برنامج بينات قناة المجد الفضائية 5 رمضان 1430
تعرض قناة المجد الفضائية برنامج بينات يومياً في شهر رمضان الساعة 5 عصراً على القناة العلمية ويعاد فجر اليوم التالي الساعة 5.30 صباحاً بتوقيت مكة المكرمة على القناة العامة. وتقوم الأخت الفاضلة أم خالد بتلخيص الحلقات ووضعها بين أيديكم جزاها الله تعالى عنا كل خير.
(قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137) هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (138) وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141)) آل عمران
مقدمة
تحدثنا في الحلقة الماضية عن الآيات { الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)) فالله عز وجل يثني على العافين ويمتدحهم ويجعلهم من المحسنين ويعدهم بجنة عرضها السموات والأرض، غذن هناك مجال للاقتداء بالله عز وجل في هذا الأمر ولذلك قال (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152))
فكأن الله سبحانه وتعالى يقدم لهذا المبدأ وهذا الخلق الكريم بمدح هؤلاء ويقول إذا كان الرب يفعل ذلك بعباده وهي سنة من سننه فالعباد أحرى بهم أن يعفوا ويغفروا.
الأمر بالسير فى الأرض لتدبر السنن والموعظة بها
في الآية { قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137)}إشارة إلى الإعتبار بما مضى وأن لا يقطع الإنسان علاقته بالتاريخ فقد أُمرنا بالسير فى الأرض والضرب فيها لننظر ماذا فعل الله فيها . أبشروا أيها المؤمنين بأن العاقبة لكم ولا تيأسوا.
ألاحظ فى قوله تعالى { هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (138)} بأن البيان عام لكل الناس ثم { وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ} خص المتقين وهذا أسلوب يتكرر فى القرآن أن الله يخص المؤمنين أحيانا.
وقوله أن هذه “سنن” فهى السنن التى تنطبق على الناس كلهم كما ذكرنا من قبل فى سورة البقرة . فمن سننه أن يدين الكافر على الكافر والمؤمن على المؤمن والكافر على المؤمن أحيانا فهذه هى المدافعة ومن سننه تعالى أن ينصر المؤمنين.
وقد خلت من قبلكم أمم ووقع بينهم الحروب ثم كانت العاقبة لهم وفى هذا بيان للناس جميعا. ثم خص المؤمنين لأنهم هم المنتفعين بالسنن فعى الموعظة والهدى لهم.
(وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ{139}) هى عطف على ما سبق فلا تضعفوا فى المستقبل ولا تحزنوا على ما سبق. ثم العلو وهو الغلبة . وقد يكون العلو هو الغلبة ولكن فى غزوة أحد يقول لهم (وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ {139}) فما وجه العلو فيها ما دامت هناك هزيمة؟ . فهو علو من نوع آخر فهو علو المنهج وعلو الحق. فإذا جلست مع غير المسلم تجد أن عندك علو. عُلو فى الثقة وتتحدث عن حقائق هى أسطع من الشمس. وفى معركة أحد تأكيد لهذا المعنى عندما أوشكت على الإنتهاء قام أبو سفيان يقول ” أعلو هبل” ويقول النبى لأصحابه ألا تجيبون؟ قولوا ” الله أعلى وأجل”.
بعض الكتاب يريدون أن يتأول أنها غزوة النصر ولا شك أن مآلها خيرا ولكن الحقيقة أنها هزيمة. أحيانا يكون عندنا عاطفة غير الطريقة العلمية. فقد وقعت المصيبة ولا شك أن مآلها خيرا. ولو تابعنا هذا المبدأيكون القول بأن لو قتل جميع المؤمنين لكان خيرا. وهذا غير صحيح كما جاء فى سورة البروج مثلا. والآيات توضح ( إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ) فقد قتل حمزة عم النبى والرسول صلى الله عليه وسلم كسرت رباعيته. إذا العُلو يستلزم الإيمان. وكلما كان المرء متمسكا بدينه يكون علوه لا شك فيه. حتى فى بلاد الكفر فإنهم يحترمون من هو على مبادئه ويعتز بمبادئه على عكس من يستحى أن يتمسك بدينه فى تلك البلاد.
ومن المهم دراسة “السنن” فعندنا خلل فى ذلك .فمن وجه عقله ونظره فى ماجعله الله على وجه الإرض يستطيع أن يستفيد فى حياته ولكن بعض الناس لا يلقى لهذه السنن بالا. فمثلا سنة جعل النهار معاشا والليل سباتا فإذا خالفت هذه السنة إختلت الحياة. ومن السنن أن المجتمع الذى يظلم ولو كان مسلما سلط الله عليهم “العدل” ولو كان من كافرين. فلا بد من دراسة السنن. وفى الآية (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137)) نجد أن “السنن” هى طرائق لا تحابى أحدا. والآية أيضا هى الأصل فى مشروعية دراسة علم التاريخ فهو ليس مجرد رواية وسرد للأحداث بل للموعظة. صحيح أن المسلمين كان لديهم عقيدة ولكن ما ساعد على إنتصارهم هو ظلم الدول التى قبلهم مما هيأ الجو لسقوطهم.
