برنامج التفسير المباشر

برنامج التفسير المباشر 1433هـ – سورة الحاقة

الحلقة 163

ضيف البرنامج في حلقته رقم (163) يوم الأحد 10 رمضان 1433هـ هو فضيلة الشيخ الدكتور عمر بن عبدالله المقبل الأستاذ المشارك بجامعة القصيم .

وموضوع الحلقة هو :

علوم سورة الحاقة .

——————

http://www.youtube.com/watch?v=VpQYJo7U9Xw&list=UUzPBBUB3SQlDx7EO00YawkQ&index=2&feature=plpp_video

د. الشهري: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. حيّاكم الله أيها الإخوة المشاهدون الكرام في برنامجكم اليومي التفسير المباشر اليوم سوف يكون حديثنا بإذن الله تعالى في هذا اللقاء عن سورة الحاقة. باسمكم جميعاً أرحب بضيفي في هذه الحلقة فضيلة الشيخ الدكتور عمر بن عبدالله المقبل أستاذ الدراسات الحديثية المشارك بجامعة القصيم ونائب رئيس مجلس إدارة الهيئة العالمية لتدبر القرآن الكريم حيّاكم الله يا دكتور عمر.

د. عمر: أهلاً وسهلاً بك.

د. الشهري: وأهلاً وسهلاً بك وجزاك الله خيراً على حضورك من القصيم في هذه الحلقة. نبدأ يا دكتور عمر في الحديث عن سورة الحاقة كما تعودنا في هذا البرنامج عن مسمى السورة إبتداءً.

د. عمر: الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد، فهذه السورة لا يكاد يعرف لها اسم سوى هذه الاسم نعم ذكر الفيروزأبادي في البصائر أن بعضهم سماها السلسلة بناء على ورود السلسلة فيها (ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ) لكن لا يكاد يعرف لها في كتب التفاسير المعروفة ولا في كتب السنة سوى هذا الاسم.

د. الشهري: وهذا يبدو لي يا دكتور عمر مؤشر على أنه اسم توقيفي

د. عمر: نعم يبدو هذا، لأنه إذا لم يكن للسورة إلا اسم واحد فلا يكون إلا هذا.

د. الشهري: هل ظهر لك دكتور في سورة الحاقة مقصد أساسي يمكن أن نبرزه للإخوة المشاهدين؟.

د. عمر: بالتأمل والمدارسة وهذا حقيقة كنت فعلته أيضاً لأستفيد واستعداداً لهذه الحلقة يبدو لي والله تعالى أعلم أن السورة تدور على تقرير العقوبة أو بيان شدة عقوبة الله سبحانه وتعالى وأقول شدة وأضع تحتها خطوطاً لأنها ستتبين بعد قليل، من شدة عقوبة الله سبحانه وتعالى وأليم أخذه للذين يكذبونه ويكذبون رسله وإنما قلت يكذبونه لأن الله سبحانه وتعالى هدد حتى الرسول صلى الله عليه وسلم لو تقول عليه شيئاً لأخذه أخذاً عظيماً فمقصد السورة يدور حول هذا يدور حول هذا يدور حول شدة عقوبة الله سبحانه وتعالى للمكذبين له والمكذبين برسله عليهم الصلاة والسلام.

د. الشهري: جميل هذا هو المحور الأساسي.

د. عمر: هذا هو المحور الأساسي الذي تدور حوله الآيات.

د. الشهري: هل هناك سبب نزول خاص مباشر لهذه السورة؟

د. عمر: لا لم أقف على سبب مباشر نزول هذه السورة بمعنى السبب المعروف هو أن يكون هناك حدث معين أو سؤال أو قصة أو شيء من هذا القبيل، أما كونها تنزل لسبب معين أو لغرض معين كتثبيت قلب النبي صلى الله عليه وسلم أو تهدد الكفار فهذا لا ريب فيه ويؤيده قول بن مسعود المشهور: والله ما من آية في كتاب الله تبارك وتعالى نزلت إلا وأنا أعلم أين نزلت أو فيم نزلت. فهو يشير إلى أنه ما من آية والمقصود آية أو مجموع آيات ذات موضوع واحد أو وحدة موضوعية واحدة إلا ولها سبب نزول ولكن هذا السبب كما تفضلتم إما أن يكون صريحاً أو غير صريح غير مباشر.

د. الشهري: جميل جداً، وقت نزول سورة الحاقة يا دكتور عمر، متى نزلت وفي أي مرحلة من المراحل؟

د. عمر: هي مكية بالإجماع لا خلاف فيها وهذا أيضاً واضح جداً من موضوع السورة لكن الوقت الذي نزلت فيه لم يظهر لي تحديد مقارب لكن يبدو والله تعالى أعلم أن هذا كان في وقت اشتد فيه عناد المشركين وتكذيبهم مع وضوح البراهين والحجج والآيات فجاءت هذه السورة لتكون في سلسلة من التهديدات التي مرّت وأيضاً فيها قطع للمقولة الكاذبة الخالدة الآثمة الخاطئة أن الرسول صلى الله عليه وسلم شاعر ويأتي بهذا من عنده وأنه كاهن وهذا اضح في أواخر السورة كما سيتبين بعد قليل.

د. الشهري: هل هناك أحاديث يا دكتور عمر وردت في فضل خاص بسورة الحاقة؟

د. عمر: لم يرد شيء صحيح في هذا إلا الحديث المكذوب المعروف الذي رواه نوح بن أبي مريم الذي وضعه في كل سورة وهو معروف أنه عابد فعل هذا بقصد حسن لكنه فعل خطأ وكبير جداً جداً.

د. الشهري: المشكلة يا دكتور وهذا بالمناسبة أنها تروج مثل هذه الأحاديث الموضوعة للأسف، فما تعليقك؟

د. عمر: الواتس آب ووسائل الإرسال المجانية الآن.

د. الشهري: ونعرف لك بحث يا دكتور طبع مؤخراً في هذا الموضوع.

د. عمر: بحث “إنتشار الأحاديث الضعيفة في وسائل الإتصال المعاصرة” نشر والحمد لله كنت أعالج فيه هذه القضية وكنت أتحدث قبل أن يظهر الواتس أب وقبل أن يظهر هذا التواصل المجاني الذي أصبح الواحد أكلف ما عليه أن يعمل عملية نسخ ولصق (وانشر تؤجر) (ولا تقف عندك) وربما بعضهم يزيد (وتراها في عنقك أمانة) (إذا لم ترسلها).

