الحلقة الثانية
تأملات في سورة النساء
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1))
المناسبة بين سورتي آل عمران والنساء
تحدثنا في الحلقة الماضية عن مقدمات في التعريف سورة النساء واليوم نتحدث عن السورة ونبدأ بأول آياتها وسنحاول قدر المستطاع أن نقف وقفات متأملة. وقبل ذلك كنا نسينا في الحلقة الماضية أن نتحدث عن المناسبة بين هذه السورة والتي قبلها.
من المناسبات بين هاتين السورتين أن سورة آل عمران كانت في محاجّة أهل الكتاب وفي سورة النساء أيضاً محاجّة لأهل الكتاب بشكل كبير. أيضاً ذُكرت غزوة أُحد في سورة آل عمران مطولاً وأشير إلى شيء منها في هذه السورة كما قال تعالى (فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللّهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُواْ أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ اللّهُ وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً (88) النساء). بصفة عامة يمكن القول أن سورة البقرة غلب الحديث فيها عن بني إسرائيل وسورة آل عمران تحدثت عن النصارى بشكل كبير وجاءت سورة النساء تحدثت عن حقوق المجتمع نفسه وعن حقوق الإنسان وأفضل أن نقول أن سورة النساء في حقوق الإنسان بصفة عامة لأن فيها حقوق المرأة وحقوق اليتامى وحقوق السفهاء وفيها حقوق المجتمع نفسه وهذا يدفعنا للحديث عن موضوع حقوق الإنسان التي رسّخها الإسلام بكل صدق وبل إنصاف وموضوع الإنصاف وموضوع الإصلاح واضح وظاهر في سورة النساء لأن الآن تنتهك حقوق الإنسان في العالم ويُذاع أن الذين روّجوا لحقوق الإنسان هم الغرب وأن الحصارة الغربية هي التي جاءت بحقوق الإنسان التي أهدرها الإسلام وأهدرتها الديانات السابقة في حين أن الإسلام هو الذي جاء فعلاً بحقوق الإنسان وحفظها وفصّلها تفصيلاً واضحاً في القرآن الكريم والسنة ولكن في سورة النساء بصورة خاصة ظهر جلياً الإنصاف والحقوق على وجهها للناس جميعاً ولعلنا لما نقف عند الآيات نقف عند كل حق من هذه الحقوق بإذن الله تعالى.
من لطائف خاتمة سورة آل عمران كانت بالخطاب الخاص (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ (200)) وبداية سورة النساء كانت بالخطاب العام (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ (1)). لما ابتدأت السورة بالخطاب (يَا أَيُّهَا النَّاسُ) معنى ذلك أنها ستتحدث عن حقوق مرتبطة بالإنسان من حيث هو إنسان. ونحن نتكلم عنها في واقع المجتمع المسلم إلا أن كل إنسان يطلع على هذه التشريعات يرى أنها تناسبه وأيضاً لا نشك أنه يتمنى أن يُعامل بهذه الطريقة بكل هذه الحقوق. حتى المعاملة بين المسلمين وغيرهم (فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ (88)) ستأتي أحكام متعلقة بالتعامل مع المنافقين ومع الكفار كلها مفصّلة.
وأيضاً ختمت سورة آل عمران (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200)) وبدأت سورة النساء بقوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ (1)) معناه أن التقوى مطلوبة، اختتمت آل عمران بالتقوى وافتتحت النساء بالتقوى لكن ارتبطت هذه التقوى بالربوبية لأنه خطاب عام للناس وتلك بالألوهية لتضخيم جانب الهيبة لله تعالى. وأيضاً جانب الأمانات والودائع ذُكِر في سورة النساء كنوع من الحقوق التي يجب أداؤها وهذه الأمانات ذكرت في سورة آل عمران ولكن بشكل خاص (وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ (187)) وكذلك في جانب النبيين (وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ (81)) وقبلها (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِمًا ذَلِكَ (75)) فجاء التأكيد على هذه الأمانات أيضاً في قوله تعالى (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58) النساء).
