الحلقة 165
ضيف البرنامج في حلقته رقم (165) يوم الثلاثاء 12 رمضان 1433هـ هو فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن عبدالعزيز الخضيري الأستاذ المساعد بجامعة الملك سعود .
وموضوع الحلقة هو :
علوم سورة نوح .
—————–
د. الشهري: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. حيّاكم الله أيها الإخوة المشاهدون الكرام في كل مكان وأهلاً وسهلاً بكم في هذا اللقاء القرآني المبارك الذي نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعله زيادة لنا ولكم في الأجر والعلم وتدبر القرآن. اليوم بإذن الله تعالى سوف يكون حديثنا عن سورة نوح عليه الصلاة والسلام. وباسمكم جميعاً أرحب بضيفي العزيز في هذه الحلقة فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن عبد العزيز الخضيري، أستاذ الدراسات القرآنية المساعد بجامعة الملك سعود وعضو الهيئة العالمية لتدبر القرآن الكريم حيّاكم الله يا دكتور محمد.
د. الخضيري: وحياك وحيّا الله الإخوة المشاهدين.
د. الشهري: أهلاً وسهلاً بك. سورة نوح يا شيخ محمد هي حديثنا هذه الحلقة إن شاء الله. نبدأ على بركة الله باسم السورة لماذا سميت سورة نوح بهذا الاسم؟ وأنا أذكر أن في سورة هود حديث طويل عن نوح ربما يكون أطول من هذا ولكن سميت هذه السورة باسم نوح.
د. الخضيري: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وارزقنا علماً ينفعنا. هذا السورة سميت سورة نوح لأنه ليس فيها شيء غير نوح، لم يذكر فيها أحد ولا قضية أخرى غير قضية نوح عليه الصلاة والسلام ولذلك ليس هناك مجال لتسميتها إلا بهذا الاسم ولا يعرف لها اسم في المصاحف أو كتب التفسير إلا هذا الاسم سورة نوح. وموضوعها هو نوح عليه السلام دعوته وطريقته في الدعوة وما لقيه من قومه وما هو مضمون الدعوة التي جاء بها والأساليب التي سلكها من الترغيب والترهيب ثم شكواه إلى الله عز وجل من عدم إيمان قومه وإعراضهم عنه ثم في نهاية المطاف فصل الموضوع بالدعاء على قومه بعد أن أوحي إليه أنه لن يؤمن من قومه إلا من قد آمن. فهذه السورة هي سورة نوح عليه الصلاة والسلام. أما ما ذكرت من كونها قصة نوح ورد في سور أخرى، نعم هي وردت في عشر مواطن في القرآن الكريم وهذا الموطن يتميز أنه بمثابة الخلاصة لقصة نوح ولذلك ليس فيها أي ذكر لقومه، جدال مع قومه وأخذ وعطاء معهم كما مثلاً في سورة هود أو الأعراف أو غيرها من السور التي ورد فيها ذكر نوح
د. الشهري: هناك جدال
د. الخضيري: (قَالُواْ يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (32) هود) فالحاصل أنه في هذه السورة كما يقول الدكتور فاضل السامرائي في لمساته البيانية كأن نوحاً يعطي تقريراً عن دعوته خلال تسعمائة وخمسين عاماً فيقول هذا ما حصل مني يا رب وهذا ما قلته لهم وهذا ما لقيته منهم وهذا في نهاية المطاف الفصل الذي بيني وبينهم (رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا (27))
د. الشهري: سبحان الله العظيم! والعجيب يا دكتور محمد أن بالرغم من أن قوم نوح كانوا من أول الأمم إلا أنهم كانوا من أعتى الأمم كفراً، مع أن الكفر لم يستفحل بعد إن صحّ التعبير.
د. الخضيري: نعم، الكفر هو من طبيعة الإنسان قال الله عز وجل (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72) الأحزاب) وقال الله عز وجل عن الإنسان (قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (17) عبس) بطبعه إذا كفر وجحد وطغى وعتا على أمر الله عز وجل يكون كفره شديداً وهؤلاء نموذج فنوح بقي فيهم تسعمائة وخمسين سنة ما ترك أسلوباً ولا وسيلة ولا زماناً يدعوهم فيه إلا فعل ذلك ومع ذلك لم يصل معهم إلى نتيجة
د. الشهري: (وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ (40) هود)
د. الخضيري: يقال أنهم في أفضل الروايات التي اطلعت عليهم أنهم بضع وثمانين! يعني بمعدل كل عشر سنوات أو كل خمس عشرة سنة يُسلم واحد، من يصبر على مثل هذا؟!
د. الشهري: قليل جداً. سورة نوح متى نزلت؟ تاريخ نزولها؟
د. الخضيري: ليس هناك معلومات قاطعة في هذا الميدان لكنها مكية بإجماع وعنوانها وموضوعها يدلّ على ذلك تماماً وحاجة الناس إليها، حاجة النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن يسمع مثل هذه القصة فيقتدي بأخيه نوح عليه الصلاة والسلام في صبره وبذله وتضحيته، وحاجة المدعويين أيضاً ليعلموا كيف كان الأنبياء من قبل وإلى ما دعوا وأن دعوة هذا النبي الكريم عليه الصلاة والسلام مثل دعوة أولئك تماماً سواء بسواء وأن العاقبة التي حصلت لهم قد تحصل لكم فاحذروا من عقوبة الله! ولذلك يؤكد على هذه السببية فيقول (مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا) يعني ما أُغرقوا لأنهم قوم نوح، ما أُغرقوا لأنهم كانوا يعيشون في العراق أو يعيشون في المكان الفلاني، أُغرِقوا بسبب خطاياهم. (فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَنصَارًا) ممَ كان يشتكي نوح عليه الصلاة والسلام منهم وبسبب ذلك دعا عليهم؟ قال (قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي) يعني أنتم يا أهل مكة إن فعلتم مثل ذلك مع محمد صلى الله عليه وسلم حلّ بكم مثل ما حلّ بهم. قال (وَاتَّبَعُوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا (21) وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا (22)) كما تفعلون يا أهل مكة برسول الله صلى الله عليه وسلم من المكر. ولاحظ كيف يسميه المكر الكُبّار، كُبّار صيغة مبالغة من كبير
د. الشهري: سوف نتوقف مع التفاصيل إن شاء الله. إذن نقول هي سورة مكية قديمة النزول ولذلك بعض العلماء يذكر أن من علامات السور المكية ذكر قصة نوح فيها باعتبار أنها لم تُذكر في القصص المدني لم تفصّل فيه. وأيضاً من الأشياء التي لفتت نظري في سورة نوح أنه لم يذكر فيها بالرغم من أنها كما تفضلت أشبه ما تكون بتقرير أنه لم يذكر فيها المدة التي مكثها في قومه وإنما ذكرها في سورة العنكبوت فقط في القرآن كله. فلما تأملت هذا وجدت أن العلماء يقولون أن سورة العنكبوت قد تكون هي آخر سورة نزلت في مكة قبل الهجرة وبعضهم يقول نزلت في الطريق إلى المدينة فكان من المناسب أن يقال للنبي صلى الله عليه وسلم أنت كم بقيت في مكة؟ 13 سنة وستهاجر، اُنظر إلى نوح كم لبث؟ (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا (14) العنكبوت) فكان من المناسب أن يؤخذ فقط من قصة نوح هذه المدة فقط.