د. الشهري: وهو حديث موضوع.

د. عمر: وهو حديث موضوع وجلّ ما ينشر الآن ليس في فضائل لا، فضائل السور لها نصيب ولكن ليس بالكثير، جل ما ينشر كذب على الرسول صلى الله عليه وسلم في فضائل الأعمال في فضائل السور في فضائل الأيام في فضائل الأوقات وغالب هذه الأحاديث ليس من الثابت بل كثير منها من الموضوع ولهذا يجب على الإنسان أن يتقي الله سبحانه وتعالى والنبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي جعله المحدّثون نموذجاً للمتواتر مع عزة هذا المثال يقول عليه الصلاة والسلام: “من كذب عليّ متعمداً فليبوأ مقعده من النار”. وكل إنسان يحب الخير هذا لا يسول له أن يكذب على رسول الله قد يقول قائل كيف أعلم؟ أقول أمامك فرص كثيرة في تويتر تعرف مجموعة من المشايخ وأهل العلم الذين لهم عناية بعلم الحديث هناك مواقع تعتني بهذا فلا يجوز لك أن تنشر قبل أن تتثبت بحجة والله أني أريد الخير، الخير كل الخير في أن تحفظ دينك ولا تكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

د. الشهري: جميل، دعنا نعود إلى المحور الرئيسي لسورة الحاقة ونبدأ يا دكتور نفصل المحاور إذا أمكن.

د. عمر: يعني يمكن تقسيم السورة إلى ثلاث محاور

1.      المحور الأول في بيان عقوبة الله عز وجل للأمم المكذبة.

2.      والمحور الثاني لبيان هول المشهد الذي ينتظر هؤلاء وأيضاً فيه إشارة ولم تطل هذه كثيراً إلى الكرامة التي ينالها المصدّقون للرسل عليهم الصلاة والسلام لكنها لم تدم طويلاً لأن محور السورة يدور على ما ذكرناه أولاً وهو عقوبة المكذبين.

3.      والمحور الثالث لبيان عظمة هذا الوحي الذي نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويبتدئ من (فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ) إلى نهاية السورة.

هذه تقريباً نستطيع ان نقول أنها ثلاث محاور.

د. الشهري: دعنا نأخذها واحداً واحداً يا دكتور إن رأيت.

د. عمر: نبدأ بإسم السورة (الحاقة) الحاقة نلاحظ أنها ابتدأت بأسلوب وهو أسلوب قد تكرر في أكثر من آية من كتاب الله تبارك وتعالى ولا شك أن هذا الأسلوب يفهم منه العربي الفصيح يفهم منه التهويل والتعظيم (الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ (3)) كل هذا لتهويل شأنها وتعظيم وقعها في النفوس. واختيار هذا الاسم أيضاً يزيد الأمر هولاً ويزيد الأمر شدةً فإن معنى الحاقة الواقعة وهذا أحد أسماء يوم القيامة كما تعلم وأيضاً كما ذكر بن عباس وغيره يحق فيها يعني يبين فيها الحق لمن عمي عنه في الدنيا فهي حاقة من جهتين من جهة وقوعها ومن جهة تبيّن الحق فيها فهي تجمع الأمرين الحسي والمعنوي. ومن لطائف التراكيب في القرآن العظيم أن الله سبحانه وتعالى نوّع على نبيه صلى الله عليه وسلم هذا السؤال لكن مرة يقول (وما أدراك) ومرة (ما يدريك) قال بعض أهل العلم وينسب هذا لابن عباس ولابن عيينة وغيرهم من الأئمة أنه إذا قال الله سبحانه وتعالى (وما أدراك) فهذا شيء لم يقع لكن أخبره الله سبحانه وتعالى به مثل (الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ (3) كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ (4)) (الْقَارِعَةُ (1) مَا الْقَارِعَةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ (3) القارعة) أما (وما يدريك) فهو شيء لم يعلمه النبي عليه الصلاة والسلام ومن أظهر الأمثلة (وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا (63) الأحزاب) و(وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) عبس) فهي أشياء لم يعلمها النبي صلى الله عليه وسلم وهذا مما يعين على فهم هذه التراكيب التي جاءت في سياقها. بعد تقرير هذه القضية الكبرى وهي تنوعت في القرآن بأساليب عديدة جاء ذكر أشهر الأمم المكذبة للرسل وهنا سؤال الحقيقة جدير بالتأمل نحن نعلم أن ثمود في التاريخ مجيئها بعد عاد أليس كذلك؟

د. الشهري: بلى صحيح.

د. عمر: والآية الكريمة هنا يقول الله سبحانه وتعالى (كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ) بخلاف باقي المواضع في جميع المواضع في القرآن الكريم تقريباً تقدم عاد على ثمود فما هو السر في هذا؟ التمس بعض أهل العلم سبباً لطيفاً وهو أن لما افتتحت هذه السورة وهي تحق بقوة قرعها للأسماع لأن القيامة لا تقع هكذا لا بد لها من مقدمات الصاخة القارعة فهي بمجموع هذه الأوصاف تدل أنه يقع معها صوت عظيم فناسب تقديم ثمود هنا في هذا الموضع بمناسبة اسم الحاقة لأن ثمود أهلكوا بالصيحة فناسب تقديمهم في هذه الحيثية والله سبحانه وتعالى أعلم بمرادها.

د. الشهري: وأيضاً تأكيداً لكلامك قد يكون لأنهم كذبوا بآية مبصرة كما ذكرها الله سبحانه وتعالى وكان الأولى بمثلهم أن يستجيب لما كذبوا كانت الحاقة إظهاراً لهذا الذي كانوا ينكرونه.

د. عمر: صحيح ربما كون هذا لكن ظهورها في موضوع الصوت ومناسبته أقوى وأولى والله أعلم.

د. الشهري: طبعاً ثمود هم قوم صالح.

