الحلقة السابعة
تأملات في سورة النساء من الآية (10) إلى الآية (11)
الآيات (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ﴿١٠﴾ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴿١١﴾)
د. مساعد. وقفنا في اللقاء السابق عند قوله الله سبحانه وتعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا) ونبتدئ بهذه الآية وكما سبق أن ذكرنا ملحوظة هو تكرار لفظة أكل الأموال ويظهر والله أعلم أن تكرار لفظ أكل الأموال جاء على سبيل التأكيد لهذا المعنى وهو أكل الأموال وسبق أن طرقنا بعض القضايا المرتبطة بأكل الأموال ولعلنا نعيد بعضها للإخوة المشاهدين.
د. محمد. لا شك أن الله سبحانه وتعالى حفظ لهؤلاء الضعفاء حقوقهم وذكر هذا التهديد العظيم في هذه الآية الكريمة من أجل أن لا ستول لأحد من المسلمين نفسه في أن يعتدي على مال اليتيم ولو كان شيئا قليلا (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا) ولاحظ كف صوّر هذا المأكول بأنه يتحول مباشرة إلى نار تكتوي بها البطون التي إذا نزلت فيها النار فإن الإنسان لا يمكن أن يحيا حياة طيبة، فلو كانت النار في طرف من أطرافه لكان يتصور أن يتخلص منها لكن في بطنه كيف سيتخلص منه؟ وكأن هذا العذاب سيتوزع على جميع بدنه وأظن هذا الوعيد من أبلاغ ما يكون من الوعيد في كتاب الله عز وجل وفي التحذير والزجر من هذه الخصلة الذميمة. ولعل هذا إنما جاء لأنه كان في العرب يكثر التعدي على أموال اليتامى وقد جاء ذلك في آيات كثيرة (كَلَّا بَل لَّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (18) الفجر) وما زال في الناس بسبب حبهم للمال وإيثارهم إذا رأوا الضعيف والمسكين ومن لا يستطيع أن يدافع عن حقه أو يقوم بأمره فإنهم يستاهلون بأمر ماله ونلاحظ أنه يأتي الأمر بالتقوى كثيرا لتخويف الناس من أن يجترئوا على مثل هذه الأمور قال (فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا (9) إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا (10)). ونكّر النار (نار) للتعظيم هي نار عظيمة هائلة نسأل الله العافية والسلامة..
د. مساعد. في قوله (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا) هذا قيد ولا شك أنه يفهم منه أن هناك أكل ليس ظلم ،
د. عبد الرحمن: في الإضافة في قوله (أموال اليتامى) فيها استدرار لعطف الأولياء لأن هؤلاء يتامى وأن هذا الوصف يستثير الشفقة من المجتمع ومن الولي وأن هذا فيه صفة تستحق العطف تستحق الرعاية والإكرام وهو أنه يتيم فقد العائل الذي يعوله ويعطف عليه وهو والده ويقولون في تعريف اليتيم من مات والده قبل البلوغ واليتيم من الحيوانات من ماتت والدته لأن العادة أن الذي يعتني بصغار الحيوانات الإناث وليس الذكور. يقول تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا) حتى يستحضر الذي يحاول أن يظلم هؤلاء هذا المعنى وهو معنى اليتم وهو مظنة الشفقة والرعاية وأن الولي ينبغي أن يكون أكثر الناس عناية وحرصا بأموال اليتامى فإن سولت له نفسه أن يأكل هذه الأموال فقد فقد الصفة التي يستحق أنه يوكل إليه أن يرعى هؤلاء اليتامى. ثم قال (ظلما) هذا لزيادة تبشيع التعدي على أموال اليتامى وأن الذي يأكل مال اليتيم بغير حق فإنه يدخل في هذا الظلم. المعنى الآخر أن هناك أكل مال اليتيم بالحق وذلك عندما يخلط الولي ماله بمال