برنامج بينات

برنامج بينات – سورة النساء-3

اسلاميات

الحلقة الثالثة

تأملات في سورة النساء من الآية (1) إلى الآية (2)

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1) وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا (2))

تحدثنا في الحلقات الماضية عن بعض علوم السورة والآية الأولى واليوم نكمل ما بدأناه فيما يتعلق بالآية الأولى في قوله (وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)) وكنا وقفنا عند بعض فوائد هذا المقطع.

نبدأ بأول قضية أشرنا إليها وهي قضية العطف في قوله (وَاتَّقُواْ اللّهَ) مع أنه ابتدأ بقوله (اتَّقُواْ رَبَّكُمُ) فعطف بالألوهية على الربوبية في الأمر بالتقوى. وظاهر الأمر أن الأمر الأول (اتَّقُواْ رَبَّكُمُ) أنه مرتبط بعموم الناس والخلق مرتبط بالربوبية وأما الآخر مرتبط بالتشريع وغالباً ما يأتي التشريع مع إسم الجلالة (الله) وفيه من المهابة ما فيه وكأن القضايا التشريعية تحتاج إلى إلزام وتكليف فهي تحتاج إلى شيء من المهابة في الأمر فجاء بقتوى الله سبحانه وتعالى هنا دون الأمر بالربوبية.

وأيضاً من المسائل التي أشرنا إليها في وجه ارتباط آخر الآية (وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ) لماذا نبّه هنا على صلة الرحم وأشرنا إل أن هذا يناسب ما ذكره في أول الآية (وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء) وذكرنا أن معنى (بثّ) بمعنى نشر وأن البث من مستلزماته الانتشار في الأرض وهذا مظنة انقطاع الأرحام وعد التواصل بينهم فنبّه في آخر الآية إلى ضرورة صلة الرحم لأن هذا يحتاج فعلاً إلى أن يقام وأن يجاهد الإنسان نفسه بالتواصل مع أرحامه فقال (وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ) أن تقطعوها لأن كثيراً من المفسرين لا يربط بين الأمر بصلة الرحم في هذه الآية ومناسبتها في هذه الآية، والمناسبة أنه قال (وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء) وهذا مظنة قطيعة الرحم وانتشار الناس.

وهذا يؤخذ منه أن هذه السورة جاءت أيضاً لوضع الوشائج بين الناس واحترام هذه الوشائج وتقديرها فسنجد في هذه السورة احترام الأيتام وما يكون من الصلة بين الأزواج وكيفية التعامل فيها ومسائل كثيرة حتى ذكر في السورة قوله عز وجل (لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (114)) نلاحظ كيف أن الربط عامة جاء في هذا السورة (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ (128)) هذه السورة جاءت لإدراك هذا المعنى والتنبيه عليه والربط بين الناس وإيجاد التراحم بينهم واللُحمة ولأجل ذلك قسمت الأموال وقسمها الله سبحانه وتعالى لأجل أن لا يحدث بينهم خلاف أو شرّ أو إشكال في هذه الأموال التي تأتيهم من مورّثيهم، فهي قضية في غاية الخطورة، ننظر إلى إخواننا ونجد أننا نتساهل في أمر هذه الروابطط فإذا انقطعت لا تسعفنا إمكانياتنا في أن نربط، فنقول لا، البداية من هنا (وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ) يعني الرحِم هذه لا بد أن نعتني بها وأن نحافظ عليها وأن نعلم أن وصلها والحفاظ عليها قربى لله عز وجل فإذا حصل خلل ونحن قد اعتنينا سهل علينا إعادة الوصل مرة أخرى.