د. عمر: هم قوم صالح وهم الذين تمر عليهم قريش في ذهابها إلى الشام وهي من جملة القرى وهي ليست القرية الوحيدة التي تمر عليها (وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (137) وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (138) الصافات) (وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ (76) الحجر) هم أصحاب الحجر وكذلك قوم لوط، كل هذه القرى يمر بها العرب. وابتداء هاتين الأمتين أو تخصيصهما بالذكر في البداية أيضاً نظراً لأنهما أيضاً أقرب الأمم للعرب في الجزيرة فعاد في حضرموت وثمود في مدائن صالح المعروفة وهي قريبة من العُلا عندنا في السعودية الآن فهذه والله سبحانه وتعالى دائماً في مواضع كثيرة ينبه على هذا (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى (27) الأحقاف) فالإنسان إذا رأى الأمم التي أهلكت بأنواع من العقوبات ولا يعتبر هذا يدل على انطماس قلبه وعمى بصيرته. جاء التنبيه (كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ) وهذه مناسبة تقديم ثمود كما قلنا القارعة فهي مناسبة للعقوبة التي عوقبوا بها (كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ) ثم جاء التفصيل.

د. الشهري: نوعية العذاب الذي أصيبوا به.

د. عمر: (فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ) والطغيان الذي وقع منهم لما كان عظيماً ناسب أن تكون العقوبة أيضاً عظيمة فهي طاغية بمعنى زائدة على القدر المعتاد لا في وقعها ولافي أخذها ولا في شدة تأثيرها عليهم فهنا تلاحظ هذا التناسب.

د. الشهري: يعني هذا المقصود بالطغيان.

د. عمر: نعم، (فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ) فهم لما كفروا وطغوا عوقبوا بالطاغية وهي الصيحة التي جاوزت الحد المعتاد حتى كما قال الله سبحانه وتعالى (فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ) يعني لم يبقى لهم أثر ولا عين.

د. الشهري: ثم أيضاً ذكر (وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ).

د. عمر: (وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ) عاد هم قوم هود كما هو معلوم ومنازلهم في الأحقاف فأهلكهم الله سبحانه وتعالى بهذه الريح الصرصر واختيار هذا اللفظ أيضاً مناسب كما يعبر عنه بعض المفسرين لجو السورة، جو السورة سبحان الله إذا تأملته وجدته مليء بالألفاظ الشديدة حتى يا ابا عبد الله الإنسان إذا قرأ السورة بقلب حاضر وبأداء وترتيل أظنه يشعر بعد أن يخرج منها أنه خرج من جو رهيب كأنه خرج من جهد شاق عظيم وهذا يؤكد لنا أيضاً معنى مهم عند قراءة السورة وهو أن الإنسان ينبغي له أن يفرّق وكل كلام الله عظيم لكن لا يمكن أن يكون الإنسان عند قراءته لهذه السورة العظيمة أو غيرها من المواضع التي فيها شدة أو فيها إجلال لله سبحانه وتعالى حديث عن اسمائه وصفاته وكذا أن يكون كما لو يكون يقرأ آيات الفرائض النَفَس واحد والتفاعل واحد والتأثر واحد والأداء واحد! هذا لا يصح ولا أراه قرأ القرآن كما ينبغي.

د. الشهري: ولعل يؤيد هذا يا كتور عمر المطعم بن جبير عندما سمع سورة الطور وهي قريبة من جو هذه السورة قال كاد قلبي يطير.

د. عمر: الله سبحانه وتعالى يقول (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ (23) الزمر) فإذا لم يوجد تأثر وتفاعل مع أمثال هذه المواضع متى يتأثر الانسان؟! هذا ملحظ ينبغي أن يراعى. (فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ) طغت عليهم وأتت عليهم حتى لم يبقى لهم باقية.

د. الشهري: ما معنى الصرصر يا أبا عبد الله؟

د. عمر: الصرصر الشديد في برده، هي ريح باردة شديدة كما قال الله سبحانه وتعالى (مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ (117) آل عمران) هذه الريح أيضاً صرصر كانت باردة شديدة قوية جداً جداً ومن زيادة العذاب عليهم والعياذ بالله أنها لم تحسمهم في يوم وليلة والله قادر على أن يفعل هذا كما فعل بثمود لكن تتابع العذاب عليهم (سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا) وهنا فائدتان نستفيدهما من هذا الكلام:

1.      الأول أن العذاب بدأ بالنهار ولا بد يقيناً انه بدأ بالنهار لماذ؟ لأنه ثمانية أيام وانتهى أيضاً بالنهار فاستغرق ثمانية أيام وسبع ليال، هذه واحدة. وبعض المفسرين يقول أن الرياح الشديدة والعاتية -هذه لطيفة لا نعتمدها لكن يقولون أنها بالنسبة للأشهر الميلادية في أواخر فبراير وأول مارس الميلادي غالباً ما تكون الرياح شديدة ومتقلبة فالله أعلم هذا لا يهمنا ولو كان هذا شيئاً مفيداً لذُكر ولكن يلتمسون التوقيت وليس في هذا شيء ثابت يعتمد عليه-.

2.      الأمر الثاني أننا نستفيد من هذا التنصيص على أنها سبع ليالي وثمانية أيام أن هذا يرجح أن أقرب الأقوال في معنى قوله حسوماً أنها متتابعة حتى أهلكتهم وإلا فدلالة الحسم في اللغة تساعد على القول بأنه القطع كما يقال حَسَم هذا الأمر، حَسَم هذا الجرح لكن هذا مأخوذ من دلالة الحسوم من معاني لفظة الحسوم في كلام العرب هو ما يقال مثلاً تتابع الكيّ يكوى شيئاً فشيئاً حتى حَسَم الجرح أو الموضع لكن قوله سبحانه وتعالى (سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا) يساعد على ترجيح القول بأنها لم تكن بالمعنى الأول أو الظاهر لدلالة كلمة الحسم وهي القطع، أليس كذلك يا ابا عبد الله؟

د. الشهري: بلى صحيح، يعني يتبادر إلى الذهن أن الحسم فوري بخلاف التتابع الذي ذكره.

د. عمر: ولولا هذا السياق لقلنا أن الآية تحتمل هذا بأنهم تتوبع عليهم ثم حسموا

د. الشهري: بالضبط وإن هذا المعنى يجمع بين القولين.

د. عمر: يجمع بينهما لا إشكال لكن بعضهم رجح أن الحسم بمعنى القطع لكن نقول تتابع هذه الأيام بهذه المدة يدل على أن الأمر لم يأتي مباشرة جملة واحدة.

د. الشهري: (فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ).