اليتيم الذي يرعاه ويعمل فيها كلها بما يثمرها ويصلحها كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم “لا يؤمن حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه” فأنت عندما تخلط مال اليتيم بمالك وأنت صادق في أن تمثّر هذا المال وترعاه كما تتعامل مع مالك تمامًا، الإنسان منا إذا تعامل مع ماله مع حرصه الشديد وتحريه لأوجه الاستثمار الجيدة قد يخسر وقد يقع في ماله شيء من التلف بسبب هذه المضاربة أو هذه التجارة ونحو ذلك في هذه الحالة لا يؤاخذ الولي إذا وقع شيء من الخسارة في مال اليتيم لأنه تحرى الأصلح وبذل وسعه لكن وقع فيما وقع لسبب من الأسباب. (ظلما) في الآية فيها إشارة أنه يجوز لولي اليتيم أن يأخذ بالمعروف
د. محمد. وقد نصّ عليها (وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ (6)) وما أشرت إليه د. مساعد في قضية الصحابة لما شدد الله عليهم هو لشدة تقواهم عزلوا أموال اليتامى حتى إنه يقول هذه لقمة اليتيم وهذا طعام اليتيم وهذا فيه إضرار لمال اليتيم بسبب عدم الخلطة فأنزل الله تعالى رفقا بهم ورحمة بهم وإكراما على تقواهم قال (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ (220) البقرة) تنوي الإصلاح ولا تدخل في ماله إلا إذا كنت تقصد أن تحسن (وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (152) الأنعام). (وَاللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاء اللّهُ لأعْنَتَكُمْ (220) البقرة) لو شاء الله لألزمكم بأن تفصلوا أموال اليتامى فلا تأخذوا ولا تنتفعوا منها بشيء وللزمكم ذلك لكن الله عز وجل رحمنا.
د. مساعد. من لطائف الآية في قوله (فِي بُطُونِهِمْ) والمعروف أن الأكل لا يكون إلا في البطن وهذا يسميه العلماء صفة كاشفة لزيادة التأكيد والمبالغة في هذا المعنى أنه أكلٌ يتجه إلى البطن لا غيره مع أنه معلوم أن الأكل يتجه إلى البطن أصلًا
د. محمد. وقد يكون فيها معنى التحذير وهو أنه إذا أكلت في بطنك وذهب إلى جوفك وانتفع منه سائر بدنك فاعلم أن الخطر عليك عظيم، لو كان المتسفيد منه ظاهر جسمك مثل الثوب قلت الذي يستفيد الجلد تستر به العورة لكن في البطن لا مناص ولا محيص قد دخل في جزء مهم منك وأثره سيكون على باقي جسدك.
د. مساعد. وبعض العلماء أيضًا كما سبق أن طرحنا في قوله (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى) عبّر بأكل المال وهنا قال (فِي بُطُونِهِمْ) أنه لما عبّر أن المال يؤكل لما نزلت الآية أغلب ما كان ينتفع به من مال اليتيم هو المأكول. وننتبه إلى قضية وهي مسألة أن كثير من الناس حينما يأتي إلى مثل هذه الآيات قد يقول يمكن أن بنتفع بمال اليتيم في غير الأكل ويكون أكثر لكن الأغلب في سائر الأوقات والأزمان نحن الآن نحصر أحيانا بعض القضايا بزمننا الذي يعتبر نوعا من الاستثناء وإلا فالناس عاشوا ألوف السنوات على نمط واحد من الحياة لا يكاد يختلف. لما جاء القرآن ونزل على العرب وكانوا كلهم ومن يعيش حولهم على نفس الشاكلة أما نحن الآن في هذا العصر تغيرت أشياء وقد لا ندرك لماذا قال القرآن هذا الكلام لأننا لا نتصوره وقت نزوله بما عندنا من الحضارات فيقع مثل هذا الإشكال ولهذا نقول إن هذا لا يزال حتى اليوم لو نظرت إلى كثير من العالمين المأكول هو الأصل ومع ذلك فالانتفاعات الأخرى تكون في الغالب تبعًا له وليست أصلًا.
