الحلقة 19
برنامج بينات. حلقة 6 رمضان 1430
مقدمة
فائدة مرتبطة بكتاب التفسير الكبير الذى نسب للطبرانى وقد طبع حديثا .وقد رأى المحقق أن الكتاب ليس فيه شىء يمت للطبرانى .وقد وفق المحقق إلى أن كتاب تفسير الحداد اليمنى هو نفس الكتاب الذى نسب للطبرانى وقد بين ذلك. وهنا ننبه إلى قضية قد يحتاجها طلاب العلم إذ يظنون أن التحقيق هو تخريج الأحاديث أو نسبة الشواهد الشعرية للعقائدية. التحقيق هو حقيقة أول ما ينصب عليه هو هل هذا الكلام لهذا المؤلف أولا ونسبة الكلام لصاحبه بسرد أدلة على ذلك . والثانية فى القضية تحقيق أن هذا النص بالفعل كما تركه مؤلفه أى تحقيق النص . أما الزيادات مثل توثيق الأحاديث النبوية والأبيات الشعرية والآيات القرآنية وغيرها فمن فعله فقد أحسن ومن تركه فإنه قد أتى على أساس التحقيق. ونحن نحتاج إلى ضبط النص الآن أكثر من إحتياجنا لهذه الزيادات. وذلك يبين لك قيمة المحققين الكبار لا تجد فى كتاباتهم استطرادات طويلة.
الإبتلاء من الدين
قال تعالى (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142)) آل عمران. حسبتم أى ظننتم. ومع أن الجهاد هونوع من الصبر ولكن أيضابعد الجهاد هناك الصبر على المبادئ وما حصل من أذى ولذلك ميز بين الجهاد والصير. لأن بعد الجهاد ربما نحتاج إلى صبر مثل الصبر على المصيبة مثلا. وقد يكون مناسب لقصة أُحد.
إن كثيرا من الناس يريد الدين “الناعم” يريد الدين الشهى أى فيه صدقة وصيام مثلا بدون أن تكون فيه تبعات وتضحيات وبلاء وتمحيص. ونقول يا أخى لا تظن أن الدين هكذا . من ظن ذلك فقد ظن محال من الأمر.{ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)} العنكبوت . المؤمن يمُحص إيمانه ويعرف هل إيمانه صادق وهل عقيدته ثابتة أم أن الدين جاء لأنه وجد عليه أبويه. وهذا المعنى تكرر فى القرآن (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (16)التوبة.( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214) البقرة). يصل الحال بهم لإستعجال النصر ليس لأنهم لا يثقون بما عند الله ولكن من شدة البلاء الذى نزل بهم . وفى سورة يوسف (حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110) ) وهذه قضية خطيرة يجب أن نعلم أن الدين عجن فيه البلاء ستبتلى فى أهلك ومالك وعملك ووطنك .
وهذا من فوائد غزوة أحد. أتظنون أنكم إذا غزوتم إنتصرتم وكل مرة النصرمضمون؟ بل فيه خسائر وقتلى وأسرى. ولاسيماأنها جاءت وفيها إستعداد . معركة بدر لم يكن فيها استعداد ثم أصبح مطلوب منهم مقاتلة المشركين.ثم نصرهم الله. أما فى أحد فقد كانوا مستعدين ويعرفون أن هناك معركة وقريبة من المدينة وهم متحمسون ولكن هزمتهم. وبعض الناس يقول لو نُصر الناس فى أحد أيضا حتى يتمكن الإيمان ثم يبتليهم فى معركة ثالثة أو رابعة ولكن جاء الإبتلاء فى أول معركة كانوا متوقعين فيها النصر. لأنهم فى بدر نصروا (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123) آل عمران.