د. عمر: (فترى) سبحان الله! ابن عاشور توقف عندها وكأنه عتب على المفسرين أنهم مروا على هذه الكلمة يقول إلا كلمة للبيضاوي يقول: هذه الكلمة إذا قرأها الإنسان سبحان الله كأنه ينتقل للمشهد (فترى) وهذا أسلوب عربي نقلك من تصوير العذاب لذي حدث كأنه يقول لك تعال (فترى) مع أنك أنت لم تشهد، هذا العذاب مر عليه آلالاف السنين الآن لكن إذا قرأت هذا القرآن سبحان يأخذ بتلابيبك ويأخذك إلى المشهد (فَتَرَى الْقَوْمَ) وهذه اللفظة أيضاً تدل على أن العذاب عمهم جميعاً يعني لفظة (القوم) تشمل الرجال والنساء بل بعضهم قال الرجال والنساء وما ملكوا صغارهم وكبارهم (فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى) صرعى جمع صريع إنتهوا (كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ) نحن نعرف النخلة وأهم ما يحتاجه الناس وأكثر ما يعتمد عليه الناس للإنتفاع بالنخل بأصولها لأنها أمتن شيء وأيضاً فيها الجمارة المعروفة وغير ذلك فأصولها أثقل ما فيها وأنا أحضرت بعض الصور لتقريب المشهد، هذه صورة للتقريب وإلآ الآية تدل على أنها كلها لا يوجد فيها شيء ولا حتى قعر القعر قد ينتفع به قليلاً لكن هذه الصور إذا تصورتها الآن وتصورت المشهد الآن دعنا يا أبا عبد الله وكأننا دخلنا إلى مثل هذا المشهد والنخل كلها ميتة، أنا مررت بمزرعة تركها أهلها ووجدت فيها النخيل بهذا المشهد فوقع في قلبي حسرة مع أن هذا ليس عقوبة ولا عذاب لكن هذا إهمال فما ظنك لو دخلت على مشهد كهذا وهو أثر من عقوبة الله عز وجل الأمر لا يطاق ونحن نذكر هذه الصور للتقريب فقط وإلا الأمر أشد وأعظم.

د. الشهري: هذه أعجاز نخل حقيقية لكن تلك هم أنفسهم.

د. عمر: هم أنفسهم وهذا من قوة دخول الريح فكأنها قصمتهم نهائي أفرغتهم مما فيهم وأسوأ حالات النخلة أن تكون خاوية من الوسط لا ينتفع بها إنما يحتاج إليها إذا كانت مملوءة حتى تكون قوية وشديدة تبنى عليه العمد والجدر ونحو ذلك من المنافع.

د. الشهري: والحقيقة التصوير في غاية الدقة (فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ).

د. عمر: لم يوجد ولم يذكر الجواب للعلم به لأن عقوبة الله عز وجل شديدة ريح شديدة دخلتهم سبحان الله هنا ألحظ نوعاً من التناسب بين قوله تعالى (أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ) فسلكهم العذاب الدنيوي ويسلكهم العذاب الأخروي متى؟ في الآخرة في نفس السورة (ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ) كما يسلك الخيط في الخرز فهم سُلِكوا يعني دخلهم العذاب الآن في الدنيا وسيسلكهم العذاب في الآخرة نسأل الله العافية والسلامة فجمع لهم بين الخزيين.

د. الشهري: إذاً هو الآن ذكر قوم ثمود ثم عاد والآن جاء ذكر فرعون.

د. عمر: (وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ) وهذه قراءة الجمهور وبعض القراء الكسائي وأبو عمرو قرأوا (من قِبِله) والأولى أشمل لأن قوله (وَمَنْ قَبْلَهُ) هذا اختصار للأقوام قوم نوح قوم ابراهيم التي لم تذكر، والقراءة الثانية (من قِبِله) نظراً لأن فرعون اشتهر بكثرة الأجناد (وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ(12) ص) على أحد القولين في تفسير هذه الآية الكريمة لما اشتهر فرعون بملكه وجنوده هذه الأية تناسب من قبله ومن معه من الأجناد والجيوش لكن القراءة الولى أعم وأشمل لتشمل (ومن قبله)، (وَالْمُؤْتَفِكَاتُ) هم قوم لوط إئتفكت بهم العقوبة فقُلبوا اؤتفك بهم أي قلبت قراهم (فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا (74) الحجر) (وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ) قوم لوط إئتفكت بهم العقوبة فقلبوا كما قال الله سبحانه وتعالى أؤتفك بهم اي قلبت قراهم (فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا(74) الحجر) (وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ) أتوا بالذنب الخطأ هنا مثلاً لم يقل المخطئين لأن المخطئ قد يعفى عنه لأنه أتى بالأمر عن غير قصد ولا تعمد للإثم بينما الخاطئ قاصد ولذلك إخوة يوسف في آخر قصتهم مع أبيهم (قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا(97) يوسف) لم يقولوا إنا كنا مخطئين لا، (إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ) مذنبين آثمين هم كل المشهد الماضي كانوا يتعمدون تربصوا بيوسف وفعلوا ما فعلوا، فهذا الفرق بين خاطئ ومخطئ. (فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ) وهنا هذه الآية إما أن تعود إلى هؤلاء (المؤتفكات) قوم لوط وإما أن تعود إلى جميع الأمم السابقة فيكون الرسول هنا اسم جنس (فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً) كل من عصى الرسل عذب وهذا له نظير في القرآن كما في قوله سبحانه وتعالى (كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (105) الشعراء) مع أنهم لم يكذبوا إلا رسولاً واحداً وما ذاك إلا لأن من كذب رسولاً وحداً فهو مكذب لجميع الرسل لأن الرسول إنما اكتسب مكانته وجلالته من مرسله سبحانه وتعالى فمن كذب برسول واحد فقد كذب بجميع الرسل والعكس ليس بصحيح فلا بد من الإيمان بجميع الرسل ما يقول واحد أنا آمنت بعيسى أنا مؤمن آمنت بموسى أنا مؤمن، لا، لا بد أن تؤمن بجميع الرسل (آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ(285) البقرة).

د. الشهري: أستأذنك يا دكتور في فاصل نشاهد فيه سؤال هذه الحلقة ثم نعود إليكم لإكمال حوارنا مع فضيلة الدكتور عمر المقبل.

