برنامج بينات

برنامج بينات 1433هـ – الحلقة 3- تأملات في سورة النساء آية 141

اسلاميات

الحلقة الثالثة – 3 رمضان 1433هـ

بينات – تأملات في سورة النساء – (الآيات 141 – 142)

 

الشيخ مساعد الطيار: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. أيها الإخوة والأخوات نرحب بكم في هذا البرنامج الذي نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعله نافعاً لمن يقوم به ولمن يسمعه ولمن يستفيد منه، برنامج بينات. وقفنا في اللقاء السابق عند قوله سبحانه وتعالى (الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (141)). لعلنا نعود إلى بعض المعاني نضيفها في هذا اللقاء في هذه الآيات ونرجع إلى قول الله سبحانه وتعالى (أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) وهاتان صورتان من صور إعانة المنافقين للكفار وهي الأولى الاستحواذ والثانية قولهم (نمنعكم من المؤمنين) فلعلنا نأخذ في الاستحواذ والاستحواذ بمعنى الغلبة وكأن المعنى اللفظي لها: ألم نغلب عليكم. وكأن المعنى المراد أي أننا غلبنا المؤمنين من أجلكم. فما هي صور هذه الغلبة أو هذا الاستحواذ الذي كان يصنعه المنافقون مع المؤمنين ليكونوا عوناً للكافرين؟.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: بسم الله الرحمن الرحيم. الحقيقة الاستحواذ فيه معنى الاختصاص كما تلاحظون يا مشايخ يعني كما في قوله سبحانه وتعالى (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ) [المجادلة:19] يعني كأنهم اختصّ الشيطان بهم فلم يعد للهداية طريقاً إلى قلوبهم فكذلك هنا كأن هؤلاء المنافين يقولون للكفار نحن قد كفيناكم مؤونة المسلمين واختصصنا بتخذيلهم، بالتجسس عليهم، ببث الهزيمة النفسية في صفوفهم حتى انتصرتم عليهم أو كدتم تنتصرون، فهم في هذه الآية يذكِّرون الكافرين بفضلهم عليهم نحن قمنا لكم أخذنا وكالة حصرية في القيام بهذه المهمة في صفوف المؤمنين.

الشيخ مساعد الطيار: يعني بدلاً عنكم.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: فهذا فيما يبدو لي من معاني الاستحواذ. وكما سألت يا دكتور مساعد في قضية صور الاستحواذ التي يقوم بها المنافقون في صفوف المؤمنين، اليوم الغرب والأعداء سواء اليهود أو النصارى وهما يعادون المسلمين عداوة واضحة وصريحة يعني الله سبحانه وتعالى عندما يقول (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) [البقرة:120] هذه آية واضحة وصريحة وأشبه ما تكون بقاعدة قرآنية. الذين يدعون إلى التقارب بين الأديان والتقارب بين الحضارات ويتكلمون بكلام نظري جميل عندما تقرأه وعندما تسمع عن التقارب هذا شيء رائع لكن الواقع الذي نعيشه أن المسلمين منذ النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليوم هم يدافعون عن أنفسهم لا أقل ولا أكثر. اليهود يبادرونهم بالعداوة والنصارى يبادرونهم بالعداوة والهندوس يبادرون بالعداوة فأصبحوا موقف المسلمين في التاريخ كله موقف المُدافع. هؤلاء الكفار لم يهزموا المسلمين إلا عندما وجدت لهم أدوات من داخل المسلمين وسبحان الله العظيم وهؤلاء المنافقون يقومون بهذا الدور بمهارة من عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليوم لأنها فيها مصالح طبعاً يعني الآن عندما يقوم أحد المنافقين فيتكفّل بإقامة مركز دراسات وأبحاث يتولى دراسة المجتمع الإسلامي والظواهر المنتشرة في المجتمع الإسلامي ويقدّمها للغرب.

الشيخ محمد الخضيري: هذا داخل تماماً في المذكور في الآية (أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ).

الشيخ عبد الرحمن الشهري: فائدة أيام الحروب الصليبية قامت الحروب الصليبية على مدى قرون أو سنوات طويلة وهم يحاربون المسلمين وصلوا إلى مرحلة من المراحل تبين لهم أنهم لن يستطيعوا أن يخترقوا هذه المجتمعات الإسلامية إلا بواسطة عملاء من الداخل ودراسات وأبحاث فأصبحوا يخصصون جزءًا من الجيش للمستشرقين الذين عُرفوا فيما بعد المستشرقين، المستشرقون في الحقيقة

الشيخ محمد الخضيري: جيوش استخبارية.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: هم باحثون غربيون اهتموا بالشرق فكان هؤلاء المستشرقون هم طلائع الجيوش الاستعمارية في العصر الحديث وكانوا موظفين في وزارت الخارجية في بريطانيا وفي فرنسا درسوا الجزائر، درسوا المغرب، درسوا سوريا، درسوا لبنان، حتى سبحان الله العظيم والله من حفظه لبلاد الحرمين أنها كانت الدراسات تشير إلى أن هذه البلاد صحراء لا قيمة لها.