صلة الرحم الموجودة في أو ل الآية نلاحظ أن السورة كلها تؤكد هذا المعنى من حيث (يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ (11)) هذه صلة رحم، (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ (12)) العلاقة بين الزوج وزوجته متعلقة بالرحم أيضاً، تقسيم التركات والمواريث هذه صلة رحم وعدم تقسيم المواريث هذا يوصل إلى قطيعة رحم. البدء بقوله (وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ) إضافة إلى الصة الموجودة بين بثّ والأرحام لكن بقية السورة كلها تؤكد هذا المعنى وهذا يسمى براعة الاستهلال عند البلاغيين. والدكتور عبد الحميد طهماز رحمه الله -وقد توفي الدكتور نسأل الله أن يتغمده بواسع رحمته- ولعلّنا نعرّف بكتابه “حقوق الإنسان في سورة النساء” للشيخ عبد الحميد محمود طهماز رحمه الله وهو من أهل حماه من سوريا توفي عن 75 سنة، له سلسلة “التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم” وهي سلسلة ميسرة ومبسطة وتقرأ الكتاب هذا بالرغم من وجازته فتأخذ فكرة عن سورة النساء وكذلك بقية سور القرآن الكريم. والشاهد أنه سمى الكتاب “حقوق الإنسان في سورة النساء” الآن ما أكثر المواثيق التي تكتب لحقوق الإنسان من الأمم المتحدة والقوانين المعاصرة، ليس هناك الآن نصّ في هذه الحقوق التي يزعمونها على مسألة صلة الأرحام التي جاء بها الإسلام، هذا المعنى الشرعي السماوي “صلة الرحم” وحتى عندما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن الرحم عندما خُلِقت فتعلّقت بالعرش واستجارت بالله سبحانه وتعالى من القطيعة قالت هذا مقام العائد بك من القطيعة فقال ألا يرضيك أن أصل من وصلك وأن أقطع من قطعك، وتأمل قوله تعالى (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (23) محمد) ونحن ننظر للموضوع ببساطة شديدة على أن مسألة الرحم مسألة اختيارية إن شئت أن تصل وإلا أنت في حلّ ولكن المسألة ليست بهذه البساطة بدليل العقاب (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (23)) إن توليتم عن الاستجابة لهذا الأمر. صلة الرحم واضحة في سورة النساء بشكل كبير جداً وكونها من أظهر حقوق الإنسان على أخيه فضلاً عن أنها تكون حقوق المسلم على أخيه، حقوق الأقارب. وهناك مسألة مهمة وهي أنه قد يفهم بعض الناس أن الصلة تعني أن لا يحدث منه سوء  وليس هذا هو المقصود هناك حقوق وقطيعة بمعنى أن يقطع الإنسان الرحم ويسيء إليها وهناك سلبية في التعامل مع الأرحام، لا يؤذيهم ولكنه لا ينفعهم ولا يصلهم ولا يقدم لهم خيراً ولا يتبع جنازتهم ولا يعود مريضهم ولا يواسي ضعيفهم وهذا حرام أيضاً لأن المأمور به هي الصلة والصلة أن تصل ببرّك وإحسانك ونفسك وعونك ورِفْدك وأشياء كثيرة جداً ولهذا نقول ليس المطلوب منك ليس أن تكون غير مؤذٍ ولكن المطلوب أن تُحسن وتجتهد في الإحسان وأن تبالغ فيه ما استطعت. ولو جلسنا نتحدث عن طريقة النبي صلى الله عليه وسلم في إيصال هذا المعنى إلى أصحابه وإقناعهم به وبيان كيف كان صلى الله عليه وسلم يصل رحمه ويوصي بصلة الرحم لن تكفينا جلسة ولا جلستين.

هناك كتاب طُرِح حديثاً سنقرأ منه عبارة ونعلّق عليها وهو كتاب جديد طبعته الأولى عام 1430 هــ من كتب التفسير  وهو “فتح الرحمن في تفسير القرآن” للإمام القاضي مجير الدين بن محمد العليمي المقدسي الحنبلي توفي سنة 927 هـ. في نفس السورة في الآية التي نتكلم عنها لما تكلم عن قوله (يا أيها الناس) يقول خطاب لجميع بني آدم ثم قال الناس نعتٌ لـ(أيّ) والناس والمؤمنون ونحوهما تعمّ العبيد عند أحمد وأصحابه وأكثر أتباع الله (نذكر هذا لكي أنبّه أثر المذهب في إبراز هذه الفائدة مع أن كثيراً من المفسرين لا يذكر هذه الفائدة). لكنه أشار إلى مذهب الإمام أحمد أنه يرى أن كلمة (الناس) تشمل الحرّ والعبد والمؤمنون. إذن في الخطاب هنا بالأمر أو النهي يشمل هؤلاء.

(وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ) فيها قراءتان، (وَالأَرْحَامَ) قراءة الجمهور والقرآءة الأخرى (وَالأَرْحَامِ) وهذه قراءة حمزة. يقول العُليمي قراءة العامّة بالنصب أي واتقوا الأرحام أن تقطعوها وقرأ حمزة بالخفض (وَالأَرْحَامِ) أي به وبالأرحام وقال الأولى أفصح (قرآءة الجمهور). وهذا منهج للعلماء سلكوه في إبراز الفصيح والأفصح من القراءات وبعض المتأخرين ينزعج من هذا التعبير أنه لا يجيز قول الفصيح والأفصح مع أن هذا مخالف لقوانين لغة العرب، ولغة العرب فيها فصيح وأفصح، لكن كل كلام الله سبحانه وتعالى في الذروة العليا من الفصاحة ثم يتفاضل بعد ذلك. ولكن لا يُفهم من قول أفصح أن الثاني ليس فصيحاً، بينما هذه القرآءات وصلت إلى حد الفصاحة التامة ثم بعد ذلك تتفاضل في مجال الفصيح والأفصح فقط. وربما لو عبّروا بدل الفصيح والأفصح بعبارة أخرةى تكون ألطف مثل أشيع، مثلاً نقول (وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ) هذا أشيع في الاستخدام، لكنهم وصفوه بالأفصح لأن العرب يستخدموها. هذه مصطلحات ليس فيها إشكال لأنها مصطلحات معروفة ومتداولة. والأخطر من هذا في هذه القرآءة هو موقف البصريين اعتراضهم على القرآءة حتى أن المبرِّد توفي سنة 285 هـ  وهو أكبر البصريين في عصره قال عن هذه القرآءة: “لو قرأ بها قارئ في الصلاة لتأبطت نعلي وخرجت من الصلاة”. يرى أنها قرآءة فاسدة بالنسبة له. ونلاحظ أن كثيراً ممن عالج قضية القرآءات يتشدد في الاعتراض على من اعترض فيتكلم عن المبرّد أو يتكلم عن غيره من العلماء الذين اعترضوا على بعض القرآءات تجد أنه يكون سليطاً أحياناً وبعضهم يكون شديداً في النقد والحقيقة أن هناك ملحظ أرى أنه مهم جداً ينبغي أن لا نغفل عنه وهو البحث عن السبب الذي دعا هذا العالِم الكبير _نحن نتكلم عن المبرِّد إمام أهل البصرة في زمانه وليس طالب علم- فلم أجد إلى الآن من بحث عن السبب الموجب الذي دفعه للإعتراض على القرآءة ولو عرفنا السبب يخفف عنا وطأة التعامل مع هذا العالِم أو غيره. عندنا عاطفة في تلقي هذه المعلومة وأنه قد ردّ قراءة متواترة! ولا يُتصوّر أن المبرِّد ينكر القرآءة لو كانت متواترة عنده، لكن كان هناك قوانين يعملها المبرِّد أوصلته إلى هذه النتيجة. وإن كنا نحن نخالف، ولكن المقصد أنه لا بد أن نعرف ما هو السبب الموجِب ولا يُتصور أن مثل هذا العالِم كان يُطلق هذا جزافاً.

ودراسة التاريخ ضرورية جداً في هذا الباب وأظن والله أعلم وهذه تمر في كل مسائل العلم وليست في القرآءات وحدها. أحياناً تجد مسألة في بادئ الأمر قولاً فيه شذوذ ثم بعد ذلك يتتابع الناس حتى ينقطع مثل هذا القول فتستغرب كيف قال فلان مثل هذا القول؟! لأنه تصور المسألة بصورة معينة. البحث التاريخي في أي أمر يُجلّي لنا الحقيقة. ولذلك في موضوع القرآءات أشيعت القرآءات المتواترة واتفق على أن هؤلاء القرّاء كل ما يتلون به قد تواتر وأنه منضبط وقد فحصه العلماء فحصاً إسنادياً ولغوياً بحيث لا يلدّ عنه شيء، هذا جاء في القرن الرابع (ابن مجاهد ومن بعده) وما كانوا يطلقون  عليهم متواتر وإنما كانوا يقولون قرآءة مستفيضة، لكنهم يرون أنه ما قرأ بها فلان إلا لأنه قرأها على عدد يستحيل تواطئهم على الكذب أو لا يمكن أن يكون هذا النقل فيه شيء من الاختيار الشخصي الخارج عن الرواية. في السابق كان ذلك محتملاً في عهد المبرِّد أو غيره من الأئمة المتقدمين الذين رويت عنهم مثل هذه الاعتراضات كان ذلك غير موجود ومن المحتمل أن هذه القرآءة كانت بمحض السليقة أو اللغة وهذا احتمال وارد لأنها ما تواترت عندهم ولهذا ينقدها نقداً لغوياً متجرداً ولا ينظر إلى الاعتبارات الأخرى وربما لو علِم بصحة الرواية مثلاً فتختلف القضية. وقد وقع الطبري رحمه الله في مثل هذا كثيراً.