أيضاً في جانب التحاكم نلاحظ أنها جاءت في سورة النساء بشكل ظاهر وجاءت في سورة آل عمران، في سورة النساء قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (59)) وقال تعالى أيضاً في بيان هذا الأمر والتشديد فيه (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا (65))
في جانب الجهاد أيضاً سورة آل عمران تحدثت عن غزوة أُحُد بشكل واضح جداً وبيّنت الجهاد وما يلزم فيه والتضحيات التي تبذل فيه والشهادة ونصر الله للمؤمنين وفي سورة النساء أيضاً جاء ذكر الجهاد في قوله عز وجل (فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (74)).
وهذه كلها مناسبات في الموضوعات وبعضها مناسبات في الألفاظ أو الجمل من ناحية الابتداء والختم.
وقد ظهر وجه من أوجه الحقوق في سورة النساء وهو حق القرآن نفسه وهو التدبر والاستنباط الذي ذكره الله في هذه السورة في قوله (أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا (82)) ثم جاء بعدها (وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً (83)) فدلّت هذه الآية على أن الاستنباط أخصّ من التدبر، التدبر عام ثم الاستنباط لا يحسنه إلا الخاصة وهذا من الحقوق التي يجب الوفاء بها للقرآن حتى ينتفع به فيمكن أن نقول هذه من حقوق الإنسان أن يقوم طائفة من العلماء المتدبرين باستنباط ما فيه من فوائد حتى تعود على المجتمع المسلم بصفة عامة بالنفع.
تأملات في سورة النساء
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1))
بعد هذه اللمحة عن أوجه التشابه بين السورتين لعلنا نبدأ بهذه السورة نسأل الله الإعانة والسداد والتوفيق والإنسان يحرص على أن يكون فيما يقوله مسدداً قال الله عز وجل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ (71) الأحزاب) فجعل تقوى الله أردفها بسداد القول، قال الشيخ بن باز “والسداد من التقوى ولكن لأهميته وعِظَم منزلته خصّه الله سبحانه وتعالى” فتقوى الله تسبق كل شيء حتى السداد في القول قال (اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ (71)) ولعلّ هذه -والله أعلم- إحدى مناسبات الافتتاح بهذه الآية في الخُطَب وفي خُطبة النِكاح لأن الإنسان يقرأ الآية الأولى في سورة النساء (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)) ويقرأ الآية في سورة الأحزاب (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ (71)) نسأل الله سبحانه وتعالى أن يسددنا فيما نقوله من استنباطات وفوائد.
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1))
في افتتاحه سبحانه وتعالى لهذه السورة العظيمة (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء (1)) افتتاح رائع جداً. أولاً النداء هذا لا يخرج منه أجد لا مسلم ولا غير مسلم وكلهم يدخلون في هذا الخطاب، فهو أمر لجميع الناس الذين يبلغهم هذا الخطاب بتقوى الله سبحانه وتعالى فيقول (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ) ما قال اتقوا الله فهنا أمر بالتقوى لجميع الناس المسلم وغير المسلم وتذكير له بأنه مربوب لله سبحانه وتعالى وأنه لا يخرج عن ربوبية الله سبحانه تعالى لا برّ ولا فاجر، لا مسلم ولا غير مسلم حتى الملحد الذي ينكر أن هناك إله فهو لا يخرج عن هذا النداء ولا يخرج عن ربوبية الله سبحانه وتعالى شاء أم أبى. هذا أولاً تعميم الخطاب للجميع وهذا يدل على رحمة الله سبحانه وتعالى بنا.
قال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ) لأن الربوبية ومظاهرها يمكن أن يتعرف عليها كل إنسان بخلاف الألوهية التي قد يحتاج الإنسان فيها إلى الوحي في أنه يتعرف على الله وما يستحقه وما يجب من الثناء عليه لكن الربوبية آياتها عقلية ظاهرة يستطيع أي إنسان أن يهتدي من خلال آيات الربوبية إلى وجوب تقوى الله سبحانه وتعالى. فهذا الارتباط عجيب، في أول آية أُمر الناس فيها بالعبادة في القرآن (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) البقرة) نفس الاستدلال، وهنا قال (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ) تستطيعون من خلال آيات الربوبية أن تصلوا إلى هذا المعنى الذي يُراد أن تقوموا به. وهذا نصّ عليه سبحانه وتعالى (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ (61) العنكبوت) موضوع الربوبية. أبو حنيفة كان يناظر بعض الناس في موضوع الربوبية فتأخر عليهم قالوا ما بالك؟ قال قد أهمّني أمر منعني من الحضور وهو أنني سمعت بخبر سفينة مليئة بالأموال ومليئة بالخيرات وهي تسير في البحر وليس لها قائد وتهتدي إلى طريقها دون قائد يقودها فقالوا جميعاً هذا غير ممكن قال بل هذا ممكن، فقال سبحان الله! سفينة تُنكرون أنها تمشي في البحر دون قائد وتزعمون أن هذا الكون كله ليس له خالق! فالشاهد أن هذه مسألة عقلية.