————————–

فاصل: سؤال المسابقة

قوله تعالى (وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ) ما هو تفسير كلمة صرصر؟

1.      شديدة الحرارة

2.      شديدة البرودة

3.      شديدة السرعة

—————————

د. الشهري: مرحبا بكم أيها الإخوة المشاهدون مرة أخرى ما زال حديثنا متصلاً مع ضيفنا الدكتور عمر بن عبد العزيز المقبل حول سورة الحاقة وقد وصلنا فيها إلى قوم فرعون وقوم لوط وتكذيبهم بأنبيائهم ورسلهم ولا زال الحديث حول العقوبات وأنت ذكرت أن محور سورة الحاقة هو شدة عقوبة الله

د. عمر: شدة عقوبة الله للأمم التي كذبت برسلها وكذبت بالله سبحانه وتعالى.

د. الشهري: نواصل يا دكتور في قوله تعالى (إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ) ذكر هنا قصة نوح.

د. عمر: أشار إلى قصة نوح (إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ) والخطاب لمن؟ لكفار مكة لأن النعمة التي تمّت على آبائهم نعمة عليهم وهذا من أسلوب القرآن العظيم فنجد في سورة البقرة مثلاً (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (47) البقرة) (وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ (50) البقرة) وإذ وإذ

د. الشهري: وهو قد فرق بأجدادهم.

د. عمر: بأجدادهم لكن هذا يدل على أن النعمة التي تتصل بالآباء

د. الشهري: يحاسب عليها الأبناء

د. عمر: لا نقول يحاسب ولكن يُذكّر بها، (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (164) الأنعام) يذكر بها لأن الإنسان إذا أنعم الله عز وجل عليه بتتابع النعم من أب إلى أب ومن جد إلى جد هذا مما يوجب الشكر ولهذا تجد يوسف عليه السلام لما كان في السجن قال (وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آَبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ (38) يوسف) والمؤمن ينبغي إذا أكرمه الله عز وجل بإرث أو شرف تاريخي أن يذكره على سبيل الذكر والشكر لا على سبيل الافتخار المحض. هنا (لَمَّا طَغَى الْمَاءُ) من المعلوم أن نوح عليه السلام أُمر أن يحمل في السفينة من كل زوجين اثنين وأهله إلا من سبق عليه القول ولا شك أن من جملة من حُمِل من الذي حمل أنا وأنت؟ لا بل أجدادنا القدماء فسلامتهم سلامة لنا لو لم يسلموا لما سلمنا وهنا تلحظ أن لفظة (طغى) متفقة مع هذا الجو العجيب في السورة الذي يدل على شدة غضب الله عز وجل حتى ذُكر عن ابن عباس رضي الله وعلي أنهم يروى عنهم أن الملائكة المأمورون بخزن الماء لهم قدر معين في تصريفه وفي منعه إلا في تلك المرة فقد زاد عليهم يعني أمر الماء أمر زاد على ما في أيدي الخزان فطغى الماء زاد عن حده المعتاد وذلك أن الله سبحانه وتعالى قال (فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) القمر) ماء الأرض وماء السماء ولم يسلم أحد حتى قيل إن الماء خرج من التنانير التي هي أبعد ما تكون عن المياه لأنها مخصصة لإيقاد النار خرج منها الماء وهذا من معاني كلام بعض المفسرين (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ (40) هود) فإذا فار التنور من أبعد موضع فاعلم أنه فيما سواه من باب أشد. (طَغَى الْمَاءُ) هنا زاد (حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ) التي هي السفينة لماذا؟ (لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً) قال قتادة وغيره من الأئمة أدرك أول هذه الأمة هذه السفينة فرأوها وكفار قريش في أوائل أمرهم رأوها يقيناً (وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (137) وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (138) الصافات) (تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ) ما هي الأذن الواعية؟ كما قال قتادة كلمة جميلة هي التي عقلت عن الله عز وجل مراده، وهذه الأذن لا تصل إلى مرحلة الوعي حتى يكون القلب واعياً فإذا ضممنا هذه الية إلى قوله سبحانه وتعالى (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37) ق) علمنا أن الإنسان لا ينتفع إلا بقلب حاضر واذن واعية.

د. الشهري: أستأذنك يا دكتور عمر في بعض الإتصالات، معنا الأخت أم عزيزة من كة المكرمة تفضلي يا أم عزيز.

إتصال من الأخت أم عزيزة من مكة المكرمة : إتصلت أمس ولم يتم إجابة سؤالي في سورة (الصافات).

د. الشهري: أبشري إن شاء الله نعرضها على الشيخ. نكمل حديثنا عن سورة الحاقة.

د. عمر: هنا نلاحظ أن الله سبحانه وتعالى ذكّر بقضية الوعي (وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ) نحن في رمضان في شهر القرآن ونقول هذا الكلام حتى في غير رمضان لكن رمضان له خصوصيته ينبغي للإنسان أن ينظر إلى حظه من هذه الأذن نحتاج إلى هذا النوع من الآذان يا أبا عبد الله أن يكون عندنا أذن واعية لأن أعظم آثار أو أعظم الأسباب التي تعين على الإنتفاع بكلام الله عز وجل سواء بوعده ووعيده وحتى في الأحكام وغيره إنما هو حين يكون هناك أذن تعي وتعقل عن الله سبحانه وتعالى مراده. ماذا يعني مثلاً أن يمر الإنسان بأمثال هذه الآية أو غيرها من ايات القرآن الوعد والوعيد آيات الله سبحانه وتعالى التي تتحدث عن أسمائه وصفاته وجلاله وآلائه ثم لا يتحرك شيء! قطعاً هذه قراءة ناقصة.

د. الشهري: قطعاً لا شك في هذا، وهذا يحتاج إلى بذل جهد (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37) ق) يعني تبذل جهد حتى تتعلم. معنا الأخ أبو محمد من الزلفي أبو محمد تفضل.

إتصال من الأخ أبو محمد من الزلفي: سؤالي ما أحسن كتاب في قصص القرآن وكتاب آخر في ذكر قصص الأنبياء؟ والسؤال الثاني يوجد في أضواء البيان مباحث فقهية لكن فيه فوائد عظيمة في التفسير فهل يوجد مختصر لأضواء البيان لمحمد الأمين الشنقيطي؟ وهل صحيح أن الكتاب يعتبر مكتبة مهمة لطالب العلم؟

د. الشهري: عفواً على مقاطعتك يا دكتور لكن نستحي من المشاهدين اُعذرنا. نعود إلى قصة نوح.