وجه تخطئة المبرِّد للقرآءة: هو قال وقرآءة العامة بالنصب (وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ) يعني واتقوا الأرحام الأرحام مفعول به منصوب بالفتحة الظاهرة على آخره. وقراءة العامّة يقصد بها قرآءة بقية القراء وليس عامة الناس، قرآءة العامة يعني قرآءة الجمهور. حمزة الكوفي خالف القراء وقرأ (وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامِ) بالجرّ فقالوا وجه التخطئة “كيف يا حمزة تعطف ظاهراً على مُضمر؟” يعني واتقوا اللهَ الذي تساءلون به (الهاء في (به) يعتبر ضمير فعطف عليه إسم ظاهر فقالوا هذا خطأ وهذه القرآءة مردودة. ويقولون العرب لا تعطف إسماً ظاهراً على مُضمر، فعندما قال (وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامِ) عطف كلمة الأرحامِ وهي ظاهرة على الضمير الذي هو الهاء في (به) هذا هو الخطأ لكن لما تتبع لغة العرب تجد أنها استخدمت هذا الأسلوب. معناها أن المبرِّد حكم بحسب علمه وبما رأى وهو كان إمام اللغة في عصره لكنه فات عليه كثير من الشواهد الشعرية التي عطفت فيها العرب الظاهر على المضمر ولو رآها المبرِّد لرجع لأنه رجّأع وأوّاب

إبن عاشور وهو يعترض على المبرِّد قال: يقول المبرِّد ” لو قرأ الإمام بهذه القرآءة لتأبطت نعلي وخرجت من الصلاة” وهذا من ضيق العطن وغرور بأن العربية منحصرة فيما يعلمه ولقد أصاب ابن مالك في تجويزه العطف على المجرور بدون إعادة الجرّ. وإبن مالك من أكثر من أورد الشواهد ولذلك يتهمونه بأنه يصنع الشواهد وأنه يأتي بشواهد لا يعرفها المتقدمون من النُحاة ونحن نبرّئ ابن مالك من مثل هذا لكنه كان رجلاً واسع الإطلاع وقد ذكر هذا ألفيته

وحجّتي قراءة ابن عامر            وكم لها من عاضدٍ وناصر

العربية واسعة سعة لا يمكن أن يحيط بها أحد كما قال الشافعي العربية لا يحيط بها إلا نبي. وعليه فمتوقع أن يحدث من هؤلاء الأئمة رغم إطلاعهم في العربية أن يندّ عنه كثير. الإمام الطبري على سعة اطلاعه كان ينكر بعض القواعد الإعرابية بهذه الحجة. محمد عبد الخالق عضيمي رحمة الله عليه في كتابه “دراسات في أسلوب القرآن الكريم” الذي أخذ عليه جائزة الملك فيصل عام 1401 هـ العجيب هذا الرجل في كل قضية من قضايا اللغة التي قيل فيها ضعيف أو شاذ أو قليل أو نادر أو منكر أو غيرها من العبارات التي يُحكم فيها على أسلوب معين بأنه لا يمكن أن يكون في العربية بدأ يتتبّع الشواهد من القرآءات القرآنية ويستخرج أحياناً على القضية التي قيل فيها شاذ أحياناً 25 موطن ومثال في القرآن أنه قرئ به ويقول كيف يُحكم عليه بالشذوذ وقد ورد في أفصح كلام وأيضاً ورد في 25 موطناً في القرآن؟!

