الحلقة 16
تأملات في سورة النساء من الآية (32) إلى الآية (34)
د. الطيار: بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله, نعود إليكم مرة أخرى أيها الإخوة المشاهدون وأيتها الأخوات المشاهدات في هذا اللقاء في سورة النساء, ولعلنا نبتدئ بقراءة الآيات قبل أن ندلف إلى ما فيها من المعاني فإلى التلاوة:
(وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُل بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (32) وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا (33) الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34))
بعد أن استمعنا لهذه الآيات الكريمات لعلنا نعود إلى ما وقفنا عليه في اللقاء السابق وكان الدكتور عبد الرحمن حفظه الله وقف عند علامة الوقف أو اختلاف علامة الوقف بين الطبعة الأولى والطبعة الثانية لمصحف المدينة النبوية.
د. الخضيري: في أي آية؟!
د. الطيار: في قوله سبحانه تعالى: (وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ) في الطبعة القديمة وضعوا علامة الوقف الأوْلى, وفي الطبعة الجديدة وضعوا علامة الوقف الجائز. طبعًا الوقف الأوْلى يفهم منه أنّ الوقف أوْلى من الوصل وإن كان الوصل لا بأس به ولكن درجته أقل من الوقف, بمعنى أنّ علة الوقف مقدمة على علة الوصل, وهنا قالوا الوقف جائز ومعناه: استواء الطرفين, فعلة الوقف وعلة الوصل سواء. وإذا وضعوا الوصل أوْلى فأيضًا إنّ علة الوصل مقدمة على علة الوقف فكأن الوصل يكون أوْلى, وهنا عندنا الآن صار خلاف بين الطبعتين وكان الدكتور عبد الرحمن يتكلم حول هذا الاختلاف فلعلنا نعيد نفس الحديث مرة أخرى.
د. الشهري: بسم الله الرحمن الرحيم, أنت كنت أشرت إلى أنّ (إنّ) إذا كانت في مثل هذا الموضع في قوله: (إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) فإنها تحتمل معنيين: إما أن تكون للاستئناف, وإما أن تكون للتعليل, فتأملت فوجدت أنها إذا كانت للاستئناف فإن الأفضل أن يكون علامة الوقف الأوْلى “قلي” وهي موجودة في الطبعة الأولى, واذا كانت للتعليل فإنها الأوْلى أن تكون علامة الوقف الجائز.
د. الطيار: أو نقول “صلي”
د. الشهري: أو “صلي” ما المكتوب عندك ؟
د. الطيار: مكتوب جائز
د. الشهري: مكتوب جيم
د. الطيار: لكن إن قلنا إنها للتعليل فقط يكون الوصل أوْلى, وإذا قلنا أن (إنّ) تحتمل التعليل والوصل سواء لا التعليل والاستئناف سواء “جيم” , فأنا جاءتني فكرة طرحتها ذلك الوقت وهي فكرة: هل يراعي الآن التفسير الميسر على هامش المصحف؟! هل روعي في بيان المعنى اختلاف اجتهاد لجنة المصحف نفسها يعني الذين وضعوا علامة الوقف الأوْلى كانوا يرجحون معنى, أليس كذلك؟!
د. الخضيري: بلى
د. الشهري: فهل اتبعه الذين كتبوا التفسير الميسر والذين رأوا أنه علامة الوقف الجائز هل روعيت أيضًا هذه في التفسير؟!
د. الطيار: جميل كيف تراعى؟!
د. الشهري: تراعى في صياغة المعنى
د. الطيار: أو في علامة الوقف أو في علامة الترقيم؟!
د. الشهري: ممكن في علامة الترقيم لكن أتصور أنه لو يعبر في صياغة المعنى
د. الطيار: في صياغة المعنى قالوا: واسألوا الله الكريم الوهاب يعطكم من فضله بدلًا من التمني إن الله كان بكل شيء عليمًا
د. الشهري: نفس هذا بالضبط
د. الطيار: فمعنى هذا أنه
د. الشهري: ما انتبهوا للنقطة هذه
د. الطيار: فلو قالوا لأن الله لاختاروا التعليل
د. الشهري: والاستئناف؟!