د. عبد الرحمن: بعدما تدرجت سورة النساء أولًا جاء الحديث عن اليتامى ثم عن اليتيمات ثم جاء الحديث عن الزوجات والصداق والحقوق ثم جاء الحديث عن اليتامى مرة أخرى الآن تلاحظون يتحدث عن القسمة وعن حضور اليتامى والمساكين وأولي القربى ينتقل الآن للحديث عن الأولاد وكأنها والله أعلم راعت تشوّف عناية الإنسان بأولاده الآن عندما توصي الإنسان باليتامى الذين تحت يده هؤلاء ليس أولاده وإنما هو ولي عليهم فجاءت الآن الإشارة إلى أولادك أنت كما أن الله أوصاك باليتامى الذين تتولى أمورهم إما أن يكونوا أبناء لأخيك أو أبناء لأختك أو من يكونون يتامى أنت تتولاهم الله سبحانه وتعالى هنا يأتي لكي يوصي بالأبناء. وهذه الآيات تعيدنا للآيات التي وردت في بر الوالدين، في عدة آيات في القرآن جاء الأمر ببر الوالدين (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا (23) الإسراء) (لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً (83) البقرة) والآيات التي وردت في بر الوالدين بعض الناس يقول أن الله سبحانه وتعالى قد أمر ببر الوالدين ولم يأمر ببر الأبناء لأن الله سبحانه وتعالى يعلم أن الأبناء قد يستغنوا عن آبائهم ويعقّوهم ويتركوهم في حين أن الفطرة والعاطفة التي في الأبوين لا تسمح لهم أن لا يبروا بالأبناء ولا يعتنوا بهم. لكن القرآن الكريم أوصى الأبناء بالآباء وأوصى الآباء بالأبناء وفي هذه الآية وصية واضحة للآباء بالأبناء فقال الله (يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ) مما يشير إلى إشارة مهمة وهو أن الله سبحانه وتعالى أرحم بالإنسان من والديه حتى أنه من شدة عنايته بك أنه أوصى والديك بك وأن يعطوك حقك.
د. محمد. وهذا سبحان الله في قمة الرعاية وأن الله أرحم بنا من أنفسنا ومن آبائنا
د. عبد الرحمن: حتى تدخّل عند الوالد وعند الوالدة وقال (يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ) فهذه وصية عظيمة. وهذه الآية تأتي كأول آية من آيات المواريث في سورة النساء التي تقسم التركة تقسيمًا تامًا أصحاب الفرائض. والفرائض عندنا في الفقه الإسلامي مبنية على ثلاث آيات اشتملت على كل أحكام الفرائض
د. محمد. ما ترك الله تعالى قسمة للمواريث للنبي صلى الله عليه وسلم وإنما قسمها هو بنفسه لعلمه أنها محل النزاع والخصومة والخلاف وأن الناس قد تغيب عنهم أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن ذكرت بنص القرآن الذي سيحفظه الله لعباده ولا يختلفون فيه.
د. مساعد. تتمة لما ذكره د. عبد الرحمن قبل قليل لو أردنا أن نأخذ الآن كنظرة موضوعية لما قال (وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ (1)) عندنا الآن الأرحام أقسام لكن مع بداية الآيات كان حديثًا مفصلًا عن اليتيم وعن رعاية اليتيم وعن حق اليتيم آية بعد آية ولما انتهى منه وقرره إنتقل إلى الأبناء فهذا ملحظ مهم جدا فننتبه إلى ما قدّمه القرآن وأخّره وأن المقدم هنا إنما قدم للعناية به وقدم أمر النساء للعناية به ثم جاء التفصيل (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ) فبدأت الآن آية الموارث وقسم التركات.
د. محمد. هناك منهج قرآني عجيب وهو أن الله عز وجل يذكر الشيء إجمالًا ثم يفصله (لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ (7)) أين هو النصيب؟ الناس تشوفت لمعرفة ما هو هذا النصيب؟ كيف سيكون؟ الناس تشوفت لمعرفة هذا النصيب كيف سينزل في آيات أو حديث أو أحاديث قدسية أو سيكون في جدول حسابي؟ فجاء التفصيل أيضًا في غاية الرقة والرعاية والرأفة بالعباد كأن الله تعالى يقول لعباده لا تخافوا أنا أرفق بكم من أنفسكم والرزق كله من عندي وأيضًا أستوصي بكم خيرًا يقول (يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ) ثم يذكر هذه الوصية.