الأمر الثاني أنه وصف نفسه بوصف يجبب إليه خلقه فقال (رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم) والإنسان يشعر بالامتنان لمن أحسن إليه ولا يُنكر الإحسان إلا رجل ليس عنده مروءة، فالله يقول (الَّذِي خَلَقَكُم) امتنّ عليكم بالخلق وهذه موجودة في القرآن كثيراً. لكنه قال أيضاً (خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ) وهذا غاية المساواة، أين الدعوة إلى المساواة التي ينادي بها الغرب والله سبحانه وتعالى نصّ عليها في الكتاب؟! وجاء بها في أكثر من موضع فقال (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) الحجرات) وهنا يقول (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء (1)) فإذن أثبت الله تعالى في هذه الآية أن أصل البشر كلهم نفس واحدة وهو آدم عليه السلام فعلامَ يتفاضل الناس؟ كما قال الشاعر
الناس من جهة التمثال أكفاءُ أبوهم آدم والأم حواء
فإن يكن لهم من أصلهم نسبٌ يفاخرون به فالطين والماء
لكن التفاضل الحقيقي هو بالتقوى. فهنا قال (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا) والمقصود بـ(زوجها) هنا حواء لأن بعض الناس يفهم أن الزوج هو الرجل وإنما الزوج هنا المقصود به المرأة. ولذلك في اللغة يقولون للمرأة والرجل زوج لأن كل واحد منهما مفرد فإذا انضم إليه صاحبه أصبح زوجاً لكن يقولون استخدم الفقهاء بكثرة في كتب الفقه الزوجة في مقابلة الزوج وإلا فهي لغة رديئة أن يقال للمرأة (زوجة). وفي باب الفرائض إذا أرادوا أن يذكروا مسألة فرضية يقولون هلك هالك عن زوجة أو عن زوج يححدون إذا كان ذكراً قالوا زوج وإذا كانت أنثى قالوا زوجة وهذا من باب التفريق عند الفقهاء استخدام اللغة الرديئة.
قال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ) وبعدها قال (وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ) لما جاء في مقام التكليف جاء بالألوهية ولما كان المقام الأول مقام ربوبية قال (ربكم). بعض الفلاسفة الذين عاشوا في ظل الإسلام مثل ابن الطفيل كتب قصة رمزية إسمها “حيّ بن يقظان” حيّ أخذها من حياة ويقظان أخذها من اليقظة، ورسم في هذه القصة أن الإنسان لو قذف في أي مكان وليس عنده أيّ معلِّم فإنه يصل إلى الخالق، هذه النتيجة التي يذكرها في قصة إنسان تُرك وهو طفل رضيع في غابة وأُرضع من قِبَل الحيوانات وكبُر حتى تعّرف على الخالِق لأن غاية ومقصود الفلسفة تصل إلى هذا وهو التعرف على الخالق دون الوحي ودون النبوة لكن مهما كان هذه القضية العقلية لا يُختلف عليها أن الإنسان يصل إلى إثبات الخالق وأن له رباً بالدليل العقلي ويصل إليها بمقدمات ونتائج معروفة لكن كيف يُعبد هذا الخالق هذه لا يصل إليها إلا بالوحي والشرع. ولهذا استنتسخ حيّ بن يقظان الفلسفي إلى صور صارت صوراً بالقصص الممتعة مثل طرزان وماوكلي وهي نفس الفكرة وكثيراً لا يعرفون الأساس الفلسفي لها، ولا شك أنها انتقلت إلى مرحلة إثارة وتشويق المقصد منها أن الإنسان لو جُعِل في بيئة فيها حيوانات سيصبح إنساناً مدركاً وعاقلاً ويستطيع أن يصل إلى معلومات لكن تفاصيل الشرع لا بد فيها من الوحي. وحتى تفاصيل الخلق والاستدلال على الرب سبحانه وتعالى لا يمكن أن تصل إليها بالعقل كما تصل إليها بالوحي، أرسطو عندما يقول أن الكرسي هو الفَلَك التاسع ويتكلمون عن الأفلاك ويسمون الملائكة أفلاك ويحاولون أن يصوروا هذه المخلوقات وهذا الكون العظيم بالعقل وهذا لا يمكن تقرأ كلامهم فتضحك منه لكن عندما تقرأ قول الله سبحانه وتعالى (مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا (51) الكهف) تضحك من هذه السفسطة ومحاولة إدخال العقل في أمور لا يمكن أن تعرفها إلا عن طريق الوحي، الله سبحانه وتعالى يقول أنه خلق السموات والأرض وكيف خلقها (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (30) الأنبياء) هذه تفاصيل لا يمكن أن تصل إليها بالعقل أبداً.
