برنامج التفسير المباشر

برنامج التفسير المباشر 1433هـ – سورة النبأ

اسلاميات

الحلقة 172

ضيف البرنامج في حلقته رقم (172) يوم الثلاثاء 19 رمضان 1433هـ هو فضيلة الشيخ عصام بن صالح العويد ، عضو هيئة التدريس بقسم السنة بكلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

وموضوع الحلقة هو :

علوم سورة النبأ

*****************************

د. الشهري: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً. حيّاكم الله أيها الإخوة المشاهدون الكرام في كل مكان في هذه الحلقة من برنامجكم اليومي التفسير المباشر. اليوم ولله الحمد وصلنا إلى الجزء الثلاثين من أجزاء القرآن الكريم، وصلنا إلى سورة النبأ ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يعيننا وإياكم على فهم كتابه وأن يجعل هذا البرنامج وما يقدّم فيه عوناً لنا ولكم على تدبر القرآن وعلى فهمه والعمل به. باسمكم جميعاً أيها الإخوة المشاهدون الكرام أرحب بضيفي العزيز فضيلة الشيخ عصام بن صالح العويد، عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية فحياكم الله يا دكتور عصام.

د. عصام: حياكم الله

د. الشهري: وأهلاً وسهلاً بك وأسأل الله أن يتقبل منا ومنك

د. عصام: أهلاً بك وأنا والله أغبطكم كثيراً أن وصلتم في التفسير المباشر إلى هذه المرحلة من كتاب الله، هذه نعمة عظيمة

د. الشهري: الحمد لله، هذه الحلقة وأمن يا شيخ عصام من المشاركين البارزين في هذا البرنامج هذه الحلقة هي رقم 173 ولله الحمد نسأل الله أن يعيننا على التمام. نبدأ على بركة الله في سورة النبأ، نبدأ باسم السورة هل هذا هو الاسم الذي ثبت لها؟ أم هل هناك أسماء أخرى؟

د. عصام: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نسأل الله عز وجل أن يسدد القصد والقول. بالنسبة لسورة عمّ هي داخلة في المفصّل والمفصل كله مُحكم ومعنى أنه محكم أي ليس فيه متشابه مما تتداخل آياته ويحتاج إلى بيان من آيات أخرى أو من أمر خارج عنها. وهذا أمر ظاهر لمن قرأ الجزء. ليس معنى محكم – بعض الإخوة يظن أن المفصل والمحكم معناه ليس فيهما ما يخفى – لا، لا علاقة للخفاء بالإحكام، لا، فيه ما يخفى وتحتاج أن ترجع إليه لكن ليس فيه ما يتشابه عليك وتحتاج إلى بيانه من أمر خارجي وإنما له محكم بمجرد أن تعود إلى كتاب مختصر في التفسير تكون الآيات غاية في الوضوح. فسورة عمّ في المفصل المحكم وهي من أواخر القرآن وجاء الكلام في هذا اليوم مبيناً من خلال أسمائها التي ذكرها السلف لها واسمها الأشهر هو اسم (النبأ) المذكور في كتب السنة المشهور في تسمية السورة وذكر بعضهم اسماً آخر وهو سورة (عم يتساءلون) وبعضهم سماها باسم (عم) وهذه كلها متقاربة، النبأ، وعمّ وعمّ يتساءلون، وبعضهم أسماها بـ (المعصرات) أخذاً من الآية الواردة فيها لأجل أنها غريبة لم تتكرر لكن اسم المعصرات إنما جاء متأخراً وهذا الفرق بين علم السلف وعلم الخلف، علم السلف يكون متيناً عميقاً ينظر إلى المعنى الذي من أجله جاءت هذه التسمية بينما الخلف فقد يسمي لأجل غرابة اللفظ فقط.

د. الشهري: متى نزلت سورة النبأ؟

د. عصام: هم يتفقون على أنها مكية وأنها كذلك لم تنزل متأخرة من المكي ولكن يختلفون هل نزلت في أوائل ما نزل أو نزلت بعد سنة أو سنتين والذي يظهر والعلم عند الله أنها من أوائل ما نزل لأن القضية التي جاءت (عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ ﴿١﴾ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ ﴿٢﴾ الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ ﴿٣﴾) هذه القضية كانت إثارتها في بداية الدعوة في أول الأمر وأكثر ما أشكل على كفار مكة مسألة البعث ولذا كرّر القرآن كثيراً أن يناقشهم فيها وأن يثبت قدرة الربّ الخالق أساساً لهذا الخلق الرد عليها تعتبر من أوائل ما نزل وسواء هذا أو ذاك المقطوع به هو أنها مكية وأنها نزلت في كبرى القضايا التي كان الكلام فيها بين نبينا صلى الله عليه وسلم وبين قومه

د. الشهري: د. مصطفى مسلم له تقسيم جميل له في كتاب عن سورة التحريم عن مراحل القرآن المكي وقسمها إلى أربع مراحل والمرحلة الأولى هي كما ذكرت إثارة القضايا الكبرى كالبعث وكقضية القيامة والبعث بعد الموت فهذا دليل ممتاز جداً لتحديد المرحلة التي نزلت فيها أن تكون من أوائل ما نزل.

د. عصام: من أوائل ما نزل إما أن تكون نزلت في السنة الأولى الثانية الثالثة لم تتأخر عن ذلك ولذلك من كان عارفاً بكتاب الله ويعلم تدرج السور المكية يعلم أن السور المكية التي نزلت آخراً ليس من جنسها سورة عمّ، لا، وإنما هي من أوائل ذلك وهذا يدل على شدة حاجتنا إليها لأنها تقرر الأصل الذي يحتاج إليه كل عبد

د. الشهري: هل هناك فضل خاص لهذه السورة ثبت في كتب السُنّة؟

د. عصام: لم يثبت لها فضل خاص ولكن ينبغي أن يُعلم كما سبق أنها من المفصّل والمفصّل هو أفضل القرآن على الإطلاق فهذا فضل عظيم لها. أيضاً الفضل الآخر من جهة المعنى ليس من جهة ما ورد فيها من الآثار، من جهة المعنى فهي تتحدث عن قضية البعث والقيامة واليوم الآخر وكل سورة تتحدث عن أمر عقدي بقدر حاجتك إلى هذا الأمر الذي جاءت السورة به فيكون فضل السورة على غيرها ولذلك كل سورة تتحدث عن أمور الاعتقاد ويوم القيامة وصفاته هي تكون أفضل من السور التي تتحدث عن القصص وعن الأخبار فالسورة لها فضلان من هذا الوجه وليس بالخبر الوارد في الأثر

