برنامج بينات

برنامج بينات – آل عمران 29

اسلاميات

الحلقة 29

16 رمضان 1430

 

مقدمة عن قيمة مدارسة القرآن

 

أحب أن أقترح عليكم وأنتم تستمعون إلى هذا البرنامج أن تأخذوا العبرة من هذه المدارسة التي تكون بيننا نحن وهي أن المدارسة تثري معرفة الإنسان بالقرآن. ولا أخفيكم سراً أننا نُحَضّر أشياء قبل أن يأتي لهذه الحلقات ونقرأ من الكتب بين أيدينا ونحاول أن نجمع ما قاله العلماء لنحكيها لكم بلغة سهلة ميسرة. وإذا بدأت الحلقة ثارت أشياء وجَدّت لنا أشياء ببركة المدارسة. فالمدارسة لها فضل عظيم على الإنسان ليس فقط في فهم القرآن ولكن أيضا في استخراج وإستنباط المزيد. ونريد أن ننقل هذه الخبرة للمشاهدين. أحياناً يفتح للإنسان في حال المدارسة ما يكون مغلقاً من قبل. مثلا لما قرأنا الآية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (156) آل عمران} تبين لي مسألة كنت أبحث عنها وهي لماذا قدم ماتوا على قتلوا؟ ففتح لي في أثناء الحلقة وقد كنت أبحث عنها. كنت أشرح جزء عم في أربع شعب في الكلية مفترض أن أقول نفس الكلام. وأسأل نفسي بعد المرة الأولى ماذا سأقول في المرة الثانية؟ سأعيد نفس الكلام يا له من تعب! ولكني في المرة الثانية يفتح لي ما لم يفتح في الأولى وفي الثالثة أكثر وهكذا. قلت لو ألفت بعد أول مرة لقلت ماذا أصنع بما كتبت؟ لو صبرت حتى الرابعة أو الخامسة لكان أفضل. من معاني المدارسة في اللغة معنى أنعا تتغازر المرعفة وتزيد من كثرة المدارسة والمدارسة مأخوذة من التكرار على الشىء. ومنها درس الزرع. عندما يأتي المزارع بالثمرة ويضعها في المكان الذي تطؤه الدابة فتظل تطأه حتى يخرج الحب من السنابل. هذا يسمونه “الدرس” لأنه تكرار حتى تخرج الثمرة. فتكرار النظر والتأمل والتدبر في المدارسة تتغازر المعرفة وفي المدارسة نجد أن كل شخص ينظر من زاوية مختلفة وتتراكم المعرفة. فهي تراكمية. أنت نفسك تكرر الدرس أو العقول تنظر من زوايا مختلفة.

 

ما هي الوسائل العملية في طريقة المدارسة؟ كيف يستطيع الناس في البيت أو أي مجلس أن يصلوا إلى نتيجة؟ أي مجموعة لو قالوا نحن لسنا من أهل التخصص أو من أهل العلم الشرعي كيف لنا أن نستفيد؟ يمكن أن يقرؤا كتاباً في التفسير والمعاني العامة ثم يتأملوا الآيات وما يمكن أن يستفيدوه من استنباطات. صحيح أن له أثر في ثقافة الشخص كلما كان المعلومات عنده أكثر كان الإستنباط أغزر وأجود ولكن لا يخلو قارئ للقرآن أن تكون عنده إستنباطات بل أحيانا إذا سمعت إلى إستنباطات بعض العامّة تستغرب كيف وصلوا إليها. أذكر مثالا في الآية {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) البقرة} هم وقفوا عند “الدماء” قالوا كيف عرف الملائكة أن بني آدم لهم دم ولحم؟ ألا يدل هذا على أن كان من سبق كانت له دماء؟ . هذا السؤال لم يخرج إلا من خلال التأمل. تأملت كيف جاؤوا بالأسئلة، ناس بسطاء جدا في تخصص ليس شرعي ولكن فتح لهم هذا. فمن باب النصيحة للمسلمين لا يمنعكم مانع من التدبر ولكن لا تجعله تفسيرا تنشره بين العالمين. التدبر أمره أوسع يشمل التفسير وما قبل التفسير وما بعد التفسير، التفسير ثمرة من ثمرات التدبر ولذلك خوطب بالتدبر جميع الناس . وقد نزلت {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82)  النساء} في المنافقين ونزلت {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24) محمد} للمشركين وهذا يدل على أن الخطاب ليس للعلماء فقط ولكن لعموم الناس. من يسمع هذا الكتاب مطالب بأن يفتح قلبه لكتاب الله. وفي كل العلوم أنت مطالب أن تتأمل وتتدبر. وفكرة مجالس للتدبر والتأمل فكرة رائعة وهي سنة نبوية كان صلى الله عليه وسلم يجلس مع جبريل وأصحابه للتدبر والصحابة كانوا يعملون ذلك . كان عمر رضي الله عنه يجمع الصحابة يتناقشون في القرآن حتى يقولون {قال معاذ بن جبل : اجلس بنا نؤمن ساعة الراوي: الأسود بن هلال المحدث: ابن حجر العسقلاني – المصدر: تغليق التعليق – الصفحة أو الرقم: 2/21خلاصة الدرجة: موقوف صحيح}.