د. الطيار: الاستئناف يلزم على الترقيم
د. الشهري: صح الفكرة المهم أنها تراعي يعني
د. الطيار: جيد هذه جميلة حقيقة فكرة لطيفة جدًا وهي: مراعاة علامات الوقف أثناء التفسير إما بالإبانة والإفصاح وإما بعلامة الترقيم
د. الشهري: فكرة أخرى, هل يا ترى الذين يقومون بالتفسير الآن يعني يأتي ويكتب تفسير للقرآن الكريم هل يستحضر مراعاة علامات الوقوف في طبعة مثلًا من المصحف يعتمدها في تفسيره؟ يعني الآن عندنا الآن الطبري على سبيل المثال الطبري فسر القرآن الكريم على رواية منهم من يقول أنها رواية حمزة ومنهم من يقول أنها روايته هو الذي اختارها
د. الطيار: اختارها هو هذا الأقرب
د. الشهري: حتى إني وجدت نقلًا جميلًا جدًا يا دكتور مساعد كنت ذكرته في برنامج مداد ذكرت أن نقل في كتاب غاية النهاية ترجمة أحد القراء من تلاميذ الطبري قال “وقرأ على أبي جعفر الطبري باختياره في سنة 306 أو 308 هـ عفوًا
د. الطيار: هذا كتاب التفسير
د. الخضيري: قبيل وفاة الطبري
د. الشهري: قبيل وفاة الطبري بسنتين مما يدل على أن الطبري كان يُقرئ باختياره بعض تلاميذه أليس كذلك؟!
د. الطيار: جميل
د. الشهري: الآن تفسير الطبري المطبوع الآن موجود في الأسواق مطبوع فيه رواية حفص
د. الطيار: صحيح
د. الشهري: ودكتور مساعد سبق أن اكتشف اكتشافًا جميلًا جدًا في تفسير الطبري وقال إن الإمام الطبري لم تبلغه رواية حفص لأنه تتبع مفردات حفص التي انفرد بها فوجد الطبري لا يتعرض إليها، أليس كذلك يا دكتور؟!
د. الطيار: صحيح
د. الشهري: بل حتى أذكر النقطة التي وقفت عندها هي: (نَزَّاعَةً لِّلشَّوَى) وهي من مفردات حفص في سورة المعارج فقال الطبري في هذا الموضع ولو قرأ أحد بالنصب لكان جائزًا أو لكان وجهًا في النحو ولكنه لم يقرأ أحد بذلك!
د. الطيار: وله نفس الفكرة هذه في أكثر من موطن
د. الشهري: نعم، والفكرة أنا أقول الآن هل يا ترى المفسر الآن سواء من الموجودين حاليًا أو من المتقدمين كان يعتمد على نسخة من المصحف بوقوفها وعلامات وقوفها ثم يبني عليها تفسيره للمعاني؟, مرت عليك هذه دكتور مساعد؟!
د. الطيار: لا والله ما مرّت
د. الخضيري: لكن الجانب العملي فيها في نظري هو أن من يريد أن يحقق كتابًا فعليه أن يتأكد من علامات الوقوف التي اعتمد عليها المفسر والقراءة التي فسر بها القرآن لأن بعض الذين يطبعون التفاسير القديمة ويحققونها يضع قراءة حفص مثلا تجد مثل ابن كثير رحمه الله ما اعتمد قراءة حفص ولا قراءة عاصم أصلًا وإنما المعتمد عنده أظن ابن عامر
د. الشهري: ولا ابن كثير مدري ابن كثير تفسير ابن كثير
د. الخضيري: إلا أظن ابن عامر أو لا اله إلا الله
د. الطيار: أبو عمرو البصري
د. الخضيري: لا ليس أبا عمرو
د. الشهري: المهم الفكرة واضحة أنها ليست حفص
د. الخضيري: ليست حفص قطعًا ليست عاصم أصلًا
د. الشهري: من الأخطاء الموجودة الآن في كتب التفسير تفسير الطبري مطبوعة فيه رواية حفص ما المشكلة؟! المشكلة أن الذي يقرأ في التفسير يقرأ الآية ويجد التفسير مخالفًا يفسر شيئًا ليس بمكتوب في الآية
د. الخضيري: صحيح
د. الشهري: من الأشياء الموجودة الآن تفسير الشوكاني مثلًا “فتح القدير” مطبوع رواية حفص والشوكاني يفسر على رواية قالون عن نافع, وابن جزي الكلبي رواية قالون عن نافع
د. الطيار: هي الرواية المشهورة
د. الشهري: وابن الجلالين أيضًا ليست برواية حفص وإنما هو مزيج من رواية حمزة مع رواية أبي عمرو
د. الطيار: بعض الناس يقول ما فهمت يعني هاتوا مثالًا: (وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءتْ لاَ يُؤْمِنُونَ) والقراءة الأخرى: (وَمَا يُشْعِرُكُمْ إنَّهَا إِذَا جَاءتْ لاَ يُؤْمِنُونَ) صياغة التفسير ستختلف
د. الشهري: بل وأوضح من هذا
د. الطيار: (مَـالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)
د. الشهري: في قوله سبحانه وتعالى: (وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا) هذه رواية حفص, ورواية قالون عن نافع: (وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِرهَا) فأنت عندما يفسر المفسر هو معتمد على رواية قالون فيقول (ننشرها) من النشر وهو: البعث, وتأتي أنت تكتب مثل الآية بحفص ما يفهم هذا ما معنى (ننشزها) فيتهم المفسر ويقول بعضهم الشوكاني هذا يتجاوز عن بعض الكلمات الغريبة ولا يشرحها لماذا؟! يقول: (ننشزها) هذه ما نتبه لها مثلًا
د. الطيار: وهذه قيمة كتابة التفسير على حسب رواية المفسر
د. الخضيري: وأمر آخر يا أبا عبد الملك وهو أن يعطى كل علم إلى أهله لأنه إذا جاء المحدث مثلًا أو المؤرخ وبدأ يحقق في كتاب في التفسير سيقع في هذه المطبات بلا شك لكن المفسر المتمكن صاحب الشأن سيعلم هذا ويعرف من أين جاء الإشكال ويحله
د. الطيار: هذا صحيح، ننتقل إلى الآية التي بعدها
د. الخضيري: وهي أيضًا فيها قضية في الوقف قال الله عز وجل: (وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ) يعني ممكن أن تقرأ: (وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ) / (الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ) فيكون بدلًا أو استئنافًا
د. الطيار: لا تصلح استئناف يا شيخ
د. الخضيري: (وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ) ثم تقف (الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ) هم الموالي يعني هم وارثون وليس موروثين , الآن الوالدان ما إعرابها؟!