الشيخ محمد الخضيري: وأن الذين فيها عرب أوباش.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: نعم عرب فما فيه فائدة منها إنها تُستعمر لذلك وقع الاستعمار في الشام وقع في مصر وقع في المغرب وسلمت هذه المنطقة.

الشيخ محمد الخضيري: فضل من الله سبحانه

الشيخ عبد الرحمن الشهري: وهذا من نعم الله لكن الفكرة أن هؤلاء المستشرقين كانوا هم طلائع الاستعمار. اليوم أصبح كثير من المنافقين ومن أبناء المسلمين هم الذين يقومون بهذا الدور نيابة عن المستشرقين يقدّمون الدراسات يقدّمون البحوث التي تكشف حقائق المجتمع الإسلامي وتقدّمها للغرب وبناء عليها تُعمل الدراسات وتُقام الحروب ولذلك الحروب الآن هل توقفت الحروب اليوم؟

الشيخ مساعد الطيار: لا أبداً لم تتوقف.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: انظروا ما الذي يحدث في أفغانستان؟ ما الذي يحدث في العراق؟ ما الذي يحدث في فلسطين؟ وما الذي يحدث اليوم كلها هي حروب وهي عداوات لكن المنافقين كان لهم دور كبير جداً في دخول هذه الجيوش.

الشيخ محمد الخضيري: هذا جانب فيه جانب آخر أبو عبد الله وهو الحقيقة لون من ألوان التحذير بعض أبنائنا الذين يذهبون مبتعثين في الدول الغربية الجامعات الغربية تتيح له فرصاً لكشف واقع المسلمين. طبعاً الطالب يكون راغباً في أن يأخذ شهادة الماجستير أو الدكتوراه وهذا حدُّ علمه والمسكين لا يعلم أن مثل هذه الرسالة أو هذا البحث الذي يكتبه عن واقع المسلمين يُكشف هناك ويسلم للجهات الاستخباراتية لكي تكون مدخلاً لإذلال المسلمين ولإضعافهم ولمعرفة مكامن الضعف عندهم وكشف أسرارهم إلى آخره. ولهذا نحن نقول محذِّرين أي شاب مسلم اِتق الله سبحانه وتعالى عندما تطلب منه هذه الدراسات من دول معادية للإسلام والمسلمين أن يكشف الواقع لأمثال هؤلاء ويقدّمها

الشيخ عبد الرحمن الشهري: بحسن نية.

الشيخ محمد الخضيري: هذا إذا كان بحسن نية نحن نُحذِّر. اللون الثاني أن يكون لا، أن يكون نفس الرجل قد استهدف ومشى في نفس الميدان وصار عميلاً برغبة وطواعية أو بنوع من أنواع الدفع والمال من أجل أن يكتب البحوث والدراسات ويقدّمها لأن مراكز البحوث والدراسات الغربية بالمناسبة تبحث عن أمثال هؤلاء وتدعم رسائلهم وبحوثهم من أجل أن يقدموا تقارير عن دولهم. ولذلك تتفاجأ إنه صحف غربية وإنه مراكز استخبارية تعطيك معلومات دقيقة جداً عن العالِم الفلاني مَنْ عنده من التلاميذ وعن المسجد الفلاني وما فيه من الأنشطة وعن ما تتميز به الصحوة الإسلامية في مكة المكرمة أو في جدة أو في الرياض أو في القاهرة أو الاسكندرية ومن هم روّادها ومن هم قوّادها وعلى ماذا تدور وما هي المواد التي تدرس؟

الشيخ مساعد الطيار: ولا يمكن أخذها إلا من طريق.

الشيخ محمد الخضيري: لا يمكن أن يؤخذ إلا من الداخل.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: طبعاً الآن يا إخواني تغيرت الأمور عن السابق يعني النبي صلى الله عليه وسلم عندما أمسك الصحابة رضي الله عنهم بأحد ربما أنه أحد الذين يعملون مع قريش ما أدري هل هو في بدر أو في غيرها عندما قال كم يأكلون؟

الشيخ مساعد الطيار: في بدر.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: في بدر، قال كم ينحرون؟ كم كذا؟ أسئلة عادية تتعلق بالأكل والشرب.

الشيخ محمد الخضيري: لكنها لها معاني

الشيخ عبد الرحمن الشهري: فقال نعم، إذاً هم بين الألف والخمس مئة لأنه حسبها كم يستغرق الواحد. الآن أصبحت الأمور الآن هذه مكشوفة في واقعنا المعاصر الآن، يعني الآن تأتي إلى مثلاً أيّ بلد من بلدان المسلمين تستطيع أنك تكشف الرأي العام ما هي القضايا التي تدور؟ ما هو الذي أشغل الرأي العام في هذه المنطقة في هذا الوقت؟ مع وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت الأمور الآن.