د. عمر: لهم حق لكن لا يطيلون! إلى هنا نستطيع أن نقول أن المحور الأول من محاور السورة انتهى. لننتقل من ذلك إلى (فَإِذَا نُفِخَ) (ف) هنا هذه يسمونها فاء التفريع فما ذُكِر مقدمة، مقدمة لماذا؟ للمشهد الأول ولاحظ الحاقة ثم كأن ذكر هذه الأمم كأنه كما يقال في جملة إعتراضية (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ) رجع الأمر إلى قضية المفتتح (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ) والصور خلق عظيم الله سبحانه وتعالى جعل النفخ فيه أمارة على قيام الساعة أولاً صعقة أولى يموت الخلق فيها كلهم إلا من شاء الله ثم صعقة أخرى فإذا هم قيام ينظرون لكن أي النفختين هذه؟ هل هي النفخة الأولى أم النفخة الثانية؟ قولان لأهل العلم لكنني أؤكد هنا على أن (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ) لا يمكن أن يفهم منها أن النفخ في الصور إنما هو مرة واحدة لا، لأن السياق لم يرد لهذا ولو فهم أحد هذا الفهم المجمل فينبغي ِأن لا يستمر فيه لأنه هناك نصوص قطعية بوجود نفختين وفي قول آخر وفيه نظر أنها ثلاث نفخات لكن أقرب الأقوال وهو قول الأكثرين أنها نفختان. لكن المقصود هنا التأكيد على وقوع النفخة (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ) (فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ) فما هي هذه النفخة هل هي الأولى أم الثانية؟ ابن جرير رحمه الله يرجح أنها النفخة الأولى التي فيها يموت الخلق وتبدأ الأهوال ومن العلماء من يرى أنها النفخة الثانية لكن ما زلت لا أستطيع ان أجزم بشيء لكن سياق الآيات والتأمل يقود إلى أنها النفخة الثانية لأنه قال بعدها (فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (15) وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ (16)) وفي سورة الرحمن (فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ (37) الرحمن) فهذا الوهاء وهذا التغير في الكون لا يكون إلا في النفخة الثانية بدليل أنه قال بعدها (وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا) والملك هنا اسم جنس والمقصود بهم الملائكة كلهم (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ (33) الرحمن) لِمَ؟ لأن الملائكة قد أطافوا بأرض المحشر. ومن لطائف تفسير قول الله سبحانه وتعالى في نصيحة مؤمن آل فرعون لقومه (يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ (33) غافر) قال الضحّاك وغيره من المفسرين: هذا يوم القيامة إذا رأوا النار أرادوا أن يهربوا منها لكن تردّهم الملائكة إلى أرض المحشر (يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ (33) غافر) فتردّهم الملائكة إلى أرض المحشر ليجري فيهم أمر الله سبحانه وتعالى. وهنا (وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا) يحيطون بأرض المحشر في مشهد مهيب إذا كانت النار يا أبا عبد الله حتى نتصور فقط هذا الأمر ولو شيئاً يسيراً والأمر لا يمكن أن يُدرك على وجهه قال النبي عليه الصلاة والسلام في حديث بن مسعود في صحيح مسلم: “يؤتى يومئذ بجهنم لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرّونها لو ضربنها لوجدناها أربعة مليارات وتسعمئة مليون ملك فقط هؤلاء الذين يجرّون النار كم عدد الذين يحيطون بأرض المحشر؟!

د. الشهري: عدد ضخم جداً نسأل الله أن يخفف عنا في ذلك اليوم.

د. عمر: آمين. ثم قال الله سبحانه وتعالى (وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ)، لعلك تجاوب على بعض الأسئلة يا أبا عبد الله.

د. الشهري: سؤال الأخت أم عزيزة من مكة في الصافات يحتاج إلى تأمل ولعلنا نرجئه قليلاً، لكن الأخ أبو محمد سأل عن كتاب في قصص القرآن الكريم مرجع يثق به.

د. عمر: كتاب الدكتور فضل حسن عباس من أحسن ما رأيت وقصص الأنبياء كتاب بن كثير أيضاً.

د. الشهري: وأيضاً كتاب “قصص القرآن” لأحمد فريد مطبوع في دار بن الجوزي واقتصر فيه على الصحيح المفيد. أيضاً سأل سؤالاً جميلاً جداً عن أضواء البيان يقال إن كتاب أضواء البيان كتاب قيم فما تقييمك ؟

د. عمر: يعني هذه من الأشياء الجميلة ونقول قطعاً أنه كتاب مهم جداً والإمام رحمه الله اعتنى به بجزء معين هو سماه أضواء البيان في تفسير القرآن فهو أصل في هذا الباب، نعم استطرد في أشياء كثيرة فقهية لكن الشيخ سيد ساداتي اختصر هذا الكتاب في مجلد ضخم من شاء أن يتخفف من الاستطرادات الفقهية وغيرها والمباحث التي ليس لا صلة وثيقة بمعنى التفسير فليقرأ هذا المختصر وأنا استفدت منه كثيراً.

د. الشهري: هو كتاب تفسير القرآن من أضواء البيان. أستأذنك يا دكتور عمر في فاصل قصير نعود بعده لمواصلة حديثنا إن شاء الله ابقوا معنا حفظكم الله.

—————————————-

إعـــــــــــــــــــــــــــلان مركــــــــــــــــــــــــــــــــــز تفســـــــــــــــــــــــــــــــير

—————————-

د. الشهري: حياكم الله أيها الإخوة المشاهدون مرة أخرى ولا زال حديثنا متصلاً مع ضيفنا الدكتور عمر المقبل عن سورة الحاقة قبل أن نواصل حديثنا ننظر إلى نتيجة مسابقة الأمس من هو الفائز؟ لو تعرضونها على الشاشة، طبعاً عندنا مسابقة يومية يا دكتور عمر نحرص على تنشيطها وربط الأخوة المشاهدين بالقرآن

الفائز في مسابقة حلقة الأمس: أحمد البو سعد – الإحساء

نعود يا دكتور حتى لا يدركنا الوقت لم يتبقى غير عشر دقائق لعلنا ننتهي منها.