د. مساعد. هذا وجه كما ذكرت ووذكرنا وجهًا آخر أيضًا وجه لارتباط هذه الآية بما قبلها ذكر بعض العلماء أنه لما فصل في حال اليتيم كأن سأئل يسأل من أين يأتي هذا اليتيم بالمال؟ فأشار إلى أهم مورد وهو الميراث وهذا غالبًا ما يأتي من الميراث فيحتاج أن يُرعى كما ذكر تعالى في بداية هذه السورة.
د. محمد. النظرة الموضوعية لآيات المواريث ينبغي أن نقولها للمشاهدين لأنها مهمة، قد يقرأون هذه الآيات فيظنون أن المواريث وُضع فيها حق كل واحد منفردًا دون النظر إلى تقسيمات كلية لهم. من يقرأ الآية الأولى يعلم أنها في الأصول والفروع أصول الإنسان أي من خرجت منهم من تسلسلت منهم الوالدان ومن علاهما والفروع وهم الأبناء وأبناء الأبناء ومن دونهم. ثم جاءت الآية الثانية في حواشي الإنسان في الأزواج والإخوة لأم لكنهم حواشي يرثون بالفرض، فالزوج مع زوجته والزوجة ليست أصلًا ولا فرعًا وكذلك الزوج ليس أصلًا للزوجة ولا فرعًا منها فهو شيء آخر ملحق فجاء ميراثه وميراث الإخوة لأم في آية واحدة، لماذا جُمع بينهم؟ لأن الإخوة ميراثهم بالفرض والزوج ميراثه بالفرض والزوجة ميراثها بالفرض، ما معنى ميراثه بالفرض؟ يعني لهم نصيب مقدّر مقنن واضح، نصف ربع ثمن ثلث سدس هذا المقصود بأصحاب الفروض. بقي من يرثون بالتأصيل من حواشيك، انتهينا من الذين يرثون بالأصل في الآية الأولى ومن الذين يرثون بالحواشي الذين يرثون بالفرض في الآية الثانية، بقي الحواشي الذين يرثون بالتعصيب يعني بغير تقدير ذكروا في آخر آية من سورة النساء (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَآ إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِن كَانُواْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَاء فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (176)) فهذه نظرة إجمالية حول هذه الآية.
د. مساعد. لما قال سبحانه وتعالى (يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ (11)) هذه القاعدة العامة ولكن يجهل بعض الناس أن هذه القاعدة العامة ليست في قسمة المواريث كلها وهناك تفصيلات أخرى، قد يكون أحيانًا نصيب المرأة أكثر من نصيب الرجل ولهذا من القصور حينما نقدّم مال المرأة في الاسلام وكيف المرأة تصل إلى هذا المال وما هي حقوقها فيه بعض الناس لا يلتفت إلا لهذه البداية (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ) ويجهل أو يغفل أو يتغافل عن أنه قد ترث المرأة أكثر من الرجل في بعض الأحيان. فالمسألة ليست كذلك وإنما هي تأخذ في أحوال معينة وليست في جميع الأحوال أنه للذكر مثل حظ الانثيين.
