برنامج بينات

برنامج بينات – آل عمران 8

اسلاميات

الحلقة 8

(قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﴿٦٤﴾ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴿٦٥﴾ هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴿٦٦﴾ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴿٦٧﴾ إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ ﴿٦٨﴾ وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ﴿٦٩﴾ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ ﴿٧٠﴾ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴿٧١﴾ وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴿٧٣﴾ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴿٧٤﴾ وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴿٧٥﴾)

د. محمد: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. ما زلنا أحبائي الكرام نتفيأ ظلال سورة آل عمران وقد وصلنا فيها إلى قول الله سبحانه وتعالى (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﴿٦٤﴾) هذه الآية أيها الأحبة واسطة العقد في نقاش هؤلاء النصارى الذين جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يجادلونه في دينه وما يدعو إليه من التوحيد. ولذلك جاءت هذه الآية لتقرر هذه العقيدة العظيمة عقيدة التوحيد بكل يسر ووضوح وسهولة يفهمها كل أحد العاميّ والعالِم والأعرابي والجاهل والذكر والأنثى وكل إنسان على مختلف مستويات إدراكهم وفهمهم وعقولهم بهذا الوضوح العظيم (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا) وتأملوا معي أحبتي الكرام كيف أنها افتتحت بقوله (قُل) للإهتمام بها والعناية بأمرها وأنا أقول هذه الكلمة تأتي غالباً مع الآيات التي يراد تأكيدها والعناية بها وبمضمونها (قل هو الله أحد) (قل أعوذ برب الفلق) (قل أعوذ برب الناس) (قل يا ايها الكافرون) هنا (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا) بكل رفق ولين (إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا) فالدعوة التي ندعوكم إليها والتي اختلفنا حولها هي في أعظم قضية وفي الوقت ذاته في أوضح أمر وهي عبادة الله وحده وألا يُشرك معه أحدٌ سواه. (أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا) كلمة (شيئاً) نكرة بسياق النفي، لا نشرك شيئاً أي شيء قال الله عز وجل (وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا) أي فإن تتولوا وتعرضوا وتدبروا ولا تقبلوا منا ذلك (فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) هذه هي البداية لبرنامجنا وحلقتنا في هذا اليوم الذي نسال الله سبحانه وتعالى أن يجعله مباركاً علينا وعليكم ونبقى مع الشيخين الفاضلين الكريمين الشيخ الدكتور مساعد الطيار والشيخ الدكتور عبد الرحمن الشهري ولعلنا نبدأ بالشيخ الدكتور عبد الرحمن ليفيدنا بما أعطاه الله سبحانه وتعالى.

د. عبد الرحمن: بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله. إشارة إلى ما تفضلت به يا دكتور محمد (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ) لفت نظري لا أدري إن كان يشاركني الدكتور مساعد في هذه اللفتة أن هناك تأدب في هذا الخطاب مع المخالفين في النداء لهم بـ (يا أهل الكتاب) هناك أدب واضح في التأدب والتلطف بالمخالفين في النداء لهم بوصف يحبونه لأن أهل الكتاب يحبون هذا الوصف عندما تقول لهم يا أهل الكتاب فكأنك تكرّمهم بهذا.

د. محمد: وخصوصاً في وقت الجدال حتى يقبل منك حدتك وبيانك أُدعه بأحب الأسماء إليه لكن لو قلت له يا مشرك، أو يا أيها اليهودي أو يا غبي لا شك أنه سيقفل عقله أمام كلامك.

د. عبد الرحمن: مهما كانت حجتك قوية. نتوقف مع قوله تعالى في الآية التي تلي الآية التي تفضلت بالحديث عنها يا دكتور محمد وهي قوله (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَآجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنزِلَتِ التَّورَاةُ وَالإنجِيلُ إِلاَّ مِن بَعْدِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ (65) هَاأَنتُمْ هَؤُلاء حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ (66)) المفسرون يقولون أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام قد سبق موسى عليه السلام وسبق عيسى عليه السلام

د. محمد: هذا بإجماع المؤرخين

د. عبد الرحمن: بإجماع المؤرخين وحتى هم يعرفون هذا. اليهود يقولون إن إبراهيم كان يهودياً

