برنامج التفسير المباشر

برنامج التفسير المباشر – 57 – سورة الحجرات 3

اسلاميات

التفسير المباشر – الحلقة 57:

بسم الله الرحمن الرحيم

الجمعة 21/4/1430هـ

تفسير سورة الحجرات.

الآيات محور الحلقة : 7- 10

د. عبد الرحمن الشهري: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أيها الإخوة المشاهدون الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. حياكم الله في هذا اللقاء المتجدد بكم في برنامجكم الأسبوعي التفسير المباشر والذي يأتيكم على الهواء مباشرة من استديوهات قناة دليل الفضائية من مدينة الرياض. في الحلقة الماضية وقف بنا الحديث عند تفسسير قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6)) وفي هذا اللقاء بإذن الله تعالى سوف نواصل الحديث مع ضيوفنا الكرام حول الآيات التي تتبع هذه الآية من سورة الحجرات. وفي بداية هذا اللقاء باسمكم جميعاً أيها الأخوة المشاهدون الكرام أرحب بضيوفي في هذه الحلقة فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن سريع السريع ، أستاذ الدراسات القرآنية المشارك بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وفضيلة الشيخ الدكتور إبراهيم بن عبد الله إسماعيل السماعيل، أستاذ البلاغة القرآنية المساعد بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية .. فحياكم الله جميعاً.

الضيوف: وحياكم الله وبارك فيك.

د. عبد الرحمن: وللإخوة الراغبين في التواصل معنا في هذا اللقاء يمكنكم التواصل عن طريق الهاتف على الأرقام التي تظهر على الشاشة تباعاً:.

من داخل السعودية الرقم الموحد: 920009599

ومن خارج السعودية: 00966920009599

أو بالرسائل القصيرة على الرقم: 0532277111

ويمكن التواصل أيضاً عبر منتدى البرنامج [email protected]

وقبل أن نتحدث حول هذه الآيات أيها الأخوة نستمع لتلاوة لهذه الآيات مرتّلة ثم نعود للحديث عنها فابقوا معنا

(وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7) فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (8) وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10))

د. عبد الرحمن: أيها الأخوة المشاهدون بعد سماع هذه الآيات التي سوف نتحدث عنها في هذا اللقاء نعود إلى ضيوفي في الاستديو. كنا يا دكتور محمد في الحلقة السابقة وقف بنا الحديث عند قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6)) وتحدث الإخوة عن سبب نزولها، نريد لو تكرمت كتذكير – حتى يصل الحديث – بهذه الآية ولو باختصار ثم نبدأ في آياتنا لهذا اليوم.

د.محمد: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أشكر الله جل وعلا الذي وفقنا لهذا اللقاء الطيب المبارك أسأله جلّ وعزّ أن يجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته وأن يستعملنا في طاعته وأن يوفقنا لمرضاته. أما بعد فهذه السورة يا أبا عبد الله في الحقيقة يحق أن تسمى سورة الأداب وأنت لو نظرت في وحدتها الموضوعية لوجدت أنها كل آياتها من الممكن أن تعود إلى هذا العنوان الرئيس الذ هو الأدب. الثلث الأول من السورة كان يتحدث عن الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وخاتمته هذه الاية التي نحن فيها الآن (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ (7)) ثم الجزء الثاني سيتحدث عن الأدب فيما بين المؤمنين (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا (9)) ثم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ (11)) ثم الجزء الأخير من السورة في الأدب مع الباري جل وعلا في نسبة المنة إليه وعزو الفضل إليه جل وعلا في الإيمان والهداية لا إلى الناس. فهي في الحقيقة تعود كلها آياتها تدور حول قضية الأدب مع الخالق ومع الخلق ومع رسول البشرية صلى الله عليه وسلم. هذه الآية كما تفضلتم شيخ عبد الرحمن أيضاً هي ذات صلة بالآيات السابقة هي تحض الممؤمنين وتحذرهم وتذكرهم بهذه المنة العظيمة التي هي منة ابتعاث النبي صلى الله عليه وسلم وكونه بين أظهرهم يقول الله تبارك وتعالى (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ) هؤلاء كما استمع الأخوة في الحلقة الماضية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6)) وكيف كانت القصة حينما جاء الوليد بن عقبة بن أبي معيط بالخبر قم بعد ذلك تثبت النبي صلى الله عليه وسلم ثم بعد ذلك قال الله تبارك وتعالى بعد ذلك (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ). أولاً للمفسرين في هذه الآية قولان: القول الأول (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ) جوابه (لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ). والقول الثاني الذي عليه أكثر المفسرين أن الجملة (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ) والجواب محذوف ثم بعد ذلك جملة مستأنفة (لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ) القولان يصبان في معنى واحد ويلتقيان في أرض واحدة. معنى الآية (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ) اعلموا أيها المؤمنون أن فيكم رسول الله فعزروه ووقروه وأطيعوا أمره وامتثلوا هديه صلى الله عليه وسلم ففيه النجاة. ولاحظ معي شيخ عبد الرحمن كيف هذه الجملة المختصرة الجملة يسيرة الأحر والكلمات ما أُودع فيها من الكلمات والمعاني العظيمة! وكيف جاء التأكيد على هذا المعنى الذي أريد في هذا السياق من خلال كلمات يسيرة. الله تبارك وتعالى يقول لنا (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ) نحن نعلم أن الصحابة الذين كانوا يُخاطبون يعلمون أن فيهم رسول الله يشاهدون شخصه ماثلاً، يصلّون معه، يسافرون ويغزون ولكن المقصود ما وراء ذلك، (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ)