 

في المجالس أجود من أن تتحدث أنت والناس يستمعون فقط أن تشرك الناس في الحديث فإذا قالوا نريد منك كلمة إجعلها حوارا . إقرأ ىيات وعلّق عليها واطلب آراء الموجودين. في أحد المجالس خرجت مع الإخوان فقلت دعونا نتأمل في آيتين فقط نخرج منها بفوائد إن شاء الله كبيرة في قوله سبحانه وتعالى {طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى (2) طه} فقط وقلت ماذا تفهمون من “طه”؟ قال واحد هذا إسم للنبي صلى الله عليه وسلم وقال واحد منهم هذا صحيح واستشهد بأبيات من الشعر (نحن اليمانون يا طه) وآخر قال قرأتها في كتاب. قلت هل مر عليكم أنها من الحروف المقطعة التي في أوائل السورة؟ قالوا لم يمر علينا لكن هذا هو المعنى المشهور، قالوا فلماذا لا تُمد؟ قلت لأن طا وها لا تمد. وفي { مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى } سألت ما هي الفوائد ؟ قال أحدهم إنها ما جاءت لتُشقي بل جاءت لتُسعد. إذا هي سورة السعادة. وهذا إستنباط جيد وصحيح. ثم أن فيها إثبات لصفة علو الله سبحانه وتعالى أنه أنزل القرآن { أَنْزَلْنَا }. أعجب الحاضرين هذا الحوار فجعلناه دوريا. هذه فكرة رائعة لإستخراج الأفكار وتوليدها وإشراك الآخرين. مثلاً الأولاد عندك في البيت دعهم يشاركونك ولديك كتب التفسير نريد للشباب والصغار بدل أن يعرفوا فقط المجلات والألعاب . الناس اشتغلوا بالفضائيات والنت. وبدأت تتقلص قيمة الكتاب. الأسر الناجحة من أسباب نجاحها ربطها بالكتب والقراءة. الحقيقة أصبحنا أمة تلقين. نُلقن ونتلقن . نأخذ الأشياء جاهزة ولا نفكر فيها . نريد أن نحيي الفهم والنظر والتدبر في كل الأشياء وليس في القرآن وحده. يجب علينا أن نفكر في كل ما يتلى علينا وفي كل ما نسمعه وفي كل ما نقوم به. أنتم الآن تصومون لماذا نصوم؟ لماذا شرع الله الصيام؟ لماذا شرعت قراءة القيام؟ لماذا شُرع التسبيح ونحن راكعون؟ لماذا نقول مع المؤذن إذا كبّر الله أكبر وإذا قال حي على الصلاة قلنا لا حول ولا قوة إلا بالله؟ وهكذا. الله وضع هذا بطريقة عجيبة جدا موافقة للعقل ولكننا غافلون. ومن الأمثلة الناجحة أن جعلت هذه سياسة لي في جلسات لجيران المسجد مستمرة منذ 15 عاما كان المراد أن تكون درساً كالعادة واحد يلقي والباقي يستمع. ولكن لماذا لا يشارك الجميع؟ واحد يقود الجلسة لكن الجميع يشارك في أول الأمر لم يكن مستساغا والآن أصبح جزء لا يتجزأ من الجلسة. نتكلم في التفسير أو أي موضوع أو نستضيف ضيفا لابد أن الجميع يشارك أو يبدي رأيه أو يضيف ولذلك الحضور فيها لا يتخلّف لا في الإجازات ولا في الدراسة. قرأنا من خلالها كتبا كثيرة وسافرنا أسفارا من إثر هذه الجلسة.