د. محمد: كيف يكون يهودياً وهو سابق على اليهود كلهم؟

د. عبد الرحمن: والنصارى يقولون إن إبراهيم كان نصرانياً. فالمفسرون يقولون الله سبحانه وتعالى يلوم اليهود والنصارى الذين ينسبون إبراهيم إليهم أنه ما كان يهويداً ولا نصرانياً لأن اليهودية والنصرانية ما كانت إلا من بعده. فكأنه يُفهم من كلام بعض المفسرين أن موسى كان يهودياً وأن عيسى كان نصرانياً لأن التوراة والإنجيل نزلت في زمن كل واحد منهما وهذا فهم غير صحيح. فموسى عليه السلام ما كان يهودياً وإنما كان مسلماً وعيسى عليه السلام ما كان نصرانياً وإنما كان مسلماً. والنصرانية المحرّفة التي نشأت بعد عيسى عليه الصلاة والسلام ليس عيسى عليه الصلاة والسلام لا ينتسب إليها. وكل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كلهم يدعون إلى الإسلام وإلى الحنيفية. فالعتاب هنا للنصارى واليهود هو أنهم كانوا يزعمون أن إبراهيم لم يكن موحِّداً وإنما على الديانة المحرّفة التي يدينون هم بها. وليس المقصود من أنه تأت بعده أنها أتت التوراة والإنجيل بعده أنها مسألة زمنية فقط، لا، الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من لدن آدم، نوح، إدريس، صالح كلهم يدعون إلى ما يدعو إليه موسى وعيسى وإبراهيم ومحمد. وكل نبي يأتي فيقول (مصدقاً لما بين يدي) من أصول الاعتقاد ولذلك أنا أريد أن أنبه إلى أن اللوم الذي ينصب على النصارى في هذه الآيات هو أنهم يعلمون أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام كان موحِّداً يدعو إلى الحنيفية ولكنهم يخالفون ما يعلمون ويزعمون أنه كان يهودياً وأنه كان نصرانياً. يستفاد من هذه الآية فائدة في المناظرة أن الإنسان لا يُحاسَب على أشياء جاءت بعده حتى في المسائل العلمية. الآن عندما تتحدث عن النسخ مثلاً، النسخ عند السلف عند الصحابة والتابعين له معنى أوسع من المعنى الذي عند المتأخرين. فمثلاً في قوله تعالى (وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224) الشعراء) قال ابن عباس هذه منسوخة بقوله (إلا الذين آمنوا) هذا الاستثناء كان يسميه السلف نسخاً ولكن يأتي أحدهم فيقول لقد أخطأ إبن عباس رضي الله عنه.

د. محمد: حاسبه على مصطلح جاء بعده.

د. عبد الرحمن: نعم لأن النسخ عند المتأخرين هو رفع الحكم المتقدِّم بحكم متأخر متراخٍ عنه. هذا هو المعنى الاصطلاحي للنسخ عند المتأخرين لكن المتقدمين لهم معنى أوسع يُدخلون في النسخ الاستثناء والتخصيص والتقييد فمن الخطأ أن تحاسبه على مصطلح نشأ بعده بدليل أيضاً قوله (وَمَا أُنزِلَتِ التَّورَاةُ وَالإنجِيلُ إِلاَّ مِن بَعْدِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ) دلّ على أن هذا التصرف تصرف مخالف حتى للعقل والمنطق.

د. محمد: في قوله (أَفَلاَ تَعْقِلُونَ) نلاحظ أن القرآن دائماً يؤكد على استعمال العقل والتفكر والنظر وأن الإنسان لا يقتصر على ما وجد عليه الناس أو ما عهد عليه من حوله ويكتفي بذلك، حرِّك عقلك يا أخي. إذا كنت تدّعي أن إبراهيم كان يهودياً فبمجرد أي حركة عقلية ستعلم أن إبراهيم متقدم على اليهودية بقرون متطاولة أين عقولكم؟! وهذه نقولها لأمة الإسلام أيضاً في كل ما يُدّعى أو يُختلف عليه في المسائل لو حركتم عقولكم أدنى تحريك لعرفتم أن هذا الذي تدعون إليه باطل، مثلاً عبادة القبور، تصور هذا الطواف وهذا التعظيم وهذا السجود إذا قال واحد نحن لا نعظمها وإنما نعظم الله، نقول له يا أخي ماذا فعلت هنا أنت الآن؟ ما هي صور التعظيم التي تزيد على هذا؟ عندما تفعلها لهذا المقبور وتتوسل إليه وتقول يا فلان أنقذني، يا فلان أغثني، يا فلان استجب دعائي، أعطني الولد، ماذا أبقيت لله سبحانه وتعالى؟! (أَفَلاَ تَعْقِلُونَ)

د. عبد الرحمن: كل من يشرك بالله، تلاحظ أنها مسألة مشتركة أنهم يعطلون عقولهم لا شك، سواء يحكمون أهواءهم.

د. مساعد: هناك ملحظ ذكره أبو عبد الله أن دين الأنبياء الإسلام فالسامع حينما يسمع هذا يظن أنه الإسلام التفصيلي

د. محمد: أنه دين محمد صلى الله عليه وسلم وشريعته.

د. مساعد: نعم، يجب أن نفرِّق بين الشريعة، كل نبي من الأنبياء له تفاصيل شريعة

د. عبد الرحمن: (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا (48) المائدة)

د. مساعد: ولكن الدين العام لكل الأنبياء هو الإسلام

د. محمد: (مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ (78) الحج) سماكم المسلمين من أول التاريخ إلى اليوم. هؤلاء كلهم كل من آمن بالتوحيد وعظم الله سبحانه وتعالى وعبده وحده فهو مسلم

د. عبد الرحمن: والآية تدل على هذا (وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (67)) فدلّ على أن الإسلام هو خلاف الشرك.