د. محمد. مع العلم أن قاعدة الفرائض في الإجمال أنه متى كان الذكر والأنثى من جنس واحد مثل الأبناء والبنات أو الإخوة والأخوات إذا كانوا شقائق أو لأب الأصل في هذه الأحوال إذا استوت الأجناس أن للذكر مثل حظ الإنثيين لكنها ليس قاعدة مضطردة في كل مسألة من مسائل الفرائض
د. مساعد. وفيما لو أوصى بمال لأولاده؟ ترجع القاعدة للذكر مثل حظ الأنثيين، أوصى وصية مطلقة أن هذا المال لأولادي
د. محمد. يأتي سؤال هنا بعض الناس يقول إن قوله (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ) فيها تطمين لو قال (للأنثى نصف ما للذكر) والعادة جارية في كلام العرب أن البلاغة في الاختصار وليس هذا في كل مكان ولكن البلاغة مراعاة المقام، شيخنا إبن عثيمين أجاب عن هذا إجابة أعجبتني جدًا فقال (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ) قال (حظّ) جعل للأنثى حظ والحظ زيادة ودرجة بينما لو قال للأنثى نصف ما للذكر جعل لها نقصًا والمال الذي يأتي المرأة في الميراث هو في الحقيقة حظ بخلاف المال الذي يأتي للرجل، لماذا؟ لأن الرجل يقال له تفضل لتنفق على أختك، لتنفق على أمك وتدفع مهرًأ وتنفق على أولادك كأنه هو بالنسبة للمرأة حظ تام لأنها لا تنفق منه، لا تدفع مهرا ولا تنفق على زوج ولا على ولد ولا تُلزم بأي شيء مما يلزم به الرجل من النفقات ودفع الأموال فجعله الله حظًا فلما كان المراد الإشعار بالحظ آثر أن يقول (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ)
د. مساعد. هذا جميل. كنت سأسألك عن فائدة كلمة (حظ) فجئت بها. حينما نقف هذه الوقفات على ما يقوله العلماء في بعض هذه الألفاظ نشحذ همم السامعين إلى أن يتنبهوا لمواقع هذه الألفاظ من الآيات وأن اللفظة تأتي في مكانها المناسب لها وإلا كما ذكر لفظة (حظّ) لفظة محبوبة فلما كانت في الأنثى نبّه على أنه حظ كامل لها ولكن لم يذكره للرجل لأجل أن الرجل تكاليفه وما يُطلب منه أكثر ما يطلب من المرأة.
لما قال (للذكر مثل حظ الانثيين) هنا كما قلنا قاعدة عامة في موضوع التركات.
د. محمد. قبل ذلك أنا استمعت لأحد الباحثين جزاه الله خيرًأ وقرأت له كتابًا في هذا الموضوع يثبت ردًا على من يقولون أن الإسلام ظلم المرأة فأثبت أنه في قرابة أربع وعشرين حالة في الفرائض تأخذ المرأة فيها إما أكثر من الرجل وإما مثل الرجل، أحصاها 24 حالة وقال إن الحالات التي يأخذ فيها الرجل ضعف ما تأخذه المرأة حالات معدودة لا تتجاوز ثمان حالات. وأريد أن أنبّه إلى أمر أن هذه الحالات الثمان هي تمثل 99% من حالات الفرائض المعهودة، يعني الأصل أن الرجل يموت عنده إبن وبنت هذا الغالب على من يحصل له وفاة، الحالات التي ذكرها هذا الباحث جزاه الله خيرًا هي بالفعل صحيحة ما افترى ولا كذب ولا أخطأ فيما قال ولكن غالبها مسائل نادرة وقليلة الوقوع لذلك نحن نقول وإن كان الأغلب مما يقع في الواقع أن يكون للذكر مثل حظ الأنثيين وهذا حق والله عز وجل أعلم بل قال (آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ (11)) فهو سبحانه وتعالى أعلم بعباده وبما يصلحهم وعلينا أن نسلّم ولا يغرنا هذه الموجة التي تديرها الحركات النسوية في العالم ومؤتمرات المرأة وغيرها مساواة الرجل بالمرأة الذي يسمونهم الجندريون ويقولون أنه لا يوجد فرق أبدًا بين الذكر والأنثى وأن كل هذه الفروق مدعاة وغير صحيحة وهؤلاء يخالفون الطبيعة والفطرة والعقل وكل شيء.
د. مساعد. قوله (فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ) الآن الحديث عن ميت يموت ليس امرأة وإنما رجل (فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ) ثلثا ما ترك الميت، (وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ) هنا دقة متكاملة جدًا بحيث لا يكون هنا غموض في المعنى، المقام هنا مقام إيضاح وتفصيل دقيق جدًا بحيث تكون كل كلمة واضح المراد منها أنها قسمة رياضية. لو أردنا أن ننظر تتمة القسمة قال (وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ) الآن قسّم الأصول والفروع الآباء والأبناء. فقوله سبحانه وتعالى (مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ) بعد أن ذكر القسمة (يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ) ما مفهوم قوله (مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ)؟
د. محمد. قبل ذلك أريد أن أستدرك (يُوصِي بِهَا) هناك قراءة أخرى (يوصى بها)
د. عبد الرحمن: الوصية للتأكيد على الأمر يوصيكم الله ويؤكد عليكم للعمل بهذه الوصية فالله سبحانه وتعالى عندما يقول في بداية تقسيم التركة (يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ) ويؤكد على إعطاء هؤلاء حقوقهم كما أمر الله بها وكما فرضها في هذا الكتاب فكأن هذه الآية والله أعلم جاءت تفصيلا لما جاء مجملًا في الآية الأولى (لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ (7)) هذا من المُجمل وهذه الآية من المبيّن وهذه من أنواع البيان في القرآن الكريم أن يأتي الأمر مجملا ثم يفصّل.