د. عبد الرحمن:  فاقدروا قدر هذه النعمة

د. محمد: فاقدروا قدر هذه النعمة، اغتبطوا، امتثلوا، قوموا بحقه صلى الله عليه وسلم. أين تذهب عقولكم؟َ هذا الرجل الذي هو خاتم الأنبياء وأفضل الخلق والخليقة يأتيه الوحي من السماء ثم بعد ذلك أنتم تذهلون عن هذه النعمة وربما تتهاونون في القيام بها!

د. عبد الرحمن: وأذكر يا دكتور محمد تطبيقاً لهذه الحقيقة، أبو بكر  رضي الله عنه في قصة الحديبية عندما جاءه عمر رضي الله عنه وهو يلومه كيف يُقبَل بهذه الشروط المجحفة التي يشترطها سهيل بن عمرو في الحديبية فقال له أبو بكر قال يا عمر ويحك هذا رسول الله كأنه يُذكره بهذه الحقيقة (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ) قال هذا رسول الله ولن يضيعه الله، فهذا تصديق لما تفضلت به. دكتور ابراهيم في هذه الآية كأن الدكتور محمد في قوله (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ) والمقصود بما وراءها وهذه من الأشياء التي تهمكم يأ أهل البلاغة القرآنية خاصة المعاني الدقيقة التي تشتمل عليها الاية ماذا تقول في هذه الآية؟

د. إبراهيم: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله. إكمالاً للحديث بعد حديث الدكتور محمد الآية القرآنية (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ) توقف عندها العلماء وقفات كثيرة ونحاول أن نأخذ ما يتيسر منها مما يفيدنا جميعاً نحن المتكلمون الآن والمشاهدين والمشاهدات جميعاً. قال إمام المفسرين إبن جرير رحمه الله نقلاً عن قتاده في قوله تعالى (لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ) مثل ما تفضل الدكتور قبل قليل أن الأمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكم. فكان قتادة رضي الله عنه يقول للناس من يخاطبهم هؤلاء هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذن أنتم والله أسخف رأياً وأطيش عقولاً إتّهم رجل رأيه وانتصح كتاب الله فإن كتاب الله ثقة لمن أخذ به ومن انتهى إليه وأن ما سوى كتاب الله تغرير. وكتاب الله كان يأتينا عن طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقف بعض المفسرين مثل قول الفخر الرازي رحمه الله في تفسيره الكبير، قال في الآية التي تسبقها كان يقول الله تعالى (إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ) إلى أن قال (فَتَبَيَّنُوا) بالأمر الصريح، هنا لم يقل إرجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والسياق يقتضيه تبينوا – إرجعوا إليه الآن وإنما قال فيكم رسول الله، فضرب الإمام الرازي مثالاً على هذه الآية لماذا ما قال إرجعوا رجوعاً مباشراً؟ قال مثل الشيخ إذا اختلف عنده تلاميذه ، التلاميذ يختلفون في مسألة مثلاً هذا يقول الرأي هنا وهذا يقول هنا فيأتي زائر فيقول فيكم الشيخ، الشيخ بينكم الآن، هم لا يشكّون في قدرة الشيخ على فصل المسألة وحلّ النزاع وإنما كأنهم غُيّبوا عن فكرة وجوده بينهم وإلا لو علموا أنه فيهم اكتفوا برأيه. ثم قال (فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ) انتهى الأمر. أبو حيان رحمه الله كان يقول في هذه الآية (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ) يعني سيطلعه الله على أمركم صدقاً أو كذباً ولذلك لا تخدعوه بالخبر الفاسق في الاية السابقة (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ) والأمر محسوم ومنتهي لا أحد يقول خلاف الواقع مثلاً. جاء الألوسي رحمه الله وأخذ فائدة في ذلك قال (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ) كأن الله قد أراد أن ينعى عليهم بتنزيلهم منزلة أخرى، ما هذه المنزلة؟

د. عبد الرحمن: أنهم لا يدرون.