د. مساعد: قوله سبحانه وتعالى (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا (67)) أتبعه بقوله (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَـذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (68)) هذه تتمة لبداية المحاجة معهم في إبراهيم عليه السلام. إبراهيم عليه السلام تدّعيه الطوائف الثلاث اليهودية والنصرانية والإسلام فالله سبحانه وتعلا يذكر لنا من هم أولى الناس بإبراهيم. أولى الناس بإبراهيم الذين اتبعوه فهل اليهود اتبعوه حق الإتّباع؟ نقول لا، لأنه وجد عندهم مخالفات كثيرة لدين إبراهيم الذي قال عنه الله سبحانه وتعالى (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا) فإبراهيم عليه السلام بهذا وُصِف أنه كان حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين فأيّ مخالفة لهذه الأوصاف تدل على أن من تعاطاها فليس من إبراهيم في شيء. اليهود قالوا عزير انب الله والنصارى قالوا المسيح ابن الله أشركوا مع الله سبحانه وتعالى. الذين هم أولى بإبراهيم عليه السلام هم الذين اتبعوه حق اتباعه ومن أعظم من اتبعوه حق اتباعه أنبياء بني إسرائيل من أحبارهم بدءاً من إسحق وكذلك إسماعيل ثم نسل إسحق عليه الصلاة والسلام يعقوب ويوسف ثم من جاء بعدهم موسى إلى أن خُتموا بعيسى. ومحمد صلى الله عليه وسلم نُصّ عليه فقال (وَهَـذَا النَّبِيُّ) مع أنه صلى الله عليه وسلم ممن اتبعه فهذا كأنه خاصٌ بعد العامّ فذُكِر تشريفاً له. وقُدِّم على الذين آمنوا معه أيضاً من باب تشريفه صلى الله عليه وسلم لأن قوله (وَالَّذِينَ آمَنُواْ) أيضاً هم ممن اتبع إبراهيم عليه السلام فبدأ بعموم الذين اتبعوا ثم ذكر محمداً صلى الله عليه وسلم مقدماً محمداً صلى الله عليه وسلم على أمّته ثم ختم بقوله (وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ). وهذه كما سبق هي من باب الإظهار في مقام الإضمار ولو قال والله وليهم لصحّ من جهة المعنى لكن لما قال (وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ) كأنه أراد أن ينبه

د. محمد: على أن هؤلاء هم المؤمنون حقاً

د. مساعد: وأن إبراهيم أيضاً من المؤمنين. ولهذا من ذُكر في الآية فإنه مقصود أصلاً ومن عداه مقصود تبعاً. ولهذا كان قوله (وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ) كان إشارة إلى أن إبراهيم من المؤمنين من أولياء الله سبحانه وتعالى ثم يدخل فيه من كان معه من اتبع طريقته من الذين اتبعوه ثم محمد صلى الله عليه وسلم ثم أمّة محمد صلى الله عليه وسلم.

د. عبد الرحمن: يلفت نظري في هذه الآيات مسألة مهمة أريد أن أشير إليها وهي مسألة أسلوب التشكيك الذي يتبعه النصارى واليهود في دين المسلمين منذ جاء النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الرسالة العظيمة وهذا الأسلوب متبع إلى اليوم التشكيك وإثارة الشكوك والشبهات في العقيدة الإسلامية وفي الدين الإسلامي بصفة عامة. النصارى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم واليهود كانوا حريصين على إبراز الشبهات وإثارتها حتى لا يستجيب للنبي صلى الله عليه وسلم الناس في المدينة خاصة، لأن النبي عليه الصلاة والسلام عندما جاء في المدينة وكان كثير من أهل المدينة ما زالوا على شِركهم. فاليهود تدخلوا بقوة والنصارى عندما جاؤوا من نجران كانوا يثيرون هذه القضية وهي التشكيك في أصل هذا الدين الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم. على الأقل يشككون المسلمين الذين ما زالوا في بداية الإسلام في أصل هذا الدين فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول أنا جئت بها حنيفية مسلمة وجئت مصدقاً لإبراهيم ومصدقاً لموسى وعيسى فهم يثيرون الشكوك ويحاجون في إبراهيم عليه الصلاة والسلام هذا الذي تدّعي أنك جئت بما جاء به من قبل من التوحيد كان يهودياً ونحن أهل الكتاب والله سبحانه وتعالى كما تقدّم يقول (قل يا أهل الكتاب) أنا أوافقكم أنكم أهل الكتاب لكن لماذا تكذبون؟ أنتم تجدون في الكتاب الذي تدّعون أنكم أهله بخلاف ما تقولون والكتابة في التوراة والإنجيل تنص على أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام كان حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين. تفاصيل حياة إبراهيم عليه الصلاة والسلام موجودة في كتب بني إسرائيل، موجودة في التوراة والإنجيل ليست من الأشياء الخفية عليهم حتى يقال لهم. ولذلك جاء في الآية التي بعدها (وَدَّت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (69)) ثم قال (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ (70)) هو بين أيديكم، ثم قال (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ (71)) دليل على أن تشكيكهم هذا مع أنهم يعلمون. ولذلك قال ربنا سبحانه وتعالى (هَاأَنتُمْ هَؤُلاء حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ (66)) الآن إبراهيم موجود عندكم أنه حنيفاً مسلماً في التوراة والإنجيل وأنتم تعلمون هذا فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم وتزعمون أنه كان يهودياً أو نصرانياً؟ فأنا أريد أن أشير إلى هذه القضية وأنها متكررة. تعالوا لنر الآن الشبهات التي تثار من اليهود والنصارى إلى اليوم وإلى الغد، هذا يخرج فيلماً يشكك في النبي صلى الله عليه وسلم وفي نبوته وهذا يخرج فيلماً يشكك في أصل القرآن الكريم وأن أصله من التوراة والإنجيل، كل الشبهات تلاحظ أنها قد نشأت مع نزول الوحي وليست جديدة.