د. مساعد. لكن أنا أقصد أنه لما قال (مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ)
د. عبد الرحمن: التحدث عن الحقوق المتعلقة بالتركة بعد الوفاة، الآن الفقهاء عندما يموت الميت ويترك بعده تركة، كيف تقسم هذه التركة؟ قالوا ننظر في هذه التركة أولًا هناك حقوق أولويات يجب أن يراعى فيها الترتيب، فقوله (مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ) تقدّم الوصية هنا ثم يأتي بعده إذا نفذت الوصية ولها أحكامها في الفقه الإسلامي ومعروفة أحكامها (أن لا تزيد عن الثلث وأن لا تكون لوارث كما قال صلى الله عليه وسلم) فمعناه لو أوصى أحد لولده وولده وارث لا تصح هذه الوصية، فالوصية تصح بشرطين أن لا تكون لغير وارث وأن تكون في الثلث وما دونه وإذا أوصى بالثلث فلا بد من موافقة الورثة وإجازتهم. فهذا إشارة إلى الحقوق المتعلقة بعين التركة بعد وفاة الميت فإذا انتهينا من الوصية وانتهينا من قضاء الدين فما بقي بعد ذلك يقسّم على النحو الذي جاء في الآيات (يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ)
د. محمد. لعلك أردت الإشارة إلى ما جاء في الآيات لكن الفقهاء رحمهم الله يذكرون شيئًا آخر وهو تجهيز الميت يُبدأ به ولا يستعان بمال غير الميت على تجهيزه إلا إذا تبرع أحد من الناس والثاني الديون والديون الحنابلة يقسمونها إلى قسمين الديون الموثقة تقدّم والديون غير الموثقة بعدها ثم تأتي الوصية لكن السؤال يأتي لماذا ذكرت الوصية في آية المواريث مقدمة في الترتيب على الدين؟ قال العلماء لأمور: الأمر الأول الوصية في العادة يحصل التهاون بها فقدّمت بينما الدين لا يحصل فيه تهاون ولا يتركه صاحبه خصوصا إذا كانت هذه الوصية على شيء لا يمكن أن يطالب كأن يقول ثلث مالي للمسجد فالمسجد لا يمكن أن يطالب الورثة بحقه من المال، أو كان ضعيفا كيتيم أو كبير في السن، هذا أمر والثاني
د. عبد الرحمن: الثاني كما قلت أن تكون الوصية لأناس لا يطالبون. الآن عندما قال (مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ) الفقهاء يقدمون الدَيْن على الوصية في العمل وهذا لا إشكال فيه ولكن الله قدّمه في الذكر للاهتمام به وللإشارة إلى حق الذين أوصي لهم في أن يعطوا حقهم في الوصية للميت. وهذا مصداقًا لما ذكر الدكتور محمد الآن وقع تهاون الآن في الوصية وفي تنفيذها بشكل كبير جدًا فما أن يموت الميت إلا ويتهاون الورثة في الوصية ولا يوصلونها إلى صاحبها ويبقى يطالب ويحتاج إلى شهود وربما لا يصل إلى هذا الحق
د. مساعد. نفهم من كلامكم الآن أن الآية لم تأت على الترتيب الواقعي لأنه بدأ بالمواريث قبل الوصية والدين معنى ذلك أن هذا ليس هو الترتيب الواقعي فإذا مات الميت يقدمون التجهيز ثم الدين ثم الوصية ثم قسم المواريث. هناك قضية نسيت أن أنبه لها وهو استعمال شائع عندنا وليس هو الاستعمال العربي لو قال الله سبحانه وتعالى (يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ) يقول أنا عندي كذا ولد وكذا بنت تعارف الناس أن الولد للذكر لكن الولد يشمل الذكر والأنثى ولكن من باب التصحيح لأنه شاع عند الناس استخدام الولد للذكر فقط مع أنه يصح للإثنين تقول هذا ولدي سواء كان ذكرا أو أنثى والدليل هذه الآية.
