الحلقة 25
12 رمضان 1430 هـ
فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160) آل عمران
{ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) } هذه الآية تخص نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم وتبين لنا تلك العناية الربانية بهذا النبي الكريم وما حباه به ربه من أدب وقد جاء في الأثر {أدبني ربي فأحسن تأديبي . الراوي: – المحدث: ابن تيمية – المصدر: مجموع الفتاوى – الصفحة أو الرقم: 18/375 خلاصة الدرجة: المعنى صحيح ، لكن لا يعرف له إسناد ثابت} وإن كان حديثا ضعيفا ولكن معناه صحيح. وهذه الآية تدل على أن الله سبحانه وتعالى قد هيأ لنبيه من الرحمة اللين والعطف على أتباعه الشىء الكثير. ونحن أتباعه بحاجة ماسة أن نقتدي به لأنها تجمع تجمع القلوب مع أننا نلاحظ بين المسلمين المشاحنات الشىء الذي لا نرضاه ولا نحبه ونسأل الله ألا يجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا.
(فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) ثلاث أوامر متتالية , اعفو وإستغفر وشاور. ثم قال{ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} .آية فيها متسع للقول الكثير وممكن نأخذ منها فوائد عبر ودروس كثيرة ومنها أهمية اللين للقادة وهذا لا يعني بأي حال من الأحوال أن يكون هناك إنفلات وجود إنفلات وفوضى بل إن جودة القيادة يكون فيها حزم ولين. ونلاحظ أن قال هنا هي رحمة من الله لك يا محمد أن جعلك لينا سمحا ومحبوبا لديهم . ثم قال عكس هذا (وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) والبعض قد يتساءل ما الفرق بين فظ و غليظ القلب؟ الفظ هو الجافي الجلفالذي تخرج فلتات لسانه وتسمى فظاظة. وأما غِلظ القلب فهي قسوته. إنسان قاسي القلب لا يرق ولا يرحم ولا يعطف ويأخذ دائما مدخل بالشدة في الأمور والعنف ويحسم الأمور حسما فيه عنف إضرار بالآخرين ولا يراقب أحوال الناس ولا يحاول جمع كلمتهم بالرحمة والمودة واللين. ولذلك قال لو كنت أنت يا محمد فظا مع أن الله جمع لك من الصفات العظيمة وأنت سيد الثقلين لوكانت فيك هذه الصفة لإنفضوا من حولك . فإن كان الرسول وهو متصف بهذه الصفة فنحن من باب أولى .ولذلك نرى كثيرين من أهل العلم يكون عندهم فظاظة وغلظة إما في السمت والشكل وإما في طريقة إدارته. أما السمت فالمفروض أن يكون طالب العلم والداعية سمحا حتى في شكله وقسمات وجهه لأن الإنطباع الأول مهم جدا لمن يريد أن يتعامل معه . وكذلك لفظه في كلامه (خذ, إفعل, لا تفعل.. ). هذه الكلمات لا ينبغي أن تكون في قاموسه بل يكون إنسانا سمحا يستخدم الكلمات التي ترقق قلوبنا . والأمر الثالث في فعله وإدارته وقيادته { ما خير النبي صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يأثم ، فإذا كان الإثم كان أبعدهما منه ، والله ما انتقم لنفسه في شيء يؤتى إليه قط ، حتى تنتهك حرمات الله ، فينتقم لله . الراوي: عائشة المحدث: البخاري – المصدر: صحيح البخاري – الصفحة أو الرقم: 6786 خلاصة الدرجة: [صحيح] }. ونلاحظ في حادثة الإفك ماذا فعل الرسول صلى الله عليه وسلم. كانت علئشة تتهم وهو لا يعرف كيف يصل إلى الحقيقة في هذه القضية ومع ذلك ما تصرف تصرفا واحدا يخالف الهَدي العام له صلى الله عليه وسلم وفي آخر المطاف بعد مرور فترة طويلة جاء إلى عائشة وقال { قال : أما بعد ، يا عائشة فإنه بلغني عنك كذا وكذا ، فإن كنت بريئة فسيبرؤك الله ، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه ، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب إلى الله تاب الله عليه} من الحديث الراوي: عائشة المحدث: البخاري – المصدر: صحيح البخاري – الصفحة أو الرقم: 4750خلاصة الدرجة: [صحيح]