الشيخ محمد الخضيري: أكثر سهولة.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: أكثر سهولة يعني أعطيك موقفاً أنا قمت زيارة في جامعة الملك سعود مع بعض الزملاء إلى بعض الجامعات في الولايات المتحدة ففي أحد الاجتماعات اِلتقينا بمسؤول في الجامعة فعرّفناه بأنفسنا كنا ستة أشخاص فلان، وفلان، وفلان، فلما أخذنا واحداً، واحداً، قال لي أنت عبد الرحمن بن فلان وكذا أنا فعلاً قرأت لك ورأيت سيرتك الذاتية ما شاء الله أنت تبحث في كذا، أنت تهتم بكذا، أنت لك محاضرات في كذا، أنت لك مشاركات، أقسم بالله والله إذا به قد اطّلع على كل فعلاً يعني ميسور الآن يعني ما عاد فيه الآن صعوبة لكن كانت في زمان مضى تعتبر من أسرار الإنسان ولعلمك يعني الآن لو أردت أن تغزو بلداً من البلدان يهمك أنك تعرف ما الذي يهتم به أهل هذه البلد يعني أنت عندما تريد تستعمر بلداً ينبغي إنك تفكر كيف ما هي الأشياء التي يحتاجونها؟ كيف تستطيع إنك تقنعهم بأنك أنت أفضل من النظام القائم؟ ستقدم لهم الحرية سيتقدم لهم هذا الذي يفعلونه المستعمرون، فكانوا عندما يستعمرون بلدان الإسلامية زمان يأتون إلى عالم مجهول بالنسبة لهم.

الشيخ محمد الخضيري: ولذلك يقعون أحياناً في أخطاء فادحة.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: أخطاء فادحة تنفِّر منهم وهم يريدون البقاء كما وقع في الجزائر قديماً مع فرنسا وكما وقع في بريطانيا وغيرها. فالآن يبدو أن الأمور تغيرت لكن يبقى دور المنافق خطيراً جداً حتى بالرغم من هذا التواصل وهذا الانترنت أصبحت المعلومة الحصول عليها سهل لكن يبقى هناك معلومات لا يمكن أن تصل إليها إلا من أصحاب

الشيخ مساعد الطيار: تحليل بعض القضايا.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: نعم أحسنت هذا مهم جداً.

الشيخ محمد الخضيري: العجيب يا أبو عبد الملك أنه هؤلاء المنافقين سبحان الله يعدون بازدواجية عجيبة مع المسلمين يصلّون وقد يحضرون مجالس الذكر وقد، وقد، إلى آخره. ولذلك بعض السُذَّج من المسلمين يستبعد أن يكون هناك إنسان يصلي أو يصوم ومع ذلك هو عيبة نصح لهذه السفارات أو لتلك المراكز والبحوث والدراسات التي تقدم لأولئك الغربيين، ويقول إن هذا لا يمكن أن يجتمع. في الآية اجتمعت (الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) وهذه الحقيقة تجعل المسلم يقظاً وواعياً وإنه المظاهر ما تخدعه وهذا درس الحقيقة يجب أن يستفيده كل مسلم لأنه أحياناً نقول للناس: احذروا فلان وكتاباته يقول واحد والله يا أخي إني أراه يتبرع ويتصدق ويصلي ويصوم وإنسان عنده مسبحة طويلة والمصحف معه في سيارته معه في جواله وإني رأيته يقرأ القرآن، كل هذه المظاهر إن كان صادقاً فيها فأجره على الله. لكن يجب علينا أن لا نغفل تلك الأشياء التي هو يعملها وفيها ضرر كبير على الإسلام والمسلمين يجب أن لا نكون سُذجاً ولذلك كان عمر يقول ليست بالخبء – أي المخادع واللئيم – ولا الخبء يخدعني. لاحظ الصفة كيف اجتمعت أنا لست مخادعاً ولا لئيماً وفي الوقت ذاته أنا لا أقبل أن يكون هذا المخادع يخدعني ويستخفّني.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: وأيضاً في التعبير بقوله ولقد أطلنا في هذه الآية لكننا نلاحظ أنها تمس حياتنا بشكل واضح (الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ) ألا تلاحظون كلمة (يَتَرَبَّصُونَ)؟ هذا الفعل استخدم مع المنافقين واستخدم مع الكفار أيضاً كما قال الله سبحانه (أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (30)) [الطور] يعني ننتظر انتظار كأنه ينظر إلى ساعته وإلى التقويم متى تحل الهزيمة بالمسلمين، متى تحل الهزيمة بالرسول ومن معه عليه الصلاة والسلام حتى يقلب لهم ظهر المِجنّ ويظهر على حقيقته فكذلك هي واقع المنافق في كل زمان ومكان ويتربص هو رجل صاحب مصالح دنيوية فإذا كانت مصلحته مع المسلمين فهو كما قال الله (فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ) نريد مكاسب نريد منصب نريد يعني يدبر نفسه (وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ)

الشيخ محمد الخضيري: (قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ).

الشيخ عبد الرحمن الشهري: فهو يبحث عن مصلحته هنا وهنا ولذلك الله وصفهم في الآية التي بعدها قال (مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ).

الشيخ مساعد الطيار: إذاً لو رجعنا إلى سيرة المنافقين في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم من النماذج التي وقعت انسحاب عبد الله بن أبيّ يوم أُحد بثُلُث الجيش وكذلك في حال بني النضير.

الشيخ محمد الخضيري: في غزوة بني النضير.