 

معنى كلمة أصاب

{أوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (165) أل عمران } أصاب جاءت بمعنيين في هذه الاية: الأولى أصابتكم بمعنى الجراح والضر وأصبتم مثليها بمعنى نلتم أو أُعطيتم. فالإصابة الأولى فيها شيء ضار والثانية في شيء سار وكلاهما من مادة واحدة ولكن إختلف معناها في آية واحدة. الأولى معنى لازم والآخر متعدي أي أصبتم غيركم مثليها وهم المشركين. تقول سافرت فأصبت خيراً يعني نلت خيراً. فالفعل أصاب يأتي بمعنى متعدي ومعنى لازم (أصاب فلان جائزة). ومعنى آخر أصبت الصواب وأخطأت الجواب. أصبت بمعنى أردت وقصدت كما في قول الله عز وجل { فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (36) } في سورة ص. وقد تكون في سورة ص أصاب بمعنى المطر و الصيّب هو مطر لأنه يصوب من السماء إلى الأرض بقوة أي يتجه. وهذا من الفوائد أن لغة القرآن التفقه فيها من ألذ ما يكون. إبحث في المعجم عن معنى أصاب موجودة في أصل صوَب ثم كيف أستخرجها من القرآن .

 

كان المشايخ يضربون بالأمثال تقرب لنا حقائق لذة اللغة يقولون انظر مثلا إلى كلمة “جنة” جَنَّ معناها ستر جنّ الليل إذا أظلم وستر ويقول انظروا هذا الستر الموجود في مواد متعددة اشتُقت من هذه المادة الأساسية . الجنون من ستر العقل والجنين مستور بالبطن والجنة لأن أرضها قد سترت بالزرع والبستان يسمى جنة لأنه يستر من يدخل فيه والمِجَن هو الدرع والمجنّة هي المقبرة والجنّ لأنهم يستترون عن الأعين{ يَا بَنِي آَدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآَتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (27)  الأعراف} كل هذا من مادة واحدة. كنت أدرس قصار المفصل { مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6) الناس} وقال طالب { الجَنّة }! قال اللغة العربية صعبة فالجَنة والجِنة فرق كبير. قلت هذا أيضا موجود عندكم . مثلا park ما معناها “موقِف” وما معنى bark معناها “نباح” فضحك الطالب. أحدهم كان يمشي ويريد أن يسأل الشرطي عن الموقف فسأله بلفظ  bark فقال له الشرطي إنبح في أي مكان.

 

تعليق الأخطاء على الغير

{ قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} إن كل ما أصابكم يرجع إلى أنفسكم

ونفسك ذُمّ لا تذمم سواها       بشرٍّ فهي أولى من ذممت

إذا وقع أحدكم في مصيبة يبدأ يعلق أخطاؤه على الآخرين والمفترض دائما-حتى تربويا- كلما وقعت في مصيبة حاسب نفسك أنت لأنها هي الجهة التي يمكنك أن تتصرف فيها وإعتبر أن الآخرين ليس لهم علاقة بالأمر بهذا تربي نفسك. وهذا هو المقصود بالآية . الله يريد أن يربي المسلمين المؤمنين أن يراجعوا أنفسهم دائماً ويراجعوا الخلل، هذا الجيش الذي يقوده الرسول صلى الله عليه وسلم وموجود به العشرة المبشرين بالجنة ماذا تريد أشرف من هذا الجيش؟ ومعهم جبريل وعدد من الملائكة الكرام وبالرغم من ذلك وقعوا في تقصير بسيط جدا وهو أنهم اجتهدوا إجتهادا في غير مكان. فأصابتهم سماها الله مصيبة وقد سبق أن نصركم الله من قبل في بدر. بالرغم من ذلك الخلل في أنفسكم. دائما راجع نفسك وخططك سواء في أمور الدنيا وأمور الدين وفي الأمور التربوية .وما أكثر مشاكلنا في حياتنا الاجتماعية التي نحتاج أن نراجع فيها أنفسنا (قل هو من عند أنفسكم) راجع نفسك كما ذكرنا في الحلقة السابقة عن ابن سيرين الذي يراجع ذنوبه قال أنا شمت برجل قبل أربعين سنة فابتليت بهذا. وما أكثر هذا في حياتنا اليوم. أنا استفدت من هذه وأجيب بها من يسألني . كثير من النساء يشتكين من أسرهن وأزواجهن فأقول سأبدأ بك أنت وأنت معترفة  أنه توجد مشكلة ولا أعرف تفاصيلها، هل تفعلين كذا؟ هل أنت مقصرة في كذا. من خلالها أكاد أحل نصف المشكلة إن لم يكن كل المشكلة . أنا لا أملك الطرف الآخر الذي قد ينكر كل هذا الذي تقولين بيدي أن اصلح من أمامي، الطرف الذي أمامي أبدى الشكوى. أنت يا أختي افعلي كذا وكذا وستلاحظين تحسناً في النتائج. هذه قاعدة الآن في تطوير الذات يكتبون فيها الكتب. أنت المسؤول عن تصرفاتك، لا تعلق أخطاءك على الآخرين نبحث عن شماعة نعلقها عليها . يعتذر شخص عن عدم حضور صلاة الفجر فأقول نم مبكرا فيقول ميكروفون المسجد ضعيف. الشاهد هو {{ قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} } يجب أن تكون قاعدة للجميع أنت المسؤول عن تصحيح أخطائك.