والعجيب في مثل هذا الأمر كون الله سبحانه وتعالى وضّح توضيحاً بيّناً كيف نشأ الإنسان كيف بدأ الإنسان وليس غريباً أن يخرج داروين بنظرية التطور والارتقاء ليس غريباً لأنه لم يتعرف على الإسلام لكن الذين نستغربه أن يكون الإنسان بين يديه هذا الكتاب من ربه ويقرأوه ثم يضلّ الطريق ويذهب إلى مثل هذه الأفكار الرديئة وهذا يعود إلى أمرين: الأول ضعف المتلقي أن المتلقي ضعيف والأمر الثاني قوة المُلقي معنى ذلك أن الكتاب الذي كتبه داروين كان فيه من القوة ومن الشيء الذي يبهر الذي ليس عنده ثقافة دينية ويجعله يقتنع. وقد لا يكون قوة الملقي بقدر ما أعطيت الفكرة من الترويج والحشد مثل كارل ماركس جاء بالفكرة الشيوعية وقامت عليها دولة بالدم والسيف وقتلت من المسلمين ما يقارب العشرين مليون لإقرار هذه الفكرة. يقولون بعدما انتهت الشيوعية علّق كارل ماركس أنا كنت فقط أحلم وأفكر وأنتم جعلتموها صحيحة، وقال هذا لا يمكن في عالم البشر أن هذه الفكرة الشيوعية تنتشر ويكون لها نصف الكرة الأرضية ويتديّن بها الناس بقوة السلاح، سبعون سنة وهي تحكم في الأرض ثم تهاوت من نفسها!.
المقصد أنه مع وضوح هذا عندنا في شرعنا والسنة النبوية واضح جداً وأستغرب كيف يصل المسلم ويتبع مثل هذه النظريات! ولا زال بعض من كان يدرّسنا يؤمن بهذه الأفكار! مع العلم أنها الآن لم تسقط من ناحية علمية فقط بأن الجانب العلمي قد أسقط ولكن حتى من الناحية العقلية لما تنظر إليها فهي متهافتة عقلاً بغض النظر عما جاؤوا به من أدلة وهي ليست بأدلة.
لما قال (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ (1)) معناها أن مرجع كل هذه البشرية إلى نفس واحدة ولهذا قيل “النساء شقائق الرجال” بمعنى أن الله سبحانه وتعالى بقدره جعل هذه المرأة التي خُلِقت كما قال النبي صلى الله عليه وسلم من ضلع جعل لها طبائع وخصائص مستقلة تناسبها غير طبيعة الرجل ولكن في الأمر القدري والأمر الشرعي فهم على حدٍ سواء. ولذلك من باب الفائدة التي نذكرها أنه حينما نتكلم عما يقال عن مساواة الرجل بالمرأة وقد ذكر الشيخ ابن عثيمين قال أن هذه الكلمة ليست دقيقة وإنما الصواب أن يقال (العدل) لأن المساواة غير ممكنة والذين يطالبون بالمساواة بين الرجل والمرأة هي مطالبة مخالفة للعقل والواقع ولذا نقول لمن يطالب قبل أن تطالب بالمساواة في الحقوق طالِب بالمساواة في الخلق يعني إجعل الرجل امرأة أو اجعل المرأة رجلاً وهنا تقد المساواة أما أن تكون الطبيعة مختلفة وتريد المساواة بينهم فهذا مستحيل. لا بد أن يكون لكل منهما خصائص ولهذا عبارة الشيخ محمد رحمه الله تعالى “العدل” أن تعطي المرأة ما يناسبها ةتعكي الرجل ما يناسبه وهذا هو الذي جاء في هذه السورة.