د. إبراهيم: الله يفتح عليك. نزّلهم منزلة من لا يعلم أن رسول الله عليه الصلاة والسلام معهم أنه بين أظهرهم ولذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكم لا في غيركم فاحسبوا له حسابه واقدروا له قدره كما تفضل أخي الدكتور أبو معاذ قبل قليل. (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ) قبل أن ننتقل من هذه الآية نختم في فائدة لطيفة ذكر الزمخشري عليه رحمة الله فائدة في تقديم خبر إنّ على اسمها عندما قال (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ) ولم يقل واعلموا أن رسول الله فيكم، ما هذه اللفتة الكريمة هنا؟ قال قدم خبر إنّ على اسمها لتوبيخ بعض المؤمنين على ما استهجن الله منهم على استتباع رأي رسول الله لرأيهم المفروض رأيهم يتبع رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم أرادوا أن رأي الرسول صلى الله عليه وسلم يتبع رأيهم فقال لا، إن فيكم رسول الله، هو فيكم الآن فوجب التقديم لهذا التوبيخ وأن رأيكم يتبعه ليس رأيه صلى الله عليه وسلم تابعاً لكم، ليس العكس.

د. محمد: ومثل هذا دكتور جاء صريحاً في قول الله تعالى (لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ (164) آل عمران) وهذه آية المِنّة,. ونلاحظ أنه جاء التعبير (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ) فذكره بوصف الرسالة صلى الله عليه وسلم لبيان أن الوصف ليس لكونه محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وإنما الوصف المقتضي هو كونه رسول الله الذي جاء بالرسالة. وبعد ذلك أيضاً أضاف الرسالة إليه جل وعلا فقال (رسول الله) ولم يقل الرسول أو النبي وإنما قال رسول الله. حتى في تصدير الآية (واعلموا) في غير القرآن من الممكن أن يقال إن فيكم رسول الله ولكن كما يقول المفسرون إذا صُدِّرت الآية بقوله (واعلموا) فهذا مزيد عناية بها واهتمام بالخطاب الذي سيودع فيها.

د. عبد الرحمن: جزاكم الله خيراً, هذا المقطع الوجيز مليء بالبلاغة والمعاني التي قد لا يتنبه لها كثير ممن يقرأ هذه الآية.

د. إبراهيم: بقي كلمتان لو سمحتم لي وهو الفرق كما ذكره الزمخشري في الكشّاف بين قوله لو يطيعكم وماذا لو قال لو أطاعكم ولماذا اختار الفعل المضارع؟ قال لأن الفعل المضارع يدل على الاستمرار، في العادة تقول فلان أكرم ضيفه، أكرمه مرة واحد وانتهى الموضوع لكن عندما اقول دكتور عبد الرحمن يُكرم ضيفه معناه أنه يكرمه إلى أمد طويل. فهنا قال (لو يطيعكم) قال فيه دلالة على أنهم يريدون استمرار الإستجابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم، هم اقترحوا عليه الذهاب إلى بني المصطلق الآن وغداً سيقترحون عليه أمر ثاني وثالث وعاشر وهكذا، لو يطيعكم لاستمريتم في الطلب منه واتّباع رأيكم لرأيه لو يطيعكم.

د. عبد الرحمن: جميل. قال (لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ) نحن نريد أن تبينوا الغريب، الألفاظ الغريبة لأن كثيرون ممن يستمعون إليكم أو يشاهدونكم أحياناً قد يحول بينهم وبين فهم الآية كلها لفظة غريبة واحدة. فمثلاً (لَعَنِتُّمْ) دكتور محمد.