 

وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ (167)

 

فهم القرآن قبل حفظه ضرورة. أول ما كنت أحفظ القرآن كنت لما جئت إلى هذه الآيات اتعب منها وكانت تعقدني أخاف أن أخطىء فيها مع أنها من أظهر الآيات إرتباطا ببعضها وأنا كنت أظن أن (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا) معنى جديد ولذلك أخاف أن أنساها. فالواحد منا يجب أن يفهم قبل أن يحفظ أو يجمع بينهما.

 

“المصيبة” هنا هي ما أصابكم يوم التقى الجمعان وهو يوم أحد. وسبق أن ذكرنا أن لفظ الجمعان في كل موطن يراد بها أناس معينون. قال { فَبِإِذْنِ اللَّهِ} ما هو الإذن؟ هذا الإذن القدري لكنه إذن يستلزم العلم أى بعلمه ومشيئته. يقول البعض كيف يأذن الله بأذية المؤمنين؟. فهذا نسميه الإذن القدري لا يلزم الرضى ولا يلزم أن الله يحبه لعباده ولكن هذا الإذن له نتيجة إيجابية وهي تكفير الذنوب. قد يقرأ بعض الطلاب أو العامة في كتاب لا يعرف معتقد مؤلفه فيقول بدل بإذن الله (بعلم الله) ولا يحس فيها مشكلة. لكن إذا تأملت تجد أن بعض المعتزلة ومن نحى نحوهم إذا جاء عند هذه الآية يقول (بعلم الله ) لأنه يرى بزعمه أن الله لا يُقَدِّر الشر. يقول كيف يقدِّر الله المصيبة؟ لانه تلازم عنده الرضا مع القدر. أي أن الله لا يقدر إلا ما يرضى عنه. وهناك أمور كونية قدرية قد قدرها الله وإن كل مآلها بالنسبة للمؤمن خير كما قال صلى الله عليه وسلم { عجبا لأمر المؤمن . إن أمره كله خير . وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن . إن أصابته سراء شكر . فكان خيرا له . وإن أصابته ضراء صبر . فكان خيرا له – الراوي: صهيب بن سنان الرومي القرشي المحدث: مسلم – المصدر: صحيح مسلم – الصفحة أو الرقم: 2999خلاصة الدرجة: صحيح} ولا يكون ذلك إلا للمؤمن. نعم هذه ضراء إصابتهم وكان بينهم محمد وإن هذا كان بقدر من الله وأنه سبحانه وتعالى أنزله عليهم وهو يعلم ذلك. والمآل هو { وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا } ولذلك قيل أن ليعلم المؤمنين واحد من المآلات في سبب تقدير هذه المصيبة.

 

{ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا } ما هذا العلم؟ هذا خطاب للناس، الله لا يستجد في علمه شىء جديد لأنه يعلم ما كان وما سيكون وما لم يكن لو كان كيف كان يكون وهذا لا يكون لأحد. معناه أن علم الإنسان يستلزم الجهل , كان جاهلا ثم تعلم . والأمر الثاني أن علم الإنسان ملحوق بالنسيان . أنت تعلم مسألة و ممكن تتفيض في مسألة ثم تنساها أو تنسى تفاصيله ولذلك يذكرون في علم الحديث {من حدّث بشيء ونسي} يرويه عمن حدثه به ويقول حدثني فلان عن نفسي أني حدثته. فهذا علم البشر مسبوق بجهل ومتبوع بنسيان أما علم الله سبحانه وتعالى فغير مسبوق بجهل ولا ملحوق بنسيان ولذلك قال { لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ }من 255 البقرة وقال { لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى } من 52 طه.

