذا قال الله عز وجل (يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ (٦)) هذه الآية لخّصت كل حياة الإنسان (فَمُلَاقِيهِ) يعني ملاقي عمله أو ملاقي ربه كما قال أهل التفسير.

د. الشهري: أسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل منا ومنك يا دكتور العباس وأن يشكر لك ما قدّمت. أيها الإخوة المشاهدون الكرام انتهى وقت هذه الحلقة وإن كانت السور التي ناقشناها في حاجة إلى وقت أطول من هذا ولكن لعلكم تعذرونا باعتبار وقت البرنامج وضيقه. باسمكم جميعاً أشكر ضيفي العزيز فضيلة الشيخ الدكتور العباس بن حسين الحازمي أستاذ الدراسات القرآنية المشارك بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية على ما تفضل به كما أشكركم أنتم أيضاً على متابعتكم، وأسأل الله أن يزيدنا وإياكم فقهاً وعلماً بكتابه الكريم وأن يعيننا على العمل به إنه ولي ذلك والقادر عليه. ألقاكم غداً إن شاء الله وأنتم على خير، في أمان الله.