د. محمد. في قوله تعالى (فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ) المفسرون بحثوا هذه الآية هل كلمة (فوق) جاءت زائدة كما جاء في قوله تعالى (فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12) الأنفال) أو أنها ليست زائدة بل هي في محلها وهي قد جاءت للدلالة على معنى مقصود؟ الصحيح والله أعلم أن (فوق) جاءت هنا جاءت لمعنى مقصود وهذا سر السؤال لذا نحن نقول للناس تدبروا الآيات بشكل عميق تجدوا سبحان الله في الآية ما يحل الإشكال حتى أحيانًا لو لم تستعن بآيات أخرى أو أدلة أو شواهد تجد الآية تسعفك في هذا الميدان ولعلنا نأتي إلى بعض الشواهد في هذه السورة بالذات. هنا قال (فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ) فالواحدة يقابلها النصف ولما ذكر ميراث الواحدة وذكر ميراث فوق الاثنتين دل ذلك على أن الاثنتين ليستا كالواحدة قطعًا إذن ماذا لهن؟ نقول هنا دلت السُنة على واحد ودل القرآن في آخر السورة (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَآ إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ (176)) البنتان أقرب إلى الميت من الأختين فلهما الثلثان، ما فائدة (فوق)؟ قال ليبين لك أن نصيبهن لا يزيد بزيادتهن، لو كنّ عشرة أو مائة فلهن الثلثان لا يزيد بزيادتهن فأراد أن ينص على هذا قصدًا والأصل حمل الكلام على عدم الزيادة بل حمله على أن يكون له معنى محدد.
د. عبد الرحمن: ومن الفوائد التي ذكرها الشيخ ابن عثيمين (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ) وأنه أراد أن يشير إلى أن المال الذي يعطى للمرأة حظ لأن المرأة لا تنفق من مالها وكأن المال الذي يعطى لها هدية تتصرف فيما كما تشاء ولا يلزمها أن تنفق بينما الرجل يعول من تحت يده. ويمكن أن يستفاد منها فائدة مهمة وهي أن المجتمعات الجاهلية كانت تحرم المرأة ولا تعطيها حقها وتظلمها فجاء القرآن الكريم هنا ليقرع الأسماع بهذه العبارة الجميلة ويقول (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ) فيشير إلى أن المرأة ذات حظ في الإسلام وأن لها حظًا في تركة مورثها وينبغي أن يُعطى لها هذا الحظّ.
د. محمد. مصداقًا لكلامك، يقولون في دراسة بريطانية قريبة أنه من أسعد النساء في العالم وأكثرهن دلعًا النساء في الخليج يقولون المرأة مخدومة ومحشومة وتقاد بها السيارة لا تقود والملوك لا يقودون السيارات ويفرض على أبيها وأخيها وزوجها أن ينفقوا عليها ويعطوها ما تحتاجه، يقولون أجروا إحصائية لأكثر النساء دلعًا ورفاهية فوجدوا أن النساء في الخليج وخاصةفي السعودية أكثر النساء رفاهية ونحن نقول إسمعوا ايها الناس الصحف والإذاعات تملي علينا أن نساءنا في غاية القهر والإذلال وهذا أقسم بالله أنه في غاية المجافاة للحقيقة وأني رأيت بعيني ما يبكي ويدمي قلوب الرجال مما يفعله الغربيون بنسائهم يمتهنوهن ويجعلون المرأة مثل الرجل في أداء الأعمال الصعبة، كنا مرة في فندق فصفّرت صفارة الحريق فخرجنا وما شعرت إلا برجال الإطفاء قد جاؤوا ورأيت المرأة تلبس الخوذة وتلبس أنبوب الأكسجين وهو ثقيل وكبير وتحمله على ظهرها والرجل يحمل رأس الليّ فقلت سبحان الله! هذا هو الإكرام للمرأة؟! لا يتناسب مع طبيعة المرأة ولا هذا العمل يصلح لها وما خلقت لهذا وإنما خلقت لتربي أطفالها في بيتها ولتكون أنثى حقيقية كما قال النبي صلى الله عليه وسلم “النساء شقائق الرجال” شقيقة لا تعني أن تكون صورة طبق الأصل من الرجلّ لا، الجوانب التي يحتاجها الرجل يجدها في المرأة والجوانب التي تحتاجها المرأة تجدها في الرجل. فكل واحد منهما يكمل الآخر.