د. الشهري: دعنا نتحدث عن الموضوع الرئيسي لسورة النبأ ثم نتحد عن المحاور الفرعية

د. عصام: الموضوع الرئيسي وهو السلك الناظم له يدركه كل متأمل أنها تتحدث عن النبأ وهو البعث فالسورة كلها في البعث وما بعد البعث وسميت بذلك ومطلعها كذلك والحجج التي جاءت بها أيضاً لهذه القضية وختمت بهذا الأمر فمن أراد أن يقرأها فما عليه فقط إلا أن ينظر في إيمانه بمسألة البعث، هل زاد إيمانه واستشعر البعث في كل أحواله وأصبح إذا أراد أن يطيع يستحضر متى سيُبعث ومتى سينظر في عمله هذا والجزاء، وإذا أراد أن يعصي ينظر في البعث وأثر هذا البعث عليه قبل إقباله على معصية الله فإن كان كذلك كلما قرأ عمّ وجد ذلك في قلبه فقد عرف مقصودها والمراد منها حينما أنزله الرحمن جلّ وعلا

د. الشهري: دعنا نأخذها من أولها وننظر إلى محاورها، هل يمكن تقسيمها إلى محاور فرعية؟

د. عصام: السورة أيضاً في محاورها أظنها ظاهرة وبدا ذلك لي جلياً في أولها تتحدث عن البرهان ذكرت الآن إشارة إلى إنكار هؤلاء مسألة البعث فجاء في أولها الإنكار والبرهان على أن هذا الإنكار ليس صحيحاً لا عقلاً ولا نقلاً وقد أكدت السورة من جهة العقل والمنطق أن البعث حق حتى بمجرد التفكر والتعقل بدون النظر إلى الوحي المنزّل. ثم أخذت السورة ما يتعلق بالأثر بعد ذلك نتيجة هذا البرهان، نتيجته ما سيحصل من البعث والجزاء إما إلى جنة وإما إلى نار فدارت السورة بين هذين الأمرين العظيمين ثم جاء بعد ذلك ما يتعلق بذيل السورة وهو خلاصة لكل ما ورد في أولها. والعجب في سورة عمّ أن آخرها بعد ذكر (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا) بعد أن ختم الجزاء جاءت خلاصة السورة وكأنها تعطي المحاور الأساس التي السورة من أولها بدأت فيها فكل مقطع منها وكل محور من أول السورة جاء في ختامها ما يبرهن عليه ويدل على أثره وهذا بيّن في سورة عمّ وفي بعض القرآن كذلك.

د. الشهري: لعله يأتي معنا في التفاصيل. دعنا نبدأ بالمحور الأول، (عَمَّ يَتَسَاءلُونَ (1) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2)) ما المقصود بالنبأ هنا؟

د. عصام: النبأ هو البعث وبعض السلف يقولون هو القرآن وبعضهم يقول هو الاسلام وهذا كله حق ولكن المراد أساساً هو البعث فالقرآن جاء بالبعث والاسلام جاء بالبعث ولا إله إلا الله أيضاً جاءت أيضاً البعث يدل على لا إله إلا الله فكلها تدور حول هذه القضية مسألة البعث والإيمان به. أول السورة (عَمَّ يَتَسَاءلُونَ (1) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2)) (عمّ) صيغة الاستفهام هي (عن – ما) هذا في أصلها لكن تفريقاً بين (ما الموصولة) و(ما الاستفهامية) تحذف هنا في الكتابة، والعرب يحبون التخفيف إذا كان له ما يدل عليه فجاء السياق بهذا النحو (عَمَّ يَتَسَاءلُونَ) وجاء الفعل المضارع يتساءلون لكثرة ما ورد من عقولهم وكلامهم فكأنهم أخذوا يخوضون في هذا الأمر كثيراً فيما بينهم يتساءلون فيما بينهم وكل واحد يسأل نفسه وهذا حقيقة وإن دلّ على جحود العرب للأمر الظاهر البيّن لكنه يدل أيضاً على اهتمامهم بالأمر الجليّ فالإشكال عند بعض الناس في هذا الزمن أن هذه الأمور لا تأخذ منهم حيزاً فلا يتساءلون بها فهؤلاء أدنى من أهل الجاهلية الأولى منزلة في عقولهم، أولئك أدركوا أن الأمر عظيم فيتساءلون ثم جحدوا ما عرفوا لكن هناك أناس في حيّز ما يسمى الجهل المركب لم يجلس يوماً من الأيان يتفكر في حياته وأنه في الدنيا الإنسان لا بد أن يكون ظالماً أو مظلوماً معتدٍ أو معتدى عليه، الدنيا فيها قاتل وفيها مقتول، وفيها سارق وفيها مسروق، هل يمكن لهذا الخالق القادر الحكيم العدل أن ينهي هذه الحياة وأن يموت الإنسان إلى الفناء فلا يأخذ المقتول حقه من القاتل ولا المظلوم من الظالم ولا المعتدى عليه من المعتدي؟! هل يمكن ذلك من رب حكيم قادر؟! لا يمكن فمن هنا لا بد من إثارة هذه القضية والتفكر فيها. المصيبة أن أجهل العصور على الإطلاق وهو عصرنا هذا أصبحت هذه القضية ما تأخذ حيّزاً في التفكر والتأمل بينما كان أهل الجاهلية الأولى يفكرون ويتناقشون ويتساءلون فيما بينهم بمثل هذه القضايا وهذا من جاهلية العصر الظاهرة البيّنة

د. الشهري: وهذا صحيح. أيضاً قد يقول قائل أن هذا سؤال انتهى (عَمَّ يَتَسَاءلُونَ (1) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2)) أنه سؤال سأله المشركون وانتهى وجاء الجواب اليوم أكثر أمم الكفر هم يجحدون بهذا الذي كان يجحد به المشركون هؤلاء الأقوام مثل البوذيون والهندوس الذين يحرقون جثث الموتى بعد موتهم هل يؤمنون بهذا اليوم؟

د. عصام: لا يؤمنون به وحتى كثير من أهل الإسلام لا يستشعرون ذلك، العاصي حينما يعصي ربه، حينما يطغى ويفجر، رأينا في هؤلاء الطغاة الذين يقتلون الناس ويعذبونهم ويعتدون عليهم في سوريا وفي بورما هل تأمل أنه سيحاسب على كل ذنب سيحاسب على كل قلب خاف؟ على كل مال سرق؟! ما فعل العاصي معصيته حتى وإن كان مسلماً إلا لأجل أن مسألة البعث غابت عن قلبه، هو هذا الذي يجلس على الانترنت وجلس ينظر القنوات الاباحية هو لو فكر أنه سيبعث هل سيفعل؟ لا، ولذلك ليست القضية خاصة بهم إنما هي بنا وبهم وبكل الناس (عَمَّ يَتَسَاءلُونَ (1) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2)) هذا لا بد أن يقع ودل الله عليه ودلائله أكثر من أن تحصى في الكون

د. الشهري: دعنا نكمل (الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ) يشير فيه إلى مشركي قريش فقط أم هو عام في كل من كفر بهذا اليوم؟

