برنامج بينات

برنامج بينات 1433هـ – الحلقة 5- تأملات في سورة النساء آية 143-145

اسلاميات

الحلقة 5

بينات – رمضان 1433 هـ

الآيات 143 – 145

الشيخ محمد الخضيري: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. مشاهدي الكرام ما أحسن أن نجتمع على كتاب الله عز وجل نتلوه ونتدارسه ونحن نرجو إن شاء الله أن نكون ممن تحققت فيهم تلك الوعود الأربعة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله «وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله» وفي رواية «وما اجتمع قوم يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفّتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده» هذه الأربعة تتحقق لمن جلسوا في المسجد ولمن جلسوا أيضاً في بيت من بيوتهم أو مكان من أماكنهم يدرسون كلام الله ويتلونه بينهم ويتعلمونه ويستهدون هذا الكتاب العظيم وكذلك أنتم الآن معنا في هذه الحلقة وفي هذا البرنامج المبارك برنامج بينات إذا جلسنا نحن وإياكم نتملّى كتاب الله ونتأمله ونتدارسه فيما بيننا لا شك إن شاء الله أننا ندخل ضمن هؤلاء الموعودين بهذه الخيرات الكثيرة. وفي حديث آخر «ويقال لهم قوموا مغفوراً لكم» يعني في ختام هذا البرنامج نرجو أن يكون لنا هذا الأجر العظيم ثم من بعده يقال قوموا مغفوراً لكم. حتى إنه يقال -وهذا من كرم الله- إن فيهم فلاناً ليس منهم وإنما جاء لحاجة فيقال: هم القوم لا يشقى بهم جليسهم. مشاهدي الكرام كنا نتحدث في حلقات ماضية في أفياء وظلال هذه السورة العظيمة سورة النساء التي أخبرناكم أنها سورة الحقوق وحقوق الضعفاء بشكل خاص وهي تتحدث عن صفات المنافقين في المقطع الذي نحن فيه. يقول الله عز وجل فيما وصلنا إليه (مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (143)) هذه تلخِّص حال المنافقين بشكل عام وهو التذبذب رأوا الحق لكنهم أعرضوا عنه فابتلاهم الله عز وجل بالتذبذب والتردد، أعطنا يا أبا عبد الملك شيئاً حول هذا المعنى.

الشيخ مساعد الطيار: كان في نفسي في اللقاء الماضي أن أذكر حديثاً كان فيه لطيفة من لطائف الإسناد وهو رواه الإمام البخاري عن شيخه المثنّى وهو قول الرسول الله صلى الله عليه وسلم «مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين» طبعاً العائرة هي المترددة والمتحيرة بين غنمين، قال «تعير إلى هذه مرة وإلى هذه مرة لا تدري أيتهما تتبع» فالرسول صلى الله عليه وسلم مثّل المنافق بهذا المثال.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: هذا الحديث رواه

الشيخ مساعد الطيار: رواه مسلم بنفس السند وهذا من لطائف الإسناد هذا مما شارك فيه البخاري مسلماً بهذا الإسناد يعني اتفقا في السند.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: جميل هذه اللطيفة.

الشيخ مساعد الطيار: طبعاً الحديث هذا أورده النبي صلى الله عليه وسلم عارياً عن ذكر الآية وهذه فائدة أخرى والمفسر وهو الإمام الطبري رحمه الله تعالى أورد هذا الحديث في معنى هذه الآية كأنه يرى أن المعنى الذي في الحديث يوافق المعنى الذي في الآية وهو كذلك (مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ) والنبي صلى الله عليه وسلم يقول «مثل المنافق مثل الشاة العائرة بين الغنمين تعير إلى هذه مرة وإلى هذه مرة لا تدري أيهما تتبع».

الشيخ عبد الرحمن الشهري: اللهم صل وسلم عليه. طبعاً تمثيل النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الشاة العائرة بين الغنمين ليس وصفاً للشاة بأنها منافقة صح وإلا لا؟

الشيخ مساعد الطيار: نعم.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: لكنه مثال محسوس عند الناس الذين يرعون الغنم ويرى شيئاً من الغنم مثل غنم محمد مثلاً وغنم مساعد وفيه وحده مرة تروح هنا ومرة تروح هنا.

الشيخ مساعد الطيار: يعرف إنها ليست من هذه.

الشيخ محمد الخضيري: لا تكسب كسب هؤلاء ولا تكسب كسب هؤلاء.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: فهذه أشبه ما تكون بالمنافق مرة في صف المؤمنين ومرة في صف الكافرين لا يدري له طريق. هذه فائدة جميلة وأيضاً فيه فائدة عفواً يا دكتور مساعد في قضية تفسير القرآن بالسنة يعني الآن صنيع الإمام الطبري هو تفسير للقرآن بالسنة لأنه جاء إلى حديث نبوي رأى أنه يمكن أن يكون هو نفس المعنى الذي في الآية فجاء به في مورد أو في تفسير الآية النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل إنه يقصد بهذا التمثيل

الشيخ مساعد الطيار: هذه الآية.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: تفسير الآية لكن لو كان النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الآية لسميناه تفسيراً نبوياً أليس هذا تفريق بينهما؟ تفريق بين التفسير النبوي والتفسير بالسنة؟.