د. محمد: وليس مقصودها الدفاع عن حق وإنما هم لما صُدموا بهذا الحق ورأوا أن هذا الحق سيسلبهم وجاهتهم وسيادتهم بدأوا يحاربونه بهذه الشكوك وإلا لو كانوا صادقين لكانت الدعوة التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم واضحة بينة ظاهرة ليس فيها لبس ولا غموض. ولذلك قال هنا (لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ (71)) لبس من أجل لما يضعون شيئاً من الحق مع باطلهم يلبِّسون به على من لا يفهم وأيضاً في الوقت ذاته تكتمون الحق وأنتم تعلمون أضف إلى ذلك أنهم يأتون بشيء من المكر الكُبار يقول الله عز وجل (وَقَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُواْ بِالَّذِيَ أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُواْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (72)) من أجل ماذا؟ تشكيك من أجل أن تكيدوا لمحمد صلى الله عليه وسلم في دعوته حتى يتراجع الناس عن اتباعه. فأنتم آمنوا أول النهار قولوا آمنا بك يا محمد ثم في آخر النهار قولوا اكتشفنا أنه كذاب وأنه يدعو إلى أشياء باطلة وأنه ليس من الأنبياء وأن ما جاء به ليس بحقّ حتى يتراجع عنه من تبعه من أصحابه.

د. عبد الرحمن: وهذه الآية التي ذكرت والآية التي بعدها تؤكد هذا المعنى لكن لعلنا نأتي إليها.

د. محمد: لبس الحق والباطل جاء هنا وجاء في أول سورة البقرة في أول حديث مع اليهود بالذات قال (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40) وَآمِنُواْ بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ وَلاَ تَكُونُواْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41) وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ (42))

د. عبد الرحمن: وهذا هو الذي يفعلونه.

د. محمد: هذا مع اليهود في سورة البقرة وهذا مع النصارى، وهذا أيضاً مع اليهود.

د. مساعد: لكن النصارى معهم. هناك ملحظ لو نبهنا عليه أن الآيات بدأت تنتقل للحديث عن أهل الكتاب معاً

د. محمد: لأن قضيتهم واحدة.

د. مساعد: نعم، أنه لما انتهى من عيسى عليه السلام كان حديثاً مع النصارى ثم لما قال (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ (64) آل عمران) بدأ الحديث مع اليهود والنصارى معاً.

د. عبد الرحمن: وحتى في المقدمات ولكنك تخالفني أنت والدكتور محمد. اليهود يدخلون فيها

د. محمد: لا شك دخولهم فيها لا شك فيه لكن المقصود الأول هو النصارى وسبب النزول يؤيد ذلك.

د. مساعد: والحديث عن عيسى واليهود لا علاقة لهم فيه.

د. عبد الرحمن: كيف لا وهم أعداء له؟

د. مساعد: نعم ولكن المخاطبة هنا مع من يؤمن بعيسى على أنه نبي أو إله كما يزعم النصارى.

د. محمد: الغريب في الآيات أنها أيضاً سبحان الله تبحث عن خبايا النفوس وتكشف هذا المخبوء في نفوس هؤلاء النصارى واليهود أيضاً من أن الذي في قلوبهم ما هو إلا حسد وأنهم قد حسدوا هذه الأمة وهذا النبي على فضل الله عليهم ولذلك قال (وَلاَ تُؤْمِنُواْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ ُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللّهِ أَن يُؤْتَى أَحَدٌ مِّثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَآجُّوكُمْ عِندَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (73) يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (74)) فإذا أُعطي أحدهم عطاء من عند الله تبارك وتعالى اختصه به وجاء بالحق الصراح الذي جاءت به الأنبياء من قبله فكيف تحسدونه؟ المفروض أن تكون أول من يتبعه ولذلك عبد الله بن سلام لما تكشفت له الحقيقة ما بقي أمامه إلا أن يدخل في الإسلام فأسلم. وقال للنبي صلى الله عليه وسلم إن اليهود قومٌ بُهت فاسألهم عني قبل أن تخبرهم بأني أسلمت. فقال صلى الله عليه وسلم ما عبد الله بن سلام فيكم؟ قالوا خيرنا وابن خيرنا وسيدنا وابن سيدنا فقال اخرج إليهم يا عبد الله.

د. مساعد: قال أفرأيتم إن أسلم؟ قالوا لا يكون.

د. محمد: ثم قال اخرج إليهم يا عبد الله فلما خرج قال أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، فقالوا إنه شرّنا وابن شرّنا، سبحان الله!