د. عصام: الكلام عنهم ابتداءً ولا شك لأن قال (الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ) هذا أمر جرى منهم وهو في كل من شابههم ولذا سبحان الله عادة في مثل هذه السياقات يقال (الَّذِي هُمْ فِيهِ يخْتَلِفُونَ) بالجملة المضارعة لكن هنا جاء بالجملة الاسمية التي تدل على الثبات واللزوم فهؤلاء وأشباههم صارت هذه القضية لازمة لهم لأنهم إما أنهم فكروا فيها ووصلوا إلى نتيجة بإنكارها وإما أنهم لم يفكروا فيها وهذا هو أعظم ما يكون بين الناس لأن هذا هو خلاف الفطرة الإنسان إذا لم يفكر في هذا الأمر معناها خالف الفطرة في أصلها وإذا فكر ثم وصل إلى إنكار وهذا أيضاً إشارة للبراهين الدالة الواضحة عليها. (كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (4) ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (5)) (كَلَّا سَيَعْلَمُونَ) هذه رادعة واضحة أنهم سيعلمون، الرب جل وعلا لم يحتج كثيراً أن يبين الدلائل هنا لأن القضية في الفطرة مغروسة وأنا ذكرت الآن ما يمكن كل إنسان إذا كان فيه شيء يحتاج إلى حساب وجزاء يا أخي في الناس من عاش في فقر ومرض وبلاء عظيم من حين أن خرج إلى أن مات وآخر عاش في عز وصحة ومال وغنى هل هذا جزاؤه كذاك؟! لا بد أن يكون الأمر فيه عدل من الذي خلقهم جلّ وعلا. فالله عز وجل يقول هنا “كلا هم سيعلمون” ثم رحمة بهذا الإنسان ذكر الدلائل بعد ذلك. ومن اللفتات المهمة هنا أن (كَلَّا سَيَعْلَمُونَ) ليست هي بنفسها (ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ) ليست تكرار ليس هنا التكرار لأجل التأكيد المجرّد وإنما هي مراتب في العلم الذي سيتحقق فهم سيعلمون في قبورهم صحة ما دلت عليه الدلائل الكونية والسمعية على البعث وسيدركون بعد ذلك إدراكاً أعظم وعلماً أمتن ويقيناً أكبر. (كَلَّا سَيَعْلَمُونَ) أي سيعلمون علماً له حدّ ثم (ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ) علماً آخر أكثر منه معرفة واتقاناً بما حصل لهم من إخبار الرب جلّ وعلا لما وعدهم به. فلا يقال أن هذا مجرد تأكيد فقط، وإنما القرآن يحمل على أفصح الوجوه وهذا هو أفصحها. ثم قال سبحانه (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا) وذكر الله عز وجل عشر آيات كلها تدل على صحة البعث هي بالمنطق والعقل لا علاقة لها بالآيات المنزّلة، وحي لأجل أن تؤمن بخبر الوحي وإنما هي خطاب للعقل والمنطق هنا، هذه العشر آيات قسمها الله إلى قسمين إلى آيات أرضية وآيات سماوية والآيات الأرضية والسماوية قسمها الله عز وجل في داخلها إلى قسمين آيات تدل على البعث بأصل الخلق حينما خلق الله عز وجل الخلق دلّ أصل الخلق على صحة البعث منها وآيات دلت على صحة البعث بالصيرورة أي أن تحوّل هذا المخلوق من حال إلى حال دل على صحة البعث أيضاً. وهنا هاتان الآيتان العظيمتان الأولى وهي وقدرة الرب على خلق هذا الإنسان أو خلق ما يحيط به على هذا النحو وقدرة الرب على تصيير هذا الخلق على نحو يبصره هذا المخلوق هما كلاهما دالان على صحة البعث فكان لا بد أن نُبصر أولاً الأرض التي نحن عليها وما يحيط بها ثم نرفع أبصارنا وقلوبنا إلى السماء

د. الشهري: وكلها مما يشاهده الإنسان

د. عصام: ومما يشعر به (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا) مهاداً بمعنى أنها فُرِشت وسُهّلت للإنسان فأنت ترى عندنا في الرياض أن الدنيا ممهدة ثم قال الله عز وجل (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (6) وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا) حتى لا يقول الإنسان هناك جبال فأين المهاد؟ فبيّن سبحانه مباشرة (وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا) فجعل الله الأرض مهاداً أكثرها وجعل منها أوتاداً لم يقل مثبتة أو رواسي بل أوتاداً وهذا من أعظم ما يكون قوة في التشبيه فإن تشبيه الجبال بالوتد هو تشبيه كامل من كل الوجوه فلو تأملت في الوتد وفي حاله وصفاته فهو دقيق من الأسفل الجبال كذلك، أغلبه في الأرض الجبال كذلك، الوتد عمله تثبيت والجبال كذلك، عندما تنظر في أعلاه تجده ناتئاً بارزاً والجبال كذلك، وهذا من أعجب ما يكون من أنواع التشبيه (وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا) ثبتت. ثم قال بعد ذلك (وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا) وهنا تغاير استخدام الأفعال الفعل حينما يتغير في سياق الآية الواحدة يبنغي أن ينتبه الإنسان وهذا ما نقوله للناس انتبه إلى ما يحدث من التغيير في السياق أو في جرس الآية أياً كان هذه هنا غير الله عز وجل الفعل مباشرة كان الفعل (ألم نجعل) ثم انتقل الفعل وصار (وخلقناكم) وكان مضارعاً وصار ماضياً فلا بد من الانتباه لهذا. (وخلقناكم) خلق الخلق هكذا أما الجعل ففيه صيرورة  أما الجعل ففيه صيرورة جعل كذا كذا أما خلق فليس فيه صيرورة خلق كذا هذا يتعدى لمفعول واحد (خلق) والثاني يتعدى إلى مفعولين (وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا) خلقهم هكذا لم يصيرهم خلق بدون أن يكونوا أزواجاً إلى خلق يصبحوا فيه أزواجاً وإنما هم أزواج من حين الخلق بينما الأرض مهاداً، لا، الأرض خلقت على مراحل وكذلك بالنسبة للجبال خلقت على مراحل فهذا جعل وذاك خلق

د. الشهري: قال (وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا) المقصود بها مبدأ الزوجية في الخلق

د. عصام: الزوجية، الذكر والأنثى، الليل والنهار، الماء والنار (وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا) كل شيء في هذه الدنيا خلق زوجاً ولا شك في ذلك ولذلك نقول حتى في الإثبات العلمي المحض الآن وهذه القضية كانت مطروحة من ثلاثين سنة بحث علمي أن يوجد شيء فرد إلا الربّ جلّ وعلا فلم يوجد، لا يوجد إلا هو سبحانه وتعالى أما الكون فكله أزواج كل شيء وما يضاده، الآن الحلو يقابله المر والملح والسكر كل شيء له ما يقابله تماماً إلا الرب جلّ وعلا سبحانه وتعالى الله الفرد الواحد الصمد

د. الشهري: سبحانه وتعالى! ثم ذكر النعم على الإنسان (وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا (8) وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا (9) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (11))