هذه الآية تعتبر أصل في الَهدي النبوي في مثل هذه الأمور وأن هذا كان سمتا عاما في حياته وهو اللين وقد يقول قائل أن هذا ليس سهلا ولذلك هذا ما تدل عليه الآية بقوله (فبما رحمة) تركيب الآية فيه نوع من الغرابة وكان ممكن أن تكون فبرحمة من الله لنت لهم, فما دلالة هذه (ما)؟ دلالتها هو للتأكيد أن الرحمة التي أوتيها محمدا هي رحمة عظيمة ومؤكدة بهذا الأداء. أي إنها رحمة عظيمة من الله سبحانه وتعالى لا يستطيع أن يتصف بها كل أحد. في تاريخ الإسلام الناس الذين يوصفون بها – أي بالحلم- ليسوا كثير فيقال حليم بني فلان { إن فيك خلتين يحبهما الله الحلم والأناة . قال : يا رسول الله ! أنا أتخلق بهما أم الله جبلني عليهما ؟ قال : بل الله جبلك عليهما . قال : الحمد لله الذي جبلني على خلتين يحبهما الله ورسوله .الراوي: زارع بن عامر بن عبدالقيس العبدي المحدث: الألباني – المصدر: صحيح أبي داود – الصفحة أو الرقم: 5225 خلاصة الدرجة: صحيح} اذا وصف الإنسان بالحلم معناها أنه اتصف قبلها بالعقل والحكمة والصبر والإيمان وأنه يصبر ولا يستعجل وينتظر عواقب الأمور. والنبي صلى الله عليه وسلم كان فيه الصفة (الحلم) وصف بها أبوه إبراهيم { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (75)} هود . وإسماعيل{ فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101) } الصافات. صفة الحلم من الصفات العظيمة التي ينبغي أن يتخلق بها الإنسان.
في هذه الآية يمكن أن نجعلها نبراسا لكل قائد وكل ومسؤل وكل مربي . وهذه فكرة أريد أن أطرحها على السادة المشاهدين فكرة العناية في القرآن بما يمكن أن نسميه آيات “الباب” . المحدثون اعتنوا بأحاديث الباب والمفسرون لم يعتنوا بها ولم يكن من منهج التفسير. العز بن عبد السلام في كتابه (شجرة المعرفة والأحوال) كأني به استخدام هذا المنهج. لو نستطيع أن نخرج فهرسا بآيات الأحكام (الأحكام ليست مقصورة على الأحكام الفقهية) . فإن قصرها على الأحكام الفقهية فيه إهدار لحوالي 70% من الآيات التي يمكن أن نستنبط منها أخلاق, سياسة,وغيرها. هذه آية في الأخلاق العامة. خاصة أخلاق القادة.
والحقيقة أن أخلاق الناس متنوعة. حديث بن عبد القيس يدل على أن هناك أخلاق جِبِلية. هذا العَالِم الذي جبل على أخلاق لا نرضاها فلو لم يكن عالما لما تتغير أخلاقه هذه. ولكن هناك الأخلاق التي تؤخذ بالتكلف أي التعلم. ونحن نبحث عن هذا النوع من الأخلاق. الإنسان لو عرف في نفسه أن أخلاقه ليست جيدة لماذا لا يتكلف الخلق الحسن ؟ يتخلق. بعض الناس يعاتبك على الإبتسام ويعتبرها مخالفة لسمت العلم. من الذى وضع هذا السمت؟ يجب أن يكون عندنا المقياس وهو الرسول صلى الله عليه وسلم. وهنا نتعجب أحيانا مثلا في سلك القضاء قلما نجد قاضيا مبتسما. ونجد أن هذا صار سمتا. من أين جاء بهذا السمت؟ يدرسونه في أدب القاضي. أدب القاضي يكون على الكتاب والسنة. يجب أن نعيد جميع أخلاقنا إلى الكتاب والسنة وهدي الرسول صلى الله عليه وسلم. كان لينا سمحا. كان يجلس بين أصحابه ليس عليه شارة . من لا يعرفه لا يميزه بين أن أصحابه .يكون متكئا معهم . خاصة أن منها ما نص عليه { تبسمك في وجه أخيك لك صدقة ، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة ، وإرشادك الرجل في أرض الضلال لك صدقة ، وبصرك للرجل الردئ البصر لك صدقة ، وإماطتك الحجر والشوك والعظم عن الطريق لك صدقة ، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة . الراوي: أبو ذر الغفاري المحدث: الألباني – المصدر: صحيح الترمذي – الصفحة أو الرقم: 1956. خلاصة الدرجة: صحيح}.كيف يتعامل مع السائلين{ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (10)} الضحى
الآية تقول (لِنت) فما هي مظاهر اللين؟ هي التبسم والسماحة والعفو والكرم يأتيه الإعرابي يغلظ عليه بكلام و تصرفات ربما لا يرضاها بعض الناس. والنبي صلى الله عليه وسلم يتحملها وربما تبسم. انظر حاله مع أصحابه في أحد بعد الغزو لم يعاتبهم. بل أن من أسباب الهزيمة المشورة وأن أخذ برأيهم بعد المشورة
ثم قال فإذا عزمت { فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} من 159 آل عمران. هذه الآية تيبين أن الشورى حتى لو وقع خلاف ما تريد من المكروه فإذا اتخذت قرارا مبني على الشورى وفشلت فهذا أحسن من الرأي الصائب الذي ينفرد به الواحد. لاحظ { فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} الذين قال في حقهم ذلك هم أناس أخطؤا في حق الرسول فصارت النكبة ومنها أن قُتل حمزة عمه وحبيبه وهو صلى الله عليه وسلم كسرت رباعيته ودخلت حلقتان في وجنته وشج رأسه ويقول الله جل وعلا أعف عنهم مع هذه الحالة العصيبة. الأولى بالعفو بأن لا يبقى في قلبك شىء عليهم. وهل هذا يكفي؟ لا. هذا لا يليق بمقامك أن تعفو فقط ولكن زد على ذلكأن تطلب لهم المغفرة من الله وهذا من الإحسان . الأمر الثالث ثم عد إلى مشورتهم. هؤلاء أخطأوا لا يعني ذلك أن انتهوا ويخرجوا من المجتمع. هم أناس طيبون صالحون يستشارون فيما يعرفون وينبغي أن تبقي لهم هيبتهم وكرامتهم وتلك الخطيئة يمحوها الله.وأنتم امحوها من صدوركم واستغفروا لهم.
هذه فيها افتة في غاية الروعة . يخطئ الكثير في مجتمعنا خاصة من الشباب سواء الصالحين أو غير الصالحين. فلا يجوز أن نجعل هذه الزلات عرضا أوحاجزا بل يجب أن يندمجوا ولا يجوز لنا أن نمكن الشيطان منهم فيتخذهم أعداء للمجتمع.فإذا أخطأ الشاب أو زلت القدم وعرفناه الخطأ وإعترف به وتاب عنه, تطوى صفحته. يبدأ صفحة جديدة ولا يُذكر بالذنب .حتى بين أفراد لأسرة .ماذا قال أحد الصحابة { أتي النبي صلى الله عليه وسلم بسكران ، فأمر بضربه ، فمنا من يضربه بيده ومنا من يضربه بنعله ومنا من يضربه بثوبه ، فلما انصرف قال رجل : ما له أخزاه الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم ) . الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري – المصدر: صحيح البخاري – الصفحة أو الرقم: 6781خلاصة الدرجة: [صحيح] }نفرق بين تصحيح الخطأ وبين معالجة المخطىء وضمه .
{ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} هذا أمر للرسول وأيضا لأمته . أحيانا ينطبع في أذهاننا أن الأمر خاص بقوم معينين. ولكن عند التبصر نجدها عامة.مثلا { القضاة ثلاثة قاضيان في النار وقاض في الجنة فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق فقضى به فهو في الجنة ورجل عرف الحق فلم يقض به وجار في الحكم فهو في النار ورجل لم يعرف الحق فقضى للناس على جهل فهو للنار . الراوي: – المحدث: الطحاوي – المصدر: شرح مشكل الآثار – الصفحة أو الرقم: 9/209.خلاصة الدرجة: صحيح} هل المقصود هو القاضي في المحكمة فقط؟. بل نحن نمارس الخطأ في حياتنا ربما أكثر من القاضى. المدرسة مثلا فيها طلاب كثيرون وكل واحد يشكى صاحبه. وأولادك في البيت وزوجاتك والجماعة في المسجد والجيران وغيرهم. هذا قضاء ونحن نمارسه و يجب أن نتقي الله. وأيضل (شاورهم) يفهم بعض الناس أن المقصود هو الملك أو المسؤول. بينما هي منهج حياة في بيتك مثلا لو تعلن أن الشورى مبدأ. وفي بيتك تشاور أفراد الأسرة ولو على قدرهم بدلا من قراراتك الخاصة فنحيي الشورى في بيوتنا. سنجد هذا أثر في تربيتهم ورضاهم وشعورهم بأنهم جزء من هذا البيت . وهذه قضبة غفل الناس عنها واشتغلوا بأن الشورى عند القائد. مثلا من الآيات أو الأحكام عموما منها { إن خيركم من علم القرآن أو تعلمه .الراوي: عثمان بن عفان المحدث: أحمد شاكر – المصدر: مسند أحمد – الصفحة أو الرقم: 1/204. خلاصة الدرجة: إسناده صحيح} يتجه الذهن إلى القرآن فقط بل إنها تنطبق على جميع أنواع العلوم المرتبطة بالقرآن.
(فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ) متى تشاورنا ثم عزمنا يجب أن نجد في الأمر ولا نتردد. إذا اتخذ الأسباب التي تنضج القرار فيمضي ويتوكل على الله . إستمر لأن التردد يصيب الناس بفوضى . وهذا مبدأ في الإدارة (لا تتردد). والذي يمنع الناس من التنفيذ هو الخوف من الفشل. فقد يشاور ولكن يخشى من الفشل . انت أخذت الأسباب وشاورت وإستخرت وعزمت فتوكل على الله فالأمور كلها تقديرها بيد الله. وهذا يطمن الإنسان أنه قدم الأسباب والباقي على الله وإذا فشلت ما عندك مشكلة . هذا اسلوب صحيح في الإدارة. في هذا الموقف اتخذ النبى صلى الله عليه وسلم الأسباب وكان الأغلبية يريدون الخروج وكان لديه رأي آخر تركه. فخرج وقع ما وقع . والله لم يقل أخطأت في الشورى. بل قال شاورهم .
{ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} فلازم الخبر أن توكل عليه فقال بعدها { وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ }.
{ إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} لما ذكر قبلها { وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ (158)} كأنه أشار إلى معنى مرتبط بالقتال أشار إلى معنى في هذه الآية مرتبط بما قبلها .الآن الموقع موقع إنكسار ولكن هنا قدم النصر ثم الفشل من بعده. وهذا نوع من التعزيز لهم بعد هذا الإنكسارفالنصر من عند الله وإن ينصركم الله فلن يغلبكم أحد وهذا تحقق في بدر وهو قادر أن ينصركم في أحد كذلك ولكن فرطتم في بعض الأسباب. وهذه أشبه بأن تكون قاعدة عامة أن ينصر الله المؤمنين ولن يخذلهم أبدا. وهذا غاية التأمين. هذا التأمين الحقيقي أدخل على بركة الله وتوكل على الله هذا هو التأمين على الحياة. أنت الآن عندما تتوكل على الله, التوكل معناه إتخاذ الأسباب ثم تفويض الأمر لله سبحانه وتعالى وانظر إلى هذه الطمأنينة التي يشعر بها المؤمن وهو يتوكل { وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ} 58 الفرقان . أنت تقوم على مشروعاتك وأنت متوكل على الله, هذه الطمأنينة التي يشعر بها المتوكل يفتقر إليها الكافر والمنافق والعاصي.