هذا يعيدنا إلى القضية الاستقرائية وخصوصاً في اللغة العربية وأنك تضع شيئاً معيناً نصب عينيك وتدخل إلى العلم العربية وأنت لا تريد شيئاً غيره تبحث. وأذكر في الصف الأول في الكلية فجاءنا قضية الكلمات التي بنيت على الفعل المبني للمجهول لا يُعرف لها المبني للمعلوم، هناك عدد من الكلمات العربية تُعرف بالمبني للمجهول فيقول صاحب الكتاب “وهذه كلمات في لغة العرب لا تتجاوز الخمس أو العشر” وذكر نماذج، يقول تتبعتها في العربية فأخرجت من لسان العرب أكثر من سبعين كلمة. وهذا يدل على أن قضية الاستقراء مسألة مهمة للخروج بنتائج صحيحة ومنضبطة لأن العالِم لا يضع خاطره في شيء معين فيندّ عنه كثير.

الختام في قول الله عز وجل (إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) هذا الختام مناسب جداً للمعنى الذي ورد في الآية وهو التقوى (اتَّقُواْ رَبَّكُمُ) (وَاتَّقُواْ اللّهَ) وقضية صلة الأرحام فالتقوى يحتاج التأكيد عليها أن يقال لك هناك رقابة عليك لأن التقوى داخلية والنبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر قضية التقوى أشار إلى صدره، يعني محل التقوى القلب، فأساسها قلبي فإذن حتى يُخوّف العبد ليلتزم هذه التقوى ويقوم بها فلا بد أن يقال له هناك رقابة من الله سبحانه وتعالى والله يراقبك ومطلّع عليك في سرّك وعلانيتك في ليلك ونهارك في كل حال من أحوالك لن تغيب عن نظر الله سبحانه وتعالى في أي حال من الأحوال وهذا الذي يحدو الإنسان على التقوى، لأن الآن قد تتقي أمام الناس أو أمام المصلين أو أمام طلابك أو أمام من تخافه أو تخشاه لكن إذا كنت في خلوة من خلواتك تصرفت كيف تشاء فيقال لك إتق الله، الله رقيب عليك مطلع عليك لا تغيب عنه لحظة، إذن ركن التقوى هو المراقبة. وفي قضية الأرحام المراقبة مهمة جداً لأنه يمكن أن لا تحسن وأن لا تسيء ولا يسألك أحد لكن يبقى حق الله، اتق الله، أنت الآن إن نجوت من مراقبة أرحامك سواء قدّمت لهم أو لم تقدم، وصلتهم أو لم تصلهم فإن الله سيسألك عن هذه الرحِم، إتق الله، هذه ليست قضية اختارية لكنها قضية يتعبّد الإنسان بها. ولا شك أن الختام واضح وظاهر المناسبة.

لو تأملنا الآية فيها نوع من العموم (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) ولذلك في قولة عتبة بن ربيعة للرسول صلى الله عليه وسلم “ناشدتك الله والرحِم” وهي من عادات الجاهلية عندهم مع أنهم كانوا يخلّون ببعضها مثل قضية اليتيم بالذات والمرأة مع أنهم كانوا يعنون بالرحِم ويسألون بها لكن هناك صور من الرحم عندهم فيها خلل من عاداتهم في الجاهلية وجاء الإسلام ليصحح هذا الخلل، يبقي ما بقي صحيحاً عندهم ويتمم.

إذن هذه الآية عامة ثم دخل في التفصيلات ولهذا ابتدأ بحق اليتيم فقال (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) ثم قال مباشرة (وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ) اليتامى جنس من الأرحام مما كان يخل به أهل الجاهلية فحسن الابتداء به ولأنهم أضعف هؤلاء الأصناف لا يستطيعون أن يعبّروا عن حقوقهم ولا أن يستجلبوها ولا أن يدافعوا عنها ولهذا جاءت العبارة (وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ) آتوا، أدّوا، أعطوا بيان للحق وأمر بتقديمه من دون مقدمات لأن حق ظاهر جداً. (وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ) نسب الأموال إليهم معناه أن هذا المال ليس تفضلاً منكم ولكنه حق ثابت لهم خالص لا شك فيه ولا بديل.

