برنامج بينات

برنامج بينات – آل عمران 36

اسلاميات

الحلقة 36

لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (186) وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ (187)

 

مقدمة

وقفنا في الحلقة السابقة عند قوله تعالى {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (185)} الفاصلة (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) تكررت في القرآن ولكن إذا تأملنا الآية سبق أن ذكرنا أن عندنا في كتاب ربنا من الوضوح الكامل لكل ما سيمر على المسلم وغير المسلم ومنها هذه الموازنة بين الحياة الدنيا وحياة الآخرة وبعد أن ذكر ما وعد الله به المؤمنين من الجنة قال { وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} والمتاع هو ما يتمتع به الإنسان ثم ينقضي ولذلك سمي متاعاً وزاد في وصفه بأنه غرور يغتر به الإنسان إنما هو زائل. إذا تأملنا في هذه الآيات نجد أن فيها موعظة وعبرة غاية في التذكير ولكن كما قال الله سبحانه وتعالى { كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) المطففين} ماذا يمنعنا أن نتعظ من مثل هذه الآيات؟ هو الرين الذي يكون على القلب وكلما كان الإنسان من ربه أقرب كان اتعاظه أكبر وكلما كانت المعاصي كثيرة على نفسه كلما إبتعد حتى يكره الموعظة ويقع عنده إعراض يصل إلى حد الكره . لماذا تذكره بخلاف ما هو متمتع به؟ والمشكلة أيضا كأن ختام الآية يشير إلى أن كون الإنسان لا يفوز بالجنة وفي كونه لا يتعظ ولا حتى يتذكر الموت أو يتنغص بذكر الموت هو الانشغال بالدنيا ولذلك قال العلماء والحكماء “حب الدنيا رأس كل خطيئة”. كنت أظن هذه مبالغة ولكن وجدت أن الإنسان لا يعصي الله إلا عندما يحب الدنيا فيترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والأعمال الصالحة وغير ذلك كل هذا بسبب حبه للدنيا. يجب على المسلم أن يطهر قلبه من حب الدنيا وليس المطلوب هو ألا يسعى فيها وألا يطلب المال بل المقصود ألا تقع في قلبه وألا تزاحم حرصه على الحياة الآخرة ولذلك قال { وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} المتاع عندما يذكر في القرآن يراد به الشيء الذي يتمتع به ثم يزول { مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (33)  النازعات} ساوى بيننا وبين الأنعام ما يؤكل ويشرب لأنه يذهب ويزول. ولذلك وصف الكفار الذين لا يهتدون بهدى الله { وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179) الأعراف} والله سوّى بيننا وبين الأنعام في جانب الاستمتاع بالأكل وبالحياة الدنيا فنحن والأنعام فيه سواء. فينبغي على المؤمن أن ينظر للآخرة وتصبح الدنيا في يده وسيلة لتلك الغاية السامية ولا يستطيع ذلك إلا من وفقه الله لذلك. تأمل في عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان كيف كان من الأثرياء في زمانه وبالرغم من ذلك كان لا يسبقه أحد في البذل للإسلام وفي معركة تبوك جهز جيش العُسرة فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأعطى فقال ما ضرّ عثمان ما فعل بعد اليوم. جمع القرآن بين أمرين في كونهما يغران الناس هما { وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33) ( من 33 لقمان)} الغَرور وهو الشيطان. إذاً أضر شيء بالإنسان هما هذان الأمران الشيطان الذي يوسوس الذي لا يكف عن الوسوسة والحياة الدنيا التي تغر الإنسان غرورا شديدا. وقد حمعها الشاعر فقال:

إبليس والدنيا ونفسي والهوى  كيف النجاة وكلهم أعدائي

الشيطان أخذ على نفسه عهدا أن يتربص بنا ويأتينا من كل الطرق المتاحة له فلا غرابة أنه يوسوس وأنه يزين. بعد أن ذكر الموت ذكر البلاء وكأن هذا تعقيب على ما ذكرنا من قبل قصة أحد. أصبتم بالموت فكل الناس سيموتون. الموت إذا مزية إلا أن يموت الإنسان في سبيل الله لغاية عظمى وناس يموتون ميتة عادية.