الشيخ محمد الخضيري: مصطلح هذا أليس كذلك؟

الشيخ مساعد الطيار: نعم لكنه يميز ما يكون قصداً.

الشيخ محمد الخضيري: من تفسير النبي نفسه وما يكون من اجتهاد الأئمة.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: هذه فائدة التقسيم.

الشيخ محمد الخضيري: فهذا يسمونه تفسيراً نبوياً وهذا تفسير بالسنة أو تفسير القرآن بالسنة.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: جميل جداً.

الشيخ محمد الخضيري: أنا عندي أمر وهو أننا نلاحظ في تطبيق هذه الآية على الواقع أن كثيرين ممن أعرضوا عن منهج الله يبتغون الهداية في مناهج البشر تجدهم في كل فترة خصوصاً في كل عقد ينتقلون، ينتقلون، تجده في أول الأمر كان قومياً ثم لما جاءت موجة الماركسية صار ماركسياً ثم لما جاءت موجة الوطنية صار وطنياً ولما جاءت موجة الليبرالية صار ليبرالياً ويستمر سبحان الله في هذا التذبذب. وأذكر مرة أن أحد الدعاة لما دُعي لمناقشة أحد الليبراليين المشهورين في بلادنا مع كل أسف أنه قال في بداية المناقشة تدرون من هذا الماثل أمامكم؟ هذا كان في السبعينات كان قومياً صِرفاً ثم انتقل بعدها بعد ما عزّلت دكاكينها وانتهى سوقها انتقل إلى الماركسية ثم بعدها انتقل إلى العلمانية وهو اليوم يتحدث باسم الليبرالية ولا ندري ما هو القادم؟! لا ندري لماذا هذا الصدود والإعراض عن منهج الله وهو بين يديه لكن كما قال الله عز وجل (مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ) هذا التذبذب قلت لي قبل قليل (فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (45)) [التوبة] يعني سبحان الله كأن من أعرض عن المنهج الحق الذي ارتضاه الله لنا وبينه لنا رسوله صلى الله عليه وسلم ابتلاه الله بماذا؟

الشيخ عبد الرحمن الشهري: بالتردد والاضطراب.

الشيخ محمد الخضيري: بالتردد كل يوم يبحث عن واجهة ويبحث عن منهج ويبحث عن قضية يشيعها وينافح عنها ويقاتل ويعادي ويوالي ثم تفشل وتسقط في العالم كله فينسحب ثم يعود للناس من نافذة أخرى لكن لا يأتي من الباب ويدع المنهج الصحيح والمورد الصالح

الشيخ عبد الرحمن الشهري: التردد بالمناسبة أنا رأيت أحدهم كان يدافع مدافعة شديدة عن العلمانية فلما بدأت ملامح الهزيمة تظهر للعلمانية في الانتخابات قال أنا لا أتكلم عن العلمانية وأدافع عنها مع أنه قبل أسبوع كان يقول أنا أدافع وأرى أن هذا المنهج هو المنهج الأوحد الصحيح فما رأى أنها انهزمت بدأ يتخلى عنها ويقول كنت أنظر لها كمنهج من المناهج المطروحة في الساحة،لا، لم تكن تنظر لها وإنما كنت تدافع عنها مدافعة المستميت لكن لما رأيت أن الأمور اتجهت والرياحاتجهت بغير ما تشتهي السفن رأيت أن المصلحة تقتضي أن تجد لك حصاناً آخر تركب عليه. فالشاهد أن هذا التذبذب والاضطراب صفة ملازمة للمنافق

الشيخ محمد الخضيري: هي صفة وعقوبة أيضاً لأن التردد يا إخواني والله إنه يؤذي الإنسان أذى شديداً وخصوصاً الإنسان الذي عنده صحة من القلب يشعر بذلك أنت الآن انظر إلى نفسك إذا ترددت في شأن من شؤونك ماذا يحصل لك من الأذى؟ يحصل لك من الحيرة والاضطراب وما تنام في الليل أحياناً وتبقى مهموماً مغموماً وقتاً طويلاً. طيب إذا كان هذا في أمر الاعتقاد القضية الكبرى التي أنت خلقت من أجلها وتعيش لها وستقابلها في الدار الآخرة تتردد فيها ماذا سيحصل لك من الألم ولذلك هي عقوبة.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: من فوائد الآية التي تظهر لي يا إخوان.

الشيخ مساعد الطيار: لو تكرمت من قول الشيء بالشيء يذكر أذكر واحد من الفضلاء من الإخوة المصريين لما تخرج وعاش في البلاد هنا تخرج من كلية أصول الدين فكان يبحث عن عمل فعرض عليه عمل داعية في قطر فحصل له هذا التردد.

الشيخ محمد الخضيري: هل يذهب أو يبقى؟

الشيخ مساعد الطيار: يذهب أو يبقى، هنا قريب من مكة وهنا مراتع الصبا فكان يفكر في هذه الطريقة والوظيفة التي قدمت له كانت وظيفة جيدة.

الشيخ محمد الخضيري: مغرية يعني.

الشيخ مساعد الطيار: مغرية ولكن كان سيفقد أشياء هو يظن أنه سيفقد أشياء فمتردد تردداً شديداً وكان له علاقة بالشيخ عبد الرزاق عفيفي.