د. الطيار: (وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ) صار فاعلًا هنا على الوصل
د. الخضيري: ويمكن أن تُقرأ أيضًا ويكون لها معنى آخر وان كانا متلازمين في الجملة أو يؤديان نفس الغرض: (وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ) ترك الميت
د. الطيار: جعلنا موالي له مما تركه هو
د. الخضيري: نعم من هم الموالي؟! الوالدان والأقربون
د. الطيار: هم الوالدان والأقربون على سبيل التفصيل
د. الخضيري: قصدي هذا يتصل بموضوع الوقف وهذا قول للمفسرين ممكن تجد بعض المصاحف يقول (وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ)- (علامة الوقف جيم) -(الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ)
د. الطيار: وهذا يدل على أهمية معرفة المعنى ومعرفة التفسير وأنا وجدت الداني له عناية كبيرة جدًا بالتفسير المكتفى
د. الشهري: المكتفى في الوقف والابتداء لأبي عمرو الداني هذا كتاب ممتاز
د. الطيار: يرتب عليه الوقف يقول: وجاء في التفسير ثم يقول, أو يقول: الوقف كذا وكذا جاء في التفسير, يعني يربط الوقف بالتفسير
د. الشهري: هل يا دكتور بحكم خبرتك في هذا, هل المفسرون تبع لمن وضع علامات الوقوف أو العكس برأيك؟!
د. الطيار: لا، هو الأصل العكس طبعًا, أنا رسالتي عنوانها “الوقف وأثره في التفسير” ونبهت في المقدمة أن الوقف هو في الحقيقة أثر من آثار المعنى
د. الخضيري: فرع عن التفسير
د. الطيار: فرع عن التفسير, يعني الذي وضع علامات الوقف يفهم المعنى يفسر ثم يضع وليس العكس. مثلًا على سبيل المثال: لما يأتي السجوندي عند آية المتشابه فيقول: (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ) ثم يضع (ميم) يعني وقف لازم, لماذا وضعت لازم؟! يقول: لأنه لايعلم أحد المتشابه إلا الله سبحانه وتعالى, يعلِّل، فسّر، إذن هو فهم هذا المعنى ثم وضع العلامة وهذا هو الأصل. لكن نحن الآن ننطلق من الوقف الموجود في المصاحف لنفهم المعنى فهذا الحقيقة صار ماذا؟! بعد العمل. لكن المتقدمون ليس الأمر عندهم هكذا وإنما يفهمون ثم يفسرون, حتى السلف لما تكلموا عن بعض معاني الوقوف يقول: هذه مفصولة لما يقول هذه مفصولة فإنهم يريدون ماذا؟!
د. الشهري: وقف لازم
د. الطيار: يريدون الوقف اللازم المقصد أن هذه الآية أو هذه الجملة لا علاقة لها بالجملة مثل آية آدم: (فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ)
د. الخضيري: (فلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ)
د. الطيار: فيجعلون (فلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً) مقطوعًا عما قبلها فتكون هذه مفصولة هذا من المفصول وهكذا, فإذن المقصود أن الوقف هو أثر من آثار التفسير و بيان المعنى
د. الشهري: الحقيقة علم شريف أغفلناه وتهاونا فيه!