د. محمد: (لَعَنِتُّمْ) يعني لأصابكم العنت والمشقة والحرج من خلال استجابة الرسول صلى الله عليه وسلم لأمركم الذي قد يكون في كثير من الأحيان ليس في مصلحتكم العاجلة أو الآجلة، الله تبارك وتعالى يقول لو يطيعكم رسول الله في كثير من الأمر لعنتّم، ليس في بعض الأمر وإنما في كثير الأمر لوقعتم في العنت والحرج. ونلاحظ (لَعَنِتُّمْ) هكذا بالإطلاق العنت الدنيوي والأشد منه العنت الأخروي. النبي صلى الله عليه وسلم جاء بصلاح الدين وصلاح الدنيا ولذلك في شواهد من السيرة حين النبي صلى الله عليه وسلم نزل عند إلحاج بعض أصحابه كما في غزوة أحد عندما ألحّ عليه بعض من لم يحضر بدر في الخروج لأُحُد كانت العاقبة والدائرة عليهم. هذه الآية فيها في الحقيقة من الفوائد حتى الفوائد التربوية بصفة عامة أنه في كثير من الأحيان ليس كل ما يهواه الإنسان ويتمناه قد يكون في مصلحته وقد يكون هذا في مضرته كما جاء ذلك نصاً في القرآن الكريم (وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ (216) البقرة) وفي مقابل ذلك (وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ) الإنسان قد يحب شيئاً ويتمناه ويلهث وراءه ولكنه قد يكون فيه شرٌ له. وهذا مما يذكرنا أيضاً أن الله تبارك وتعالى إذا أحب بعض عباده كما قرر أهل العلم فإنه قد يحمي أولياءه كما يحمي المريض مما يضره من الطعام. الإنسان سبحان الله قد يلهث وراء تجارة معينة أو زوجة معينة أو مسكن معين والله تبارك تعالى يحول بينه وبين ما يلهث وراءه لأنه يعلم أن في هذا مضرة له إما في العاجل وإما في الآجل. لذلك اليقين والرضى والتوكل على الله جل وعلا من صميم الإيمان ولذلك في القرآن نحن نقول في كل صلاة (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) نستعين بك يا رب على كل شيء، شأن الدين وشأن الدنيا حتى هذه العباده نحن نستعين بك يا رب على اتقان هذه العبادة, ولذلك أيضاً نحن نستخير الله تبارك وتعالى قبل كل شيء، نطلب من الله تبارك وتعالى الذي يعلم ولا نعلم، ويقدر ولا نقدر جل وعلا لأنه إذا وثق العبد أن له رباً على كل شيء قدير وهو بكل شيء عليم وهو أرحم الراحمين فإنه بعد ذلك يرضى ويسلّم بكل ما يأتيه من الله جلّ وعلا. لك والد قد يكون يرحمك ويحبك لكنه لا يعلم ما في الغد فربما ضرّك من حيث يظن أنه ينفعك. لك مُحّب لكنه ليس على كل شيء قدير ولكنك تثق بهذا الباري الذي هو على كل شيء قدير وهو بكل شيء عليم وهو أرحم الراحمين جلّ وعلا.

د. عبد الرحمن: أيضاً يلفت نظري في هذه الآية في قوله (لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ) وهو كمال يُسر هذه الشريعة أن المشقة أحياناً تأتي إليك من رأيك أنت وليس من رأي الشرع وإلا رأي الشرع فيه اليسر والتيسير عليك ولذلك قال (لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ) بسبب آرائكم أنتم وليس بسبب الشرع نفسه. أريد أن نستمر في هذه الآية حتى لا يدركنا الوقت، في قوله (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ) عندما يأتي فيقال أن الله سبحانه وتعالى من لطفه بكم أنه حبّب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكرّه إليكم الكفر والفسوق والعصيان.، نريد أن نتوقف مع هذه الآية دكتور إبراهيم.

د. إبراهيم: إذا أذنت لي قبل أن نتكلم في هذه الآية الكريمة أحب أعقب على كلام الدكتور السيد محمد بكلام سيد قطب رحمه الله لأنه تكلم بكلام نفيس مثل كلام الدكتور قبل القليل النفيس في مسألة أنك لا تعلم ما الخيرة لك. سيد قطب رحمه الله يقول (لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ) الظاهر أنهم يقولون يا ليته يطيعنا لكنه لو أطاعكم لأصابكم العنت والمشقة، قال رحمه الله تعالى في كلام أنقله بالنص لأهميته (إن الإنسان ليعجب وهو لا يدري ما وراء خطوته وأن الإنسان ليقترح لنفسه أو لغيره وهو لا يعرف ما الخير وما الشر فيما يقترح (وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً (11) الإسراء) ولو استسلم لله ودخل في السلم كافة ورضي ما اختاره الله له واطمأن إلى أن اختيار الله له أفضل له من اختياره وأرحم له وأعود عليه بالخير لاستراح وسكن ولأمضى هذه الرحلة القصيرة على هذا الكوكب في طمأنينة ورضا ولكن هذا كذلك منّة من الله وفضل يعطيه من يشاء. حتى اختيار الله لك منّة من الله وفضل واختيار الله أن يكون قلبك هادئاً مطمئناً بما اختاره الله لك هذا فضل من الله لايؤتاه كل أحد. ولذلك المعترضون على القدر كثير والرضا بالقدر خيره وشره من أركان الإيمان. ولهذا هذه اللفتة الكريمة.