د. مساعد: في مجلس واحد! هناك ملحظ ذكره أبو عبد الله قبل قليل أريد أن أثني عليه في مسألة تشكيك النصارى وهم غالب من يناقشنا اليوم في ديننا. تشكيك النصارى في أصل الرسالات هم يزعمون أن محمداً صلى الله عليه وسلم قد أخذ من كتبهم يعني من الأناجيل أو من الأسفار القديمة ويجتهدون في إثبات هذا مع أن ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وإن كان يشبه شيئاً مما جاؤوا به إلا أن فيه ما يفترق عنه الشيء الكثير. أقول يجب أن ننتبه الذي يقرأ في كتب هؤلاء أنهم يعطوننا جزء من الحقيقة ليس عندهم السبر الكامل للموضوع فنقول في مثل هذه الحالة لو تنزلنا مع الخصم نقول نعم الاحتمال الأول الذي ذكرتموه أن محمداً صلى الله عليه وسلم قد أخذ منكم هذا احتمال لكن هل هو الاحتمال الوحيد الذي لا يوجد بهده احتمال؟ نقول لا، هناك احتمال آخر أن يكون محمد صلى الله عليه وسلم وكذلك ما جاء عندكم من مصدر آخر أخذه محمد صلى الله عليه وسلم وأخذه أيضاً هؤلاء منه فلماذا لا تذكرون هذا الاحتمال؟ لماذا لا يذكرونه؟ لأنه يُبطل شبهتهم أو يشكك في شبهتهم وهذا هو الحق في أن نقول إن ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم هو عين ما جاء به عيسى وعين ما جاء به موسى لأن المصدر واحد.

د. محمد: صاحب الباطل يا دكتور مساعد سبحان الله يتلجلج يعني ما عنده جادة ولا عنده أرض صلبة يقف عليها كما يقف صاحب الحق ولذلك بعضهم لما دار ودار يبحث فيها عن حجة يرد بها دعوة النبي صلى الله عليه وسلم قال نعم ثبت لدينا أن محمداً رسول ولكن رسول للعرب. هذه الكلمة ظنوا أنهم قد خرجوا بها من العهدة وأن هذا سيسلمهم من التناقض. ما علموا أن هذا تناقض في حد ذاته. لأنه إذا كان رسولاً فقد قال إنه رسول للعالمين إذن أول الكلام ينقض آخره كيف يكون رسولاً للعرب وهو يقول أنا رسول للعالمين وهذا ما يقول به النصارى العرب بالمناسبة يقولون هو رسول ولكن للعرب فقط وليس للأمم جميعاً.

د. مساعد: هذا لا شك أنه من الأشياء التي يحسن التنبه لها. هناك مسألة أذكر الشيخ عبد الرحمن ألقى خطبة لعله يعطينا أيضاً ما دمنا في نفس الموضوع وأذكر كان ذكرها لي وأعحبتني نقاط ذكرها فيها في أن المسلم لا يخاف من المناقشة والمناورة وعنده من الحق ما يجعله يناقش علناً ما عنده إشكال في هذا.

د. محمد: قبل ما يعطينا الدكتور عبد الرحمن هذه الفائدة حتى نشوق الإخوة المشاهدين نود أن ننظر إلى هذا الكتاب المفتوح بين يديك يا دكتور مساعد ما هو؟

د. مساعد: هذا كتاب تفسير الراغب الأصفهاني الذي هو من أول سورة آل عمران وحتى نهاية الآية 113 هذه رسالة علمية لأخينا الدكتور عادل الشدي حققه والجزء الأول قبله كان حققه الدكتور أحمد حسن فرحات أخرج مقدمة مع الفاتحة والخمس آيات الأولى وإذا لم تخني الذاكرة إبن الشيخ أحمد ولكني لا أذكر إسمه

د. عبد الرحمن: إسمه إقبال

د. مساعد: نعم إقبال حقق الجزء الذي بعده من سورة البقرة.

د. محمد: والتفسير ليس كاملاً

د. مساعد: لا ليس كاملاً ولكنه نفيس جداً

د. محمد: والراغب هو صاحب المفردات معروف أنه محقق وغوّاص على المعاني

د. مساعد: جداً، ولو كان هناك وقت سنحت لنا أن نقرأ بعض الإلماحات المفيدة بإذن الله.

د. محمد: نعود إلى سؤالك للدكتور عبد الرحمن.

د. عبد الرحمن: هو كان يشير الدكتور مساعد إلى قضية أن هذه السورة كلها في المجادلة ونحن المسلمون أولى الناس بالحق للقرآن الكريم الذي بين أيدينا. وأنا كنت ذكرت في خطبة عندما تحدث الناس عن الحوار والحوار بين الأديان أن المسلم يجب أن يكون أولى الناس بالحوار وأسعد الناس به لأنه ليس لدينا ما نخفيه، ليس لدينا في ديننا الإسلامي عقيدة نخفيها عن الناس أو شيء نستحي منه ونخاف أن يطلع عليه النصارى أو اليهود. كل عقائدنا وكل ديننا واضح وسهل ويفهمه كل أحد. بل إن أصل ديننا وهو التوحيد يشترك الناس جميعاً في فهمه وسهل لدرجة في حين أن النصارى عقيدتهم صعبة. إذا جئت لتفهمها لشخص عامي يصعب عليه فهمها، شخص متعلم يضحك عليك كيف تقولون أن عيسى والله ووأمه أنهم ثلاثة في واحد أين التوحيد في هذا؟ هذا عين الشرك. تشعر أن حتى المتدينين منهم من الأكاديميين يقولون هذه أشياء لا نفكر فيها نؤمن بها ونمرّها كما جاءت.