الشيخ مساعد الطيار: غزوة بني النظير لما ألح على الرسول صلى الله عليه وسلم حتى استطاع أن يخلصهم من القتل فهذه أيضاً تدخل في باب الاستحواذ وأنه ينتصر لهم ولا ينتصر لواحد من المسلمين. وهذه صفة سبحان الله إذا نظرت إليها الإنسان الذي يدّعي أنه مسلم ويدّعي أنه متابع لرسول الله صلى الله عليه وسلم يلزمه أن ينظر نفسه في مثل هذه المواقف فإذا رأيناه في المواقف التي من المفترض أن نراه ناصراً لأمر من أمور المسلمين أو ذابّاً عن عيبة مسلم ما ولا نجده كذلك فهذه علامة واضحة جداً ولكنا نراه إن أوذي رجل كافر أو مغموس عليه بالنفاق فتجده ينتصر له ويذبّ عنه، فهذه أيضاً صورة من صور أو مؤشر، نحن لا نحكم عن السرائر ولكنا نحن نتعامل بالظواهر.

الشيخ محمد الخضيري: في أدنى الصور في الاستحواذ في نظري أن يقولوا للكافرين هذه الكلمة: كان بإمكاننا أن نقاتل مع هؤلاء عليكم ولكنا لم نقاتل معهم، ألا نستحق بذلك بعض الشيء منكم وبعض المكاسب؟!.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: عشرة بالمئة.

الشيخ محمد الخضيري: لو عشرة بالمئة! هذه في أدنى مراتب المنّة على الكفار في طلب الحيل إنه كان بإمكاننا أن نحمل السيف ونقاتل، كم كان عددهم في أحد؟ ثلث الجيش انخذل بهم عبد الله بن أبيّ لم يكونوا كلهم من المنافقين كان منهم من المنافقين وكان منهم من مرضى القلوب وكان منهم مسكين من الناس الذين لا يعرفون ما وراء ذلك. فهذا لون من ألوان الاستحواذ ولذلك تجد هؤلاء يبحثون عن أي ثغرة يحصلون بها على مكسب سواء من المؤمنين أو من هؤلاء.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: بالضبط وهذا هو لب البراغماتية مذهب البراغماتية هو هذه المصالح ولعلمك السياسيات الآن هم أصلاً يقولون مبدأ السياسية قائم على هذا المبدأ ليس هناك عداوات دائمة ولا صداقات دائمة ولكن هناك مصالح.

الشيخ محمد الخضيري: وليس هناك مبادئ.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: نعم مصالح تتغير.

الشيخ مساعد الطيار: من فقه السلف ابن جُريج رحمه الله تعالى عند لفظة الاستحواذ يقول: ألم نبين لكم أنَّا معكم. لأن بعض الناس قد يقول إنكم فسرت معنى الاستحواذ بالغلبة فقول ابن جريج ألم نبين لكم أنَّ معكم معناها أنَّ كفيناكم شرنا وحيّدنا أنفسنا فلم نكن مع المسلمين عليكم. ولهذا الطبري رحمه الله تعالى لما ذكر المعنيين معنى الاستحواذ الذي هو معنى الغلبة ومعنى التبيين ذكر أن المعنيين غير متنافيين ولهذا قال: وهذا القولان متقاربا المعنى وذلك أن من تأوّله بمعنى ألم نبين لكم إنما أراد والله أعلم ألم نغلب عليكم بما كان منا من البيان لكم أنَّا معكم.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: لأننا نملك معلومات ما تملكونها، هو نفس المعنى يعني المعنى الذي ذكرناه.

الشيخ مساعد الطيار: يدور حولها. لكن هو أهم شيء أن يعرف السامع أن الاستحواذ هو له صور نحن ذكرنا بعض الصور قد يكون هناك صور أخرى من الاستحواذ والمنعة التي تحصل من المنافقين نصرة للكافرين ولذا قال (وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ).

الشيخ عبد الرحمن الشهري: من الفوائد هذه فائدة علمية لمن يقرأ في القرآن الكريم بعض العبارات دلالتها في وقت نزول القرآن الكريم تغيرت عن دلالتها اليوم فربما الواحد استحوذ اليوم ما هو ظاهر دلالتها بدقة (أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) قد لا يفهمها البعض. لكن ماذا يصنع قارئ القرآن يلاحظ هذه اللفظة كيف تكررت في القرآن الكريم وكيف استُعملت فمثلاً (أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ) هنا يبحث يجد أن في القرآن الكريم (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ) [المجادلة:19] يجد مثلاً أين وردت مادة استحوذ، يستحوذ؟ يجمعها إذا كانت في هذين الموضعين فقط أو في غيرها ثم يقرأ كلام أهل اللغة عنها يتضح له دلالتها في القرآن الكريم.

الشيخ مساعد الطيار: هذا جيد. لعلنا نقف لفاصل ثم إن شاء الله نواصل بعده بإذن الله تعالى.