د. عصام: هذه كلها في الأحوال وليست في الصيرورة (وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا) الله عز وجل هذا النوم صيّره على مراحل فالنوم منه ما يكون راحة يسيرة ومنه ما يكون سباتاً عميقاً يقطع الإنسان عن أعماله ولذلك جاء الفعل (وجعلنا) هنا لم يأتي فعل الخلق هنا. وقال (وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا) والسبات هنا ليس هو النوم، السبات هو أثر للنوم السبات هو القطع في اللغة ولذلك سمي يوم السبت سبتاً لأجل قطع الأعمال فيه، تركوا الأعمال فيه، تركوا الصيد فيه فسمي سبتاً قاطعاً وهذا معناه في اللغة. بعض الزنادقة ذكروا ذلك في كتبهم وقالوا كيف يقول الرب جل وعلا وجعلنا نومكم نوماً؟ لأن السبات هو النوم. السلف لما فسروا السبات بالنوم لم يقصدوا به أن السبات هو النوم وإنما هو أثره بمعنى أن النوم لما وقع لهذا الإنسان أعطاه قطعاً عن أموره وحياته وأشغاله راحة لبدنه سباتاً فكان ذكر السبات صفة وأثر لهذا النوم الذي جعله الله عز وجل نعمة لعباده. فإذا كان أنامهم ثم أحياهم هذا دليل على البعث، الذي أنامك وفي النوم يتغير كل شيء ثم تقوم وتستيقظ فالذي أحيا بك هذه الحياة بعد هذا النوم الذي هو القطع هو قادر سبحانه وتعالى على نظيره وهو الخلق بعد ذلك

د. الشهري: ولذلك النوم سماه موتاً في قوله (والتي لم تمت في منامها)

د. عصام: والعرب تدرك ذلك في أشعارها وأخشى أني أطيل هنا وإلا العرب تدرك ذلك في أشعارها وهم يسمون النوم موتاً وحتى في أشعارهم فلذلك هو يحاجهم با يؤمنون به وبما يعرفون معناه ومقصود الرب منه

د. الشهري: هل يمكن في قضية (وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا) الإشارة إلى أن النوم في الليل هو النوم الذي يجد الإنسان فيه راحته حتى صحياً بخلاف ما أصبح يفعله بعض الناس خاصة في رمضان مثلاً يقلب الأمر بحيث يصبح ينام في النهار ويستيقظ في الليل، هل هذه الآية يمكن أن تكون

د. عصام: هذا هو الأصل، الأصل في السنة الكونية أن تبقى على ما عليه ولا تتغير إلا لطارئ حادث ولا تتغير لتكون السنة مختلفة لأن الله عز وجل قال (ولا تجد لسنة الله تبديلا) فهنا السنة أن يكون الليل هو النوم لأجل السبات قطع ما يتعلق بالبدن، أكثر نمو البدن إنما يكون في حال النوم وهذا تلحظه في شعرك، تلحظه في الطفل الصغير، في أظفارك، واضح جداً لما تقوم من النوم بعد مدة تنام ثماني ساعات تلحظ أن هناك ما نمى في جسمك وهذا مقرر عند الأطباء فيقطع عملك لينمو جسدك ولذلك نقول هنا لا ينبغي أبداً أن يحوّل الليل إلى يقظة ومعاش وأن يحوّل النهار ولكن هناك طوارئ للأيام كما كان النبي صلى الله عليه وسلم في العشر الأواخر ترك النوم وأصبح يقوم وينام في النهار صلى الله عليه وسلم فعندما يحين ما يستدعي ذلك لمدة معينة لا تتغير معها السنن الكونية فلا بأس وهذا موافق للفطرة أما إذا كان يغيّره بتاتاً فأصبح يستقيظ بالليل وينام بالنهار فعياذاً بالله هذا تخلق بصفات بعض من يُذمّون في الخِلقة بعض الحيوانات وبعض الحشرات هذه ليست خلقتك ولا فطرتك التي فطرك الله عز وجل عليها

د. الشهري: ثم أيضاً يقول (وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا )

د. عصام: (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا) اللباس هنا تغطية، ستر ولذلك المرأة ستر للرجل والرجل ستر للمرأة كما في سورة البقرة (لباس ) ونقول كل من لم يجعل الليل له لباساً فسيتعرّى في جسده سيظهر هذا فيه، سيتعرى يقيناً كل من أدمن أن ينام في النهار ويستيقظ في الليل فإنه سيتعرّى، كيف يتعرّى؟ سيرى أثر هذا في جوارحه في صحته وفي كل أحواله.

د. الشهري: سبحان الله! (وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا) إشارة إلى أن الأصل في طلب المعاش هو في النهار

د. عصام: في النهار تعيش تذهب وتجيء ولذلك البكور في أول النهار مصدر الرزق وهو بركة الرب جلّ وعلا وكل ما باكر وبادر في تجارته بارك الله عز وجل له فيه وهذا ظاهر جداً الذي يخرج في الصباح ويقول ما يشتري أحد منا الساعة السابعة نقول له: افتح وسترى البركة، اذهب في وقت البكور ستجد البركة من الرب جلّ وعلا وهذا وجدوه وللعجب الآن في الدراسات الغربية في إثبات أن البكور له أثره والقرآن وحديث النبي صلى الله عليه وسلم أصدق

د. الشهري: صدقت. ثم يقول (وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا)

د. عصام: (وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا) السبع الشداد يجب أن نتنبه إلى أن العرب لا يعرفون السموات السبع برؤية وإنما عرفوها بالخبر من أهل الكتاب فجاء خبر القرآن هنا إشارة إلى أمرين: من كان منهم لا يعلم الخبر عن أهل الكتاب فالسبع هي الكواكب السبع المشهورة عند العرب والتي ذكرت في خطبهم وأشعارهم وهي الشمس وعطارد وزحل والزهرة، الكواكب السبع المشهورة عندهم فالسبع الشداد إشارة إلى هذه الكواكب لمن لا يعرف السموات السبع فهو يراها ويوقن أن هذا أمر فطري يعرفونه العرب معرفة تامة ومن كان يعرفه معرفة تامة عندهم ومن كان يعرف السموات السبع الشداد بخبر أهل الكتاب فاستدل لله عز وجل بهذه السموات السبع بشدتها أو هذه الكواكب السبع بعظمتها على قدرته على إعادة الخلق مرة أخرى فهو أهون عليه جلّ وعلا

د. الشهري: ويمكن أن نسمي الكواكب سماء هنا باعتبار أن كل ما علاك فهو سماء

د. عصام: كل ما علا ابن آدم فهو بالنسبة له سماء

د. الشهري: أستأذنك نأخذ الفاصل الأول في الحلقة. فاصل نشاهد فيه سؤال الحلقة ثم نكمل حوارنا إن شاء الله مع الدكتور عصام العويد

————–

فاصل: سؤال الحلقة

قوله تعالى (إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا (25)) ما هو معنى كلمة (غساقا)؟

1.      ماء شديد الحرارة

2.      صديد أهل النار

3.      الدم

————

د. الشهري: مرحباً بكم أيها الإخوة المشاهدون الكرام ما زال حديثنا متواصلاً عن سورة النبأ مع ضيفنا الدكتور عصام بن صالح العويد الأستاذ بجامعة الإمام محمد ابن سعود الإسلامية، حياكم الله. نعود لقوله سبحانه وتعالى (وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا) هذا من الامتنان بالنعم العظيمة على الإنسان في الأرض.