الشيخ محمد الخضيري: رحمة الله عليه.

الشيخ مساعد الطيار: آمين، فكان يكثر مشاورته وكثّر على الشيخ في هذه فقال له الشيخ كلمة وأنا حفظتها سبحان الله حتى الأخ حافظها قال له يا بني التردد يهلك. وبعد سنوات يقول تمنيت أني لو سمعت كلام الشيخ لأن الشيخ كان أقول له اذهب

الشيخ محمد الخضيري: لا تتردد.

الشيخ مساعد الطيار: لا تتردد اذهب هذاك خير لك سيفتح على يدك، سيكون لك، ماذا تستفيد من الجلوس هنا؟ طلب العلم وطلبته اذهب وزكّي هناك، هناك أناس يحتاجونك لكن سبحان الله ما ذهب فكان من قدر الله ما كان.

الشيخ محمد الخضيري: وأنا أذكر بالمناسبة يا أبو عبد الملك أذكر شخصاً في أمراً ليس في العقيدة تردد في أمر الزواج فبقي ثلاثاً وعشرين عاماً لم يتزوج وفي النهاية رضي بزوجة دون من كان يتردد في قبولها.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: طبعاً لأن مواصفاته تغيرت هو الآن ما عاد أحد يقبله.

الشيخ محمد الخضيري: هو الآن نفسه ما أحد يقبله وصار الآن يقول أنا أريد أنثى المواصفة الوحيدة أريد أنثى بينما كان في السابق هذه طويلة، هذه سمينة، هذه بيضاء، هذه شقراء، هذه كذا، انتهى من هذا كله لأن الناس صاروا يتوقون أو يتحاشون أن يزوجوه لأن يكون فيه عيب.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: كثرة التردد.

الشيخ محمد الخضيري: التردد عذاب والله كان يأتي لي ويجلس الساعات الطويلة يحكي لي معاناته مع هذا التردد. فإذا كان هذا في أمور بسيطة جداً حياتية يمكن للإنسان يتنازل عنها ويمكن ما يخسر بسببها أي شيء فكيف إذا كان في أمر سيخسر به نفسه؟! (الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) لاحظ الخسارة ما هي خسارة مال وإلا مثلاً موقف وإلا حادث وإلا شيء معين، خسارة نفس أنها تذهب حطباً لجهنم.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: من فوائد الآية في قوله (مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ) أن المنافقين صنف ثالث مختلف ليسوا من الكافرين.

الشيخ محمد الخضيري: وليسوا من المؤمنين.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: وليسوا من المؤمنين.

الشيخ مساعد الطيار: وإن كان مآلهم للكفر.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: نعم ومآلهم في الآخرة إلى بالعكس حتى ستأتي أنهم في الدرك الأسفل. يعني من فوائد الآية أن الكافرين لا يأمَنون المنافقين ولا يعتدّون بهم وليسوا من صفهم ولكنهم يتعاملون معهم فقط كأدوات فقط.

الشيخ مساعد الطيار: يستفيدون منهم.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: ولذلك الله قال (مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ) يعني هم في الوسط (لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ) فحتى الكافرين الخُلّص لا يطمئنون إلى هؤلاء المنافقين.

الشيخ محمد الخضيري: ولذلك يا أبا عبد الله لاحظ بعض من خدموهم مع الأسف

الشيخ عبد الرحمن الشهري: تخلوا عنهم.

الشيخ محمد الخضيري: وبكل بساطة وصُدموا هم لتخلي الغرب مثلاً عنهم، بعض حكام العرب الذين سقطوا في الآونة الأخيرة كانوا يخدمون الغرب بكل ما أوتوا من قوة ويسخّرون لهم كل إمكانات الأمة الإسلامية ويضحون بكل شيء في هذه الأمة من أجل زرقة عيون أولئك. من حين ما قال الشعب “الشعب يريد إسقاط النظام” أو كلمة نحوها قالوا يجب على فلان أنه يتخلى بهت ثم لما سقط ولا أحد زاره أو كلمه أو سلم عليه أو عرض عليه أنه يأوي إليه تصور إلى هذه الدرجة والله خطيرة.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: فهذه فائدة مهمة.

الشيخ مساعد الطيار: أذكر كان فيه بعض الصور أو الأفلام التي رصدت للجزائر لما كان الجيش الفرنسي يخرج فكان بعض الجزائريين ممن كان يعينهم يلحق بهم يريد أن يركب وهم طردوه.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: ننتقل للتي بعدها (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) وهذه مسألة مرتبطة بالنفاق مسألة تولي غير المؤمنين لأنهم لو كان هؤلاء وهم في العادة من نفس المنافقون في الصف الإسلامي كانوا من أهل المدينة يعني لو نظرت إليهم لكانوا يعتبرون من طائفة الأنصار من نفس

الشيخ مساعد الطيار: الأوس أو الخزرج.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: الأوس أو الخزرج.