د. محمد: وهذا رأيناه كثيراً لما زرت أكيركا قديماً كنا نجلس مع بعض حُراس وفرّاشين كانوا معنا في المعهد فنسألهم كيف يكون الثلاثة واحداً والواحد ثلاثة؟ يقولون أنا عمري كله ما فكرت في هذا الأمر وهذا الأمر إذا كنت تريد أن تسأل عنه إذهب إلى البابا أو البطريريك أو القسيس يجيبك عليه فأقول له أنا في نفس الوقت أنا أقول لك ما عندي بكل وضوح وصراحة وجلاء من دون تعقيد ولا إشكال لأنه موافق للحق.

د. عبد الرحمن: فالشاهد لعل الدكتور مساعد كان يشير له- أنا أريد أن أؤكد على المعنى الذي ذكرناه قبل قليل أن هؤلاء النصارى عندما قالوا (وَقَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُواْ بِالَّذِيَ أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُواْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (72)) لماذا؟ لأن هذا هو الحق؟ قالوا لا، لعلهم يرجعون. فالهدف هو الضحك على المسلمين بإيهامهم أننا قد اعتنقنا دينكم في أول النهار وهم حاولوا مع النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤمن بآلهتهم كما صنع المشركون تماماً نعبد إلهك سنة وتعبد آلهتنا سنة. إن كنت أنت على حق نكون قد أخذنا جزءاً منه وإن كنا على حق فتكون أنت أيضاً ما حرمت نفسك حتى نزل قوله تعالى (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3)) مسألة فيها خضوع بالنسبة للمسلم. الآن هنا (وَلاَ تُؤْمِنُواْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ (73)) معناه أنهم كذابين يظهرون خلاف ما يبطنون يعني يقولون لا تستأمنوا على حقيقة ما تعتقدون وتبطنونه من الكفر بما جاء به محمد إلا لمن تبع دينكم الذين هم النصارى أو اليهود، تظهرون للمسلمين أنكم تؤمنون بهم من باب ذر الرماد في العيون والضحك عليهم (وَلاَ تُؤْمِنُواْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ) فقال (قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللّهِ (73)) أنتم الآن تريدون أنكم تضحكون على هؤلاء وهم أيضاً يبخلون إن صح التعبير- يرون أن هؤلاء المسلمين لا يستحقون أن ينالوا شرف الإيمان بما نؤمن به فقال الله سبحانه وتعالى (قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللّهِ) ولذلك بعض المفسرين يرى أن (قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللّهِ) جملة اعتراضية وأن معنى الكلام ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجوكم عند ربكم، أي يؤتى أحد مثل ما أوتيتم من الشرف ومن العلم مثل ما نلتم أنتم فهؤلاء لا يستحقون هذا. فبالله عليك هل هؤلاء يريدون هداية للناس أو يريدون الحق للناس هؤلاء هدفهم كما قال الله تعالى يلبسون الحق بالباطل ويشككون بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم. فرق بينهم وبين الداعي إلى الله الداعي إلى الهدى لا يريد شيئاً، لا يأخذ مقابل ولا يريد عرض من الدنيا كما قال كل الأنبياء (لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً (29) هود) (فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ (72) يونس) وإنما أريد أن أهديكم إلى الحق، هذا الحق الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم. فتلاحظ أنه حتى في اثناء المجادلة هدف النبي صلى الله عليه وسلم من المجادلة وهدف هؤلاء اليهود والنصارى من المجادلة شتان بين الأمرين! النبي يريد لهم الهداية ويريد أن ينقذهم من النار. ولذلك انظر عندما دخل صلى الله عليه وسلم على اليهودي الشاب وهو يحتضر فقال قل لا إله إلا الله فلما قالها خرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو تتهلل أساريره وقال الحمد لله الذي أنقذه بي من النار. أنا شخصياً ما عندي مصلحة شخصية.

د. محمد: خصوصاً إذا مات لا توجد مصلحة وما أفاد المسلمين بشيء

د. عبد الرحمن: أبداً وبالرغم من ذلك فرح النبي صلى الله عليه وسلم.

د. مساعد: الآيات هذه بالفعل نقول لمن يريد أن يناظر اليهود والنصارى عليه أن يتأمل الآيات ويستنتج منها طرائق في الحوار. مثلاً من اللطائف التي يمكن أن ننبه عليها أن نقول هل رأيتم عالماً من علماء المسلمين تنصّر؟ لكن كم من النصارى الذين بلغوا رُتباً عالية وأسلموا؟ كثير.