د. عصام: هذا الكوكب السماوي (وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا) هي الشمس يرونها ويتنعمون بها ويعلمون كيف هي تقوم بحاجتهم في هذه الحياة الدنيا فالعرب بل العالم كله لا حياة لهم بدون الشمس.

د. الشهري: العجيب يا دكتور عصام أحياناً كثرة الامساس تقل الإحساس الناس يرون الشمس صباحاً ومساءً كل يوم لا يشعرون بقيمتها إلا إذا فقدت ربما.

د. عصام: سبحان الله هذا هو الفرق بين ابن آدم إذا كان مبصراً وإذا كان غير مبصراً الصحابة ميزتهم كانت في مسألة التفكر كانوا مبصرين كل شيء يؤثر فيهم تماماً أذكر من القصص العجيبة في هذا الشأن ابن المبارك كان جالساً مع أحبابه فانطفأ السراج فأخذوا  يوقدونه مرة أخرى فلما أوقدوه وجاءوا به إذ بالدمع ملأ خده وملأ ثيابه فقيل يا إمام ولما البكاء؟ هل خشيت أو خفت في الليل فأبى، فقالوا والله لا ندعك حتى تخبرنا ولما هذا البكاء؟ قال تذكرت نعمة الله جل وعلا بالشمس وظلمة القبر تذكر الأمرين معاً. هنا الحياة أخي أن تبصر كل شيء (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21) الذاريات) وأنا أقول دائماً للناس من أراد الإيمان فلا سبيل له مطلقاً إلا أن يفتح بصره للكون من فتح بصره للكون أبصر الله في كل شيء يلعب أولاده ويؤمن يأكل طعامه ويؤمن يمرض فيؤمن يصح فيؤمن يتكلم فيؤمن يرى المصيبة فيؤمن يرى النعمة فيؤمن كل حال في الدنيا كل صغير وكبير يجعل إيمانه يزيد في كل لحظة.

د. الشهري: أستأذنك يا شيخ عصام معنا إتصال من الأخ أحمد من الرياض تفضل يا أحمد حياك لله.

الأخ أحمد من الرياض: لدي سؤالان سؤال في السورة وسؤال عام عن القرآن.

1.       السؤال الذي في السورة في قوله تعالى (فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا) هو ليس في التفسير لكن هل يستحسن للأئمة ألا يقفوا وألا يركعوا عند آية عذاب يعني يكمل بعدها (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا)؟

2.       سؤال ثاني عام في القرآن في دورات حفظ القرآن في المراجعة حصل اختلاف بين المشايخ نحن نقرأ بسرعة حتى ننجر الأجزاء المقررة علينا فهل هذا مناسب أن نقرأ بلا تجويد قراءة سريعة جداً أرجو التوضيح يا شيخ عصام في هذا جزاك الله خيراً؟

د. الشهري: نكمل ثم نرجئ الأسئلة

د. عصام: (وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا) السراج الوهاج هنا الشمس وقد ميز الله بين القمر والشمس (وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا (16) نوح) السراج هنا الشمس لأنها تتقد بنفسها ونعمة الله عز وجل على الكون كله وعلى العرب بالشمس أعظم منها بالقمر فامتن الله عز وجل هنا لأن الشمس فيها صيرورة وفيها توهج واضح جداً التغير الذي يحدث فيها فهنا قضية التحويل بعث الخلق ثم الموت ثم البعث مرة أخرى فكان الاستدلال بالشمس وتوهجها أظهر من غيرها. (وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا) المعصرات هي السحاب إذا كانت ممتلئة وهذا من بديع تعبيرات العرب في ألفاظهم حتى يسمون الفتاة إذا كانت قريبة امتلأت ستحيض يعني بداية حيضها يسمونها مُعصِر وهنا شبّه هذه السحاب أنها ممتلئة سينزل منها الماء فقال (وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا) ثجّاجاً يصبّ صبّاً شديداً وهذا بالنسبة للعرب أعظم أثراً بالنسبة لهم من الديم، الديم بالنسبة لبيوت العرب الطين ليس كالحجر أنتم يا أهل عسير لا تشعرون بهذا لكن نحن أهل نجد نشعر به الديم بالنسبة لنا لأجدادنا قاتلاً ومن أعظم السنين التي نزل فيها البلاء علينا في نجد سنة الديم يسمونها لأن المصر ينزل خفيفاً فيدخل إلى الطين شيئاً فشيئاً فيهده لا يؤثر في الحجر لكن يؤثر في الطين فالعرب كانوا يستخدمون الطين في بيوتهم فيقول هنا يمتن عليهم (وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا) يصب صباً سريعاً فيرويكم ويسقي أرضكم ولا يؤذي بيوتكم فالبعث كذلك فامتن عليهم بهذا. (لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا) اللام هنا للتعليل، الحبّ معروف والنبات هو من حشيش الأرض هذا الذي تأكله البهائم وقد يأكله الناس حيناً. (وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا) النبات الذي له سيقان فذكر الأنواع الثلاثة ذكر الحبّ وذكر النبات الذي في الأرض وذكر الشجر، (وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا) ملتفة بعضها حول بعض. فهذه الأشياء كلها يستخدمها العرب وقد كانت لا شيء يعني كانت في الأصل حبة هذه الحبة الميتة ثم أصبحت زرعاً ثم حيناً تكون شجرة كبيرة ثم هكذا يستظلون بها ويأكلون من ثمراتها فسبحان الله من أخرج هذه الشجرة من هذه الحبة اليابسة هو الذي خلقكم إبتداءً عاجز أن يعيدكم مرة أخرى؟!! أبداً، لا، فجاءت هذه في ختامها (وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا) مع ما فيها من النعمة ففيها دلالة من وجهين النعمة والقدرة. قال بعد ذلك جاءت النتيجة (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا) إنَّ فيها معنى التعليل أي كل ذلك الذي سبق الأن يدل على شيء واحد أن يوم الفصل حاصل فهذا دليل على وقوع ذاك (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا (17) يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا (18)) ميقات مؤقت ولذلك هذا التوقيت لا يتخلف ولا يعلمه أحد هو مما استأثر الله عز وجل بعلمه سبحانه وتعالى ولا ينفع الإنسان أن يعرف أو لا يعرف الإنسان جهول كثيراً ما يفكر متى يوم القيامة؟ وصنفت الأن مصنفات في هذا بعض الأئمة صنفوا فيه متى الساعة أو متى ستقوم الساعة؟ وما الذي ينفع هذا، ماذا أعددت لها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.