د. عمر: (وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ) العرش هو من أعظم المخلوقات بل هو أعظم المخلوقات وإذا كان الكرسي كما جاء في الآثار أن نسبته إلى العرش كنسبة حلقة صغيرة ألقيت في فلاة في صحراء عظيمة هذا نسبة الكرسي إلى العرش والكرسي قال الله عنه (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ (255) البقرة) كيف تتصور؟!! لا يمكن تصوره. هذا يقودنا إلى شيء آخر وهو أن هذه الملائكة الثمانية التي تحمل العرش خلق عظيم جداً لا يمكن لأحد أن يتصوره وهذه مفيدة لنا في تدبر القرآن تتحرك بها القلوب إذا وقفت عند هذه المعاني التي تبين عظمة المخلوق فانتقل منها مباشرة إلى عظمة الخالق فقط يكفي.

د. الشهري: والله إنه عندما تتصورها أنها مخيفة جداً ومرعبة وتجعل الإنسان لا يكاد يهنأ أبداً لا بطعام ولا بشراب.

د. عمر: وهذا يورث إجلال الله في القلب وإذا وقر إجلال الله تعالى في القلب والله يا أبا عبد الله يسهل عليه فعل الطاعة ويسهل عليه ترك المعصية ولا يحتاج إلى دوافع كثيرة جداً يكفي أن يحب الله يخاف الله يشتاق إلى لقاء الله. ثم انتقل المشهد الآن لبيان صورتين تكرر مثلهما في القرآن كثيراً ولأن الوقت ضيق ولكن أريد أن أقف معك يا أبا عبد الله عند قوله تعالى.

د. الشهري: نحن لا زلنا في المحور الثاني.

د. عمر: نعم. (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ) كلنا المسلمون والكفار (لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ) يعرض الإنسان لا يخفى منه خافية لا في أحاسيسه ولا في جسده يُعرض عارياً كما خلقه الله سبحانه وتعالى ظاهر جداً كل شيء مكشوف أحاسيسه مشاعره نياته أعماله أقواله جسده حتى من شدة الهول عائشة رضي الله عنها لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنهم يحشرون حفاة عراة غرلاً كما خلقهم الله غير مختونين قالت يا رسول الله النساء والرجال ينظر بعضهم إلى بعض؟! قال: الأمر أعظم من ذلك يا عائشة. يعني يا أبا عبد الله الآن لا قدر الله تصور في مكان احترق كله محترق وواحد أمام شاشة والعياذ بالله تعرض فيلماً إيباحياً واحترق المكان الشاب الذي ينظر إلى الشاشة هل سيبقى ينظر؟ لو خرجت امامه امراة عارية هل يلتفت لها ويأكل الحريق يأكله؟ إذا كان هذا شيء يسير جداً من أهوال الدنيا فما بالنا بالآخرة!! وهذا أيضاً معنى آخر ينبغي للإنسان أن يصدق مع الله سبحانه وتعالى فأنت ما تخفيه اليوم وتلعب فيه من نيات ترائي أو نسأل الله العافية تؤذي العباد باسم أو آخر أحياناً قد تلبسه أنت لبوس الدين وتؤذي الناس بقال وقيل وو إلى آخره والله سينكشف الأمر غداً (لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ) أي خافية وجاءت في أي سياق؟ نكرة جاءت في سياق النفي فتعمّ أي شيء يخفيه الإنسان. ثم (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ) تعالوا شوفوا الكتاب

د. الشهري: فرحاً واستبشاراً

د. عمر: ومن لطائف بعض المفسرين وهذا الكتاب لا سيئة فيه من أين اخذها؟ الإنسان لا يرضى يا أبو عبد الله أن يرى فيه سيئات وفضائح يقول هذا كتاب أخلص للحسنات كتاب النجاة (هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ) نحن نشاهد الطفل الصغير عندما يأتينا ناجحاً من المدرسة أبي أمي أنا نجحت اُنظروا أخذت تقدير ممتاز فرحان وهي درجة دنيوية، فما ظنك بالجائزة التي ثمرتها جنة عرضها السماوات والأرض؟! (إِنِّي ظَنَنْتُ) أي موقن قال بعض المفسرين (ظننت) في حق المؤمنين يقين و(ظننت) في حق الكافرين شك (إِنِّي ظَنَنْتُ) أي أيقنت (أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ) (فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ) وحتى التعبير بـ(في) ظرفية كأن العيشة قد اكتنفتهم في كل مكان فهو راضٍ ومرضي عنه (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً(28) الفجر) الإنسان قد يرضى عن الله لكن الشان أن يرضى عنه الله أم لا فهو راضٍ ومرْضٍ عنه (فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ(22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ(23)) إذا احتاج إلى شيء تذللت له (كُلُوا وَاشْرَبُوا) انتقل الخطاب الآن للجميع في الألو كان الحديث عن جنس المؤمن لكن لما جاء التمتع الخاص بلذات الجنة جاء الخطاب لجميع أهل الإيمان (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ). قال بعض السلف هذه نزلت في الصائمين ونحن في شهر رمضان يستبشروا خيراً وأولى من يدخل فيها أهل الفرض (بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ) أسلفوا ماذا؟ كانوا صائمين فجعل الله لهم باب الريّان فعلى الإنسان أن يتقي الله عز وجل ويحسن صيامه ويتقنه من أجل أن ينال هذه الكرامة. ثم انتقل السياق إلى مشهد من يأخذ كتابه بالشمال (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ) واضح التفجّع والتوجع (وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (26) يَا ‎لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27)) يا ليتني مت قبل هذا ليتني ما وصلت إلى هذا المقام يا ليتني كنت كالحيوانات كما قال الله تعالى في خاتمة سورة النبأ (يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا (40) النبأ) لأنه يرى أنه اقتُصّ بينها بالعدل فانتهى أمرها فكان يتمنى أن يكون ولو حيواناً لو حمار لو خنزير لو كلب من شدة ما يرى من هول المطلع. (مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ) المال إذا لم يسخَّر في طاعة الله فهو عذاب. (هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ) بعض العلماء قال السلطان هنا الحجة وأنا في نظري هذا التفسير فيه نظر لأن الحُجة لا يعبّر عنها بالهلاك أليس كذلك؟ بل يقال هلك هني سلطانية جاهه سواء كان مدير دائرة، وزير، أمير، ملك، حاكم، حاكم ولاية كل شيء له نصيب من السلطة إذا لم يسخر في طاعة الله عز وجل فسيكون حسرة على صاحبه (خُذُوهُ فَغُلُّوهُ) لاحظ العبارات الشديدة (ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ (32)) قال بعض المفسرين وروي هذا عن بعض الصحابة إن حديد الدنيا لو جُمع ما عادل هذه السلسلة نسأل الله العفو والعافية. قد يقول قائل هذه مبالغة لا يا أخي ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “أن ضرس الكافر كجبل أُحُد وما بين شحمة أذنه إلى حد كتفه مسيرة يسير الطير ثلاثة ايام لا يقطعها” فلا تستغرب أن يكون ذلك الحديد كما قال ذلك المفسر. (إِنّهُ) هذا تعليل (إِنّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (34)) قد يقول قائل ما العلاقة يعني من لا يحض على طعام المسكين كافر؟! الجواب لا، ولكن هؤلاء والعياذ بالله جمعوا الإساءة بنوعيها الإساءة مع الله والإساءة مع عباد الله ولهذا ركن السعادة أن يوفق الإنسان إلى الإحسان مع الله بالإيمان الصالح وأن يوفق إلى الإحسان إلى الخلق بأمثال هذه الطاعات والعبادات.