د. محمد: وهذا من معاني (اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ) التي نصّ عليها بعض المفسرين أن مثل هذه الدقائق، بعض الناس حتى من الذين وسّعوا في دائرة فهم (اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ) قالوا هو في دقائق الخلافات التي ربما في كل مرة يحتاج الإنسان إلى أن يعرف وجه الحق فيها ولكن مثل هذه القضايا القلبية والعبادات القلبية هي أهمّ بمراحل بإجماع العلماء من مسألة العبادات العملية لأن هذه منبنية على تلك، فالهداية إلى الصراط المستقيم فيها من أعظم المنن.

د. عبد الرحمن: شكر الله لكم. حتى نستمر في هذا الحوار الماتع بعد هذا الفاصل القصير. أيها الأخوة المشاهدين فاصل قصير فابقوا معنا.

——————–فاصل——————-

د. عبد الرحمن: مرحباً بكم أيها الأخوة المشاهدون الكرام مرة أخرى ولا يزال حديثنا متصلاً مع ضيوفنا الكرام في الاستديو فضيلة الدكتور محمد السريّع والدكتور إبراهيم السماعيل حول سورة الحجرات. قبل أن نسترسل في حديثنا نأخذ بعض الاتصالات.

الأخت أم عمار من السعودية: إذا قدّر الله على الإنسان مثلاً وتحول إلى التوبة لكنه يشعر أنه وحيد فهل إذا كان يبحث عن أحد يعينه على الطاعة هل هذا عدم رضا؟ وهو بأمس الحاجة أن يساعده أحد على الطاعة. السؤال الثاني كنت أتردد في قراءة القرآن الفترة الأخيرة صار عندي نفور ، كيف يصل الإنسان إلى القرآن؟ وكيف يتفاعل مع القرآن؟

الأخ عبد الرحمن من السعودية: دكتور إبراهيم التعبيرات البلاغية في القرآن تزيد من التدبر فهل هناك كتاب تنصحني به أستفيد منه في التأملات البلاغية.

الأخ أحمد من السعودية: أسأل عن الفرق بين قوله تعالى (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ) الفرق بين حبّب وزيّن؟

الأخ نايف من السعودية: سؤال للدكتور إبراهيم من الحلقة الماضية هل هناك وقفات بلاغية في الآية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6))؟

د. عبد الرحمن: نعود يا دكتور محمد للحديث عن قوله تعالى (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ) نريد أن تتكرم بالحديث حول هذا الجزء من الآية

د. محمد: بسم الله الرحمن الرحيم. بعد أن وجه الله تبارك وتعالى عباده إلى هذه المنّة العظيمة أن يغتبطوا بها ويقوموا بحقها، منّة ابتعاث الرسول صلى الله عليه وسلك وكونه فيهم قال جل في علاه (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ) وقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم كما في المسند عند النسائي في أذكار اليوم والليلة أنه كان يقول: “اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكرّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين” فهذه منة من الله جل وعلا أن يجعل الإيمان محبوباً للمؤمنين وأن يكون في قلوبهم مزيناً يرغبون فيه ويركنون إليه. هذه الآية في الحقيقة فيها فوائد كثيرة جداً. أولاً تصدير الآية بالإسم الأعظم (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ) ولم يأتي ولكن حبب الله إليكم الإيمان ومن المعلوم أن العرب إذا بدأت بشيء فإنما تعتني به ويكون من الأشياء المهمة إبرازه في الآية. ولذلك في الاية لما كان من أول الأولويات إبراز الفاعل قُدِّم على الفعل ولو كان المقصود إبراز الفعل لجاء “ولكن حبب الله إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم”. الفائدة الثانية أن الله تبارك وتعالى هو الذي امتن عليكم بهذه المنة فهو سبحانه وتعالى الذي حبب الإيمان إليكم وزينه في قلوبكم وليس هذا من عملكم ولا جهدكم وفي هذا رد على المعتزلة الذي يقولون أن العبد يستقل بخلق أفعاله فالآية تقول (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ) الكفر هو الخروج والمروق من مِلّة الإسلام والفسوق هي المعاصي الكبار والعصيان هو التمرد على طاعة الله جل وعلا فهو انتقال من الكفر إلى المعاصي صغيرها وكبيرها على وجه العموم بعد ذلك العصيان. أيضاً في هذه الآية قال جل وعلا بعد ذلك (وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7) فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (8)) فهذا محض فضل من الله ليس بجهدكم ولا جهادكم و لا استحقاق سابق منكم إنما هو محض فضل من الله ولذلك الرجل مؤمن وأبوه كافر أو الرجل كافر وأبوه مؤمن وهذا دليل على أنه فضل من اللخ جل وعلاً. بل حتى الأنبياء وحتى أولو العزم من الرسل من أصلابهم من خرج كافراً بالله تبارك وتعالى أو من آبائهم وهو كافر متمرد على الله فهو محض فضل من الله تبارك وتعالى ليس بسابق استحقاق. ثم بعد ذلك حتى لا يظن ظان أن هذا الفضل والمنّة من الله تبارك وتعالى هكذا دونما حكمة ولا مشيئة وإنما كما يقول ضُلال الجبرية إنما هي المشيئة المحضة قال تعالى في ختام الآية (فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) يعلم بمن يستحق الفضل والمنّة ومن يوليها حقها ويعلم من لا يستحقها. فهو عليم بمن يستحقون حكيم جلّ وعلا عيلم أين يضع الأمور والمنن في مواضعها عند الذين يستحقونها ويشكرونها. إذا سأل سائل في قول الله تعالى (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ) كيف يكون تحبيب الإيمان؟ تحبيب الإيمان يكون بأن الله تبارك وتعالى يوفقكم لطريق الإيمان وطريق البر والخير، يكون التحبيب بأن يضع لكنم الأمارات التي تحفزكم إليه وتشجعكم إليه، بل أعظم من ذلك كما في الصحيح عجِب ربك من قوم يقادون إلى الجنة بالسلاسل. فأحياناً قد يُبتلى الإنسان بقضايا قدرية تدفعه إلى الإيمان دفعاً ، قد يبتلى بموت قريب أو بضياع مال أم مرض يدفعه إلى ربع دفعاً.