قضية الإبتلاء هذه يغفل عنها كثيرا ولذلك سرعان ما ننهزم نفسيا فى كثير من المواقف. بضغط من الإعلام والكفار أصبح من الناس من يظن أن الجهاد الأصل فيه الدفع فقط وليس جهاد طلب. مطلوب من المسلمين القتال لنشر الدين ويستشهدون. حتى أن من المسلمين من يعتب على المجاهدين فى فلسطين وأفغانستان والعراق ولكن من الوهم اننا وهنا والله يقول لا تهنوا وقد دب الوهن فى نفوس المسلمين وأصبح الناس يريدون الإسلام الرقيق أو فى شئ يردك عن الجهاد والتضحية. ولكن القرآن ليس كذلك. الله شرع الجهاد لتقوى قيمة الدين فى قلوبنا. فمثلا الأب يشترى السيارة بعرقه فيهتم بها أما الإبن تُشترى له السيارة بمال الأب فلا يهتم لأنها جاءت بدون تعب. الله عندما شرع هذه الأشياء تتضح قيمة الدين فأنا جاهدت وجدت ولذلك لن أفرط فيه لأنك ضحيت من أجل دينك. والناس الآن تتوقف عن الدين لأنه جاء ببساطة وما ضحى من أجل دينه وبذل من أجله النفيس والغالى. (وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (121) آل عمران) أى أن هناك تضحيات وقد لا تعود إلى أهلك. لا يوجد دين سماوى أو وضعي ولا توجد جماعة تنتمى الى فكرة معينة لا تقاتل وهذا من سنة الله فى الناس فانظر أين تكون مقتولا أو قاتلا . هل أنت فى حزب الله أم فى حزب الشيطان . هل رأينا الآن النصارى جلسوا وتركوا القتل والقتال؟ واليهود والمجوس تخلوا عن القتل؟ . هذه قضية كونية أرادها الله تعالى. ولكننا نعترف أننا خذلنا من أنفسنا قبل أن نخذل من غيرنا. نقول لمن يريدوا أن يطبعوا مع اليهود ويمدوا يد السلام إليهم هل سيقنع الهود بهذا؟ سيقاتلون أكثر ويحاولون أن يستحوذوا على أشياء أخرى الإقتصاد والسياسة وأشياء كثيرة فى العالم الإسلامى والله لو تمكنوا من ذلك لآذوا المسلمين أذى عظيما. اليهود أعقل منهم يعرفون أنهم لابد يستمرون فى القتال ويحاولون أن يحصلوا على ما يريدون. ماذا جنى الذين طبعوا ..فما جنوا أى شىء.
تمني البلاء
وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (143)) آل عمران. والتنبيه على أن محمد صلى الله عليه وسلم رسول مثل الرسل بمعنى أن السنن التى جرت على الرسل جرت على محمد صلى الله عليه وسلم. الرسل الذين حصل لهم قتال أو غيرهم مثل إبراهيم عليه الصلاة والسلام . نجد موافقات بين سيرة إبراهيم عليه الصلاة والسلام ومحمد صلى الله عليه وسلم هاجروا من بلادهم وهذا جزء من الإبتلاء. وفى النهاية من حصل له فى الدعوة الى الله إبتلاء فأنظر تجد أن هناك قدوة من الأنبياء.
بعض الصحابة الذين لم يلحقوا بركاب البدريين كانوا يتمنون أن يلقوا المشركين فى غزوة أخرى.ولم يتصوروا كيف تأتى الهزيمة والخذلان والله تعالى يقول لهم (وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (143) أى إنتبهوا مع أن المؤمن إذا لقى العدو يجب عليه أن يثبت ولكن لا يتمنى لقاء العدو . وفى الحديث :{ كتب إليه عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما فقرأته : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أيامه التي لقي فيها ، انتظر حتى مالت الشمس ، ثم قام في الناس خطيبا قال : ( أيها الناس ، لا تتمنوا لقاء العدو ، وسلوا الله العافية ، فإذا لقيتموهم فاصبروا ، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف . ثم قال : اللهم منزل الكتاب ، ومجري السحاب ، وهازم الأحزاب ، اهزمهم وانصرنا عليهم ) .الراوي: عبدالله بن أبي أوفى المحدث: البخاري – المصدر: الجامع الصحيح – الصفحة أو الرقم: 2965 خلاصة الدرجة: [صحيح]}
لا إيمان إلا ببلاء ولكن لا نتمنى البلاء وإن جاء البلاء نصبر وفى ساعات العافية نسأل العافية. إن الصحابة الذين كانوا يتمنون الموت كان من حبهم للرسول والجهاد معه والشهادة ولكن الخلل جاء من عصيان الرسول فى قضية إدارة المعركة ولكن هم ليسوا منافقين بل صادقين مخلصين.