*.*.*.*.*.*.*.* فاصل *.*.*.*.*.*.*.*

– تقرير عن مركز تفسير وملتقى أهل التفسير

– إعلان جوال تفسير

*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*

الشيخ مساعد الطيار: نرحب بكم أيها الإخوة والاخوات ونرجع إلى ما كنا وقفنا عليه من الحديث عن قول الله سبحانه وتعالى (أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) وقد ذكرنا شيئاً من الصور من الاستحواذ ولعلنا ننتقل إلى خاتمة الآية في قوله سبحانه وتعالى (فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ). طبعاً هو ظاهر النص هنا أن الحكم سيكون في يوم القيامة فكأن أول الآية في الدنيا أن يُخبر عما كان في الدنيا ثم ختم الله سبحانه وتعالى بما سيكون في الآخرة ولذا قال (فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (141)). وقد قلنا في اللقاء السابق أن السبيل بمعنى الحُجّة وأن علي بن أبي طالب وابن عباس رضي الله عنهما ذكرا أنه لن يجعل لهم سبيلاً على المؤمنين يوم القيامة ومن لوازم ذلك إذا كان لن يُجعل لهم سبيل يوم القيامة أن لا يُجعل للكفار سبيل في نوع من أنواع السبيل في الدنيا مثل ما ذكرت بالأمس في قضية استعلاء أهل الإيمان بإيمانهم على الكفار. وهذه ظاهرة طبعاً في القرآن واضحة جداً جداً ولذا قال الله سبحانه وتعالى (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون) مع أنهم كانوا في غزوة أُحد قد هزموا.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: والأعلون منهجاً.

الشيخ مساعد الطيار: نعم نظر إلى ليس الغلبة المادية أو الغلبة الوقتية هذه وإنما نظر إلى العلو الذي هو علوّ معنوي فالمؤمنون أعلى شأناً من الكفار ومثلها أيضاً حادثة البروج فالله سبحانه وتعالى لم يذكر أنهم انتصروا ومع ذلك قال في سورة البروج (ذلك الفوز الكبير) ولم يرد الفوز الكبير إلا في هذه السورة.

الشيخ محمد الخضيري: (وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (141)) أيضاً لو قيل في قوله (وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (141)) أنه لو أخذت هذه الآية بمفهومها العام أنه لن يُجعل لعموم الكفار على عموم المؤمنين سبيل وإنما قد يكون لهم سبيل على بعض المؤمنين هذا جانب، الجانب الآخر لن يجعل الله للكافرين على المؤمنين إذا كانوا مؤمنين حقاً سبيلاً فالمؤمنون إذا تخلوا عن الإيمان إذا تخلوا عن صورة من صور الإيمان وعن شيء من مسمّاه ابتُلوا بالكفار وهذا يفسر لنا ما حصل في أُحد وبدر. ففي بدر على قلّتهم وضعف حالهم نصرهم الله سبحانه وتعالى لكن كانوا متحققين بالإيمان ولذلك جاء في سورة الأنفال (أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا). في غزوة أحد كان هناك نقص من جانب من الجوانب ولو كان من بعض المؤمنين وهم أولئك الثُلّة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين تركوا ما أمرهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجلوس في الجبل وحفظ المسلمين في ظهورهم فنزلوا فابتُلي المسلمون كلهم، لاحظ أين حصل الخلل؟ حصل في بعض المؤمنين فابتُلي المسلمون كلهم بغلبة الكفار أو بأذى الكفار لهم، فهنا يقال لن يجعل الله للكافرين على المؤمنين إذا تحققوا بإيمانهم سبيلاً فيكون هذا أيضاً داخل في معاني هذه الآية الكريمة.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: أيضاً من الفوائد التي تظهر في هذه الآية في قوله سبحانه وتعالى (فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) أنه قد يقع هناك خسائر بسبب مكائد المنافقين وقد وقعت بالفعل خسائر كثيرة في الأرواح وفي الأموال في الصف الإسلامي في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فكم قُتِل من الصحابة رضي الله عنهم بسبب مؤامرات المنافقين وعلى مدى التاريخ. ولذلك الله سبحانه وتعالى عندما (فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) أولاً هذه الآيات فيها تحذير للمؤمنين واضح أنهم ينبغي أن يكونوا على غاية الحذر من المنافقين الذين بيّنهم الله سبحانه وتعالى بالأوصاف وهذه أفضل طريقة لكشف الأعداء يعني تحديد الأوصاف هي التي تجعلك تعرف الوصف بغض النظر عن اسم صاحبه. الأمر الثاني أن فيها تسلية للمؤمنين بأن الفوز الحقيقي والنصر الحقيقي

الشيخ محمد الخضيري: ليس هو في الدنيا.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: ليس في الدنيا وأنه إنما في الآخرة لأنه كثير من الناس أنا أسمعهم يقولون وهذه الضحايا التي تذهب؟!! نقول هذا

الشيخ مساعد الطيار: عند الله.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: عند الله وقضاء الله وقدره.

الشيخ محمد الخضيري: نشهد الآن في فصل من فصول قضية طويلة

الشيخ مساعد الطيار: ولهذا قصة أصحاب الأخدود في سورة البروج توضح هذه الفكرة تماماً يعني أناس قتلوا عن بكرة أبيهم.

الشيخ محمد الخضيري: من ينتصر لهم؟

الشيخ مساعد الطيار: الله.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: أضف إلى ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم أن الشهيد النبي صلى الله عليه وسلم عندما يقول وددت أن أُقتَل في سبيل الله ثم أعود ثم أُقتل، لما يرى من فضل الشهادة وأجر الشهيد.