 

{ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا} ليس معناها ذلك أن إبتلاهم ليعلم ولكي يظهروا حاشاه ولكن ليبينهم ويوضحهم ويكشفهم لكم أنتم وقال المفسرون لكي يتحقق في الواقع وأيضا ليترتب عليه الثواب والعقاب لأن العلم الإلهي المجرد لا يترتب عليه الثواب والعقاب وهذا من كمال عدل الله إلا عندما يظهر ويجازيه عليه. وهذا من آثار علم الظهور، وكثيرا ما يأتي هذا الأمر { قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا (18) الأحزاب} وهذا ما وقع في بعض الفرق لما كانوا يحكمون العقل المجرد أو كانوا ينظرون إلى نوع من التماثل بين صفات الله تعالى وصفات العباد. فوقعوا في مثل هذه المشكلة . ظن بعضهم أن علم الله مثل علم الناس فوقع عنده إشكال في هذا ولهذا وصل بعضهم وهو من كبار علماء الكلام قال – في أحد مراحل حياته- قال إن الله يعلم الكليات ولا يعلم الجزئيات وهو قد رجع عن هذا الكلام وهذا يدلك على الخلل الذي يقع بسبب جعل العقل هو الحَكَم. وسبق أن قلنا أن العقل يفهم النص ويعترض عليه. إذا جاء العقل ليعترض على النص أو يتقدم عليه يحدث إشكال أما إذا جاء ليفهم النص فلا اشكال. فمن يقولون أنتم لا تحكّمون العقل والعقل ليس له مقام عندكم، هذا تَزَيُّد وهذا فهم خطأ. وقد شرحنا أن العلم علمان. علم قبل وعلم بعد. فالعلم الذي قبل لا يترتب عليه جزاء ولا عقاب لكن يترتب في علم الظهور. { وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ } ليس علم متجددا بالنسبة لله هو الله عالم به قبل أن يقع وهذا يسمى علم الظهور فقط وليس علما متجددا. قد يقول البعض أنتم الآن تثقلون علينا بهذه المعلومات ما فائدة هذا؟  نقول فائدته أن تتبع ظاهر القرآن فالأصل فيه أنه تسلم ولا يقع الإشكال إلا عندما تجعل العقل حكما على النص. وأنت لما ترى الشيء يكثر فى القرآن وروده تعلم يقيناً أنه ما دام كثر وروده فإن له هذا المعنى الظاهر لا غير. إذا تكرر مرة واحدة تقول هذا فيه مشكل وأقول أنك معذور لأنه مر مرة واحدة. لا شك أن هذه من المواطن التي يضل فيها بعض الناس ولذلك قال تعالى { فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ } من 26 البقرة. والله يبتلي من يشاء بما يشاء . وهذا مصداق للآيات الأولى في آل عمران { هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ } من 7 آل عمران ومثل هذه الآية قد تشكل على ناس وناس أخطأوا في فهمها { فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ } من 7 آل عمران

 

وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ (167)

 

تكشف هذه الآية لنا عن حقيقة في نفوس هؤلاء المنافقون وكذب يتذرعون به وهم لا يعلمون أو يظنون أن المؤمنين بُلْه لا يفهمون. لا . إذا قال لهم المؤمنون ادخلوا معنا القتال. من هم هؤلاء ؟ هم المنافقون عبد الله بن أبي ومن معه. جرى نقاش بينهم وبين المؤمنين لما أرادزا الإنسحاب في الساعة الحرجة قالوا لهم قاتلوا معنا. قالوا لن يكون هناك قتال { لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا } والله إنه أكذب من يكون في هذا، لو كان كلامكم صحيح كان يجب أن تخرجوا لتكسبوا الغنيمة والذكر الحسن وما خذلتم أهلكم وقبائلكم. أنت إذا رأيت واحد مشغول أو مسافر إعزم عليه من أجل أن تتجمل ويعدها لك حسنة. أنتم يا منافقون اعملوا بهذا .أنتم تقولون لن يكون قتال ولكن اخرجوا حتى تدفعوا عن أنفسكم الريبة. ولكنهم يعلمون أن سيكون قتال ودماء جاءوا في نفوسهم وتر. ولهذا نلاحظ { وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا } المؤمنون الذين يقولون قاتلوا أو  ادفعوا عنا حمية. نحن أولى الناس بكم ونحن من قبيلتكم { قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ } هذه نفسية المنافق، الآن تدّعي الوطنية وتنتخي بيثرب والآن يثرب تهاجم فلو كنتم صادقين كنتم جئتم . تأمل بعض المعاصرين ممن فيهم ما فيهم من الدَخَن نجده يدعي الوطنية وهو ينتخي دائما بأمريكا ويستعدي أمريكا على بلده ويقول أنه وطني، ما أدري ما هذه الوطنية!.