د. الخضيري: بل حتى في دروس التلاوة كثير من الطلاب وكثير من الأساتذة يهتم بتطبيق أحكام التجويد ولا يعلم الطلاب كيف يعتنون بهذه المواقف, وأنا أرى هذا يا دكتور مساعد الآن ونحن ندرِّس الطلاب يجب أن نتواصى على العناية بتعليم الطلاب والتأكيد عليهم خصوصًا إذا كان يقرأ نظرًا، يا أخي بين يديك لماذا لا تعتني بها؟! لماذا العلماء وضعوها واعتنوا بها وكتبوها في المصاحف وفرقوا بين علاماتها؟! لأجل أنت أن تفهم المعنى من خلالها
د. الطيار: وليسمح لي بعض المقرئين لأن بعض المقرئين لا يفهم المعاني, ليس عنده فهم للتفسير كي يبين للطلاب, ولهذا أيضًا أقول يجب أن يجتنب بعض الوقوف التي يعتبر الوقوف فيها غرابة أو شذوذ وكثرت الآن مع الأسف العناية بها (قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ) / وقف/ (عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا) ويعني هذا وقف صحيح أن المعنى قد يكون مليحًا لكن هذا ليس المراد. أحيانًا يأتي إلى آية ويفصلها عما قبلها أو ما بعدها بطريقة الوقف غير ناظر إلى نظم القران العربي مثلًا بعضهم يأتي إلى قول الله سبحانه وتعالى وذكرتها كثيرًا (ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ) ثم يقول: (المجيد فعال لِّمَا يُرِيدُ) فيجعل (المجيد) مبتدأ وخبره (فعال لما يريد) وبناء على قراءتك الآن جمعت بين معنيين مرة يكون (المجيد) خبرًا ومرة يكون (المجيد) مبتدأ فهل هذا يصح؟! هذا فيه إخلال بنظم القرآن
د. الشهري: ولو كان المعنى صحيحًا
د. الطيار: ولو كان المعنى صحيحًا لأن (ذو العرش) بناء على قراءتك الثانية انقطع عن المعنى (ذو العرش) ماذا؟! لاحظت فأحيانًا ألاحظ أن بعضهم يعتني بهذا الأسلوب
د. الخضيري: أنا اسمح لي أن أشير في هذا الموطن إلى أن بعض من يفعل ذلك وخصوصًا في الصلاة وفي صلاة التراويح يريدون بذلك الإغراب. والإغراب الحقيقة بوابة من بوابات الشيطان على النفس الإنسانية من أجل أن يُذكر الإنسان وان يُشهر وأن يقول الناس جاء بجديد! عرف شيئًا لم يعرفه أحد, نقول: لا عليك بالعتيق, عليك بالذي عليه الكبار تراه ٌ لك, ما لم يعلمه أولئك ترى لا خير لك في علمه, ولذلك نقول: انتبهوا إلى هذه المداخل مداخل النفوس في كون الإنسان يريد أن يلفت أنظار الناس, ونخشى أن يدخل صاحبه في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من تعلّم علمًا ليباهي به العلماء ويجاري به السفهاء ويصرف به وجوه الناس فالنار النار) نخشى أن هذا يدخل فيه, فأنا أحذر طلاب العلم وأحذر القراء وأحذر أئمة المساجد من سلوك هذه الجادّة التي يكون للإنسان فيها مدخل أو للنفس فيها مدخل وهو لايتبينه
د. الطيار: وأنا أقول ليس وجود المعنى في نظرك هو كافٍ في أن تقف أو لا تقف
د. الخضيري: هل يليق هذا المعنى؟ هل هو فخم؟ جميل؟!
د. الطيار: انظر إلى ما قبله وما بعده
د. الشهري: من الأمثلة التي يذكرها أحدهم قال في قصة موسى عليه الصلاة والسلام: (فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ)
د. الطيار: من القيلولة
د. الشهري: (فقال) من القيلولة مناسب للمعنى هو فعلًا تولى على الظل وقال
د. الطيار: حرّف المعنى
د. الشهري: ثم يقول: (فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ)
د. الخضيري: ثم يعيدها مره ثانية؟ (قال) يستعملها مرتين؟
د. الشهري: نعم طبعًا لأن مقول القول جملة (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ) هذه مقول القول أصلًا ليس للقيلولة مدخل في هذا الموضوع مع إنها مستقيمة (فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ)!