الشيخ مساعد الطيار: وأيضاً أن الشهيد إذا قيل له تمنى، تمنى

الشيخ عبد الرحمن الشهري: أنه يعود

الشيخ مساعد الطيار: نعم ثم يُقتل.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: هذه المعاني للأسف أننا لا نستحضرها.

الشيخ مساعد الطيار: إي نعم هذه غائبة.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: غائبة للأسف.

الشيخ مساعد الطيار: لكن الحمد لله الآن بدأت تحيا وخاصة عند من يُبتلون بمثل هذا أرى ولله الحمد معاني صارت حيّة أكثر.

الشيخ محمد الخضيري: هناك مسألة يا أبا عبد الله ويا أبا عبد الملك وهي قوله (فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) هذا يدل على أن أمر المنافقين قد يخفى فلا يُعلم، إذاً متى يظهر؟ سيظهر عياناً بياناً أمام الجماهير وأمام العالم يوم القيامة عندما يأتي الناس جميعاً أمام المحكمة الإلهية أما في الدنيا فقد يموت فلان من الناس ونحن لا ندري هل هو من المؤمنين الصادقين أو المنافقين الخُلّص، ولا زال الآن في التاريخ إلى اليوم يختلفون

الشيخ عبد الرحمن الشهري: اختلاف في بعض الشخصيات.

الشيخ محمد الخضيري: اختلاف في بعض الشخصيات هل هي كانت مدسوسة في صفوف المسلمين بل بعض الناس يثبت بما لا يدع مجالاً للشك وبأدلة قوية أنه كان غير مسلم، كان يهودياً، كان عميلاً، كان إلى آخره. وآخرون يدّعون له الولاية وأنه، وأنه إلى آخره. إلى متى؟

الشيخ عبد الرحمن الشهري: بل حتى النبي صلى الله عليه وسلم كما في الآية قال (وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ) [الأنفال:60].

الشيخ محمد الخضيري: (اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ) [الأنفال:60].

الشيخ عبد الرحمن الشهري: صح أو لا؟

الشيخ محمد الخضيري: نعم.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: النبي صلى الله عليه وسلم حتى أنه هل كان يعرف أسماء المنافقين جميعاً أم كان بعض أسماء المنافقين يخفى عليه عليه الصلاة والسلام. ثم حتى لما بُلِّغ وأخبر عليه الصلاة والسلام بأسماء المنافقين لم يخبر الصحابة أخبر حذيفة فقط ثم لم يثبت أن حذيفة أخبر أحداً من الصحابة بأن فلان منافق إلا عمر عندما قال له هل أنا من المنافقين؟ فقال لا ولا أخبر أحداً بعدك

الشيخ محمد الخضيري: ولا أزكي أحداً بعدك.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: أو ولا أزكي أحداً بعدك. فالشاهد فعلاً ولذلك يوم القيامة يظهر الحق من الباطل في هذه القضية. ننتقل للآية بعدها.

الشيخ محمد الخضيري: قبلها يا دكتور عبد الرحمن (وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (141)) هذا نفي لكنه في الحقيقة يحمل النهي وهو أن المؤمنين يجب عليهم أن يتخذوا الوسائل والأسباب التي لا تجعل للكافرين سبيلاً عليهم بأخذ العُدّة واتخاذ الأسباب والقيام بواجب الكفاية في جميع ألوان الحياة حتى لا يكون للكفار عليهم سبيل. وهذا المسلمون لما قصّروا فيه صار للكفار سبيل عليهم مستضعفون، الآن أمريكا بأيّ شيء تركِّع دول العالم الإسلامي؟ الحصار الاقتصادي. دعك الآن من القتال والدخول والاغتصاب وإلى آخره اغتصاب الدول والحقوق الآن الحصار الاقتصادي، لماذا؟ لأنه كثير من الصناعات تملك أسرارها ومصانعها أمريكا بمجرد ما تأمر ينتهي كل شيء. الطائرات تبقى وتسقط ولا يستطيعون أن يغيروا فيها شيئاً، المنتجات، الأدوية، فيبقى المسلمون بحاجة إلى أن يعودوا مرة أخرى لكن راكعين إلى عدوّهم بسبب حاجتهم إليه.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: تقصد أنه ينبغي على المسلمين أن يسعوا إلى الاكتفاء الذاتي.

الشيخ محمد الخضيري: لا شك.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: والاعتماد على الذات.

الشيخ محمد الخضيري: حتى لا يكون للكافرين سبيل على المؤمنين.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: الآية التي بعدها يا إخواني في قوله (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (142)) يعني هذه أولاً أكّدها بمؤكد (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ) يعني يشير إلى أن هذه الصفة صفة ملازمة للمنافقين وهي صفة الخداع لكنه خداع على مستوى الدين والعقيدة. الله يقول هذا (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ) قد يقول قائل كيف يقال هل الله سبحانه وتعالى يمكن أن يُخدع؟

الشيخ محمد الخضيري: لا يمكن.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: بمعنى أنه ينطلي عليه الخديعة أو الكيد كما ينطلي على

الشيخ محمد الخضيري: لا يمكن.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: لكن يقال هنا أنهم يفعلون في ظنهم أنهم يفعلون ذلك عندما يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر فيظنون أنهم بهذا يخادعون الله.