د. الخضيري: سبحان الله! مما يؤكد ما تذكر أو مما يشير إليه أنه في سورة القصص التي تسبق سورة العنكبوت قال (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ (85)) لرادّك إلى مكة، الصحيح في معناها والله أعلم أن معاد هي مكة فهي ما تذكره من العنكبوت كانت من أواخر السور التي نزلت في مكة يؤكده هذا.
د. الشهري: إذن موضوع سورة نوح هو قصة نوح عليه الصلاة والسلام وما فيها من العِبَر والدروس وهي مكية واسمها نوح وهي من السور التي سميت بأسماء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، كما أن هناك سورة نوح هناك سورة ابراهيم وهود ويونس ومحمد وآل عمران ومريم ويوسف ولا يوجد سورة باسم موسى مع أنه أكثر نبي ورد ذكره في القرآن الكريم. هل ورد هناك فضائل لسورة نوح؟
د. الخضيري: ليس هناك فضائل إلا فضائل المفصّل التي مرّت معنا أكثر من مرة.
د. الشهري: دعنا نأخذ السورة ونتوقف عند آياتها
د. الخضيري: قبل أن نبدأ بها أنا أقول أن هذه السورة نموذج لذكر الحقائق من خلال القصص
د. الشهري: قبل أن نسترسل أنا أرى في يدك صورة من المصحف وقد وردني سؤال من إحدى الأخوات وهي طالبة علم تقول يا شيخ عبد الرحمن كيف الشيخ محمد في يده قصاصة من المصحف؟ توقعت أنك تقص من المصحف فقلت هذه صورة، فكيف تجيب عليها؟
د. الخضيري: طبعاً أنا أفعل ذلك من أجل خفة الورقة في يدي. ثانياً حتى لو قصصت المصحف ليس فيه شيء إن شاء الله ما دام يُحترم ويُعاد إلى مكانه فهذا المحذور غير وارد
د. الشهري: أحببت أن ننبه لأانها قد تكون تشاهد وأنت أيضاً تحمل الورقة
د. الخضيري: هي صورة صوّرت الصفحة من أجل أن تكون خفيفة بيدي
د. الشهري: تفضل
د. الخضيري: ذكر الحقائق وتقرير العقائد من خلال القصص أسلوب قرآني عظيم وبديع ويوصل هذه الحقائق بيسر وسهولة إلى النفوس. يمكن بدل أن تقص قصة تقول أيها الناس اِتقوا الله وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وإلا حلّ بكم العذاب، انتهى الموضوع. لكن هل هذا يوصلها بطريقة بليغة إلى النفوس؟ هل هذا يؤثر فيها؟ هل هذا يعطيها الاعتبار؟ ويوصلها إلى مرحلة التأثر في أن النفس تردد مثل هذا الخبر وتعيده وتبديه مرة بعد أخرى حتى تستجيب؟ لا. ولذلك نحن نقول للدعاة، للمربّين، للخطباء، للوعّاظ، لكل من يريد إصلاح الناس إياك إياك أن تخطئ سبيل القصة خصوصاً القصص العظيم أفضل القصص وأحسن القصص، قصص القرآن. ألا ترى أنه تفرد سورة كاملة لقصة سورة يوسف مثلاً من أولها إلى آخرها ليس فيها إلا ذكر يوسف عليه الصلاة والسلام وهذه السورة من أولها إلى آخرها بمعنى أن الإمام لو يقرأها في يوم في ركعة أو ركعتين يقرأ عليهم قصة، يلخص لهم قصة نوح فهذا يبين لنا أن هذا الأمر يجب أن يكون بمحل عناية من الآباء، المربين، الأساتذة، الخطباء، الوعاظ، المذكّرين كل هؤلاء يجب أن يتأكدوا أن الحقائق قد لا تصل عبر الإلقاء المباشر وإنما عبر القصة والخبر والحكاية الموزونة التي تتضمن العظة والعبرة ولا يراد بها مجرد التسلية
د. الشهري: جزاك الله خيراً
د. الخضيري: هذه السورة افتتحت بقول الله عز وجل (إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا) لما تفتتح بهذا سيلتفت الذهن: المرسِل من؟ الله، إذن المسألة ليست بسيطة، (إنا) نحن بأسلوب المعظِّم نفسه إذن فانتبهوا إلى عظمة ما نقول وإلى عظمة ما أرسلنا وإلى عظمة هذه الرسالة. وأرسلنا أيضاً (نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ) ذكر أنه أرسله إلى قومه لأن الله عز وجل من حكمته ورحمته أنه لا يرسل نبياً إلا إلى قومه إلا ما وقع من لوط كما قال النبي صلى الله عليه وسلم “ما بعث الله نبياً بعد لوط إلا في مَنَعَة من قومه” وذلك لأنه يفهم طبائعهم ويعرف عاداتهم ويستطيع الوصول إليهم ويعرف لغتهم (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ (4) ابراهيم) ولذلك نحن نقول ينبغي أن يكون الداعية من نفس الجنسية ليكون قريباً في معرفة النفوس معرفة اللغة معرفة العادات معرفة الثقافة والداعية الذي يكون مُعاراً يأتي من قوم آخرين في الغالب
د. الشهري: يقع في بعض المواقف المحرجة
د. الخضيري: وقد يكون هناك أسباب تمنع من نجاحه. قال (أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ) بدأ بالإنذار هنا يظهر والله أعلم لأنه مرت فترة وهنا الآن تقرير فهذه الفترة كانت كافية لإيصال النذارة إليهم وإلا كل نبي يأتي بالبشارة ويأتي بالنذارة ويأتي بالترغيب والترهيب كما سيأتي معنا بعد قليل. قال (مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) قال (قَالَ يَا قَوْمِ) مباشرة استجاب نوح لنداء الله عز وجل وبلّغ الرسالة