كل الآيات تتحدث عن القلب والنفس والطمأنينة والإستقرار وما يشير إلى النفس مما يؤكد أهمية النفس. الآن الحضارة المادية لم تستطيع أن تصل إلى مكنون القلب حتى الدورات في تطوير الذات وغيرها تجد انها تتجه إلى تربية فضائل ولكنها فضائل مادية فلا استطاعت أن تخترق القلب . النظريات كلما تطورت تتجه إلى منهج الله. فهم الآن يقولون تبسم لتنجح في إدارتك وحياتك. ولكن نحن نقول تبسم لإبتغاء مرضاة لله . إن صاحب نظرية الإدارة بالأخلاق وكأنه جاء بشىء جديد. و هذه الآية التي تقدمت هي أصل.الغربيون اجتهدوافي التأكيد على الماديات لأن منطلقاتهم مادية ولا يرون إلا علم المادة . و الدورات ما تغير كثير عن آية أو حديث أقرؤها تغير حياتي وقناعاتي . هؤلاء ما وصلوا إلي الروح. ماذا غير الرسول صلى الله عليه وسلم في الصحابة؟ غير الروح حقيقة. ولذلك حضارة الرسول لم تبني على المادة كما كان في الأمم السابقة { تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا} من 74 الأعراف. و ماذا صنع الرسول صلى الله عليه وسلم حتى غير وجه الأرض؟ بهؤلاء الأعراب الأجلاف.راح إلى المقصود الأساسي هي الروح اشتغل عليها .{من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ، ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه .الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري – المصدر: صحيح البخاري – الصفحة أو الرقم: 2014خلاصة الدرجة: [صحيح]} {من قام رمضان ، إيمانا واحتسابا ، غفر له ما تقدم من ذنبه . الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري – المصدر: صحيح البخاري – الصفحة أو الرقم: 37خلاصة الدرجة: [صحيح]} اشتغل على القلوب فلما اشتغلت القلوب اشتغلت الأبدان.
نحن المسلمون لنا طريقة في التفكير ولنا حضارة ولنا منظومة فكرية متكاملة لابد أن نستفيد منها فأنت عندما تتأثر بآية من القرآن ولا تتأثر بنظريات وتتأثر بالحديث النبوي أكثر من النظريات فانت أقبل على هذا التراث والحضارة وتقرب إلى الله بها بتعلمها وبثها . وبحمد الله الآن أصبح المسلمون أكثر وعيا بقيمة ما بين يديهم من العلم و القرآن والسنة وأقبل الناس يتدبرونها ويعلموها وهذه نعمة من الله تعالى. ونحن نريد المزيد. نحن الآن نتحدث ساعة في آية واحدة ونشعر أننا لم نقول كل الأشياء وإذا أردنا أن نتوقف عند كل آية لكان في هذا درس كبير.
{ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ } نلاحظ أن في القرآن يأتي الأمر بالتوكل يكون بالقصر والحصر. على الله. لأن التوكل جزء من التوحيد ولذلك يجب فيه إفراد الله سبحانه وتعالى. لا توكل إلا على الله . فنجد من يقول (توكلت على الله وعليك) وهذا خطأ. تقول وكلت فلان بشىء من باب الإنابة أما التوكل فهوليس إلا لله. ولهذا جاءت الواو باسلوب القصر يدل على أن التوكل عبادة لا تصرف إلا لله تعالى. تأملوا هذه الأعمال التي طلبت من العبد وكيف جاء النظم بها تجدون الأشياء التي لا تطلب إلا من الله تأتي بهذه الصيغة بالغالب. يدل على إننا في حاجة أن نفهم تلك اللغة التي نزل بها القرآن.
بعض الناس يسألون كيف أتدبر القرآن؟ نقول أن الآيات أنواع كما أخبر ابن عباس . هناك آيات إدراكها ليس بالعسير . وهناك آيات مرتبطة بعربية القرآن, لابد من معرفة اللغة لنتدبر من خلالها. وهناك آيات صعبة الفهم لا يدركها إلا العلماء . هذه الآيات , الأقدام عليها مظنة الزلل. هذه مراتب ثلاث يجب أن ننتبه لها .المرتبة العامة {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (17) } القمر. هذه كثير من آيات القرآن على هذا المنوال. وهناك آيات مرتبطة بطريقة العرب في لفظها ونطقها واسلوبها كما ذكرنا, تحتاج إلى اللغة. مثلا هنا (وَعَلَى اللَّهِ) جاءت الواو للقصر غير أن يقول توكلوا على الله. وهذا الأسلوب ليس كل واحد يعرفه. لازم معرفة باللغة العربية ودلالاتها . وعندما نقول للناس تدبروا القرآن بتخيل أنه يمكنه تدبر القرآن كله ولكن إنتبه نحن نأمرك بالتدبر لكي لا يكون بينك وبين الله حاجرا ولكن هناك أصول
فائدة : أن الله ربط الإيمان بالتوكل {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (122) } آل عمران.كلما كان توكلك على الله أكثر زاد إيمانك وكلما زاد إيمانك زاد توكلك