الشيخ محمد الخضيري: ولكن الحقيقة أن الله مطلع على كل ما يصدر منهم وكل ما يخفونه

الشيخ عبد الرحمن الشهري: وهذا هو التوجيه (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ) أي أنهم يقومون بأفعال يُظهرون الإيمان يظنون بفعلهم هذا أنهم يخادعون الله.

الشيخ مساعد الطيار: أو أنهم قد أرضوا الله.

الشيخ محمد الخضيري: كيف؟

الشيخ مساعد الطيار: قد يظنون أنه يعمل العمل وهو مذبذب فيظن أنه بعمله هذا لم يُسخط الله سبحانه وتعالى فهو يوهم نفسه بأنه يفعل فعل طاعة وهو في الحقيقة إنما هو فعل

الشيخ عبد الرحمن الشهري: يصرح يا دكتور يقول إنهم يخادعون معناها أنهم يمارسون هذا عن تخطيط، هذه نقطة لكن المسألة الثانية أن بعض المفسرين قال إن معنى (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ) يعني يخادعون رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الشيخ محمد الخضيري: لا، هذا ما يليق بظاهر اللفظ.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: اصبر، وكيف يوجهونها؟ قالوا نوجهها كما في قوله في سورة الفتح (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ) [الفتح:10] فكذلك هنا الذين يخادعونك كأنهم يخادعون الله. لكن نقول التوجيه الأليق والظاهر أنهم يفعلون أفعالاً يظنونها تنطلي على الله وأنهم يخادعون الله ولذلك الله سبحانه وتعالى قال (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ) فأثبت لهم أنهم يمارسون هذا العمل وأنهم يقصدون به أن يخادعوا الله سبحانه وتعالى ولكن هيهات لهم لأن الله سبحانه وتعالى يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.

الشيخ مساعد الطيار: لو سأل سائل يا أبا عبد الله وقال هل الخداع يُعتبر صفة ممقوتة مطلقاً أو هي محمودة في وقت دون وقت؟

الشيخ عبد الرحمن الشهري: تقصد أن كيف الله سبحانه وتعالى نسب إلى نفسه صفة الخداع فقال (وَهُوَ خَادِعُهُمْ) فهل يصح أن نقول إن الله سبحانه وتعالى مُخادع وأن يتسمى الإنسان فيقال مثلاً عبد المخادع؟ هذا طبعاً يقال فيه أنه لا يجوز أن يوصف الله سبحانه وتعالى بهذه الصفة إلا كما وصف نفسه في القرآن على سبيل المقابلة كما في قوله (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ) [الأنفال:30]، (فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ) [التوبة:79].

الشيخ محمد الخضيري: وهذا يدل يا أبا عبد الله على أن بعض الصفات هي مدح من وجه وذم من وجه فإذا ذُكرت لله عز وجل في وجه المدح كانت لائقة كما هنا (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ) [الأنفال:30] (وَهُوَ خَادِعُهُمْ) لأنهم خادعوا وهي ذمٌّ من وجه عندما يقوم الإنسان بالمخادعة لمن لا يستحق المخادعة بالابتداء مثلاً أو لإنسان بريء يخادعه ويقاتله هذا لا شك أنه ذم قبيح من الصفات التي يتنزه منها العقلاء وأصحاب الأخلاق العالية. لاحظ معي في قول النبي صلى الله عليه وسلم «الحرب خدعة» يدل على أن الخداع ليس مذموماً من كل وجه بل إن من الخداع ما يكون محموداً ومطلوباً ولذلك إذا استعمل لله عز وجل فيما هو مطلوب وممدوح لا بأس به وإذا استُعمل في الجانب الآخر فهو مذموم. هناك من الصفات ما يكون ذمّاً بكل وجه مثل الخيانة والظلم ما يأتي واحد يقول: اللهم اظلم من ظلمني.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: لا يجوز هذا.

الشيخ محمد الخضيري: الظلم لا يكون إلا مذموماً ولذلك قال «إني حرّمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرّماً فلا تظالموا» وكذلك الخيانة (وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ) [الأنفال:71] لكن ما قال فخانهم لأن هذه الخيانة لا تليق بالله

الشيخ عبد الرحمن الشهري: حتى لو أنها كانت في مقابل.

الشيخ محمد الخضيري: لا تليق بالله عز وجل.

الشيخ مساعد الطيار: حتى بالمقابل يقول اللهم عاقبه بظلمه ولا يقول اللهم اظلمه.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: ولذلك هنا لاحظ حتى في الآية (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ) عبّر بالمضارع (يُخَادِعُونَ اللَّهَ) ما قال وهو يخادعهم “إن المنافقين يخادعون الله وهو يخادعهم” لا، وإنما قال (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ) فعبّر عن نفسه بصيغة اسم الفاعل.

الشيخ محمد الخضيري: التي تدل على أن هذا ثابت بالنسبة لله عز وجل.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: تدل على أمور: أولاً تدل على أن ردّ كيدهم في نحورهم من الله سبحانه وتعالى ثابت وواقع أما خداعهم فهو لا يقع، قد يقع وقد لا يقع مكرهم بالمؤمنين فيخادعون. الأمر الثاني على أنهم يتجدد منهم الخداع باستمرار وأن الله سبحانه وتعالى مهما تجدد منهم هذا المكر والخداع فهو سبحانه وتعالى سوف يكبت باطلهم وينصر المؤمنين عليهم.