د. الخضيري: دعونا نرجع إلى معنى الآية، أرى أن هذه الآية تُشْكِل على من يقرأ لأنه قد لا يدرك معنى كلمة موالي ولا يدرك أيضًا النظم في الآية. يقول الله عز وجل: (وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ) يعني لكل أحد من الناس جعلنا ورثة، هذا المقصود
د. الشهري: يعني ما في أحد مقطوع من شجرة كما يقولون , يجب أن يكون له وارث
د. الخضيري: نعم وهم سيرثون ماله, المقصود أن هذا المال سيكون لهؤلاء الموالي الذين يلونه وهم ورثته (ولكل جعلنا موالي) أي ورثة (مما ترك الوالدان والأقربون) الذي تركه الوالدان والأقربون لهم ورثة سيأخذون ذلك المال (الوالدان والأقربون) فاعل لقوله (ترك) فيكونون موروثين هنا. على الوقف الآخر (وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ) /وقف/ (الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ) الوالدان والأقربون: أي هم الذين يرثون هذا المال فهم الموالي
د. الطيار: لكن هذا أضعف
د. الخضيري: أضعف طبعًا, الأول أوْلى نعم
د. الشهري: أي الموالي هم الورثة
د. الخضيري: نعم الموالي هم الورثة، الموالي ترد في القرآن على معاني
د. الشهري: لكن في هذه الآية هم الورثة لأنهم هم الذين يلونه ثم الذين يلونه ثم الذين يلونه
د. الطيار: أنت أبو عبد الله قلت أمرين: الأمر الأول أن الإشكال بسبب عدم معرفة المراد بالموالي والأمر الثاني نظم الآية, كيف نظم الآية؟!
د. الخضيري: لما يقول ولكلٍ جعلنا (كلٍ) هذه هي (كل) تضاف
د. الشهري: تنوين العوض
د. الخضيري: وفيها تنوين يسمى تنوين العوض هي إذا أضيفت إلى الظاهر ظهر
د. الطيار: لكل واحد منكم
د. الخضيري: منكم، أما إذا جاءت (كلٍ) يقول (كلٍ) ماذا؟! يقال لكل إنسان موالي يرثونه، هذا المقصود
د. الطيار: (وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ)؟
د. الخضيري: كلمة موالي يا أبا عبد الملك هي حقيقة ترد على عدد من المعاني على أساس أبينها لإخواننا
د. الطيار: هي تدخل في الوجوه
د. الخضيري: في الوجوه والنظائر تأتي بمعنى: النصير, كما في قول الله عز وجل: (وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ) وأيضًا تطلق على الذي يتولى على غيره, كما في قوله: (فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَوْلاَكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ). تطلق أيضًا على المعتق كما في السنة (إنما الولاء لمن أعتق) وتطلق أيضًا على العتيق مولى القوم من أنفسهم, وتطلق على متولي الأمور من ملك أو أمير أو وزير أو والي يسمى ولي الأمر, أيضًا ومن معنى المولى أيضًا المشايخ لأنهم يتولون أمور الناس بالعلم
د. الطيار: أنا كنت أفكر في هذه الفكرة لماذا ما يؤلف كتاب يجمع وجوه النظائر في الكتاب والسنة معًا؟ ما ورد في الكتاب بمعنى وما ورد في السنة بنفس المعنى فهذا يكون أوسع
د. الخضيري: (مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ) وفي قراءة (عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ) (فآتوهم نصيبهم) هذا طبعًا يشير إلى شيء كان موجودًا
د. الطيار: في أول الإسلام
د. الخضيري: نعم وهو المعاقدة التي تكون بين رجلين وكانت معروفة في الجاهلية. يتعاقد اثنان على أن يكون بينهما الدم الدم والهدم الهدم ويتوارثان حتى أنه يقول: أن ترثني أو أورّثك ثلث مالي وتورثني ثلث مالك, من شدة المعاقدة التي بينهما. فالله عز وجل أمر أن يوفى بهذه العقود وهذا الإسلام لا يأتي إلى شيء فيه خير إلا ويزيده شدة ويؤكد عليه. الآن يبقى قضية واحدة في هذه المعاقدات وهو ما يتصل بالميراث هذا نُسِخ بما شرعه الله عز وجل وبيّنه من أن المواريث إنما تكون للقرابات ولا تكون للولاء والمؤاخاة
د. الشهري: هذا ذكرني بحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يقول: (ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه) فيه إشارة إلى أن القرابة هي سبب وجيه أو سبب وثيق للإرث وأن حق الجار من كثرة ما وصى به جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم حتى ظن أنه ربما سيجعل له نصيبًا في الميراث من شدة التوصية به
د. الطيار: (إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا) ما مناسبة الآية؟!
د. الشهري: كأنه يظهر لي أن الله سبحانه وتعالى يشير إلى أنه إذا وقعت المعاقدة بينك وبين أحد, طبعًا هذه كما تفضلت نُسِخت, وقد لا يعرف ولا يعلم بها إلا الله سبحانه وتعالى وأنت والرجل هذا الذي وقع بينك وبينه المعاقدة والمحالفة فالله سبحانه وتعالى يدعو للوفاء بهذا العقد في هذه المعاقدة التي تمت بينك وبينه وأنه إن لم يكن هناك من يشهد على هذا فإن الله تعالى كان على كل شيء شهيدًا, هذا يظهر لي
د. الخضيري: نعم هذا هو، في جانب الوفاء الله شاهد عليها ومطّلع فإياكم أن تخيسوا بالعهد وتنقضوه!