ونلاحظ أيضا فى الآية أن كلمة “سيروا” تأتى فى معنى السفر والسياحة مثل “امشوا” فلما كان الرزق كانت الآية (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15) الملك) أما فى القوة والحق فتأتى صفة ( وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ)20 المزمل.
دروس وعبر من معركة أحد
(إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ) لماذا يمسسكم بدلا من يمسكم؟ لما أصيب المسلمون فى أحد كان الكل فى حالة من الكآبة يرثى لها. فالله هنا يخفف عنهم بأن ما حدث لكم حدث لأقوام من قبلكم. مرة تهزمون ومرة تغلبون. لو جعل النصر حليفا للمؤمنين ما كفر أحد ولو جعل النصرحليفا للكافرين ما آمن أحد. فهذه سنة المرسلين فاذا كان أشرف أهل الأرض وأصحابه حصل لهم هذا فمن المنتظر حصوله لغيرهم. وهذه أيضا عن الضرب فى الأرض نفس العملية فيها المدافعة وتلك الأيام نداولها بين الناس وهو يحدث فى الآراء والمجالات والمنابر. ويتكرر نفس المعنى فى (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) آل عمران).
غزوة أحد فيها دروس. التعبير عن المصيبة بأنها “قرح” تعبير لطيف فيه إشارة إلى ما أصيبوا به من الجروح كما أستخدمت كلمة “تألمون” لنفس المعنى (وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (104) النساء)
(وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) آل عمران) وعلم الله هنا كما فى سورة العنكبوت {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ }العنكبوت 3. فالعلم هنا ليس بعد جهل تعالى الله عن ذلك ولكن علم بظهور هذه الأشياء فالوقوع يصدق ما هو معلوم لديه فى اللوح المحفوظ.
قد يشارك الإنسان فى المعركة ولا يستشهد لأن الإستشهاد منة من الله تعالى وهذا هو الذى يتنافسون عليه. الذى يستشهد كأن الله إصطفاه وهذا المعنى ظاهر فى كثير من قصص الصحابة. فى قصة خالد بن الوليد الذى لم تهزم له راية فى الإسلام وقبل الإسلام مات على فراشه.
الفاصلة (وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) قد يقف عندها المتأمل . هل فيما سبق شىء مرتبط بالظلم يستدعى هذه الفاصلة؟ نعم. يوجد أكثر من إشارة (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ)المداولة التى حصلت هنا بسبب ظلم وقع و (وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء) قد تكون لأن إتخاذ الشهادة أو إصطفاء الله لعبده شرطه ألا يكون من الظالمين و(إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ) فالنفوس عندما تتعرض للهزيمة تتشوف تشوفا شديدا لمعركة قادمة للإنتقام وهذا ما شعر به الصحابة رضى الله عنهم حتى لما جاءت المعركة بعد أحد كانوا يتشوفون لأن يكفر عنهم ما وقع. فختم الله بها حتى لا يبالغ الذى يقول بأنه ظُلم بالإنتقام. حتى النبى صلى الله عليه وسلم وقع منه هذا لما رأى جثة حمزة فأقسم لأمثلن بسبعين .
وليمحص ويمحق معطوفة على ما قبلها. (وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141) ) المؤمنون يحدث لهم التمحيص والتطهير من ذنوبهم وتنقية قلوبهم . ويكون نصر المؤمنين محقا للكافرين . وأيضا قد يعطى الله الكافرين شىء من النصر الظاهر ليستحقوا بذلك أن تنالهم عقوبة الله استحقاقا تاما فإذا ما قتلوا المؤمنين وظلموا عباد الله ورفعوا الصليب أو الصنم . وكل هذا سبب فى محقهم. والتعبير “محص” و”محق” فيها تقارب التمحيص تنقية والمحق إبادة وإزالة تامة. الفرق بين محص ومحق تلاحظون {(يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276) البقرة}. الأزمة المالية الحالية انهيارات. وفى الأزمات نجد الخاسر والرابح ولكن هذه الأزمة كلها إنهيارات وهذا من معانى المحق.
كتب مقترحة لدراسة الغزوات
أكد المشايخ الأفاضل على أهمية أن يقرأ الدارس السيرة مع القرآن. إقرأ معركة بدر ثم إقرأ سورة الأنفال وإقرأ عن غزوة أحد ثم إقرأ هذه الآيات .
كتب فى الغزوات:
* السيرة النبوية للدكتور محمد أبو شهبه
* السيرة النبوية للأستاذ محمد الصوياني
* الغزوات لمحمد أحمد باشميل رحمه الله
* الجامعة الإسلامية -مجموعة السيرة -الغزوات
* كتاب الرحيق المختوم
* السيرة النبوية فى ضوء المصادر الأصلية دكتور مهدى رزق الله
* زاد المعاد لإبن القيم خاصة فى غزوة أحد (في الجزء الثالث) ذكر الفوائد المستنبطة من الغزوات وبخاصة غزوة أحد
* سبل الهدى والرشاد