د. مساعد. قال بعد ذلك (آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً) ما مناسبة ذكر آباؤكم وأبناؤكم في موقع الوصية وكذلك موقع التركة؟
د. عبد الرحمن: لأن الآية قدمت ذكر الأبناء (يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ (11)) فبدأ بذكر الأبناء لأنهم أقرب الناس للميت أبناؤه الذين من صلبه فقدم الله ذكرهم وحقهم ثم جاء بعد ذلك بالآباء. ثم فكأن سائلا سأل لماذا قُدّم الأبناء؟ لماذ أثخر الآباء أليس الآباء أولى بالرعاية؟ فجاءت هذه الخاتمة (آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً) فكأنها إجابة لسؤال ما سبب تأخير الآباء وتقديم الأبناء؟ في إشارة إلى أن الإنسان لا يدري من أين يأتيه الخير قد يأتيك من أبيك أو ابنك أو أخيك
د. محمد. قد يقول البعض لماذا أعطيت الأم السدس، الأم قريبًا ستموت كان يمكن أن تعطى الثمن مثل الزوجة؟ ماذا تستفيد من المال وهي قد كبرت؟ قد يعترض الإنسان بمثل هذه الاعتراضات التي يراها في نفسه منطقية أو يقول الإنسان أنا أدرى بأولادي هؤلاء عندي عشرة من الولد فلان أريد أن أعطيه أقل وفلان أعطيه أكثر وفلان لا أعطيه شيء ما نفعني بنافعة وما حصل منه أي خير فقال تعالى (آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً) قد يكون ابنك هذا الذي ما رأيت منه في دنياك خير قطّ أنفع أبنائك لك يوم القيامة يمكن هو الوحيد الذي يأخذ من مالك ويبني لك مسجدًا أو يمكن أن هو الوحيد الذي يظل يدعو لك حتى يموت ويوصي أبناءه بالدعاء لك فلا تنظروا إلى ما قسمته بينكم يا عبادي بالنظرة العاجلة القريبة فأنتم لا تدرون أين يكون النفع.
د. عبد الرحمن: مما يدل على أن العقل ليس له مدخل في هذه التقسيمات
د. مساعد. ولهذا لاحظ ختم الآية بقوله (إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيمًا) لما قال (لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً). ولهذا تأمُل مثل هذا الأمر يجعل الإنسان يطمئن لقضاء الله وقدره ويسأل الله سبحانه وتعالى حسن قدره، أنت أمامك أبنائك لكن لا تدري أي ابنائك سيكون أبر بك بعد موتك ولهذا قال (إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيمًا) ذكر هذين الإسم العليم والحكيم مع تقسيم التركات والقضايا هذه تجعل المسلم يطمئن أن هذا التقسيم إنما خرج هذا التقسيم عن علم وحكمة فوضع كلا في مكانه سبحانه وتعالى.
د. محمد. وهذا نلاحظه في موضوع أن يعطى الذكر ضعف ما تعطى الأنثى، الآن بعض النساء المتأثرات ببعض الأفكار الغريبة علينا وعلى ديننا تقول لماذا؟ حرام! أنا وأخي سواء فلماذا يعطى أخي أكثر مما أعطى أنا؟ فنقول لها إعلمي أن الله هو العليم الحكيم الذي قرر هذا وأمر به وأنت مخلوقة ضعيفة أنت لا تدركين الحكمة ولا تعرفين الهداية.
بُثّت الحلقة بتاريخ 7 رمضان 1431 هـ