د. عبد الرحمن: هذا من التحبيب

د. محمد: هو من التحبيب. وأوضح من ذلك حين يكرّه الكفر والفسق والعصيان للإنسان، فالإنسان قد يقبل على المعصية والفسق والعصيان ويطلبها في كل مكان فزيادة على فضل الله تعالى الذي يقذفه في قلب الإنسان وزيادة على الأمارات التي يضعها في طريقه قد تأتي بعض القضايا القدرية التي قد تبعده عن الكفر والفسوق والعصيان رغماً عنه يزهد فيها حتى لا يحبها ولا يريدها أبداً. وهذا كما قال الله (فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ). قضية أخرى يمكن الشيخ إبراهيم يتفضل بالحديث عنها وهي إذا كان الأمر فضل من الله ونعمة والإنسان ليس له فيه يد ألا يمكن أن يُطلب من الله؟ ما هي الوسائل التي يستمطر بها فضل الله تعالى ورحمته حتى يحبب إلينا الإيمان ويزينه في قلوبنا؟

د. إبراهيم: وقفات خفيفة دكتور عبد الرحمن حول الآيات نفسها. (ولكن) تكلم عنها الزمخشري، عادة الاستدراك يكون شيء ما بعده مخالفاً لما قبله، تقول حضر الطلاب لكن خالداً لم يحضر. خالد غائب إذن خالد خالف حضور السابقين. وهنا ليس هناك شيئاً مخالفاً لما بعده، قال بلى ليس هناك شيء مخالف في اللفظ ولكن في المعنى (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ) هذا دليل مغايرة الذين حبب الله إليهم على الذين كانوا يريدون أن يقصروا الرسول صلى الله عليه وسلم على رأي معين. وابن القيم  رحمة الله عليه تكلم عن هذه المسألة وقال فائدة الاستدراك بـ (ولكن) يعني – وهذا كلام قيّم لابن القيم ذكره في مدارج السالكين – قال لا تظنوا أن نفوسكم تريد لكم الرشد والصلاح كما أردتم الإيمان فلولا أني  – سبحانه وتعالى – حببته إليكم وزينته لكم وكرّهت إليكم ضده لما وقع منكم ولما سمحت به أنفسكم. وهنا يأخذنا الحديث عن جواب الأخ المتصل أحمد عن الفرق بين حبب وزيّن. أجاب عنك يا أخ أحمد الإمام الرازي قال: حبّبه أي قرّبه وأدخله في قلوبكم ثم زيّنه بحيث لا تفارقونه ولا يخرج من قلوبكم قال – سبحان الله وهذه لطيفة عجيبة- أن الذي يحب أشياءً قد يمل منها إذا حصل عنده طول مكوث منها، يمكن أن أحصل على محبوبي ولكن أملّه بعد فترة، الله وضع الإيمان وحببه إلينا حتى لا يخرج منا ولذلك قال الإيمان كل يوم يزداد ومن كان عبادته -كما قال أخي الدكتور محمد – أكثر وتحمله لمشاق التكليف أتم تكون العبادات عنده ألذ وأكمل.