د. الشهري: نعم عندما جاءه رجل قال متى الساعة؟ قال ماذا أعددت لها؟

د. عصام: هذه هي القضية الميقات ستحصل لكن أنت ما الذي فعلت وأعددت لهذا اليوم العظيم (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا) ومسألة الفصل هنا مسمى الفصل ضروري جداً للعباد لأن مسألة الفصل معناها سيفصل بين كل شيء فإن ظلمت سيفصل معك والمظلوم إن أحسن سيفصل، كل شيء سيفصل فيه في ذلك اليوم العظيم فتذكر كلمة الفصل هنا حتى تستعد للفصل حتى يكون الفصل فيه خير لك.

د. الشهري: ولذلك سماه الدين (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) الفاتحة) وقال سريع الحساب كل ذلك حاصل في ذلك اليوم.

د. عصام: نعم كله حاصل في ذلك اليوم ولذلك هو الفصل بين الحق وبين الغبش وبين غير الحقيقة فيوم الفصل تبصر (فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22) ق) تبصر الحقيقة كاملة ليس فيها لبس. قال بعد ذلك (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا) الأن بدأ يوم القيامة وأول أحواله العظام هو مسألة النفخ في الصور (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) هذه نفخة البعث وهي النفخة الثانية (فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا) لم يذكر هنا النافخ فلا حاجة له وذكر في مواطن أخرى في السنة لكن هنا لا حاجة لكم به فلا يهمكم لا تسألوا عنه هنا اسألوا عن المهم ينفخ فقط سينفخ في الصور وتأتون أفواجاً هذا الذي يهمكم أنتم فاعتنوا به (فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا) جماعات زرافات وهذا الوصف لو تأملناه في الكتاب لوجدنا عجباً كيف يخرج الناس؟! عجب بالفعل عجب، يعني تارة يشبههم بالجراد وتارة يشبههم بالحشر بالنسبة للمتقين (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا (85) وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا (86) مريم) هنا وفد وهنا ورد وهكذا، ولو جمع الإنسان أوصاف حشر الناس في يوم القيامة من كتاب الله فقط سيجد عجباً وهذا مما يسمى في القرآن جمع النظائر والموضوعات هذا من أهم ما يكون في فهم دلالة القرآن على حال معينة. قال بعد ذلك (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا (18) وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا (19)) فتِّحت كما في القراءة الأخرى والمقصود أنها شُرِّعت لنزول الملائكة هذه السماء العظيمة التي ليس فيها أبواب إلا محددة معينة (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ (7) الذاريات) حبكت ومتينة وشديدة جداً هي يوم القيامة كلها صارت أبواباً لتنزل ملائكة الرب جل وعلا.

د. الشهري: تكرر هذا معنا في أكثر من سورة قضية انفطار السماء (إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ (1) الإنفطار) (إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1) الإنشقاق) (فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ (37) الرحمن).

د. عصام: أنا جمعتها هي على سبع مراحل كل مرحلة لها حال الجبال ست مراحل ذكرهاالرازي لمن أراد أن يرجع إليها في تفسيره هنا في سورة عم وفي غيرها وذكرها الامام الشنقيطي وجماعة مراحل وكلها من خلال القرآن يعني هذه المرحلة هي آخرها هي السادسة ذكر في سورة عم النهاية (وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا) ليست بشيء كأنها تفتت لا يراها الإنسان هي سراب وإن رأها يراها هل هي حقيقة أو ليست حقيقة سراب يتخايل له بينما في أول الأمر التفتيت وغيره هذه كلها مراحل جاءت في القرآن نصاً. قال بعد ذلك (إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا (21) لِلطَّاغِينَ مَآَبًا (22) لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا (23)) لما ذكر يوم القيامة جاء الوعيد هنا وذكر النار قبل الجنة هذا هو أغلب القرآن وبعض الناس يقول النار النار أنا جمعت ما ذكر الله عز وجل من أسماء النار في القرآن وأسماء الجنة في القرآن والجنان والجحيم فكان ذكر النار بأسمائها يعادل ضعف ذكر الجنة بأسمائها فالنار ذكرت في القرآن أكثر من الجنة هذه تقارب الثلث وتلك تقارب الثلثان فليتنبه العبد إلى حاجته الماة جداً إلى أن يتذكر وعيد ربه جل وعلا لا يقول لماذا يقدم النار أولاً ولماذا يكثر من ذكرها هنا حتى في سورة عمّ آيات الوعيد طويلة آيات الوعد قصيرة ابن آدم يحتاج إلى ذلك.

د. الشهري: النذارة مقدمة.

د. عصام: يحتاج ابن آدم بطبيعته يخاف من الترهيب والتشديد وكذا أكثر من استجابته للترغيب والوعد الجميل وهذا ظاهر في حياة الإنسان.

د. الشهري: أستأذنك نأخذ إتصالاً من الأخت أم فراس من الرياض.

الأخت أم فراس من الرياض: ذكر الدكتور عصام العويد في درس سابق أن السيد المسيح بشّر بالرسول صلى الله عليه وسلم على أن اسمه أحمد لكن الشيخ ذكر أنها هي صفة فهل هناك تأكيد في ذلك خصوصاً أنه ورد في النص أن اسمه أحمد؟ وبعد ذلك أريد فقط أن أداخل في موضوع كنت أقيم في الخارج وكانت لي صديقة من أهل الكتاب وكنت ألاحظ أنها لا تذهب إلى الكنيسة يوم الأحد فسألتها عن كتابها فقالت إن كتابها الزبور فسألتها هل يوجد زبور الآن؟ فقالت هو موجود الآن وكتابهم هو الزبور وهم طائفة موجودة وهي من فنزويلا، فسألتها هل الرسول صلى الله عليه وسلم مذكور في كتابكم وأنت قرأت الإنجيل وقرأت التوراة؟ قالت نعم يوجد له ذكر ولكن ليس محمد وإنما ذكر باسم أحمد، فسألتها بعد ذلك هل توجد أوصاف؟ ذكرت كثير من الأوصاف حتى أنها ذكرت الوصايا العشر الموجودة عندنا في القرآن فلا أدري عندما نناقش أهل الكتاب يقولون أن اسمه أحمد فنقول لا أنه وصف له أنه أحمد وليس اسماً من أسمائه. فقط أردت أن أستوضح.

د. الشهري: شكراً جزيلاً يا ام فراس على هذه المداخلة القيمة وإن شاء الله تسمعين من الشيخ. نعود يا شيخ لعلنا نستفيد من الوقت قبل أن نختم.