 

البلاء يصيب الجميع

طيب هؤلاء ماتوا وانتهوا , الباقين صار لهم بلاء في أنفسهم وفي أموالهم أو أي الابتلاءات التي تصيب الإنسان . ولذلك عقب بذكر البلاء قال { لَتُبْلَوُنَّ } يعني لو سلمتم من البلاء في أُحد فإن البلاء ملازم لكم. فلأن تبتلوا في ذات الله خير من أن تبتلوا في غير ذلك. هل يسلم أحد من البلاء؟ الكبير أو الصغير؟ كل لا يسلم من البلاء { لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ (4) البلد} { كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35)  الأنبياء} الذي في سلامه من الإبتلاء هل يظن ألا يبتلى؟ بعض الناس لا يصاب بالأمراض بكثرة وبعضهم لا يصاب مثلا بموت أبنائه أو الفقر. هل هو بمنأى عن البلاء؟ لا بل ما هو فيه أشد مما هم فيه، فهو أيضا مبتلى. قال عبد الرحمن بن عوف ابتلينا بالضراء فصبرنا وابتلينا بالسراء فلم نصبر. فإن البلاء في السراء أيضا شديدا على النفس لأنه يحتاج إلى شكر. { لَتُبْلَوُنَّ } اللام للقسم والنون مشددة أي والله لتبلون. هذا المعنى تأكيداً لما قلنا سابقا من أن القرآن مثاني مذكور في قريب من هذه الصيغة في سورة البقرة { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) البقرة} هنا فيها تفصيل أكثر. تلك فيها تخفيف فقال “بشيء” يعني لم يتم البلاء من رحمته ألا يجمع البلاء على عبد فيبتلى في ماله ووطنه وخلافه ولكن بشيء يقلبه الله بين السراء والضراء حتى ينظر إلى عبوديته في كلتي الحالتين. وقال تعالى { إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6) الشرح} لا ينزل البلاء إلا ومعه رحمة وهذا من رحمة الله. قدم الأموال على الأنفس لأن البلاء فيها أكثر والناس أكثر تعلقا بها ويقولون المال شقيق الروح.

 

أصل في الحرب الإعلامية

{ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا } يشير إلى ما وقع من أهل الكتاب في أحد وما سيقع منهم على مدى التاريخ مع المسلمين وأنهم سيسمعون منهم أذى كثيراً. تعال نستعرض التاريخ ما قاله فنحاص اليهودي وأمثاله { لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ } هذه كانت شديدة على أبو بكر أشد من أن يضربوه وكذلك بعض الصحابة لأنه شعر بألم شديد لما سمعهم يسبوا الله تعالى, المشركون يعرفون أن بلال إذا سبوا الرسول فأنه أشد في أذيته من سبه هو نفسه فكانوا يسبون محمد ليؤذوه من شدة محبته صلى الله عليه وسلم . قالوا لأحد الصحابة عندما أمسكوه في مكة هل تود أنك في بيتك آمن سالم ومحمد مكانك؟ قال والله ما وددت أنني في بيتي وأن محمد تصيبه شوكة وهو في بيته وهذا من شدة محبته للرسول صلى الله عليه وسلم. وهذا الأذى مستمر إلى الآن , الذين أساؤا للنبي برسم الكاريكاتير يلاحظون أن المسلمين قد اشتعلوا غضبا وهذا من علامات الإيمان قد لا أتأثر إضا شتمني أحد لكن لا أتحمل أن يشتم أحد رسول الله صلى الله عليه وسلم. أبو بكر وهو أحلم الناس لم يتحمل وصفع اليهودي, نحن في أذى. هؤلاء يسبون إلى ديننا وتاريخنا والقرآن والمسلمين وهذا كله من الأذى. والله يقول { وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا } بالتأكيد والقسم (لتسمعن) إشارة إلى أنه أكثر في الأذية وإلقاء التهم والإهانات.

 