د. عبد الرحمن: من هذه المعاني قول أحد التابعين يقول: كابدت الصلاة ومشقتها عشرين الصلاة ثم تلذذنا بها بقية العمر، ولعالها من هذا الباب والله أعلم.

د. إبراهيم: وأبو حيان في بحره المحيط رحمه الله يقول: إن الله حبب الإيمان بما وصف من الثناء عليه. يعني عندما أعرف أنا أن أجر الصلاة مثلاً هي جنات ونهر سأتحبب إلى الصلاة وأحبها وأتلذذ بها حتى نقارب أو نطمح أن نصل إلى منازل كان الرسول صلى الله عليه وسلم كان يشير لها بقوله “أرحنا بها يا بلال” متى؟ عندما أعلم أن الصلاة مؤنسة في القبر ونافعة لنا يوم الحشر ورافعة لنا في الدرجات يوم القيامة. بما وصف من ثوابها سنعرف أن نتحبب إليها وبما وصف من عقوبة الكفر لأن الكفر أو المعصية أو الفسوق حسب المراتب الثلاثة التي أشار لها الدكتور محمد لها لذة ولكن قد يعقب اللذة نار وخلود فيها أمد طويل مما يبغّض فيها. وابن القيم رحمه الله استلّ فائدة عجيبة في شفاء العليل عندما قال -وما زلنا في جواب الأخ أحمد- يمكن للعبد أن يزين أمراً بوصفه، ممكن العبد للعبد أنا أمدح لك هذا الكأس دكتور عبد الرحمن وأقول فيه وفيه ومواصفاته فأزينه لكن لا يمكن أن أجعل قلبك أبداً يتملك حبّ هذا الكأس، يمكن للعبد البشر أن يزيّن لكن لا يمكن أن يحبب والله – يقول ابن القيم- امتنّ بالأمرين معاً فقال (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ) وهذا محض فضل من الله وزينه لكم بحيث تتوق إليه نفوسكم. أختم بهذه الاية الكريمة التزيين والتحبيب بما ذكره سيد قطب رحمه الله ايضاً بما ذكره في ظلاله قال واختيار الله لفريق – لأن الله تعالى قال (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ) وسبق في حلقة ماضية دكتور عبد الرحمن قلت المنافقين كيف يعرفون هذا النور ولا يتبعونه سبحان الله؟! هذا محض الفضل من الله. قال سيد قطب: واختيار الله فريق من عباده ليشرح صدروهم للإيمان ويحبب قلوبهم إليه ويزينه لهم فتهفو إليه أرواحهم وتدرك ما فيه من جمال وفي هذا الاختيار فضل من الله ونعمة دونها أقل منها كل فضل وكل نعمة. قال عليه رحمة الله حتى نعمة الوجود أصلاً والحياة تبدو في حقيقتها أقل من نعمة الإيمان وأدنى. هذا استنباط رائع من سيّد رحمه الله.

د. عبد الرحمن: بقي خمس دقائق. يلفت نظري يا دكتور محمد في قوله سبحانه وتعالى في وصف هؤلاء الذين حبب إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان قال (أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ) لماذا هذا الوصف يا ترى بأنهم راشدون؟

د. محمد: كما قال بعض المفسرون هذا هو الرشد الحقيقي. إن كان ثمة رشد فهذا هو الرشد الحقيقي رشد الإيمام أن يقوم الإنسان بما خُلق من أجله. الناس في هذه الدنيا خلقوا على هذه البسيطة وسيدلفون منها ولكن منهم من سيخرج إلى جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر ومنهم من – نسال الله العافية والسلامة وإياكم – سيخرج إلى حفرة من حفر النيران. فمن يقوم بحق الله جل وعلا في هذه الدنيا هو عنده رشد حقيقي. الناس في هذه الدنيا كما جاء في الحديث فلان ما أظرفه وما أعظمه وما أذكاه وهو عند الله تعالى لا يساوي جناح بعوضة، ما في قلبه شيء من الإيمان نسأل الله العافية. فالرشد الحقيقة هو أن يقوم الإنسان بأمر الله. وقدأُوكّد هذا الوصف لهؤلاء بأكثر من مؤكد أولاًاالجملة الإسمية التي تدل على الثبوت والاستمرار. الضمير المنفصل (هم) الذي يدل على القصر، هم دون غيرهم هم الراشدون. أيضاً تعريف الراشدون لم يقل كما في غير القلا، أولئك راشدون يعني هم راشدون وغيرهم راشدون أيضاً ولكن قال الراشدون وهذا عند أهل البلاغة كأنه قصر أو حضر الرشد فيهم ادّعاءً.