الشيخ مساعد الطيار: وبعض اليهود كانوا أيضاً من المنافقين.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: وبالرغم من ذلك لكنهم اختطوا لنفسهم خطة خاصة ورأوا المسألة أنهم لن يؤمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم ولكنهم سوف يظهرون الإيمان ويبحثون عن مصالحهم الخاصة ولكن سبحان الله العظيم القرآن الكريم بالغ في كشف نفوسهم. ومن هذه الأشياء التي كانوا يمارسونها قضية ولاية غير الكفار المشركين مشركي قريش بالذات كانوا على صلة قوية بهم ويحيكون المؤامرات معهم ويخططون لهدم الإسلام من الداخل اليوم نفس القضية وعبر التاريخ المنافقون يتخذون (الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) يبتغون عندهم العزة، يبتغون عندهم الشرف، يبتغون عندهم المناصب، يبتغون عندهم أشياء كثيرة ولذلك الله هنا لاحظ أنه يخاطب المنافقين لكنه في هذه الآية قال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) فنادهم بصفة الإيمان (لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) وكأن هذه الصفة هذه صفة من صفات النفاق فاحذروها.

الشيخ محمد الخضيري: فاحذروا منها أيها المؤمنون.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: نعم ثم يقول (أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا (144)) فيعني دليل على أن من تولى غير المؤمنين فقد أقام الحجة على نفسه ولم يترك عذراً في عقابه، أليس كذلك؟

الشيخ محمد الخضيري: بلى.

الشيخ مساعد الطيار: يستوجب ما استوجبه المنافقون يعني كأنه يقع له ما وقع للمنافقين.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: وكأنه أيضاً كأن هذا الفعل وهو تولي غير المؤمنين هو حجة واضحة عليك ودلالة على نفاقك البعيد أليس كذلك؟

الشيخ محمد الخضيري: بلى.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: ولذا قال (أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا (144)) ما فيه هذا مجاملات ولا فيه أيضاً تقول والله كنت أظن لا هذا أصلاً دليل واضح على ميلك لهم والعياذ بالله.

الشيخ محمد الخضيري: أضف إلى ذلك افتتح الآيات يا إخواني في ذكر هذه الصفة وهي الآن تختم بنفس هذه الصفة مما يدل على ماذا؟ على عظم مقام أمر الولاء والبراء في الدين ما يأتي إنسان يقول لا أنت متدين وأنا متدين لكن لا مانع أن نكون إخوة في الإنسانية وإلا بيننا مصالح مشتركة وكل واحد يحترم الآخر وهذا رأي وهذا رأي وفي النهاية كلنا في الجنة لماذا تضيقون واسعاً.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: من الناس من يقول هذا

الشيخ محمد الخضيري: إيه هذا صف إيمان وهذا كفار يجب أن تميز نفسك نعم من رحمة ربنا بنا أنه أذن لنا مع الكافر الذي لم يُظاهر علينا ولم يتخذنا أعداء صُرحا أن نبرّه ونحسن إليه لكن تبقى البغضاء والعداوة في قلوبنا لمنهجه وكفره وعمله الذي يعمله ونعلم أنه من أهل النار، نعلم أن هذا الصنيع يؤدي إلى النار وأنه لا يُقبل عند الله عز وجل له عمل ما دام على ذلك أما نميع هذه القضية نقول لا يا جماعة ما له داعي وكلنا إخوة وكلنا شركاء هذا غير صحيح.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: والله للأسف إن هذا أصبح واقع كثير خاصة في وسائل الإعلام المكتوبة والمقروءة أنه يهون شأن التعامل مع الكفار ومحبتهم ومشاركتهم في الاحتفالات والمناسبات بحجة أن هذا يعني فيه تسامح وأنتم تضيقون واسعاً وأن هذا الرأي والرأي الآخر هذا رأيك يعني أصبح الكفر بالله رأي آخر! رأي ورأي آخر! دعنا نسمع ماذا لديه، ثم يأتون بالكفر الصريح والطعن في الدين ويجعلونه هو الرأي والرأي الآخر وكيف تعرّض عقول الناس وعقول النساء وعقول الأطفال والصغار تعرض عليهم هذه الشبهات والتشكيك في دينهم وكأنهم يستمعون إلى الرأي الآخر فقط.

الشيخ محمد الخضيري: الغريب أن هذا الأمر إذا كان له صلة بأملاك الشخص أو دنياه أو المُلك أو الرئاسة أو الجمهورية أو غيرها ليس هناك مجال للتفاوض. لعلنا نكمل هذا الحديث بعد هذا الفاصل فانتظرونا أحبتي الكرام.

*.*.*.*.*.*.*.* فاصل *.*.*.*.*.*.*.*

– تقرير عن مركز تفسير

– إعلان جوال تفسير

*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*

الشيخ محمد الخضيري: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، مشاهدي الكرام كنا مع قول الله عز وجل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا (144)) وقد ختمنا الحديث قبل الفاصل بالحديث عن تهوين بعض الناس لشأن الولاء والبراء في الإسلام تهويناً مبالغاً فيه إلى درجة أنهم جعلوا الكفر والشرك بالله عز وجل وقبول من الكفر على أنها آراء هناك مساحة لقبولها ووقت للاستماع إلى مثل هؤلاء وأنه لا تمنعنا هذه الاعتقادات من أن نحب هؤلاء القوم وأن نختلط بهم وأن لا نأنف من مجالستهم وأن لا نشعر بالعزة الإيمانية التي حبانا الله إياها واصطفانا بها في مقابلة هؤلاء الكفار، لعل أبو عبد الملك يضيف شيئاً في هذا الباب.