سؤال يرد في كتب التفسير: كيف يقول (وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ) وصفة اليتم تزول عن الشخص إذا بلغ لأنهم يقولون اليتيم الذي مات والده من الناس والذي ماتت والدته من البهائم وسمي اليتيم يتيماً لأنه منفرد ويقال هذه قصيدة يتيمة يعني ليس لها نطير أو شجرة يتيمة منفردة بعيدة عن الشجر، واليتيم سمي يتيماً لأنه أصبح بلا معين ولا ناصر مات والده الذي كان يعيضده وينصره، فلما يبلغ تزول عنه صفة اليتيم فيستحق أن يُعطى المال إذا بلغ رشده وزالت عنه صفة اليتم. والخطاب في الآية (وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ) لأن اليتيم يحتاج إلى ماله يُنفَق عليه منه قبل بلوغه فيُعطى حقه فلا يتكفف الناس ويسألهم، وإنما يُعطى ماله الذي هو له والذي هو حقه. ومعنى المال في هذه الآية يختلف عن المعنى في الآيات التي ستأتي (وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ (6)). فالآية الأولى مقصود بها أن تنفق عليه من ماله وهو صغير والآية الثانية تعطيه ماله بعد أن تستوثق منه.

وفي قوله تعالى (وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ) التعبير بالإيتاء يختلف عن التعبير بالإعطاء (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) الكوثر)، ويأتي في القرآن الإيتاء ويأتي الإعطاء وكلاهما معناهما الكلي واحد لكن هناك فرق بين الإيتاء والإعطاء. وقد يكون في افيتاء معنى التأتي شيئاً فشيئاً أما الإعطاء فيكون جملة ولكن هذا يحتاج لتتبع أكثر واستقراء أكثر ولكن هذا الذي يظهر لي في معنى الإيتاء أنه يأتي شيئاً فشيئاً والإعطاء دفعة واحدة (جَزَاء مِّن رَّبِّكَ عَطَاء حِسَابًا (36) النبأ) جاءهم دفعة واحدة (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ) أعطيه دفعة واحدة وانتهى.

(وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ) الإنسان الذي يخاف الله عز وجل لا يحب أن يكون ما يأكله خبيثاً ولا ما يأخذه خبيثاً فيقول (وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ) لأنه ما تأخذه من مال هذا اليتيم سيكون خبيثاً لأنك تأخذه بغير حق. والعجيب أنه يصف الخبث في المال في أكثر من موطن في القرآن مما يدل على أن وصف الخبيث مع أنه أحياناً لا يكون ظاهراً له مدى الخبث الذي يكون في مثل هذه الأموال وأيضاً يدخل عليه الخبث في ماله كله وحياته وفي أهله فيفسد عليه ماله الطيب. والخَبث فيما يبدو أنه درجات بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر أجرة الحجّام وحلوان الكاهن ومهر البغي ذكر في كل واحدة منها أنه خبيث مما يدل على أن الخبث أصناف هناك خبث بمعنى أنه ليس هو الأولى ولا ينبغي للإنسان أن يجعل رزقه منه ليس لأنه محرماً لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الحجّام أجره ومع ذلك سمّى أجرة الحجام خبيثة لأنها شيء مسترذل ليس هو الأولى أن يجعل الإنسان مهنته الأساسية التي يعيش منها ويسترزق هذه الصنعة. ويصل الخبث إلى أن تفعل الفِعل المحرّم فتأخذ منه أجرة كما هو مهر البغي نسال الله العفو والسلامة. ويصل الخبث أن يكون فيه تعدي على حقوق الآخرين كما في أكل مال اليتيم. وقد يزيد الخبث على ذلك من الاسترزاق من السحر والشعوذة والكهانة وادعاء علم الغيب والشرك بالله عز وجل والعياذ بالله وبيع الأصنام.

(وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ) اليتامى جاء الحديث في هذه السورة عن حقوقهم كثيراً وعن التحذير الشديد من أخذ أموالهم أو التساهل في أكل شيء منها بغير حق أو التهاون في رعاية حقوقهم، فلو يبحث موضوع اليتامى في سورة النساء فهو بحث طويل.