د. الشهري: بدأ إبلاغ الرسالة
د. الخضيري: ولاحظ ما قال إني لكم نذير مبين، قال (قَالَ يَا قَوْمِ) معنى ذلك أني ناصح لكم أنتم أهلي وقومي وعشيرتي وعزوتي ناس أتعزى بكم وأنتمي إليكم وأحبكم ولا أدّخر لكم إلا الخير. (قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ) ما قال إني نذير مبين لكم قدّم الجار والمجرور للخصوص
د. الشهري: يعني لكم خاصة
د. الخضيري: للدلالة على العناية كما قال الرجل الأعرابي عندما سبّ رجلاً قال: إياك أعني، قال له يردّ عليه: وعنك أُعرِض. قال (أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ) (أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ) هذه خلاصة دعوة الأنبياء ألا تتوجهوا بعبادتكم إلا لله وأنكم ما خُلِقتم إلا للعبادة (وَاتَّقُوهُ) اجتنبوا محارمه (وَأَطِيعُونِ) لأني أنا الوسيلة بينكم وبين الله عز وجل فلن تتحقق عبادتكم لله وتقواكم له إلا بطاعتي، معه الرسالة، كيف يمكن أن يقولوا نحن نعبد الله ونتقيه لكن أنت اُخرُج من المشهد! لا، لا بد من طاعته ولذلك قال الله عز وجل (مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ (80) النساء). قال (يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ) يعني إذا فعلتم ذلك غفر الله لكم من ذنوبكم. فإن قلت لماذا قال (من ذنوبكم) نقول لأنه تحدُّثٌ عن الماضي أما المستقبل فهذا يحتاج إلى توبة جديدة واستغفار جديد. والعجيب من الملاحظات في القرآن أنه ما تأتي المغفرة في حق الكفار إلا مقرونة بـ (من)
د. الشهري: (من ذنوبكم)
د. الخضيري: أما إذا جاءت في حق المسلمين فهي تأتي مطلقة
د. الشهري: (يغفر لكم ذنوبكم)
د. الخضيري: و (من) هنا على الصحيح أنها تبعيضية هذا أصدق الأقوال فيها، هناك من قال أنها لبيان الجنس أو ابتداء غاية أو غير ذلك ما له وجه وهما قولان ضعيفان كما قال القاسمي وأبو حيان ونحوهما. قال (وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى) هذه أشكلت على الناس كيف (وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى)؟ نقول هذه مثل الأحاديث الواردة في صلة الرحم “من أحبّ أن يبسط له في رزقه ويُنسأ له في أثره” فالله عز وجل جعل الإيمان سبباً في زيادة الأجل بحيث لو لم يؤمن الإنسان عجّل الله له العقوبة أو أنزل به الموت كذلك الانسان إذا وصل رحمه بسط الله له في الرزق وأنسأ له في الأجل أي أخّر له في الأجل وهذا مكتوب عند الله عز وجل. قال (إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاء لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) ثم حكى لربه سبحانه وتعالى في هذا التقرير ماذا صنع معهم، هل أعذر إليهم؟ هل قام بالواجب وأدّاه؟ هل هذه النتيجة وهي ما آمن معه إلا قليل كان سببها التكاسل عن الدعوة؟ قال وهو الصادق عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام (قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا) منتهى البذل والتضحية
د. الشهري: استغرق جميع الأوقات
د. الخضيري: جميع الأوقات. ولاحظ يا أبا عبد الله ما قال أنا عندي دوام من السابعة إلى الساعة الثانية والنصف ظهراً والباقي لأولادي، لا، استغل كل فرصة في الليل والنهار وجعلها ميداناً للدعوة. قدّم الليل لأن النهار في الغالب يكون الناس مشغولين بطلب الرزق وبالرعي والزراعة وبالحرث وغير ذلك. في الليل غالباً يجلس الناس ليأنسوا ويشربوا الشاي والقهوة بعد صلاة المغرب إذا غربت الشمس قبل أن يناموا
د. الشهري: قصدك يشرب الشاي الآن وليس في عهد نوح!
د. الخضيري: عليه الصلاة والسلام، وما يدريك قد يكون الشاي كان عندهم أيضاً! (وَنَهَارًا) (فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا) من شدة إعراضهم كلما دعوتهم أعرضوا
د. الشهري: وحتى فرار!
د. الخضيري: ليس مجرد إعراض، لا، فراراً. وهذا لمن جرّبه من أعظم الأسباب التي توهن الداعية وتجعله يتوقف من أول الأيام. أنت الآن لو تقف في مسجد تلقي كلمة ويبدأ الناس يتسللون أمامك فلا يبقى أحد
د. الشهري: والله سأصاب بإحباط
د. الخضيري: تقوم مرة أخرى؟
د. الشهري: توبة! ما أقوم في هذا المسجد!