في قوله تعالى (الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا) أشرنا إلى أن حواء خُلِقت من آدم وأنها خلقت من ضلع ويشيع بين الناس أنها خلقت من ضلع أعوج وليس في الحديث ما يدل على أن الضلع أعوج ” استوصوا بالنساء، فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء”، الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري – المصدر: صحيح البخاري – الصفحة أو الرقم: 3331، خلاصة حكم المحدث: [صحيح] ” نحن نستنبط من قوله (وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه) أن الضلع أعوج ولكن الرواية الصحيحة الثابتة في الصحيحين أنها ليست من ضلع أعوج. والعِوَج هنا في الاتّباع والأخلاق وفي التفكير أيضاً تجدها تميل إلى أشياء معينة لا ينظر إليها الرجل وليست هي الأسلم في إدراة دفة الحياة ولكنها الأسلم في إدارة دفّة البيت والأولاد والأسرة وما يتصل بذلك.
قال تعالى (وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا) هذه الحقيقة لا تعرفها إلا من طريق الوحي وهي أن حواء خُلِقت من آدم ولم تخلق مع آدم وإنما هي منه ولذلك نلاحظ أنها ضعيفة حتى في التكوين لأنها جزء من الرجل وخلقت من ضلع والضلع عظم رقيق ولذلك المرأة تدور دائماً في عالم الرجل باستمرار، يقولون الناس ما خلّوْن إلا تحدثن في الرجال ولكن الرجال قد يتحدثون في النساء وقد يتحدثون في الدنيا والأرض والزرع وحديث “أبو زرع” شاهد في هذا. هذا الضلع لو أخذته ليس كعظم الفخذ أو الساق قاسي صلب، لا، هي لينة تستطيع أن تعطفها يميناً أو يساراً مما يدل على أنها قابلة للاستجابة ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم أوصى أن يؤخذ من النساء كما قال (فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء) لأن المرأة مهما كانت طبائعها فيها شيء من الخلل والضعف إذا كانت طيبة قبلت التوجيه.
قال ” وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج ” وكسرها طلاقها وإن استمتعت بها استمتعت بها على عوج. فلييأس كل رجل في أن يتوقع أن تترك المرأة ما فطرها الله تعالى وطبعها عليه من الأمور التي تميل إليها وتحبها فيصرفها إلى ما يريده هو وما يراه مناسباً للواقع وللحياة وللمستقبل وما يتصل بذلك. وهذا يعطينا فقه أن العمل في الممكن، الرسول صلى الله عليه وسلم يرشدنا إلى أن هذا هو الممكن فأنت تعمل ضمن الممكن فلا تهدر وقتك ومالك لتجعل المرأة رجلاً إنما عليك أن تهذبها وتناصحها والحياة لا تستقيم إلا بههذ الصورة (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا (30) الروم) أن المرأة بضعفها وهذه الأخلاق التي ذكرها الله سبحانه وتعالى عنها هكذا تستقيم الحياة، حياة المرأة مع الرجل، فحتى المرأة التي تكالب بالمساواة هي نفسها لا تحب الرجل الذي ليس له رأي والرجل الذي يتبعها في كل صغيرة وكبيرة. في بعض البيوت المرأة هي المسيطرة وهي التي تفرض رأيها وهي التي تصرف، هذه المرأة غير سعيدة في حياتها وهي غير راضية عن زوجها قطعاً لأن المرأة تحب الرجل الذي له رأي ويسددها ويعطيها ويمنعها ويكون صاحب كلمة.