ذِكْر آيات اليتم في القرآن لا أتصور أن مسلماً يسمع هذه الآيات ولا يتأثر بها ولهذا من قدر الله سبحانه وتعالى أن يكون محمد صلى الله عليه وسلم يتيماً ولهذا ذكّره الله سبحانه وتعالى بآية النعمة عليه في سورة الضحى (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى (6)) وهذه مفخرة لليتيم أن سيده محمد صلى الله عليه وسلم كان يتيماً ولهذا في نفس السورة قال تعالى (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9)) ولهذا سبحان الله قال (كَلَّا بَل لَّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (18) الفجر) (فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) الماعون) انظر كيف هي أخلاقيات أهل الجاهلية مع أنهم كانوا يتساءلون بالأرحام كيف كانوا يتعاملون مع الضعفاء وهم من الأرحام! لما تذكر مثل هذه الايات التي وردت في اليتيم ستجد فيها غناء ولم يشر أي دستور من دساتير البشر إلى هذه الحيثية وبهذا الوضوح حتى مراعاة نفسية اليتيم وتفاصيلها ومشاعرها وأحساسيها قال تعالى (وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا (8)) أين تجد هذا؟! هؤلاء ليس لهم حق قانوني مثل الورثة لكن بما أنهم حضروا يعطوا شيئاً. هذه السورة العظيمة ظاهر فيها إعطاء هؤلاء اليتامى حقهم والدفاع عن حقوقهم وبيان لهم والذي ينتصر لهم هو الله سبحانه وتعالى أوليس حرياً بنا نحن أن ننتصر للضعفاء كما انتصر الله لهم في هذه السورة الكريمة أياً كان هؤلاء الضعفاء حتى لو كانوا من الكفار! هؤلاء الضعفاء ينبغي لنا أن ننتصر لهم وأن نعلي قدرهم وأن نأخذ بحقهم وأن لا ندع أحداً ينتهك شيئاً من حقوقهم وأن نبعث الرحمة في قلوب الناس تجاههم لأنهم يستحقون ذلك ولأن الله سبحانه وتعالى أمرنا بذلك ولأن الله سبحانه وتعالى فعل ذلك وآثرهم فحري بنا أن نفعل هذا. منظمات حقوق الإنسان ينبغي أن تفعّل في الدول الإسلامية وأن يشارك بها أهل العلم والفضل لأنها في حقيقتها دفاع عن حقوق الضعفاء والمساكين والرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول” إنما تُنصرون وترزقون بضعفائكم”، ولقد فرّطنا في هذا الأمر غاية التفريط ونحن نرى كثيراً من إخواننا المسلمين في كثير من بلاد العالم تنتهك حقوقهم حتى حقوقهم في الحياة حقوقهم حتى في الطعام والشراب والدراسة وأصبحنا لا نحرّك ساكناً نسأل الله أن يلطف بنا وبهم، صحيح أنه موجود في بعض الدول الإسلامية دور لرعاية الأيتام وهذه مبادرات رائعة لكن هذا التشريع السماوي الذي ذكره الله تعالى في القرآن في أكثر من موضع جدير بأن يكون حظه أكثر من هذا سواء على مستوى الدول أو الأفراد ولكن نسأل الله أن يتجاوز عنا. يذكر بعض المحامين أنه إذا جاءته قضية لأرملة أو يتيم فإنه يدافع عنها بدون مقابل فيقولون أنه ما قام بشيء من هذا إلا عوضه الله عز وجل بقضية أخرى حصّل منها خيراً كثيراً.