د. الخضيري: وقد يكون سبباً أن لا تقوم في مساجد أخرى. لكن انظُر (فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا) وبقي تسعمائة وخمسين عاماً يدعوهم ليلاً ونهاراً ثم يقول (وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ) في كل مرة أدعوهم فيها (لِتَغْفِرَ لَهُمْ) ما قال ليؤمنوا ولا لمصلحتي الشخصية وإنما لتكون المصلحة لهم خالصة (جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ) انظُر لأي درجة! كأن الأصابع كلها أُدخلت في الآذان، فإما أن يكون المراد اصبع كل إنسان في أذن كل إنسان فصارت أصابع في آذان وإما أن يكون مبالغة في سد الأذن بكل الأصابع (جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ) يعني غطوا رؤوسهم ووجوههم بثيابهم لئلا يشاهدوا نوحاً من شدة إعراضهم عنه. يعني نوح عليه الصلاة والسلام لو اعتزل الناس وذهب في البادية كان أكثر راحة له مما يواجه كل يوم من هؤلاء النافرين منه. قال (وَأَصَرُّوا) على كفرهم (وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا) تأكيد أنه بلغ بهم الكبر درجة عالية جداً بحيث لا يمكن أن يقبلوا مني شيئاً. قال مبيناً الوسيلة – الآن هذا الزمن أنه استغرق الزمان ومع هذا لم يلق منهم إلا الفرار-
د. الشهري: ليلاً ونهاراً
د. الخضيري: الآن جاء بالوسيلة كيف كانت وسيلته في الدعوة هل كان يستعمل الدعوة السرية أو الدعوة الجهرية؟ قال (ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا)
د. الشهري: نؤجلها بعد الفاصل. فاصل أيها الإخوة المشاهدون ثم نكمل قصة نوح مع شيخنا د. الخضيري إن شاء الله
————
فاصل: سؤال الحلقة
قوله تعالى (وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا (22)) ما هو تفسير كلمة كُبّارا؟
1. عظيماً
2. يسيراً
3. لا قيمة له
——————–
د. الشهري: حياكم الله أيها الإخوة المشاهدون. ما زال حديثنا متصلاً مع شيخنا الدكتور محمد بن عبد العزيز الخضيري عن سورة نوح، نعود يا دكتور إلى أساليب نوح في الدعوة. عفواً يبدو لي أن سورة نوح بالذات فيها كثير من وسائل الدعوة
د. الخضيري: نعم، جداً، هي مدرسة للداعية حقيقة. قال (ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا) استعمال (ثم) للدلالة على المهلة والمدة الطويلة
د. الشهري: لأن (ثم) تدل على التراخي
د. الخضيري: قال (ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا) أي معلناً لهم الدعوة ومجاهراً بالقول في المحافل وهذا يدل على أن نوح عليه السلام واثقاً من دعوته وثانياً لم يكن في دعوته شيء غامض أو سرّية، ما هي دعوة نخبوية. دعوات الأنبياء ليست نخبوية، ليست للنُخَب أو المثقفين أو طلاب الجامعات، لا، لكل البشر، لكل من تصله هذه الدعوة لكل من نُفخت فيه الروح. (إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا) (ثُمَّ) للدلالة أيضاً على هذه المهلة وهذا الامتداد (إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا) الأولى دعوة جهرية عامة: يا قوم اتقوا الله أطيعوا الله اعبدوا الله. ثم بعد ذلك بدأ عملية التفصيل يأتي إلى هذه الجماعة فيدعوهم إعلاناً يخبرهم بما عنده ويأتي إلى ذاك الشخص فيُسرّ له لأن بعض الناس يصلح معه أن تزوره في بيته وتتحدث معه حديثاً شخصياً، هذا أنفع له في الدعوة. وآخر يصلح أن تدعوه مع جماعة يتأثر من رؤية مشهد الناس واستجابتهم أكثر من تأثره فردياً ولذلك الداعية عليه أن يسلك هذا السبيل وهذا السبيل في تبليغ دعوته فمن يصلح معه الكلام الخاص يذهب إليه في بيته وفي مكان خاص ومن لا يصلح معه إلا أن يكون مع عموم الناس فليفعل ذلك مع عموم الناس.