د. الشهري: تلاحظون إخواني سبحان الله إلى الآن ونحن تكلمنا عن 33 آية فيها الكثير من الحقوق المالية والحقوق التركات والحقوق العلاقات وفي كل آية يؤكد الله سبحانه وتعالى على مراعاة الوازع الديني -إن صح التعبير- يعني وهذا حقيقة جانب تربوي نحن غفلنا عنه اليوم كثيرًا والذين يسنّون العقوبات الآن والغرامات وإلى آخره لكي يلزموا الناس بتنفيذ الأنظمة وما يتعلق بها ويغفلون عن جانب تربية الوازع الديني عند المسلمين وعند المرء بحيث أنه يكون الإنسان على نفسه بصيرًا وأيضًا قائم على نفسه
د. الطيار: تحتاج هنا على تربية مجتمع
د. الشهري: تلاحظ هنا: (إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا), (إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا), (إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) يعني يربي في الإنسان هذه المعاني أعمال القلوب مراقبة الله سبحانه وتعالى في السر والعلانية سواء في الحقوق التي بينك وبين الخلق أو بينك وبين الله تعالى, والحقيقة أنها تصل بالمسلم إلى درجة من الشفافية وأنه يصبح هو وضميره القائم عليه أشد محاسبة له من الدولة أو من أي نظام
د. الطيار: بالفعل الأكثر قد نزعت منه هذه الجوانب جوانب المراقبة والتقوى فيقع منه ما يقع ولهذا قلّ أن تعرف إنسانا أمينًا, يعني الأمانة هي مطلب عظيم جدًا ولهذا تربية أو إعادة المجتمع إلى هذه التربية مطلب, وأنت لما ذكرت قضية سنّ القوانين سبق أن نبهنا كثيرًا على أن هل هي مشكلة أو ان الجانب العلمي كان هو السبب والأثر فيها يعني كتب الفقه كانت تخلوا من هذا الجانب
د. الشهري: بمناسبة نظام المرور الجديد
د. الطيار: ساهر
د. الشهري: ساهر هذا هو نظام ساهر أن يكون فعلًا الرقيب هنا داخلي الرقيب داخلي ساهر أن يراقب الإنسان نفسه في السر والعلانية
د. الخضيري: ولذلك أنا أقول أن الدولة النبوية نجحت في أنها جعلت ليس شرطي المرور عند الإشارة, جعلت شرطي المرور في القلب, الجندي في داخله, ولذلك لما نزل قول الله عزو جل (فهل انتم منتهون) يقول امتلأت شوارع المدينة بالخمر! لماذا ما أخفوها الصحابة؟! لماذا ما بعث النبي صلى الله عليه وسلم تفتيش على البيوت وجرد لكل الزقاق والدنان والأواني والأوعية التي كانت فيها الخمر؟! تجرد بالكامل وإحصاء والى آخره؟!
لأنه ما في داعي، الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم أبلغ وأعظم مما يفعله الناس. ولذلك نقول الآن أن ما تفعله كثير من الدول من إضعاف الوازع الإيماني والتأكيد على سنّ النظم والقوانين والتخويف بالسجون والأموال وغيرها أن هذا مهما بلغوا فيه من القوة لن يزيدهم إلا ضلالًا, فالآن أمريكا هي من أبلغ الدول في هذا الجانب رقابة وكاميرات وأنظمة والى آخره وكل هذه لها أثر في تنظيم الناس لكن يستطيع الناس أن يتجاوزوها يعني إذا انقطعت الكهرباء تصبح الدنيا فوضى!
د. الشهري: يعني مفترض القائمون على الأنظمة في العالم الإسلامي يعني في دولنا الإسلامية وهم ينظرون إلى هذه الجوانب والأنظمة والقوانين أنهم يكثفون جانب التوعية الدينية والإسلامية والروحية وتعزيزها, يعني الآن لماذا لا تشارك المرور في دعم حلقات القران الكريم وتدبره وفهمه حتى تخفف من الحوادث بدل أن تركز على جانب أنظمة مثل أنظمة ساهر وغيرها التي هي في الحقيقة تدعوا الناس إلى العناد أحيانًا؟ يعني يصبح الآن ينظر هل كاميرا ساهر هذه موجودة الآن أو لا؟! إن كانت موجودة مشى على مهله وان كانت غير موجودة بالغ في المخالفة!