د. إبراهيم: لتعريف الطرفين

د. محمد: لتعريف الطرفين حينما تقول هؤلاء المتفوقون أو تقول هؤلاء متفوقون. متفوقون يعني هناك غيرهم متفوقون لكن هؤلاء المتفوقون يعني لا غيرهم.

د. عبد الرحمن: دكتور محمد الأخت أم عمار تقول أنها قد تضعف أحياناً عن قراءة القرآن والتلذذ به في أقل من نصف دقيقة ما توجيهكم لها؟

د. محمد: يقول تعالى (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا (69) العنكبوت) الإنسان في مثل هذه الحالة يحتاج أن يتعبد بعبادتين عبادة قراءة القرآن وعبادة المجاهدة فيها والله تبارك وتعالى الذي أمرنا بذلك وعدنا بقوله (لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا) فثقي بالله جل وعلا الذي بيده مقادير الأمور ولكن أقبلي على الله ولتكن النية خالصة لأن الله تعالى قال (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا) فشرط أن تكون المجاهدة في ذات الله جل وعلا. قد يُفتح للإنسان بعد يوم، بعد يومين، بعد شهر أو بعد سنة أو بعد عشرين سنة ولكن ليعلم أنه هو مجاهد الآن وهو في الطريق إلى الله جلّ وعلا.

د. عبد الرحمن: جزاك الله خيراً. أخ عبد الرحمن يا دكتور ابراهيم يقول التأملات البلاغية يريد كتاباً تنصح به

د. إبراهيم: حتى لا أطيل على أخي نرجعه بما أننا في مجال القرآن الكريم إذا يوافقني الدكتور محمد إلى روح المعاني للألوسي وستجد في هذا الكتاب وقفات تشفيك وتغنيك إن شاء الله حول هذا البيان العظيم.

د. عبد الرحمن: إسمح لي أن أضيف كتاب الدكتور صلاح العايد الذي هو نظرات لغوية في القرآن الكريم له وقفات رائعة جداً قد تصلح لأن روح المعاني قد لا يتوفر لكل أحد لطوله. هل من إضافة دكتور؟ 

د.محمد: إذا كان من كتب التفسير فكتاب التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور أتعب من جاء بعده فهو شافي وكافي في هذا الباب. ومثلما تفضلت هناك عدد من الكتب والرسائل التي كُتبت في مواضيع معينة من القرآن. أنا إن أذنت لي شيخ عبد الرحمن بودّي أن نعود على نقطة أرى أنها من الأهمية بمكان إذا كان هذا هو فضل الله جل وعلا في تحبيب الإيمان وتزينه في القلوب فعلى الإنسان أن يتعرض لنعمة الله جل وعلا ورحمته ويستمطر فضل الله تبارك وتعالى. كثير من إخواننا يسأل فما هي الوسائل التي تعين؟ ما هي الأسباب التي بها يتعرض الإنسان لرحمة الله. أنا عندي نقطتين أو ثلاث وأترك المجال لكم.

  1. الأمر الأول هو الاستكثار من طاعة الله جل وعلا لأنه كما قال ابن عباس رضي الله عنهما: من ثواب الطاعة الطاعة بعدها. إذا الإنسان ما تقرّب كما في الحديث القدسي ” من أتاني يمشي أتيته هرولة” فإذا تقرب العبد من الله تقرب الله تعالى منه.
  2. الأمر الثاني الدعاء وأدعية النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم آت نفسي تقواها وزكّها أنت خير من زكّاها.
  3. ومن أجلّها أيضاً الإحسان لأنه إذا كان هذا إحسان من الله فأحسِن إلى الخلق حتى يُحسن الخالق إليك (هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (60) الرحمن).

د. عبد الرحمن:. شكر الله لكم يا دكتور محمد  وشكر الله لكم يا دكتور إبراهيم على ما تفضلتم به. في ختام هذا اللقاء أيها الاخوة المشاهدون الكرام نشكر الله سبحانه وتعالى الذي هيّأ هذا اللقاء وأسأل الله أن ينفعنا وإياكم بالقرآن وأن يجعلنا وإياكم من أهل القرآن وخاصته في الدنيا والآخرة. باسمكم جميعاً أيها الأخوة المشاهدون أشكر ضيوفي في هذا اللقاء أخي الشيخ الدكتور محمد بن سريع السريع ، أستاذ الدراسات القرآنية المشارك بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وأخي الشيخ الدكتور إبراهيم بن عبد الله إسماعيل السماعيل، أستاذ البلاغة القرآنية المساعد بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. ألقاكم بإذن الله على خير في الحلقات القادمة أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.