د. محمد: بل خذ هذه الثانية تجد هؤلاء لا يسعون في تنصير بني جلدتهم من الأوروبيين لا يذهبوا إلى الجامعات الأوروبية والأميركية ينصِّروا الناس فيها لأنهم يعلمون أن ما عندهم لا يقنع هؤلاء فيذهبون إلى أدغال أفريقيا إلى الجياع من أجل يعطوهم شيئاً من الرزق حتى يؤمنوا بالرب المسيح تعالى الله عما يقولون. يساومون على لقمة عيش وعلى أن يشبعوه فيدخل في دينهم ليس رغبة فيه ولا قناعة به ولكن من أجل هذا الخير الذي بأيديهم. ولذلك لما سأل رجل نصراني رجلاً مسلماً قال له أي الدينين خير الإسلام أو النصرانية؟ قال بل الإسلام خير، قال كيف تقول هذا والمسلمون في حالهم من التمزق والتفرق والتخلف والرجعية ونحن كما ترى الآن من التقدم والتطور فقال له المسلم جواباً جميلاً جداً، قال له دين تركه أصحابه فتخلّفوا ودين تركه أصحابه فصعدوا، أين الدينين خير؟ أنتم لما تركتم دينكم ارتقيتم ونحن لما تركنا ديننا انحططنا فديننا خير من دينكم فصعق النصراني.

د. عبد الرحمن: التقدم الذي حصل في أوروبا بعدما فصل الدين عن الدولة. وهو دين محرّف.

د. مساعد: أيضاً من باب الفائدة في قوله تعالى (وَلاَ تُؤْمِنُواْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ) اليهودية لا تدعو أحداً ومن دخلها يكون دخلها بقناعته هو ومع مر الزمن تهوّد.

د. عبد الرحمن: لكن هل يقبلون حتى أن تكون يهودياً إذا ما كانت أمك يهودية؟

د. مساعد: هم في الواقع لا يقبلون لكن يهود البلاجة ويهود إيران وغيرها من أين جاؤوا؟ ليسوا أصولاً، قد يكون من باب النساء لكن أياً كانوا لو ذهبت إلى فلسطين تجدهم في أدنى الطبقات وهم يستفيدون منهم. قضية النصارى في صلب كتابهم منصوص عليه إلى الآن عيسى عليه السلام يقول إنما بعثت لهداية خراف بني إسرائيل الضالّة. من الذي نسخ هذا الأمر أو هذا الخبر الذي قاله عيسى عليه السلام “إنمما بعثت لهداية خراف بني إسرائيل الضالة”؟ هو بولس الذي حرّف الديانة النصرانية وهو الذي دعا إلى النصرانية وإلا فالنصرانية دين لبني إسرائيل فقط وليس لغيرهم وهو كما قال يرفع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم، كانت مهمة عيسى عليه الصلاة والسلام هو تهذيب بني إسرائيل ورفع بعض الإصر والأغلال التي كانت عليهم لكن الذي عممها وسعى إليها هو بولس.

د. محمد: أحد جيراني فيه ما شاء الله جرأة وذكاء يقول في الطائرة جلست بجوار يهودي وهو يهودي ليبي فقلت له من اين؟ قال من ليبيا، يقول وجدت عليه هذه الطاقية قلت أنت يهودي؟ قال نعم، قلت له عرّفني ما هي اليهودية؟ قال اليهودية دين موسى وهو الدين الحق، قال له ساسالك سؤالاً واحداً أنتم الآن تقولون أنه لن يدخل الجنة أحد سواكم؟ قال نعم، قال أنا الآن ما ذنبي أن ولدتني أمي من أبوين غير يهوديين يعني أنا مكتوب عليّ ومحسوم موضوعي أني في النار منذ أن ولدت وليس هناك فرصة أن أنعم بهذا الحق، هل ترى أن هذا يتناسب مع دين الله؟ هل الرب عندك بهذه الصورة عادل أنكم أنتم شعب مختار؟! فيقول دار الرجل برأسه وانزعج كثيراً لهذا الإشكال الذي عرضته عليه.

د. عبد الرحمن: وما كان ينبغي له يغضب ما دام على الحق، كان شرح له

د. محمد: نعم ولكن ما عنده الحُجة. هي دعاوى ولذلك سبحان الله صاحب الباطل ما يجد أمامه إلا أن يدّعي (وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ (111) البقرة) هذه كلها دعاوى، أعطني أدلة وبراهين أما أن تدّعي أنك من نسل فلان أو فلان وفي النهاية تدّعي أنك أنت صاحب الجنة أو أن أولياء الله من دون الناس هذا كلام غير صحيح.

د. عبد الرحمن: لا شك أن الله سبحانه وتعالى يختص برحمته من يشاء هذا من الله، محض فضل من الله سبحانه وتعالى. ولذلك أثناء المناظرة عندما اليهود والنصارى أرادوا أن يشككوا المسلمين في دينهم قال الله سبحانه وتعالى (يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (74)) حتى بعض النصارى الذين آمنوا بعيسى عليه الصلاة والسلام اختصهم الله بفضله، الذين آمنوا بموسى عليه الصلاة والسلام اختصهم الله بفضله أما هؤلاء المحرفون الكذابون هؤلاء لا يملكون إلا دعاوى. لفت نظري الآية العظيمة هذه (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75))

د. مساعد: قبل هذه الآية، (يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (74)) كما ذهبت أنت الآن لها عموم لكن كأن فيها إشارة إلى اختصاص النبوة بمحمد صلى الله عليه وسلم واختصاص العرب بهذا النبي صلى الله عليه وسلم وهذه الرسالة الخاتمة. ويبدو أنها جاءت من أجل هذا المساق.