د. عصام: وصلنا إلى قوله تعالى (إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا) مرصاداً هي رُصدت ولذلك لا أحد يذهب إلى الجنة إلا بعد أن يمرّ عليها فهي مرصاد لمن يستحقها أسأل الله عز وجل أن ينجينا وإياكم منها من كلها لا من سمومها وحرّها وأعوذ بالله من كلاليبها ولا أشد من ذلك أن يقذف المرء فيها نسأل الله السلامة من ذلك كله. قال (لِلطَّاغِينَ مَآَبًا) للطاعين مآبا مرجع كما جاء في الحديث كل إنسان له موضوع في الجنة وله موضع في النار (إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (25) الغاشية) وذكر هذا هنا وفي آخر السورة أيضاً فهو مآب له مرجع له بيت له قد أُعِدّ إما أن يسكنه وإما أن يكون لغيره. ثم قال (لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا) إذا دخلوها هؤلاء الطغاة مدة المكث فيها قال الله عز وجل (أحقاباً) والحُقُب بضم الحاء والقاف هو المدة الزمنية الطويلة ولا يكون في لغة العرب أقل من سبعين سنة يعني ما ذكر في كتب اللغة لا يكون أقل من ثمانين سنة مطلقاً والذي ذكر عن السلف أنه لا يكون أقل من سبعين ولذلك نقول أن أقل الحقب هو أن يكون سبعين بحسب ما جاء عن السلف رضوان الله عليهم وهم من العرب فما دون ذلك لا يسمى حقب فالله عز وجل هنا يذكر الأدنى ولم يذكر الأقصى لم يذكر المدة النهائية وإنما المقصود أن هؤلاء الطغاة أقل مكث لهم في نار جهنم أن يلبث الواحد فيها أحقاباً جمع حقب والحقب الواحد يكون سبعين سنة فلو ضربنا سبعين في ثلاثة ستكون مئتين وعشرة تقريباً فأقل ما يمكث هذا الطاغية في نار جهنم إن كان سيُخرج منها مئتين وعشرة من السنين.

د. الشهري: باعتبار أن الأحقاب أقل الجمع ثلاثة.

د. عصام: ثلاثة في السبعين، وهذا التحليل بهذا النص الذي اذكره ذكره ابن كثر وابن جرير وجماعة بمعنى أنهم ضربوا وبينوا طريقة السلف، السلف ذكروا هذا وبينوه وبينوا طول المدة بالسنوات التي يمكثها ذاك الطاغية لربه جل وعلا وهذا فيه من التهديد ما فيه يعني حينما يبصر الإنسان أقل شيء مئتين سنة لهذا الطاغية!!!.

د. الشهري: هذه السنوات هل هي بحسابنا أم كما قال الله

د. عصام: هي بحسابنا أو بحساب الرب جل وعلا بأيامه؟ فهنا لو كانت بحسابنا نحن فهي طويلة إلى مدى عظيم جداً ساعة واحدة في النار ما حال من دخلها فكيف بيوم فكيف بسنة فكيف بسنوات؟! كيف ونحن لا ندري بأي أيام هذه فالأمر في غاية العظمة نسأل الله عز وجل السلامة. قال سبحانه وتعالى بعد ذلك (لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا (23) لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا (24)) لا البارد خشية أن يقال قد يشرب الحار الذي قد يتغذى به ويروي ظمأه، بارد له صفة البرودة فأراد الله عز وجل أن ينفي كل ما يمكن أن يكون شراباً ينتفع به فقال (لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا) هو يشرب شراباً لا يستفيد منه أما الشراب الذي ينتفع به فلا مطلقاً قال (إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا) فهذا من أعظم أنواع الحصر في كتاب الله مع التأكيد مع الحصر ما ورد في كتاب الله في هذا السياق لما ذكر البرد ثم نفى الشراب.

د. الشهري: لعلنا نعود إلى إيضاح معنى الحصر بعد الفاصل. فاصل أيها الإخوة المشاهدون ثم نواصل حديثنا مع الشيخ عصام العويد بإذن الله.

——————————–

إعلان مركز تفسير للدراسات القرآنية – مطبوعات مركز تفسير

———————————–

د. الشهري: حياكم الله أيها الإخوة المشاهدون مرة أخرى ما زال حديثنا متصلاً مع ضيفنا الشيخ عصام بن صالح العويد حول سورة النبأ ولعلنا نشاهد قبل أن نواصل حديثنا مع الدكتور عصام الفائز في حلقة الأمس ونسأل الله تعالى أن يجعلنا جميعاً من الفائزين في الدنيا والآخرة.

الفائز في حلقة الأمس: أحمد محسن براري – مكة المكرمة

نعود يا دكتور عصام إلى الآيات في سورة النبأ والوقت أدركنا لم يتبقى إلا سبع دقائق ليتنا ننجز ونجيب على أسئلة الإخوان.

د. عصام: (لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا (24) إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا (25)) الحميم معروف وهو الماء الحار، الغساق فيه خمس صفات ذكرها السلف وكلها ثابتة والإختلاف فيها من قبيل التنوع (جَزَاءً وِفَاقًا) الوفاق هنا مقابل أن الله لا يظلم الناس شيئاً مطلقاً وفاق موافق لأعمالهم فبقدر معصيته بقدر كفره يكون الجزاء والعذاب من الرب سبحانه وتعالى (جَزَاءً وِفَاقًا). ثم قال الله سبحانه وتعالى (إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا) و(إنّ) هنا تعليلية كما هو ظاهر في السياق (إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا) لا يرجون المقصود بها هنا لها وجهان في المعنى لا يرجون ليس معناها لا يخافون الحساب لا يعرف في لغة العرب أن الرجاء بمعنى الخوف ولكن هنا أن أهل الإيمان يرجون ذاك اليوم فالله عز وجل وصفهم بوصف يذمهم فيه فقال هناك من الناس من يرجو هذا الحساب ويرجو ما بعده وأنتم على ضد ذلك بل أنتم تخافون وتخشون هذا الحساب (إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ) أي أن هناك من الناس من يرجو فكونوا كأولئك ولا تكونوا كمن يخشى ما يقع عليه بعد الحساب وهذا الذي نبه عليه ابن عاشور رحمه الله في تفسيره. قال (وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا كِذَّابًا) تكرار لكلمة الكِذَّاب مع التأكيد عليها وهذا أنواع من تأكيد التكذيب في حقهم ظاهرة جداً. قال بعد ذلك (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا (29) فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا (30)) الفاء هنا سببية (فذوقوا) (فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا) وهذ كما قال جماعة من السلف ومنهم عبد الله بن عمرو بن العاص وغيره أنها أشد آية وعيد.

د. الشهري: (فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا) لعلك تجيب على سؤال الأخ أحمد النهدي عندما قال في قوله (فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا) هل يصح أن تركع عندها؟

د. عصام: أنا والله من سنوات كلما قرأت عمّ لا أركع عندها منذ أكثر من عشر سنوات لا أركع عندها مطلقاً لا أستطيع قلبي لا يطاوعني لا بد أن أقرأ (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا (31) حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا (32) وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا (33)) ثم أركع وأكمل.

د. الشهري: لماذا ما المانع؟

د. عصام: ما يطاوعني قلبي أنا أقرأ على الناس ثم أقول لهم (فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا) الله أكبر.

د. الشهري: ما المانع وأنت تقول التخويف غلب على البشارة؟

د. عصام: لا أدري أخي ما يطاوعني قلبي.