د. الشهري: أستأذنك في أخذ اتصال من الأخت زهرة من الرياض
الأخت زهرة من الرياض: سؤالي عن ورود أسماء الله الحسنى العزيز الحكيم في مواضع متفرقة في القرآن مثلاً في سورة البقرة (العزيز الحكيم) ولو هناك عقاب (العزيز الحكم) فما الحكمة من ورود اسم الله العزيز الحكيم في المواضع المعينة في القرآن. ثانياً أريدكم أن تنصحوني، أحب تفسير القرآن وأريد أن أشغل نفسي في تفسير القرآن لكن ليس عندي منهج صحيح في تفسير القرآن وكنت أريد نصيحتكم
د. الشهري: نكمل يا شيخ ثم نأخذ الأسئلة بعد الفاصل الثاني
د. الخضيري: قال (ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا) هنا ما قال أعلنت لهم ثم أسررت لهم لأن الإعلان هنا والإسرار كانتا متزامنتان فالمرحلة الأولى كانت جهرية ثم بدأ يذهب إلى المجامع وإلى الأفراد وهكذا ينبغي أن يكون الداعية لا يترك مجالاً أو محلاً أو فرصة إلا وينتهزها لابلاغ دعوته. ماذا قال لهم؟ هذا الآن المحتوى: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ) ربكم الذي رباكم الذي أعطاكم الذي منحكم ورزقكم الذي خلقكم وأوجدكم من العدم (إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا) أي يغفر مغفرة كثيرة كل من استغفره غفر له
د. الشهري: غفّار مبالغة
د. الخضيري: مبالغة في كثرة مغفرة الله وسعتها. ثم رغّبهم بما تحبه نفوسهم، ما هي النتيجة؟ ما قال لهم يدخلكم جنات عرضها السموات والأرض هم أصلاً ما آمنوا بالآخرة ولا تغريهم الآخرة في شيء لأنها ما تساوي عندهم شيئاً، قال (يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا ﴿١١﴾ وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴿١٢﴾)
د. الشهري: هذه الأشياء التي تتوق إليها نفوسهم في العاجل
د. الخضيري: نعم ولذلك من حكمة الداعية أن ينظر إلى الشيء الذي يتوق إليه الإنسان، قد يتوق إلى طول العمر يذكّره بأن الدعوة هذه إذا قمت بها قد تكون سبباً لطول عمرك، قد يتوق إلى الذرية تقول له هذا سبب للذرية
د. الشهري: أستأذنك معنا اتصال من الأخ عبد الله من صلالة
الأخ عبد الله من صلالة: ذكرتم في بداية الحديث السور التي ذكرت بأسماء الأنبياء من ضمنها قلتم آل عمران، هل هناك نبي اسمه عمران؟
د. الشهري: سيجيبك الشيخ. نعود يا شيخنا تفضل
د. الخضيري: ثم رغّبهم هذا الترغيب الدنيوي العاجل
د. الشهري: والنفسُ مولعةٌ بحُبِّ العاجِل
د. الخضيري: وهكذا الداعي ينبغي إذا دعا أن ينتبه لرغبات وحاجات المستمعين، لما تجد إنساناً يشعر بالملل تقول له إذا صليت هذه تعود عليك بالسعادة والراحة النفسية والطمأنينة وترى الدنيا أمامك مشرقة ومضيئة هذا سبب يجلبه لهذا الخير
د. الشهري: علاج نفسي
د. الخضيري: ثم قال معاتباً إياهم (مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا) أي لا تعظّمون الله حق تعظيمه؟ لماذا لا يكون لله عز وجل ذلك القدر في نفوسكم فتخافونه وتهابونه وتجلّون أمره وتطيعون نبيه؟ (وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا) على مراحل طوراً بعد طور ولما انتهى من النفس انتقل إلى العوالم فقال (أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا ﴿١٥﴾) ألم تعلموا ذلك؟ (وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا ﴿١٦﴾) ولاحظ أفرد كل واحدة بـ (جعل) ليبين أن كل واحدة منها آية مستقلة تستحق الاعتراف والشكر لله عز وجل لولا فضل الله عليكم بذلك لبقيتم في ظلام دامس وفي دنيا متعبة جداً. قال (وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا) أخرجكم منها وأنشأكم منها (ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا ﴿١٨﴾ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا ﴿١٩﴾) يذكّرهم بالآخرة بأسلوب عجيب وجميل جداً. (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ) التي تعيشون عليها بعدما انتقل من العالم العلوي نزل إلى العالم السفلي فقال (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا ﴿١٩﴾) مبسوطة تبنون عليها تزرعون تمشون (لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا ﴿٢٠﴾) طرقاً ومسالك. ثم اشتكى نوح عليه الصلاة والسلام إلى ربه عز وجل بعدما ذكر له يا رب هذا ما قلته لهم وهذا ما صنعته معهم وهذا ما فعلته مع هؤلاء فقال مشتكياً
د. الشهري: نأخذ الشكوى بعد اتصال الأخ عادل من العراق
الأخ عادل من العراق: (وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا) بعدها قال (إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا) لماذا سيدنا نوح وضّح (إنك إن تذرهم) والله سبحانه وتعالى يعلم بما في نفوس الكافرين؟ السؤال الثاني قال تعالى لسيدنا نوح (فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا (14) العنكبوت) ما الفرق بين العام والسنة؟
د. الشهري: يبدو لي الأخ عادل باحث فأسئلته بحثية.
د. الخضيري: (قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي) يبين شكواه لله عز وجل يقول مع إني فعلت كل ذلك معهم وبسّطت لهم الدعوة ورغبتهم ورعبتهم وذكرتهم بك وبنعمك العلوية والسفلية والنفسية إلا أنهم عصوني. (وَاتَّبَعُوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا) اتبعوا الملأ الذين لم تزدهم أموالهم ولا أوالدهم إلا والعياذ بالله كفراً ونكراناً وجحوداً. قال (وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا) أي كادوا الدعوة وكادوا الناس في صدّهم عن سبيل الله عز وجل كيداً عظيماً وهذا المكر الكُبّار سبحان الله يتوارثه هؤلاء الكفار وهؤلاء الملأ جيلاً بعد جيل
د. الشهري: (أَتَوَاصَوْا بِهِ)
د. الخضيري: (بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (53) الذاريات) سبحان الله!. يقولون من تواصيهم ومن مكرهم (لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ) إياكم أن تدعوا الآلهة التي عهدتم عليها آباءكم (وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا) قوله (وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا) هذا قد يكون من باب عطف الخاص على العام