في قوله تعالى (وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ) هذه من لطائف القرآن، هل الآن النهي منصبّ على أن هذه السورة لا تأكل أموالهم إلى أموالكم، بعض اللغويين يقول (إلى) بمعنى (مع) يعني تأكل أموالهم مع أموالكم أو على قول التضمين يعني تأكلوا أموالهم ضامّينها إلى أموالكم فيقدّم الفاعل أو الشبيه بالفعل لكي يتناسب مع حرف الجر (إلى) لا تأكلون أموالهم ضامّينها إلى أموالكم. السؤال هل هذا القيد مقصود النهي (وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ)؟ (إلى) لو أكلته بدون أن تدخله إلى مالك؟ واضح أن فيه اختلاط، وهذا هو الغالب في التصرف أن يضمّ مال اليتيم إلى مال الشخص ويدمجهما بحيث يذوب هذا بهذا لكن ذاك أشد وأنكى لو أكل مال اليتيم صراحة!. ولهذا (وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ) هذا نهي رقم ثلاثة لأنه قال أولاً (وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ)، ثانياً (وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ) والثالثة (وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ) فإذن يكون هناك نوع من العدل لأنه عندما تخلط سيكون تمييز مال اليتيم عن مالك صعباً. لذلك ستأتي الآيات الدالة على إباحة اختلاط المال لكن بما يصلحه وهو العدل. لذلك جاء الجواب عنها في قوله تعالى في سورة البقرة (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ (220)) لأنها جاءت في حلّ إشكالية لما تحرّج الصحابة من خلط أموال اليتامى مع أموالهم خشية أن يصيبهم شيئ من الحرج فصار الحرج مضاعفاً لأن مال اليتيم سيتلف بشكل مضاعف عندما تشتري له خبزاً لوحده وطعاماً لوحده ستتضاعف عليه التكلفة بخلاف ما لو أكل مع المجموعة ودخل كسهم من أسهمهم فالله عز وجل رفع الحرج عنهم وبيّن أن رفع الحرج متصل بالتقوى (فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ (220) البقرة) وقدّم المفسد لأنه أغلب أو لأنه يراد تهديده، لما يؤتى بعلم الله يراد منه التهديد ويراد به العجلة والمثوبة. (وَلَوْ شَاء اللّهُ لأعْنَتَكُمْ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) أي لشق عليكم ولأمركم بالفصل في كل ذرّة. ونحن نقول الإنسان يتقي الله ويراقبه في هذا الأمر. حتى في التجارة إذا دخل الإنسان في تجارة وأراد أن ينمي مال اليتيم يدخل في تجارة يتيقن بالفعل أنها محل النماء، أو يغلب على ظنه.

(إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا (2)) الحوب هو الإثم العظيم ولذلك ذكره هنا ولم يرد في القرآن إلا في هذا الموطن إشارة إلى أنه ذنب عظيم.

لماذا عبّر بالأكل ولم يعبر بالأخذ في الآية (وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ)؟ هل لأن الأغلب في انتفاع الناس بالأموال الأكل؟ لذلك جاء (وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَّمًّا (19) الفجر). الذي ذُكِر أن أكثر ما يستخدم المال هو للأكل فعبر عنه بذلك والمقصود أخذ المال. وأيضاً الأكل فيه إشارة إلى أنه لا يبقي له أثراً يعني يأخذ كل أموال اليتيم ولا يترك له أثراً فلا يأكل اليتيم فيه أي شيء فالتعبير (إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا) هو متناسب مع هذا النهي العظيم جداً المتعلق باليتيم وكأنه يحتاج بالفعل لهذا التهديد الشديد لأن هذا الفعل إن فعلتموه فإنه إثم وليس إثماً فقط بل إنه إثم كبير وعبّر عنه بالحوب الدال على ضخامة هذا الإثم ثم أيضاً وصفه بأنه كبير.

محاور الحلقة:

التنبيه في الآية على ضرورة صلة الرحم

براعة الاستهلال في السورة

كتاب “حقوق الإنسان في سورة النساء” لعبد الحميد طهماز رحمه الله

أوجه القرآءة في قوله تعالى (وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ)

إعتراض البصريين على قراءة (والأرحامِ) بالجرّ

وجه ردّ قرآءة (الأرحامِ) بالجرّ: قالوا لا يعطف إسم ظاهر على مُضمر

مناسبة ختم الآية بقوله تعالى (إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)

المُراد باليتيم

المُراد بقوله (وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ)

بُثّت الحلقة بتاريخ 26 رجب 1431 هــ الموافق 7/7/2010م

 


من قسم الفيديو

http://www.islamiyyat.com/video.html?task=videodirectlink&id=2215

رابط الحلقة المرئية :

http://www.almoso3h.com/video/6072/بينات-تدبر-سورة-النساء-الايتان-1-و-2

==============
الحلقة الثالثة

alt

==============

رابط جودة عالية
http://ia360705.us.archive.org/5/ite…saa/bayan3.AVI

==============

رابط جودة متوسطة
http://ia360705.us.archive.org/5/ite…aa/bayan3.rmvb

==============

رابط صوت
http://ia360705.us.archive.org/5/ite…saa/bayan3.mp3

==============