الشيخ مساعد الطيار: طبعاً قبل أن ندخل في التعليق على الآية، عكرمة رحمه الله تعالى عند هذه الآية يقول أن كل سلطان في القرآن فهو حُجّة وهذا يدل الحقيقة على استقراء بمعنى أن هذا هو نظر الموضوعي لهذه المواضع فإذا مرّت لفظة سلطان فهي في رأي عكرمة أنها بمعنى الحجة وكأن المعنى تريدون أن تجعلوا لله حجة عليكم في معاقبتكم كما يعاقب المنافقين (أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا (144)) ولاحظ أنه قدّم لفظ الجلالة لله (أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ) وهذا من باب العناية والرعاية لحق الله سبحانه وتعالى.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: لأنه هو القادر على تعذيبه.

الشيخ مساعد الطيار: نعم وهو المقصود في هذا الأمر سبحانه وتعالى لأن الولاء والبراء مرتبط بالله سبحانه وتعالى فلما قال (أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا (144)) واضح منها العناية بحقه سبحانه وتعالى في هذا الأمر. وأيضاً من الأشياء التي يجب على المسلم أن ينتبه لها أن الحديث عن الولاء والبراء هو بحقيقته حديث شائك لأن الولاء والبراء يأتيه جانبان ليسا متعارضين ولكن فهمهما يزيل كثيراً من اللبس. الولاء والبراء حقيقتهم مرتبط بميل القلب ومحبة القلب والقلب إذا مال وأحب فإنه يتقمّص أشياء كثيرة من هذا المحبوب ومن هذا الوليّ شاء أم أبى وقد يُظهر من محبته صوراً متعددة مثل ما نرى اليوم من بعض الذين يتابعون الكرة خاصة في الأندية الأوروبية أو غيرها.

الشيخ محمد الخضيري: العالمية.

الشيخ مساعد الطيار: نعم العالمية تجد أنهم من حيث لا يشعرون يقعون في الولاء والبراء وتقع بينهم منازعات بسبب فريق فلان وفلان فانتقلوا من منازعات في فرق دولهم إلى المنازعات في فرق دول الكفار ومن حيث لا يشعرون يقعون في هذا شيئاً بعد شيء فهذا جانب خطير جداً. لكن الجانب الثاني الذي قد يقع فيه اللبس هو قضية المعاملة بالمعروف فبعض الناس يظن أن المعاملة بالمعروف تدخل في باب ماذا؟ الولاء والبراء وليست كذلك المعاملة بالمعروف مطلوبة وقد دعا إليها الإسلام في هذا المقام فالله سبحانه وتعالى يقول (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا) هذا في حق الله وهم كفار (وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) [لقمان:15] وقوله (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ) [الممتحنة:8] انظر العدل إذاً موجود وهذا في باب المعاملة ومنه أجاز الشارع زواج المسلم بالكتابية وإلا هل يتزوج رجل امرأة لا يحبها؟ فإذاً هذه المحبة ليست محبة لدينها وإنما أحبها إما لمالها كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم أو لجمالها أو أعجبه شيء منها فما يحبه فيها ليس له علاقة بالدين وليس له خضوع بالدين ولهذا لو أقامت شعائرها وهو مُبغِض لهذه الشعائر وهي تعرف أنه لا يحب هذه الشعائر لأنه لا يجب عليه أن ينهاها عن ذلك فلا يعني أنه دخل في باب الموالاة فالموازنة ومعرفة هذه الفوارق مهمة جداً.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: والله إنها قضية حساسة.

الشيخ مساعد الطيار: قضية حساسة ودقيقة جداً فبعض الناس يبالغ في هذه المسائل حتى أنه يُدخل هذه الصورة وهو لا يدري وآخر تجد أنه يفرط ويتهاون حتى تتبعه الصورة التي تدخل تجده ماذا؟ يخرجه ولا يدري أو أحياناً من باب تعرف مثل الموضوعات هذه الشائكة كيف يحتاج لها سبحان الله الإنسان لأن يكون عنده قدرة في الوزن وتحتاج إلى نوع من القسط والعدل لكي لا يقع إخلال في هذا الجانب أو ذاك الجانب.

الشيخ محمد الخضيري: في قوله يا إخواني (أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا (144)) طبعاً السلطان قلنا ما هو؟

الشيخ مساعد الطيار: الحُجّة.