د. الشهري: هو واحد من الآلهة
د. الخضيري: نعم، هي من الآلهة. وقد يكون تفصيلاً لهذه الآلهة وأن الآلهة منها ود وسواع ويعوق ونسرا. ولاحظ أنه قال (وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا) يغوث ويعوق ونسرا قالوا إنما جمعها لأنها كانت على صورة الحيوانات أما وداً وسوعاً فكان ودّاً على صورة رجل وسواعاً على صورة امرأة فأفرد هذين لعله لشدة الفتنة بهما ولعله أيضاً لشدة تعظيمهما. ما هي هذه الأسماء؟ هذه الأسماء أسماء قوم صالحين كانوا في قوم نوح عليه الصلاة والسلام فلما ماتوا جاء الشيطان إليهم فقال صوّروا على صورهم وضعوها في مجالسهم لعلكم إذا ذكرتموهم تهيجتم ونشطتم للعبادة فصوّروا ثم ذهب الجيل الأول فجاء الشيطان للجيل الذي يليه وقال: إنما صوّر هؤلاء إنما كان آباؤكم يعبدون هؤلاء ويتوسلون بهم إلى الله عز وجل فعبدوهم فمن هنا جاءت عبادة الأصنام ومن هنا حُرّمت التماثيل والتصاوير وجعلها الله عز وجل حدّاً فاصلاً لأنها من أعظم الأسباب الموقِعة في الشرك
الأخت أم زياد من الرياض: شرح آية 71 من سورة هود (وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ). وما الفرق بين في سورة آل عمران (آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزًا (41) آل عمران) وفي سورة مريم قال (آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا (10)) ما الفرق بين الآيتين؟ وأريد كتاب للمبتدئة لتدارس القرآن بين إخوتي وأهلي
د. الشهري: لعلني نكتفي بهذه الأسئلة حتى نستطيع أن نكمل السورة
د. الخضيري: هؤلاء بدأت الفتنة عندهم بقبولهم بتصوريها ثم جاء الشيطان بعد ذلك واستغفلهم وأمرهم بعبادتها وكذب عليهم في أن آباءهم كانوا يعبدونها ثم سرى الشرك في الناس
د. الشهري: هذا يدل على أن قوم نوح كانوا في الأصل قوماً مؤمنين ثم دخل فيهم الشرك بهذه الطريقة فأُرسل إليهم نوح
د. الخضيري: نعم، (وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا). قال عز وجل (مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا) أي بسبب خطيئاتهم أُغرقوا فالله عز وجل قد جعل عقوبتهم بالغرق. وهنا نتعجب كيف العقوبة جاءت قبل الدعاء؟ لعل هذا والله أعلم لربط العقوبة بالذنب وأن الذنب هو هذا الذي ذكره نوح (قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا ﴿٢١﴾ وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا ﴿٢٢﴾ وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آَلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا ﴿٢٣﴾) أُغرقوا، هو هذا سبب إغراقهم. قال (فَأُدْخِلُوا نَارًا) استدل بها العلماء على أن قوم نوح يعذّبون الآن في قبورهم لأنه قال (فَأُدْخِلُوا نَارًا) ونحن نعلم أن إدخال النار إنما يكون بعد القيامة، إذن فهذه نار أخرى غير النار التي وُعِد بها الناس ممن كفر. قال (فَلَمْ يَجِدُوا لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَنصَارًا) ما وجدوا أحداً ينصرهم فيردّ عنهم عذاب الله. (وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا) أي أحداً فالديّار ساكن الدار والغالب أنها لا تستعمل إلا في أسلوب النفي “ما في البلد من ديّار ولا نافخ نار”. لماذا دعا نوح عليه الصلاة والسلام؟ لأنه قد أوحي إليه (وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ) فعند ذلك لما رأى أنه لا مجال دعا عليهم وقال كلمته (إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا) ولعله يأتي سؤال الأخ عادل
د. الشهري: يقول الله يعلم
د. الخضيري: هو يعتذر لنفسه ويقول مثل هؤلاء لا يستحقون أن يبقوا على وجه الأرض فيعصوك يا ربي وكأنه يستعظم أن يوجد في أرض الله من يعصي الله سبحانه وتعالى
د. الشهري: كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في بدر ” يا رب إن تهلك هذه العصابة لا تُعبد في الأرض”
د. الخضيري: ثم لما دعا عليهم دعا لآخرين وهذا من رحمة الأنبياء بالأمم ودعوة نوح عليه الصلاة والسلام تدرك كل مؤمن لأن الأنبياء كانوا أصحاب نفوس عالية وسامية. قال (رَبِّ اغْفِرْ لِي) فبدأ بنفسه وهذا أخذ منه العلماء مشروعية الدعاء للنفس أولاً فإذا أردت أن تدعو تقول غفر الله لي ولك، هداني الله وإياك. (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ) (وَلِوَالِدَيَّ) بدأ بالوالدين لعِظَم حقهما واستُنبط من هذه أن والديه كانا مؤمنين لأنه قال بعدها (وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا) لأنه هناك من يدخل بيته من غير المؤمنين كزوجته وولده ولذلك استثنى فيمن يدخلون البيت ولم يستثني من الوالدين للدلالة على أن والديه كانا مؤمنين عليه الصلاة والسلام. (وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا) هذا يدل على أن الدعاة كانوا مفتوحين، ما كانوا مغلقين غامضين ما يفتحون بيوتهم للناس ولا لهم صلة بالمجتمع، لا، قال (وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا). (وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) ما ترك أحداً. ولذلك يُشرع للإنسان في دعائه أن يدعو لنفسه خاصة ولمن حوله كالوالدين والزوجة والذرية والجيران وأهل البلد ثم لا ينسى أيّ مؤمن أو مؤمنة في الأرض ممن كان أو يكون
د. الشهري: فتشمل كل مؤمن ومؤمنة
د. الخضيري: ولذلك ورد في الحديث: من استغفر للمؤمنين والمؤمنات أعطاه الله بكل مؤمن ومؤمنة حسنة. الآن دعنا نقول: “اللهم اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ” يعطيني الله عز وجل بكل مؤمن في الأرض حسنة ممن تقدّم أو ممن هو حاضر. (وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا) أي هلاكاً
د. الشهري: التبار هو الهلاك
د. الخضيري: نعم تبِرَ أي هلك
د. الشهري: إذن انتهينا الآن من السورة. نتوقف مع فاصل الآن ثم نعود إلى الأسئلة ونتناقش في بعض القضايا. فاصل يا دكتور فاصل قصير أيها الإخوة المشاهدون ثم نعود لنواصل حديثنا عن سورة نوح إن شاء الله.