د. الخضيري: أنا كنت في المجر فأمشي مع أحد الإخوة في طريق في سفر بين مدينتين المهم ونحن نمشي السيارة التي أمامنا يصنع إشارة معينة إذا قابلناه، فالرجل يضحك يعني السائق فأقول ما يضحكك؟! يقول: هذه إشارة بيننا في الطرقات, ترى قدامك هناك سيارة رصد إنتبه فيخفف السرعة إلى أن يتجاوز سيارة الرصد ثم يعود إلى ما كان عليه
د. الشهري: ما استفدنا شيئًا!
د. الخضيري: والناس تعودوا عليها والإشارة تُفهم بسهولة يعني لما يقولك مثلًا كذا وهو مثلًا يسير في الطريق خلاص يفهم كل إنسان مرّ به ترى في سيارة قدام انتبه لها
د. الطيار: والله أعرف حتى عندنا التكنيس. إذن الوازع إذا كان من ذات الإنسان إذ لا شك أن أمور كثيرة جدًا ستصلح. لما قال (إن الله كان على كل شيء) لاحظوا في الأولى قال: (إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ) والآن قال: (عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا) يعني لاحظ المعنى, طبعًا العلم والشهادة متداخلان، العلم قد يكون أوسع من الشهادة في جانب والشهادة أوسع من العلم في جانب
د. الخضيري العلم يصل إلى البواطن والشهادة تكون على الظواهر يظهر لي والله أعلم, فلذلك آثر هناك أن يقول (كان بكل شيء عليمًا) العلم داخل في كل شيء والشهادة هنا يعني ما يتصل بالرؤية والنظر والاطلاع والرقابة
د. الطيار: وأيضًا لاحظ (عقدت أيمانكم) العقد يحتاج إلى ماذا؟! إلى شهادة, فإيثار لفظ الشهادة أيضًا هذه أحد مناسباتها. لكن نقول أن هذا العموم في الآيتين الحقيقة من الأشياء التي يجب المسلم أن يتربى عليها أن الله سبحانه وتعالى مطّلع على كل الأمور كبيرها وصغيرها ولهذا بعض علماء الإسلام – نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعفو عنا وعنهم – لما قال: “إن الله لا يعلم بالجزيئات” طبعًا أثر من آثار الفلسفة يعني وقع في مزلق خطير وهو أحد أسباب الأخذ بعلم الكلام المبني على علوم هؤلاء الأوائل فوقع في مثل هذا, طبعًا هو رجع عنه, وإلا لو نحن أردنا أن نقول أن من يقول بهذا لا شك وأنه يكفر لأن نفي علم الله بكل شيء هذا مخالف لنص القرآن
د. الشهري: لاحظوا يا إخواني كلام الله سبحانه وتعالى كيف يكون فيه ثقة وإطلاق ولا يمكن أبدًا أن يقول هذا الكلام بشر! من الذي يستطيع أن يقول إن الله كان بكل شيء عليمًا؟ إن الله كان على كل شيء شهيدًا؟, هذا ليس في طاقة البشر. والنبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يأتي بهذا الكلام من عنده, ومثل هذه الآيات التي فيها تحدي وفيها إطلاق لا يمكن أبدًا إلا أن تكون من العليم الخبير كما في قوله سبحانه وتعالى: (قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا)
د. الخضيري: قمة التحدي, تحدي حتى لو اجتمع الناس من قديم الزمان أو حديثه والجن والإنس, طيب وهل وقع ما يخالف هذا التحدي؟!
د. الشهري: لا أبدًا
د. الخضيري: يعني الواقع جاء مطابقًا لما
د. الشهري: لم يقع ولن يقع، لاحظ أي كتاب بشري تجد فيه تردد في موضع من المواضع يتردد المؤلف في حكم أو في نتيجة أليس كذلك؟! حتى في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح تجد النبي صلى الله عليه وسلم يتردد بين أمرين: إما يختار احدهما, إما يتبين أنه صلى الله عليه وسلم اختار أمرًا وأتى الله له بما ينسخه, أليس كذلك؟! في القرآن الكريم ليس فيه تردد
د. الخضيري: مقدمات الكتب شاهدة على هذا الأمر يقول وهذا جهدي فإن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان والله ورسوله منه بريئان, يعني انظر في المقدمة يعلن بأنه يعني ما أنا إلا مجتهد وبحثت عن الصواب
د. الشهري: ولو كتب رجل كتابًا وتحدى في مقدمته أنه لن يأتي أحد مثله سيكون هذا من علامات المؤاخذات على الكتاب من أعظم المؤاخذات
د. الخضيري: المزني لما كتب المختصر للأم قرأه مع تلاميذه سبعين مره من أجل أن يصححه ويحرره ويدعه بلا خطأ
د. الشهري: (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا)
د. الطيار: الله أكبر!. لعلنا ننتقل للآية الأخرى وهي مرتبطة وآية قد تكون مشكلة, فهمها مُشكِل على بعض الناس في قوله: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ)
نبدأ بقوله: (الرجال قوامون على النساء) تقول: أنا أؤمن بهذا, لكن قد نختلف في مفهوم القوامة, يعني هل هذا من القوامة أو ليس من القوامة؟! ويجب أن نلفت النظر إلى أنه أحيانًا ليس الخلاف في كون هذا هو كتاب الله أو هذا من كلام الله, هو خلاف في الفهم. والله سبحانه لما قال (الرجال قوامون على النساء) يعني قوامون بالتوجيه وقوامون بالرعاية فهذا هو المراد بالقوامة, وليس المراد التسلّط الذي يخرج قوامة الرجل إلى أن يكون متسلطًا حتى يتسلط على المرأة بمالها ويتسلط على المرأة بأشياء أخرى ويدعي القوامة, فالقوامة مرتبطة بالشرع وليست مرتبطة بالعادات أو بما يراه الرجل أنه من سلطة القوامة
د. الشهري: كيف نعرف القوامة؟ أو ضوابط القوامة؟ أو كيف نعرف أن هذا من القوامة أو ليس من القوامة؟!