الشيخ محمد الخضيري: الآن لاحظ فيما جرى يا إخواني في موضوع الساعة الآن قضية الربيع العربي والثورات وما يتصل بها يعني كان جزء من هذا تحيكه منظمات ودول غربية من أجل أن تجد من ينصرها أكثر ويكون ولائه لها أكبر من الموجودين.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: هم يفكرون على المدى البعيد.

الشيخ محمد الخضيري: إي نعم ولكن سبحان الله جاء أمر الله عز وجل بما لا يشتهون فجاء إلى سدة الحكم في هذه الدول من لا يرغبون به أصلاً ولذلك هم في أول الأمر كانوا ينصرون هذه الثورات والآن بدأوا يتوقفون. انظر مثلاً في موضوع سوريا الآن ثمانية عشر شهراً والحرب قائمة وهذا الرجل يقتل ولم تبدو من الكفار الآن كلمة تدل على أنهم سيتدخلون لمنع هذا الظلم بينما في تونس أو في مصر فعلوا غير ذلك.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: يعني ليس بالضرورة أن كل ما يخطط له الأعداء أنه يقع ولذلك هذا دور المؤمنين نحن الآن عندما يكون القرآن الكريم هو مصدرنا والسنة النبوية يا إخواني سبحان الله العظيم مهما كتبوا من الدراسات ومهما كان عندهم من المنظِّرين لا يمكن أن يجدوا مثل الوحي الذي عندنا. نحن نأوي إلى ركن شديد ونأوي إلى طمأنينة ونأوي إلى علم يقيني نحن عندما نقرأ كلام الله سبحانه وتعالى وهو يصف لنا صفات المنافقين هل نحن نقرأ كتاباً تنظيرياً يصيب ويخطئ؟ لا، نحن نقرأ كلام لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وهذا هو أقوى ما يعتمد عليه المسلمون على الإطلاق. فينبغي أن يكون هذا يكون له دور وأثر وانعكاس على مجتمعنا أولاً في تثبيت المؤمنين وفي نصرتهم، الأمر الثاني في بثّ روح النصر والتفاؤل بمستقبل الإسلام وأنه قادم وكل ما يقع من التضحيات ومن قتلى ومن جرحى فهو في سبيل الله وهو بقَدَر الله سبحانه وتعالى نحن لسنا نسطِّح المسألة لكننا نعتمد فيما نقوله على القرآن الكريم وعلى السنة النبوية. هم على ماذا يعتمدون في حروبنا؟ كلها على تقاريرهم وعلى دراساتهم ليس لديهم كتاب سماوي ككتابنا لم يَطَلْه التحريف التوراة والانجيل ما يطمئن إليها أبداً هم أنفسهم لا يطمئنون إليها ولكن نحن ولله الحمد ننطلق من قاعدة قوية وننطلق من رؤية واضحة وهي والحقيقة يقول لي واحد مرة في التخطيط الاستراتيجي يقول نحن المسلمون عندنا تقصير في التخطيط الاستراتيجي وكلام من هذا قلت يا أخي بالعكس والله نحن أصحاب التخطيط الاستراتيجي، هل تعلم كتاباً كالقرآن الكريم وكتب السنة النبوية تستشرف المستقبل إلى يوم القيامة؟ بل حتى في الجنة والنار تذكر لك التفاصيل، هذا استشراف للمستقبل.

الشيخ محمد الخضيري: لا، وتعطيك الخطة للوصول إلى ذلك المكان.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: نعم.

الشيخ محمد الخضيري: خطة كاملة في كل جانب.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: النبي صلى الله عليه وسلم عندما قالوا له يا رسول الله أنت رفّعت وخفّضت في الدجال الصحابة يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم فقال غير الدجال أخوف ما أخاف عليكم إن يظهر وأنا فيكم فأنا حَجِيجُهُ دونكم ثم يذكر لهم كيف يخرج؟ ويسألونه في ذلك اليوم الذي كأربعين سنة كيف تصلي؟ هذا استشراف مستقبل صح؟

الشيخ محمد الخضيري: صحيح.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: قال اقدروا له قدره، أليس كذلك؟

الشيخ مساعد الطيار: صحيح.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: فقال لي هذا الرجل والله كلامك صحيح قلت والله نحن عندنا استشراف مستقبل.

الشيخ محمد الخضيري: متعدي الحدود.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: ثم نحن عندنا استشراف مستقبل يقيني الاستشراف المستقبل الذي نقرأ فيه الآن والنظريات الغربية كله ظنون صحيح أنه مبني على أشياء جميلة أنا أحبه وأقرأ فيه لكنه ما هو مثل هذا، هذا استشراف مستقبل الأمم.

الشيخ مساعد الطيار: لعلنا نختم اللقاء فقط أنا أقول نلاحظ إن الغرب وهو يتكلم عن نبؤات آخر الزمان يغفل مت عند المسلمين تماماً ويبدو أن الحلقة انتهت فلعلنا إن شاء الله نكمل بإذن الله في الحلقة القادمة وأسأل الله سبحانه وتعالى للجميع التوفيق والسداد.