لما أكد على السماع بعد البلاء دل على أن سيكون كثيراً وأن المؤمنين ينبغي لهم أن يكونوا ثابتين ولا يتأثرون بما يسمعون من الكفار. العجيب أنه قال أذى والأذى ليس هو الشيء الذي يضر الإنسان هو يؤذيه ويقلقه ويخرجه عن وضعه الطبيعي ولكنه لا يضره أي ليس فيه قتل ولا دماء ولا أشلاء وهو كثير الآن نجد الإعلام اليهودي الذي هيمن على العالم يشتغل على هذه القضية اشتغالا كبيرا فيصفنا بأوصاف بالغة في البشاعة والقبح وكل ذلك ينبغي ألا نقابله بالبغي والعدوان والظلم والخروج المشروع والتعقل. وهذا أذى وغالباً أذى مثل هؤلاء لا يأتي إلا ردة فعل لما يراه عليك من الخير. أي هو حسد. ولذلك قدم الذين أوتوا الكتاب على المشركين مع أن المشركين أشد كفرا من الذين أوتوا الكتاب ولكن الذين أوتوا الكتاب يحسدونا على ما أوتينا فماذا يفعلوا؟ يسمعوننا أنتم تفعلون كذا ورسولكم كذا تزوج تسع نساء وأشياء من هذا القبيل التي يريدون منها أن يستنقصوا من قدر رسول الله صلى الله عليه وسلم. إذا نظرنا من ناحية شعبية مستوى الأفلام فهي كثيرة الإساءة للإسلام يلتقطون ما يظنونه عيوبا في تاريخنا الإسلامي فيبرزونه. وعلى المستوى العلمي نجد دراسات كثيرة لكثير من المستشرقين والملحدين والمرتدين أيضا على نفس الوتر ويدعون الحيادية ولا منهج علمي فيطعنون في المسلمين وفي الصحابة في أمهات المؤمنين وفي قواد المسلمين وفي عدالة الصحابة. كل هذا داخل تحت هذا الأذى. ما الحل؟ { وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا } وهذه تكررت كثيرا في هذه السورة. في مجال المعركة قال { وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120)  آل عمران} وهنا أيضا { وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا } وهو مجال معركة أيضا . وقال ذلك من عزم الأمور يعني من الأمور التي يعزم عليها. من الأمور الشاقة التي لا يطيقها كل واحد ولذلك تحتاج هذه المعارك فعلا إلى حسن إدارة وسياسة وألا يستفزنا عدونا فيها. وهذا الآن الذي وقع فيه بعض الشباب هداهم الله لما سمعوا الإعلام الغربي يسب ويشتم ذهبوا يتصرفون تصرفات ليست من الصبر والتقوى في شيء. ما ذنب هذا النصراني المسكين الذي يعيش في البلد الفلاني أن يحرق بيته أو تكسر سيارته لأن الإعلام اليهودي يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!. أنا أذهب إلى الذي آذى فأناظره وألجمه الحجة أما هذا المسكين فليس له من أمره شيء. وهذا من الحكمة حسن إدارة المعركة. الآن هم يريدون أن يستفزونك حتى يزيدوا في الأذى حتى يقولوا للعالم كله انظروا تصرفات المسلمين!. هل هذه تصرفات تليق بمن يدعون أن عندهم رسالة للناس كافة! فيجب أن تقطع عليهم الطريق لذلك نحن الآن الحمد لله كثير من المسلمين أحسنوا استثمار هذه الفرص. لما سبوا الرسول صلى الله عليه وسلم بادرت كثير من الهيئات لإنشاء المنظمات للتعريف بالرسول صلى الله عليه وسلم تعالوا نعرفكم، هم شرذمة قليلة تشيع هذا ولكن تعال للملايين التي لا تعرف شيئا تعالوا نعرفكم بهذا الشخص وحقيقته وقد دخل الناس في دين الله أفواجا وكانت خيرا. وهذا من حزم الأمور وحسن إدارتها استثمرناها. وجهات أخرى طبعوا المصاحف وترجموها وبذلوها للناس. إن حب الفضول دفع كثير من الناس الذين لا يسألون عن محمد عليه الصلاة والسلام وعن الإسلام أن يقولوا من هذا الرسول؟ وما هو الإسلام؟ نقرأ . فعرفوا أن الحقيقة غير ما يروج له هؤلاء الكذبة. ولذلك { وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا } هذه أصل في الحرب الإعلامية. هذه الآية أصل في الجهاد الإعلامي ينبغي للمسلم أن يستحضرها . اليهود لما تسلموا الإعلام وأمسكوا بزمامه سلطوا الحرب على المسلمين . ماذا جنى العالم من ذلك؟ صار العالم لا يعرفون شيئا عن الإسلام إلا الإرهاب . تسأل بعض الغربيين ماذا تعرف عن المسلمين يقول العبارات التي يبرزونها وهي ليست مشرفة وهذا خطير وهذا لا يستغرب. عندما يأتي عدوك ليدير الحرب بشكل إحترافي أنا أحترمه ولكني ألوم نفسي بأني لا أقابله بمثل طريقته.