الشيخ محمد الخضيري: الحُجّة، ألا ترون أن هذا يفسر كيف أن العزة للمؤمنين وأن الله ينصر المؤمنين أن أعظم نصر هو انتصار الحجة وأن الانتصار المادي قد يحصل وقد لا يحصل لأسباب أخرى لكن النصر الذي يجب أن يتكأ عليه هو انتصار الحجة وهو أن يكون المؤمنون عندهم ثبات على الحق الذي آتاهم الله إياه وبقاء عليه ومقاومة لحجج الكافرين بحيث لا تثبت شبهاتهم ولا يستطيع الكفار أن يموهوا بباطلهم على أهل الإيمان. طبعاً هذا ماذا يدعو إليه لما يقول الله عز وجل (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ) [محمد:7] (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ) [الحج:40] إلى آخره من الآيات التي وعد الله فيها بنصر المؤمنين وأيضاً قوله (وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (141)) [النساء] بعضهم أيّدها قال (وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (141)) أي بالحجة والبرهان وهذا واحد من التأويلات في الآية. إذاً نحن نعلم من هذا أن الانتصار الحقيقي هو انتصار المبادئ والقيم كونك تبقى يا أبا عبد الله على الإيمان مع مكافحة هؤلاء وإغراؤهم بالشهوات ودفع الشبهات عليك من كل جانب وتثبت هذا نصر بينما هم مساكين في كل مرة تفجؤهم الحجج والبراهين ولا يستطيعون يقابلونها بشيء من الحجج وإنما يقابلونها بالسلاح، بالصواريخ، بالطائرات، بالراجمات، ما عندهم إلا القوة المادية هذا يدلنا أن النصر الحقيقي الذي وعد الله به والعزة الحقيقية هي عزة الحجة وظهور السلطان لأن الله سماها (سُلْطَانًا) إذاً الذي يملكها يملك السلطان.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: وتأييد لهذا المعنى انظر إلى قصة موسى عليه الصلاة والسلام وفرعون لما أرسل موسى عليه الصلاة والسلام إلى فرعون كان فرعون في أوج قوته وسيطرته حتى في نفوس المصريين وفي نفوس بني إسرائيل، فرعون له مكانة وهيبة فالله سبحانه تعالى أرسل موسى عليه الصلاة والسلام وطمأنه (لَا تَخَفْ) [طه:68].

الشيخ محمد الخضيري: (لَا تَخَافَا).

الشيخ عبد الرحمن الشهري: (لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا).

الشيخ محمد الخضيري: (أَسْمَعُ وَأَرَى (46)) [طه].

الشيخ عبد الرحمن الشهري: وحتى هذه المسألة تستحق من المشاهد أن يتوقف عندها قضية نهي موسى عن الخوف (لَا تَخَفْ) [طه:68] (لَا تَخَافَا) [طه:46] وتطمينه لأنه سيواجه شخصية جبارة. ماذا حدث؟ عندما جاء موسى عليه الصلاة والسلام وجاء بالعصا وهزم السحرة ماذا حدث؟ سقط فرعون في نفوس الجميع.

الشيخ محمد الخضيري: السقوط النفسي هذا.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: إي أنت تقول انتصار الحجة هو الانتصار الحقيقي.

الشيخ محمد الخضيري: صحيح.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: نعم صدقت ولذلك موسى انتصر على فرعون ليس عندما أُغرق في البحر قد انتصر عليه قبل ذلك انتصاراً معنوياً عندما هزمه أمام كل الشخصيات التي كانت ترى فيه شيئاً فانهزم أمام السحرة وانهزم أمام الشعب نفسه كله وسقط من أعينهم وعرفوا أنه ليس إلهاً وأنه ليس على كل شيء قدير وأنه ظالم جبار وأنه انقلب على السحرة الذين كانوا أقرب الناس إليه أليس كذلك؟

الشيخ محمد الخضيري: بلى.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: فلما غرق فرعون هو وجيشه كانت في النهاية مجرد نهاية الأجساد فقط أما المنهج قد انهزم من أيام.

الشيخ محمد الخضيري: ويؤكد هذا يا أبو عبد الله إن فرعون بقيت القوة المادية معه بعد سقوطه من نفوس الناس، هل نفعته هذه القوة المادية؟ ما نفعته مع أنه طرد موسى إلى أن ألجأه إلى البحر ثم الله سبحانه وتعالى نجى المؤمنين ثم أغرق الكافرين لكن بقاء هذه القوة لم يكن بقاء للسلطان بيد فرعون أو للنصر بيد فرعون خلاص انتهى هو ولذلك يقولون يبدأ السقوط من النفوس.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: وهذا مهم جداً.

الشيخ مساعد الطيار: كما أنه العزة تبدأ من النفوس ولهذا قال (بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ (35)) [القصص].

الشيخ عبد الرحمن الشهري: ظهرت لي فائدة في قوله (سُلْطَانًا مُبِينًا (144)) وهو مسألة دعوية أنه ينبغي على الداعية وعلى المسلم أنه يقيم الحجة على من يدعوهم وأن يوضح لهم الحق ببراهينه وأن يبين للناس وأن الجهاد بالبيان من أعظم أنواع الجهاد. الجهاد بإيضاح الحق للناس لغير المسلمين، للمنافقين، إيضاح الحق وبيانه والاستدلال عليه والمدافعة عنه ونصرته والانتصار للقرآن وللسنة وللإسلام ولأهله أن هذا من أعظم ما ينبغي على المسلم لأن الله سبحانه وتعالى يقول هنا (أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا (144)) تعال الله سبحانه وتعالى لو عذّب الأرض الأمم فيها جميعاً هل أحد يسأله؟

الشيخ مساعد الطيار: لا أحد.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: هل أحد له حق أصلاً إنه يسأل الله لماذا عذبت فلان ولماذا لم تعذب فلان؟ !الله لا يُسأل عما يفعل وهو يفعل ما يشاء ولا معقب لحكمه وبالرغم من ذلك هنا يقول (أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا (144)) فيها إشارة إلى أنه لا يعذِّب الله سبحانه وتعالى إلا إذا أقام الحجة وكانت حجة واضحة بينة ولذلك أرسل الرسل وأنزل الكتب وإلا الله في غنى سبحانه وتعالى عن البشر وعن عبادتهم فهذه من فوائد الآية.