في قوله تعالى (وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء (1)) استخدام كلمة (بثّ) في غاية البلاغة والبيان، فيها إشارة إلى انتشار خلق آدم وأن كل هذه البشرية التي تبلغ المليارات هي من رجل واحد وقال تعالى (وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا (13) الحجرات) وكلهم من أصل واحد وهو آدم عليه السلام. قال تعالى في القرآن (فَكَانَتْ هَبَاء مُّنبَثًّا (6) الواقعة) وقال (يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ (4) القارعة) فسبحان الله فيها معنى الانتشار واضح جداًً. هذا المعنى نستنبط منه معنى دقيقاً تنبه إليه أحد الطلاب النجباء واسمه عبد الله بن سعود الحربي وهو من أنجب الطلاب يدرس الماجستير وكنت قد قسّمت عليهم أجزاء القرآن وكلّفتهم استنباط الفوائد من الآيات فاستنبط من هذه الآية معنى لم أجده لغيره وهو أنه في آخر الآية قال تعالى (وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) هنا ذكر الأرحام فيه غرابة، لماذا جاء ذكر الأرحام في هذه الآية؟ قال الطالب: قال في بداية الآية (وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء) والبثّ فيه إشعار أن ذرية آدم سوف يتفرقون وأن هذه فطرة الله التي فطر الناس عليها أنهم يتفرقون فما دام أن هذه فطرة قد خلق الله الناس عليهم وهي أنهم يتنشرون ويتفرقون وهذه حال الناس فلا تنسوا الأرحام أن تصلوها، صحيح أن هذه الفطرة التي فطر الله عليها الناس وأنهم ينبثون في الأرض سعياً للرزق ربما تجد الوالد الآن وأولاده في انحاء البلاد، فكأن البثّ سبب من أسباب الانقطاع فنبّه على ما يسد به هذا الخلل وهو الانقطاع والانتشار والانشغال بالدنيا ونسيان من تجب عليك صلته ومواصلته من الوالدين والأقارب. ونفهم من هذا أنه تقوى لله عز وجل لأنه أحياناً وهذه حقيقة لا مصلحة لك دنيوية لا في الواقع ولا في المنظور من صلة بعض أقاربك لأنهم نقص عليك، ليس هناك منفعة دنيوية ولا حتى سُمعة لأنه منحطّ السمعة مثلاً عليه سوابق أو مشاكل ولا ترجو منه نفعاً ولكن تفعل ذلك تقوى لله عز وجل لأن الله أمرك بذلك وحثّك عليه وجعل صلتك لهذا الأمر تقوى لله جل وعلا وهو أمر يحبه الله جل وعلا لأن الرحِم تعلّقت بعرش الرحمن وقالت هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال ألا ترضين أن أصِلَ من وصلك وأقطع من قطعك؟ فالصلة ستكون من الله لمن يصل هذه الرحِم وخصوصاً فيمن لا يصلك قال صلى الله عليه وسلم ” ليس الواصل بالمكافئ ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها، الراوي: عبدالله بن عمرو بن العاص المحدث: البخاري – المصدر: صحيح البخاري – الصفحة أو الرقم: 5991، خلاصة حكم المحدث: [صحيح] “.
نتساءل في وجه الربط بين سعة الرزق وإنساء الأثر وصلة الرحم عندما قال صلى الله عليه وسلم ” من سره أن يبسط له في رزقه ، أو ينسأ له في أثره ، فليصل رحمه. الراوي: أنس بن مالك المحدث: البخاري – المصدر: صحيح البخاري – الصفحة أو الرقم: 2067، خلاصة حكم المحدث: [صحيح] ” ولم يقل فليتق الله أو فليحرض على الصلاة مع أن هذه مسألة اجتماعية أخلاقية وهي من مهارات التواصل كما يقولون الآن وإذا بها من صلب الدين. وما ظهر لي فيها شيء دليل على أن هذا الجانب الاجتماعي في الإسلام ليس جانباً هامشياً وإنما جانب في أصول الدين وفي عقيدة المسلم. وقد تكون أن هذه رحِم ومن وصل الرحِم رُحِم وكان من مظاهر هذه الرحمة أن يبسط له في رزقه وأن يُنسأ له في أجله وأن يكون ذلك محمدة له في أهله، واتصال الرحِم بالرحمة كان لها أثر في آثار تلك الرحمة على هذا الواصل للرحِم. وربما من آثار صلة الرحم أو من مستلزماتها الإنفاق، الصلة بالمال لأنه أحياناً الصلة بالقول فقط لا تكفي في موضع يحتاج فيه إلى الصلة بالمال فقال “يبسط له في رزقه” ما ستنفقه في صلة الرحم ستعوّض به في رزقك بأن يبسطه الله تعالى لك.