المبدأ ليس معلقا على الرجال
َمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144)آل عمران. قصة الثبات على المبدأ. وهو ليس معلق على الرجال. المسلمين يضعفون فى مواطن كثيرة ولكنهم مثل النار التى تخمد ويعلوها الرماد ثم تظهر مرة أخرى.ومن الناس من يتعلق بالرمور وإتخاذهم أندادا ووضع التماثيل لهم أما تحن فلا نتعلق بإنسان و لا نقدمه على الحق أو أن نعلق الحق به. فإن مات أو قتل فنحن باقون على الحق. وكذلك عندما يموت الداعية فمن الناس من يمل الدين و عندما يموت عالم بعض طلبة العلم يتكلمون بأسلوب وكأنهم يقولون بعد هذا العالم انتهت الدنيا. وهذه نوع من المبالغات الزائفة وأحيانا تدخل فى باب التأبين والنعى المحرم بأنه كان يعمل كذا وكذا. فالرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة ماتوا ولم يكن مثل هذا موجودا. وأنبه على طلبة العلم أن يتأنوا وينظروا وهذا النوع من الناس لا تستعجل به بل إقتدى بالرسول.
هذه الآيات نزلت فى معركة أحد فى أول الهجرة ومرت الأيام وهذه الآية موجودة. لما مات الرسول صلى الله عليه وسلم انطلق الخبر كالصاعقة وأسقط فى أيدى الصحابة. عمر بن الخطاب لم يحتمل أن يقول أحد (مات رسول الله) وهدد أن يضربه بسيفه. لما جاء أبو بكر الصديق قالوا مات رسول الله ذهب وقبله وقال لعمر إجلس يا عمر فأبى وقال أبو بكر من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات . أبو بكر قوى وثابت حفظت عنه كثير من المواقف الفاصلة. ثم قرأ هذه الآية { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144)آل عمران}. لما سمع عمر الآية سقط وقال (كأنى ما سمعت هذه الآية). عندما نتحدث عن الآية فى المناسبة مثلا (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ) 185 آل عمران. فإن تفسرها فى حالة فرح أو فى حالة وفاة تكون أشد تأثيرا؟ . فمثلا أجمع الناس فى الحج وأفسر سور الحج. وفى رمضان تحدث عن آيات الصيام.
فى الخاتمة (انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ) نحن مرتبطون بالله لا نعبد إلا الله وما محمد إلا رسول. دائما ننظر إلى ما يريده الله. وسنة محمد قد إرتضيناها لأن الله أمر بها. (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132) آل عمران.
(انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ) فيها تصويربلاغى. كيف أن الإنسان الذى يعلق نفسه بشخص فإن مات توقف كيف ينقلب الإنسان على عقبيه أن يجعل رأسه عند عقبيه مشهد غاية فى السوء . انتبه يا مسلم الا تتوقف . ديننا ثابت حتى يوم القيامة لأننا نرى فى آخر الطريق جنة عرضها عرض السماوات والأرض وأن منهجك عالى ( وأنتم الأعلون) فصاحب المنهج العالى لا ينقلب على عقبيه.إن الحياة الحقيقية فى الثبات والبقاء على المبدأ. ما نفر أبدا وهذا كان فى الجاهلية فما بال الإسلام.
(وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ) .أولا الجزاء من الله وهذا كافى بأن يكون جزاء وافيا والثانى الشكر وهو أن تظهر عليه آثار الطاعة فى لسانه وأعماله. ما موطن الشكر هنا؟ شكروا ماذا؟ شكروا نعمة محمد صلى الله عليه وسلم والإسلام الذى جاء به ونعمة الثبات على المبدأ فمن ثبت ولم ينقص على عقبيه فهو شاكر.