د. الشهري: المحور الأخير يا دكتور باقي معنا اربع دقائق فقط.

د. عمر: (فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ (35) وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ (36)) وهو عصارة أهل النار قيل غسلين لأنه والعياذ بالله يغسلهم العذاب غسلاً فيخرج منهم الصديد والقيح والعياذ بالله نسأل الله العافية والسلامة. (لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ) رجعنا إلى الخاطئة.

د. الشهري: المتعمد المُذنب.

د. عمر: تعمدوه فاكلوه هنا. ثم ننتقل السياق إلى الحور الثالث فاقسم الله وهذا يصلح أن يكون لغزاً ما هو أعمّ قسم في القرآن؟ الجواب هو هذا (فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ (39)).

د. الشهري: عمّ كل شيء.

د. عمر: كل شيء إما أنه يُرى أو لا يُرى فدخل، الإقسام على ماذا؟ على قضية عظيمة (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) ومن هو الرسول الكريم هنا؟ قطعاً هو الرسول عليه الصلاة والسلام وليس جبريل لأنه قال بعدها (وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ) المَلَك لا يوصف بهذا (وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ).

د. الشهري: وذلك لأنهم اتهموه وقالوا ساحر وكاهن وشاعر.

د. عمر: قال بعض العلماء لماذا لم يُذكر الكاذب والمجنون؟ قالوا لأنه اكتفى بطرد هذين الوصفين بقوله (كريم) فالكريم لا يوصف بالجنون ولا يوصف بالكذب ولكن الكريم عند العرب قد يوصف بماذا؟ بالشعر وقد يعتبر من المزايا والمناقب عندهم إن له رئيٌ من الجن هذا يتفاخرون به في العرب فليس هذا ولا ذاك، واستغني بقوله كريم عن نفي الكذب والجنون. (تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ) ثم الأية الشديدة التي حقيقة يرتجف لها القلب كيف يأتي هذا التهديد لمن؟ لمحمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام يعني لو وصل الأمر وحاشاه أن يكذب علينا هذا الرسول لفعلنا به هذا (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ(44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ(45)) وهذا من الأدلة العقلية على صحة القرآن كيف؟ الإخوة الذين يحسنون الترجمة أو يشاهدوننا في بلاد الغرب كيف علمنا أن هذا الرسول ياتي بهذا القرآن من عند الله؟ أنا أضرب لك مثلاً يا أبا عبد الله لو واحد قام في الناس وتكلم باسم رئيس الدولة التي هو فيها الملك الفلاني أو الرئيس الفلاني أو الأمير الفلاني أو الشيخ الفلاني أوصاني أن أخبركم بكذا ومكث أياماً ويكذب على هذا الحاكم هل يتركه الملك؟! كيف يبقى رسول ثلاث وعشرين سنة وهو يقول هذا كلام الله وهو يبقى ولا يؤخذ؟! هذا قطعاً دليل أنه من عند الله وأنه لا يخفى عليه شيء. (لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ) تعبير باليمين يعني القوة وهذا معروف في لغة العرب. (ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ) العرق المتصل بالقلب وهو الذي إذا قطع مات الإنسان، كل هذا التهديد مع افتراض أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول عليه قولاً فما ظنك بالذي يكذب على الله؟ من هذه الأمم التي كذبت الآن أو أنتم يا قريش تكذبون الله أنه لم يرسل رسولاً أو تكذبون الرسول وتقولون انه يكذب على الله انتبهوا، هي رسالة، ورسالة لكل من يكذب على الله إلى اليوم نسأل الله العافية يا أبا عبد الله اليوم اِنتشرت معرّفات في شبكات التواصل الإجتماعي والعياذ بالله إلحادية زنديقية أنا أوصي أولاً بعدم نشرها ولا التعرض لها لكن قد يصل مثل هذا الكلام لهم: اتقوا الله هذا تهديد الله لرسوله فما ظنّكم بكم أنتم؟!!

د. الشهري: اللهم صل وسلم عليه أسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل منك دكتور عمر وأن يجزيك خيراً ويجعلنا وإياك من المتدبرين لكتابه انتهى الوقت للأسف.

د. عمر: ولم ينتهي ما في الجعبة.

د. الشهري: نعم وهذا دائماً يحزننا ولكن الحمد لله.

د. عمر: وحتى لو جلسنا ثلاث ساعات لن ينتهي الكلام.

د. الشهري: أيها الإخوة المشاهدون انتهى وقت هذه الحلقة ولم ينتهي الحديث عن سورة الحاقة باسمكم جميعاً أشكر ضيفي فضيلة الشيخ الدكتور عمر بن عبد الله المقبل الأستاذ المشارك بجامعة القصيم ونائب رئيس مجلس إدارة الهيئة العالمية لتدبر القرآن على ما تفضل به. أسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل منا ومنكم جميعاً وأن يجعلنا وإياكم من أهل القرآن العاملين به نراكم غداً وأنتم على خير والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.