د. عبد الرحمن: هذا صحيح، هم كانوا يحاججون حسداً أن تخرج منهم النبوة وهذه كانت مرحلة خطيرة عندهم

د. مساعد: مع دخول ما ذكرت لأنه قال (يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (74)) عامة.

د. عبد الرحمن: وأيضاً في الاية التي قبلها (قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (73))

د. مساعد: وهي أيضاً مرتبطة بـ (وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء (26))

د. محمد: لما أعرضوا عن أمر الله وأشركوا مع الله غيره كانوا مستحقين أن ينزع الله عنهم ذلك الشرف وتلك المنزلة التي فضلهم الله بها على العالمين.

د. عبد الرحمن: الواحد منا الآن عندما ينظر للتاريخ يرى أنها لم تكن نقلة بسيطة أن بني إسرئيل متعودون أن كل الأنبياء من سلالة إسحق موسى وعيسى وداوود وسليمان وزكريا كلهم من ذرية إسحق وكل هؤلاء الأنبياء والذين سبقوهم كانوا يرسلون إلى قومهم خاصة ثم تأتي هذه النقلة التاريخية الهائلة جداً فتنقل النبوة من هذه السلالة كلها إلى سلالة إسماعيل. واحد من مكة ما كان يخطر على بالهم وهم كانوا يتوقعون أنه واحد منهم فهم انصدموا صدمة هائلة جداً. حتى تلاحظ في مجادلتهم مندفعين وغاضبين والله تعالى يطلعنا كيف كانوا يجادلون ويحاولون أن يشككون ويثيرون وأنها خرج الزمام من أيديهم ثم يأتي التبي صلى الله عليه وسلم فيقول إني رسول للناس جميعاً. نحن ننظر لها الآن كتاريخ لكنها في وقتها زلزلت اليهود والنصارى.

د. مساعد: من المهم تصور الواقع كيف كان.

د. عبد الرحمن: وفعلاً النبي صلى الله عليه وسلم حمل هذه الأمانة وكان ما جاء به عليه الصلاة والسلام هو الهدى. في قوله (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75)).سبق وتعرضنا لها في أكثر من حلقة قضية الإنصاف في العدل، العدل في المناظرة. أنت الآن تجادل مع مشركين ومكابرين وأصحاب دعوى عريضة وبالرغم من ذلك في أثناء هذا الظلم الذي يمارسونه تأتي هذه الآية التي هي في غاية العدل الله سبحانه وتعالى يقول (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ) هؤلاء فعلاً مشركين ومخالفين ولكن فيهم أناس أهل أمانة إذا استؤمنوا على الأمر العظيم من المال فإنهم فإنهم يؤدونه فقال (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ) والقنطار المقصود به القدر العظيم من المال ولذلك قال في أول الصورة (وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ (14)) إشارة إلى التكثير. وقال (وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِمًا) إلا إذا كنت جالساً فوق رأسه تذكّره.

د. محمد: وحجتهم (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ) يعني نحن شعب الله المختار ونحن أصحاب الحق وهؤلاء المساكين سُذّج ولا يلزمنا تجاههم أي أمانة أو أي وفاء بعهد.

د. عبد الرحمن: وهذا ما يعملونه الآن اليهود والنصارى يتعاملون معنا على أننا القويين.

د. مساعد: ولهذا أقول لا بد من معرفة هذه الحقائق الله سبحانه وتعالى يذكر لنا حقيقة هي اليوم موجودة. لو تتأمل بعض البرامج الوثائقية التي تكون من وسط اليهود أنفسهم الصبي الصغير والرجل الكبير فكرتهم عن الناس واحدة. أذكر شاهدت مرة في أحد البرامج الوثائقية يذكر صبياً يقابله ويسأله عن الفلسطينين يقول الفلسطينيون العرب هؤلاء جاؤوا ونحن أصحاب الملك وهم جاؤوا واحتلوا أرضنا ونحن الآن مهمتنا أن نطرد هؤلاء. (لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ)

د. عبد الرحمن: يرون أنه ما يلزم الوفاء بالعهود. يوقع الآن معك اليهود إتفاقية سلام وفي الغد يضربك ويخالفها.

د. مساعد: بل منذ أن بدأوا فيما يسمى السلام متى التزموا بعهد واحد؟

د. محمد: لا يلتزمون هذه طبيعتهم لأنها مبنية على عقيدة أنهم شعب الله المختار والبقية هؤلاء لا يستحقون أن يُكرموا ولا أن يوفى معهم بعهد ولا أن يُصدقوا في قول ولا غير ذلك. لعلنا نتوقف عند هذا الحد ونكمل إن شاء الله في الحلقة القادمة مع إخواننا المشاهدين. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته. سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إلا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.

بُثّت الحلقة بتاريخ 3/6/2009م