في قضية تقديم الرجال على النساء يظهر أن ينسجم مع وضع هذه السورة ومن العدل وضع الأمر في نصابه فالرجل مقدّم لأنه هو الأصل في الخِلقة وأنه هو صاحب التبليغ وهذا ليس استهانة بالمرأة. فعندما تعطي كل ذي حق حقه ليس استهانة بمن أعطي حقه، أنت إذا وضعت الطفل خلف الكبير تكون أعطيته حقه ورحمته ووضعته في المكان اللائق به فليس هذا التأخير ظلماً له بل هو حماية له. وفي الإسلام الذي يقاتل ويحمي الديار هم الرجال فهذا ليس ظلماً للرجال ولكن هذا الذي خلقوا له وهم مستعدون للقيام به والمرأة عندنا لا تقوم هذا المقام ليس لأننا لا نرضى لها بأن تكون مساوية للرجل ولكن لأن خِلْقتها لا تهيؤها للقيام بهذه المهمة ولذلك قال عمر ابن أبي ربيعة:
كُتِب القتل والقتال علينا وعلى النساء جرّ الذيول
كل واحد له اختصاص. ونقول لهؤلاء المنادون بالمساواة بين الرجل والمرأة في كل شيء أنه بأدنى نظرة عقلية تسقط مقالة هؤلاء ولكنها أهواء وشهوات في النفوس تهدف إلى مآرب معينة. وصدق من قال إن المشروع الليبرالي في البلاد العربية وخصوصاً في بلادنا نحن يبدأ بالمرأة وينتهي بالمرأة مروراً بالمرأة ما عندهم مشروع آخر، في المشاريع الليبرالية الموجودة في دول العالم هناك مشاريع إصلاح الناس ومعايشهم والمناداة بحقوق الضعفاء وغير ذلك تجريم الظالمين والوقوف في وجه الطغيان أياً كان هذه من ضمن أجندات من يعملون بهذا الأمر لكن عندنا اقتصر الأمر على المرأة واقتصرت حقوق المرأة على التبرّج والاختلاط والسفور مع أن لها حقوقاً تستحق أن يُطالب بها ومهدرة ولا يذكرونها ولذلك الذين يطالبون بالمساواة فيهم سفاهة.
قال تعالى (وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) لماذا جاء بوصف القرابة في هذا الموطن؟ لعله والله أعلم أن موضوع صلة الرحم تحتاج إلى رقابة داخلية وأن الإنسان يتقي الله عز وجل فيها تقوى حقيقية، فقد تحضر مجلس العائلة الشهري أو السنوي وترى أنك قد حققت جانب الصلة، والحقيقة أن الصلة فيها شيء من المراقبة فلان يحتاج إلى مناصحة فتناصحه، وفلان عليه دين يحتاج أن تساعده في قضائه وأنت قادر على ذلك وقادر على أن تساعده أو تعينه وتخرجه من مأزقه فقضايا الرحم مثل قضايا النكاح والطلاق والصلة بالنساء تحتاج إلى رقابة داخلية ولذلك يكثر في آيات الطلاق التذكير بالتقوى وهنا جاء التذكير بالرقابة والله أعلم.
محاور الحلقة:
أوجه الشبه بين موضوعات سورة النساء وآل عمران
إعتناء سورة النساء بذِكْر حقوق الإنسان
من حقوق القرآن في السورة التدبر والاستنباط
افتتاح السورة بخطاب الله لعموم الناس
لا يمكن الوصول إلى وجوب عبادة الله وكيفية عبادته إلا بالوحي.
الصحيح أن يقال “العدل بين النساء والرجال” لا المساواة.
الإشارة إلى صلة الرحم في الآية
فضائل صلة الرحم
مناسبة قرن رقابة الله مع صلة الرحم
بُثّت الحلقة بتاريخ 18 رجب 1431 هـ الموافق 30 /6/2010م
من قسم الفيديو
http://www.islamiyyat.com/video.html?task=videodirectlink&id=2208
رابط جودة عالية
http://ia360706.us.archive.org/1/ite…aynat_30_6.avi
==============
رابط جودة متوسطة
http://ia360706.us.archive.org/1/ite…ynat_30_6.rmvb
==============
رابط جودة موبايل
http://ia360706.us.archive.org/1/ite…30_6_512kb.mp4
==============
رابط صوت
http://ia360706.us.archive.org/1/ite…aynat_30_6.mp3