د. الشهري: من الناحية الشرعية لا يوجد حرج.

د. عصام: من الناحية الشرعية لا حرج إن أراد أن يركع ولكن أنا لا أركع من عشر سنوات عندها أخشى أخاف فإذا وصلت عندها أكملت إلى (لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا (35) جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا (36)) الله أكبر أخلط هذه بهذه.

د. الشهري: جزاك الله خيراً هذه لفتة جميلة.

د. عصام: (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا) مفازاً هذا مصدر ميمي وقد يدل على المكان، المكان فيه فوز عظيم. (حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا) وهذه ظاهرة أيضاً (وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا) كواعب المرأة التي استدار ثديها في تمام نضجها.

د. الشهري:  ذكرتني ببيت من الشعر وأنت تقول قبل قليل المعصرات لعمر بن أبي ربيعة عندما يقول

وكان مِجنّي دون ما كنت أتقي     ثلاث شخوص كاعبان ومعصر

تصلح على كواعب وتصلح على معصرات.

د. عصام: الكواعب نحن نقول للرجال دون النساء فإذا أردت أن تتأمل نعمة الله عز وجل إقسم الرمانة نصفين وضعها هذا هو حالها إذا أردت أن تتخيل نعمة الرب جل وعلا عليك. (وَكَأْسًا دِهَاقًا) دهاقاً الممتلىء والمتتابع والصافي هذه الثلاث كلها من صفات الكأس الدهاق. (لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا (35) جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا (36)) هنا جزاءً من ربك عطاء حساباً وهناك وفاقاً هنا حساباً ليس معناه محسوب لا، هذا نفاه الله عز وجل حساب معناه كافي كما يقول السلف يمكن هذا وأخذ يؤول كابن عاشور أخذ يؤول معنى حساب معدود ولكن ليس معدود وإنما الذي ذكره السلف هو حساب بمعنى أنه كافي بقدر ما تتم نعمة الرب عليك وترتوي من نعمة الله التي أكرمك بها هذا هو الحساب الكافي وليس المعدود.

د. الشهري: هذا تمام النعمة

د. عصام: هذا تمام النعمة ليس المعدود وإنما الكافي وهذا الذي ذكره ابن كثير نصاً وأعرض عن الآخر. قال (رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) هذا المقطع الأخير ذيل السورة خلاصتها (رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا) وهي الشفاعة لا يتحدث ولا يشفع إلا بإذنه جل وعلا (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ) الروح فيه خلاف كبير جداً وابن كثير رجح أنها أرواح بني آدم وابن جرير كأنه يدندن حول ذلك وجماعة وكلها صحيحة ونحن لا ندري قد يكون جبرائيل وقد تكون أرواح بني آدم الله أعلم لكن تقديمها على الملائكة كأنه جبرائيل وهذا هو الأصل في سياق القرآن. (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا) (صواباً) لا إله إلا الله (ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآَبًا) مرجعاً إلى مكانه (إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا) هذه الآية لا تحتاج إلى تفسير وإنما تحتاج إلى قلب حاضر.

د. الشهري: أسأل الله أن يتقبل منك. دعنا في أقل من دقيقة نجيب على أسئلة الإخوان: أحمد يقول أنهم في الدورات القرآنية يحرصون على سرعة القراءة حتى يختموا وحتى يراجعوا هل هذا فيه مشكلة؟

د. عصام: إذا كان للمراجعة المحضة نأذن لهم بمثل ذلك وإن كنا نقول لهم من استحضر معاني القرآن أصبح كالشافعي يقرأ القرآن سريعاً ويتدبر فنقول لهم لا بأس ولكن أخي إقرأ معاني القرآن قبل ذلك ستقرأ سريعاً وتتدبر حتى وإن أسرعت، جاهد في المعنى في معرفته ثم ستراجع الحفظ يسيراً بإذن الله.

د. الشهري: الأخت أم فراس تقول ذكرت في سورة الصف فعلاً في قوله (وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ (6) الصف) وهذا السؤال أريد أن أسأله أنا أيضاً أنت ذكرت أن هذا ليس اسماً وإنما وصف

د. عصام: لا لم أقل ليس اسماً أنا أقول الإسم في لغة العرب يأتي على ثلاثة أنواع قد يكون الاسم عَلَماً وقد يكون صفةً فمن أراد أن يقول بأن هذا الاسم هو عَلَم فعليه بالدليل هنا لأن اسمه أحمد ليس المقصود للعلمية لأن الاسم قد يكون علماً وقد يكون صفة كما نبهت على هذا.

د. الشهري: وأنت ذكرت قرينة جميلة أن اسم أحمد ما سماه أحد من الصحابة

د. عصام: سأذكر لك قرينتين عظيمتين في هذا الباب: أولاً أن اسم أحمد لا يُعرف عند الصحابة ولا يُعرف عند التابعين لم يذكر إلا نادر جداً عند التابعين ولا يعرف عند الصحابة مطلقاً فلو كان اسمه أحمد لسمي باسمه كما سمي باسم محمد كثيراً فكيف يُترك اسم أحمد المنصوص عليه في القرآن.

د. الشهري: قد يرد على هذا أن هناك الماحي من أسمائه ولكن لم يسمى به أحد.

د. عصام: الماحي ليس من أسمائه ولذلك نحن نقول بأن الماحي ليس من أسمائه وهي ذكرت ليس في سياق الأسماء ليس من أسمائه الماحي ولم يسمى أحد بالماحي لو كان من أسمائه صلى الله عليه وسلم لسمي أحد بالماحي والحاشر والعاقب لم يسمى أحد بذلك. القرينة الثانية وهذه تحتاج إلى أن نراجعه مع الأخت أنه في التوراة والانجيل لا يوجد ولا يعرف اسم أحمد في كل هذه الكتب السماوية وإنما سمي بمحمد.

د. الشهري: وهي ذكرت الزبور والزبور هو جزء من الكتاب المقدس مزامير داوود.

د. عصام: عموماً أنا مثل ابن عاشور وجماعة نفوا ذلك نفوا وجود اسم أحمد في كل الكتب السماوية فإن كان موجوداً المُثبِت يثبت وقوله مقدم علينا.

د. الشهري: جزاك الله خيراً أشكرك على هذه النقاشات ولعل هذه المصادر أيضاً تعود إليها وأسأل الله أن يتقبل منك. أيها الإخوة المشاهدون باسمكم جميعاً أشكر أخي العزيز فضيلة الشيخ الدكتور عصام بن صالح العويد الأستاذ بجامعة الإمام بن محمد بن سعود الإسلامية على ما تفضل به كما أشكركم على متابعتكم وأسأل الله أن يعيننا وإياكم على تدبر كتابه وفهمه نلقاكم غداً إن شاء الله ومع الشيخ عصام ولعلنا نكمل الحوار حول الأسئلة التي لم نتمكن من الإجابة عليها ألقاكم غداً والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.