الشيخ محمد الخضيري: بعد ذلك قال (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145)) قبلها تعليق على ما ذكرت الحقيقة أنا أقول ينبغي على الدعاة وهم يقيمون الحجة أن يبيِنوها ومن أنواع البيان أن الإنسان يبسطها وييسرها ويسهلها.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: ويعرضها بأكثر من طريقة.

الشيخ محمد الخضيري: ويعرضها بأكثر من طريقة وبالطريقة التي تناسب أهل العصر إذا كان العصر يؤمن مثلاً بالماديات ينبغي عليه أن يقدم أدلة مثلاً مادية، العصر يؤمن مثلاً بالقضايا الطبية وكذا يقدم الحق مشوباً أو معروضاً من جانب أو من زاوية طبية مثلاً. أقصد من هذا أن الداعية لا ينبغي له في إقامة الحق أن يجعل الحق غامضاً أو باهتاً أو ذليلاً ولذلك تلاحظ يا أبا عبد الملك أن الداعية إذا وُفِّق بحجة قوية أن الجماهير تفرح فرحاً شديداً لأنها تعرف أن هذا هو الحق لكن ليس بيدها سلطان تستنصر به على الباطل فإذا أتى الله برجل موفّق ومبِين عن الحجج ويوضحها بأيسر الأسباب فرحوا به فرحاً شديداً وصفقوا له وأحبوه حباً شديداً لأنه أنقذهم من هزيمة نكراء أمام باطل يعلمون بطلانه.

الشيخ مساعد الطيار: قوله (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) وفي قراءة (فِي الدَّرَكِ) على وزن الدَرَج وهما متقاربان قالوا الدَرَج لما كان

الشيخ عبد الرحمن الشهري: يصعد.

الشيخ مساعد الطيار: صعوداً والدَرَك لما كان

الشيخ محمد الخضيري: نزولاً.

الشيخ مساعد الطيار: نزولاً ولهذا سبحان الله (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) معنى ذلك أنهم سيضطرون إلى النزول والسفول حتى يكونون في الطبق الأسفل من النار.

الشيخ محمد الخضيري: العجيب أن كل ما ذكرت النار والجنة، الجنة يذكر فيها العلو.

الشيخ مساعد الطيار: العلو درجات.

الشيخ محمد الخضيري: والنار يذكر فيها السفول يعني لما كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: والجزاء من جنس العمل

الشيخ محمد الخضيري: سمعوا وجدة فقالوا ما هذا يا رسول الله؟ قال «هذه صخرة ألقيت في النار منذ سبعين خريفاً فهي تهوي فيها».

الشيخ عبد الرحمن الشهري: يعني سبعين سنة.

الشيخ محمد الخضيري: سبعين سنة وهي تنزل فيها نزولاً نزول صخرة ما هو نزول ريشة نزول هائل فهذا يدل وقال (كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (7) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ (8) كِتَابٌ مَرْقُومٌ (9)) [المطففين] ثم قال؟

الشيخ مساعد الطيار: (لَفِي عِلِّيِّينَ (18)) [المطففين].

الشيخ محمد الخضيري: (لَفِي عِلِّيِّينَ (18)) شف في العلو وهذا كتاب في أسفل سافلين.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: وقال (فِي الْغُرُفَاتِ) [سبأ:37] وقال (لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ) [الأنفال:4].

الشيخ محمد الخضيري: وهذا يدلنا على أن العلو شيء كبير وعظيم والسفول شيء في مقابله.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: لا وأيضاً لاحظوا سبحان الله العظيم الله سبحانه وتعالى لم يذكر هذا في الكفار الخُلّص.

الشيخ مساعد الطيار: الدرك.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: (الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) وإنما ذكره الله سبحانه وتعالى خاصاً بالمنافقين (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ) في الآخرة (فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) يعني ما عاد هناك أكثر تحديداً من هذا المكان (فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ).

الشيخ محمد الخضيري: (نَصِيرًا (145)).

الشيخ عبد الرحمن الشهري: نعم فهذا واضح أن جزاءهم الذي فعلوه في الدنيا أو عملهم الذي فعلوه في الدنيا من الخيانة والاستهزاء والسخرية والكيد وموالاة الكافرين والمكر بالمؤمنين أن هذا الجزاء المناسب له في الآخرة هو الدرك الأسفل من النار فهم أشد عذاباً على نص هذه الآية أشد عذاباً من الكفار الأصليين.