د. الخضيري: ننظر إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم, النظر إلى منهج النبي صلى الله عليه وسلم في كيفيه تعامله مع زوجاته وأيضا الصحابة الكرام الذين كانوا في عصره فمن خلالهم يفسر ويعرف ما كان داخلًا في هذه القوامة ومعناها ومفهومها وما يمكن أن تفسر به وما يمكن أن يكون خارجًا عن حدها وضابطها الشرعي
د. الشهري: وطبعًا ينبغي أن يُعلم أن القوامة هي الهدف منها: قوامة الرعاية والصيانة والخدمة أيضًا والحفظ, يعني عندما نقول (الرجال قوامون على النساء) والله الحقيقة أنها أشبه ما تكون أنها الرجال خدم للنساء يقومون على خدمتهم ويرعونهم
د. الطيار: هذا أحد ما تدل عليه معنى القوامة
د. الشهري: الآن بعض الأخوات الذين يكتبون ويعارضون مفهوم القوامة هذا يعارضون مفهوم التسلط في القوامة يفهمون أو يحاربون أو يعارضون معنى التسلط من الرجل, يعني بعض الرجال يتعامل مع موضوع القوامة بنوع من العنجهية والجبروت على عماها يعني, ويرى أن الرجال قوامون على النساء يعني يضرب المرأة ويتصرف في المرأة على كيف كيفه
د. الطيار: أو يُدخل بعض العادات التي لا توافق الشرع يعتبرها من القوامة
د. الشهري: ويلغي شخصية المرأة تمامًا
د. الطيار: مثل ما ذكر دكتور محمد حقيقة الرجوع إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم والاحتكام إليها ومعرفة المرأة أنك إنما فعلت هذا تدينًا ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم فعله هذا يجعل حتى المرأة تدين بهذه القوامة ما يكون عندها إشكال في القوامة, لكن أن تكون سلطة الرجل وقوامته فيما يدعيه هو ويزعمه أنه من الشرع وهو ليس من الشرع أو أن يستخدمها في ما ليس منها فلا شك أنه خير كبير جدًا في مفهوم القوامة, ولو كتب في هذا الموضوع كتابة مستقلة يعني مفهوم القوامة من خلال السنة فأنا أرى أنه سيحل مشكلات كثيرة جدًا جدًا في قضية مفهوم قوامة الرجل للمرأة, وكما ذكرت قبل قليل القضية مهم أيضًا أن نلتفت إليها وأن هذه القوامة ليست من باب التسلط وإنما هي نوع من الخدمة للمرأة ونوع من رعايتها ونوع من جبر كسرها مما خلق الله فيها من ضعف
د. الخضيري: أيضا إضافة إلى هذا وهذا الذي يدعو إليه العقل ويجتمع عليه البشر وكل مؤسسة أياً كانت لا بد من شخص يدير هذه المؤسسة ويكون له المرجعية في القيام عليها, في اتخاذ القرار النهائي وحل الإشكال عندما تلتبس الأمور والفصل في المنازعات وهذا لا يكون طبعًا ولا شرعًا إلا للرجل, ولذلك الله فصل هذا لكي ترضى المرأة ويرضى الناس وينتهي الإشكال في ذلك.
د. الطيار: ولعلنا إن شاء الله أيضًا نكمل هذا الحديث الماتع في اللقاء القادم بإذن الله لأن وقت الحلقة انتهى فنستميح الجميع عذرًا في أن نوقف هذه الحلقة. سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك
بُثّت الحلقة بتاريخ 16 رمضان 1431 هـ