 

الإعلام الهادف الإسلامي الآن ما أحوجه للتقويم وإلى أن يكون صاحب رسالة وعندنا القدرة . هل نحن فقراء؟وعندنا نقص في الكفاءات؟. أبدا عندنا رسالة سامية ونحن أولى أن نكون عالمين في إعلامنا. اليهود ليسوا أصحاب رسالة ولا تراث ولا تاريخ تاريخهم غير مشرف وحضارتهم غير مشرفة ليس لها بعد. ولكن بالرغم من هذا أنظر ماذا فعلوا . ونحن أصحاب رسالة سامية ومبادئ وقيادات وتاريخ مشرف تخاذلنا ولا نبرز هذا التراث والحضارة في وسائل إعلامنا وإنما ما نراه غير مشرّف ولا يكون هذا إعلام دولة إسلامية أو غير إسلامية بما فيها من انحراف ولكن بدأت الحمد لله وسائل الإعلام الهادفة في الدول الإسلامية والعالم العربي الآن في التنافس ونحن في طريقنا إن شاء الله لاسترداده. ماذا يصنع الإعلام؟ في إفريقيا الناس يستجيبون للدين بطريقة سهلة فسأل أحدهم ما السبب؟ وفي فرنسا يجلس الداعية عشر سنوات ولم يسلم على يدة أحد وهو داعية وعنده لغة وغيرها. السر يرجع إلى أمرين. أولا الدعاية الإعلامية المغرضة ضد المسلمين فتجد هناك مناعة قوية ضد المسلمين فلا يمكن أن يدخل في الإسلام يقول حتى لو صدقت فكل الناس ضده. والثانية الحسد. لما يقول هؤلاء العرب الذين هذه صورتهم, أيأتون بخير؟ لا والله ما أتبعهم. يمكن يأتي خير منهم وأكون في يوم تابعا لهم؟ لا والله. فيمنعه الحسد من قبول الحق وإتباعه. وقد قالها كثير منهم نحن نعلم أن هذا هو الحق ولكن لا نستطيع أن نسلم. لماذا؟ إنه يرى أن فيه غضاضة عليه. هذا الكبر والحسد مآله عند الله سبحانه وتعالى { وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ  (109) البقرة} . هذه آية واضحة وصريحة ممن يعلم السر وأخفى.

 

{ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ } الأمور التي يعزم عليها وينبغي أن يتهيأ لها الإنسان لأنها شديدة وتحتاج إلى قوة وبأس وجد وصبر ومصابرة ومرابطة كما قال لقمان لإبنه وهو يعظه { يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17)  لقمان} هذا من الأمور الصعبة والشاقة على النفس تحتاج أن يصبر عليها. كذلك هنا. الصبر على الإبتلاء ليس سهلا ولذلك المثابرة في رد المكايد يحتاج منك إلى جد وإلى مصابرة. وهذا ما ختمت به هذه السورة .

 

انتقال الحديث إلى اليهود أليس فيه غرابة؟ السورة تحدثت عن معركة أُحد أخرجت المنافقين. والمنافقين في الحقيقة مرجعهم اليهود وقد ذكرنا هذا من قبل. بدأ الحديث في السورة عن النصارى ثم أحد ثم اليهود. والتاريخ يؤكد أن اليهود كانوا مرجعية للعرب حتى المشركين حتى الرسول صلى الله عليه وسلم لما أُرسل واحتارت قريش كيف ترد عليه أو تثبت كذبه ذهبوا إلى اليهود لأنهم هم المستشارين ليعطوهم مسائل تثبت أنه كذاب لأنهم أهل كتاب . فالله سبحانه وتعالى نقل الحديث من المنافقين العملاء إلى أسيادهم القادة وهم اليهود. وهم بالفعل مرجع لهم من أول التاريخ واليوم.

 

كتمان العلم

{ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ } ليبينوا هذا الميثاق أي الكتاب للناس. والثمن القليل هو متاع الدنيا القليل والغرور الذي تكلم الله تعالى عنه. هذه الآية لو تأملتها انظر إلى من آمن من أهل الكتاب خاصة إذا كان من علمائهم ورهبانهم وأحبارهم تجد مصداق هذه الآية أهم ميثاق أخذ على هؤلاء أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم لأنه هو خاتم الأنبياء وتصديق الرسالة. إن تصديقهم به دليل على انتهاء العهد الذي كان لأهل الكتاب وإبتداء العهد التالي وهو للعرب. وهذا هو أكبر ما جادل فيه اليهود حتى اليوم وحاولوا إخفاءه. حتى أن بعضهم لما قامت عليه الحجة وأراد أن يفر قال نعم هو نبي ولكن هو للعرب. إذا كان نبياً فقد قال أنه رسول للناس جميعا فيجب أن تصدقه. فانقلبت عليه من حيث لا يشعر.وهذه قالها بعض نصارى العرب. التأكيد على أخذ الميثاق على أهل الكتاب عليه كثير من البحوث .أولا ورد في سورة البقرة فكان هذا من باب المثاني تثنية الشيء. وتعرفون الزهراوين كأنهما سورتان متكاملتان يصبان في نهر واحد. هناك أخذ الميثاق وذكر الله النهي عن كتمان شيء ما أوحي من الكتاب حتى في أول البقرة يقول تعالى { يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40)  وَآَمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41) وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42) البقرة} وهنا في آخر آل عمران { وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ }

 

هل هذا خطاب لأهل الكتاب فقط؟ هنا يأتي القياس. نقول هذا الخطاب ابتداء لأهل الكتاب ثم هو كذلك لكل من كان عنده علم يحتاج إليه الناس ولا يوجد عند غيره فإنه يدخل في هذه الآية. لماذا؟ لأنه أحيانا يتدارأ الفقهاء الفُتيا فلا تُنزّل هذه الآية عليهم مثل ما حدث عن بعض الصحابة وبعض التابعين أنهم كانوا يدعون الفتيا كلما جاء أحد يسأل قالوا إسأل فلاناً، من ورائهم . هذا لا يدخل في هذا الباب. بعض المفتين لمايسألك تقول له إسأل فلان فهو أعلم مني فيقول أنت تعرفه تقول نعم أنا أعرفه ولكن أحسن لك اسأل فلان أعلم مني. يقول { وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ } يا شيخ لماذا تكتم العلم؟ . أقول هنا انتبه إذا كان كاتم العلم في هذه اللحظة يؤثر في أمر جلل فيدخل في هذه الآية أما إذا كان لتدارؤ الفتيا لا تدخل في هذا الباب بل يمدح على ذلك كما كان الصحابة والتابعين يفعلون ذلك .

 

ومن فوائد الآية أن ينبغي بيان الحق للناس جميعا ولم يخص فئة معينة. وهذه مشكلة أهل الكتاب اليهود والنصارى أن عندهم خصوصية في علم الكتاب. مرت مرحلة كبيرة في التاريخ كان العلم مقصورا على الرهبان والأحبار. وعموم الناس لا يستطيعون أن يفهمون شيئا من الكتاب المقدس إلا بواسطة الرهبان والأحبار . الآن انفتح الباب وأصبح الكل يتحدث في الكتاب المقدس وينقدونه ويكذبونه ويردون ما فيه بالأدلة وما زال الرهبان في صوامعهم يظنون أنهم مازالوا يحتكرون الدين. عندنا الدين لكل أحد ولابد ومن حق كل مسلم أن يعرف ويتأمل حتى قال عمر بن عبد العزيز لا يهلك العلم حتى يكون سرا، هذه إشارة إلى هذا المعنى. قال سبحانه وتعالى هنا { لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ } هذه كانت تكفي ولكن قال { وَلَا تَكْتُمُونَهُ } للإشارة إلى أن الكتمان ذنب لأن البعض قد يقول غيري سيبينه ولكن الله سبحانه وتعالى قال لا تكتمونه . امتناعكم عن البيان هو كتمان. الأمر الثالث { فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ } الله قد أخذ ميثاق علماء الكتاب أن يبينوا الحق ويظهروه للناس ولا يكتمونه فماذا كان تصرفهم؟ ما قال فكتموه ولكن لجحودهم به واستهزائهم به وحدهم قال { فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا } قال “نبذوه” وهذا يقال للشيء الذي لا يبالى به . واشتروا به ثمنا قليلا أي باعوه بالدنيا.

 

أهل الكتاب لم يقدروا الله ولم يقدروا الأنبياء ولم يصدقوا موسى الذي جاءهم بالتوراة بل كذبوه وردوا عليه ما جاء به ونبذوه وراء ظهورهم من أجل الدنيا وحسداً للرسول صلى الله عليه وسلم. هذه الآية أخافت كثير من العلماء و أطارت النوم من عيونهم وعرضتهم للمهالك فكان كثير منهم تعرض لمقابلة الطغاة والصدع بالحق لأن الله أخذ الميثاق على أهل الكتاب. كم هم الذين حاولوا أن يثنوا الإمام أحمد عن أن يجهر بكلمة الحق في قضية خلق القرآن ولكن عندما يقرأ هذه الآية يسكت الناس. ماذا أصنع بهذه الآية وقد أخذ الله علي الميثاق؟. يعني نحن أخذ علينا الميثاق. نسأل الله أن يعيننا على أن نقوم بحق هذا الكتاب وأن نبينه للناس ولا نكتم شيئا منه ولا نشتري به ثمنا قليلا. أسأل الله لي ولكم ذلك.