***************
إعلان مركز تفسير – لقاء أهل التفسير (لقاء شهري في الدراسات القرآنية)
***************
د. الشهري: أهلا وسهلا بكم أيها الأخوة المشاهدون وحياكم الله مرة أخرى في برنامجكم التفسير المباشر وما زال حديثنا متصلاً حول سورة نوح مع ضيفنا فضيلة الدكتور محمد بن عبد العزيز الخضيري أستاذ الدراسات القرآنية بجامعة الملك سعود. قبل أن نواصل حديثنا يا دكتور محمد دعنا نبشّر الفائز في حلقة الأمس،
الفائز في مسابقة حلقة الأمس: محمد أحمد أمين – أبو ظبي – الإمارات العربية المتحدة
د. الشهري: لعلنا بعد أن انتهينا من سورة نوح نتوقف عند بعض الأسئلة التي وردتنا وكان هناك بالأمس أسئلة، الأخت زهرة سالتنا سؤالاً في سورة الصافات وكل يوم أماطل وأقول غداً مع أنها سألته في حلقة كنت أنت ضيفها فهي من الأسئلة التي ما زالت في رقبتك. سألت سؤالاً في سورة الصافات وقال في سورة الصافات ذكر الله سبحانه وتعالى قصة نوح، وذكر قصة ابراهيم أولاً ثم قال في آخرها (وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ ﴿١٠٨﴾ سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ ﴿١٠٩﴾ كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴿١١٠﴾ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ﴿١١١﴾) ثم جاء بعدها بقصة موسى فقال (وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الْآَخِرِينَ ﴿١١٩﴾ سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ ﴿١٢٠﴾ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴿١٢١﴾ إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ﴿١٢٢﴾) وقال قبل ابراهيم في نوح قال (وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ ﴿٧٨﴾ سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ ﴿٧٩﴾ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴿٨٠﴾ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ﴿٨١﴾) أيضاً (وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ ﴿١٢٩﴾ سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ ﴿١٣٠﴾ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴿١٣١﴾ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ﴿١٣٢﴾) ثم لما جاء إلى لوط ثم بعده في يونس فلم يقل هذه الخاتمة (وتركنا عليه في الآخرين* سلام على لوط أو يونس) فما العلّة في ذلك؟
د. الخضيري: الذي يظهر لي والله أعلم أن الأنبياء السابقين كان لهم عَقِب بخلاف لوط عليه الصلاة والسلام ويونس فلم يجعل الله عز وجل في ذرياتهم أنبياء. أضف إلى ذلك أن يونس عليه الصلاة والسلام كانت الخاتمة فيها شيء من العقوبة ولذلك ما قال (إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) بخلاف ما حصل في نوح وابراهيم وموسى عليهم الصلاة والسلام عندما أنجاهم الله سبحانه وتعالى من العقوبة العظيمة البالغة التي حلّت بأقوامهم أو حلّت بمن كانوا يدعونهم فيقول الله عز وجل (إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) فلعل هذا هو السبب والله أعلم
د. الشهري: الأخت زهرة تسأل تقول صفة العزيز الحكيم التي يختم الله بها الآيات (إنه هو العزيز الحكيم) (عزيزاً حكيماً) هل هناك من حكمة في ترتيبها ومجيئها في خواتيم الآيات بهذه الطريقة؟ وهل هناك مصدر تحيلها عليه؟
د. الخضيري: ختام الآيات بـ(العزيز الحكيم) من أكثر الخواتيم من أسماء الله عز وجل وصفاته وذلك لأنها جامعة بين أمرين عظيمين: الأول اثبات العزة لله فالغالب أنط تجد في الآية ما يدل على مُلك الله عز وجل على أمرخ القدري أو أمره الشرعي الذي جعله سبحانه وتعالى يأمر عباده فيكون بذلك عزيزاً. وحكيم أن هذا الأمر ليس فيه شيء من السفه أو الطيش أو عدم الحكمة لأن العزة غالباً تقرن بشيء من الطيش، الله عز وجل منزّه عن هذا كله ولذلك حكيم، حكيم معناها حاكم يحكم بما يشاء قدراً وشرعاً. وحكيم بمعنى مُحكم لا يقدّر ولا يضع الشيء إلا في موضعه، من الحكمة. فتجد الآيات التي ذكر فيها العزيز الحكيم فيها ما يدل على الأمر وعلى الإنفاذ وعلى المُلك وفيها ما يدل على أن ذلك هو مقتضى الحكمة. نأخذ مثالاً (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38) المائدة) أو غفور رحيم؟
د. الشهري: لا، عزيز حكيم
د. الخضيري: لا يمكن، الأعرابي فهمها لما قرئت عليه الآية وقال القارئ (والله غفور رحيم) قال ما هذا كلام الله! كيف يقطع أيديهم ويقول غفور رحيم؟! فالأعرابي فهمها بنفسه مع أنه ما يدري ما هي الخاتمة فانتبه القارئ وأعاد الآية وقال (عزيز حكيم). عزيز أنه أمر بقطع يد السارق لأنه عزيز يأمر فيُطاع سبحانه وتعالى له المُلك التام، وهل هذه العزة هي مجرد استعلاء؟ لا، إنما مع حكمة بالغة وحكم تام حكم شرعي وحكم قدري كلاهما تامان ليس فيهما شيء من السَفَه.
د. الشهري: مرجع
د. الخضيري: هل هناك من مرجع؟ طبعاً المفسرون يذكرون شيئاً من ذلك لكن من المعاصرين هناك رسائل ماجستير ودكتوراة كتبت في حكمة التذييل بأسماء الله عز وجل، أنا لا أتذكر رسالة معينة لكن هناك أكثر من رسالة في هذا الموضوع.