الشيخ محمد الخضيري: بلا شك لأنهم جمعوا بين الكفر وبين التظاهر بالإيمان ومخادعة الله والذين آمنوا ومخادعة رسوله والكيد للمؤمنين بصور مؤذية ومؤلمة أكثر من كيد الكفار لأن كيد الكافر يؤذيك وهو في الخارج فأنت تحتسب له وتستعد أما هذا يطعن من خلف ظهرك وأنت تقاتل عدوك.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: يا رجل حتى سبحان الله أن يحضرني بيت المثقب العبدي في قصيدته النونية المشهورة عندما يقول:

فأمّا أن تكونَ أخي بحقٍّ… فأعرفَ منكَ غثّي من سميني

وإلاَّ فاطرحِني واتّخذني… عدُوّاً أتّقيكَ وتتَّقيني

أما تصير ما أدري أنت معي وإلا ضدي ثم إذا ائتمنتك طعنتي من الخلف هذه مشكلة فالمسألة هذه حتى في الجاهلية لا بد أن تكون واضحاً فكيف في الإسلام؟ يظن الناس أنك من المسلمين وأنت من أعدائهم تكشف أسرارهم وتكون عيناً عليهم فهذا لا شك أشد عداوة من الكافر المجاهر بالعداوة.

الشيخ مساعد الطيار: ورد عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أن المنافقين يكونون في توابيت مغلقة في أسفل جهنم

الشيخ محمد الخضيري: ومثل هذا لا يقال بالرأي

الشيخ مساعد الطيار: لا، مثل هذا لا يقال بالرأي إنما أن يكونوا في الدرك الأسفل في النار هذا منطوق الآية لكن الآية لم تحدد كيفية وجودهم فابن مسعود يحدد كيفية الوجود بأنهم يكونوا في تابوت والتابوت مُطبق عليه في الدرك الأسفل فجمع بين هذا الانحشار والانحصار في التابوت وبين كونه في الدرك الأسفل من النار.

الشيخ محمد الخضيري: في قوله (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) نلاحظ وقد مررنا على هذا الفائدة مراراً ولكن نكررها لعل العلم يثبت في نفوسنا وفي نفوس من يستمع إلينا أن الوعد والوعيد والأحكام في القرآن غالباً ما تربط بالأوصاف قال (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) سؤال لماذا المنافقون في الدرك الأسفل من النار؟

الشيخ عبد الرحمن الشهري: بسبب نفاقهم.

الشيخ محمد الخضيري: بسبب نفاقهم فلما علق الحكم بوصف دل على علية ذلك الوصف وأنه علة في الحكم ولعلي أوضح هذه القضية لكن بمثال آخر لما قال الله (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13)) [الانفطار] لم يقل مثلاً “إن هؤلاء لفي نعيم”.

الشيخ مساعد الطيار: علّق على

الشيخ محمد الخضيري: على وصف

الشيخ مساعد الطيار: البر

الشيخ محمد الخضيري: فقال (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13)) [الانفطار] أي لبرّهم (وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14)) [الانفطار].

الشيخ مساعد الطيار: لفجورهم.

الشيخ محمد الخضيري: لفجورهم وهذه فائدة يستفيدها المفسر في فهم كلام الله عز وجل أن الأحكام أو أن الوعد والوعيد يُعلَّق على الأوصاف لتبقى هذه الأوصاف ثابتة يعرفها كل من يقرأ كتاب الله عز وجل.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: ويزيد هذا النعيم بزيادة البرّ ويزيد الجحيم بزيادة الفجور.

الشيخ محمد الخضيري: ويزيد البلاء هنا (فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) بزيادة النفاق.

الشيخ عبد الرحمن الشهري: ويؤكد هذا الكلام الذي ذكرته يا شيخ الآية التي بعدها في قوله (وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (146)) وهذه الآية التي بعدها عندما يقول الله سبحانه وتعالى لكن قبلها في آخر الآية في (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145)) لاحظ يعني أن الله سبحانه وتعالى قطع الأمل في الآخرة والله سبحانه تعالى يذكر في الآخرة أنه يوم القيامة لا ينفع لا يؤخذ منها عدل ولا تنفعها شفاعة حتى يقطع هذه المخارج التي

الشيخ محمد الخضيري: يتشبث

الشيخ عبد الرحمن الشهري: يتشبث بها الناس في الدنيا. يعني يدخل الإنسان في السجن مثلاً في الدنيا فيمكن أن يخرج بواسطة، يخرج بشفاعة، يخرج بفدية، يخرج بأي وسيلة من الوسائل فالله سبحانه وتعالى يقول في الآخرة ليست موجودة هذه لا يُقبل منه فدية ولا يؤخذ منه عدل ولا شفاعة. فهنا يقول (وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145)) حتى ييأس هؤلاء المنافقون من أي فرصة للخروج من هذا العذاب الذي ذكره الله سبحانه وتعالى.

الشيخ محمد الخضيري: و(نَصِيرًا) نكرة جاءت في سياق النفي فهي تدل على العموم لا يوجد أي

الشيخ عبد الرحمن الشهري: نصير.

الشيخ محمد الخضيري: نصير. طبعاً بهذا نصل إلى ختام هذه الحلقة ولكني أذكر إخواني حقيقة بخطورة النفاق وأن المسلم ينبغي أن يكون دائماً على حذر من هذا النفاق وأن لا يأمن منه وبهذا نقول أحبتي الكرام إذا قرأتم هذه الآيات فاستعيذوا بالله من النفاق وإياكم أن تأمنوا على أنفسكم أن لا تقعوا فيه بل اسألوا الله سبحانه وتعالى بتضرّع وابتهال أن لا يُبتلى الإنسان بشيء منه لا اعتقادياً ولا عملياً. أسأل الله لي ولكم التوفيق وإلى لقاء والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.