د. الشهري: هناك كتاب شيخك الدكتور علي بن سليمان العبيد اسمه “ختم الآيات بأسماء الله الحسنى” مطبوع، المفروض يكون عندك نسخة منه
د. الخضيري: المفروض والله
د. الشهري: سألت زهرة تقول تريد منهجاً في التفسير هل هناك منهج أو كتاب معين؟
د. الخضيري: أنا دائماً أنصح كما كان شيخنا العلامة ابن عثيمين ينصح الطلاب فيقول: من أراد أن يقرأ في التفسير فليفهم أولاً أنت حاول أن تفهم الآيات بنفسك ثم ترجع إلى كتاب مختصر مجمل في التفسير لتنظر هل كان ما فهمته صحيحاً أو كان خاطئاً، لماذا؟ لأن هذا ينمي عندك ملكة التدبر والفهم. لأن التفسير لو تلقيته تلقياً دون أن تُعمِل عقلك ستنساه مباشرة ولذلك كثير من الناس يقول قرأت ولكني لا أذكر شيئاً. السبب أنه يتلقى المعلومة باردة جداً من دون أن يُعمِل ذهنه في الآيات ويتأمل ما فيها. أنا أنصح بهذا ثم بقرآءة كتاب مختصر في التفسير. ومن الكتب الميسرة كتاب التفسير الميسر الذي طبعه مجمع الملك فهد هذا كتاب بسيط وسهل وسمح ورائق العبارة وليس فيه تعقيدات وليس فيه شيء يُبعد الإنسان عن المعنى المقصود. يليه في ذلك وهو أوسع منه مع شيء من الفوائد وشيء من الإيمانيات والحِكَم والأحكام الفقهية الميسرة تفسير الشيخ عبد الرحمن السعدي. فإذا قرأ الإنسان في التفسير الميسر ثم في تفسير السعدي ثم انتقل بعدهما إلى تفسير ابن كثير أو أحد مختصراته وأنا أنبّه على المختصرات لأن التفسير الأصلي قد استغرق في أشياء كثيرة قد لا تهم طالب العلم لبمبتدئ هي مهمة لطالب العلم لكن ليس المبتدئ فأحد المختصرات مثال المصباح المنير للمباركفوري أو أفضل منه في نظري “اليسير في اختصار تفسير ابن كثير” الذي أشرف عليه الشيخ صالح بن حميد حفظه الله
د. الشهري: فتح الله عليك يا دكتور. الأخ عبد الله من صلالة يقول أنت ذكرت من السور التي سميت بأسماء الأنبياء أو أُسر الأنبياء آل عمران فهل منهم نبي؟
د. الخضيري: نعم، آل عمران منهم عيسى عليه الصلاة والسلام، فامرأة عمران قالت (إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35)) فأنجبت مريم عليها السلام ومريم جاءت بعيسى عليه الصلاة والسلام
د. الشهري: الأخت أم زياد من الرياض سألت سؤالاً في سورة هود (وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ (71)) المقصود بها هنا سارة زوجة ابراهيم عليه السلام.
د. الخضيري: امرأة ابراهيم عليه السلام سارة كانت قائمة في طرف المجلس أو في طرف المكان المكان فسمعت البشرى فاستغربت لما بشّرت الملائكة ابراهيم بأن الله سيرزقه باسحق ومن وراء اسحق يعقوب فضحكت تقول معقول أنا عجوز وبعلي شيخاً يولَد لنا بعد هذا السن؟! ما هو موقفي؟ كيف عجوز قاربت أن تحمل العصا أو حملته وتبدو للناس حاملاً وفي بطنها جنين فضحكت متعجبة (قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ) أتتعجبين من هذا الأمر؟ (رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ (73) هود) فكلمة ضحكت الصحيح في معناها أنها ضحكت ضحكاً المتعجب وأنه ليست كما قال بعض المفسرين ضحكت بمعنى حاضت وإن كانت في اللغة تصح الضحك بمعنى الحيض لكنه من الشاذّ النادر ونحن في التفسير نحمل الكلمة على المعنى الظاهر والمشهور والمستفيض دون القليل والنادر والشاذ
د. الشهري: وبالنسبة للكتاب التي تنصح به أم زياد أنت نصحت الأخت زهرة قبل قليل بنفس الكتاب وأظنه يكفي. عادل سأل سؤالاً (فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا (14) العنكبوت) فما الفرق بين العام والسنة؟
د. الخضيري: يقول العلماء أن السنة تأتي فيما هو سيء وشديد وفيه جدب وشدّة على الناس والعام يكون فيما هو فيه خصب ورحمة ونحو ذلك ولعل مما يؤكد على هذا ما جاء في سورة يوسف عليه الصلاة والسلام لما قال الملك (وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ (43)) لما جاء يوسف يأوّلها قال (قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ (47) ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ (48)) (ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (49)) ما قال سنة ليدل على أن العام فيه شيء من الرحمة واللين والخصب ونحو ذلك. وهنا قال (فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ) لأن هذه الألف كانت شديدة على نوح وحتى عليهم هم لأنهم ما كانوا يرغبون في نوح عليه الصلاة والسلام قال (إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا) الأعوام هذه نجا فيها نوح منهم ونجاه الله عز وجل ومن معه من المؤمنين من العذاب وأولئك قد هلكوا واستراح نوح عليه الصلاة والسلام من همهم
د. الشهري: جزاك الله خيراً يا دكتور محمد. انتهى وقت الحلقة شكر الله لك ما تفضلت به وأسأل الله أن يتقبله منك أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم. معي كتاب بعنوان الاعجاز اللغوي لقصص نوح عليه السلام للدكتور عودة القيسي كتاب رائع جداً أحضرته لأريه للإخوة المشاهدين لمن أراد أن يشتريه أو يقرأ فيه.
د. الخضيري: أنا أيضاً أشيد بكتاب راجعته في هذه السورة وفي السورة التي قبلها سورة القلم “تفسير جزء تبارك للدكتور عبد المحسن العسكر” حقيقة كتاب قيم ونفيس ويحرص على أن يستنبط الفوائد من الآيات استنباطاً دقيقاً وأيضاً في التفسير يحرص على اختيار المعاني الجيدة والبلاغية بأسلوب سهل وهو جدير بالاقتناء.
د. الشهري: شكر الله لك. باسمكم جميعاً أشكر ضيفي الشيخ الدكتور محمد بن عبد العزيز الخضيري أستاذ الدراسات القرآنية المساعد في جامعة الملك سعود وعضو الهيئة العالمية لتدبر القرآن الكريم على ما تفضل به في هذه الحلقة وفي الحلقات الماضية وأسأل الله عز وجل أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا وأن يجعله حجة لنا وزيادة في فهمنا وتدبرنا لكلام الله سبحانه وتعالى أراكم غداً إن شاء الله وأنتم على خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.